24 : ما روي عن محمد بن مسلم ابن شهاب الزهري(ت:124هـ) رحمه الله:
وهو أشهر المجتهدين في تدوين السنة ونشرها في زمان التابعين رحمهم الله، كان الخلفاء يأمرونه بذلك.
بل اشتهر عنه أنه أوّل من دوّن السنة بأمر الخليفة عمر بن عبد العزيز.
وكان الزهري في أوّل أمره لا يكتب إلا إذا طال عليه حديث كتبه حتى يحفظه ثم يمحوه، وكان حافظاً ضابطاً، ثمّ لما عزم عليه الخلفاء بكتابة الحديث ونشره أملى حديثاً كثيراً جداً، وكثرت الكتب عنده، وكان يملي في مكة والمدينة والشام ويُقرأ عليه، وكان يهب الصحف ويجيز بروايتها.
- قال محمد بن أبي زكير: أخبرنا ابن وهب عن مالك قال: لقد أخذت بلجام ابن شهاب وهو على بغلته؛ فسألته عن حديث؛ فقال: (الذي أعجبني منه قد حدثتكه).
قلت: أجل.
قال مالك: وأعجبني منه ما قال.
قلت له: فأعدْه عليَّ.
قال: لا.
فقلت -وأنا أريد أن أخصمه-: أما كنت تكتب؟
قال: لا.
فقلت: ولا تسأل أن يعاد عليك الحديث؟
فقال: لا
قال مالك: (فأرسلت الحديدة). رواه يعقوب بن سفيان.
- وقال عبد العزيز بن عبد الله الأويسي: حدثنا إبراهيم بن سعد، عن عكرمة، قال: كنا نأتي الأعرج ويأتيه ابن شهاب.
قال: فنكتب ولا يكتب ابن شهاب.
قال: فربما كان الحديث فيه طول، فيأخذ ابن شهاب ورقة من ورق الأعرج، وكان الأعرج يكتب المصاحف؛ فيكتب ابنُ شهاب ذلك الحديث في تلك القطعة، ثم يقرأه، ثم يمحوه مكانه، وربما قام بها معه؛ فيقرأها ثم يمحوها). رواه الخطيب البغدادي في تقييد العلم.
- وقال صالح بن كيسان: اجتمعت أنا وابن شهاب ونحن نطلب العلم، فاجتمعنا على أن نكتب السنن، فكتبنا كل شيء سمعناه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم كتبنا أيضا ما جاء عن أصحابه فقلت: «لا، ليس بسنة» ، وقال هو: بلى هو سنة، «فكتب ولم أكتب، فأنجح وضيعت» رواه معمر بن راشد، وابن سعد، ويعقوب بن سفيان، وابن أبي خيثمة، وغيرهم.
- وقال يزيد بن السمط: سمعت قرة بن عبد الرحمن بن حيوئيل قال: (لم يكن للزهري كتاب إلا كتاب فيه نسب قومه).
قال يزيد بن السمط وكان الأوزاعي يقول: (ما أحد أعلم بالزهري من ابن حيوئيل). رواه يعقوب بن سفيان، وأبو زرعة الدمشقي، وابن عدي.
قلت: لعلّه يريد من الكتب التي يتخذها المرء لنفسه حتى يتعاهد حفظه، فإنّ الزهري كان حافظاً ضابطاً، لا يكاد ينسى ما حفظه، وأما ما كتبه الزهري لغيره فكثير لا يُنكر، حتى إنه ربما سأله بعض المحدثين أن يحدّثهم فيعطيهم صحيفة قد كتب فيها بعض حديثه.
- وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن الحسن بن زبالة، عن مالك بن أنس قال: «أول من دون العلم ابن شهاب». رواه أبو نعيم في الحلية.
ابن زبالة متروك الحديث.
- وقال عبد العزيز بن عبد الله الأويسي: حدثنا إبراهيم بن سعد أن (أوَّل من وضع للناس هذه الأحاديث ابن شهاب). رواه يعقوب بن سفيان.
- قال روح بن عبادة: حدثنا عبد الرحمن أخو أبي حرة، عن أيوب بن أبي تميمة، عن الزهري، قال: (استكتبني الملوك فأكتبتهم فاستحييت الله إذ كتبتها للملوك ألا أكتبها لغيرهم). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال إبراهيم بن المنذر الحزامي: قال ابن شهاب: (كنا لا نرى الكتاب شيئا؛ فأكرهتنا عليه الأمراء؛ فأحببنا أن نواسي بين الناس). رواه يعقوب بن سفيان، والحزامي لم يدرك ابن شهاب.
- وقال سفيان: حدثونا عن الزهري، قال: (كنا نكرهه حتى أكرهتنا عليه الأمراء فلما أكرهونا عليه بذلناه للناس - يعني الحديث). رواه ابن أبي خيثمة.
- وقال عبد الرزاق عن معمر قال: سمعت الزهري يقول: (كنا نكره الكتاب حتى أكرهنا عليه الأمراء، فرأيتُ أن لا أمنعه مسلماً). رواه يعقوب بن سفيان.
- وقال أبو العباس السراج: حدثنا داود بن رشيد، حدثنا أبو المليح قال: «كنا لا نطمع أن نكتب عند الزهري حتى أكره هشامٌ الزهريَّ فكتب لبنيه، فكتب الناس الحديث». رواه أبو نعيم في الحلية.
- وقال صفوان بن صالح: حدثنا عمر بن عبد الواحد، عن الأوزاعي قال: (دفع إليَّ يحيى بن أبي كثير صحيفة؛ فقال: اروها عني، ودفع إليَّ الزهري صحيفة فقال: (اروها عني). رواه أبو زرعة الدمشقي، والخطيب البغدادي في الكفاية، وابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
- وقال عبد الرزاق: أخبرنا مالك بن أنس قال: (مات يوم مات الزهري وإن كتبه حملت على البغال ما لم يخرجها). رواه ابن عدي في الكامل.
- وقال إبراهيم بن سعد، عن ابن أخي الزهري قال: سمعته- يعني الزهري- يقول: (لولا أحاديث تأتينا من قبل المشرق ننكرها لا نعرفها ما كتبت حرفاً، ولا أذنت في كتابته). رواه يعقوب بن سفيان.