دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الخامس

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 28 ربيع الثاني 1442هـ/13-12-2020م, 10:24 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,809
افتراضي تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي

تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي
الدرس (هنا)
- مجلس مناقشة دروس دورة أساليب التفسير.

تنبيه:
- الآيات موضوع التطبيق تكون من الأجزاء الثلاثة الأخيرة.
وفقكم الله وسددكم.


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 29 ربيع الثاني 1442هـ/14-12-2020م, 06:45 PM
إيمان جلال إيمان جلال غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 380
افتراضي

رسالة في تفسير قول الله تعالى: "والعاديات ضبحا"


قوله تعالى: "والعاديات ضبحا" هو في صدر سورة العاديات وهي من السور القصار في الجزء الأخير من القرآن، والذي يغلب على سوره الطابع المكي من قصر الآيات وقوة الألفاظ. وهذا نراه واضحا في الآية محل الدراسة.
وقد جاء في سبب نزول الآية وما بعدها ما ذكره ابن عطية والسيوطي فيما أَخْرَجَه البَزَّارُ، وابنُ المُنْذِرِ، وابنُ أبي حاتِمٍ، والدَّارَقُطْنِيُّ في "الأَفْرادِ"، وابنُ مَرْدُويَهْ، عن ابنِ عبَّاسٍ، حين قالَ: بَعَثَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْلاً فاسْتَمَرَّتْ شَهراً لا يَأْتِيه مِنها خَيْلٌ، فَأَشْهَرَت شَهْرًا لا يَأْتَيهِ منه خَبَرٌ، حتى أرجف بعض المنافقين، فَنَزَلَتْ: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً}: ضَبَحَتْ بأَرْجُلِها- ولفظُ ابنِ مَرْدُويَهْ: ضَبَحَتْ بِمَنَاخِيرِها.

والعاديات هي جمع عادية، فالخيل الواحد عاد والأنثى عادية ويقال عدا الفرس يعدو عدوًا وأعداه صاحبه إعداء ويقال مر يعدو ويعدي ويجري ويجري وأراد: ونكر العاديات والعادية أيضًا الجماعة يعدون على أرجلهم، قال الهذلي:
وعادية تلقي الثياب كأنما ....... تزعزعها تحت السماة ريح
والعاديات: القوم يحملون في الغارة، والعادية: الإبل إذا كانت مقيمة في الخلة. ذكره الأنباري.

ومن المعنى اللغوي السابق نجد ان أقوال المفسرين في تفسير معنى العاديات لا يخرج عن هذا المعنى، فإن للسلف في المراد بالعاديات قولان مشهوران، هما:
القول الأول: هي الخيل.
القول الثاني: هي الإبل.
وقد قال بالقول الأول ابن عباس رضي الله عنهما، وجماعة آخرون منهم مجاهد وعكرمة وعطاء وقتادة والضحاك، واختار هذا القول ابن جرير الطبري، وقد علّل سبب اختياره ذلك بأن الإبل لا تضبح وإنما التي تضبح الخيل، فقد نقل ابن جرير عن ابنِ عبَّاسٍ: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً}؛ قوله: ليسَ شيءٌ مِن الدوابِّ يَضْبَحُ إلا كلبٌ أو فَرَسٌ، وأضاف عكرمة: وما ضبح بعير قط. ولكن ابن عطية علّق على ذلك قائلا: وهذا عندي لا يصحّ عن ابن عبّاسٍ؛ وذلك أنّ الإبل تضبح، والأسود من الحيّات، والبوم، والصّدى، والأرنب، والثعلب، والفرس، هذه كلّها قد استعملت العرب لها الضّبح.
وقد ذكر ابن عطية ما أنشده أبو حنيفة في صفة قوسٍ:
حنّانةٌ من نشمٍ أو تألب ....... تضبح في الكفّ ضباح الثّعلب

أما من قال بالقول الثاني فهو علي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهما و جماعة آخرون منهم إبراهيم وعبيد بن عمير وأبي صالح، وقد ذكره ابن جرير وابن أبي حاتم وابن عطية وابن كثير وغيرهم.
وقد استند أصحاب هذا القول على الحديث المروي عن سعيد بن جبيرٍ، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، حدّثه قال: بينما أنا في الحجر جالسًا أتاني رجلٌ، فسألني عن {العاديات ضبحاً}، فقلت: الخيل حين تغير في سبيل اللّه، ثمّ تأوي إلى اللّيل، يصنعون طعامهم ويورون نارهم؛ فانتقل عنّي فذهب إلى عليّ بن أبي طالبٍ، وهو تحت سقاية زمزم، فسأله عن {العاديات ضبحاً}، فقال: «سألت عنها أحدًا قبلي؟»، قال: فقال: نعم، سألت عنها ابن عبّاسٍ، فقال: الخيل حين تغير في سبيل اللّه؛ قال: «اذهب فادعه لي»؛ فلمّا وقف على رأسه قال: «تفتي النّاس بما لا علم لك به؛ واللّه، إن كانت لأوّل غزوةٍ في الإسلام لبدرٌ وما كان معنا إلا فرسان، فرسٌ للزّبير وفرسٌ للمقداد بن الأسود، فكيف تكون {العاديات ضبحاً}، إنما {العاديات ضبحاً} من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منىً، فأوروا النيران .. .. ، وكانت {فالمغيرات صبحاً}، من المزدلفة إلى منًى، فذلك جمعٌ، وأمّا قوله: {فأثرن به نقعاً}، فهي نقع الأرض حين تطأها أخفافها وحوافرها»؛ قال ابن عبّاسٍ: فنزعت عن قولي ورجعت إلى الّذي قال عليٌ. وهذا الأثر ذكره ابن جرير وابن عطية والسيوطي وابن كثير وغيرهم.
والتحقيق كما قال ابن عطية: أن الظاهر في الآية أن القسم بالخيل أو الإبل أو بهما.
وهو كذلك حاصل ما ذكره ابن جرير وابن أبي حاتم وابن كثير وغيرهم.
وسبب تسميتها ب "العاديات":
- فمن رجح معنى العاديات على أنها الخيل، قال بأنها من العدو حين تغير الخيل في سبيل الله، أي تجري بسرعة، وقد ذكره العيني عن ابن كيسان وجماعة من أهل التفسير كابن جرير وابن أبي حاتم وابن عطية وابن كثير.
- ومن قال بأنها الإبل، قال بأن الإبل تعدو في الحج من عرفة إلى مزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى إذا دفع الحاج، وكذلك عدو الإبل في الإغارة في غزوة بدر كما ذكر علي رضي الله عنه.
قال الأنباري: تعدو في بعض أوقات الحج وكذلك تغير، على أن الإسراع بها يشبه الإسراع في حال الإغارة. وهو حاصل أقوال ابن وهب المصري وابن جرير وابن عطية وابن كثير وغيرهم.

أما ضبحا فهي ضبعا وضبحا فأبدلت الحاء من العين، كما تقول العرب: بعثر ما في القبور، وبحثر ما في القبور وهما واحد في السير فيقال: ضبعت الناقة وضبحت، ومثله للفرس والهام والبوم والثعلب والصدى. وهي لغة من الصوت، أي تصويتٌ جهيرٌ عند العدو الشديد، ليس بصهيلٍ ولا رغاءٍ ولا نباحٍ، بل هو غير المعتاد من صوت الحيوان الذي يضبح.

ذكر ذلك كلا من اليزيدي والدينوري وإبراهيم بن السري والقيسي وقطرب البصري والأصمعي والسكري والأنباري وابن عطية.
أما الصوت المراد بالآية، فقد جاء فيه ثلاثة أقوال لأهل التفسير، هي:
القول الأول: صوت أنفاس الخيل أو إذا جهدت في الجري فضبحت بمناخرها فهي تحمحم. ذكره الفراء والعيني والتيمي واليزيدي والأنباري والنيسابوري وغيرهم من أهل اللغة وأهل التفسير.
وقد روى السيوطي عن ابن جرير عن ابن عباس قوله: ضبح الخيل زحيرها، ألم تَرَ أن الفرسَ إذا عَدَا قالَ: أَحْ أَحْ؟ فذَاك ضَبْحُها.
القول الثاني: صوت نفس الإبل.
كما روى عن ابن جرير عن علي قوله: الضبح من الخيل الحمحمة، ومن الإبل النفس.
القول الثالث: أي ضبحت بأرجلها. ذكره الهيثمي وابن كثير.
روى الهيثمي وابن كثير عن عكرمة عن ابن عباس قوله، بعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلاً، فَأَشْهَرَتْ شَهْرًا لا يَأْتِيهِ مِنْهَا خَبَرٌ فَنَزَلَتْ: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}؛ ضَبَحَتْ بِأَرْجُلِهَا.

والآية هي قسم، ولا يقسم تعالى إلا بعظيم، فأقسم تعالى بالخيل لما فيهما من آيات الله الباهرة، ونعمه الظاهرة ما هو معلوم للخلق، أو بالإبل التي تنقل الحجاج في الحج بين المشاعر، ويصح أن يشملهما القسم جميعا. وهنا تخصيص للحال التي عليها الخيل أو الإبل وهي حين الضبح، أي حين تصدر صوتا بمناخرها أو بأرجلها أثناء العدو في الإغارة في سبيل الله كما هو في الخيل، أو في الغزو أو الحج كما هو الحال في الإبل. وهذا يدل على عظم العمل التي تقوم به تلك الدواب من جهاد في سبيل الله، ومن إعانة للحجاج على أداء مناسك الحج الركن الخامس من أركان الإسلام.
ولا شك أن هناك غاية من القسم، وهنا ذكر ابن عطية في ذلك قولان، هما:
القول الأول: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث خيلًا إلى بني كنانة سريّةً، فأبطأ أمرها عليه حتى أرجف بعض المنافقين، فنزلت الآية معلمةً أنّ خيله عليه الصلاة والسلام قد فعلت جميع ما في الآيات.
القول الثاني: القسم هو بالخيل جملةً؛ لأنها تعدو ضابحةً قديمًا وحديثًا، وهي حاصرة البلاد وهادمة الممالك، وفي نواصيها الخير إلى يوم القيامة. وهو حاصل قول ابن كثير كذلك.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 1 جمادى الأولى 1442هـ/15-12-2020م, 04:15 PM
هنادي الفحماوي هنادي الفحماوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 283
افتراضي

رسالة في تفسير قوله تعالى
(فأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى)
تبين الآية الكريمة حال المؤمن المراقب لربه في الدنيا مع المعاصي وهوى النفس : وهو الذي يعظم الله في قلبه فيجتنب معاصيه ويمتثل أوامره فينهى العبد نفسه عن الأهواء الفاسدة خوفا من يوم يقوم العبد بين يدي ربه للحساب.
وقد تواترت أقوال السلف بهذا المعنى في الآية الكريمة:
فقد ذكر القرطبي فيما رواه عن ابن عباس في تفسير الآية:
من خاف عند المعصية مقامه بين يدي الله فانتهى عنها
وكذلك قول الكلبي: نزلت في من هم بمعصية وقدر عليها في خلوة ثم تركها من خوف الله
وذكر البغوي عن مقاتل: هو الرجل يهم بالمعصية فيذكرمقامه للحساب فيتركها. .

-وجاء في سبب نزول الآية عدة أقوال:
فذكر القرطبي أن هذه الآية والتي قبلها نزلت في مصعب بن عمير وأخيه عامر بن عمير فيما رواه الضحاك عن ابن عباس (فأما من طغى) فهو أخ لمصعب بن عمير أسر يوم بدر فأخذته الأنصار فقالوا: من أنت؟ قال: أنا أخو مصعب بن عمير فلم يشدوه في وثاقه وأكرموه وبيتوه عندهم فلما اصبحوا حدثوا مصعب بن عمير حديثه فقال: ما هو لي بأخ شدوا أسيركم فإن أمه أكثر أهل البطحاء حليا ومالا فأوثقوه حتى بعثت أمه في فدائه وأما من خاف مقام ربه فمصعب بن عمير وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه يوم أحد حين تفرق الناس عنه حتى نفذت المشاقص في جوفه وهي السهام فلما رآه الرسول متشحطا في دمه قال: عند الله أحتسبك وقال لأصحابه: لقد رأيته وعليه بردان ما تعرف قيمتهما وغن شراك نعليه من ذهب. وقيل إن مصعب بن عمير قتل اخاه عامر يوم بدر.
وعن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في رجلين أبي جهل المخزومي ومصعب بن عميرالعبدري.
وقال السدي: نزلت هذه الآية في ابي بكر الصديق وذلك أن أبا بكر كان له غلام يأتيه بطعام وكان يسأله من اين اتيت بهذا فأتاه يوما بطعام فلم يسأل وأكله فقال له غلامه: لم لا تسألني اليوم؟ فقال: نسيت. فمن أين لك هذا الطعام؟ فقال: تكهنت لقوم في الجاهلية فأعطونيه فتقيأه من ساعته وقال: يا رب ما بقي في العروق فأنت حبسته فنزلت: وأما من خاف مقام ربه.
-وفي الآية مسائل منها
1- معنى الخوف في الآية.
2- المراد بمقام ربه.
3- معنى الهوى.

المسألة الأولى (الخوف في الآية):
فقد فسره العلماء في تفسير تلك الآية ونظيرتها في سورة الرحمن (ولمن خاف مقام ربه جنتان):
قال الطبري: ولمن اتقى الله من عباده -فخاف مقامه بين يديه، فأطاعه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه - جنتان، يعني بستانين.
ففسر الطبري الخوف بتقوى الله وهي اجتناب معاصيه وامتثال أوامره.
ثم ذكر الطبري بعض الأقوال المفسرة لذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) قال: وعد الله جلّ ثناؤه المؤمنين الذين خافوا مقامه، فأدَّوا فرائضه الجنة
فأداء الفرائض هو لازم الخوف من الله.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) يقول: خاف ثم اتقى، والخائف: من ركب طاعة الله، وترك معصيته.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن مجاهد، في قوله: ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ )، هو الرجل يهم بالذنب، فيذكر مقام ربه فينـزع.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) قال: إن المؤمنين خافوا ذاكم المقام فعملوا له، ودانوا له، وتعبَّدوا بالليل والنهار.
وبهذا وإن تعددت الأقوال فإنها تفسر الخوف من الله بلازمه وهو تقوى الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
- المسألة الثانية (المراد بمقام ربه):
ذكر في هذا المعنى قولان:
ذكر الشنقيطي أن هذه الآية الكريمة فيها وجهان معروفان عند العلماء كلاهما يشهد له قرآن: أحدهما: أن المراد بقوله: ((مَقَامَ رَبِّهِ)) أي: قيامه بين يدي ربه، فالمقام اسم مصدر بمعنى القيام، وفاعله على هذا الوجه هو العبد الخائف، وإنما أضيف إلى الرب لوقوعه بين يديه، وهذا الوجه يشهد له قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} فقوله: ((وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى)) قرينة دالة على أنه خاف عاقبة الذنب حين يقوم بين يدي ربه، فنهى نفسه عن هواها..
وومن قال بذلك من المفسرين:
الطبري:مسألة الله إياه عند وقوفه يوم القيامة بين يديه.
وقال الربيع: مقامه يوم الحساب
وكان قتادة يقول: إن لله مقاما قد خافه المؤمنون
وقال ابن كثير: خاف القيام بين يدي الله وخاف حكم الله فيه.
والوجه الثاني: أن فاعل المصدر الميمي الذي هو المقام هو الله تبارك وتعالى، أي: خاف هذا العبد قيام الله عليه، ومراقبته لأعماله وإحصاءها عليه، ويدل لهذا الوجه الآيات الدالة على قيام الله على جميع خلقه وإحصائه عليهم أعمالهم، كقوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]، وقوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد:33]، وقوله تبارك وتعالى: {وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس:61] الآية.
ومن قال بذلك من المفسرين:
قال مجاهد: هو خوفه في الدنيا من الله عند مواقعة الذنب فيقلع.
السعدي: خاف القيام عليه ومجازاته بالعدل فأثر هذا الخوف في قلبه فنهى نفسه عن هواها.
وللإمام ابن القيم كلام قيم جداً في الترجيح بين القولين اللذين ذكرناهما في تفسير الآية: ((وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ))، هل هي ولمن خاف مقامه بين يدي الله يوم القيامة للحساب، أو ولمن خاف قيام الله عليه وشهوده واطلاعه على أعماله في الدنيا، فيتقي منه ويترك المعصية.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى مرجحاً أن المعنى: ولمن خاف مقامه بين يدي ربه في الحساب يوم القيامة.
أي: أن الإنسان يهم بالمعصية فيتذكر أنه واقف بين يدي الله يوم القيامة وأنه محاسب فينزجر عنها، هذا الذي يرجحه ابن القيم وترجيحه هذا لوجوه: الأول: أن طريقة القرآن في التخويف أن يخوفهم بالله واليوم الآخر، فإذا خوفهم به علق الخوف به لا بقيامه عليهم، كقوله تعالى: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
- المسألة الثالثة( معنى الهوى):
ذكر العلماء عدة اقوال في الهوى:
الطبري:هواها فيما يكرهه الله ولا يرضاه منها.
قال البغوي :المحارم التي تشتهيها
قال السعدي: الهوى والشهوة الصادين عن الخير
ابن عاشور: هو ما ترغب فيه قوى النفس الغضبية مما يخالف الحق والنفع الكامل وشاع الهوى في المرغوب الذميم ولذلك قال الله (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) فقوله (بغير هى) حال مؤكدة ليست تقييدا إذ لا يكون الهوى إلا بغير هدى.
روى القرطبي عن عبد الله بن مسعود قوله: أنتم في زمان يقود الحق الهوى وسيأتي زمان يقود الهوى الحق فنعوذ بالله من ذلك الزمان.
- وأما نهي النفس عن الهوى فهو زجرها وردعها عن الحرام:
وقال سهل: ترك الهوى مفتاح الجنة
السعدي: جاهد الهوى
ابن كثير: ردها إلى طاعة مولاها.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 3 جمادى الأولى 1442هـ/17-12-2020م, 09:20 PM
فروخ الأكبروف فروخ الأكبروف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 302
افتراضي

معنى ((لا)) في قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ}
حكى غير واحد الإجماع على أن معنى قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ} هو القسم.
واختلف في معنى ((لا)) على ثلاثة أقوال:
الأول: زائدة لتأكيد القسم. رواه الطبري عن سعيد بن جُبير، فهي كقوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتاب} [الحديد: 29] يعني: ليعلم، وقوله: {قالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12] يعني: أن تسجد. ومعنى الآية على هذا: أقسم بيوم القيامة.
قال القرطبي: ((وجاز وقوعها في أول السورة، لأن القرآن متصل بعضه ببعض، فهو في حكم كلام واحد، ولهذا قد يذكر الشيء في سورة ويجيء جوابه في سورة أخرى، كقوله تعالى: {وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون} [الحجر: 6]. وجوابه في سورة أخرى: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون} [القلم: 2])).
وإنما اضطر إلى هذا التعليل؛ لأن هذ الحرف يزاد في وسط الكلام .
قال الفراء: ((ولا يبتدأ بجحد، ثمّ يجعل صلة يراد بِهِ الطرح، ولو جاز هذا لما عرف خبر فيه جحد من خبر لا جحد فيه)).

الثاني: هي للتوكيد، وهذا على وجهين:

أحدهما: أنها لاستفتاح كلام بمنزلة ((ألا)) على أن أصل الكلام ((فلأنا أقسم))، فلمَّا حُذِفَ المبتدأُ اتصلَتْ اللام بخبره .
وقال البيضاوي: ((فحذف المبتدأ وأشبع فتحة لام الابتداء)).

الثاني: أنها لام القسم دخَلَتْ على الفعل الحالي على أن أصل الكلام ((والله لأنا أقسم)) فحذف المبتدأ وألحقت اللام بالفعل.
وهذا القول الثاني –أنها للتوكيد- أوفق لقراءة ابن كثير والأعرج ((لأقسم بيوم القيامة)) متصلا.

الثالث: هي للنفي، وهذا على وجهين:

1. أنها لنفي "أقسم"، والمعنى: لا يحتاج الكلام إلى قسم؛ لوضوح الأمر. وهذا القول مخالف لما حكي من الإجماع على أن المراد القسم.

2. أنها لنفي كلام الكفار. وجاز الإتيان بـ ((لا)) إذا كان المقسم عليه منتفيًا.
قال الفراء: ((ولكن القرآن جاء بالرد على الذين أنكروا: البعث، والجنة، والنار، فجاء الإقسام بالرد عليهم في كثير من الكلام المبتدأ منه، وغير المبتدأ:
كقولك في الكلام: ((لا والله لا أفعل ذاك))، جعلوا ((لا)) وإن رأيتها مبتدأة ردا لكلام قد كان مضي، فلو ألقيت ((لا)) مما ينوي به الجواب لم يكن بين اليمين التي تكون جوابا، واليمين التي تستأنف فرق. ألا ترى أنك تقول مبتدئا: ((والله إن الرسول لحق))، فإذا قلت: ((لا والله إن الرسول لحق))، فكأنك أكذبت قوما أنكروه، فهذه جهة ((لا)) مع الإقسام، وجميع الأيمان في كل موضع ترى فيه ((لا)) مبتدأ بها، وهو كثير في الكلام)).

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 4 جمادى الأولى 1442هـ/18-12-2020م, 11:42 AM
هيئة التصحيح 9 هيئة التصحيح 9 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Dec 2015
المشاركات: 1,649
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إيمان جلال مشاهدة المشاركة
رسالة في تفسير قول الله تعالى: "والعاديات ضبحا"


قوله تعالى: "والعاديات ضبحا" هو في صدر سورة العاديات وهي من السور القصار في الجزء الأخير من القرآن، والذي يغلب على سوره الطابع المكي من قصر الآيات وقوة الألفاظ. وهذا نراه واضحا في الآية محل الدراسة.
وقد جاء في سبب نزول الآية وما بعدها ما ذكره ابن عطية والسيوطي فيما أَخْرَجَه البَزَّارُ، وابنُ المُنْذِرِ، وابنُ أبي حاتِمٍ، والدَّارَقُطْنِيُّ في "الأَفْرادِ"، وابنُ مَرْدُويَهْ، عن ابنِ عبَّاسٍ، حين قالَ: بَعَثَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَيْلاً فاسْتَمَرَّتْ شَهراً لا يَأْتِيه مِنها خَيْلٌ، فَأَشْهَرَت شَهْرًا لا يَأْتَيهِ منه خَبَرٌ، حتى أرجف بعض المنافقين، فَنَزَلَتْ: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً}: ضَبَحَتْ بأَرْجُلِها- ولفظُ ابنِ مَرْدُويَهْ: ضَبَحَتْ بِمَنَاخِيرِها.

والعاديات هي جمع عادية، فالخيل الواحد عاد والأنثى عادية ويقال عدا الفرس يعدو عدوًا وأعداه صاحبه إعداء ويقال مر يعدو ويعدي ويجري ويجري وأراد: ونكر العاديات والعادية أيضًا الجماعة يعدون على أرجلهم، قال الهذلي:
وعادية تلقي الثياب كأنما ....... تزعزعها تحت السماة ريح
والعاديات: القوم يحملون في الغارة، والعادية: الإبل إذا كانت مقيمة في الخلة. ذكره الأنباري.

ومن المعنى اللغوي السابق نجد ان أقوال المفسرين في تفسير معنى العاديات لا يخرج عن هذا المعنى، فإن للسلف في المراد بالعاديات قولان مشهوران، هما:
القول الأول: هي الخيل.
القول الثاني: هي الإبل.
وقد قال بالقول الأول ابن عباس رضي الله عنهما، وجماعة آخرون منهم مجاهد وعكرمة وعطاء وقتادة والضحاك، واختار هذا القول ابن جرير الطبري، وقد علّل سبب اختياره ذلك بأن الإبل لا تضبح وإنما التي تضبح الخيل، فقد نقل ابن جرير عن ابنِ عبَّاسٍ: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً}؛ قوله: ليسَ شيءٌ مِن الدوابِّ يَضْبَحُ إلا كلبٌ أو فَرَسٌ، وأضاف عكرمة: وما ضبح بعير قط. ولكن ابن عطية علّق على ذلك قائلا: وهذا عندي لا يصحّ عن ابن عبّاسٍ؛ وذلك أنّ الإبل تضبح، والأسود من الحيّات، والبوم، والصّدى، والأرنب، والثعلب، والفرس، هذه كلّها قد استعملت العرب لها الضّبح.
وقد ذكر ابن عطية ما أنشده أبو حنيفة في صفة قوسٍ:
حنّانةٌ من نشمٍ أو تألب ....... تضبح في الكفّ ضباح الثّعلب

أما من قال بالقول الثاني فهو علي بن أبي طالب وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهما و جماعة آخرون منهم إبراهيم وعبيد بن عمير وأبي صالح، وقد ذكره ابن جرير وابن أبي حاتم وابن عطية وابن كثير وغيرهم.
وقد استند أصحاب هذا القول على الحديث المروي عن سعيد بن جبيرٍ، عن عبد اللّه بن عبّاسٍ، حدّثه قال: بينما أنا في الحجر جالسًا أتاني رجلٌ، فسألني عن {العاديات ضبحاً}، فقلت: الخيل حين تغير في سبيل اللّه، ثمّ تأوي إلى اللّيل، يصنعون طعامهم ويورون نارهم؛ فانتقل عنّي فذهب إلى عليّ بن أبي طالبٍ، وهو تحت سقاية زمزم، فسأله عن {العاديات ضبحاً}، فقال: «سألت عنها أحدًا قبلي؟»، قال: فقال: نعم، سألت عنها ابن عبّاسٍ، فقال: الخيل حين تغير في سبيل اللّه؛ قال: «اذهب فادعه لي»؛ فلمّا وقف على رأسه قال: «تفتي النّاس بما لا علم لك به؛ واللّه، إن كانت لأوّل غزوةٍ في الإسلام لبدرٌ وما كان معنا إلا فرسان، فرسٌ للزّبير وفرسٌ للمقداد بن الأسود، فكيف تكون {العاديات ضبحاً}، إنما {العاديات ضبحاً} من عرفة إلى المزدلفة ومن المزدلفة إلى منىً، فأوروا النيران .. .. ، وكانت {فالمغيرات صبحاً}، من المزدلفة إلى منًى، فذلك جمعٌ، وأمّا قوله: {فأثرن به نقعاً}، فهي نقع الأرض حين تطأها أخفافها وحوافرها»؛ قال ابن عبّاسٍ: فنزعت عن قولي ورجعت إلى الّذي قال عليٌ. وهذا الأثر ذكره ابن جرير وابن عطية والسيوطي وابن كثير وغيرهم.
والتحقيق كما قال ابن عطية: أن الظاهر في الآية أن القسم بالخيل أو الإبل أو بهما.
وهو كذلك حاصل ما ذكره ابن جرير وابن أبي حاتم وابن كثير وغيرهم.
وسبب تسميتها ب "العاديات":
- فمن رجح معنى العاديات على أنها الخيل، قال بأنها من العدو حين تغير الخيل في سبيل الله، أي تجري بسرعة، وقد ذكره العيني عن ابن كيسان وجماعة من أهل التفسير كابن جرير وابن أبي حاتم وابن عطية وابن كثير.
- ومن قال بأنها الإبل، قال بأن الإبل تعدو في الحج من عرفة إلى مزدلفة، ومن المزدلفة إلى منى إذا دفع الحاج، وكذلك عدو الإبل في الإغارة في غزوة بدر كما ذكر علي رضي الله عنه.
قال الأنباري: تعدو في بعض أوقات الحج وكذلك تغير، على أن الإسراع بها يشبه الإسراع في حال الإغارة. وهو حاصل أقوال ابن وهب المصري وابن جرير وابن عطية وابن كثير وغيرهم.

أما ضبحا فهي ضبعا وضبحا فأبدلت الحاء من العين، كما تقول العرب: بعثر ما في القبور، وبحثر ما في القبور وهما واحد في السير فيقال: ضبعت الناقة وضبحت، ومثله للفرس والهام والبوم والثعلب والصدى. وهي لغة من الصوت، أي تصويتٌ جهيرٌ عند العدو الشديد، ليس بصهيلٍ ولا رغاءٍ ولا نباحٍ، بل هو غير المعتاد من صوت الحيوان الذي يضبح.

ذكر ذلك كلا من اليزيدي والدينوري وإبراهيم بن السري والقيسي وقطرب البصري والأصمعي والسكري والأنباري وابن عطية.
أما الصوت المراد بالآية، فقد جاء فيه ثلاثة أقوال لأهل التفسير، هي:
القول الأول: صوت أنفاس الخيل أو إذا جهدت في الجري فضبحت بمناخرها فهي تحمحم. ذكره الفراء والعيني والتيمي واليزيدي والأنباري والنيسابوري وغيرهم من أهل اللغة وأهل التفسير.
وقد روى السيوطي عن ابن جرير عن ابن عباس قوله: ضبح الخيل زحيرها، ألم تَرَ أن الفرسَ إذا عَدَا قالَ: أَحْ أَحْ؟ فذَاك ضَبْحُها.
القول الثاني: صوت نفس الإبل.
كما روى عن ابن جرير عن علي قوله: الضبح من الخيل الحمحمة، ومن الإبل النفس.
القول الثالث: أي ضبحت بأرجلها. ذكره الهيثمي وابن كثير.
روى الهيثمي وابن كثير عن عكرمة عن ابن عباس قوله، بعث رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْلاً، فَأَشْهَرَتْ شَهْرًا لا يَأْتِيهِ مِنْهَا خَبَرٌ فَنَزَلَتْ: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا}؛ ضَبَحَتْ بِأَرْجُلِهَا.

والآية هي قسم، ولا يقسم تعالى إلا بعظيم، فأقسم تعالى بالخيل لما فيهما من آيات الله الباهرة، ونعمه الظاهرة ما هو معلوم للخلق، أو بالإبل التي تنقل الحجاج في الحج بين المشاعر، ويصح أن يشملهما القسم جميعا. وهنا تخصيص للحال التي عليها الخيل أو الإبل وهي حين الضبح، أي حين تصدر صوتا بمناخرها أو بأرجلها أثناء العدو في الإغارة في سبيل الله كما هو في الخيل، أو في الغزو أو الحج كما هو الحال في الإبل. وهذا يدل على عظم العمل التي تقوم به تلك الدواب من جهاد في سبيل الله، ومن إعانة للحجاج على أداء مناسك الحج الركن الخامس من أركان الإسلام.
ولا شك أن هناك غاية من القسم، وهنا ذكر ابن عطية في ذلك قولان، هما:
القول الأول: أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بعث خيلًا إلى بني كنانة سريّةً، فأبطأ أمرها عليه حتى أرجف بعض المنافقين، فنزلت الآية معلمةً أنّ خيله عليه الصلاة والسلام قد فعلت جميع ما في الآيات.
القول الثاني: القسم هو بالخيل جملةً؛ لأنها تعدو ضابحةً قديمًا وحديثًا، وهي حاصرة البلاد وهادمة الممالك، وفي نواصيها الخير إلى يوم القيامة. وهو حاصل قول ابن كثير كذلك.
أحسنت نفع الله بك
أ
الغرض من تطبيقات الرسائل التفسيرية: أن تظهر شخصية الكاتب من خلالها, وهذا لم يحصل هنا.
أرجو العناية بذكر المصادر.
وفقك الله

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 4 جمادى الأولى 1442هـ/18-12-2020م, 11:55 AM
هيئة التصحيح 9 هيئة التصحيح 9 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Dec 2015
المشاركات: 1,649
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هنادي الفحماوي مشاهدة المشاركة
رسالة في تفسير قوله تعالى
(فأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى)
تبين الآية الكريمة حال المؤمن المراقب لربه في الدنيا مع المعاصي وهوى النفس : وهو الذي يعظم الله في قلبه فيجتنب معاصيه ويمتثل أوامره فينهى العبد نفسه عن الأهواء الفاسدة خوفا من يوم يقوم العبد بين يدي ربه للحساب.
وقد تواترت أقوال السلف بهذا المعنى في الآية الكريمة:
فقد ذكر القرطبي فيما رواه عن ابن عباس في تفسير الآية:
من خاف عند المعصية مقامه بين يدي الله فانتهى عنها
وكذلك قول الكلبي: نزلت في من هم بمعصية وقدر عليها في خلوة ثم تركها من خوف الله
وذكر البغوي عن مقاتل: هو الرجل يهم بالمعصية فيذكرمقامه للحساب فيتركها. .

-وجاء في سبب نزول الآية عدة أقوال:
فذكر القرطبي أن هذه الآية والتي قبلها نزلت في مصعب بن عمير وأخيه عامر بن عمير فيما رواه الضحاك عن ابن عباس (فأما من طغى) فهو أخ لمصعب بن عمير أسر يوم بدر فأخذته الأنصار فقالوا: من أنت؟ قال: أنا أخو مصعب بن عمير فلم يشدوه في وثاقه وأكرموه وبيتوه عندهم فلما اصبحوا حدثوا مصعب بن عمير حديثه فقال: ما هو لي بأخ شدوا أسيركم فإن أمه أكثر أهل البطحاء حليا ومالا فأوثقوه حتى بعثت أمه في فدائه وأما من خاف مقام ربه فمصعب بن عمير وقى رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفسه يوم أحد حين تفرق الناس عنه حتى نفذت المشاقص في جوفه وهي السهام فلما رآه الرسول متشحطا في دمه قال: عند الله أحتسبك وقال لأصحابه: لقد رأيته وعليه بردان ما تعرف قيمتهما وغن شراك نعليه من ذهب. وقيل إن مصعب بن عمير قتل اخاه عامر يوم بدر.
وعن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في رجلين أبي جهل المخزومي ومصعب بن عميرالعبدري.
وقال السدي: نزلت هذه الآية في ابي بكر الصديق وذلك أن أبا بكر كان له غلام يأتيه بطعام وكان يسأله من اين اتيت بهذا فأتاه يوما بطعام فلم يسأل وأكله فقال له غلامه: لم لا تسألني اليوم؟ فقال: نسيت. فمن أين لك هذا الطعام؟ فقال: تكهنت لقوم في الجاهلية فأعطونيه فتقيأه من ساعته وقال: يا رب ما بقي في العروق فأنت حبسته فنزلت: وأما من خاف مقام ربه.
-وفي الآية مسائل منها
1- معنى الخوف في الآية.
2- المراد بمقام ربه.
3- معنى الهوى.

المسألة الأولى (الخوف في الآية):
فقد فسره العلماء في تفسير تلك الآية ونظيرتها في سورة الرحمن (ولمن خاف مقام ربه جنتان):
قال الطبري: ولمن اتقى الله من عباده -فخاف مقامه بين يديه، فأطاعه بأداء فرائضه، واجتناب معاصيه - جنتان، يعني بستانين.
ففسر الطبري الخوف بتقوى الله وهي اجتناب معاصيه وامتثال أوامره.
ثم ذكر الطبري بعض الأقوال المفسرة لذلك:
حدثني عليّ، قال: ثنا أبو صالح، قال: ثني معاوية، عن عليّ، عن ابن عباس، قوله: ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) قال: وعد الله جلّ ثناؤه المؤمنين الذين خافوا مقامه، فأدَّوا فرائضه الجنة
فأداء الفرائض هو لازم الخوف من الله.
حدثني محمد بن سعد، قال: ثني أبي، قال: ثني عمي، قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عباس، قوله: ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) يقول: خاف ثم اتقى، والخائف: من ركب طاعة الله، وترك معصيته.
حدثني أبو السائب، قال: ثنا ابن إدريس، عن الأعمش، عن مجاهد، في قوله: ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ )، هو الرجل يهم بالذنب، فيذكر مقام ربه فينـزع.
حدثنا بشر، قال: ثنا يزيد، قال: ثنا سعيد، عن قتادة قوله: ( وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ ) قال: إن المؤمنين خافوا ذاكم المقام فعملوا له، ودانوا له، وتعبَّدوا بالليل والنهار.
وبهذا وإن تعددت الأقوال فإنها تفسر الخوف من الله بلازمه وهو تقوى الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه.
- المسألة الثانية (المراد بمقام ربه):
ذكر في هذا المعنى قولان:
ذكر الشنقيطي أن هذه الآية الكريمة فيها وجهان معروفان عند العلماء كلاهما يشهد له قرآن: أحدهما: أن المراد بقوله: ((مَقَامَ رَبِّهِ)) أي: قيامه بين يدي ربه، فالمقام اسم مصدر بمعنى القيام، وفاعله على هذا الوجه هو العبد الخائف، وإنما أضيف إلى الرب لوقوعه بين يديه، وهذا الوجه يشهد له قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} فقوله: ((وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى)) قرينة دالة على أنه خاف عاقبة الذنب حين يقوم بين يدي ربه، فنهى نفسه عن هواها..
وومن قال بذلك من المفسرين:
الطبري:مسألة الله إياه عند وقوفه يوم القيامة بين يديه.
وقال الربيع: مقامه يوم الحساب
وكان قتادة يقول: إن لله مقاما قد خافه المؤمنون
وقال ابن كثير: خاف القيام بين يدي الله وخاف حكم الله فيه.
والوجه الثاني: أن فاعل المصدر الميمي الذي هو المقام هو الله تبارك وتعالى، أي: خاف هذا العبد قيام الله عليه، ومراقبته لأعماله وإحصاءها عليه، ويدل لهذا الوجه الآيات الدالة على قيام الله على جميع خلقه وإحصائه عليهم أعمالهم، كقوله تعالى: {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ} [البقرة:255]، وقوله تعالى: {أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ} [الرعد:33]، وقوله تبارك وتعالى: {وَلا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ} [يونس:61] الآية.
ومن قال بذلك من المفسرين:
قال مجاهد: هو خوفه في الدنيا من الله عند مواقعة الذنب فيقلع.
السعدي: خاف القيام عليه ومجازاته بالعدل فأثر هذا الخوف في قلبه فنهى نفسه عن هواها.
وللإمام ابن القيم كلام قيم جداً في الترجيح بين القولين اللذين ذكرناهما في تفسير الآية: ((وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ))، هل هي ولمن خاف مقامه بين يدي الله يوم القيامة للحساب، أو ولمن خاف قيام الله عليه وشهوده واطلاعه على أعماله في الدنيا، فيتقي منه ويترك المعصية.
يقول الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى مرجحاً أن المعنى: ولمن خاف مقامه بين يدي ربه في الحساب يوم القيامة.
أي: أن الإنسان يهم بالمعصية فيتذكر أنه واقف بين يدي الله يوم القيامة وأنه محاسب فينزجر عنها، هذا الذي يرجحه ابن القيم وترجيحه هذا لوجوه: الأول: أن طريقة القرآن في التخويف أن يخوفهم بالله واليوم الآخر، فإذا خوفهم به علق الخوف به لا بقيامه عليهم، كقوله تعالى: {فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
- المسألة الثالثة( معنى الهوى):
ذكر العلماء عدة اقوال في الهوى:
الطبري:هواها فيما يكرهه الله ولا يرضاه منها.
قال البغوي :المحارم التي تشتهيها
قال السعدي: الهوى والشهوة الصادين عن الخير
ابن عاشور: هو ما ترغب فيه قوى النفس الغضبية مما يخالف الحق والنفع الكامل وشاع الهوى في المرغوب الذميم ولذلك قال الله (ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله) فقوله (بغير هى) حال مؤكدة ليست تقييدا إذ لا يكون الهوى إلا بغير هدى.
روى القرطبي عن عبد الله بن مسعود قوله: أنتم في زمان يقود الحق الهوى وسيأتي زمان يقود الهوى الحق فنعوذ بالله من ذلك الزمان.
- وأما نهي النفس عن الهوى فهو زجرها وردعها عن الحرام:
وقال سهل: ترك الهوى مفتاح الجنة
السعدي: جاهد الهوى
ابن كثير: ردها إلى طاعة مولاها.
أحسنت نفع الله بك
ب+
الملاحظات:
- كان من المفترض الإتيان بجواب الشرط للآية وهو قوله تعالى:{فإن الجنة هي المأوى} لتعلق اللفظ والمعنى بها.
- ينبغي العناية بالترتيب الزمني عند سرد الأقوال وذكر المفسرين.
- عدم الإكثار من النسخ, والاعتماد في الغالب على أسلوبك الخاص ليظهر في الرسالة.
- القرطبي لم يرو عن ابن مسعود رضي الله عنه, فنذكر كلام ابن مسعود رضي الله عنه, ثم نقول: (ذكره القرطبي في تفسيره).
- ينبغي ذكر المصادر.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 4 جمادى الأولى 1442هـ/18-12-2020م, 12:06 PM
هيئة التصحيح 9 هيئة التصحيح 9 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Dec 2015
المشاركات: 1,649
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فروخ الأكبروف مشاهدة المشاركة
معنى ((لا)) في قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ}
حكى غير واحد الإجماع على أن معنى قوله تعالى: {لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيامَةِ} هو القسم.
واختلف في معنى ((لا)) على ثلاثة أقوال:
الأول: زائدة لتأكيد القسم. رواه الطبري عن سعيد بن جُبير، فهي كقوله تعالى: {لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتاب} [الحديد: 29] يعني: ليعلم، وقوله: {قالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ} [الأعراف: 12] يعني: أن تسجد. ومعنى الآية على هذا: أقسم بيوم القيامة.
قال القرطبي: ((وجاز وقوعها في أول السورة، لأن القرآن متصل بعضه ببعض، فهو في حكم كلام واحد، ولهذا قد يذكر الشيء في سورة ويجيء جوابه في سورة أخرى، كقوله تعالى: {وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون} [الحجر: 6]. وجوابه في سورة أخرى: {ما أنت بنعمة ربك بمجنون} [القلم: 2])).
وإنما اضطر إلى هذا التعليل؛ لأن هذ الحرف يزاد في وسط الكلام .
قال الفراء: ((ولا يبتدأ بجحد، ثمّ يجعل صلة يراد بِهِ الطرح، ولو جاز هذا لما عرف خبر فيه جحد من خبر لا جحد فيه)).

الثاني: هي للتوكيد، وهذا على وجهين:

أحدهما: أنها لاستفتاح كلام بمنزلة ((ألا)) على أن أصل الكلام ((فلأنا أقسم))، فلمَّا حُذِفَ المبتدأُ اتصلَتْ اللام بخبره .
وقال البيضاوي: ((فحذف المبتدأ وأشبع فتحة لام الابتداء)).

الثاني: أنها لام القسم دخَلَتْ على الفعل الحالي على أن أصل الكلام ((والله لأنا أقسم)) فحذف المبتدأ وألحقت اللام بالفعل.
وهذا القول الثاني –أنها للتوكيد- أوفق لقراءة ابن كثير والأعرج ((لأقسم بيوم القيامة)) متصلا.

الثالث: هي للنفي، وهذا على وجهين:

1. أنها لنفي "أقسم"، والمعنى: لا يحتاج الكلام إلى قسم؛ لوضوح الأمر. وهذا القول مخالف لما حكي من الإجماع على أن المراد القسم.

2. أنها لنفي كلام الكفار. وجاز الإتيان بـ ((لا)) إذا كان المقسم عليه منتفيًا.
قال الفراء: ((ولكن القرآن جاء بالرد على الذين أنكروا: البعث، والجنة، والنار، فجاء الإقسام بالرد عليهم في كثير من الكلام المبتدأ منه، وغير المبتدأ:
كقولك في الكلام: ((لا والله لا أفعل ذاك))، جعلوا ((لا)) وإن رأيتها مبتدأة ردا لكلام قد كان مضي، فلو ألقيت ((لا)) مما ينوي به الجواب لم يكن بين اليمين التي تكون جوابا، واليمين التي تستأنف فرق. ألا ترى أنك تقول مبتدئا: ((والله إن الرسول لحق))، فإذا قلت: ((لا والله إن الرسول لحق))، فكأنك أكذبت قوما أنكروه، فهذه جهة ((لا)) مع الإقسام، وجميع الأيمان في كل موضع ترى فيه ((لا)) مبتدأ بها، وهو كثير في الكلام)).
أحسنت نفع الله بك
ب
الملاحظات:
- لم تأت بمقدمة ولا بخاتمة للرسالة, فهي أشبه بالتقرير المجرد.
- لو جمعت القول الأول والثاني في قول واحد.
- عدم الإكثار من النسخ, والاعتماد في الغالب على أسلوبك الخاص ليظهر في الرسالة.
- ينبغي ذكر المصادر.

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 5 جمادى الأولى 1442هـ/19-12-2020م, 08:57 AM
رفعة القحطاني رفعة القحطاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 241
افتراضي

(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) ) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)}


عناصر الرسالة:

1- معنى : (فخانتاهما).
2-المراد : (وعمله).
3- المراد :(أحصنت فرجها).
4- المراد :(بكلمات وكتبه).
5- المراد :(القانتين).

هذان المثلان اللذان للكفار والمؤمنين فيهما بيان أن من كفر لا يغني عنه شيء ولا ينفعه وزر ولو كان متعلقا بأقوى الأسباب، وأن من آمن لا يدفعه دافع عن رضوان الله تعالى ولو كان في أسوأ منشأ وأخس حال، ذكره ابن عطية و ذكره بمعناه الصنعاني .
وقال بعض الناس: إن في المثلين عبرة لزوجات النبي محمد عليه السلام، حين تقدم عتابهن، وفي هذا بعد لأن النص أنه للكفار يبعد هذا، ذكره ابن عطية.
وقد ثبت في الصّحيحين عن أبي موسى الأشعريّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "كمل من الرّجال كثيرٌ، ولم يكمل من النّساء إلّا آسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وإنّ فضل عائشة على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام".

1- معنى : (فخانتاهما).
1-المراد الخيانة في الدين و العمل:بالكفر و بالدلالة على الأضياف لقوم لوط، والأخرى امراة نوح بقولها أنه مجنون:
واستشهد له بقوله:
1-عن سعيد بن جبيرٍ أنّه جاء إليه رجلٌ فسأله، فقال: أرأيتك ابن نوح أمنه، فسبح طويلا، ثم قال: لا إله إلا الله، يحدث الله محمدا: {ونادى نوحٌ ابنه}، وتقول ليس منه، ولكنه خالفه في العمل، فليس منه من لم يؤمن.
قال أبو معاوية: فسألته عن ذلك ما كانت خيانة امرأة لوط وامرأة نوح، فقال: أما امرأة لوط فكانت تدل على الأضياف، وأما امرأة نوح فلا علم لي بها). [الجامع في علوم القرآن: 2/72-73].

2- وعن ابن عباس يسأل وهو إلى جنب الكعبة عن قول الله تعالى فخانتا هما فقال: أما أنه ليس بالزنا ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون وكانت هذه تدل على الأضياف قال ثم قرأ إنه عمل غير صلح). [تفسير عبد الرزاق: 1/310]


وعلى هذا جرت عامة عبارات السلف كما روى الطبري ، عن ابن عباس، و سليمان ابن قتة، وعكرمة ،والضحاك، وسعيد بن جبير.

2- القول الثاني:الزنا .
ذكره ابن عطية عن الحسن، و نفى هذا ابن عباس رضي الله عنهما ، فقال : ما بغت امرأة نبيٍّ قطّ {فخانتاهما} قال: في الدّين خانتاهما، ذكره الطبري والسيوطي.

قال ابن عطية :"واختلف الناس في خيانة هاتين المرأتين، فقال ابن عباس وغيره: خانتا في الكفر، وفي أن امرأة نوح كانت تقول للناس: إنه مجنون، وأن امرأة لوط كانت تنم إلى قومه متى ورده ضيف فتخبر به، وقال ابن عباس: وما بغت زوجة نبي قط، ولا ابتلي الأنبياء في نسائهم بهذا، وقال الحسن في كتاب النقاش: خانتاهما بالكفر والزنا وغيره.

2-المراد : (وعمله).
1-القول الأول: أي نجني من فرعون و جماعه.
ذكره السيوطي في الدر عن ابن عباس رضي الله عنهما.

2-القول الثاني:أن اعمل كعمله.
أي وأنقذني من عذاب فرعون، ومن أن أعمل عمله، وذلك كفره باللّه، قاله قتادة ، كما ذكره الطبري.


وقد ذكر ابن كثير عن أبي العالية قال: كان إيمان امرأة فرعون من قبل إيمان امرأة خازن فرعون، وذلك أنّها جلست تمشّط ابنة فرعون، فوقع المشط من يدها، فقالت تعس من كفر باللّه؟ فقالت لها ابنة فرعون: ولك ربٌّ غير أبي؟ قالت: ربّي وربّ أبيك وربّ كلّ شيءٍ الله. فلطمتها بنت فرعون وضربتها، وأخبرت أباها، فأرسل إليها فرعون فقال: تعبدين ربًّا غيري؟ قالت: نعم، ربّي وربّك وربّ كلّ شيءٍ اللّه. وإيّاه أعبد فعذّبها فرعون وأوتد لها أوتادًا فشدّ رجليها ويديها وأرسل عليها الحيّات، وكانت كذلك، فأتى عليها يومًا فقال لها: ما أنت منتهيةٌ؟ فقالت له: ربّي وربّك ورب كلّ شيءٍ اللّه. فقال لها: إنّي ذابحٌ ابنك في فيك إن لم تفعلي. فقالت له: اقض ما أنت قاضٍ. فذبح ابنها في فيها، وإنّ روح ابنها بشّرها، فقال لها: أبشري يا أمّه، فإنّ لك عند اللّه من الثّواب كذا وكذا. فصبرت ثمّ أتى [عليها] فرعون يومًا آخر فقال لها مثل ذلك، فقالت له، مثل ذلك، فذبح ابنها الآخر في فيها، فبشّرها روحه أيضًا، وقال لها. اصبري يا أمّه فإنّ لك عند اللّه من الثّواب كذا وكذا. قال: وسمعت امرأة فرعون كلام روح ابنها الأكبر ثمّ الأصغر، فآمنت امرأة فرعون، وقبض اللّه روح امرأة خازن فرعون، وكشف الغطاء عن ثوبها ومنزلتها وكرامتها في الجنّة لامرأة فرعون حتّى رأت فازدادت إيمانًا ويقينًا وتصديقًا، فاطّلع فرعون على إيمانها، فقال للملإ ما تعلمون من آسية بنت مزاحمٍ؟ فأثنوا عليها، فقال لهم: إنّها تعبد غيري. فقالوا له: اقتلها. فأوتد لها أوتادًا فشدّ يديها ورجليها، فدعت آسية ربّها فقالت: {ربّ ابن لي عندك بيتًا في الجنّة} فوافق ذلك أن حضرها، فرعون فضحكت حين رأت بيتها في الجنّة، فقال فرعون: ألا تعجبون من جنونها، إنّا نعذّبها وهي تضحك، فقبض اللّه روحها، رضي اللّه عنها.

قال قتادة: كان فرعون أعتى أهل الأرض وأبعده فواللّه ما ضرّ امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربّها لتعلموا أنّ اللّه حكمٌ عدلٌ، لا يؤاخذ أحدًا إلّا بذنبه،ذكره ابن كثير.


3- المراد :(أحصنت فرجها).

1- الّتي منعت جيب درعها جبريل عليه السّلام،فنفخنا فيه في جيب درعها، وذلك فرجها، {من روحنا}. من جبرئيل، وهو الرّوح،ذكره الطبري، وهو قول الجمهور.

2-أي حفظته وصانته، والإحصان: هو العفاف والحرّيّة، إنّ اللّه بعثه إليها فتمثّل لها في صورة بشرٍ سوي، وأمره اللّه تعالى أن ينفخ بفيه في جيب درعها، فنزلت النّفخة فولجت في فرجها، فكان منه الحمل بعيسى، عليه السّلام ، ذكره ابن كثير.

قال ابن عطية:(واختلف الناس في الفرج الذي أحصنت مريم، فقال الجمهور: هو فرج الدرع الذي كان عليها، وأنها كانت صينة، وأن جبريل عليه السلام: نفخ فيها الروح من جيب الدرع، وقال قوم من المتأولين: هو الفرج الجارحة، فلفظة أحصنت: إذا كان فرج الجارحة متمكنا حقيقة، والإحصان: صونه، وفيه هي مستعملة، وإذا قدرنا فرج الدرع فلفظ أحصنت فيه مستعارة من حيث صانته، ومن حيث صار مسلكا لولدها).

4- المراد :(بكلمات وكتبه).
1-بقدره وشرعه، ذكره ابن كثير.
2-أي آمنت بعيسى، وهو كلمة اللّه {وكتبه} يعني التّوراة والإنجيل، ذكره الطبري عن قتادة.

5- المراد :(القانتين).
1- القانتين بين المغرب والعشاء.
ذكرعن الكرماني أنه قال: في قول الله: {وكانت من القانتين}، قال: ما بين المغرب والعشاء). [الجامع في علوم القرآن: 1/35]
2-أي: من المطيعين،ذكره الطبري عن قتادة.



وفي القصة فوائد كثيرة منها:

1- التضرع لله بصدق سبب النجاة من الكرب العظيم كما قالت آسية رضي الله عنها( رب ابن لي عندك بيتا في الجنة).

2- القرابة لايرتفع ولاتشفع عند الله تعالى بل المقياس على التقوى والعمل الصالح،( فلم يغنيا عنهما).



والله أعلم.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 5 جمادى الأولى 1442هـ/19-12-2020م, 08:37 PM
رولا بدوي رولا بدوي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 341
افتراضي

الرسالة التفسيرية
موضوعها معنى الآية ( و لو ألقى معاذيره )

عناصر الرسالة :
1- مدخل لتفسير الآية .
2- المعنى اللغوي لكلمة ألقى.
3- المعنى اللغوى لكلمة معاذيره.
4- أقوال السلف في معنى معاذيره.
5- أقوال المفسرين في معنى معاذيره.
6- ترجيح بن جرير و سببه.
7- ترجيح بن كثير و سببه .
8- عرض لبعض أقوال المفسرين.
9- إعراب الآية
10- المعنى الإجمالي للآية على القول الأول
11- المعنى الإجمالي للآية على القول الثاني
12- التعقيب على الأقوال
13- خاتمة

قال تعالى: (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)
عند النظر في معنى هذه الآية نجد أنه قد ذُكِرَ في معنى الآية تفسران ، و القولان انطلقا من المعنى اللغوي لكلاً من كلمة ألقى و كلمة معاذيره ، سيتم استعراضهما بالأدلة فيما يلي .
هناك عدة معان لغوية لكلمة (ألقى) منها ؛ طرح و رمى ، أرخى ، كما ذُكر في المعاجم اللغوية ، و ذكر الضحاك المعنى أرخى ، كما ذكر ذلك عنه بن كثير ، و قال الفراء : معنى الإلقاء : القول ، كما قال : ( فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون )( النحل - 86 ) ، و يتم اختيار المعنى المناسب حسب سياق الكلام و مناسبته للمعنى العام للجملة .
أما معنى معاذيره في اللغة ؛ فهي تعود للجذر عذر و ذكر الأصفهاني في مفردات القرآن معنى عذر : عذر العذر: تحري الإنسان ما يمحو به ذنوبه.
وقال :يقال: عذر وعذر، وذلك على ثلاثة أضرب: إما أن يقول: لم أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا، فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبا، أو يقول: فعلت ولا أعود، ونحو ذلك من المقال ، وعُذْر؛ حُجَّةٌ يُتأسَّف بها لرفع اللَّوم والحرج ، و قال الفراء مثل هذا القول .
و قال صاحب الميزان وقوله: ﴿ولو ألقى معاذيره﴾ المعاذير جمع معذرة وهي ذكر موانع تقطع عن الفعل المطلوب.
فيكون حاصل هذه الأقوال في المعنى أن معاذيره جمع معذرة و هي حججه و أعذاره و أقواله التي يتقي بها العذاب و يجادل بها .
و قد وافق هذا القول قول عدد من السلف ، و المفسرين و من أمثلتها ما رواه بن جرير عن ابن عباس : ( ولو ألقى معاذيره ) يعني الاعتذار ، ألم تسمع أنه قال : [ ص: 64 ] ( لا ينفع الظالمين معذرتهم ) وقال الله : ( وألقوا إلى الله يومئذ السلم ) ، ( كنا نعمل من سوء ) . وقولهم : ( والله ربنا ما كنا مشركين ).
و كذا قاله سعيد بن جبير وقال مجاهد قريب منه : ولو جادل عنها .
و ما قاله ابن زيد : معاذيرهم التي يعتذرون بها يوم القيامة فلا ينتفعون بها ، قال : ( يوم لا يؤذن لهم فيعتذرون ) ويوم يؤذن لهم فيعتذرون فلا تنفعهم ويعتذرون بالكذب .
و من المفسرين الذين رجحوا هذا القول بن جرير(310) حيث قال (وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ) و بين سبب ترجيحه ، أن ذلك أشبه المعاني بظاهر التنزيل ، وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر عن الإنسان أن عليه شاهدا من نفسه بقوله : ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) فكان الذي هو أولى أن يتبع ذلك ، ولو جادل عنها بالباطل ، واعتذر بغير الحق ، فشهادة نفسه عليه به أحق وأولى من اعتذاره بالباطل.
و رجحه أيضاً بن كثير ، و عقب بقوله : ( والصّحيح قول مجاهدٍ وأصحابه، كقوله: {ثمّ لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} [الأنعام: 23] وكقوله {يوم يبعثهم اللّه جميعًا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنّهم على شيءٍ ألا إنّهم هم الكاذبون} [المجادلة: 18] .
و نذكر بعض من أقوال بعض أقوال المفسرين في هذا المعنى ، حيث أرجعوه للمعنى اللغوي:
قال السيوطي في الجلالين: جمع معذرة على غير قياس.
و قال الألوسي ( 1217هجري) : والمعاذير جمع معذرة بمعنى العذر على خلاف القياس والقياس معاذر بغير ياء وأطلق عليه الزمخشري اسم الجمع كعادته في إطلاق ذلك على الجموع المخالفة للقياس وإلا فهو ليس من أبنية اسم الجمع و هو ما قاله بن عاشور( هجري1393) في التحرير و التنوير.
و أضاف الألوسي ما قاله صاحب الفرائد: يمكن أن يقال الأصل فيه معاذر فحصلت الياء من إشباع الكسرة وهو كما ترى أو جمع معذار على القياس وهو بمعنى العذر، وتعقب بأنه بهذا المعنى لم يسمع من الثقات.
و هذا القول أيضاً هو مفهوم كلام كلاً من : البغوي(516) بن العربي ( 543 هجري ) في أحكام القرآن و السيوطي ( 849 هجري )في الجلالين و السعدي ( 1376) و ، كما قال بهذا القول كلاً من الأشقر ( 1431)، الطنطاوي ( 1431 هجري ) في الوسيط و عدداً آخر من المفسرين.
أما القول الثاني : معنى معاذيره أي ستوره، فيكون معنى ألقى أي أرخى و كأنه يريد أن يخفي عمله.
ذكره بن جرير و استدل بقول السدي : ولو أرخى الستور ، وأغلق الأبواب .
وقاله كذلك الضحاك وقال : المعاذير : الستور ، واحدها معذار ، و قال الطنطاوي تعقيباً على هذا القول : إن صح فلأنه يمنع رؤية المحتجب ، كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب .
قاله البغوي ( 510)، وبن العربي( 543 هجري ) و قاله واختاره النسفي ( 710) وقاله بن عاشور( هجري1393) و ساوى بين المعنين صاحب الميزان ( 1402) فقال
وقيل: المعاذير جمع معذار وهو الستر، والمعنى وإن أرخى الستور ليخفي ما عمل فإن نفسه شاهدة عليه ومآل الوجهين واحد.
كما ذكر بن جرير قولاً عن بن عباس يعود لنفس المعنى : لو ألقى ثيابه و هي من الستر ، و عبر البغوي في تفسيره عن الإرخاء بالإسبال .
و ذكر بن جرير قولاً ثالثاً غير الأقوال السابقة في معنى ألقى معاذيره فروى عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن ابن عباس ، في قوله : ( ولو ألقى معاذيره ) قال : لو تجرد .
و لعل هذا المعنى يعني تجرد من أكاذيبه و كبره و شركه و لكنه لم يُذكر من غير هذا الوجه .
و مما سبق ذكره نخلُص إلى أن المعنى انحصر في معنيين ، كان هناك اجماع من عدد كبير من المفسرين على المعنى الأول ، مع اختلاف سبب الترجيح عند كلٍ منهم .
و لبيان معنى الآية في سياقها القرآني لا بد من بيان أمرين :
1- الأول : نوع الأسلوب و إعرابه.
2- مناسبة الآية للآيات .
أولاً : الأسلوب أسلوب شرط ؛ لو : شرطية غير جازمة ، و ألقى فعل الشرط وجواب الشرط محذوف تقدير الكلام معه يكون : ولو القى معاذيره ما قُبلت و ما عُذر.
ثانياً : مناسبة الآية للآية التي تسبقها (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (، و هو ما سيتبين أثناء بيان المعنى العام .
معنى الآية :
1- المعنى العام للآية بناءً على القول الأول : أن الإنسان على نفسه بصيرة و لو جاء بأعذار و و حجج و جادل بالباطل ، طلباً للنجاة من العقاب ، فلا عذر يقبل و لا حجة لها أثر ، فقد فات أوان الاعتذار ، لأن الحجة قائمة عليه ؛ بنفسه و جوارحه و بما كتبه الحفظة الكتبة ، فهيهات هيهات أن يفر من العذاب الذي استحقه بعمله و يقال له يومئذٍ (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) و يقال له (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس: 91].
و بما أن معاذيره جمع يدل على العموم ، فذلك يفتح الباب لجميع الأعذار ، من أمثلة معاذيرهم الباطلة في موقف الحساب قولهم : { رب ارجعون لعليَ أعْمَلُ صالحاً فيما تركتُ } [ المؤمنون : 99 ، 100 ] ومنها قولهم : { ما جاءَنا من بشير } [ المائدة : 19 ] وقولهم : { هؤلاء أضَلونا } [ الأعراف : 38 ] ، ( أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )[25].) ( وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا . رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا )[43].و غيرها من الأعذار الواهية و الأقوال الكاذبة ، هي من ضلالهم الذي ضلوه في الحياة الدنيا ، و كبرهم.
2- أما القول الثاني في المعنى العام ( ألقى معاذيره ) : أي أنه نفسه عليه بصيرة و لو أرخى ستوره عليه و غلق الأبواب .
وبين بن عاشور الجانب البلاغي في هذا التعبير فقال : أن معاذير هُنا جمع مِعْذار بكسر الميم وهو السِتر بلغة اليمن يكون الإِلقاء مستعملاً في المعنى الحقيقي ، أي الإِرخاء ، وتكون الاستعارة في المعاذير بتشبيه جحد الذنوب كذباً بإلقاء الستر على الأمر المراد حجبه ، و هذا البيان من بن عاشور قريبٌ منه ما قاله الطنطاوي في الوسيط ( فإن صح فلأنه يمنع رؤية المحتجب ، كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب) .
و لعل ما ذكره الألوسي في تفسيره من أجمل ما بين معنى الآية مبنياً على هذا القول ، فقد بين المعنى و مناسبته لجميع الأقوال في الآية ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) ، بكلمات وجيزة و أسلوب غني ، فقال بعد أن نسب القول للضحاك و الجاج : أن المعنى ؛أن احتجابه في الدنيا واستتاره لا يغني عنه شيئا لأن عليه من نفسه بصيرة وفيه تلويح إلى معنى قوله تعالى وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم [فصلت: 22] الآية.
وقيل البصيرة عليه الكاتبان يكتبان ما يكون من خير أو شر، فالمعنى بل الإنسان عليه كاتبان يكتبان أعماله ولو تستر بالستور ولا يكون في الكلام على هذا شائبة تجريد ،و بين وجه التعبير بالإلقاء و مناسبتها للمعنى المراد من المعاذير ، فقال : والإلقاء على إرادة الستور ظاهر وأما على إرادة الأعذار فقيل شبه المجيء بالعذر بإلقاء الدلو في البئر للاستقاء به فيكون فيه تشبيه ما يراد بذلك بالماء المروي للعطش ويشير إلى هذا قول السدي في ذلك ولو أدلى بحجة وعذر وقيل المعنى ولو رمى بأعذاره وطرحها واستسلم وقيل ولو أحال بعضهم على بعض كما يقول بعضهم لبعض لولا أنتم لكنا مؤمنين [سبأ: 31].
و بذكر قول الألوسي نكون جمعنا جميع ما قيل في هذه الآية ، و يتبين أن القول الأول هو المناسب لسياق الآيات و القول الثاني مع صحته فهو لا يناسب السياق ، و لكن هل يمكن الجمع بين القولين ، لأنه لا يوجد تعارض بينهما و لا يوجد ما يمنع الجمع بينهما؟
قال بذلك صاحب الميزان ، فمآل المعنيان واحد ، و لعل بيان الألولسي في تفسيره يُقرب المعنى الثاني من سياق الآيات و لظاهر التنزيل ، و على قول الطنطاوي بجوازه إن صح ، و لم أجد ما يُشيرإلى صحة أو ضعف الأقوال التي ذُكرت في القول الثاني، و لكن بن كثير ذكر القول الثاني و ذكر قائليه ، و لم يفنده و يُعقب عليه بصحة أو ضعف ، و قال أن القول الأول هو الصحيح ،و هذا قد يكون إشارة إلى ضعف الأقوال الثانية ، دون تصريح بذلك و بيان أسبابه ، لذا من الممكن أن يجمع بين المعنين فلا يوجد ما يمنع و في الجمع زيادة معنى .
و ختاماً :في الآيتين تنبيه ووعيد : على كل نفس أن تعي الأمر و تدرك اللحظة الفارقة ، فاليوم عمل ولا حساب ، و غداً حساب و لا عمل ، و لا هرب من عمل كان و لا من ذنب أذنب ، فلا ستر يستره و لا عذر يقبل ،و في الآيتين بيان أن الإِنسان لن يستطيع أن يهرب من نتائج عمله مهما حاول ذلك ، لأن نفسه و جوارحه شاهدة عليه ، فالله الله في دينكم يا طلاب العلم ، لا تضيعوا الأوقات و لا تبذلوا للدنيا واجتنبوا ذنوب الخلوات ، فلا ساتر يمنعك من الله في الدنيا و في الآخرة ، لا تبيعوا الغالي بالرخيص ، فلا مفر و لا أعذار، و لا تكونوا ممن يقولون (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) ، فيكون الخذلان و نعوذ بالله من ان تكونوا من أهله .

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 5 جمادى الأولى 1442هـ/19-12-2020م, 09:28 PM
سعاد مختار سعاد مختار غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الخامس
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 307
افتراضي

التطبيق الأول: رسالة تفسيرية(أسلوب التقرير العلمي)

*تفسيرقولهتعالى: { سلامٌهيحتىمطلعالفجر }.(سورة القدر،5).
هذه هي الآية الخامسة والأخيرة من سورة القدر ، وهي سورة مكية ، موضوعهاالرئيسي هو الكلام عن ليلة القدر ، وهي الليلة الّتى تشرّفت بنزول القرآن الكريم كلّه فيهاإلى السماء الدنيا جملةً واحدة ، ثم تتابع نزوله مفصّلاً بحسب الوقائع والأحداث في ثلاثوعشرون سنة على رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، يتنزل به عليه الرسولالملكي الأمين جِبْرِيل عليه السلام وهو: (الروح) الذي جاء ذكره في هذه السورة: { تنزلالملائكةوالروحفيها } على أكثر الأقوال، حتى أن الطبري لم يورد غيره .
ليلةالقدر: كذا سُميت لعظم قدرها وفضلها عند الله تعالى، ولأن أقدار العباد وأرزاقهموآجالهم تقّدر فيها من العام إلى قابله .
وقد ورد في فضلها أحاديث عديدة تنوه على شرفها ومكانتها وعظم أجر وثواب إحيائهاحتى طلوع فجرها ، منها : عن أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنهُ عنِ النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ-أنَّه قال:(مَنيَقُمْليلةَالقَدْرِإيمانًاواحتسابًا،غُفِرَلهماتَقدَّمَمنذَنبِه). رواه البخاريُّ ومسلم.
وتأتي ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان في أصح الأقوال فقد ورد عن عائشةَ -رضِيَ اللهُ عنها- قالتْ: كان رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- يُجاوِر في العَشْر الأواخِر منرمضانَ، ويقول: (تَحرُّواليلةَالقَدْرفيالعَشْرالأواخِرمنرمضانَ).رواه البخاريُّ ومسلم.

قولهتعالى:{سلامٌهِيّ} .
السلاملغةً: السلام مصدر ، أو اسم مصدر معناه السلامة ، قال عز من قائل :
{ قلناياناركونيبرداًوسلاماًعلىإبراهيم } ، ويطلق السلام على التحية والمدِحَة ،وفُسر بالخير، وكلا المعنيين حاصلين في هذه الآية ، وتنكير سلام يُرادُ به التعظيم ، وجاءتقديم المسند *سلام *على المسند إليه لإفادة ال ،أي الإختصاص والحصر ، أي: ماهيإلا سلام .
المعنى الاصطلاحي:: فيه قولان:
-القول الأول : هي ليلة سلامة ، لا شر فيها ولا آفة ولا أَذًى ، هي خير كلها فقد أورد جلالالدين بن عبد الرحمن السيوطي عن ابن عباس -رضي الله عنه- : "تلك الليلة تصفد مردة الشياطين ، وتُغلّ عفاريت الجنّ ، وتفتح أبواب السماء كلها ، ويقبل الله فيها التوبة لكلتائب؛ فلذلك : {سلامٌهي }".
ويُروى عن أبي بن كعب أنه قال : لا يستطيع الشيطان أن يُصيب فيها أحداً بخبلٍ أوضربٍ من ضروب الفساد ،ولا ينفذ فيها سحر ساحر .
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه : ليلة القدر في العشر البواقي ، بركة كلها خير .
وقال مجاهد : -سالمة -لا يستطيع الشيطان أن يحدث فيها سوءاً أو أَذًى ، وعنه أيضاً : منكل أمرٍ سلام .
وقال قتادة وابن زيد : هي خير كلها ليس فيها شر إلى مطلع الفجر ، ويؤيد هذا المعنى ما رواه الإمام أحمد.
وقال الطبري : سلام ليلة القدر من الشر كله إلى وقت طلوع فجر ليلتها.
وقال الضحاك : لا يقدر الله في تلك الليلة ولا يقضي إلا السلامة.
وقال ابن عطية : قال بعضهم : جعل { من كل أمر } متعلقٌ بقوله تعالى { سلامهي }؛ أيمن كل أمرٍ مخوف ينبغي أن يُسلم منه .
وقال السيوطي : لا يحل لكوكب أن يُرجم به فيها حتى يصبح .

القولالثانيفيمعنىقولهتعالى{ سلامٌهي} ؛ بمعنى التحية.
أورد البغوي عن عطاء قوله : يريد سلام على أولياء الله وأهل طاعته، وقال الشعبي : هي بمعنى التحية ، تسلّم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد حتى يطلع الفجر ، وعنهأيضاً: تسلِّم الملائكة على المؤمنين؛ وفي قوله هذا أطلق وعمّ أهل الإيمان أينما كانوا، فلميرد ما يخصصّ التسليم للمصلين في المساجد ، بل جاء في الحديث الصحيح: ( منقامليلةالقدرإيماناًواحتساباً )، ولعلهم هم أهل الفضل في تلك الليلة العظيمة .
وقد جاء في الآية الرابعة من هذه السورة الكريمة ما يدل على دنوّ الملائكة وتنزلهم فيقوله تعالى : { تنزلالملائكةوالروحفيها } ، كما دلت عليه الأحاديث والآثار منها ما جاءفي الحديث الآخر عن أبي هُريرة -رضي الله عنه -أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال في ليلة القدر:(إنهاليلةسابعةأوتاسعةوعشرين،إنالملائكةتلكالليلةفيالأرضأكثرمنعددالحصى ).رواه الإمام أحمد .
وقال ابن رجب الحنبلي في ليلة القدر: تنتشر الملائكة في الأرض فيبطل سلطانالشياطين.

و بعد استعراض هذه الأقوال لأهل العلم و المفسرين ، يكون حمل المعنى المراد(بسلام) على القولين جميعاً هو الأولى والأصح ؛ وذلك لأن السلامة تشمل كل خير: سلامة من الشر والأذى ، فينتظم السلام والمغفرة وإجلال الثواب واستجابة الدعاء بخيريالدنيا والآخرة ، والسلام بمعنى التحية والقول الحسن والثناء من الملائكة على أهل ليلةالقدر كدأبهم مع أهل الجنة ، قال تعالى: { والملائكةيدخلون .....الآية.
وقبل أن أغادر هذا المعنى المقصود في رسالتى هذه، أشير إلى أن العلامة ابن عاشورفي تفسيره أورد معنىً ثالثاً لم يتعرض له غيره من المفسرين -فيما طالعت من تفاسير عندتتبعي لمعنى سلام - ؛ يقول رحمه الله :قد يكون المعنى خبرُ يُراد به الأمر، فيكون المصدربدلا من الفعل، والمعنى حينها هو : اجعلوها سلاماً بينكم فلا تنازعوا ولا تخاصموا ،ومضى يؤيد هذا المعنى بالإشارة إلى ماورد في الحديث الصحيح عن عبادة بن الصامتقال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمينفقال: (خرجتلأخبركمبليلةالقدرفتلاحىفلانوفلانفرفعت،وعسىأنيكونخيرالكمفالتمسوهافيالتاسعةوالسابعةوالخامسة) رواه البخاري.

ختمت الآية الكريمة بقوله تعالى: { حتىمطلعالفجر} ؛أي جميع أجزاء تلك الليلةالعظيمة معمورة بنزول الملائكة والسلامة من كل شر والغنيمة من كل خير ، حتى يطلعفجرها.
وقد اختلف القُراء في قراءة مطلع؛ فقرأ عامة قُرّاء الأمصار: { مطلٓعالفجر } بفتح الّلام ، فيكون المعنى :سلام هي حتى طلوع الفجر، وقرأ يحيى بن وثاب، والكسائي، والأعمش:
{ مطلِعالفجر } بكسر الّلام ، فيراد عندها معنى الموضع الذي تطلع منه ، والمراد هنابالسياق هو الطلوع ، كذا قال الفراء ، وصوّب ابن جرير الطبري وغيره هذه القراءةلمناسبتها للسياق- كما ذكر الفراء- .







▫ المراجع


تفسير ابن عطية
تفسير الطبري
تفسير البغوي
تفسير السعدي
تفسير ابن عاشور
تفسير الأشقر

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 6 جمادى الأولى 1442هـ/20-12-2020م, 11:50 PM
سارة المري سارة المري غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الرابع
 
تاريخ التسجيل: Sep 2019
المشاركات: 125
افتراضي

المقصود من قوله تعالى: {وَرَفَعنا لَكَ ذِكرَكَ} [الشرح: 4]

بسم الله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، والحمدلله الذي بعث في الأميين رسولًا هاديًا ، وأبقى ذكره إلى قيام الساعة .

وبعد:
قال تعالى في سورة الشرح " ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك" فإنه تعالى يقر على نبيه ما قد حباه له ووهبه إياه ، فالاستفهامات هنا للتقرير، ومحور حديثنا هو قوله تعالى " ورفعنا لك ذكرك"
فكما قال أبو حيان الاندلسي : وَدَخَلَتْ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى النَّفْيِ، فَأَفَادَ التَّقْرِيرَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ.

تعددت أقوال السلف في المراد بذلك إلى عدة أقوال:
- القول الأول: رُفِع ذكره ﷺ بالنبوة والرسالة ، قاله يحيى بن سلام

- القول الثاني: اقتران ذكره ﷺ بذكر الله ﷻ " إني لا أُذكَر إلا ذُكِرتَ معي" وبه قال مجاهد.
ويتفرع تحت هذا القول عدة أقوال :
•الأول : أنه يرفع ذكره في الأذان والإقتمة والتشهد وخُطب العيدين ويوم عرفة والكثير، وهو مما قاله ابن عباس وقتادة كما قال أيضًا : ما من متشهد ولا خطيب ولا صاحب صلاة إلا وهو ينادي أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
•الثاني: أنه يرفع ذكره عند كل عبادة في ذكر النبي ﷺ ، لما تتضمنه العبادات من شرطي الإخلاص لله ﷻ والمتابعه لرسوله ﷺ ، ففي كل مرة يستحضر فيها اتباعه للنبي فهذه رفعة لذكره..وهذا مما جاء عن ابن عثيمين رحمه الله
ففي اللغة رفع الإنسان أي نوّه بذكره ، ومنه رفع قدره أي كرّمه وشرّفه.
ويستدل أصحاب هذا القول بحديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول اللهﷺ قال: " أتاني جبريل فقال: إن ربك يقول: تدرس كيف رفعت ذكرك؟ ، قلت: الله أعلم، قال: إذا ذُكرت ذكرت معي"
وقال حسّان بن ثابتٍ:
أغرّ عليه للنّبوّة خاتمٌ من الله مشهورٍ يلوح ويشهد
وضمّ الإله اسم النّبيّ إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذّن أشهد

وشقّ له من اسمه ليجلّه فذو العرش محمودٌ وهذا محمّد
• الثالث: أن طاعته من طاعة الله ومعصية من معصية الله .

- القول الثالث: رفعنا لك ذكرك في الآخرة كما رفعناه في الدنيا وهو قول قتادة
(رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيبٌ، ولا متشهّدٌ، ولا صاحب صلاةٍ إلاّ ينادي بها: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمداً رسول الله.)
فإنه ﷺ أول من تفتح له أبواب الجنة وأكثرهم تابعاً .

- القول الرابع: ذكره في كتب الأولين والأخذ على الأنبياء وأممهم أن يؤمنوا به كما نوّه عن ذلك الكثير منهم ابن ابي الزمنين والسمعاني وابي حيان الاندلسي.
قال تعالى :{وَإِذ قالَ عيسَى ابنُ مَريَمَ يٰبَنى إِسرٰءيلَ إِنّى رَسولُ اللَّهِ إِلَيكُم مُصَدِّقًا لِما بَينَ يَدَىَّ مِنَ التَّورىٰةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسولٍ يَأتى مِن بَعدِى اسمُهُ أَحمَدُ }[الصف: 6]

فكل تلك الأقوال صور لرفع ذكر النبي والثناء عليه فهذا إعلاء لشأنه ﷺ فالمرتد والمشرك لا تقبل توبتهم إلا بعدما يتلفظوا بالشهادة فأول كلامهم إقرار بنبوة محمد ﷺ وتنويه لذكره ، ولن تقبل عبادتهم مالم يكن فيها متابعة للنبي بعد الإخلاص لله .

فكيف لا يستحضر المرء نبيه الذي قدّم أمته على نفسه فقال " أمتي أمتي" ، فسبحان من أعلا ذكر نبيه وحفظه في الدنيا والآخرة.

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 7 جمادى الأولى 1442هـ/21-12-2020م, 01:08 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رفعة القحطاني مشاهدة المشاركة
(ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ (10) ) وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آَمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (11)وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ (12)}


عناصر الرسالة:

1- معنى : (فخانتاهما).المراد بالخيانة.
2-المراد : (وعمله).
3- المراد :(أحصنت فرجها).
4- المراد :(بكلمات وكتبه).
5- المراد :(القانتين).

هذان المثلان اللذان للكفار والمؤمنين فيهما بيان أن من كفر لا يغني عنه شيء ولا ينفعه وزر ولو كان متعلقا بأقوى الأسباب، وأن من آمن لا يدفعه دافع عن رضوان الله تعالى ولو كان في أسوأ منشأ وأخس حال، ذكره ابن عطية و ذكره بمعناه الصنعاني .
وقال بعض الناس: إن في المثلين عبرة لزوجات النبي محمد عليه السلام، حين تقدم عتابهن، وفي هذا بعد لأن النص أنه للكفار يبعد هذا، ذكره ابن عطية.
وقد ثبت في الصّحيحين عن أبي موسى الأشعريّ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أنّه قال: "كمل من الرّجال كثيرٌ، ولم يكمل من النّساء إلّا آسية امرأة فرعون، ومريم ابنة عمران، وخديجة بنت خويلد، وإنّ فضل عائشة على النّساء كفضل الثّريد على سائر الطّعام".

1- معنى : (فخانتاهما).
1-المراد الخيانة في الدين و العمل:بالكفر و بالدلالة على الأضياف لقوم لوط، والأخرى امراة نوح بقولها أنه مجنون:
واستشهد له بقوله من هو؟؟:
1-عن سعيد بن جبيرٍ أنّه جاء إليه رجلٌ فسأله، فقال: أرأيتك ابن نوح أمنه، فسبح طويلا، ثم قال: لا إله إلا الله، يحدث الله محمدا: {ونادى نوحٌ ابنه}، وتقول ليس منه، ولكنه خالفه في العمل، فليس منه من لم يؤمن.
قال أبو معاوية: فسألته عن ذلك ما كانت خيانة امرأة لوط وامرأة نوح، فقال: أما امرأة لوط فكانت تدل على الأضياف، وأما امرأة نوح فلا علم لي بها). [الجامع في علوم القرآن: 2/72-73].

2- وعن ابن عباس يسأل وهو إلى جنب الكعبة عن قول الله تعالى فخانتا هما فقال: أما أنه ليس بالزنا ولكن كانت هذه تخبر الناس أنه مجنون وكانت هذه تدل على الأضياف قال ثم قرأ إنه عمل غير صلح). [تفسير عبد الرزاق: 1/310]


وعلى هذا جرت عامة عبارات السلف كما روى الطبري ، عن ابن عباس، و سليمان ابن قتة، وعكرمة ،والضحاك، وسعيد بن جبير.الأفضل ذكر القائلين مقرونا بالقول

2- القول الثاني:الزنا .
ذكره ابن عطية عن الحسن، و نفى هذا ابن عباس رضي الله عنهما ، فقال : ما بغت امرأة نبيٍّ قطّ {فخانتاهما} قال: في الدّين خانتاهما، ذكره الطبري والسيوطي.

قال ابن عطية :"واختلف الناس في خيانة هاتين المرأتين، فقال ابن عباس وغيره: خانتا في الكفر، وفي أن امرأة نوح كانت تقول للناس: إنه مجنون، وأن امرأة لوط كانت تنم إلى قومه متى ورده ضيف فتخبر به، وقال ابن عباس: وما بغت زوجة نبي قط، ولا ابتلي الأنبياء في نسائهم بهذا، وقال الحسن في كتاب النقاش: خانتاهما بالكفر والزنا وغيره.

2-المراد : (وعمله).
1-القول الأول: أي نجني من فرعون و جماعه.
ذكره السيوطي في الدر عن ابن عباس رضي الله عنهما.

2-القول الثاني:أن اعمل كعمله.
أي وأنقذني من عذاب فرعون، ومن أن أعمل عمله، وذلك كفره باللّه، قاله قتادة ، كما ذكره الطبري.


وقد ذكر ابن كثير عن أبي العالية قال: كان إيمان امرأة فرعون من قبل إيمان امرأة خازن فرعون، وذلك أنّها جلست تمشّط ابنة فرعون، فوقع المشط من يدها، فقالت تعس من كفر باللّه؟ فقالت لها ابنة فرعون: ولك ربٌّ غير أبي؟ قالت: ربّي وربّ أبيك وربّ كلّ شيءٍ الله. فلطمتها بنت فرعون وضربتها، وأخبرت أباها، فأرسل إليها فرعون فقال: تعبدين ربًّا غيري؟ قالت: نعم، ربّي وربّك وربّ كلّ شيءٍ اللّه. وإيّاه أعبد فعذّبها فرعون وأوتد لها أوتادًا فشدّ رجليها ويديها وأرسل عليها الحيّات، وكانت كذلك، فأتى عليها يومًا فقال لها: ما أنت منتهيةٌ؟ فقالت له: ربّي وربّك ورب كلّ شيءٍ اللّه. فقال لها: إنّي ذابحٌ ابنك في فيك إن لم تفعلي. فقالت له: اقض ما أنت قاضٍ. فذبح ابنها في فيها، وإنّ روح ابنها بشّرها، فقال لها: أبشري يا أمّه، فإنّ لك عند اللّه من الثّواب كذا وكذا. فصبرت ثمّ أتى [عليها] فرعون يومًا آخر فقال لها مثل ذلك، فقالت له، مثل ذلك، فذبح ابنها الآخر في فيها، فبشّرها روحه أيضًا، وقال لها. اصبري يا أمّه فإنّ لك عند اللّه من الثّواب كذا وكذا. قال: وسمعت امرأة فرعون كلام روح ابنها الأكبر ثمّ الأصغر، فآمنت امرأة فرعون، وقبض اللّه روح امرأة خازن فرعون، وكشف الغطاء عن ثوبها ومنزلتها وكرامتها في الجنّة لامرأة فرعون حتّى رأت فازدادت إيمانًا ويقينًا وتصديقًا، فاطّلع فرعون على إيمانها، فقال للملإ ما تعلمون من آسية بنت مزاحمٍ؟ فأثنوا عليها، فقال لهم: إنّها تعبد غيري. فقالوا له: اقتلها. فأوتد لها أوتادًا فشدّ يديها ورجليها، فدعت آسية ربّها فقالت: {ربّ ابن لي عندك بيتًا في الجنّة} فوافق ذلك أن حضرها، فرعون فضحكت حين رأت بيتها في الجنّة، فقال فرعون: ألا تعجبون من جنونها، إنّا نعذّبها وهي تضحك، فقبض اللّه روحها، رضي اللّه عنها.

قال قتادة: كان فرعون أعتى أهل الأرض وأبعده فواللّه ما ضرّ امرأته كفر زوجها حين أطاعت ربّها لتعلموا أنّ اللّه حكمٌ عدلٌ، لا يؤاخذ أحدًا إلّا بذنبه،ذكره ابن كثير.


3- المراد :(أحصنت فرجها).

1- الّتي منعت جيب درعها جبريل عليه السّلام،فنفخنا فيه في جيب درعها، وذلك فرجها، {من روحنا}. من جبرئيل، وهو الرّوح،ذكره الطبري، وهو قول الجمهور.

2-أي حفظته وصانته، والإحصان: هو العفاف والحرّيّة، إنّ اللّه بعثه إليها فتمثّل لها في صورة بشرٍ سوي، وأمره اللّه تعالى أن ينفخ بفيه في جيب درعها، فنزلت النّفخة فولجت في فرجها، فكان منه الحمل بعيسى، عليه السّلام ، ذكره ابن كثير.

قال ابن عطية:(واختلف الناس في الفرج الذي أحصنت مريم، فقال الجمهور: هو فرج الدرع الذي كان عليها، وأنها كانت صينة، وأن جبريل عليه السلام: نفخ فيها الروح من جيب الدرع، وقال قوم من المتأولين: هو الفرج الجارحة، فلفظة أحصنت: إذا كان فرج الجارحة متمكنا حقيقة، والإحصان: صونه، وفيه هي مستعملة، وإذا قدرنا فرج الدرع فلفظ أحصنت فيه مستعارة من حيث صانته، ومن حيث صار مسلكا لولدها).

4- المراد :(بكلمات وكتبه).
1-بقدره وشرعه، ذكره ابن كثير.
2-أي آمنت بعيسى، وهو كلمة اللّه {وكتبه} يعني التّوراة والإنجيل، ذكره الطبري عن قتادة.

5- المراد :(القانتين).
1- القانتين بين المغرب والعشاء.
ذكرعن الكرماني أنه قال: في قول الله: {وكانت من القانتين}، قال: ما بين المغرب والعشاء). [الجامع في علوم القرآن: 1/35]
2-أي: من المطيعين،ذكره الطبري عن قتادة.



وفي القصة فوائد كثيرة منها:

1- التضرع لله بصدق سبب النجاة من الكرب العظيم كما قالت آسية رضي الله عنها( رب ابن لي عندك بيتا في الجنة).

2- القرابة لايرتفع ولاتشفع عند الله تعالى بل المقياس على التقوى والعمل الصالح،( فلم يغنيا عنهما).



والله أعلم.
أحسنتِ بارك الله في اجتهادك ونفع بكِ، وإليكِ بعض الملحوظات:
- طريقة تحرير الأقوال في المسألة تحتاج لمزيد من العناية من عدة جوانب:
منها إسناد الأقوال يحسن أن يُذكر مقرونا بالقول، ثمّ ذكر المفسرين الذين ذكروا هذه النسبة بترتيب ذكرهم وفق الأقدم.
وأثر كل قول على معنى الآيات، وفقدانه كان مؤثر على جودة الرسالة.

وأيضا بيان القول الراجح أو المجمع عليه بعد عرض الأقوال.
- انتقلتِ بين المسائل دون الربط بينها وبين الآيات التي تليها، أو الإتيان ببيان مجمل لمعنى الآية المذكورة فيه المسألة.
- لو جعلتِ المقدمة بأسلوبك وأتيتِ فيها على المعنى العام للآيات مع ما ذكرتِ من الأدلة والآثار لكان أنسب.


الدرجة:ب


رد مع اقتباس
  #13  
قديم 8 جمادى الأولى 1442هـ/22-12-2020م, 01:01 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة رولا بدوي مشاهدة المشاركة
الرسالة التفسيرية
موضوعها معنى الآية ( و لو ألقى معاذيره )

عناصر الرسالة :
1- مدخل لتفسير الآية .
2- المعنى اللغوي لكلمة ألقى.
3- المعنى اللغوى لكلمة معاذيره.
4- أقوال السلف في معنى معاذيره.
5- أقوال المفسرين في معنى معاذيره.
6- ترجيح بن جرير و سببه.
7- ترجيح بن كثير و سببه .
8- عرض لبعض أقوال المفسرين.
9- إعراب الآية
10- المعنى الإجمالي للآية على القول الأول
11- المعنى الإجمالي للآية على القول الثاني
12- التعقيب على الأقوال
13- خاتمة

قال تعالى: (وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ (15)
عند النظر في معنى هذه الآية نجد أنه قد ذُكِرَ في معنى الآية تفسران ، و القولان انطلقا من المعنى اللغوي لكلاً من كلمة ألقى و كلمة معاذيره ، سيتم استعراضهما بالأدلة فيما يلي .
هناك عدة معان لغوية لكلمة (ألقى) منها ؛ طرح و رمى ، أرخى ، كما ذُكر في المعاجم اللغوية ، و ذكر الضحاك المعنى أرخى ، كما ذكر ذلك عنه بن كثير ، و قال الفراء : معنى الإلقاء : القول ، كما قال : ( فألقوا إليهم القول إنكم لكاذبون )( النحل - 86 ) ، و يتم اختيار المعنى المناسب حسب سياق الكلام و مناسبته للمعنى العام للجملة .
أما معنى معاذيره في اللغة ؛ فهي تعود للجذر عذر و ذكر الأصفهاني في مفردات القرآن معنى عذر : عذر العذر: تحري الإنسان ما يمحو به ذنوبه.
وقال :يقال: عذر وعذر، وذلك على ثلاثة أضرب: إما أن يقول: لم أفعل، أو يقول: فعلت لأجل كذا، فيذكر ما يخرجه عن كونه مذنبا، أو يقول: فعلت ولا أعود، ونحو ذلك من المقال ، وعُذْر؛ حُجَّةٌ يُتأسَّف بها لرفع اللَّوم والحرج ، و قال الفراء مثل هذا القول .
و قال صاحب الميزان وقوله: ﴿ولو ألقى معاذيره﴾ المعاذير جمع معذرة وهي ذكر موانع تقطع عن الفعل المطلوب.
فيكون حاصل هذه الأقوال في المعنى أن معاذيره جمع معذرة و هي حججه و أعذاره و أقواله التي يتقي بها العذاب و يجادل بها .
و قد وافق هذا القول قول عدد من السلف ، و المفسرين و من أمثلتها ما رواه بن جرير عن ابن عباس : ( ولو ألقى معاذيره ) يعني الاعتذار ، ألم تسمع أنه قال : [ ص: 64 ]؟؟؟ ( لا ينفع الظالمين معذرتهم ) وقال الله : ( وألقوا إلى الله يومئذ السلم ) ، ( كنا نعمل من سوء ) . وقولهم : ( والله ربنا ما كنا مشركين ).
و كذا قاله سعيد بن جبير وقال مجاهد قريب منه : ولو جادل عنها .
و ما قاله ابن زيد : معاذيرهم التي يعتذرون بها يوم القيامة فلا ينتفعون بها ، قال : ( يوم لا يؤذن لهم فيعتذرون ) ويوم يؤذن لهم فيعتذرون فلا تنفعهم ويعتذرون بالكذب .[كان يحسن أن تعرضي الأقوال كما اعتدنا]
و من المفسرين الذين رجحوا هذا القول بن جرير(310)[ من غير الماسب ذكر تاريخ الوفاة خلال النص] حيث قال (وأولى الأقوال في ذلك عندنا بالصواب ) و بين سبب ترجيحه ، أن ذلك أشبه المعاني بظاهر التنزيل ، وذلك أن الله جل ثناؤه أخبر عن الإنسان أن عليه شاهدا من نفسه بقوله : ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) فكان الذي هو أولى أن يتبع ذلك ، ولو جادل عنها بالباطل ، واعتذر بغير الحق ، فشهادة نفسه عليه به أحق وأولى من اعتذاره بالباطل.
و رجحه أيضاً بن كثير ، و عقب بقوله : ( والصّحيح قول مجاهدٍ وأصحابه، كقوله: {ثمّ لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا واللّه ربّنا ما كنّا مشركين} [الأنعام: 23] وكقوله {يوم يبعثهم اللّه جميعًا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنّهم على شيءٍ ألا إنّهم هم الكاذبون} [المجادلة: 18] .
و نذكر بعض من أقوال بعض أقوال المفسرين في هذا المعنى ، حيث أرجعوه للمعنى اللغوي:
قال السيوطي في الجلالين: جمع معذرة على غير قياس.
و قال الألوسي ( 1217هجري) : والمعاذير جمع معذرة بمعنى العذر على خلاف القياس والقياس معاذر بغير ياء وأطلق عليه الزمخشري اسم الجمع كعادته في إطلاق ذلك على الجموع المخالفة للقياس وإلا فهو ليس من أبنية اسم الجمع و هو ما قاله بن عاشور( هجري1393) في التحرير و التنوير.
و أضاف الألوسي ما قاله صاحب الفرائد: يمكن أن يقال الأصل فيه معاذر فحصلت الياء من إشباع الكسرة وهو كما ترى أو جمع معذار على القياس وهو بمعنى العذر، وتعقب بأنه بهذا المعنى لم يسمع من الثقات.
و هذا القول أيضاً هو مفهوم كلام كلاً من : البغوي(516) بن العربي ( 543 هجري ) في أحكام القرآن و السيوطي ( 849 هجري )في الجلالين و السعدي ( 1376) و ، كما قال بهذا القول كلاً من الأشقر ( 1431)، الطنطاوي ( 1431 هجري ) في الوسيط و عدداً آخر من المفسرين.
أما القول الثاني : معنى معاذيره أي ستوره، فيكون معنى ألقى أي أرخى و كأنه يريد أن يخفي عمله.
ذكره بن جرير و استدل بقول السدي : ولو أرخى الستور ، وأغلق الأبواب .
وقاله كذلك الضحاك وقال : المعاذير : الستور ، واحدها معذار ، و قال الطنطاوي تعقيباً على هذا القول : إن صح فلأنه يمنع رؤية المحتجب ، كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب .
قاله البغوي ( 510)، وبن العربي( 543 هجري ) و قاله واختاره النسفي ( 710) وقاله بن عاشور( هجري1393) و ساوى بين المعنين صاحب الميزان ( 1402) فقال
وقيل: المعاذير جمع معذار وهو الستر، والمعنى وإن أرخى الستور ليخفي ما عمل فإن نفسه شاهدة عليه ومآل الوجهين واحد.
كما ذكر بن جرير قولاً عن بن عباس يعود لنفس المعنى : لو ألقى ثيابه و هي من الستر ، و عبر البغوي في تفسيره عن الإرخاء بالإسبال .
و ذكر بن جرير قولاً ثالثاً غير الأقوال السابقة في معنى ألقى معاذيره فروى عن قتادة ، عن زرارة بن أوفى ، عن ابن عباس ، في قوله : ( ولو ألقى معاذيره ) قال : لو تجرد .
و لعل هذا المعنى يعني تجرد من أكاذيبه و كبره و شركه و لكنه لم يُذكر من غير هذا الوجه .
و مما سبق ذكره نخلُص إلى أن المعنى انحصر في معنيين ، كان هناك اجماع من عدد كبير من المفسرين على المعنى الأول ، مع اختلاف سبب الترجيح عند كلٍ منهم .
و لبيان معنى الآية في سياقها القرآني لا بد من بيان أمرين :
1- الأول : نوع الأسلوب و إعرابه.
2- مناسبة الآية للآيات .
أولاً : الأسلوب أسلوب شرط ؛ لو : شرطية غير جازمة ، و ألقى فعل الشرط وجواب الشرط محذوف تقدير الكلام معه يكون : ولو القى معاذيره ما قُبلت و ما عُذر.
ثانياً : مناسبة الآية للآية التي تسبقها (بَلِ الْإِنسَانُ عَلَىٰ نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ (، و هو ما سيتبين أثناء بيان المعنى العام .
معنى الآية :
1- المعنى العام للآية بناءً على القول الأول : أن الإنسان على نفسه بصيرة و لو جاء بأعذار و و حجج و جادل بالباطل ، طلباً للنجاة من العقاب ، فلا عذر يقبل و لا حجة لها أثر ، فقد فات أوان الاعتذار ، لأن الحجة قائمة عليه ؛ بنفسه و جوارحه و بما كتبه الحفظة الكتبة ، فهيهات هيهات أن يفر من العذاب الذي استحقه بعمله و يقال له يومئذٍ (كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) و يقال له (آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ [يونس: 91].
و بما أن معاذيره جمع يدل على العموم ، فذلك يفتح الباب لجميع الأعذار ، من أمثلة معاذيرهم الباطلة في موقف الحساب قولهم : { رب ارجعون لعليَ أعْمَلُ صالحاً فيما تركتُ } [ المؤمنون : 99 ، 100 ] ومنها قولهم : { ما جاءَنا من بشير } [ المائدة : 19 ] وقولهم : { هؤلاء أضَلونا } [ الأعراف : 38 ] ، ( أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ )[25].) ( وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا . رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْنًا كَبِيرًا )[43].و غيرها من الأعذار الواهية و الأقوال الكاذبة ، هي من ضلالهم الذي ضلوه في الحياة الدنيا ، و كبرهم.
2- أما القول الثاني في المعنى العام ( ألقى معاذيره ) : أي أنه نفسه عليه بصيرة و لو أرخى ستوره عليه و غلق الأبواب .
وبين بن عاشور الجانب البلاغي في هذا التعبير فقال : أن معاذير هُنا جمع مِعْذار بكسر الميم وهو السِتر بلغة اليمن يكون الإِلقاء مستعملاً في المعنى الحقيقي ، أي الإِرخاء ، وتكون الاستعارة في المعاذير بتشبيه جحد الذنوب كذباً بإلقاء الستر على الأمر المراد حجبه ، و هذا البيان من بن عاشور قريبٌ منه ما قاله الطنطاوي في الوسيط ( فإن صح فلأنه يمنع رؤية المحتجب ، كما تمنع المعذرة عقوبة المذنب) .
و لعل ما ذكره الألوسي في تفسيره من أجمل ما بين معنى الآية مبنياً على هذا القول ، فقد بين المعنى و مناسبته لجميع الأقوال في الآية ( بل الإنسان على نفسه بصيرة ) ، بكلمات وجيزة و أسلوب غني ، فقال بعد أن نسب القول للضحاك و الجاج : أن المعنى ؛أن احتجابه في الدنيا واستتاره لا يغني عنه شيئا لأن عليه من نفسه بصيرة وفيه تلويح إلى معنى قوله تعالى وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم [فصلت: 22] الآية.
وقيل البصيرة عليه الكاتبان يكتبان ما يكون من خير أو شر، فالمعنى بل الإنسان عليه كاتبان يكتبان أعماله ولو تستر بالستور ولا يكون في الكلام على هذا شائبة تجريد ،و بين وجه التعبير بالإلقاء و مناسبتها للمعنى المراد من المعاذير ، فقال : والإلقاء على إرادة الستور ظاهر وأما على إرادة الأعذار فقيل شبه المجيء بالعذر بإلقاء الدلو في البئر للاستقاء به فيكون فيه تشبيه ما يراد بذلك بالماء المروي للعطش ويشير إلى هذا قول السدي في ذلك ولو أدلى بحجة وعذر وقيل المعنى ولو رمى بأعذاره وطرحها واستسلم وقيل ولو أحال بعضهم على بعض كما يقول بعضهم لبعض لولا أنتم لكنا مؤمنين [سبأ: 31].
و بذكر قول الألوسي نكون جمعنا جميع ما قيل في هذه الآية ، و يتبين أن القول الأول هو المناسب لسياق الآيات و القول الثاني مع صحته فهو لا يناسب السياق ، و لكن هل يمكن الجمع بين القولين ، لأنه لا يوجد تعارض بينهما و لا يوجد ما يمنع الجمع بينهما؟
قال بذلك صاحب الميزان ، فمآل المعنيان واحد ، و لعل بيان الألولسي في تفسيره يُقرب المعنى الثاني من سياق الآيات و لظاهر التنزيل ، و على قول الطنطاوي بجوازه إن صح ، و لم أجد ما يُشيرإلى صحة أو ضعف الأقوال التي ذُكرت في القول الثاني، و لكن بن كثير ذكر القول الثاني و ذكر قائليه ، و لم يفنده و يُعقب عليه بصحة أو ضعف ، و قال أن القول الأول هو الصحيح ،و هذا قد يكون إشارة إلى ضعف الأقوال الثانية ، دون تصريح بذلك و بيان أسبابه ، لذا من الممكن أن يجمع بين المعنين فلا يوجد ما يمنع و في الجمع زيادة معنى .
و ختاماً :في الآيتين تنبيه ووعيد : على كل نفس أن تعي الأمر و تدرك اللحظة الفارقة ، فاليوم عمل ولا حساب ، و غداً حساب و لا عمل ، و لا هرب من عمل كان و لا من ذنب أذنب ، فلا ستر يستره و لا عذر يقبل ،و في الآيتين بيان أن الإِنسان لن يستطيع أن يهرب من نتائج عمله مهما حاول ذلك ، لأن نفسه و جوارحه شاهدة عليه ، فالله الله في دينكم يا طلاب العلم ، لا تضيعوا الأوقات و لا تبذلوا للدنيا واجتنبوا ذنوب الخلوات ، فلا ساتر يمنعك من الله في الدنيا و في الآخرة ، لا تبيعوا الغالي بالرخيص ، فلا مفر و لا أعذار، و لا تكونوا ممن يقولون (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) ، فيكون الخذلان و نعوذ بالله من ان تكونوا من أهله .
أحسنتِ بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
أسلوب التقرير العلمي واضح جدا مع بعض الملحوظات المهمة غير التي أشرت إليها خلال النص، وهي:
- مصادر التفسير ثلاثة أنواع: أصلية وبديلة وناقلة، فعند تحرير الأقوال في المسألة يهمنا ابتداءا أن نبحث عن أقوال السلف في المصادر الأصلية كمصنف ابن عبدالرزاق والطبري وابن أبي حاتم، والبديلة كابن كثير والسيوطي، فعند عرض الأقوال ننسب القول لقائله من السلف ثم كما اعتدنا نشير لمن ذكره من المفسرين، ثمّ نستانس بقول المفسرين على المعنى بعد بيانه، لكن ليس المقصد المقارنة بين المصادر الناقلة.
- من ناحية العرض يحتاج لتنسيق الأقوال.
- ضعي علامة الاقتباس أثناء النقل لئلا يختلط كلام المفسّر بكلامك وهو من باب الأمانة العلمية.
- هناك أخطاء إملائية أشهرها سقوط الألف من كلمة ابن، فالألف تسقط فقط من كلمة ابن إذا وقعت بين علميين كــ( محمد بن سيرين) وتثبت عند قولنا ابن عاشور عندما لا ذكر اسمه.


الدرجة: أ

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 8 جمادى الأولى 1442هـ/22-12-2020م, 08:46 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سعاد مختار مشاهدة المشاركة
التطبيق الأول: رسالة تفسيرية(أسلوب التقرير العلمي)

*تفسيرقولهتعالى: { سلامٌهيحتىمطلعالفجر }.(سورة القدر،5).
هذه هي الآية الخامسة والأخيرة من سورة القدر ، وهي سورة مكية ، موضوعهاالرئيسي هو الكلام عن ليلة القدر ، وهي الليلة الّتى تشرّفت بنزول القرآن الكريم كلّه فيهاإلى السماء الدنيا جملةً واحدة ، ثم تتابع نزوله مفصّلاً بحسب الوقائع والأحداث في ثلاثوعشرون سنة على رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، يتنزل به عليه الرسولالملكي الأمين جِبْرِيل عليه السلام وهو: (الروح) الذي جاء ذكره في هذه السورة: { تنزلالملائكةوالروحفيها } على أكثر الأقوال، حتى أن الطبري لم يورد غيره .
ليلةالقدر: كذا سُميت لعظم قدرها وفضلها عند الله تعالى، ولأن أقدار العباد وأرزاقهموآجالهم تقّدر فيها من العام إلى قابله .
وقد ورد في فضلها أحاديث عديدة تنوه على شرفها ومكانتها وعظم أجر وثواب إحيائهاحتى طلوع فجرها ، منها : عن أبي هُرَيرةَ رضِيَ اللهُ عنهُ عنِ النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ-أنَّه قال:(مَنيَقُمْليلةَالقَدْرِإيمانًاواحتسابًا،غُفِرَلهماتَقدَّمَمنذَنبِه). رواه البخاريُّ ومسلم.
وتأتي ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان في أصح الأقوال فقد ورد عن عائشةَ -رضِيَ اللهُ عنها- قالتْ: كان رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- يُجاوِر في العَشْر الأواخِر منرمضانَ، ويقول: (تَحرُّواليلةَالقَدْرفيالعَشْرالأواخِرمنرمضانَ).رواه البخاريُّ ومسلم.

قولهتعالى:{سلامٌهِيّ} .
السلاملغةً: السلام مصدر ، أو اسم مصدر معناه السلامة ، قال عز من قائل :
{ قلناياناركونيبرداًوسلاماًعلىإبراهيم } ، ويطلق السلام على التحية والمدِحَة ،وفُسر بالخير، وكلا المعنيين حاصلين في هذه الآية ، وتنكير سلام يُرادُ به التعظيم ، وجاءتقديم المسند *سلام *على المسند إليه لإفادة ال ،أي الإختصاص والحصر ، أي: ماهيإلا سلام .
المعنى الاصطلاحي:: فيه قولان: [ نقول المراد بالسلام ]
-القول الأول : هي ليلة سلامة ، لا شر فيها ولا آفة ولا أَذًى ، هي خير كلها فقد أورد جلالالدين بن عبد الرحمن السيوطي عن ابن عباس -رضي الله عنه- : "تلك الليلة تصفد مردة الشياطين ، وتُغلّ عفاريت الجنّ ، وتفتح أبواب السماء كلها ، ويقبل الله فيها التوبة لكلتائب؛ فلذلك : {سلامٌهي }".
ويُروى عن أبي بن كعب أنه قال : لا يستطيع الشيطان أن يُصيب فيها أحداً بخبلٍ أوضربٍ من ضروب الفساد ،ولا ينفذ فيها سحر ساحر .
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه : ليلة القدر في العشر البواقي ، بركة كلها خير .
وقال مجاهد : -سالمة -لا يستطيع الشيطان أن يحدث فيها سوءاً أو أَذًى ، وعنه أيضاً : منكل أمرٍ سلام .
وقال قتادة وابن زيد : هي خير كلها ليس فيها شر إلى مطلع الفجر ، ويؤيد هذا المعنى ما رواه الإمام أحمد.
وقال الطبري : سلام ليلة القدر من الشر كله إلى وقت طلوع فجر ليلتها.
وقال الضحاك : لا يقدر الله في تلك الليلة ولا يقضي إلا السلامة.
وقال ابن عطية : قال بعضهم : جعل { من كل أمر } متعلقٌ بقوله تعالى { سلامهي }؛ أيمن كل أمرٍ مخوف ينبغي أن يُسلم منه .
وقال السيوطي : لا يحل لكوكب أن يُرجم به فيها حتى يصبح .
لا نذكر قول الطبري وابن عطية والسيوطي كأقوال منفردة أثناء سرد أقوال السلف في المسألة، لأنّ أقوالهم مبنية على أقوال السلف فنجمع عباراتهم بجملة جامعة عندما نذكر خلاصة القول في المسألة.

القولالثانيفيمعنىقولهتعالى{ سلامٌهي} ؛ بمعنى التحية.
أورد البغوي عن عطاء قوله : يريد سلام على أولياء الله وأهل طاعته، وقال الشعبي : هي بمعنى التحية ، تسلّم الملائكة ليلة القدر على أهل المساجد حتى يطلع الفجر ، وعنهأيضاً: تسلِّم الملائكة على المؤمنين؛ وفي قوله هذا أطلق وعمّ أهل الإيمان أينما كانوا، فلميرد ما يخصصّ التسليم للمصلين في المساجد ، بل جاء في الحديث الصحيح: ( منقامليلةالقدرإيماناًواحتساباً )، ولعلهم هم أهل الفضل في تلك الليلة العظيمة .
وقد جاء في الآية الرابعة من هذه السورة الكريمة ما يدل على دنوّ الملائكة وتنزلهم فيقوله تعالى : { تنزلالملائكةوالروحفيها } ، كما دلت عليه الأحاديث والآثار منها ما جاءفي الحديث الآخر عن أبي هُريرة -رضي الله عنه -أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم -قال في ليلة القدر:(إنهاليلةسابعةأوتاسعةوعشرين،إنالملائكةتلكالليلةفيالأرضأكثرمنعددالحصى ).رواه الإمام أحمد .
وقال ابن رجب الحنبلي في ليلة القدر: تنتشر الملائكة في الأرض فيبطل سلطانالشياطين.
ينبغي توحيد الأسلوب في عرض الأقوال.
و بعد استعراض هذه الأقوال لأهل العلم و المفسرين ، يكون حمل المعنى المراد(بسلام) على القولين جميعاً هو الأولى والأصح ؛ وذلك لأن السلامة تشمل كل خير: سلامة من الشر والأذى ، فينتظم السلام والمغفرة وإجلال الثواب واستجابة الدعاء بخيريالدنيا والآخرة ، والسلام بمعنى التحية والقول الحسن والثناء من الملائكة على أهل ليلةالقدر كدأبهم مع أهل الجنة ، قال تعالى: { والملائكةيدخلون .....الآية.
وقبل أن أغادر هذا المعنى المقصود في رسالتى هذه، أشير إلى أن العلامة ابن عاشورفي تفسيره أورد معنىً ثالثاً لم يتعرض له غيره من المفسرين -فيما طالعت من تفاسير عندتتبعي لمعنى سلام - ؛ يقول رحمه الله :قد يكون المعنى خبرُ يُراد به الأمر، فيكون المصدربدلا من الفعل، والمعنى حينها هو : اجعلوها سلاماً بينكم فلا تنازعوا ولا تخاصموا ،ومضى يؤيد هذا المعنى بالإشارة إلى ماورد في الحديث الصحيح عن عبادة بن الصامتقال: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ليخبرنا بليلة القدر، فتلاحى رجلان من المسلمينفقال: (خرجتلأخبركمبليلةالقدرفتلاحىفلانوفلانفرفعت،وعسىأنيكونخيرالكمفالتمسوهافيالتاسعةوالسابعةوالخامسة) رواه البخاري.
لو تأملتِ قول ابن عاشور لوجدته يعود للقول الأول ولم يأتِ بقول جديد.
ختمت الآية الكريمة بقوله تعالى: { حتىمطلعالفجر} ؛أي جميع أجزاء تلك الليلةالعظيمة معمورة بنزول الملائكة والسلامة من كل شر والغنيمة من كل خير ، حتى يطلعفجرها.
وقد اختلف القُراء في قراءة مطلع؛ فقرأ عامة قُرّاء الأمصار: { مطلٓعالفجر } بفتح الّلام ، فيكون المعنى :سلام هي حتى طلوع الفجر، وقرأ يحيى بن وثاب، والكسائي، والأعمش:
{ مطلِعالفجر } بكسر الّلام ، فيراد عندها معنى الموضع الذي تطلع منه ، والمراد هنابالسياق هو الطلوع ، كذا قال الفراء ، وصوّب ابن جرير الطبري وغيره هذه القراءةلمناسبتها للسياق- كما ذكر الفراء- .







▫ المراجع


تفسير ابن عطية
تفسير الطبري
تفسير البغوي
تفسير السعدي
تفسير ابن عاشور
تفسير الأشقر
أحسنتِ وفقكِ الله وبارك فيكِ.
- أشرت لبعض الملحوظات خلال النص آمل الاستفادة منها.
- أسلوب التقرير العلمي لديك حسن وبمراجعة الملحوظات والأخذ بها يكون أفضل.
- نعتمد في استخراج أقوال السلف من المصادر الأصيلة كمصنف عبدالرزاق والطبري وابن أبي حاتم.
- انتبهي للتنسيق وفقكِ الله فأغلب الكلام متشابك.

الدرجة: ب+

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 8 جمادى الأولى 1442هـ/22-12-2020م, 09:17 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة سارة المري مشاهدة المشاركة
المقصود من قوله تعالى: {وَرَفَعنا لَكَ ذِكرَكَ} [الشرح: 4]

بسم الله والصلاة والسلام على أشرف خلق الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، والحمدلله الذي بعث في الأميين رسولًا هاديًا ، وأبقى ذكره إلى قيام الساعة .

وبعد:
قال تعالى في سورة الشرح " ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك" فإنه تعالى يقر على نبيه ما قد حباه له ووهبه إياه ، فالاستفهامات هنا للتقرير، ومحور حديثنا هو قوله تعالى " ورفعنا لك ذكرك"
فكما قال أبو حيان الاندلسي : وَدَخَلَتْ هَمْزَةُ الِاسْتِفْهَامِ عَلَى النَّفْيِ، فَأَفَادَ التَّقْرِيرَ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ.

تعددت أقوال السلف في المراد بذلك إلى عدة أقوال:
- القول الأول: رُفِع ذكره ﷺ بالنبوة والرسالة ، قاله يحيى بن سلام

- القول الثاني: اقتران ذكره ﷺ بذكر الله ﷻ " إني لا أُذكَر إلا ذُكِرتَ معي" وبه قال مجاهد فاتك ذكر ابن عباس وقتادة وأبي سعيد الخدري.
ويتفرع تحت هذا القول عدة أقوال :
•الأول : أنه يرفع ذكره في الأذان والإقتمة والتشهد وخُطب العيدين ويوم عرفة والكثير، وهو مما قاله ابن عباس وقتادة كما قال أيضًا : ما من متشهد ولا خطيب ولا صاحب صلاة إلا وهو ينادي أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله.
•الثاني: أنه يرفع ذكره عند كل عبادة في ذكر النبي ﷺ ، لما تتضمنه العبادات من شرطي الإخلاص لله ﷻ والمتابعه لرسوله ﷺ ، ففي كل مرة يستحضر فيها اتباعه للنبي فهذه رفعة لذكره..وهذا مما جاء عن ابن عثيمين رحمه الله
ففي اللغة رفع الإنسان أي نوّه بذكره ، ومنه رفع قدره أي كرّمه وشرّفه.
ويستدل أصحاب هذا القول بحديث ابي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول اللهﷺ قال: " أتاني جبريل فقال: إن ربك يقول: تدرس كيف رفعت ذكرك؟ ، قلت: الله أعلم، قال: إذا ذُكرت ذكرت معي"
وقال حسّان بن ثابتٍ:
أغرّ عليه للنّبوّة خاتمٌ من الله مشهورٍ يلوح ويشهد
وضمّ الإله اسم النّبيّ إلى اسمه إذا قال في الخمس المؤذّن أشهد

وشقّ له من اسمه ليجلّه فذو العرش محمودٌ وهذا محمّد
• الثالث: أن طاعته من طاعة الله ومعصية من معصية الله .

- القول الثالث: رفعنا لك ذكرك في الآخرة كما رفعناه في الدنيا وهو قول قتادة
(رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة، فليس خطيبٌ، ولا متشهّدٌ، ولا صاحب صلاةٍ إلاّ ينادي بها: أشهد أن لا إله إلاّ الله، وأشهد أنّ محمداً رسول الله.)
فإنه ﷺ أول من تفتح له أبواب الجنة وأكثرهم تابعاً .

- القول الرابع: ذكره في كتب الأولين والأخذ على الأنبياء وأممهم أن يؤمنوا به كما نوّه عن ذلك الكثير منهم ابن ابي الزمنين والسمعاني وابي حيان الاندلسي.
قال تعالى :{وَإِذ قالَ عيسَى ابنُ مَريَمَ يٰبَنى إِسرٰءيلَ إِنّى رَسولُ اللَّهِ إِلَيكُم مُصَدِّقًا لِما بَينَ يَدَىَّ مِنَ التَّورىٰةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسولٍ يَأتى مِن بَعدِى اسمُهُ أَحمَدُ }[الصف: 6]

فكل تلك الأقوال صور لرفع ذكر النبي والثناء عليه فهذا إعلاء لشأنه ﷺ فالمرتد والمشرك لا تقبل توبتهم إلا بعدما يتلفظوا بالشهادة فأول كلامهم إقرار بنبوة محمد ﷺ وتنويه لذكره ، ولن تقبل عبادتهم مالم يكن فيها متابعة للنبي بعد الإخلاص لله .

فكيف لا يستحضر المرء نبيه الذي قدّم أمته على نفسه فقال " أمتي أمتي" ، فسبحان من أعلا ذكر نبيه وحفظه في الدنيا والآخرة.
أحسنتِ بارك الله فيكِ.
- أسلوب التقرير العلمي واضح في رسالتك مع المأخذ بعدم توثيق الأقوال من كتب التفسير المسندة فلم تذكري أي منها خلال رسالتك.
- كان يحسن بيان المعنى اللغوي ابتداءََ.


الدرجة: ب+

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 6 جمادى الآخرة 1442هـ/19-01-2021م, 01:31 AM
أماني خليل أماني خليل غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثالث
 
تاريخ التسجيل: Aug 2018
المشاركات: 127
افتراضي

رسالة في تفسير قول الله تعالى : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ).
قوله تعالى : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) .
ففيه مسائل :

المسألة الأولى : ما معنى الموت والحياة ؟
المسألة الثانية : ما معنى ( الذي خلق الموت والحياة ) ؟
المسألة الثالثة : ما معنى ( أحسن عملا ) ؟
المسألة الرابعة : ما الحكمة من خلق الموت والحياة ؟
المسألة الخامسة : ما المقصد من الابتلاء ؟
المسألة السادسة : ما مناسبة اقتران اسم الله العزيز باسمه الغفور في الآية ؟

فأما جواب المسألة الأولى فالموت هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقتها له .
والحياة تعلق الروح بالبدن واتصالها به ، فالحياة تعني خَلْقَه إنسانا ، وخَلْق الروح فيه .
وأما جواب المسألة الثانية : فمعنى ( خلق الموت والحياة ) أي : قدّر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم . كما قال تعالى : ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا ) . [ البقرة ٢٨ ] . فسمى الحال الأول وهو العدم موتا، وسمى هذه النشأة حياة . ولهذا قال : ( ثم يميتكم ثم يحييكم ) [ البقرة ٢٨ ] .
وعن قتادة في قوله : ( الذي خلق الموت والحياة ) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله أذل بني آدم بالموت وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت ، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء " .
وأما جواب المسألة الثالثة : فمعنى ( أحسن عملا ) أي : أخلصه وأصوبه ، فإن الله خلق عباده وأخرجهم لهذه الدار وأخبرهم أنهم سينتقلون منها وأمرهم ونهاهم وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل ؛ أحسن الله له الجزاء في الدارين ، ومن مال مع شهوات النفس ، ونبذ أمر الله ، فله شر الجزاء .
وأما جواب المسألة الرابعة : فالحكمة من خلق الموت والحياة هو الابتلاء ، فأوجد سبحانه الخلائق من العدم ليبلوهم ويختبرهم أيهم أحسن عملا .
وأما جواب المسألة الخامسة : فالمقصد من الابتلاء هو ظهور كمال إحسان المحسنين .
وأما جواب المسألة السادسة : فالعزيز هو العظيم المنيع الجناب ، وهو مع ذلك غفور لمن تاب إليه وأناب بعد ما عصاه وخالف أمره ، وإن كان تعالى عزيزا هو مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز .
فمن تفكر في حكمة خلق الله للموت والحياة ، والحكمة من إيجاد الخلائق من العدم ، وأن هذه الدنيا دار ابتلاء ، ولن نلبث أن ننتقل منها إلى دار الجزاء ؛ أورثه ذلك الاجتهاد في إحسان العمل .
نسأل الله أن يبلغنا درجة المحسنين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد .

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 12 رجب 1442هـ/23-02-2021م, 08:36 PM
هيئة التصحيح 2 هيئة التصحيح 2 غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Oct 2012
المشاركات: 3,810
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أماني خليل مشاهدة المشاركة
رسالة في تفسير قول الله تعالى : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ).
قوله تعالى : ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) .
ففيه مسائل :

المسألة الأولى : ما معنى الموت والحياة ؟
المسألة الثانية : ما معنى ( الذي خلق الموت والحياة ) ؟
المسألة الثالثة : ما معنى ( أحسن عملا ) ؟
المسألة الرابعة : ما الحكمة من خلق الموت والحياة ؟
المسألة الخامسة : ما المقصد من الابتلاء ؟
المسألة السادسة : ما مناسبة اقتران اسم الله العزيز باسمه الغفور في الآية ؟

فأما جواب المسألة الأولى فالموت هو انقطاع تعلق الروح بالبدن ومفارقتها له .
والحياة تعلق الروح بالبدن واتصالها به ، فالحياة تعني خَلْقَه إنسانا ، وخَلْق الروح فيه .
وأما جواب المسألة الثانية : فمعنى ( خلق الموت والحياة ) أي : قدّر لعباده أن يحييهم ثم يميتهم . كما قال تعالى : ( كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا ) . [ البقرة ٢٨ ] . فسمى الحال الأول وهو العدم موتا، وسمى هذه النشأة حياة . ولهذا قال : ( ثم يميتكم ثم يحييكم ) [ البقرة ٢٨ ] .
وعن قتادة في قوله : ( الذي خلق الموت والحياة ) قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الله أذل بني آدم بالموت وجعل الدنيا دار حياة ثم دار موت ، وجعل الآخرة دار جزاء ثم دار بقاء " .
وأما جواب المسألة الثالثة : فمعنى ( أحسن عملا ) أي : أخلصه وأصوبه ، فإن الله خلق عباده وأخرجهم لهذه الدار وأخبرهم أنهم سينتقلون منها وأمرهم ونهاهم وابتلاهم بالشهوات المعارضة لأمره فمن انقاد لأمر الله وأحسن العمل ؛ أحسن الله له الجزاء في الدارين ، ومن مال مع شهوات النفس ، ونبذ أمر الله ، فله شر الجزاء .
وأما جواب المسألة الرابعة : فالحكمة من خلق الموت والحياة هو الابتلاء ، فأوجد سبحانه الخلائق من العدم ليبلوهم ويختبرهم أيهم أحسن عملا .
وأما جواب المسألة الخامسة : فالمقصد من الابتلاء هو ظهور كمال إحسان المحسنين .
وأما جواب المسألة السادسة : فالعزيز هو العظيم المنيع الجناب ، وهو مع ذلك غفور لمن تاب إليه وأناب بعد ما عصاه وخالف أمره ، وإن كان تعالى عزيزا هو مع ذلك يغفر ويرحم ويصفح ويتجاوز .
فمن تفكر في حكمة خلق الله للموت والحياة ، والحكمة من إيجاد الخلائق من العدم ، وأن هذه الدنيا دار ابتلاء ، ولن نلبث أن ننتقل منها إلى دار الجزاء ؛ أورثه ذلك الاجتهاد في إحسان العمل .
نسأل الله أن يبلغنا درجة المحسنين ، إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله على نبينا محمد .
بارك الله فيكِ، ولعل الأسلوب لم يتضح لديكِ جيدا، فقد أصبتِ بأن البداية تكون باستخلاص المسائل ، لكن ليس استخلاصا مجملا كما ذكرتِ، فالأولى أن تعتني بألفاظ الآية من بدايتها وتقفين على تفسيرها بأسلوب علمي، مع الحرص على الربط بين المسائل وحضور شخصيتك- أي ليس نقلاحرفيا عن التفاسير- .
- فاتتكِ الكثير من المسائل منها: أسباب النزول- إن وجدت-، مناسبة الآية للسياق، معنى اللام في (ليبلوكم)، معنى الابتلاء، المراد بــ أيكم، معنى العزيز، معنى الغفور، ثمّ إضافة ما ذكرتِ من المسائل.
- المقدمة مهمة في تهيئة القارئ.
- الترتيب الموضوعي للمسائل مهم جدا فمثلا:
مسألة: المقصد من الابتلاء تأخر على مسألة: معنى أحسن عملا، مع أنّ لفظة (ليبلوكم) أتت قي الآية قبل موضع (أحسن عملا)، وبالتالي ينبغي مراعاة الترتيب الموضوعي في المسألة.
- يفضل عدم عرض الرسالة بصورة سؤال وجواب، والأولى ذكر المسألة ثمّ الشروع بتفسيرها بأسلوبك بعد الاطلاع على أكثر من تفسير لأن في ذلك إثراء للمحتوى المقدّم للقارئ.
- لمزيد من البيان أحيلك إلى تطبيق زميلتك رولا بدوي لتصوّر المراد مع العناية بالملحوظات الموجّهة إليها.
- بإمكانك تصويب الرسالة.

الدرجة:ج

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:29 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir