1: حرر القول في المسائل التالية:
أ. المراد بالملكين.
ذكر في المراد بالملكين أقوال :
الأول : أنهما داود وسليمان . وهو قول ابن أبزى .
- وقول ابن أبزى أخرجه ابن أبي حاتم عن الفضل بن شاذان، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا معلّى بن أسدٍ، ثنا بكر بن مصعبٍ، ثنا الحسن بن أبي جعفرٍ عنه .
- قال ابن عطية : قال ابن أبزى: «هما داود وسليمان»، وعلى هذا القول أيضا فـ(ما) نافية .
الثاني : هما علجان كانا ببابل ملكين . وهو قول الحسن , والضحاك .
- قول الضحاك أخرجه ابن أبي حاتم عن محمّد بن عمّارٍ، ثنا إبراهيم بن موسى، أنبأ أبي معاوية، عن شعيب بن كيسان، عن ثابتٍ عنه .
- وقول الحسن ذكره ابن عطية .
- قال ابن عطية : قال الحسن: «هما علجان كانا ببابل ملكين»، فـ(ما) على هذا القول غير نافية .
الثالث : هما جبريل وميكائيل . وهو قول ابن عباس , وعطية .
- أما قول ابن عباس فأخرجه البخاري في تاريخه عن اسحاق نا روح نا ثابت ابن عمارة عن القاسم بن مسلم اليشكري عنه . وأخرجه ابن المنذر , كما ذكر السيوطي في الدر المنثور .
- وقول ابن عطية أخرجه ابن أبي حاتم عن عبيد اللّه بن موسى، ثنا فضيل بن مرزوقٍ عنه .
الرابع : هما ملكان من ملائكة السماء . وهو قول علي .
- وقول علي أخرجه ابن أبي حاتم عن الفضل بن شاذان، ثنا محمّد بن عيسى، ثنا إبراهيم بن موسى، أنبأ أبو معاوية، عن ابن أبي خالدٍ، عن عمير بن سعيدٍ عنه .
الخامس : هما قبيلان من الجن . وهو قول ابن حزم .
- أما قول ابن حزم فذكره عنه ابن كثير .
الدراسة :
اختلف أهل العلم في المراد بالملكين في الآية إلى عدة أقوال وترجع هذه الأقوال إلى قولين :
الأول : إما أن يكونا ملكين من السماء ؛ فالذين قالوا أنهما ملكين من السماء قالوا :
1 - إما أنهم جبريل وميكائيل , وهذا القول نسب إلى اليهود وأنهم هم الذين قالوا أن الملكين الذين يعلمان السحر هما جبريل وميكائيل فأكذبهم الله تعالى في ذلك وأخبر أنهما لم ينزلا بالسحر.
2 – وإما أنهم هاروت وماروت وذكر في ذلك أحاديث مدارها على كعب الأحبار عن كتب بني إسرائيل وليس عن النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ذلك ابن كثير .
الثاني : وإما أن يكونا رجلين من بني آدم ؛ فالذين ذكروا أنهم رجلين من الأرض قالوا :
1 - أنهما داوود وسليمان , وذلك على قراءة "ملكين" بالكسر .
2 – أنهما علجان بابل , والعلج : هو الرجل القوي الضخم .
وأما القول الأخير الذي ذكره ابن كثير ابن كثير عن ابن حزم من أنهم قبيلان من الجن فقد رده وقال إنه قول غريب .
ب. القراءات في قوله: {ما ننسخ من آية أو ننسها} والمعنى بحسب كل قراءة.
ذكر في قوله تعالى "ننسخ" قراءات :
الأولى : ننسخ , بفتح النون من نسخ . وهي قراءة الجمهور .
والمعنى على هذه القراءة على وجهين ذكرهما ابن عطية :
1 - ما نكتب وننزل من اللوح المحفوظ، أو ما نؤخر فيه ونترك فلا ننزله أي ذلك فعلنا فإنا نأتي بخير من المؤخر المتروك أو بمثله، فيجيء الضميران في منها ومثلها عائدين على الضمير في ننسأها .
2 - أن يكون ننسخ من النسخ بمعنى الإزالة ويكون التقدير ما ننسخك أي نبيح لك نسخه، كأنه لما نسخها الله أباح لنبيه تركها بذلك النسخ، فسمى تلك الإباحة إنساخا، وما شرطية وهي مفعولة ب ننسخ، وننسخ جزم بالشرط.
الثانية : ننسخ بضم النون من أنسخ . وهي قراءة ابن عامر .
وذكر ابن عطية عن ابي علي الفارسي أنها ليست لغة فقال : ليست لغة لأنه لا يقال نسخ وأنسخ بمعنى، ولا هي لتعدية لأن المعنى يجيء ما نكتب من آية أي ما ننزل فيجيء القرآن كله على هذا منسوخا، وليس الأمر كذلك .
والمعنى يكون : ما نجده منسوخا، كما تقول: أحمدت الرجل وأبخلته بمعنى وجدته محمودا أو بخيلا، قال أبو علي: وليس نجده منسوخا إلا بأن ننسخه فتتفق القراءتان في المعنى وإن اختلفتا في اللفظ.
ذكر في قوله تعالى "ننسها" قراءات :
الأولى : نُنْسِهَا , وهي قراءة نافع وحمزة والكسائي وعاصم وابن عامر وجمهور من الناس .
وهي من أنسى المنقول من نسي
الثانية : نَنْسَهَا , ذكرها مكي ولم ينسبها، وذكرها أبو عبيد البكري في كتاب اللآلي عن سعد بن أبي وقاص .
وقال ابن عطية في اسناد الرواية إلى سعد بن أبي وقاص : وأراه وهم .
وهي بمعنى الترك
الثالثة : نَنْسَؤُها
وهي بمعنى التأخير , تقول العرب أنسأت الدين وغيره أنسؤه إنساء إذا أخرته .
الرابعة : تنسها , بضم التاء أولا وفتح السين وسكون النون بينهما , وهي قراءة سعيد بن المسيب , وابن أبي حيوة إلا أنه ضم التاء .
وهي خطاب للنبي صلى الله عليه وسلم , من النسيان .
الخامسة : ننسك , بضم النون الأولى وسكون الثانية وسين مكسورة وكاف مخاطبة , وهي قراءة أبي بن كعب , وفي مصحف سالم مولى أبي حذيفة " ننسكها" بإضافة الضمير .
السادسة : ما ننسك من آية أو ننسخها نجيء بمثلها , وهي قراءة الأعمش كما ثبت في مصحف ابن مسعود .
الدراسة :
ذكر في هذه الآية الكريمة عدة قراءات ويرجع معنى هذه القراءات إلى ثلاث معاني :
الأول : النسيان وهو ضد الذكر , ويكون المعنى على ذلك كما ذكر ابن عطية : ما ننسخ من آية أو نقدر نسيانك لها فتنساها حتى ترتفع جملة وتذهب فإنا نأتي بما هو خير منها لكم أو مثله في المنفعة.
الثاني : الترك , ويكون المعنى على ذلك كما ذكر ابن عطية :
1 - ما ننسخ على وجوه النسخ أو نترك غير منزل عليك فإنا لا بد أن ننزل رفقا بكم خيرا من ذلك أو مثله حتى لا ينقص الدين عن حد كماله.
2 - أو نترك تلاوته وإن رفعنا حكمه فيجيء النسخ على هذا رفع التلاوة والحكم.
3 - أو نترك حكمه وإن رفعنا تلاوته فالنسخ أيضا على هذا رفع التلاوة والحكم.
4 - أو نتركها غير منسوخة الحكم ولا التلاوة، فالنسخ على هذا المعنى هو على جميع وجوهه، ويجيء الضميران في منها أو مثلها عائدين على المنسوخة فقط، وكان الكلام إن نسخنا أو أبقينا فإنا نأتي بخير من المنسوخة أو مثلها.
الثالث : التأخير , ويكون المعنى نفسه المترتب على معنى الترك في معانيه الربعة .
2: فسّر قول الله تعالى:
{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}.
يخبر ربنا سبحانه وتعالى عن حال اليهود من تمنيهم أن يرجع المؤمنون عن دينهم , ويكفرون بمحمد صلى الله عليه وسلم حسدا من عند أنفسهم , فيحذر الله تعالى المؤمنين من سلوك طريق أهل الكتاب , ويعلمهم بعداوة أهل الكتاب للمؤمنين ظاهرا وباطنا وحسدهم لهم .
وذكر في سبب نزولها ؛ أن حذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر أتيا بيت المِدْراس، فأراد اليهود صرفهم عن دينهم، فثبتا عليه ونزلت الآية , وقيل: إنما هذه الآية تابعة في المعنى لما تقدم من نهي الله عن متابعة أقوال اليهود في راعنا [البقرة: 104] وغيره، وأنهم لا يودون أن ينزل خير، ويودون أن يردوا المؤمنين كفارا.
وروى ابن أبي حاتم بسنده : أنّ كعب بن الأشرف اليهوديّ كان شاعرًا، وكان يهجو النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم. وفيه أنزل اللّه: {ودّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردّونكم} إلى قوله: {فاعفوا واصفحوا}.
وروى ابن اسحاق بسنده إلى ابن عباس قال : كان حييّ بن أخطب وأبو ياسر بن أخطب من أشدّ يهود للعرب حسدًا، إذ خصهم اللّه برسوله صلّى اللّه عليه وسلّم وكانا جاهدين في ردّ النّاس عن الإسلام ما استطاعا، فأنزل اللّه فيهما: {ودّ كثيرٌ من أهل الكتاب لو يردّونكم} الآية.
وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ : قيل هم اليهود , وقيل : كعب بن الأشرف , وقيل : ابنا أخطب حيي وياسر .
لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ : أي : أن هؤلاء اليهود تمنوا لو يرجعونكم كفارا من قبل أنفسهم حسدا لكم على ما أنتم عليه من الإيمان .
مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ : أي : من بعد تبين لهم وظهر أن محمدا صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله , ومكتوب عندهم في التوراة والإنجيل , وبعد ما تبين لهم صحة ما المسلمون عليه من التوحيد , فكفروا عنادا وحسدا وبغيا من عند أنفسهم .
3: أجب عما يلي:
أ: ما المراد بملك سليمان في قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان}؟
ذكر في المراد بملك سليمان أقوال :
الأول : عهد ملك سليمان عليهم . وهو قول الزجاج , وذكره ابن عطية .
الثاني : في ملك سليمان ؛ بمعنى في قصصه وصفاته وأخباره . وهو قول ابن جريج , وابن اسحاق , وابن جرير .
- أما قول ابن جريج فقد أخرجه ابن جرير عن القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال، حدّثني حجّاجٌ عنه .
- وقول ابن اسحاق فقد أخرجه ابن جرير عن ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة عنه .
- قال ابن جرير : يعني بقوله جلّ ثناؤه: {على ملك سليمان} في ملك سليمان؛ وذلك أنّ العرب تضع في موضع على وعلى موضع في، من ذلك قول اللّه جلّ ثناؤه: {ولأصلّبنّكم في جذوع النّخل} يعني به: على جذوع النّخل، وكما قال: فعلت كذا في عهد كذا وعلى عهد كذا، بمعنى واحدٍ.
الثالث : شرعه ونبوته وحاله . ذكره ابن عطية .
ب: المراد بالذي سئله موسى من قبل.
المراد بالذي سئله موسى من قبل قومه : قالوا له : أرنا الله جهرة .
والله أعلم