سيرة عمر بن الخطاب رضي الله عنه (ت:23هـ)
هو عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب القرشي العدوي، أبو حفص، أمير المؤمنين، وثاني الخلفاء الراشدين، الملقَّب بالفاروق.
وهو الذي قالَ له رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "والذي نَفْسِي بيَدِهِ، ما لَقِيَكَ الشَّيْطانُ قَطُّ سالِكًا فَجًّا إلَّا سَلَكَ فَجًّا غيرَ فَجِّكَ".
أيَّد اللهُ به الإسلام، فقد كان لعُمرَ بنِ الخطَّابِ رضِيَ اللهُ عنه من البأس والقوة قبل الإسلام ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يطمع في إسلام أبي جهل أو عمر بن الخطاب، يروي عن عبدُ اللهِ بنُ عُمرَ رضِيَ اللهُ عنهما: "أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم قال: اللَّهمَّ أعِزَّ الإسلامَ"، أي: قَوِّه وانصُرْه رافعًا لشأنِه على الكفرِ، "بأحَبِّ هذَينِ الرَّجُلينِ إليكَ؛ بأبي جَهلٍ أو بعُمَرَ بنِ الخطَّابِ"، قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "وكان أحَبَّهما إليه عُمَرُ"، فأسلم قبل الهجرة بخمس سنين، فكان إسلامه عزًّا وقوة للمسلمين، وفرجًا من الضيق، ففي صحيحِ البخاريِّ: أنَّ عبدَ اللهِ بنَ مسعود رضِيَ اللهُ عنه قال: "ما زِلْنا أعِزَّةً منذ أسلَمَ عُمَرُ".
هاجر رضي الله عنه إلى المدينة، وشهد الكثير من المشاهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، ويوم وفاة أبي بكر الصديق رضي الله عنه بويع بالخلافة، ففتحت في عهده الأمصار وعم العدل البلاد.
وهو الصادق المحدث الملهم، فهو من أعلم وأفقه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، فعن عبد الله بن عمر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" بَينما أنا نائمٌ إذ أُتيتُ بقدحِ لبنٍ فشَرِبْتُ منهُ ، ثمَّ أعطَيتُ فضلي عمرَ بنَ الخطَّابِ ". قالوا : فما أوَّلتَهُ يا رسولَ اللَّهِ ؟ قالَ : "العِلمَ " رواه البخاري ، وقال عنه رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: "إنه كان فيما مضى قبلكم مِن الأمم محدَّثون، وإنه إنْ كان في أمتي منهم، فإنه عمر بن الخطاب" رواه البخاري، فكان في مواقف عدة يأتي رأيه موافقا للوحي ، فقد روى أنس رضي الله عنه، قال: قال عمر: "وافقتُ ربي في ثلاث: فقلتُ: يا رسول الله، لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلًّي، فنزلت: ﴿ وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى ﴾ [البقرة: 125]، وآية الحجاب، قلتُ: يا رسول الله لو أمَرْتَ نساءك أن يحتجبن، فإنه يكلمهنَّ البَرُّ والفاجر، فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساءُ النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في الغيرة عليه، فقلتُ لهن: ﴿ عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ﴾ [التحريم: 5]، فنزلت الآية".
ومن أقواله رضي الله عنه: "حاسبوا أنفسَكم قبل أن تُحاسَبوا، فإنه أيسَر، وزِنُوا أنفسَكم قبل أن توزنوا، وتجهَّزوا للعرض الأكبر يوم تُعرضون لا تخفى منكم خافية" ، وهذا من سعة علمه وفقهه رضي الله عنه.
وفي صحيح البخاري أيضاً من حديث ابن عباس، عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهم، أنه قال: "لما مات عبد الله بن أبي ابن سلول، دعي له رسول الله صلى الله عليه وسلم ليصلي عليه، فلما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم وثبت إليه، فقلت: يا رسول الله، أتصلي على ابن أبي وقد قال يوم كذا وكذا: كذا وكذا؟ أعدد عليه قوله، فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «أخر عني يا عمر» فلما أكثرت عليه، قال: «إني خيرت فاخترت، لو أعلم أني إن زدت على السبعين يغفر له لزدت عليها» قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم انصرف، فلم يمكث إلا يسيرا، حتى نزلت الآيتان من براءة: {ولا تصل على أحد منهم مات أبدا} إلى قوله {وهم فاسقون}".
قال: "فعجبت بعد من جرأتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ، والله ورسوله أعلم".
ومن أمثلة علمه بالتفسير كما جاء في كتاب الهداية الى بلوغ النهاية [مكي بن أبي طالب] :
قوله في آية المائدة الآية 38:
قال تعالى:" وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِّنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ".
ولا يقطع السارق حتى يسرق من حرز وما أشبه الحرز، وهو قول أهل المدينة: مالك وأصحابه. وقد قطع النبي صلى الله عليه وسلم في مجن / قيمته ثلاثة دراهم، وهو قول عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب وعائشة رضي الله عنهم.
وفي آية سورة النور آية 4:
قال تعالى:" وَلاَ تَقْبَلُواْ لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً".
فإذا تاب قبلت شهادته وهو مذهب أكثر الفقهاء منهم: الشعبي، والزهري، وأبو الزناد، ومالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وأبو عبيد، وهو قول عمر بن الخطاب، وابن أبي طلحة عن ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وطاوس، وبه قال عمر بن عبد العزيز، وعبد الله بن عتبة، وابن المسيب.
وفي تفسير الطبري :
في آية النساء 92
قال تعالى:" وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً ۚ وَمَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ إِلَّا أَن يَصَّدَّقُوا ۚ فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ وَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَىٰ أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِّنَ اللَّهِ ۗ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ".
في قوله تعالى: {فَإِن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ} أن يكون المقتول من أهل الذمة لأن الله سبحانه وتعالى لم يقل: " وهو مؤمن " كما قال في الأول وقد قال جماعة: إن دية الذمي والمسلم سواء، وهو قول عمر بن الخطاب وعثمان وابن مسعود ومعاوية. وقال عمر بن عبد العزيز وعروة بن الزبير: دية الكتابي نصف دية المسلم، وبه قال عطاء وابن المسيب والحكم وعكرمة، وهو قول الشافعي.
وفي سورة البقرة القول في تأويل قوله تعالى:
"وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم"، اختلف أهل التأويل في معنى قول الله تعالى ذكره وإن عزموا الطلاق فقال بعضهم: معنى ذلك: للذين يؤلون أن يعتزلوا من نسائهم تربص أربعة أشهر، فإن فاءوا فرجعوا إلى ما أوجب الله لهن من العشرة ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ سَهْلٍ، قَالَ: ثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: ثني مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ، وَأَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ هِشَامٍ مِثْلَ ذَلِكَ. يَعْنِي مِثْلَ قَوْلِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي الْإِيلَاءِ: لَا شَيْءَ عَلَيْهِ، حَتَّى يُوقَفَ، فَيُطَلِّقَ، أَوْ يُمْسِكَ.
ومن تفسير بن أبي حاتم الأصيل – مخرجا:
سورة الأعراف قوله تعالى: "واصبروا" ، حَدَّثَنَا أَبِي، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ حَمْزَةَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، ثنا إِسْحَاقُ بْنُ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي سِنَانٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: " الصَّبْرُ صَبْرَانِ: صَبْرٌ عِنْدَ الْمُصِيبَةِ حَسَنٌ وَأَفْضَلُ مِنْهُ، الصَّبْرُ عَنْ مَحَارِمِ اللَّهِ " وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ نَحْو قَوْلِ عُمَرَ.
وروى عنه في التفسير من الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وطبقاتهم أربعة هي:
الطبقة الأولى: طبقة الصحابة رضي الله عنهم، ومنهم: علي بن أبي طالب، وابن مسعود، وأبو هريرة، وعبد الله بن عمر، وأنس بن مالك، وابن عباس، وفضالة بن عبيد، والنعمان بن بشير، وطارق بن شهاب.
والطبقة الثانية: طبقة كبار التابعين الذين أدركوه وسمعوا منه، ومنهم: قيس بن أبي حازم، وعلقمة بن وقاص الليثي، ومولاه أسلم العدوي، وعمرو بن ميمون الأودي، وشريح القاضي، وزر بن حبيش، وأبو ميسرة عمرو بن شراحيل الهمداني، ومعدان بن أبي طلحة اليعمري، وأبو عثمان النهدي، وعبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة، وحسان بن فائد العبسي، وجماعة كثيرون.
والطبقة الثالثة: طبقة كبار التابعين الذين في سماعهم منه خلاف، ومنهم: سعيد بن المسيب، وعبيدة بن عمرو السلماني، وعبد الرحمن بن أبي ليلى.
والطبقة الرابعة: طبقة التابعين الذين لهم رواية عنه لكنها منقطعة إما أنهم لم يدركوه أو أدركوه لكن لم يسمعوا منه، ومنهم: يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب، ومرة بن شراحيل الهمداني، وعامر الشعبي، وأبو عبد الرحمن السلمي، وزيد بن أسلم، والحسن البصري، ومجاهد بن جبر، وعكرمة مولى بن عباس، وسعيد بن جبير؛ ومسلم بن يسار، فهؤلاء روايته عنه مرسلة.
وكان رضي الله عنه يتمنى الشهادة ويُكثِر مِن قول: (اللهم ارزقني شهادةً في سبيلك، واجعل موتي في بلد رسولك رضي الله عنه)؛ رواه البخاري، فاستجاب الله دعاءه، ونال الشهادة وهو في المدينة، فاستشهد رضي الله عنه على يد أبي لؤلؤة المجوسي غلام المغيرة بن شعبة عليه من الله ما يستحق، قتله وهو في صلاة الصبح سنة ثلاث وعشرين من الهجرة.
الفوائد التي تم الاستفادة بها من هذا البحث:
- استشعار نعمة القرىن الكريم ، ونعمة فهم الآيات والعمل بها.
- معرفة فضل عمر بن الخظاب رضي الله عنه.
- معرفة فضل الصحابة رضي الله عنهم أجمعين.
- معرفة فضل العلم والتفقه في الدين.
- معرفة أهمية الدعاء فقد كان إسلام عمر إستحابة الله لدعاء النبي صلى الله عليه وسلم.
- معرفة الفرق بين القوة والبأس قبل وبعد إسلام عمر رضي الله عنه.
- معرفة أهمية القوة في الحق وأن المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير.
والله أعلم
والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
تم الاستعانة بالمكتبة الشاملة في البحث.
جزاكم الله خير وعذرا على أي تقصير .