المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فداء حسين
خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:
1: قول عائشة رضي الله عنها في لغو اليمين: (هو لا والله، وبلى والله، ما يتراجع به الناس).
تخريج الأثر:
[
رواه البخاري عن محمد بن المثنى عن يحيى، عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها. [رواه بنفس اللفظ الوارد في رأس السؤال ابن جرير الطبري من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وحبذا لو جمعتِ بقية الطرق مع بيان اختلاف اللفظ فبعضها يفيدكِ في التحرير.
وهذه الرواية رويت عن عائشة رضي الله عنها من طرق عدة فاتكِ ذكرها]
ورواه الطبري وأبو داود مرفوعا عن محمد بن موسى الحرشي عن حسان بن إبراهيم الكرماني عن إبراهيم الصائغ، عن عطاء عنها ترفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
ثُمَّ قَالَ أبو داود: (رَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا. وَرَوَاهُ الزهري، وعبد الملك، ومالك بن مِعْول، كُلُّهُمْ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، مَوْقُوفًا أَيْضًا).
قال ابن كثيرعنه: (وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، مَوْقُوفًا).
المسألة التفسيرية:
المراد باللغو:
نورد ما جاء فيها من اقوال:
القول الأول: ما جاء عن عائشة-رضي الله عنها- في أن المراد منه:(لا والله، وبلى والله، ما يتراجع به الناس), ومثله قول من قال هي كل يمين وصَل الرجل بها كلامه، على غير قصدٍ إيجابَها على نفسه, أي ذكرها عرضا في معرض حديثه ولم يقصد بها عقد اليمين.
وهو قول الشعبي وعامر وأبي قلابة وأبي صالح وعكرمة ومجاهد.
القول الثاني: المراد ب(اللغو) اليمين التي يحلفُ بها الحالف وهو يرى أنه كما يحلف عليه، ثم يتبين له خلاف الذي حلف عليه.
وهو قول أبي هريرة وابن عباس وسليمان بن يساروالحسن وأبي نجيح ومجاهد وقتادة وزرارة بن أوفى والسدي ومكحول وغيرهم.
القول الثالث: إن المراد بها ما يحلف به من الأيمان ساعة الغضب دون عقد القلب عليها.
استدل من قال بهذا القول بما رواه ابن العباس عن النبي عليه الصلاة والسلام:(لا يمين في غضب) وقد لين إسناد هذا الحديث ابن القيم في أعلام الموقعين.
وهو قول لابن عباس وطاوس.
وللغضب مراتب: فإن كان في بداية الغضب فهذا عليه الكفارة إذ لم يغلق عليه الأمر بعد, أما إذا وصل إلى مرحلة الغضب الشديد بحيث ينسى ما تلفظ به أثناء غضبه : فهذا لا حكم ليمينه, كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام:(لا طلاق في إغلاق), واليمين من باب أولى.
القول الرابع: إن المراد به هو الحلف على فعل ما نهى الله عنه وترك ما أمر الله به.
قاله ابن عباس ومسروق وسعيد ابن جبير وسعيد بن المسيب وأبو بكر وعروة بن الزبير.
وهذا القول ضعيف لا يصح, لأن هذه اليمين منعقدة وفيها الكفارة, ويقال لصاحبها: لا تفعل وكفر عن يمينك, والكفارة نوع مؤاخذة على ما بدر منه, فلا تدخل في اللغو الذي رفع الله عنه المؤاخذة مطلقا, وقد قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث المتفق عليه:(ذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها، فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير).
القول الخامس: هي ما كان من دعاء الحالف على نفسه إن لم يفعل كذا وكذا.
قاله زيد بن أسلم.
وهذا القول ضعيف أيضا لأن دعاء العبد على نفسه منهي عنه كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم:(لَا يَدْعُوَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى نَفْسِهِ فَرُبَّمَا صَادَفَ سَاعَةً لَا يَسْأَلُ اللَّهَ أَحَدٌ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ), كما إن الكفارة تلزمه بيمينه هذه.
القول السادس: المراد ب(اللغو) كل يمين فيها كفارة.
قاله ابن عباس والضحاك.
وهذا القول ضعيف لأن الله -سبحانه- رفع المؤاخذة هن يمين اللغو, والكفارة نوع مؤاخذة.
القول السابع: هو ما حنث فيه الحالف ناسيا.
قاله إبراهيم النخعي.
وهذا لا يدخل في اللغو لأن الكلام عن اليمين ذاتها لا عن الحنث أوالبر باليمين, والناسي يمينه منعقدة فليست بلغو.
القول الثامن: ذكر عن ابن عبد البر قوله بأن المراد يمين المكره.
ويمين المكره لا تنعقد لافتقاره إلى قصد القلب, وقد استثنى الله كفر المكره في قوله:(إلا من أكره وقلبه مظمئن بالإيمان) فلإن تنعقد يمين المكره من باب أولى.
الراجح:
قال تعالى في الآية:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } وقال في الآية الأخرى مبينا المراد بقوله:{بما كسبت قلوبكم} فقال:{لَا یُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِیۤ أَیۡمَـٰنِكُمۡ وَلَـٰكِن یُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَیۡمَـٰنَ} فبين سبحانه بأن الأيمان إما يمين لغو أو يمين منعقدة عن قصد ونية:
فأما يمين اللغو فقد نفى سبحانه فيها الإثم أو الكفارة, أما الثانية فأوجب فيها الكفارة, أما الإثم فيكون بحسب المحلوف عليه وما قام في القلب من القصد والنية.
فإن كان كذلك فهذا ينطبق على القول الأول وهو قول عائشة-رضي الله عنها- وما في معناه, فاليمين يجري على اللسان دون قصد ولا نية تسبقه في القلب, فيكون كسبق اللسان بسبب كثرة اعتياد الناس له, وقد ينطبق على القول الثاني فقد قال النحاس:(لأن الحالف إذا حلف على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه فلم يقصده إلى غير ما حلف عليه فيحلف على ضده واليمينان لغو والله أعلم).
وقد نهى الله العباد عن كثرة الحلف فقال:{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُم} وهذا هو المناسب لمقام تعظيم الله-سبحانه- في القلوب.
[أحسنتِ، بارك الله فيكِ، وحبذا لو استفدتِ كذلك من معنى اللغو "لغة" في تحريرك]
2: قول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى: {ومهيمنا عليه} قال: (مؤتمناً عليه).
تخريج الأثر:
رواه الطبري بطرق عن التميمي عن ابن عباس.
ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سَعِيدٍ الأشَجُّ، عن وكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، وإسْماعِيلَ، عَنْ أبِي إسْحاقَ، عَنِ التَّمِيمِيّ عنه.
ورواه سعيد بن منصور عن سعيد، عن خديج بن معاوية عن أبي إسحاق عن رجل من بني تميم عنه.
المسألة التفسيرية:
المراد بقوله:{ومهيمنا}: [معنى]
نذكر ما جاء فيها من اقوال:
القول الأول: مؤتمنا, قاله ابن عباس وعكرمة والحسين وسعيد بن جبير والبخاري حيث قال : المهيمن: «الأمين، القرآن أمينٌ على كلّ كتابٍ قبله».
القول الثاني: شهيدا, قاله ابن عباس والسدي عكرمة.
القول الثالث: مصدقا, قاله ابن زيد.
القول الرابع: المراد بالمهيمن هو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمن على القرآن, قاله مجاهد.
وقد رد الطبري هذا القول فقال:(وهذا التّأويل بعيدٌ من المفهوم في كلام العرب، بل هو خطأٌ، وذلك أنّ المهيمن عطفٌ على المصدّق، فلا يكون إلاّ من صفة ما كان المصدّق صفةً له...).
ووجه ابن عطية تفسير مجاهد بقوله:(ومُجاهِدٌ - رَحِمَهُ اللهُ - إنَّما يَقْرَأُ هو وابْنُ مُحَيْصِنٍ: "مُهَيْمَنًا عَلَيْهِ"؛ بِفَتْحِ المِيمِ الثانِيَةِ؛ فَهو بِناءُ اسْمِ المَفْعُولِ؛ وهو حالٌ مِنَ الكِتابِ؛ مَعْطُوفَةٌ عَلى قَوْلِهِ: "مُصَدِّقًا"؛ وعَلى هَذا يُتَّجَهُ أنَّ المُؤْتَمَنَ عَلَيْهِ هو مُحَمَّدٌ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ و"عَلَيْهِ"؛ في مَوْضِعِ رَفْعٍ؛ عَلى تَقْدِيرِ أنَّها مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ؛ هَذا عَلى قِراءَةِ مُجاهِدٍ ).
الراجح:
لا تعارض بين الأقوال الثلاثة:
القرآن مسيطر وحاكم وناسخ لما سبق من الكتب, لذلك أمر الله نبيه بعدها بأن يحكم بالقرآن بينهم فقال: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾.
وهو الشاهد على ما سبق من الكتب, يشهد على ما فيها من حق ويصححه , قال تعالى:{قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } ويشهد على ما حصل فيها من تبديل وتحريف فيبينه ويبطله, قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
فهو شاهد ومصدق ومؤتمن وأمين ومهيمن.
فلا يجوز الرجوع والتحاكم إلا إليه, ولا يجوز العمل إلا بما جاء فيه من أحكام, قال تعالى:﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾
[أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ، ولكن فاتكِ بعض الأقوال منها " سيدًا " وشديدًا " و " القائم على الشيء" وهذه المسألة تفسيرية لغوية ترجع إلى معرفة معنى مفردة، فيحسن رجوعك لكتب أهل اللغة، والاستفادة من الخلاف في اشتقاق كلمة "]
3: قول عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما في تفسير قول الله {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} قال: «سبيل الخلاء والبول»
تخريج الأثر:
أخرجه الطبري بطرق عن محمد بن المرتفع عنه.
رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي علي الروذباري عن إسماعيل بن محمد الصفار عن عباس بن محمد عن عبيد الله بن موسى، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن محمد بن المرتفع عنه .
[لم لا تختصرين التخريج بذكر أصل الإسناد؟
وهذا الأثر رواه عبد الرزاق أيضًا ولكن بلفظ " الغائط والبول"]
المسألة التفسيرية:
المراد بقوله:{وفي أنقسكم}:
نذكر ما جاء في الآية من أقوال أخرى:
القول الأول: المراد تسوية الله تبارك وتعالى لمفاصل الأبدان وخلق الجوارح كالقلب والسمع والبصر . قاله ابن زيد, وقرأ عند تفسيره لهذه الآية قوله تعالى:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾, وقاله ابن أبي زمنين.
القول الثاني: المراد به اختلاف الألسن والصور والألوان والطباع. قاله عطاء عن ابن عباس. ذكره البغوي.
الراجح:
لفظ الاية عام, فليس فيه تخصيص لشيء دون شيء, فيدخل في معنى الآية جميع صنع الله وخلقه للإنسان, بدء من خلق آدم-عليه السلام- من تراب, ونفخ الروح فيه, وتعليمه أسماء كل شيء, ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين, فخلقه من نطفة ثم من مضغة ثم من علقة ليصير طفلا يتدرج في النمو ويكتسب المهارات والعلم, مع ما أودعه الله فيه من علوم ضرورية لا تقوم حياته إلا بها, كما قال تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ}.
ويدخل في هذا تركيب خلقه: من جوارح خارجية أو داخلية لا ترى بالعين وهي مع ذلك تعمل دون فعل منا أو جهد, كما قال تعالى:{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ}.
ويدخل في ذلك اختلاف الألسن والألوان والصور والطبائع كما قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ}.
ويدخل في ذلك قول ابن الزبير -ولعله نبه عليه لخفاء هذه النعمة على الكثيرين- فلو حبس البول في جسم الإنسان لما استطاع أن يخرجه, ومثله الغائط, ولتسبب له من الأذى والألم ما الله به عليم.
(وقد ذكر ابن كثير في البداية النهاية أن ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﻙ دخل ﻋﻠﻰ ﻫﺎﺭﻭﻥ ﺍﻟﺮﺷﻴﺪ ﻳﻮﻣﺎ ، ﻓﺎﺳﺘﺴﻘﻰ ﺍﻟﺮﺷﻴﺪ ﻓﺄﺗﻲ ﺑﻘﻠﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎﺀ ﻣﺒﺮﺩ ﻓﻘﺎﻝ ﻻﺑﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﻙ : ﻋﻈﻨﻲ .
ﻓﻘﺎﻝ : ﻳﺎ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ! ﺑﻜﻢ ﻛﻨﺖ ﻣﺸﺘﺮﻳﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﺑﺔ ﻟﻮ ﻣﻨﻌﺘﻬﺎ؟
ﻓﻘﺎﻝ : ﺑﻨﺼﻒ ﻣﻠﻜﻲ .
ﻓﻘﺎﻝ : ﺍﺷﺮﺏ ﻫﻨﻴﺌﺎ، ﻓﻠﻤﺎ ﺷﺮﺏ ﻗﺎﻝ : ﺃﺭﺃﻳﺖ ﻟﻮ ﻣﻨﻌﺖ ﺧﺮﻭﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﺪﻧﻚ ﺑﻜﻢ ﻛﻨﺖ ﺗﺸﺘﺮﻱ ﺫﻟﻚ ؟ ﻗﺎﻝ ﺑﻨﺼﻒ ﻣﻠﻜﻲ ﺍﻵﺧﺮ .
ﻓﻘﺎﻝ : ﺇﻥ ﻣﻠﻜﺎ ﻗﻴﻤﺔ ﻧﺼﻔﻪ ﺷﺮﺑﺔ ﻣﺎﺀ، ﻭﻗﻴﻤﺔ ﻧﺼﻔﻪ ﺍﻵﺧﺮ ﺑﻮﻟﺔ، ﻟﺨﻠﻴﻖ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺘﻨﺎﻓﺲ ﻓﻴﻪ !!
ﻓﺒﻜﻰ ﻫﺎﺭﻭﻥ).
وجميع هذه النعم الظاهرة والباطنة, المعلوم منها والمجهول تدل على وحدانية الله، وأنه لا إله إلا هو, فلا أحد قادر على خلق مثل هذا الخلق, بل الكل عاجز عن خلق ذبابة ولو اجتمعوا له, لذلك ختم الله-سبحانه-الآية بقوله:﴿أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ ففيه دعوة للتفكر والاعتبار المثمر للهداية والإيمان ولصلاح القلب وقوة البصيرة.
4: قول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في المراد بالصراط المستقيم قال: (الإسلام).
تخريج الأثر:
أخرجه الطبري عن محمود بن خِدَاشِ الطالَقاني، عن حُميد بن عبد الرحمن الرُّؤاسِي، عن علي والحسن ابنا صالح جميعًا، عن عبد الله بن محمد بن عَقِيل، عنه.
[نفس الملحوظة، التخريج ينقصه مصادرأخرى، ونذكر أصل الإسناد ومخرج الأثر]
المسألة التفسيرية:
المراد ب(الصراط المستقيم):
وردت أقوال أخرى في المراد منه وهي:
القول الأول: هو القرآن. قاله علي بن أبي طالب وابن مسعود
القول الثاني: هو رسول الله ﷺ، وصاحباه من بعدِه أبو بكر وعمر. قاله أبو العالية والحسن
القول الثالث: هو الحق. قاله مجاهد.
الراجح:
جميع هَذِهِ الْأَقْوَالِ صحيحة ومتلازمة لا ينفك قول عن قول, وقول مجاهد هو أعمها يدخل فيه جميع القوال.
قال ابن كثير:( وَهِيَ مُتَلَازِمَةٌ، فَإِنَّ مَنِ اتَّبَعَ النَّبِيَّ ﷺ، وَاقْتَدَى بِاللَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَدِ اتَّبَعَ الْحَقَّ، وَمَنِ اتَّبَعَ الْحَقَّ فَقَدِ اتَّبَعَ الْإِسْلَامَ، وَمَنِ اتَّبَعَ الْإِسْلَامَ فَقَدِ اتَّبَعَ الْقُرْآنَ، وَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ وَحَبْلُهُ الْمَتِينُ، وَصِرَاطُهُ الْمُسْتَقِيمُ، فَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ).
وقد جاء في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي: حديث النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمً، وَعَلَى جَنْبَتَي الصِّرَاطِ سُورَانِ، فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الابْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ، يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلا تَتَفَرَّجُو، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الابْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، وَالصِّرَاطُ الاسْلامُ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالابْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ).
فقد بعث الله-سبحانه- النبي- عليه الصلاة والسلام- ليدل الناس على الصراط المستقيم الموصل إلى رضوان الله وجناته, قال تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}, وهذا الطريق هو دين الإسلام, فمن ابتغى غيره ضل وهلك, لذلك قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث:(والصراط الإسلام), والسالك لهذا الطريق يحتاج إلى نور يهتدي به, نور يميز به بين الحق والباطل, ويحتاج إلى ما يبين له مسالك الدرب وقطاع الطرق, ويبين له ما عليه عمله وما عليه تركه لينجو, لذلك كان الداعي على جنبتي الصراط هو القرآن, فهوكلام الله, وهو سبيل النجاة, وقد جاء في من قول علي عن القرآن:(وهو الصراط المستقيم).
فالسالك إذا سار على الصراط بهداية القرآن لن يلتفت إلى ما يحيط به من معوقات وقطاع ظرق, وحصلت له النجاة بذلك.
فهذه الأمور بمجمعها هي الصراط المستقيم, الطريق الواضح المستقيم الذي يوصل إلى الله ورضوانه.
5: قول أنس بن مالك رضي الله عنه في تفسير قول الله تعالى: {كشجرة خبيثة} قال: (الحنظل).
تخريج الأثر:
رواه الطبري بطرق متعددة عن أنس, من طريق معاوية بن قرة, ومن طريق شعيب بن حباب, وغيره.
أخرجه الترمذي عن أحمد بن عبدة الضبي عن حماد بن زيد عن شعيب بن الحبحاب عن أنس .
وأخرجه الترمذي مرفوعا عن عبد بن حميد عن أبي الوليد عن حماد بن سلمة عن شعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلق عليه بقوله:(حدثنا قتيبة حدثنا أبو بكر بن شعيب بن الحبحاب عن أبيه عن أنس بن مالك نحوه بمعناه ولم يرفعه ولم يذكر قول أبي العالية وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة وروى غير واحد مثل هذا موقوفا ولا نعلم أحدا رفعه غير حماد بن سلمة ورواه معمر و حماد بن زيد وغير واحد ولم يرفعوه).
[مخرج هذا الأثر هو شعيب بن الحبحاب، ولوجود اختلاف بين رفعه للنبي صلى الله عليه وسلم ووقفه على أنس بن مالك رضي الله عنه، ننظر فيمن روى عن شعيب، لنجد أنه لم يرفع للنبي صلى الله عليه وسلم إلا من رواية حماد بن سلمة عن شعيب عن أنس
حينئذ ينظر المحققون في حال حماد وحال روايته عن شعيب للحكم على الأثر]
المسألة التفسيرية:
المراد ب(كشجرة خبيثة):
نورد ما ورد من أقوال أخرى في بيان المراد منها:
القول الأول: إن المراد منها شجرة لم تخلق بعد. قاله ابن عباس.
وهذا لأن الآيات لم تعين شجرة بعينها.
القول الثانِي: المراد بها الكافِرُ. قاله ابن عباس والربيع بن أنس والضحاك.
[استخراج هذا القول خاطئ، لأنهم أرادو بيان " المشبه " وهو الكافر، والمشبه به هو " الشجرة الخبيثة "، والمسألة التي نحن بصدد بحثها هي في المراد بالشجرة الخبيثة، وليس في معنى المثل وأركانه]
القول الثالث: أنَّها الكَشُوث وهي العشقة. نسبه ابن الجوزي لابن عباس. وقاله الزجاج, وذكره البغوي.
وجاء في لسان العرب: (نبات مجتث مقطوع الأصل. وقيل: لا أصل له، وهو أصغر يتعلق بأطراف الشوك وغيره.
وقال الجوهري هو: نبت يتعلق بأغصان الشجر من غير أن يضرب بعرق في الأرض ... ".
أما العَشَقَةُ: فهي شجرة تخضر ثم تدق وتصفر، وهي عند المولدين: اللَّبْلاب، وجمعها العَشَق).
وهذا النوع من الأشجار ينطبق وصفه على ما جاء في الآية من حيث مسارعة الناس إلى اقتلاعه بالكلية من جذوره, فلا يتركونه يلتفت على الأشجار فيقتلها.
القول الرابع: المراد به الثوم. نسبه ابن الجوزي لابن عباس. ذكره البغوي.
ولعل هذا القول يرجع إلى قوله -عليه الصلاة والسلام -في الثوم:...(من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا، فلا يقربنا في المسجد...) لكنه عليه الصلاة والسلام- علل خبثها برائحتها الكريهة فقال:(...ولكنها شجرة أكره ريحها...), ولعله لا يدخل فيما جاء من وصف هذه الشجرة في الآية من حيث عدم الثبات والقرار في الأرض, كما إن فوائد الثوم كثيرة.
الراجح:
لا تعارض بين الأقوال, فلفظ الآية عامة فيدخل فيه ما انطبق عليه هذا الوصف من النباتات من حيث عدم ثبات جذوره في الأرض, وسهولة اقتلاعه والتخلص منه, فهو كما بينت الآية من النباتات الضارة التي لا فائدة ترجى منها, بل على العكس تجلب المضرة لما يحيط بها من نباتات إن هي التفت عليه, أو كان ثمرها مر (كالحنظل) فيضر من انخدع بشكله وأكله, وصفة عدم القرار منطبقة على الحنظل: فهو من النباتات التي يسهل اجتثاثها والتخلص منها لما فيها من أذى.
فهنا الخلاف في تعيين النبات الذي وقع التشبيه عليه, فهو من باب التفسير بالمثال ولا يعني هذا القصر على صنف منها, فيدخل فيه كل نبات مؤذي, وخبيث سواء في ذاته أو ثمره
وقول من قال بأنه (الكافر أو الكفر) فهذا تفسير المثل بذكر المشبه, [إذا هو غير مقصود بالمسألة المراد بحثها كما وضحتُ لكِ أعلاه] فالكافر لا يرفع له عمل, بل أعماله-وإن حسبها حسنة- فهي حابطة, فلا هو انتفع بها في الدنيا فزادت في إيمانه وثباته, ولا هي نافعته في الآخرة ومانعة عنه العذاب, قال تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} وقال:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} فأثبت لهم صنيعا وأثبت لهم سعيا واثبت لهم عملا, لكن لما لم يكن على مراد الله كان كأن لم يكن بسبب خبث الكفر وأهله, فهان زواله.
|