دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > دورات برنامج إعداد المفسّر > رسائل التفسير

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 رمضان 1441هـ/2-05-2020م, 12:51 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي رسالة في تفسير قول الله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين}

رسالة في تفسير قول الله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين}

العناصر
تفسير قول الله تعالى: {حافظوا على الصلوات}.
- معنى المحافظة على الصلوات.

- فضل المحافظة على الصلوات الخمس.
- معنى التعريف في الصلوات.
تفسير قول الله تعالى: {والصلاة الوسطى}.
- نزول الآية.
- معنى الوسطى.
- معنى التعريف في الصلاة الوسطى.
- المراد بالصلاة الوسطى.

- المؤلّفات المفردة في هذه المسألة.
- أقوال السلف في المراد بالصلاة الوسطى.
- مسالك العلماء في هذه المسألة.
- وجه آخر في هذه المسألة.

تفسير قول الله تعالى: {وقوموا لله قانتين}.
- معنى القنوت.
- معنى القيام لله.
- بم يكون العبد من القانتين.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 شوال 1443هـ/11-05-2022م, 09:26 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

تفسير قول الله تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ}
معنى المحافظة على الصلوات
المحافظة مفاعلة من الحفظ، وهذه الصيغة تدلّ على تكرار ومداومة على الحفظ، كما قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9)}، وقال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (34)}
- وقال مالك، عن نافع، مولى عبد الله بن عمر، أن عمر بن الخطاب كتب إلى عماله: (إن أهمَّ أمركم عندي الصلاة، مَنْ حفظها وحافظ عليها حفظ دينه، ومَنْ ضيّعها فهو لما سواها أضيع). رواه مالك في الموطأ، ومن طريقه عبد الرزاق في مصنفه.
وروى عبد الرزاق، عن معمر، عن أيوب، عن نافع، عن ابن عمر مثله.
وَحِفْظ الصلاة: أداؤها في وقتها على ما سنّه النبي صلى الله عليه وسلم من غير غلوّ ولا تفريط، كما قال صلى الله عليه وسلم: (صلوا كما رأيتموني أصلي).
وهذا يستلزم المحافظة على ما تصحّ به الصلاة من إتمام شروط صحتها وشروط أدائها.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء صلاته: ((ارجع فصلّ فإنّك لم تصل)). متفق عليه من حديث سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه.
- وقال همام بن يحيى العوذي: حدثنا قتادة، عن حنظلة الكاتب، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقول: ((من حافظ على الصلوات الخمس: ركوعهن، وسجودهن، ووضوئهن، ومواقيتهن، وعلم أنهن حق من عند الله دخل الجنة)). رواه أحمد، وفيه انقطاع، لكنه صحيح بشواهده.
- وقال يحيى بن سعيد الأنصاري، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن ابن محيريز أنَّ رجلاً من بني كنانة يدعى المخدّجي، سمع رجلاً بالشام يدعى أبا محمد، يقول: إن الوتر واجب، قال المخدّجي: فرحت إلى عبادة بن الصامت، فأخبرته، فقال عبادة: كذب أبو محمد، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «خمس صلوات كتبهن الله على العباد، فمن جاء بهن لم يضيع منهنَّ شيئاً استخفافاً بحقهنَّ كان له عند الله عهد أن يدخله الجنة، ومن لم يأت بهنَّ فليس له عند الله عهد، إن شاء عذبه، وإن شاء أدخله الجنة». رواه مالك، وأحمد، والدارمي، وأبو داوود.
- وقال داود بن أبي هند، عن أبي حرب بن أبي الأسود، عن عبد الله بن فضالة، عن أبيه، قال: علَّمني رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان فيما علمني «وحافظ على الصلوات الخمس».
قال: قلت: إن هذه ساعات لي فيها أشغال فمرني بأمر جامع إذا أنا فعلته أجزأ عني.
فقال: «حافظ على العصرين» وما كانت من لغتنا.
فقلت: وما العصران؟
فقال: «صلاة قبل طلوع الشمس، وصلاة قبل غروبها». رواه أبو داوود، والحاكم.
- وقال أبو زهيرٍ، عن الأعمش، عن مسلمٍ أبي الضحى عن مسروقٍ، في قوله: {حافظوا على الصّلوات} قال: (المحافظة عليها: المحافظة على وقتها، وعدم السّهو عنها). رواه ابن جرير.

- وقال بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان: (قوله: {حافظوا على الصّلوات} يعني: مواقيتها، ووضوئها، وتلاوة القرآن فيها، والتّكبير والرّكوع، والتّشهّد والصّلاة على النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؛ فمن فعل ذلك فقد أتمّها وحافظ عليها). رواه ابن أبي حاتم.

- وقال أبو سنان ضرار بن مرة، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (من قرأ في ليلة مئةَ آية كُتب من القانتين، ومن حافظ على الصلوات الخمس لم يكتب من الغافلين). رواه سعيد بن منصور.
- وقال ابن عبد البر: (من لم يحافظ على أوقات الصلوات لم يحافظ على الصلوات، كما أن من لم يحافظ على كمال وضوئها وتمام ركوعها وسجودها؛ فليس بمحافظ عليها ومن لم يحافظ عليها فقد ضيعها ومن ضيعها فهو لما سواها أضيع).
- وقال ابن كثير: (يأمر الله تعالى بالمحافظة على الصلوات في أوقاتها، وحفظ حدودها وأدائها في أوقاتها، كما ثبت في الصحيحين عن ابن مسعود قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي العمل أفضل؟
قال: "الصلاة على وقتها".
قلت: ثم أي؟
قال: "الجهاد في سبيل الله".
قلت: ثم أي؟
قال: "بر الوالدين".
قال: "حدثني بهن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو استزدته لزادني").
- وقال همام بن يحيى العوذي: حدثني قتادة، عن الحسن، عن حريث بن قبيصة، قال: قدمت المدينة، فقلت: اللهم يسر لي جليسا صالحاً، قال فجلست إلى أبي هريرة، فقلت: إني سألت الله أن يرزقني جليساً صالحاً، فحدثني بحديث سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعل الله أن ينفعني به، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنَّ أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته، فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر، فإن انتقص من فريضته شيء قال الربُّ عز وجل: انظروا هل لعبدي من تطوع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة، ثم يكون سائر عمله على ذلك)). رواه الترمذي والنسائي.
- وقال يزيد بن هارون: أخبرنا داود بن أبي هند، عن زرارة بن أوفى، عن تميم الداري قال: (أول ما يحاسب به العبد الصلاة المكتوبة؛ فإن أتمها وإلا قيل: انظروا هل له من تطوع؛ فأكملت الفريضة من تطوعه؛ فإن لم تكمل الفريضة، ولم يكن له تطوع أخذ بطرفيه فقذف به في النار). رواه ابن أبي شيبة.
ورواه الدارمي من طريق حماد بن سلمة عن داوود بن أبي هند به مرفوعاً، ولا يصح رفعه.
- وقال أبان بن يزيد العطار: أخبرنا قتادة، عن الحسن، عن أنس بن حكيم، عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة يحاسب بصلاته؛ فإن صلحت فقد أفلح وأنجح، وإن فسدت فقد خاب وخسر» رواه ابن أبي شيبة.
- وقال حماد بن سلمة، عن الأزرق بن قيس، عن يحيى بن يعمر، عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول ما يحاسب به العبد صلاته، فإن كان أتمها كتبت له تامة، وإن لم يكن أتمها قال الله عز وجل: انظروا هل تجدون لعبدي من تطوع فتكملوا بها فريضته؟ ثم الزكاة كذلك، ثم تؤخذ الأعمال على حسب ذلك). رواه أحمد.

فضل المحافظة على الصلوات الخمس
ومن حافظ على الصلوات الخمس فكأنما عمر يومه وليلته بعبادة الله تعالى، وذلك أن الصلوات الخمس بخمسين صلاة، وما يتبع الصلوات من الأدعية والأذكار والتلاوة أجور مضاعفة.
- وقال عبد الله بن المبارك: حدثنا حماد بن سلمة عن بشر بن حرب قال: توفي ابنٌ لسالم بن عبد الله بن عمر فجعل يستثير الحصى بيده، فرفع ابن عمر، ليضرب صدره، فأخذ بيده، فقال: «لعلك حزنت» قال: لا، ولكني عبثت بالحصى قال: «يا بنيّ صل صلاة الفجر ثم انتشر، فإذا حضرت الظهر ثم انتشر» فقال ذلك في الصلوات كلها، وقال في العشاء: «صلّ ثم نم، فوالله لقد أُخبرت أنَّ الله يعجب من صلاة الجميع». رواه ابن المبارك في الزهد والرقائق.
- وقال يحيى بن يحيى الليثي: حدثنا عطاف بن خالد المخزومي، عن عبد الرحمن بن حرملة، عن سعيد بن المسيب أنه كان يقول: «من حافظ على الصلوات الخمس فقد ملأ اليدين والنحر من عبادة الله». رواه محمد بن نصر في تعظيم قدر الصلاة، ورواه أبو نعيم في الحلية من طريق قتيبة بن سعيد عن عطاف به ولفظه: «من حافظ على الصلوات الخمس في جماعة فقد ملأ البر والبحر عبادة».
- وقال ابن أبي حاتم: سمعت أبا زرعة في سنة اثنتين وستين ومائتين يقول: (كنت منذ سنين، نحو عشرين سنة ربما خطر ببالي تقصيري وتقصير الناس في الأعمال في النوافل والحج والصيام والجهاد؛ فكثر ذلك في قلبي؛ فرأيت ليلةً فيما يرى النائم كأنَّ آتياً أتاني فضرب يده بين كتفي فقال: (قد أكثرت من العبادة! وأيّ عبادة أفضل من الصلوات الخمس في جماعة؟!!).

معنى التعريف في الصلوات
التعريف في الصلوات فيه وجهان:
أحدهما: العهد الذهني، ويراد بها الصلوات المكتوبات.
والآخر: الجنس، ويكون الأمر بالمحافظة على الصلوات الواجبة أمر وجوب، والمحافظة على الصلوات المستحبة أمر استحباب.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10 شوال 1443هـ/11-05-2022م, 09:28 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

تفسير قول الله تعالى: {والصلاة الوسطى}
نزول الآية
- قال الفضيل بن مرزوق عن شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (نزلت هذه الآية: [حافظوا على الصلوات وصلاة العصر] فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله، فنزلت: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}).
فقال رجل كان جالساً عند شقيق له: هي إذن صلاة العصر!
فقال البراء: (قد أخبرتك كيف نزلت، وكيف نسخها الله، والله أعلم). رواه أحمد في مسنده، ومسلم في صحيحه.

معنى الوسطى
الوسطى فُعلى من الوسط، وهي صيغة تفضيل للفظ المؤنث، كما أنّ الأوسط صيغة تفضيل للفظ المذكر.
والوسط في اللغة يُطلق على معنيين:
المعنى الأول: العَدْلُ الخيارُ من كلّ شيء، ومنه قوله تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطاً} أي: عدلاً خياراً.
وقوله تعالى: {قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون} أي: أعدلهم وأفضلهم وأمثلهم رأياً، كما قال تعالى: {إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوماً}.
والمعنى الثاني: المتوسّط بين طرفين أو أكثر.
قال ذو الأصبع العدواني:
يا رُبَّ ثوبٍ حواشيه كأوسطه ... لا عيبَ في الثوب من حُسْنٍ ومن لِينِ
معنى التعريف في الصلاة الوسطى
والتعريف في الصلاة الوسطى فيه وجهان:
أحدهما: أنه للعهد الذهني، وعليه يُحمل قول من فسّر الصلاة الوسطى بصلاة واحدة من الصلوات المكتوبات.
والآخر: التعريف الذي يفيد معنى الأولوية، وهذا يختلف باختلاف محمل الأولوية؛ فيصحّ أن يقع على أكثر من صلاة باعتبارات مختلفة.
والتعريف الذي يفيد معنى الأولوية مثاله قول الله تعالى: { قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)}
أي: هم الأولى بوصف الخسران ممن يخسر تجارته أو بعض أحبابه في الحياة الدنيا.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن به، فيتصدق عليه ولا يقوم فيسأل الناس».
أي: هو أولى بوصف المسكنة، وهذا لا ينفي وصف المسكنة عن غيره.
وقوله صلى الله عليه وسلم: «إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة، وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار»

المراد بالصلاة الوسطى
للصحابة والتابعين أقوالٌ متعددة في تعيين المراد بالصلاة الوسطى، وذلك لاختلاف اعتباراتهم في تعيين المراد بوصف الوسطى، ولا تكاد تخلو صلاة من الصلوات الخمس من اعتبار يصحّ أن تكون به وسطى، حتى روي عن بعضهم في هذه المسألة روايات مختلفة.
- قال شعبة: سمعت قتادة يحدّث عن سعيد بن المسيّب قال: (كان أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيه هكذا، يعني مختلفين في الصّلاة الوسطى، وشبّك بين أصابعه). رواه ابن جرير.
والأقوال المأثورة عن السلف في هذه المسألة نحو خمسة أقوال، ثم كثر الاختلاف في هذه المسألة بعد ذلك وتوسّع المفسّرون في حكاية الخلاف فيها حتى أفردت فيها مؤلفات، وأوصل بعضهم الأقوال فيها إلى نحو عشرين قولاً.

ومن المؤلفات المفردة في هذه المسألة:
1: الجواب عن قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} لأبي داوود سليمان بن نجاح الأندلسي(ت:496هـ)، ذكره الذهبي في تاريخ الإسلام.
2: جزء في الصلاة الوسطى، لعلم الدين السخاوي(ت:643هـ)، ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري، وذكر أنه رجح فيه أنها صلاة الوتر.
3: كشف المغطّى في تبيين الصلاة الوسطى، للحافظ عبد المؤمن بن خلف الدمياطي(ت:705هـ)، وقد طبع بتحقيق: محمد بن ناصر العجمي.
ورجّح أنها العصر.
4: كتاب مفرد في الصلاة الوسطى، للحافظ ابن كثير، أشار إليه في تفسيره.
5: منظومة في الصلاة الوسطى، لمحب الدين أبي الفضل محمد بن محمد ابن الشحنة الحلبي الحنفي(ت:890هـ)، في خمسة أبيات ثم شرحها في كتاب.
6: اليد البُسطى في تعيين الصلاة الوسطى، لجلال الدين السيوطي، ورجّح فيها أنها صلاة الظهر.
7: اللفظ الموطأ في الصلاة الوسطى، للفقيه مرعي بن يوسف الكرمي الحنبلي(ت:1033هـ)، وقد طبع بتحقيق هناء بنت عبد الله المطوع، وله طبعة أخرى بتحقيق: عبد العزيز بن مبروك الأحمدي.
8: رسالة في الكلام على الصلاة الوسطى، لمحمد مرتضى الزبيدي(ت:1205هـ)
9: رسالة في تفسير قوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} للشيخ محمد بن علي الشوكاني(ت:1250هـ).

أقوال السلف في المراد بالصلاة الوسطى
اختلف السلف في المراد بالصلاة الوسطى على أقوال:
القول الأول: هي صلاة العصر
وهذا القول رويت فيه أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقال به جماعة من الصحابة منهم: عليّ بن أبي طالب، وأبيّ بن كعب، وابن مسعود، وعائشة، وحفصة، وأمّ سلمة، وأبو هريرة، وسمرة بن جندب، وأبو سعيد الخدري.
وهو رواية عن ابن عباس، وابن عمر.
وقال به من التابعين: عَبيدة السلماني، وزرّ بن حبيش، وعبيد بن عمير، وسعيد بن جبير، والضحاك، وأبو حنيفة.
وقال به بعدهم: محمد بن الحسن الشيباني، والقاضي أبو يوسف.
واختاره البخاري، ورجّحه ابن جرير، والطحاوي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، وابن حجر العسقلاني،

الأحاديث المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم
- قال هشام بن حسان: حدثنا محمد بن سيرين، عن عَبيدة السلماني، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يوم الخندق «حبسونا عن صلاة الوسطى حتى غابت الشمس ملأ الله قبورهم وبيوتهم نارا». رواه البخاري ومسلم.
- وقال شعبة، عن الحكم، عن يحيى بن الجزار، عن علي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قاعداً يوم الخندق على فرضة من فرض الخندق، فقال: «شغلونا عن الصلاة الوسطى حتى غابت الشمس، ملأ الله بطونهم وبيوتهم نارا». رواه أحمد.
- وقال أبو الضحى مسلم بن صبيح، عن شتير بن شكل، عن علي، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر، ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً»، ثم صلاها بين العشاءَين، بين المغرب والعشاء). رواه أحمد، ومسلم، والنسائي في الكبرى.
- وقال يحيى بن آدم: حدثنا سفيان، عن عاصم، عن زر، قال: قلنا لعَبيدة: سَلْ علياً عن صلاة الوسطى فسأله؛ فقال: كنا نراها الفجر فسمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول يوم الأحزاب: «شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله قبورهم وأجوافهم ناراً». رواه النسائي في الكبرى.
- قال ابن حجر العسقلاني: (وهذه الرّواية تدفع دعوى من زعم أنّ قوله "صلاة العصر" مدرجٌ من تفسير بعض الرّواة وهي نصٌّ في أنّ كونها العصر من كلام النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وأنّ شبهة من قال إنّها الصّبح قويّةٌ، لكن كونها العصر هو المعتمد).
- وقال عون بن سلام الكوفي: أخبرنا محمد بن طلحة بن مصرف اليامي، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله بن مسعود، قال: حبس المشركون رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن صلاة العصر حتى احمرّت الشمس أو اصفرّت، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله أجوافهم وقبورهم ناراً». رواه مسلم.
- وقال محمود بن غيلان: حدّثنا أبو النّضر وأبو داود، عن محمّد بن طلحة بن مصرّفٍ، عن زبيدٍ، عن مرّة، عن عبد الله بن مسعودٍ، قال: قال رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم: (صلاة الوسطى صلاة العصر). رواه الترمذي.
- وقال هلال بن خباب، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: قاتل النبي صلى الله عليه وسلم عدوا، فلم يفرغ منهم حتى أخر العصر عن وقتها، فلما رأى ذلك قال: ((اللهم من حبسنا عن الصلاة الوسطى، فاملأ بيوتهم نارا، واملأ قبورهم نارا)). رواه أحمد.
- وقال يحيى بن سعيد القطان، عن سعيد، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصلاة الوسطى صلاة العصر».رواه أحمد.
- وقال عفان بن مسلم وبهز بن أسد: حدثنا أبان [هو ابن يزيد العطار]، حدثنا قتادة، عن الحسن، عن سمرة، أن نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: {حافظوا على الصلوات}
قال عفان: الصلاة، {والصلاة الوسطى}، وسماها لنا: (أنها هي صلاة العصر). رواه أحمد.
- وقال أبو الجماهر: حدثنا سعيد بن بشير، عن قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب: «أن نبي الله صلى الله عليه وسلم أمرنا أن نحافظ على الصلوات والصلاة الوسطى، وأنبأنا أنها صلاة العصر». رواه الطبراني في المعجم الكبير.
- وقال همام: حدثنا قتادة، عن الحسن، عن سمرة بن جندب، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «الصلاة الوسطى صلاة العصر». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال يزيد بن زريعٍ، عن سعيدٍ، عن قتادة، قال: حدّثنا الحسن، عن سمرة بن جندبٍ، أنّ نبيّ الله صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (صلاة الوسطى صلاة العصر). رواه الترمذي.
- وقال ابن أبي عدي: أنبأنا إسماعيل بن مسلم، عن الحسن، عن سمرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الصلاة الوسطى صلاة العصر». رواه ابن جرير.

وقد استدلّ لهذا القول بأحاديث لا تصحّ منها:
1: ما رواه ابن جرير في تفسيره من طريق أبي أحمد الزبيري قال: حدثنا عبد السلام، عن سالم مولى أبي نصير قال: حدثني إبراهيم بن يزيد الدّمشقيّ قال: كنت جالسًا عند عبد العزيز بن مروان، فقال: يا فلان اذهب إلى فلانٍ فقل له: أيّ شيءٍ سمعت من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الصّلاة الوسطى؟
فقال رجلٌ جالسٌ: أرسلني أبو بكرٍ، وعمر، وأنا غلامٌ صغيرٌ أسأله عن الصّلاة الوسطى، فأخذ إصبعي الصّغيرة فقال: هذه الفجر، وقبض الّتي تليها وقال: هذه الظّهر، ثمّ قبض الإبهام؛ فقال: هذه المغرب، ثمّ قبض التي تليها، ثمّ قال: هذه العشاء، ثمّ قال: أيّ أصابعك بقيت؟
فقلت: الوسطى، فقال: أيّ صلاةٍ بقيت؟
قلت: العصر.
قال: ((هي العصر)).
عبد السلام هو ابن حرب الملائي، ثقة له مناكير، وسالم مولى أبي نصير مجهول.
2: ما رواه ابن جرير والطحاوي في شرح معاني الآثار، وابن حبان في الثقات من طريق خالد بن دهقان قال: أخبرني خالد سَبَلان عن كهيل بن حرملة النمري، عن أبي هريرة أنه أقبل حتى نزل دمشق على آل أبي كلثم الدوسي؛ فأتى المسجد فجلس في غربيه؛ فتذاكروا الصلاة الوسطى؛ فاختلفوا فيها؛ فقال: اختلفنا فيها كما اختلفتم ونحن بفناء بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفينا الرجل الصالح أبو هاشم بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس؛ فقال: (أنا أعلم لكم ذلك)
فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان جريّا عليه؛ فاستأذن فدخل، ثم خرج إلينا «فأخبرنا أنها صلاة العصر».
خالد سبلان هو خالد بن عبد الله بن الفرج مولى بني عبس، وسَبَلان لقبه، قيل: لعظم لحيته، ذكره ابن حبان في الثقات ولم يوثقه غيره، وكذلك كهيل بن حرملة النمري.
وأبو هاشم بن عتبة صحابي أسلم يوم الفتح، وذهبت عينه يوم اليرموك، وسكن الشام حتى مات في خلافة عثمان، وهو أخو مصعب بن عمير لأمه، وخال معاوية بن أبي سفيان.

ما روي موقوفاً على عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه
- قال ابن علية، عن أبي حيّان التّيمي، عن أبيه، قال: سأل رجلٌ عليًّا رضي اللّه عنه عن صلاة الوسطى، فلم يردّ عليه شيئًا، وأقيمت صلاة العصر، فلمّا فرغ، قال: ((أين السّائل عن الصّلاة الوسطى؟))
قال: أنا هذا.
قال: ((هي هذه الصّلاة)). رواه سعيد بن منصور.
- وقال مسعر بن كدام، عن سلمة، عن أبي الأحوص، عن علي، قال: «هي التي فرط فيها ابن داود وهي العصر». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال أبو معاوية البجليّ: سمعت أبا الصّهباء البكريّ، يقول: سألت عليّ بن أبي طالبٍ، عن الصّلاة الوسطى؟
فقال: (هي صلاة العصر، وهي الّتي فتن بها سليمان بن داود صلّى اللّه عليه وسلّم).رواه ابن جرير.

ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
- قال أبو داود الطيالسي، عن محمد بن طلحة، عن زبيد، عن مرة، عن عبد الله، قال: «هي العصر». رواه ابن أبي شيبة.

ما روي عن أبيّ بن كعب رضي الله عنه
- قال خالد بن مهران الحذاء عن أبي قلابة الجرمي، عن عمّه أبي المهلَّب الجرمي، عن أبي بن كعب، قال: «الصلاة الوسطى صلاة العصر». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال أيوب، عن أبي قلابة، عن أبي بن كعب، قال: «الصلاة الوسطى صلاة العصر». رواه الطحاوي في معاني الآثار.
قلت: تكلّم بعض المتأخرين في سماع أبي المهلب من أبيّ، وهو تابعي قديم، روى عن عمر وعثمان، وقد صرّح بالسماع من أبيّ بن كعب كما في مصنف عبد الرزاق.

ما روي عن عائشة رضي الله عنها
- قال زيد بن أسلم عن القعقاع بن حكيم، عن أبي يونس مولى عائشة أنه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً، وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}؛ فلما بلغتها آذنتها فأملَتْ عليَّ: ([حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين].
قالت عائشة: (سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم). رواه مالك والشافعي وأحمد ومسلم وأبو داوود والترمذي وغيرهم.
قلت: (وهذا محمول على أنها أرادت أن تكتب ذلك لنفسها لتذكر به القراءة المنسوخة مع علمها بنسخها، ويدلّ لذلك ما رواه ابن أبي داوود في كتاب المصاحف من طريق ابن جريج قال: أخبرني عبد الملك بن عبد الرحمن، عن أمه أم حميدة ابنة عبد الرحمن، أنها سألت عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها عن الصلاة الوسطى؛ فقالت: (كنَّا نقرأ في الحرف الأول: [حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين]). رواه ابن أبي داوود.
- وقال ابن جريج: أخبرني ابن أبي حميد قال: أخبرتني حميدة قالت: (أوصت لنا عائشة رضي الله عنها بمتاعها، فكان في مصحفها: [حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر]). رواه ابن أبي داوود.
- وقال سليمان التيمي: حدّثنا قتادة، عن أبي أيّوب، عن عائشة، أنّها قالت: (الصّلاة الوسطى: صلاة العصر). رواه ابن أبي شيبة وابن جرير.
- وقال وكيع: حدثنا محمد بن عمرو، عن القاسم، عن عائشة، قالت: «الصلاة الوسطى صلاة العصر». رواه ابن أبي شيبة.
قلت: محمد بن عمرو الأنصاري متكلّم فيه لكن هذا القول ثابت عن عائشة من طرق.
- وقال معمر، عن هشام بن عروة قال: قرأت في مصحف عائشة رضي الله عنها: " {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} وصلاة العصر {وقوموا لله قانتين}). رواه عبد الرزاق.
قلت: الروايات التي فيها [ والصلاة الوسطى وصلاة العصر ] بالعطف هي التي حملت بعض العلماء على استبعاد أن تكون الصلاة الوسطى هي صلاة العصر، لأن العطف يقتضي المغايرة، وسيأتي الجواب عنه إن شاء الله.

ما روي عن حفصة رضي الله عنها
- قال زيد بن أسلم، عن عمرو بن رافع أنه قال: كنت أكتب مصحفاً لحفصة أم المؤمنين؛ فقالت: «إذا بلغت هذه الآية فآذنّي» {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين}؛ فلما بلغتها آذنتها فأملت علي: [حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين]). رواه مالك في الموطأ وأحمد في مسنده.
- وقال ابن جريج: أخبرني نافع أن حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم دفعت مصحفاً إلى مولى لها يكتبه، وقالت: (إذا بلغت هذه الآية {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} فآذنّي)؛ فلما بلغها جاءها، فكتبت بيدها [حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر وقوموا لله قانتين]). رواه مالك في الموطأ وأبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن، وذكر اختلاف الرواة في إثبات الواو وحذفها في قوله: (وصلاة العصر) واستدلّ لحذفها بما رواه عبد الملك بن عمير، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، عن أبي بن كعب، أنه كان يقرأها كذلك: [حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر]، ومثله عن ابن عباس، وذكر أنّ الواو في قراءة عبيد بن عمير، فحذف الواو يفيد تفسير الصلاة الوسطى بأنها العصر، وإثباتها يقتضي المغايرة بينهما، وهذا الحرف مما كان يُقرأ به ثمّ نُسخ، ولعلّ حفصة إنما كتبته لخاصّة نفسها.

ما روي عن أمّ سلمة رضي الله عنها
- قال داوود بن قيس الفرّاء: حدثني عبد الله بن رافع مولى أم سلمة، قال: أمرتني أم سلمة أن أكتب لها مصحفاً وقالت: إذا انتهيت إلى آية الصلاة فأعلمني فأعلمتها، فأملت علي: «حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر» رواه عبد الرزاق وابن جرير وابن أبي داوود.
وقد اختلف الرواة على داوود بن قيس في إثبات الواو في قوله: [وصلاة العصر] وحَذْفِها:
أ: فروى عبد الرزاق عنه بإثبات الواو في قوله: [وصلاة العصر].
ب: وروى سفيان الثوري عنه بحذف الواو.
ج: ورواه وكيع عن داوود واختلف عليه الرواة كما اختلفوا على داوود.
قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: (لعلَّ أصلَ ذلك ما في حديث البراء أنها نزلت أولاً [والعصر] ثم نزلت ثانياً بدلها {والصلاة الوسطى} فجمع الراوي بينهما) ا. هـ.
- وقال أبو جعفر الطحاوي: ([وصلاة العصر] المذكور ذلك في أحاديث عائشة وحفصة وأم كلثوم عنهن مما قد كان قرآنا فنسخ، ورُدَّ إلى ما في مصاحفنا، وكذلك كلّ ما روي مما ذكر فيه أنه من القرآن ولا نجده في مصاحفنا؛ فهو مما قد كان قرآناً ونسخ؛ فأخرج من القرآن وأعيد إلى السنة فصار منها).

ما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه
- قال سليمان التيمي، عن أبي صالح البصري، عن أبي هريرة، قال: «الصلاة الوسطى صلاة العصر». رواه سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير.
- وقال عيسى بن يونس، عن محمد بن أبي حميد، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة، رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الوسطى صلاة العصر». رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار.
- وقال معمر، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم، عن عبد الرحمن بن لبيبة الطائفي قال: جئت إلى أبي هريرة وهو جالس في المسجد الحرام، قلت: أخبرني عن الصلاة الوسطى.
قال: (أما سمعت الله يقول: {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر} الآية، {ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم} فذكر الصلوات كلها، ثم قال: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} ألا وهي العصر، ألا وهي العصر). رواه عبد الرزاق في مصنفه، والطحاوي في شرح معاني الآثار، ورواه سعيد بن منصور من طريق داوود بن عبد الرحمن عن ابن خثيم مختصراً.

ما روي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه
- قال عفّان بن مسلمٍ: حدّثنا همّامٌ، عن قتادة، عن الحسن، عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: (الصّلاة الوسطى: صلاة العصر). رواه ابن جرير.

ما روي عن سمرة بن جندب رضي الله عنه
- وقال قتادة: حدثنا الحسن، عن سمرة بن جندب، أنّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: «الصلاة الوسطى صلاة العصر». رواه ابن أبي شيبة، والترمذي.

ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما
- وقال وكيع: حدثنا شعبة، عن أبي إسحاق، عن عمير بن نعيم، قال: سمعت ابن عباس، يقول: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}: «صلاة العصر». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال أبو إسحاق السبيعي، عن رزين بن عبيد العبدي قال: سمعت ابن عباس رضي الله عنهما يقول: (الصلاة الوسطى صلاة العصر). رواه ابن جرير، والطحاوي في شرح معاني الآثار.

ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما
- قال ابن وهب: أخبرني عمرو بن الحارث، عن ابن شهابٍ، عن سالمٍ، عن أبيه، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بنحوه.
قال ابن شهابٍ: (وكان ابن عمر يرى أنّها الصّلاة الوسطى).
- وقال معمر، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الذي تفوته صلاة العصر، فكأنما وتر أهله وماله».
قال: «فكان عبد الله يرى أنها الصلاة الوسطى». رواه عبد الرزاق.
- وقال اللّيث بن سعد، عن يزيد بن الهاد، عن ابن شهابٍ، عن سالم بن عبد اللّه، عن عبد اللّه، قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: ((من فاتته صلاة العصر فكأنّما وتر أهله وماله)).
قال: (فكان ابن عمر يرى لصلاة العصر فضيلةً للّذي قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فيها أنّها الصّلاة الوسطى). رواه ابن جرير.

ما روي عن التابعين رحمهم الله
- قال معمر، عن أيوب، عن ابن سيرين قال: سألت عبيدة عن الصلاة الوسطى فقال: «هي العصر». رواه عبد الرزاق.
- وقال عاصم بن بهدلة، عن زرّ بن حبيشٍ، قال: (صلاة الوسطى: هي العصر). رواه ابن جرير.
- وقال يزيد بن هارون، عن عبد الملك، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، أنه كان يقول: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}: «صلاة العصر».
قال: (وكان عطاء يرى أن الصلاة الوسطى صلاة الغداة). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال هشيم بن بشير: أخبرنا أبو بشر، عن سعيد بن جبير، قال: «هي العصر». رواه ابن أبي شيبة، وابن جرير.
- وقال يعلى بن عبيد، عن جويبر، عن الضحاك، قال: «الصلاة الوسطى، صلاة العصر». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال عبيد بن سليمان الباهلي: سمعت الضّحّاك يقول في قوله: {والصّلاة الوسطى}: (هي العصر). رواه ابن جرير.
- وقال هشيم بن بشير: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك، في قوله: {حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى} قال: (أمروا بالمحافظة على الصّلوات).
قال: (وخصّ العصر، والصّلاة الوسطى: يعني العصر). رواه ابن جرير.

القول الثاني: هي صلاة الصبح
قال به من الصحابة: أبو أمامة الباهلي، وهي الرواية الأشهر عن ابن عمر، وابن عباس.
وقال به من التابعين: أبو العالية الرياحي، وجابر بن زيد، ومجاهد، وطاووس بن كيسان، وعطاء بن أبي رباح، وزيد بن أسلم.
ورجّحه مالك بن أنس، والشافعي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.

ما روي عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه
- قال معاوية بن صالح: أخبرني موسى بن يزيد بن موهب، قال: سألت أبا أمامة، عن الصلاة الوسطى، فقال: «لا أحسبها إلا الصبح». رواه ابن وهب، وابن أبي شيبة، وابن أبي حاتم.

ما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما
- قال ابن وهب: أخبرني القاسم بن عبد اللّه بن عمر عن زيد بن أسلم وابن دينارٍ عن عبد اللّه بن عمر أنّه قال: (هي الصّبح).
- وقال عبد العزيز بن محمد الدراوردي، عن زيد بن أسلم، قال: سمعت ابن عمر يقول: «الوسطى صلاة الصبح». رواه سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة.
- وقال ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر رضي اللّه عنه قال: (صلاة الوسطى: صلاة الصّبح). رواه سعيد بن منصور.

ما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما
- قال عمرو بن هرم، عن جابر بن زيد، عن ابن عباس، قال: «أدلج رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عرس فلم يستيقظ حتى طلعت الشمس، أو بعضها فلم يصلّ حتى ارتفعت الشمس، فصلَّى وهي صلاة الوسطى». رواه النسائي في الكبرى.
- وقال عوف الأعرابي، عن أبي رجاءٍ العطاردي، قال: صلّيت مع ابن عبّاسٍ الغداة في مسجد البصرة، فقَنَتَ بنا قبل الرّكوع، وقال: (هذه الصّلاة الوسطى الّتي قال اللّه: {وقوموا للّه قانتين}). رواه ابن جرير.
- وقال قرة بن خالد: حدثنا أبو رجاء قال: صليت مع ابن عباس الصبح في مسجد البصرة فقال: (هذه الصلاة الوسطى). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال جعفر بن سليمان، عن عوف، عن أبي رجاء، أنه سمع ابن عباس يقول: «هي صلاة الغداة». رواه عبد الرزاق.
- وقال هشيم: أخبرنا عوف عن أبي رجاء عن ابن عباس قال: (هي صلاة الفجر). رواه ابن أبي شيبة.
- وقال أبو عاصم الضحاك بن مخلد، عن عوف، عن أبي رجاء قال: صليت خلف ابن عباس رضي الله عنهما الغداة فقنت قبل الركوع، وقال: «هذه الصلاة الوسطى». رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار.
- وقال سليمان بن بلالٍ، عن ثور بن زيدٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقول: (الصّلاة الوسطى صلاة الصّبح، تصلّى في سواد اللّيل وبياض النّهار، وهي أكثر الصّلاة تفوت النّاس). رواه ابن وهب.
- وقال خصيف، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: (هي صلاة الصبح). رواه سعيد بن منصور.

ما روي عن التابعين
- قال عبد الله بن المبارك، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية، قال: صليت خلف أبي موسى الأشعري صلاة الصبح؛ فقال رجل إلى جنبي من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: «هذه الصلاة الوسطى». رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار.
- وقال أبو جعفر الرازي، عن الربيع بن أنس، عن أبي العالية قال: صلينا مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الغداة؛ فلما فرغنا قلت: أي صلاةٍ صلاةُ الوسطى؟ قال: «التي صلّيت الآن». رواه عبد الرزاق.
- وقال عمرو بن هرم، عن جابر بن زيد، قال: «هي الصبح». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد، {حافظوا على الصلوات، والصلاة الوسطى}: «الصبح». رواه ابن أبي شيبة.
- وقال عيسى بن ميمون، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه تعالى ذكره: {حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى} قال: (الصّبح). رواه ابن جرير.
- وقال سفيان بن عيينة، عن عبد الله بن طاووس، عن أبيه، قال: ((هي صلاة الصّبح)). رواه سعيد بن منصور.
- وقال ابن جريج: سألت عطاء عن الصلاة الوسطى قال: (أظنها الصبح، ألا تسمع بقوله: {وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا}). رواه عبد الرزاق.

القول الثالث: هي صلاة الظهر
وهو قول زيد بن ثابت، وأسامة بن زيد، وروي عن ابن عمر وأبي سعيد الخدري ولا يصحّ عنهما.
وقال به من التابعين: عكرمة مولى ابن عباس.

ما روي عن زيد بن ثابت رضي الله عنه
- قال عبد الرحمن بن أبان بن عثمان، عن أبيه أن زيد بن ثابت خرج من عند مروان نحواً من نصف النهار، فقلنا: ما بعث إليه الساعة إلا لشيء سأله عنه؛ فقمت إليه فسألته، فقال: أجل، سألنا عن أشياء سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن أشياء، وقال: (وسألنا عن الصلاة الوسطى، وهي الظهر). رواه أحمد.
- وقال شعبة: حدثني عمرو بن أبي حكيم قال: سمعت الزبرقان يحدّث عن عروة بن الزبير عن زيد بن ثابت قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلي الظهر بالهاجرة ولم يكن يصلّي صلاةً أشدَّ على أصحابِ النبيّ صلى الله عليه وعلى آله وسلم منها).
قال: (فنزلت {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى}وقال: (إنَّ قبلها صلاتين وبعدها صلاتين). رواه أحمد وأبو داوود والنسائي.
والزبرقان هو بن عمرو بن أمية الضمري.
- وقال داود بن الحصين، عن ابن يربوع المخزومي أنه قال: سمعت زيد بن ثابت يقول: (الصلاة الوسطى صلاة الظهر). رواه مالك في الموطأ.
- وقال سعيد بن بشير، عن قتادة، عن ابن المسيب، عن زيد بن ثابت قال: «هي الظهر». رواه عبد الرزاق.
- وقال شعبة، عن قتادة، عن سعيد بن المسيب، عن ابن عمر، عن زيد بن ثابت، قال: «صلاة الوسطى هي الظهر». رواه النسائي في الكبرى.
- وقال معمر، عن سعيد بن عبد الرحمن الجحشي، عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: أرسل زيد بن ثابت مولاه حرملة إلى عائشة يسألها عن الصلاة الوسطى قالت: «هي الظهر»
قال: فكان زيد يقول: «هي الظهر فلا أدري أعنها أخذه أم غيرها». رواه عبد الرزاق.

ما روي عن أسامة بن زيد رضي الله عنهما
- قال أبو داود الطيالسي: حدثنا ابن أبي ذئب عن الزبرقان عن زهرة قال: كنا جلوساً عند زيد بن ثابت فأرسلوا إلى أسامة بن زيد فسألوه عن الصلاة الوسطى فقال: (هي الظهر كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها بالهجير). رواه ابن أبي شيبة في مصنفه والنسائي في السنن الكبرى، وابن أبي حاتم.

وهذا الخبر اختلف فيه على ابن أبي ذئب؛ فرواه يزيد بن هارون قال: حدثنا ابن أبي ذئب، عن الزبرقان: أنَّ رهطاً من قريش مرَّ بهم زيد بن ثابت، وهم مجتمعون، فأرسلوا إليه غلامين لهم يسألانه عن الصلاة الوسطى، فقال: هي العصر، فقام إليه رجلان منهم فسألاه، فقال: هي الظهر، ثم انصرفا إلى أسامة بن زيد، فسألاه، فقال: (هي الظهر، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي الظهر بالهجير ولا يكون وراءه إلا الصف والصفان من الناس في قائلتهم وفي تجارتهم، فأنزل الله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين}).
قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لينتهين رجال أو لأحرقن بيوتهم)). رواه أحمد، وابن جرير.
وزهرة بن معبد قرشي ثقة عابد فلعلّه أبهم ذكره في الرواية الأخرى.

ما روي عن التابعين
- وقال أبو داود الطيالسي، عن عبد الرحمن الخياط، قال: سمعت عكرمة، يقول: «هي الظهر، قبلها صلاتان، وبعدها صلاتان». رواه ابن أبي شيبة.

القول الرابع: هي صلاة المغرب
وهذا القول روي عن ابن عباس وقبيصة بن ذؤيب الخزاعي ولا يصحّ عنهما.
- قال أبو الجماهر: حدثنا سعيد بن بشيرٍ، عن قتادة عن أبي الخليل، عن عمّه عن ابن عبّاسٍ، قال: (صلاة الوسطى المغرب). رواه ابن أبي حاتم.

- وقال إسحاق بن أبي فروة، عن رجلٍ، عن قبيصة بن ذؤيبٍ، قال: (الصّلاة الوسطى صلاة المغرب، ألا ترى أنّها ليست بأقلّها ولا أكثرها ولا تقصر في السّفر، وأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لم يؤخّرها عن وقتها ولم يعجّلها؟!). رواه ابن جرير، وفيه رجل مجهول، وإسحاق بن أبي فروة متروك الحديث.

- وقال ابن قدامة المقدسي: (وقيل: هي المغرب؛ لأن الأولى هي الظهر، فتكون المغرب الثالثة، والثالثة من كل خمس هي الوسطى؛ ولأنها وسطى في عدد الركعات، ووسطى في الأوقات؛ لأن عدد ركعاتها ثلاث، فهي وسطى بين الأربع والاثنين، ووقتها في آخر النهار وأول الليل، وخصت من بين الصلاة بأنها وتر، والله وتر يحب الوتر، وبأنها تصلى في أول وقتها في جميع الأمصار والأعصار.
ويكره تأخيرها عنه، وكذلك صلاها جبريل بالنبي - صلى الله عليه وسلم - في اليومين لوقت واحد، ولذلك ذهب بعض الأئمة إلى أنها ليس لها إلا وقت واحد لذلك، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - «لا تزال أمتي، أو قال: هذه الأمة بخير أو قال على الفطرة، ما لم يؤخروا المغرب إلى أن تشتبك النجوم» رواه أبو داود).
- وقال ابن حجر: (والرّابع نقله بن أبي حاتم بإسناد حسن عن ابن عبّاسٍ قال: "صلاة الوسطى هي المغرب" وبه قال قبيصة بن ذؤيب أخرجه ابن جريرٍ، وحجّتهم أنّها معتدلةٌ في عدد الرّكعات، وأنّها لاتقصر في الأسفار، وأنّ العمل مضى على المبادرة إليها والتّعجيل لها في أوّل ما تغرب الشّمس، وأنّ قبلها صلاتا سرٍّ، وبعدها صلاتا جهر).

القول الخامس: هي صلاة العشاء
- قال ابن قدامة المقدسي: (وقيل: هي العشاء؛ لما روى ابن عمر، قال: «مكثنا ليلة ننتظر رسول الله صلى الله عليه وسلم لصلاة العشاء الآخرة، فخرج إلينا حين ذهب ثلث الليل أو بعده، فقال: إنكم لتنتظرون صلاة ما ينتظرها أهل دين غيركم، ولولا أن أشق على أمتي لصليت بهم هذه الساعة. وقال: إن أثقل الصلاة على المنافقين صلاة الغداة والعشاء الآخرة، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوا» متفق عليهما).

مسالك العلماء في هذه المسألة
اختلفت مسالك العلماء في الخلاف المنقول عن الصحابة والتابعين في هذه المسألة بما يمكن إجماله في ثلاثة مسالك:
المسلك الأول: مسلك عدم التعيين
وهذا المسلك رواية عن ابن عمر، وسلكه أيضاً الربيع بن خثيم الثوري، وشُريح القاضي.
- قال هشام بن سعد: كنا عند نافع مولى ابن عمر ومعنا رجاء بن حيوة، فقال لنا رجاء: سلوا نافعاً عن الصلاة الوسطى؛ فسألناه فقال: قد سألَ عنها عبدَ الله بنَ عمر رجلٌ فقال: (هي فيهن فحافظوا عليهن كلّهن). رواه ابن وهب.
ورواه ابن أبي حاتم من طريق ابن وهب بلفظ: (هي كلّهنّ، حافظوا عليهنّ كلهن).
- وقال نسير بن ذعلوق: سألت الربيع بن خثيم عن الصلاة الوسطى، قال: (أرأيت إن علمتها كنت محافظاً عليها ومضيعاً سائرهن؟!)
قلت: لا
فقال: (فإنك إنْ حافظت عليهنَّ فقد حافظت عليها). رواه ابن جرير.
- وقال محمد بن سيرين: سُئل شريح، عن الصلاة الوسطى، فقال: «هي واحدة منهن فحافظوا عليها». رواه ابن أبي شيبة.
بل ذهب القرطبي إلى أنّ التعيين منسوخ، وأن الصلاة الوسطى أُبهمت وارتفع تعيينها وتعارضت الأدلة فلم يبق إلا المحافظة على جميعها وأدائها في أوقاتها، وهذا القول فيه نظر، لأنّ عدم التعيين إنما هو توقف عن الاختيار والترجيح، وهذا قد يصير إليه مَن خفي عليه القول الراجح، أو اجتهد فرأى مصلحة المستفتي في عدم التعيين له.
وأما أن يقال بأنّ التعيين مرتفع فهذا يعني أن الاجتهاد في التعيين تقوّلٌ بغير علم، ورجم بالغيب، إذ كيف يُعلم ما رفع الله العلمَ به فصار خفيّاً عن الأمة حتى لا يوجد من يعرفه، وهذا قول خطأ لا شكّ فيه، وفيه إزراء بالصحابة الذين اجتهدوا في التعيين، ومعارضة للأحاديث التي فيها وصف صلاة العصر بأنها الصلاة الوسطى؛ فإنّ أقلّ ما تدلّ عليه أن صلاة العصر داخلة في هذا الوصف.

المسلك الثاني: مسلك الترجيح
وهو مسلك أكثر العلماء، واختلفوا في الترجيح على مذاهب أشهرها ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول: ترجيح كونها صلاة العصر
وهو ما ذهب إليه: أبو حنيفة، وأبو يوسف القاضي، ومحمد بن الحسن، وأحمد بن حنبل، وداوود الظاهري، والبخاري، وأبو بكر الأثرم، وابن جرير الطبري، وابن المنذر، وأبو جعفر الطحاوي، وابن حبيب المالكي، وابن حزم الظاهري، وابن عطية، والنووي، وابن تيمية، وابن القيم، وابن كثير، وابن رجب، والشوكاني، والسعدي، وابن عثيمين.
- وقال أبو عيسى الترمذي: (وهو قول أكثر العلماء من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وغيرهم).
واختلفوا في مسوّغات الترجيح:
1. فذهب بعضهم إلى أنّها الوسطى باعتبار أنها أفضل الصلوات:
- قال يزيد بن أبي حبيب، عن أبي بصرة الغفاري قال: صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة العصر، فلما فرغ منها، التفت، فقال: «إن هذه الصلاة فرضت على من قبلكم، فأبوها، وثقلت عليهم، وفضلت على ما سواها، ستة وعشرين درجة». رواه عبد الرزاق.
2. وذهب بعضهم إلى أنها الوسطى باعتبار توسّطها في صلوات اليوم والليلة:
- قال ابن جرير: (إنّما قيل لها الوسطى لتوسّطها الصّلوات المكتوبات الخمس، وذلك أنّ قبلها صلاتين، وبعدها صلاتين، وهي بين ذلك وسطاهنّ).
- وقال أبو جعفر الطحاوي: (فإن قال قائل: ولم سميت صلاة الوسطى صلاة العصر؟
قيل له: قد قال الناس في هذا قولين:
فقال قوم: سميت بذلك لأنها بين صلاتين من صلاة الليل وبين صلاتين من صلاة النهار.
وقال آخرون في ذلك [ ثمّ ذكر أثراً إسرائيلياً لا يصحّ ]
فهذه عندنا معنى صحيح، لأنَّ أوّلَ الصلوات إن كانت الصبح، وآخرها العشاء الآخرة، فالوسطى فيما بين الأولى والآخرة هي العصر؛ فلذلك قلنا: إن الصلاة الوسطى صلاة العصر، وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد رحمهم الله تعالى).

وقال أبو بكر ابن المنذر: (ويقال: إنها إنما سميت وسطي لأنها بين صلاتين في الليل وصلاتين في النهار)
3. وتمسّك بعضهم بالأحاديث المرفوعة عن النبي صلى الله عليه وسلم في تفسير المراد بالصلاة الوسطى أنها صلاة العصر.
- قال ابن قدامة المقدسي: (لنا ما روي عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب: « شغلونا عن صلاة الوسطى صلاة العصر ملأ الله بيوتهم وقبورهم نارا» متفق عليه.
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلاة الوسطى صلاة العصر» وعن سمرة مثله، قال الترمذي في كل واحد منهما: هذا حديث حسن صحيح.
وهذا نصّ لا يجوز التعريج معه على شيء يخالفه؛ ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وتر أهله وماله» متفق عليه، وقال: «من فاتته صلاة العصر حبط عمله» رواه البخاري وابن ماجه، وقال: «إن هذه الصلاة عرضت على من كان قبلكم فضيعوها، فمن حافظ عليها كان له أجره مرتين، ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد» يعني النجم رواه البخاري، وما ذُكر في صلاة الصبح فقد شاركته صلاة العصر في أكثره).
- وقال البخاري في صحيحه: ({فاكهة ونخل ورمان} وقال بعضهم: ليس الرمان والنخل بالفاكهة، وأما العرب فإنها تعدها فاكهة " كقوله عز وجل: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}: (فأمرهم بالمحافظة على كل الصلوات، ثم أعاد العصر تشديدا لها، كما أعيد النخل والرمان).

المذهب الثاني: ترجيح كونها صلاة الصبح
وهو ما ذهب إليه مالك بن أنس، والشافعي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم.
واختاره مكي بن أبي طالب.
واختلفوا في مسوّغات الترجيح:
فأما الإمام مالك فتبع ما بلغه عن علي وابن عباس من أنّ المراد بالصلاة الوسطى صلاة الصبح.
- قال ابن وهب: (حدّثني مالكٌ وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم أنّ عليّ بن أبي طالبٍ كان يقول لصلاة الوسطى: صلاة الصّبح).
وأما عبد الرحمن بن زيد بن أسلم فذهب إلى أنّ صلاة الصبح هي الوسطى لأنها متوسطة بين صلاتين في الليل وصلاتين في النهار، وهذا التعليل مأثور عن ابن عباس.
- قال سليمان بن بلالٍ، عن ثور بن زيدٍ، عن ابن عبّاسٍ أنّه كان يقول: (الصّلاة الوسطى صلاة الصّبح، تصلّى في سواد اللّيل وبياض النّهار، وهي أكثر الصّلاة تفوت النّاس). رواه ابن وهب.
- وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: (وكان أبي زيد بن أسلم يقول ذلك، لأنّ الظّهر والعصر في النّهار، والمغرب والعشاء في اللّيل، والصّبح فيما بين ذلك).
- قال ابن وهب: (وسمعت مالك بن أنس يقول ذلك).
- وقال مالك في الموطأ أنه بلغه أنَّ علي بن أبي طالب وعبد الله بن عباس، كانا يقولان: (الصلاة الوسطى صلاة الصبح).
- قال يحيى بن يحيى الليثي: قال مالك: (وقول علي بن أبي طالب وابن عباس أحبّ ما سمعت إلي في ذلك).
- قال أبو عمر ابن عبد البر: (وقد رُوي من حديث حسين بن عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب أنه قال: "الصلاة الوسطى صلاة الصبح" وحسين هذا متروك الحديث، مدني، ولا يصح حديثه بهذا الإسناد.
وقال قوم: إن ما أرسله مالك رحمه الله في موطئه عن علي بن أبي طالب في الصلاة الوسطى أنها الصبح أخذه من حديث ابن ضميرة هذا إلا أنه لا يوجد عن علي إلا من حديثه، والصحيح عن علي من وجوه شتى صحاح أنه قال في الصلاة الوسطى: صلاة العصر، ورَوى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم، رواه عنه جماعة من أصحابه منهم: عَبيدة السلماني، وشتير بن شكل، ويحيى بن الجزار، والحارث، والأحاديث عنه في ذلك صحاح ثابتة، أسانيدها حسان).
وأما الشافعي فسبب ترجيحه صلاة الصبح رواية في حديث أبي يونس مولى عائشة رضي اللَّه عنها أنها أملت عليه: [حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وصلاة العصر] ثم قالت: (سمعتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم).
- قال الشافعي: (فحديث عائشة رضي اللَّه عنها يدلُّ على أن الصلاة الوسطى، ليست صلاة العصر، واختلف أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فرُوي عن علي، وروي عن ابن عباس رضي اللَّه عنهم أنَّها الصبح، وإلى هذا نذهب).
وقد تقدّم الجواب عن هذه الواو، وأنها جمعت في الرواية والمراد بها البدل، وأن الآية كانت [ حافظوا على الصلوات وصلاة العصر] ثم نسخت بقوله تعالى: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى} كما تقدم صريحاً في حديث البراء بن عازب رضي الله عنهما، وكتبت عائشة [وصلاة العصر] من باب التفسير، مع علمها بأنها منسوخة، لقولها: "كنا نقرأ في الحرف الأول"، فلما جمع الراوي بين الناسخ والمنسوخ قرئت الجملة على أنها عطف لصلاة العصر على الصلاة الوسطى، وبنى عليه الشافعيّ ومن تبعه أن العطف يقتضي المغايرة؛ فلذلك استبعدوا أن تكون الصلاة الوسطى صلاة العصر، فنظروا إلى أولى ما يمكن حمل الصلاة الوسطى عليه من الصلوات الخمس بعد استبعاد صلاة العصر؛ فوجدوا أرجح الأقوال قول من ذهب إلى أنها صلاة الصبح.
وللشافعي ترجيح آخر موافق لأثر تقدم ذكره عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهو ذكر القنوت في الآية، وقد قنت ابن عباس في صلاة الصبح، واستدلّ بهذه الآية في تعيين المراد بالصلاة الوسطى.
- قال أبو جعفر الطحاوي: (فكان ما ذهب إليه ابن عباس رضي الله عنهما من هذا هو قول الله عز وجل: {حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى وقوموا لله قانتين} فكان ذلك القنوت عنده هو قنوت الصبح؛ فجعل بذلك الصلاة الوسطى هي الصلاة التي فيها القنوت عنده).

المذهب الثالث: ترجيح كونها صلاة الظهر
وهو ما ذهب إليه السيوطي في رسالته "اليد البُسطَى".

المسلك الثالث: مسلك الجمع
فالصلوات الخمس كل واحدة منهن وسطى باعتبار من الاعتبارات، وهو رواية عن ابن عمر، وقول حكاه القاضي عياض في شرح صحيح مسلم.
- قال ابن أبي حاتم: أخبرنا يونس بن عبد الأعلى قراءة، أنا ابن وهب، حدثني هشام بن سعد، قال: كنت عند نافع مولى ابن عمر، ومعنا رجاء بن حيوة، فقال لنا رجاء: سلوا نافعا، عن الصلاة الوسطى، فسألناه؛ فقال: قد سأل عنها عبد الله رجل، فقال: (هي كلهن، حافظوا عليهن كلهن).
وهذا الأثر رواه ابن وهب في جامعه بلفظ: (هي فيهن فحافظوا عليهن كلّهن)

واختلاف الصحابة في التعيين دليل على اختلاف اجتهادهم فيما تعتبر به كل صلاة منهنّ وسطى.
- قال أبو عمر ابن عبد البر: (كلّ ما ذكرنا قد قيل فيما وصفنا وبالله توفيقنا وهو أعلم بمراده عز وجل من قوله: {والصلاة الوسطى}، وكل واحدة من الخمس وسطى؛ لأن قبل كل واحدة منهن صلاتين، وبعدها صلاتين، كما قال زيد بن ثابت في الظهر، والمحافظة على جميعهن واجب، والله المستعان).

وجه آخر في هذه المسألة
أكثر الأقوال المتقدمة مبنيٌّ على أنّ الصلاة في قوله تعالى: {والصلاة الوسطى} اسم لإحدى الصلوات المكتوبات.
ومن الأوجه اللغوية التي يحتملها لفظ الآية أن يكون المراد بالصلاة فِعلُ الصلاة كما يُقال: صلّ صلاة مودّع.
فيكون الأمر بالمحافظة على الصلوات عامّ لجميع الصلوات، والأمر للوجوب في الصلوات الواجبة، وللاستحباب في الصلوات المستحبة.
وقوله تعالى: {والصلاة الوسطى} أي: وحافظوا على أن تصلّوا صلاةً وُسطى أي: فُضلى تامة، ويكون المراد بها الصلاة الحسنة التي لا تفريط فيها ولا غلوّ.
وهذا الوجه موافق لدلالة الأدلة الكثير في الأمر بإحسان الأعمال وإتمامها.
وهذا الوجه لا يُعارض قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر}
فإنه إذا أريد بالصلاة الوسطى المتوسطة بين طرفين فلا ريب أن صلاة العصر هي الوسطى من صلوات اليوم والليلة؛ فهي داخلة دخولاً أولياً في هذا المعنى.
وكذلك صلاة الفجر وسطى لتوسطها بين الليل والنهار، وهما أفضل الصلوات الخمس، وأعظمهما شأناً، وقد تقدّم بعض ما فيهما من الأحاديث.
- وقال إسماعيل بن أبي خالد البجلي: حدثنا قيس بن أبي حازم قال: قال لي جرير بن عبد الله: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ نظر إلى القمر ليلة البدر؛ فقال: «أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا، لا تضامون - أو لا تضاهون - في رؤيته فإن استطعتم أن لا تُغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، فافعلوا».
ثم قال: «وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها». رواه البخاري ومسلم.
- وقال همام بن يحيى: حدثني أبو جمرة الضبعي، عن أبي بكر بن أبي موسى الأشعري، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى البردين دخل الجنة». رواه البخاري ومسلم.
- وقال يحيى بن أبي بكير: حدثنا شيبان، عن عبد الملك بن عمير، عن ابن عمارة بن رؤيبة، عن أبيه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يلج النار من صلى قبل طلوع الشمس وقبل غروبها» وعنده رجل من أهل البصرة، فقال: آنت سمعت هذا من النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم، أشهد به عليه، قال: (وأنا أشهد لقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقوله بالمكان الذي سمعته منه). رواه مسلم.
- وقال مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل، وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر، وصلاة العصر، ثم يعرج الذين باتوا فيكم، فيسألهم ربهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون)). رواه مسلم.

فإن قيل: أليس قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر)) يدفع احتمال أن يراد بالوسطى غيرها؟
قيل: لا يلزم ذلك، لكنه يدلّ على أنّ صلاة العصر داخلة دخولاً أولياً في معنى الآية، والنبي صلى الله عليه وسلم لم ينفِ ذلك عن غير صلاة العصر، ولهذا نظائر في التفسير النبوي فإن النبي صلى الله عليه وسلم فسّر الغاسق بالقمر، فنبّه على دخوله في معنى الآية، ومن المعلوم أنه غير حاصر للمراد بالغاسق.
وفسّر المسجد الذي أسس على التقوى من أوّل يوم بأنه مسجده صلى الله عليه وسلم، ومن المعلوم أن الآية نزلت في مسجد قباء، لكن مسجد النبي صلى الله عليه وسلم أولى بهذا الوصف وأعظم شأناً من مسجد قباء، فهو أولى بدخوله في معنى الآية، وهذا من بدائع التفسير النبوي.
ووصف "الوسطى" قابل للاشتراك إذا تعددت الاعتبارات، ولذلك اختلفت اجتهادات الصحابة رضي الله عنهم، بل كان الذي يسبق إلى أذهان جماعة من علمائهم أنّ المراد بها صلاة الصبح.
وإذا أريد بالصلاة فعل المصلّي فهو أمر له بإحسان الصلاة والاعتدال فيها بين الغلو والتفريط.
والله تعالى أعلم.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10 شوال 1443هـ/11-05-2022م, 10:55 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

تفسير قول الله تعالى: {وقوموا لله قانتين}
معنى القيام لله تعالى
في الآية أمر بالقيام لله تعالى، واللام تفيد الاختصاص أي قوموا قياماً مخلصين فيه لله تعالى، وحُذف متعلّق القيام فصلح الأمر لأنواع من القيام الحسي والمعنوي، وذلك يقع على معان:
أحدها: القيام لله تعالى بالصلاة في الصلوات المفروضات، وقيام الليل، كما قال تعالى: { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ}، وقال تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ}.
والثاني: القيام لله بالدعاء والتضرع، ومنه قول الله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (26)}.
والثالث: القيام لله بأمره عملاً وجهاداً ودعوة وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ}.
- وقال عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: حدثني عمير بن هانئ، أنه سمع معاوية، يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، يقول: «لا يزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك». رواه البخاري ومسلم.
وقوله تعالى: {قانتين} حالٌ من القيام؛ فيكون القيام لله تعالى خالصاً ، ويكون العبد في قيامه قانتاً لله تعالى، وذلك متضمّن لإحسان القيام؛ لأن القنوت في أوسع معانيه دوام الطاعة لله تعالى، فإذا كان العبد قائماً لله تعالى بما يحبّ، وقيامه قد داوم فيه على طاعة الله تعالى فهو محسن في قيامه، قد جمع شرطي قبول العمل من الإخلاص والمتابعة؛ فإنّ إحسان القيام لا يكون إلا على هَدْيٍ متَّبع.
وشملت هذه الآية جميع أحوال العبد كما قال الله تعالى: { قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)}
قال ابن القيّم رحمه الله:
فلواحدٍ كُنْ واحداً في واحدٍ ... أعني سبيل الحق والإيمان
معنى القنوت
القنوت من المفردات التي تحمل معاني متعددة فتطلق على: الطاعة، والسكوت، والخشوع، والقيام الطويل، والدعاء، والعبادة، والصلاة.
وهذه المعاني متقاربة من جهة الأصل، وتدلّ على وجوه من التعبّد داخلة في معنى القنوت، ولذلك تنوعت أقوال المفسرين في المراد بالقنوت في هذه الآية بحسب ما ظهر لهم من المعاني:
المعنى الأول: الطاعة، {وقوموا لله قانتين} أي: مطيعين.
وهو قول الشعبي، وعطاء بن أبي رباح، وسعيد بن جبير، وطاووس، والضحاك، وعباية بن رفاعة بن رافع بن خديج الأنصاري، وسعيد بن عبد العزيز، وروي عن ابن عباس، والحسن البصري، ورواية صحيحة عن مجاهد، واختاره البخاري في صحيحه.
- قال عبد اللّه بن صالحٍ: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قوله: ({قانتين} يقول: مطيعين). رواه ابن جرير.
- وقال عبد الرحمن بن مهدي: حدثنا سفيان، عن الرّبيع بن أبي راشدٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، أنّه سئل عن القنوت، فقال: (القنوت: الطّاعة). رواه ابن جرير.
- وقال يحيى بن واضحٍ: حدّثنا عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك، قال: (القنوت الّذي ذكره اللّه في القرآن، إنّما يعني به الطّاعة). رواه ابن جرير.
- وقال أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، في قوله: {وقوموا للّه قانتين} قال: (قوموا للّه مطيعين في كلّ شيءٍ، وأطيعوه في صلاتكم). رواه ابن جرير.
- وقال حجاج بن المنهال: حدثنا أبو الأشهب، قال: سألت جابر بن زيد عن القنوت، فقال: «الصلاة كلها قنوت، أما الذي تصنعون فلا أدري ما هو». رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار.
- وقال أحمد بن يونس: حدثنا محمد بن طلحة، عن ابن عون، عن عامر الشعبي، قال: (لو كان القنوت كما تقولون لم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم منه شيء، إنما القنوت الطاعة، يعني {ومن يقنت منكن لله ورسوله}). رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار .

والمعنى الثاني: السكوت وترك الاشتغال بغير ما قنت له، وهو قول إبراهيم النخعي، وعكرمة، والسدي، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم، ورواية عن مجاهد.
وروي عن ابن مسعود وزيد بن أرقم استخراجاً.
- قال زيد بن أرقم رضي الله عنه: «كنّا نتكلّم في الصّلاة، يكلّم أحدنا أخاه في حاجته» حتّى نزلت هذه الآية: {حافظوا على الصّلوات والصّلاة الوسطى وقوموا للّه قانتين} «فأمرنا بالسّكوت» رواه البخاري ومسلم من طريق إسماعيل بن أبي خالد عن الحارث بن شبيل عن أبي عمرو الشيباني عن زيد بن أرقم.
- وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: كنا نسلم على النبي صلى الله عليه وسلم فيرد علينا السلام، حتى قدمنا من أرض الحبشة، فسلمت عليه فلم يرد علي، فأخذني ما قرب وما بعد؛ فجلست حتى إذا قضى الصلاة، قال:« إن الله يحدث من أمره ما يشاء، وقد أحدث من أمره أن لا يُتكلَّم في الصلاة» رواه الشافعي والحميدي وعبد الرزاق وأحمد وابن أبي شيبة والنسائي كلّهم من طريق سفيان بن عيينة عن عاصم بن أبي النجود عن زرّ عن عبد الله، وإسناده صحيح.
ورواه ابن جرير من طريق الحكم بن ظهير عن عاصم به، وزاد: (ونزلت هذه الآية:{وقوموا للّه قانتين}).
والحكم بن ظهير ضعيف، وهذه الزيادة معلولة.
وفي مسند الإمام أحمد وصحيح مسلم من حديث الفضيل بن مرزوق عن شقيق بن عقبة عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: ( نزلت هذه الآية: [حافظوا على الصلوات وصلاة العصر] فقرأناها ما شاء الله، ثم نسخها الله، فنزلت:{حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى}).
فقال رجل كان جالساً عند شقيق له: هي إذن صلاة العصر!
فقال البراء: (قد أخبرتك كيف نزلت، وكيف نسخها الله، والله أعلم).
والبراء بن عازب من صغار الأنصار من طبقة زيد بن ثابت وأنس بن مالك وأبي سعيد الخدري، ردّه النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد لصغر سنّه، وأجازه في الخندق.
- وقال سفيان الثوري في هذه الآية {وقوموا لله قانتين} فذكر عن منصور، عن مجاهد قال: «كانوا يتكلمون في الصلاة حتى نزلت هذه الآية فالقنوت السكوت، والقنوت الطاعة». رواه الطحاوي في شرح معاني الآثار.
- وقال أسباطٌ، عن السّدّيّ: ({وقوموا للّه قانتين} القنوت في هذه الآية: السّكوت). رواه ابن جرير.
- وقال أبو أحمد الزّبيريّ: حدّثنا فضيل بن مرزوقٍ، عن عطيّة، قال: (كانوا يأمرون في الصّلاة بحوائجهم، حتّى أنزلت: {وقوموا للّه قانتين} فتركوا الكلام).
قال: (قانتين: مطيعين). رواه ابن جرير.

والمعنى الثالث: الخشوع بالقلب والجوارح، وهو رواية عن مجاهد، وقول الربيع بن أنس البكري.
- قال ليث عن مجاهد في قوله تعالى: {وقوموا لله قانتين} قال: (من القنوت: الركوع، والخشوع، وغض البصر، وخفض الجناح من رهبة الله).
قال: (وكانت العلماء إذا قام أحدهم إلى الصلاة هاب الرحمن أن يشد بصره إلى شيء، أو يلتفت، أو يقلب الحصى، أو يعبث بشيء، أو يحدث نفسه بشيء من أمر الدنيا -إلا ناسيًا- ما دام في الصلاة). رواه ابن المبارك في الزهد، وسعيد بن منصور في سننه، ومحمد بن نصر المروزي في تعظيم قدر الصلاة، وابن جرير في تفسيره، وابن أبي حاتم في تفسيره، والطحاوي في شرح معاني الآثار.
وفي رواية عند ابن جرير عن مجاهد أنه قال: (إنّ من القنوت الرّكود ثمّ ذكر نحوه).
والركود في هذا الموضع سكون الجوارح وهو في معنى خشوعها.

والمعنى الرابع: القيام الطويل، وهو قول ابن عمر رضي الله عنهما.
- روى نافع عن ابن عمر أنه كان إذا سئل عن القنوت، قال: «ما نعلم القنوت إلا طول القيام وقراءة القرآن» رواه ابن أبي شيبة وابن جرير من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع، وإسناده صحيح.
- وقال ابن جريج: أخبرني أبو الزبير، عن جابر، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصلاة طول القنوت» رواه مسلم.
وقال النووي: (المراد بالقنوت هنا القيام باتفاق العلماء فيما علمت).
- وفي سنن أبي داوود من حديث ابن جريج قال: أخبرني عثمان بن أبي سليمان، عن علي الأزدي، عن عبيد بن عمير عن عبد الله بن حبشي الخثعمي رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم سُئل: أي الأعمال أفضل؟ قال: (طول القيام).
- وفي صحيح مسلم من حديث سهيل بن أبي صالح، عن أبيه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ما يعدل الجهاد في سبيل الله عزَّ وجل؟
قال: « لا تستطيعونه »
قال: فأعادوا عليه مرتين، أو ثلاثا كل ذلك يقول: « لا تستطيعونه »
وقال في الثالثة: «مثل المجاهد في سبيل الله كمثل الصائم القائم القانت بآيات الله، لا يفتر من صيام، ولا صلاة، حتى يرجع المجاهد في سبيل الله تعالى».

والمعنى الخامس: الدعاء، وهو رواية عن ابن عباس.
- قال عوف الأعرابي، عن أبي رجاءٍ العطاردي، قال: صلّيت مع ابن عبّاسٍ الغداة في مسجد البصرة، فقَنَتَ بنا قبل الرّكوع، وقال: (هذه الصّلاة الوسطى الّتي قال اللّه: {وقوموا للّه قانتين}). رواه ابن جرير.
ومن معاني القنوت في اللغة الانتصاب للدعاء، ومنه قول دِعْبل الخزاعي يرثي الحسين بن علي رضي الله عنهما ويذكر دعاءه على قاتليه:
سأقنتُ طولَ الدهرِ ما هبَّت الصَّبا ... وأقنتُ بالآصالِ والغدواتِ
وهذا الدعاء منه ما هو في غير أوقات الصلوات.
- قال أبو إسحاق الزجاج: (المشهور في اللغة والاستعمال: أن القنوت الدعاء في القيام، وحقيقة القانت أنه القائم بأمر اللّه، فالداعي إذا كان قائما خصَّ بأن يقال له قانت؛ لأنه ذاكر الله عزّ وجلّ وهو قائم على رجليه. فحقيقة القنوت العبادة والدعاء لله في حال القيام.
ويجوز أن يقع في سائر الطاعة، لأنه إن لم يكن قياماً بالرجلين فهو قيام بالشيء بالنية)
ا.هـ.

والمعنى السادس: العبادة والصلاة، {وقوموا لله قانتين} أي مصلين متعبّدين، وهذا القول مروي عن ابن عباس وابن عمر فيما ذكره ابن أبي حاتم، واستدلّ له بعض المفسرين بقول الله تعالى في شأن مريم: {وكانت من القانتين} أي المتعبدين بالصلاة.
وبه فُسّر قول الله تعالى: {أمّن هو قانت آناء الليل ساجداً وقائماً}
قال ابن جرير: (والقنوت: أصله الطّاعة للّه، ثمّ يستعمل في كلّ ما أطاع اللّهَ به العبدُ).

فتبيّن بذلك أنّ القنوت وصف جامع لأنواع من العبادات بعضها أعمّ من بعض:
- فالطاعة قنوت لأن المطيع قانت للمطاع منقادٌ له مستكين لأمره.
- والعبادة قنوت لما فيها من الذلّ والانقياد للمعبود.
- والصلاة نفسها قنوت لأنها من أظهر شعائر العبادة والقيام بواجب الطاعة لله.
- والقيام في الصلاة قنوت لأن القائم منتصبٌ لعبادة ربّه جلّ وعلا منقطع عن غيره.
- والخشوع في الصلاة قنوت لأنه من تمام القيام بالطاعة لله تعالى والإقبال عليه.
- والسكوت عن الكلام بغير الذكر في الصلاة قنوت لأنه من واجبات الطاعة.
- والدعاء قائما قنوت لأن من يدعو قائماً في الصلاة أو خارجها منتصب لسؤال الله تعالى والتعبد له بأعظم العبادات وهي الدعاء، وكذلك المصلي رغباً ورهباً قانت بصلاته لأنها تؤول إلى معنى الدعاء؛ فهو يتقرب إلى الله تعالى بالصلاة ويسأله بلسان حاله ومقاله رغبة ورهبة.

وقول أبي إسحاق الزجاج: (ويجوز أن يقع في سائر الطاعة، لأنه إن لم يكن قياماً بالرجلين فهو قيام بالشيء بالنية) فيه تنبيه على أنّ من قام بأمر الله تعالى في أيّ شأن من الشؤون كالدعوة والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مخلصاً لله تعالى فهو قانت؛ لأنه قائم بطاعة الله تعالى منتصبٌ لذلك كما قال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ}
فهذه مفردة واحدة دلّت على معانٍ جليلة عظيمة كلها مما يصحّ أن تندرج في أمر الله تعالى لعباده بقوله: {وقوموا لله قانتين}

بم يكون العبد من القانتين
من حقق وصف القنوت لله تعالى فهو من القانتين، وقد وردت أحاديث في أعمال يعملها العبد فيدرك بها منزلة القانتين فضلاً من الله تعالى.
- قال أبو حمزة السكري، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حافظ على هؤلاء الصلوات المكتوبات لم يكتب من الغافلين، ومن قرأ في ليلة مئة آية لم يكتب من الغافلين، أو كتب من القانتين». رواه محمد بن نصر المروزي في قيام الليل، وابن خزيمة في صحيحه.
وقوله: (أو) شكّ من بعض الرواة بين جملتين، والثانية أرجح، وقد رواه الحاكم في المستدرك بلفظ: (كتب من القانتين) من غير شكّ، وبها جزم الألباني رحمه الله، وصحح إسناد الحديث.
- وقال أبو سنان ضرار بن مرة، عن أبي صالح السمان، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (من قرأ في ليلة مئةَ آية كُتب من القانتين، ومن حافظ على الصلوات الخمس لم يكتب من الغافلين). رواه سعيد بن منصور.
- وقال عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قام بعشر آيات لم يكتب من الغافلين، ومن قام بمائة آية كتب من القانتين، ومن قام بألف آية كتب من المقنطرين». رواه أبو داوود وابن خزيمة وابن حبان والبيهقي في شعب الإيمان وغيرهم من حديث عبد الله بن وهب عن عمرو بن الحارث عن أبي سوية عن ابن حجيرة الخولاني قاضي مصر عن ابن عمرو، وإسناده جيد.
- وقال زيد بن واقد، عن سليمان بن موسى، عن كثير بن مرة، عن تميم الداري، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من قرأ مئة آية في ليلة كتب له قنوت ليلة». رواه أحمد، والدارمي، والنسائي في السنن الكبرى.
وقد روي عن أبي مسهر الغساني أن سليمان بن موسى الدمشقي(ت:115هـ) لم يدرك كثير بن مرة الحضرمي(ت:80هـ تقريباً)، وفيه نظر، وقد تقدمت شواهد لهذا الحديث.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
رسالة, في

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:43 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir