فصلٌ
في الاستثناءِ في الطلاقِ. (ويَصِحُّ منه)؛ أي: من الزوجِ (استثناءُ النصفِ فأقَلَّ مِن عددِ الطلاقِ، و) عددِ (المُطَلَّقَاتِ)، فلا يَصِحُّ استثناءُ الكلِّ، ولا أكثرُ مِن النصفِ، (فإذا قالَ: أنتِ طالقٌ طَلْقَتَيْنِ إلاَّ واحدةً. وَقَعَتْ واحدةٌ)؛ لأنَّه كلامٌ مُتَّصِلٌ, أَبَانَ بهِ أنَّ المُسْتَثْنَى غيرُ مُرادٍ بالأوَّلِ، قالَ تعالَى حِكَايَةً عن إبراهيمَ: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ إِلاَّ الَّذِي فَطَرَنِي}. يُرِيدُ به البَرَاءَةَ مِن غيرِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ، (وإنْ قالَ:) أنتِ طالِقٌ (ثلاثاً إلاَّ واحدةً. فطَلْقَتَانِ)؛ لِمَا سَبَقَ، وإنْ قالَ: إلاَّ طَلْقَتَيْنِ إلاَّ واحدةً. فكذلكَ؛ لأنَّه اسْتَثْنَى ثِنْتَيْنِ إلاَّ واحدةً مِن ثلاثٍ، فيَقَعُ ثِنتانِ، وإنْ قالَ: ثلاثاً إلاَّ ثلاثاً، أو إلاَّ ثِنْتَيْنِ. وَقَعَ الثلاثُ، (وإنِ اسْتَثْنَى بِقَلْبِهِ مِن عددِ المطلَّقاتِ) بأنْ قالَ: نِسَاؤُه طوالِقُ. ونَوَى إلاَّ فلانةَ، (صَحَّ) الاستثناءُ، فلا تُطَلَّقُ؛ لأنَّ قولَه: نِسائِي طوالِقُ. عامٌّ يَجُوزُ التعبيرُ بهِ عن بعضِ ما وُضِعَ له؛ لأنَّ استعمالَ اللفظِ العامِّ في المخصوصِ سائغٌ في الكلامِ، (دونَ المطلَّقَاتِ) فإذا قالَ: هي طالقٌ. ثلاثاً. ونَوَى إلاَّ واحدةً, وَقَعَتِ الثلاثُ؛ لأنَّ العددَ نَصٌّ فيما يَتَنَاوَلُهُ، فلا يَرْتَفِعُ بالنيَّةِ؛ لأنَّ اللفظَ أَقْوَى من النيَّةِ.
وكذا لو قالَ: نِسَائِي الأربعُ طوالِقُ. واستثنَى واحدةً بقَلْبِهِ, فتُطَلَّقُ الأربعُ، (وإنْ قالَ) لزوجاتِهِ: (أَرْبَعَتُكُنَّ إلاَّ فلانةَ طوالِقُ. صَحَّ الاستثناءُ)، فلا تَطْلُقُ المُسْتَثْنَاةُ؛ لِخُرُوجِها مِنْهُنَّ بالاستثناءِ، (ولا يَصِحُّ استثناءٌ لم يَتَّصِلْ عادَةً)؛ لأنَّ غيرَ المتَّصِلِ يَقْتَضِي رَفْعَ ما وَقَعَ بالأوَّلِ، والطلاقُ إذا وَقَعَ لا يُمْكِنُ رَفْعُه، بخلافِ المتَّصِلِ؛ فإنَّ الاتصالَ يَجْعَلُ اللفظَ جملةً واحدةً، فلا يَقَعُ الطلاقُ قبلَ تَمَامِها، ويَكْفِي اتِّصَالُهُ لَفْظاً أو حُكْماً؛ كانقطاعِهِ بِتَنَفُّسٍ أو سُعَالٍ ونحوِهِ، (فلو انْفَصَلَ) الاستثناءُ (وأَمْكَنَ الكلامُ دُونَهُ, بَطَلَ) الاستثناءُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ، (وشَرْطُهُ)؛ أي: شَرْطُ صحَّةِ الاستثناءِ (النيَّةُ)؛ أي: نيَّةُ الاستثناءِ (قبلَ كمالِ ما اسْتَثْنَى منه)، فإنْ قالَ: أنتِ طالقٌ ثلاثاً. غيرَ ناوٍ للاستثناءِ، ثمَّ عَرَضَ له الاستثناءُ فقالَ: إلاَّ واحدةً. لم يَنْفَعْهُ الاستثناءُ، ووَقَعَتِ الثلاثُ، وكذا شَرْطٌ مُتَأَخِّرٌ ونحوُه؛ لأنَّها صَوَارِفُ اللفظِ مِن مُقْتَضَاهُ، فوَجَبَ مُقَارَنَتُها لفظاً ونِيَّةً.