(وإذا أَخَذَ)؛ أي: شَرَعَ (في غُسْلِه, سَتَرَ عَوْرَتَهُ) وُجُوباً, وهي ما بينَ سُرَّتِه ورُكْبَتِه، (وجَرَّدَهُ) نَدْباً؛ لأنَّه أَمْكَنُ في تَغْسِيلِه وأَبْلَغُ في تَطْهِيرِه، وغُسِّلَ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ في قَمِيصٍ؛ لأنَّ فَضَلاتِه طَاهِرَةٌ,فلم يُخْشَ تَنْجِيسُ قَمِيصِه.
(وسَتَرَهُ عَن العُيُونِ) تَحْتَ سِتْرٍ في خَيْمَةٍ أو بَيْتٍ إن أَمْكَنَ؛ لأنَّه أَسْتَرُ لَهُ. (ويُكْرَهُ لغَيْرِ مُعَيَّنٍ في غُسْلِه, حُضُورُه)؛ لأنَّه رُبَّمَا كانَ في المَيِّتِ ما لا يُحَبُّ إِطْلاعُ أَحَدٍ عليه، والحاجَةُ غَيْرُ دَاعِيَةٍ إلى حُضُورِه, بخِلافِ المُعَيَّنِ, (ثُمَّ يَرْفَعُ رَأْسَهُ)؛ أي: رَأْسَ المَيِّتِ غَيْرَ أُنْثَى حَامِلٍ (إلى قُرْبِ جُلُوسِه), بحيثُ يَكُونُ كالمُحْتَضَنِ في صَدْرِ غَيْرِه, (ويَعْصِرُ بَطْنَهُ برِفْقٍ)؛ ليَخْرُجَ ما هو مُسْتَعِدٌّ للخُرُوجِ, ويكونُ هُنَاكَ بُخُورٌ.
(ويُكْثِرُ صَبَّ المَاءِ حِينَئِذٍ)؛ ليَدْفَعَ ما يَخْرُجُ بالعَصْرِ، (ثُمَّ يَلُفُّ) الغَاسِلُ (على يَدِه خِرْقَةً فيُنَجِّيهِ)؛ أي: يَمْسَحُ فَرْجَهُ بها.
(ولا يَحِلُّ مَسُّ عَوْرَةِ مَن له سَبْعُ سِنِينَ) بغَيْرِ حَائِلٍ؛ كحالِ الحَيَاةِ؛ لأنَّ التَّطْهِيرَ يُمْكِنُ بدُونِ ذلكَ.
(ويُسْتَحَبُّ أن لا يَمَسَّ سَائِرَهُ إِلاَّ بخِرْقَةٍ)؛ لفِعْل عَلِيٍّ معَ النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ. يُعِدُّ الغَاسِلُ خِرْقَتَيْنِ؛ إِحْدَاهُمَا للسَّبِيلَيْنِ, والأُخْرَى لبَقِيَّةِ بَدَنِه, (ثُمَّ يُوَضِّيهِ نَدْباً) كوُضُوئِه للصَّلاةِ؛ لِمَا رَوَت أُمُّ عَطِيَّةَ, أنَّ النَّبِيَّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ قالَ في غُسْلِ ابْنَتِه: ((ابْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا ومَوَاضِعِ الوُضُوءِ مِنْهَا)). رواهُ الجَمَاعَةُ.
وكانَ يَنْبَغِي تَأْخِيرُه عَن نِيَّةِ الغُسْلِ كما في (المُنْتَهَى) وغَيْرِه (ولا يُدْخِلُ المَاءَ فِي فِيهِ وَلاَ فِي أَنْفِه)؛ خَشْيَةَ تَحْرِيكِ النَّجَاسَةِ، (ويُدْخِلُ أُصْبَعَيْهِ)؛ إِبْهَامَهُ وسَبَّابَتَهُ (مَبْلُولَتَيْنِ)؛ أي: عليهما خِرْقَةٌ مَبْلُولَةٌ (بالماءِ بَيْنَ شَفَتَيْهِ فيَمْسَحُ أَسْنَانَهُ وفي مَنْخَرَيْهِ, فيُنَظِّفُهُمَا) بَعْدَ غَسْلِ كَفَّيِ المَيِّتِ, فيَقُومُ المَسْحُ فِيهِمَا مَقَامَ غَسْلِهِمَا؛ خَوْفَ تَحْرِيكِ النَّجَاسَةِ بدُخُولِ المَاءِ جَوْفَهُ.
(ولا يُدْخِلُهُمَا)؛ أي: الفَمَ والأنفَ (المَاءَ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ. (ثُمَّ يَنْوِي غُسْلَهُ)؛ لأنَّه طَهَارَةٌ تَعَبُّدِيَّةٌ, فاشتُرِطَتْ لها النِّيَّةُ؛ كغُسْلِ الجَنَابَةِ، (ويُسَمِّي) وُجُوباً؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (ويَغْسِلُ برَغْوَةِ السِّدْرِ) المَضْرُوبِ (رَأْسَهُ ولِحْيَتَهُ فَقَطْ)؛ لأنَّ الرَّأْسَ أَشْرَفُ الأَعْضَاءِ، والرَّغْوَةُ لا تَتَعَلَّقُ بالشَّعَرِ، (ثُمَّ يَغْسِلُ شِقَّهُ الأَيْمَنَ, ثُمَّ) شِقَّهُ (الأَيْسَرَ)؛ للحديثِ السَّابِقِ، (ثُمَّ) يُغَسِّلُه (كُلَّهُ), يُفِيضُ المَاءَ على جَمِيعِ بَدَنِه, يَفْعَلُ ما تَقَدَّمَ (ثَلاثاً) إلاَّ الوُضُوءَ, ففِي المَرَّةِ الأُولَى فَقَطْ.
(يُمِرُّ في كُلِّ مَرَّةٍ) مِن الثَّلاثِ (يَدَهُ على بَطْنِه)؛ ليُخْرِجَ ما تَخَلَّفَ, (فإنْ لَمْ يَنْقَ بثَلاثِ غَسَلاتٍ, زادَ حَتَّى يَنْقَى, ولو جاوزَ السَّبْعَ).
وكُرِهَ اقتِصَارُه في غُسْلِه على مَرَّةٍ إن لم يَخْرُجْ منه شَيْءٌ, فيَحْرُمُ الاقتِصَارُ ما دَامَ يَخْرُجُ شَيْءٌ على ما دُونَ السَّبْعِ, وسُنَّ قَطْعٌ على وِتْرٍ، ولا تَجِبُ مُبَاشَرَةُ الغُسْلِ, فلو تُرِكَ تَحْتَ مِيزَابٍ ونَحْوِه, وحَضَرَ مَن يَصْلُحُ لغُسْلِه, ونَوَى وسَمَّى وعَمَّهُ المَاءُ كَفَى.
(ويَجْعَلُ في الغَسْلَةِ الأَخِيرَةِ) نَدْباً (كَافُوراً) وسِدْراً؛ لأنَّه يَصْلُبُ الجَسَدَ ويَطْرُدُ عَنْهُ الهَوَامَّ برَائِحَتِه. (والماءُ الحَارُّ) يُسْتَعْمَلُ إذا احتِيجَ إليه، (والأُشْنَانُ) يُسْتَعْمَلُ إذا احْتِيجَ إليهِ, (والخِلالُ يُسْتَعْمَلُ إذا احتيجَ إليهِ), فإن لم يُحْتَجْ إليها كُرِهَت.
(ويَقُصُّ شَارِبَهُ ويُقَلِّمُ أَظْفَارَهُ) نَدْباً إِنْ طَالاَ، ويُؤْخَذُ شَعَرُ إِبِطَيْهِ، ويُجْعَلُ المَأْخُوذُ معَهُ كعُضْوٍ سَاقِطٍ، وحَرُمَ حَلْقُ رَأْسِه وأَخْذُ عَانَتِه؛ كخَتْنٍ، (ولا يُسَرِّحُ شَعَرَهُ)؛ أي: يُكْرَهُ ذلكَ؛ لِمَا فيه مِن تَقْطِيعِ الشَّعَرِ مِن غَيْرِ حَاجَةٍ إليه، (ثُمَّ يُنَشَّفُ) نَدْباً (بثَوْبٍ)؛ كما فُعِلَ به صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ, (ويُضْفَرُ) نَدْباً (شَعَرُهَا)؛ أي: الأُنْثَى (ثَلاثَةَ قُرُونٍ, ويُسْدَلُ وَرَاءَهَا)؛ لقَوْلِ أُمِّ عَطِيَّةَ: (فَضَفَرْنَا شَعَرَهَا ثَلاثَةَ قُرُونٍ, وأَلْقَيْنَاهُ خَلْفَهَا). رواه البُخَارِيُّ.
(وإن خرَجَ مِنْهُ)؛ أي: المَيِّتِ (شَيْءٌ بَعْدَ سَبْعِ) غَسَلاتٍ, (حُشِيَ) المَحَلُّ (بقُطْنٍ)؛ ليَمْنَعَ الخَارِجَ؛ كالمُسْتَحَاضَةِ.
(فإن لم يَسْتَمْسِكْ) بالقُطْنِ (فبطِينٍ حُرٍّ)؛ أي: خَالِصٍ؛ لأنَّ فيهِ قُوَّةً تَمْنَعُ الخَارِجَ، (ثُمَّ يُغْسَلُ المَحَلُّ) المُتَنَجِّسُ بالخَارِجِ، (ويُوَضَّأُ) المَيِّتُ وُجُوباً؛ كالجُنُبِ إذا أَحْدَثَ بَعْدَ الغُسْلِ، (وإنْ خَرَجَ) مِنْهُ شَيْءٌ (بَعْدَ تَكْفِينِه لم يُعِدِ الغُسْلَ)؛ دَفْعاً للمَشَقَّةِ، ولا بَأْسَ بقَوْلِ غَاسِلٍ له: انقَلِبْ يَرْحَمْكَ اللَّهُ. ونَحْوَه.
ولا يُغَسِّلُه في حَمَّامٍ.