(وأَوْقَاتُ النَّهْيِ خَمْسَةٌ):
الأوَّلُ: (مِن طُلُوعِ الفَجْرِ الثَّانِي إلى طُلُوعِ الشَّمْسِ)؛ لقَوْلِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: ((إِذَا طَلَعَ الفَجْرُ فَلا صَلاَةَ إِلاَّ رَكْعَتَيِ الفَجْرِ)) احتَجَّ به أَحْمَدُ.
(و) الثَّانِي: (مِن طُلُوعِهَا حتَّى تَرْتَفِعَ قِيدَ) بكَسْرِ القَافِ؛ أي: قَدْرَ (رُمْحٍ) في رَأْيِ العَيْنِ.
(و) الثَّالِثُ: (عند قِيَامِهَا حتَّى تَزُولَ)؛ لقَوْلِ عُقْبَةَ بنِ عَامِرٍ: (ثَلاثُ سَاعَاتٍ نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ أنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ وأَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ، وحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حتَّى تَزُولَ، وحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ للغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ). رواهُ مُسْلِمٌ. وتَضَيَّفُ بفَتْحِ المُثَنَّاةِ فَوْقُ؛ أي: تَمِيلُ.
(و) الرَّابِعُ: (مِن صَلاةِ العَصْرِ إلى غُرُوبِهَا)؛ لقَوْلِهِ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ: ((لاَ صَلاَةَ بَعْدَ الْفَجْرِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، ولاَ صَلاَةَ بَعْدَ صَلاَةِ العَصْرِ حَتَّى تَغِيبَ الشَّمْسُ)). مُتَّفَقٌ عليه, عَن أَبِي سَعِيدٍ.
والاعتِبَارُ بالفَرَاغِ مِنْها لا بالشُّرُوعِ فيها، ولو فُعِلَت في وَقْتِ الظُّهْرِ جَمْعاً, لَكِنْ تُفْعَلُ سُنَّةُ الظُّهْرِ بَعْدَها.
(و) الخَامِسُ: (إذا شَرَعَتِ) الشَّّمْسُ (فيهِ)؛ أي: في الغُرُوبِ (حتَّى يَتِمَّ)؛ لِمَا تَقَدَّمَ.
(ويَجُوزُ قَضَاءُ الفَرَائِضِ فِيهَا)؛أي: في أَوْقَاتِ النَّهْيِ كُلِّهَا؛ لعُمُومِ قَوْلِه عليه السَّلامُ: ((مَنْ نَامَ عَنْ صَلاَةٍ أَو نَسِيَهَا فَلْيُصَلِّهَا إِذَا ذَكَرَهَا)). مُتَّفَقٌ عليه.
ويجوزُ أَيْضاً فِعْلُ المَنْذُورَةِ فيها؛ لأنَّها صَلاةٌ وَاجِبَةٌ, (و) يجوزُ حتَّى (في الأَوْقَاتِ الثَّلاثَةِ) القَصِيرَةِ (فِعْلُ رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ)؛ لقَوْلِه صلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: ((لاَ تَمْنَعُوا أَحَداً طَافَ بِهَذَا البَيْتِ وَصَلَّى فِيهِ فِي أيِّ سَاعَةٍ شَاءَ مِن لَيْلٍ أَو نَهَارٍ)) رواهُ التِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ.
(وتَجُوزُ) فيها (إعادَةُ جمَاعَةٍ) أُقِيمَت وهو بالمَسْجِدِ؛ لِمَا رَوَى يَزِيدُ بنُ الأَسْوَدِ قالَ: (صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلَّى اللَّهُ علَيْه وسَلَّمَ صَلاةَ الفَجْرِ، فَلَمَّا قَضَى صَلاتَهُ إِذَا هُوَ بِرَجُلَيْنِ لَمْ يُصَلِّيَا مَعَهُ، فقالَ: ((مَا مَنَعَكُمَا أَنْ تُصَلِّيَا مَعَنَا؟)) فقَالاَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَدْ صَلَّيْنَا فِي رِحَالِنَا. قالَ: ((لاَ تَفْعَلا، إِذَا صَلَّيْتُمَا فِي رِحَالِكُمَا ثُمَّ أَتَيْتُمَا مَسْجِدَ جَمَاعَةٍ, فَصَلِّيَا مَعَهُمْ؛ فَإِنَّهَا لَكُمَا نَافِلَةٌ)) رواهُ التِّرْمِذِيُّ وصَحَّحَهُ.
فإذا وَجَدَهُم يُصَلُّونَ لم يُسْتَحَبَّ الدُّخُولُ, وتَجُوزُ الصَّلاةُ على الجِنَازَةِ بعدَ الفَجْرِ والعَصْرِ دونَ بَقِيَّةِ الأوقاتِ, ما لم يَخَفْ عَلَيْهَا، (ويَحْرُمُ تَطَوُّعٌ بغَيْرِهَا)؛ أي: غَيْرِ المُتَقَدِّمَاتِ؛ مِن إِعَادَةِ جَمَاعَةٍ، ورَكْعَتَيْ طَوَافٍ، ورَكْعَتَيْ فَجْرٍ قَبْلَها (في شَيْءٍ مِن الأَوْقَاتِ الخَمْسَةِ حتَّى مَا له سَبَبٌ)؛ كتَحِيَّةِ مَسْجِدٍ, وسُنَّةِ وُضُوءٍ, وسَجْدَةِ تِلاوَةٍ, وصَلاةٍ علَى قَبْرٍ أو غَائِبٍ, وصَلاةِ كُسُوفٍ, وقَضَاءِ رَاتِبَةٍ, سِوَى سُنَّةِ ظُهْرٍ بَعْدَ العَصْرِ المَجْمُوعَةِ إليها.
ولا يَنْعَقِدُ النَّفْلُ إِن ابتَدَأَهُ [في] هذهِ الأَوْقَاتِ, ولو جَاهِلاً, إلاَّ تَحِيَّةَ مَسْجِدٍ إذا دَخَلَ حَالَ خُطْبَةِ الجُمُعَةِ, فتَجُوزُ مُطْلَقاً، ومَكَّةُ وغَيْرُهَا في ذلكَ سَوَاءٌ.