بسم الله الرحمن الرحيم
مجلس مذاكرة القسم الثالث من دورة جمع القرآن
المجموعة الأولى:
س1: ما سبب عدم جمع القرآن الكريم في حياة النبي صلى الله عليه وسلم؟
لم يُجمع القرآن في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعا وقولا واحدا لأهل العلم، حيث قال ابن جرير الطبري: حدثني سعيد بن الربيع، قال: حدثنا سفيان بن عيينة، عن الزهري، قال: « قُبض النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن القرآن جُمع، وإنما كان في الكرانيف والعسب »
وذلك لسببين ذكرهما العلماء:
1. أن النبي صلى الله عليه وسلم قد عصم من نسيان القرآن، وتكفل الله بحفظ القرآن في صدره فلا ينساه ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) فحفظه في صدر نبيه أولا، كما قال تعالى (سنقرئك فلا تنسى).
2. كان القرآن يتنزل على النبي مجزءاً حسب الوقائع والأحداث؛ لذلك كان يزاد فيه ويُنقص منه، وأحيانا تنسخ أحكام وآيات وتثبت أخرى، لذا فإن جمعه في ذاك الوقت سيكون فيه مشقة عظيمة قال النووي: (وإنما لم يجعله النبي صلى الله عليه وسلم في مصحف واحد لما كان يتوقع من زيادته ونسخ بعض المتلو، ولم يزل ذلك التوقع إلى وفاته صلى الله عليه وسلم)
***********************************
س2: لخّص القول في مصحف أبيّ بن كعب، وبيّن أنواع ما يُنسب إليه.
أما عن مصحف أبي بن كعب فقد دلت الروايات الصحيحة أنه تم حرقه من قبل عثمان بن عفان، ولم يبق متواجداً، ويستدل على ذلك مما رواه بكير بن عبد الله بن الأشجّ قال حدثني بسر بن سعيد، عن محمد بن أبيّ بن كعب أن ناساً من أهل العراق قدموا إليه؛ فقالوا: إنما تحمَّلنا إليك من العراق، فأخرج لنا مصحف أُبَيّ قال محمد: (قد قبضه عثمان)
قالوا: سبحان الله أخرجْه لنا !
قال: (قد قبضه عثمان)
وهذا الأثر رواه أبو عبيد القاسم بن سلام في فضائل القرآن وابن أبي داوود في كتاب المصاحف، بإسناد صحيح، رجاله ثقات.
ويعضده ما تقدّم من غير وجه أنّ عثمان بن عفان رضي الله عنه أمر بجمع المصاحف وإحراقها.
كما ورد في صحيح البخاري وغيره من حديث الزهري عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنّ عثمان أرسل إلى كل أفقٍ بمصحفٍ مما نسخوا، وأمر بما سواه من القرآن في كل صحيفة أو مصحف أن يحرق.
وأما ما يُنسب إلى مصحفه مما يخالف المصاحف العثمانية فعلى ثلاثة أنواع :
النوع الأول: ما رُوي عمن رأى مصحف أبيّ قبل جمع المصاحف العثمانية، وأغلب ما رُوي فيه لا يصح.
النوع الثاني: ما رُوي من قراءة أبيّ بن كعب قبل الجمع، فأغلبه لم يصحّ، وما صحّ منه فهو محمول على أنه أقرأ به قبل جمع عثمان، أو أخبر به إخباراً لا إقراءً، وليس بالضرورة أنه كان مكتوباً؛ ومن تلك الأحرف ما هو منسوخ، ومنها ما تُركت القراءة به لإجماع الصحابة على ترك الإقراء بما خالف المصاحف العثمانية.
النوع الثالث: ما ادّعي على أنه مصحف أبيّ بالعراق، واختلف فيه على ثلاثة أقوال:
القول الأول : أنه مصحف أنس بن مالك رضي الله عنه أملاه عليه أبيّ بن كعب.
قال القاضي أبو بكر الباقلاني: (قد رأينا مصحف أنسٍ الذي ذُكر أنه مصحفُ أُبيّ وكان موافقا لمصحفِ الجماعة بغيرِ زيادةٍ ولا نقصان).
القول الثاني: أنه من المصاحف التي لم تُتلف بعد الجمع العثماني، قال ابن عطية:"وانتشرت في خلال ذلك صحف في الآفاق كتبت عن الصحابة، كمصحف ابن مسعود، وما كتب عن الصحابة بالشام، ومصحف أبيّ، وغير ذلك، وكان في ذلك اختلاف حسب الأحرف السبعة التي أنزل القرآن عليها"
وهذه المصاحف تُركت القراءة بها بعد جمع عثمان الذي أجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، إضافة إلى أنه لا تُعرف طريقة نسخها ولم يُتحقق من ذلك.
القول الثالث: أنه مصحف أبي بن كعب نفسه، وهذا مردود لصحة ما ورد أنه أُتلف بعد الجمع العثماني، وأبيّ من الصحابة الذين أجمع ا على جمع عثمان.
وهذه جملة من أمثلة ما يُنسب إلى مصحف أبيّ رضي الله عنه:
-ما رواه ابن أبي داوود عن حماد قال: "قرأت في مصحف أبي: (للذين يُقسمون)".
وقال ابن أبي داود: مصحفنا فيه {يؤلون من نسائهم}
وبهذا الإسناد قال حماد: "وجدت في مصحف أبيّ: (فلا جناح عليه ألا يطوف بهما)".
-ما روى أبو عبيد القاسم بن سلام عن عزرة، قال: "قرأت في مصحف أبي بن كعب هاتين السورتين: (اللهم نستعينك) و (اللهم إياك نعبد)".
-ما روي ابن جرير أن جرير بن حازم: "قرأتها في مصحف أُبيّ بن كعب [يُوَفِّيهمُ اللهُ الحَقُّ دِينَهُمْ]".
-ما روى ابن حبان : قال حماد: "وقرأت في مصحف أبيّ: [ومنهم من بدَّل تبديلا]".
-ما روى أبو عبيد القاسم بن سلام : قال ميمون بن مهران: "قرأت في مصحف أبيّ بن كعب [اللهم نستعينك ونستغفرك] إلى قوله: [بالكافرين ملحق]".
وهذه الآثار منها ما تكلم العلماء في إسنادها، و هي كلها تُحمل على ما نُسب إلى مصحف أبيّ رضي الله عنه، لأن الصحيح أنه أُتلف بعد جمع عثمان رضي الله عنهم جميعا.
***********************************
س3: ما معنى تأليف القرآن؟
التأليف لغة: يعني الوصل والمتابعة.
ورد لفظ تأليف القرآن في الأحاديث والآثار بمعنيين:
الأول: ترتيب الآيات في السورة الواحدة؛ وقد استدلوا على هذا المعنى بما رواه الإمام أحمد برواية عن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال : بينا نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نؤلّف القرآن من الرقاع إذ قال: ( طوبى للشام )، قيل: ولم ذلك يا رسول الله؟ قال: ( إن ملائكة الرحمن باسطة أجنحتها عليها ).
والشاهد في الأثر أن الآيات كانت تنزل مفرقة، و تأليفها يراد به جمعها إلى بعضها ووصلها.
الثاني: ترتيب السور في المصحف، ويستدل على ذلك مما رواه البخاري أن يوسف بن ماهك، قال: إني عند عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، إذ جاءها عراقي، فقال: أي الكفن خير؟
قالت: (ويحك، وما يضرك؟)
قال: يا أم المؤمنين، أريني مصحفك؟
قالت: (لم؟)
قال: لَعَلِّي أؤلّف القرآن َعليه، فإنه يقرأ غير مُؤلَّف.
قالت: (وما يضرك أيه قرأت قبل؟)
ثمّ ذكر الحديث إلى أن قال: فأخرجت له المصحف، فأملت عليه آي السور).
والراجح أن التأليف بالمعنى الأول (ترتيب الآيات في السورة الواحدة) كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وكان في الحفظ بالصدور، ولم يكن تأليفاً بالكتابة.
***********************************
س4: ما سبب كثرة الأسئلة المثارة في باب جمع القرآن؟
إن سبب كثرة الأسئلة المثارة في هذا الباب على سببين اثنين :
1. بعض الإشكالات التي تعرض لطالب العلم في فهمه لمسائل جمع القرآن، فيطرحونها لمزيد يقين و علم مع الإيمان الجازم بالقرآن الكريم، وصحة جمعه..
2. شبهات يطرحها الطاعنون في القرآن الكريم وطريقة جمعه و صحّته، ليشككوا المسلمين في جمع القرآن وصحته.
***********************************
س5: بيّن أهمّ الفوائد التي استفدتها من دراستك لدورة "جمع القرآن"
• حفظ الله عز وجل لكتابه وتسخير الأحداث لذلك، ومنها جهد الصحابة في جمعه وضبطه ورسمه، والتعريف بكتاب الوحي.
• حرص النبي وصحابته على عدم خلط أي شيء بالقرآن، وتجريده وعدم كتابة أي شيء آخر معه.
التعرف على الفرق بين كل جمع من جموع الصحابة وطريقة عمله ومن قام به.
• التعرف على المرويات الصحيحة الخاصة بالجمع ومعرفة الضعيف منها سندا ومتناً ومناقشة سبب الضعف للتمكن من الرد على مثيري الشبهات.
• التعرف على سبب إثارة الشبهة؛ فإن كانت بسبب ضعف المرويات بيناها وأتينا بالصحيح منها، وإن كان بسبب شبهات عقلية، أتينا بالنقل الصحيح أولا ومن ثم دعمناه بالعقل، حيث يقدم النقل على العقل.
لعل الفائدة الأهم هي اليقين وزيادة الإيمان بأن القرآن محفوظ, وهذا يثمر حتما زبادة الإيمان بالغيب
والله الموفق؛؛؛