المجموعة الأولى:
( 1 ) قول مجاهد في تفسير قول الله تعالى: {تماماً على الذي أحسن} ، قال: على المؤمنين والمحسنين.
قول مجاهد أخرجه :
- ابن جرير في تفسيره , وابن أبي حاتم في تفسيره , من طرق عن ابن أبي نجيح عنه .
- وأخرجه عبد بن حميد، وابن المنذر وأبو الشيخ عنه , كما عزاه السيوطي إليهم في الدر المنثور .
توجيه القول :
هذا القول مبني على أن الله تعالى فضل موسى عليه السلام على المؤمنين والمحسنين بما آتاه من الكتاب , كما ذكر ابن جرير فقال : وكأن مجاهدا وجه تأويل الكلام ومعناه إلى أن الله - جل ثناؤه - أخبر عن موسى أنه آتاه الكتاب فضيلة على ما آتى المحسنين من عباده .
وذكر أن قراءة ابن مسعود تؤيد هذا التوجيه ؛ ففي قراءة ابن مسعود (تمامًا على الّذين أحسنوا) .
وذكر ابن عطية توجيه آخر فقال : وكأن الكلام: وآتينا موسى الكتاب تفضلا على المحسنين من أهل ملته، وإتماما للنعمة عندهم .
وهذين المعنيين يدخل فيهما معنى الآية ؛ فالله تعالى فضل موسى على المؤمنين والمحسنين بالكتاب , وتفضل على المحسنين من أهل ملته بالكتاب , وأتم لهم النعمة بهذا الكتاب .
وذكر في معنى الآية أقوال :
الأول : تماما على المؤمنين والمحسنين . وهو قول مجاهد , والزجاج .
الثاني : تمامًا على الّذي أحسن موسى فيما امتحنه اللّه به في الدّنيا من أمره ونهيه . وهو قول الربيع , وقتادة .
الثالث : تمامًا على إحسان اللّه إلى أنبيائه وأياديه عندهم . وهو قول ابن زيد .
الدراسة :
اختلف المفسرون في معنى الآية , ورجح ابن جرير القول الثاني ؛ لأن ظاهر معاني الكلام يدل عليه , فقال: لأن ذلك أظهر معانيه في الكلام، وأن إيتاء موسى كتابه نعمة من الله عليه، ومنة عظيمة، فأخبر - جل ثناؤه - أنه أنعم بذلك عليه لما سلف له من صالح عمل، وحسن طاعة .
ورد قول مجاهد ؛ لعدم وجود دلالة من الكلام يدل صحة قوله .
وذكر أنه إذا حصل نزاع بين الأقوال في تأويل الآية كان الرجوع لظاهر الكلام أولى , فقال : إذا تنوزع في تأويل الكلام كان أولى معانيه به أغلبه على الظاهر، إلا أن يكون من العقل أو الخبر دليل واضح على أنه معني به غير ذلك .
والذي أراه والله أعلم أن الخلاف في الآية من باب خلاف التنوع , أنه من الممكن حمل الآية على جميع هذه المعاني , فقد أعطى الله تعالى موسى الكتاب تفضيلا له على غيره من المؤمنين والمحسنين لما له من رتبة رفيعة ن مقام الرسالة والنبوة , وأنه تعالى من عليه وأنعم بإعطائه الكتاب لما سلف له من عمل صالح , وحسن طاعة , وقيامه بما أمره الله ونهاه .
وفي الآية قراءتان ذكرهما ابن القيم :
الأولى : قرأ أبو عبد الرحمن السلمي، وأبو رزين، والحسن، وابن يعمر: «على الذي أحسنُ» ، بالرفع . قال الزجاج: معناه: على الذي هو أحسن الأشياء .
الثانية : قرأ عبد الله بن عمرو، وأبو المتوكل، وأبو العالية: «على الذي أُحْسِنَ» برفع الهمزة وكسر السين وفتح النون وهي تحتمل الإحسان، وتحتمل العلم.
( 2 ) قول محمد بن كعب القرظي: ({منادياً ينادي للإيمان}: المنادي القرآن)
قول محمد بن كعب أخرجه :
- سفيان الثوري في تفسيره عن موسى بن عبيدة عنه .
- وأخرجه ابن المنذر في تفسيره , ابن جرير في تفسيره , وابن أبي حاتم في تفسيره من طرق عن موسى بن عبيدة عنه .
- وأخرجه عبد بن حميد , والخطيب في المتفق والمفترق عنه . كما عزاه إليهما السيوطي في الدر المنثور .
توجيه القول :
هذا القول مبني على أن كتاب الله تعالى وهو القرآن خالد إلى ما شاء الله تعالى , وأنه هو الذي يكون الدعوة به وإليه , وأن الناس الذين وصفوا في الآيات أكثرهم لم يسمعوا النبي صلى الله عليه وسلم .
وذكر في المنادي أقوال :
الأول : هو القرآن . وهو قول محمد بن كعب القرظي .
الثاني : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم . وهو قول ابن جريج، وابن زيد .
الدراسة :
ذكر في المراد بالمنادي في الآية قولين أحدهما : أنه القرآن , والآخر : هو رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهو من اختلاف التنوع الذي يصلح أن يحمل عليه كلا المعنيين , ورجح ابن جرير القول الأول فقال : وأولى القولين في ذلك بالصّواب قول محمّد بن كعبٍ، وهو أن يكون المنادي القرآن؛ لأنّ كثيرًا ممّن وصفهم اللّه بهذه الصّفّة في هذه الآيات ليسوا ممّن رأى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولا عاينه، فسمعوا دعاءه إلى اللّه تبارك وتعالى ونداءه، ولكنّه القرآن. وهو نظير قوله جلّ ثناؤه مخبرًا عن الجنّ إذ سمعوا كلام اللّه يتلى عليهم أنّهم قالوا: {إنّا سمعنا قرآنًا عجبًا يهدي إلى الرّشد}.
( 3 ) قول طاووس بن كيسان: (الحفدة الخدم )
قول طاووس أخرجه :
- ابن جرير عن ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا زمعة، عن ابن طاوسٍ، عن أبيه، قال: " الحفدة: الخدم ".
توجيه القول :
هذا القول مبني على معنى حفدة في اللغة وهو بمعنى الخدمة , قال ابن منظور : حفد يحفد حفدا: خدم. الأزهري: الحفد في الخدمة والعمل الخفة؛ وأنشد:
حفد الولائد حولهن، وأسلمت ... بأكفهن أزمة الأجمال
وروي عن عمر أنه قرأ في قنوت الفجر: وإليك نسعى ونحفد
أي نسرع في العمل والخدمة. قال أبو عبيد: أصل الحفد الخدمة والعمل.
وذكر في معنى حفدة أقوال :
الأول : أنهم الأصهار أختان الرجل على بناته . وهو قول ابن مسعود , وأبو الضحى , وسعيد بن جبير , وإبراهيم النخعي .
الثاني : أنهم أولاد الأولاد . وهو قول ابن عباس .
الثالث : أنهم بنو امرأة الرجل من غيره . وهو قول الضحاك , ورواية عن ابن عباس .
الرابع : أنهم الأعوان . وهو قول الحسن .
الخامس : أنهم الخدم . وهو قول مجاهد , وقتادة , وطاووس , وعكرمة , والحسن , ورواية عن ابن عباس .
الدراسة :
ذكر في معنى الحفدة عدة أقوال منها أنهم الخدم , أو الأصهار , أو ولد الولد , أو الأعوان , أو أبناء المرأة من غيره , وهذه القوال جميعها داخلة في المعنى اللغوي لكلمة حفد , إذا المعنى انهم من يخدم الجل فقد يخدمه ابنه أو خادمه , أو صهره , أو غيره فاللفظ عام يشمل جميع الأقوال , وكلهم يستحق اسم الحفدة .
قال ابن جرير : وإذا كان ذلك كذلك فلكلّ الأقوال الّتي ذكرنا عمّن ذكرنا وجهٌ في الصّحّة، ومخرجٌ في التّأويل .
والله أعلم