السلام عليكم ورحمة الله.
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
أبو محمد عطاء بن أبي رباح واسمه أسلم كما ذكره غير واحد من أهل العلم.
وعطاء من كبار التابعين، فقد أدرك مائتين من الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
ولد باليمن عام خمسة وعشرين أو سبعة وعشرين للهجرة في أثناء خلافة عثمان، ونشأ بمكة. وهو من مشاهير مدرستها التي قد تأثرت بشيخها ابن عباس رضي الله عنهما.
وقد أثنى عليه أهل العلم في علمه وفضله، وهديه وسمته، وصلاحه وعبادته، وأخلاقه وشمائله، ومن ذلك:
- ما رواه ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وابن عساكر في تاريخ دمشق عن ربيعة أنه قال: (فاق عطاءٌ أهلَ مكة في الفتوى).
- وما رواه ابن عساكر عن محمد بن مسلم المعروف بابن وارة أنه قال: (سمعت بعض أصحاب الشافعي يحكي عن الشافعي قال: (ليس من التابعين أحد أكثر اتباعا للحديث من عطاء)).
وهذا يدل على حبه للأثر والحديث، ولعل حبه هذا يفضي إلى التوسع في الرواية، ما كان سببا لاعتبار مراسيله أضعف المراسيل. قال الإمام أحمد: ((...وليس في المرسلات شيءٌ أضعف من مرسلات الحسن وعطاء بن أبي رباح؛ فإنهما يأخذان عن كل أحد)).
- قال يحيى بن سليم: حدثنا محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان بن عفان [الديباج]، قال: (ما رأيت مفتيا خيرا من عطاء بن أبي رباح إنما كان مجلسه ذكر الله لا يفتر وهم يخوضون، فإن تكلم أو سئل عن شيء أجاب وأحسن الجواب). رواه ابن أبي خيثمة وابن عساكر.
- ما رواه ابن عساكر عن سفيان بن عيينة أنه قال: (قلت لابن جريج: ما رأيت مصلياً مثلك!! قال: فكيف لو رأيت عطاء).
- ما رواه ابن عساكر في تاريخ دمشق عن سفيان الثوري عن ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح قال: (إن الرجل ليحدّثني بالحديث؛ فأنصتُ له كأن لم أسمعه قط، وقد سمعته قبل أن يولد).
ولما تحرج عطاء من تفسير القرآن برأيه كان من أقل تلامذة ابن عباس خوضا في التفسير رواية ودراية. فقد روى ابن عساكر عن عبد العزيز بن رفيع أنه قال: ((سئل عطاء عن شئ قال: لا أدري، قال فقيل له: ألا تقول فيها برأيك؟! قال: (إني أستحيي من الله أن يدان في الأرض برأيي)).
والمروي من عطاء (480) قولا، ومع هذا فثلث المروي منها جاء في تأويل آيات الأحكام (1)، لا سيما في مناسك الحج.
فقد روى ابن سعد وابن أبي خيثمة وابن عساكر عن أسلم المنقري، أنه قال: ((كنت جالسا مع أبي جعفر [وهو محمد بن علي بن الحسين] إذ مرَّ عليه عطاء بن أبي رباح، فقال: «ما بقي على ظهر الأرض أحد أعلم بمناسك الحج من عطاء بن أبي رباح»)).
وروى ابن أبي خيثمة عن خصيف، أنه قال: ((كان أعلمهم بالحج عطاء)).
أما رواة التفسير عن عطاء بن أبي رباح في كتب التفسير المسندة فقريب من خمسين رجلاً، وهم على مراتب:
المرتبة الأولى: الثقات المكثرون من الرواية عنه، ومنهم: ابن جريج، وابن أبي نجيح، وقيس بن سعد المكي، وعمرو بن دينار، وعبد الملك بن أبي سليمان العرزمي الفزاري،
المرتبة الثانية: الثقات المقلّون من الرواية عنه في التفسير، وإن كان بعضهم موصوفاً بطول ملازمته أو مكثراً عنه في الأحكام دون التفسير، ومنهم: قتادة بن دعامة السدوسي، وأيوب بن موسى الأموي القرشي، وأيوب بن أبي تميمة السختياني، وأبو بشر جعفر بن أبي وحشية اليشكري، وأبو عمرو الأوزاعي، وأبو إسحاق السبيعي، وسليمان بن مهران الأعمش، وأبو حازم سلمة بن دينار الأعرج، ومنصور بن زاذان، وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي حسين النوفلي المكي، وحبيب بن أبي مرزوق الرقي، والعلاء بن المسيب الأسدي، وهارون بن عنترة الشيباني، وإبراهيم الصائغ، والفضل بن عطية المروزي، ومالك بن مغول البجلي، وأبو سنان الشيباني الأكبر وهو ضرار بن مرة الكوفي تمييزاً له عن أبي سنان الشيباني الأصغر سعيد بن سنان البرجمي أحد الرواة عن الضحاك وهو مختلف فيه.
المرتبة الثالثة: المتكلّم فيهم، ومنهم:
1. محمد بن إسحاق بن يسار، وهو صدوق رمي بالتدليس؛ فإذا صرّح بالتحديث فحديثه حسن.
2.والحجاج بن أرطأة النخعي وهو صدوق رُمي بالتدليس فإذا صرّح بالسماع فحديثه أجود وربما وقع في رواياته زيادات تنكر عليه،
3. وحبيب المعلم، وهو حبيب بن أبي بقية المصري، تركه يحيى بن سعيد القطان، ووثّقه يحيى بن معين وأبو زرعة، وقال النسائي ليس بالقوي.
4. والربيع بن صبيح السعدي، وهو رجل صالح غزّاء، وقد اختلف في روايته، وجمهور النقاد على تضعيفه.
المرتبة الرابعة: مجهولو الحال: ومنهم:
1. سوار بن أبي حكيم الخراساني ختن عطاء، روى عنه خبراً إسرائيلياً.
2. وغالب بن غيلان البصري، وقد تصحّف اسمه في المطبوع من تفسير ابن جرير إلى غالب بن غلاب.
المرتبة الخامسة: الضعفاء، ومنهم: يعقوب بن عطاء بن أبي رباح، وليث بن أبي سليم، وابن لهيعة.
المرتبة السادسة: المتروكون، وهم شديدو الضعف لكثرة أخطائهم في الرواية أو لاتهامهم بالكذب، ومنهم: عقبة بن عبد الله الأصم البصري، ومحمد بن عبيد الله بن أبي سليمان العرزمي، وعمر بن قيس المكي المعروف بسندل، وطلحة بن عمرو الحضرمي، وواصل بن السائب الرقاشي، وأبو بكر بن أبي مريم الغساني، وأبو بكر الهذلي، وجابر بن يزيد الجعفي.
والأرجح في تاريخ وفاته أنه مات سنة 114 هـ. قال الذهبي: (مات على الأصح في رمضان سنة أربع عشرة ومائة، وقيل سنة خمس عشرة بمكة).
___________________
(1) تفسير التابعين محمد بن عبد الله بن علي الخضيري صـ: 185، هامش: 1.