دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > مجموعة المتابعة الذاتية > منتدى المستوى الثامن

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 27 ربيع الأول 1441هـ/24-11-2019م, 09:09 PM
هيئة الإشراف هيئة الإشراف متواجد حالياً
معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,809
افتراضي مجلس أداء التطبيق الثاني من تطبيقات مهارات التخريج

التطبيق الثاني من تطبيقات مهارات التخريج


خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:

1: قول عائشة رضي الله عنها في لغو اليمين: (هو لا والله، وبلى والله، ما يتراجع به الناس).


2: قول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى: {ومهيمنا عليه} قال: (مؤتمناً عليه).

3: قول عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما في تفسير قول الله {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} قال: «سبيل الخلاء والبول»

4: قول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في المراد بالصراط المستقيم قال: (الإسلام).

5: قول أنس بن مالك رضي الله عنه في تفسير قول الله تعالى: {كشجرة خبيثة} قال: (الحنظل).



تعليمات:
- لا يطلع الطالب على أجوبة زملائه حتى يضع إجابته.
- تبدأ مهلة الإجابة من اليوم إلى الساعة السادسة صباحاً من يوم الأحد القادم، والطالب الذي يتأخر عن الموعد المحدد يستحق خصم التأخر في أداء الواجب.

تقويم أداء الطالب في مجالس المذاكرة:
أ+ = 5 / 5
أ = 4.5 / 5
ب+ = 4.25 / 5
ب = 4 / 5
ج+ = 3.75 / 5
ج = 3.5 / 5
د+ = 3.25 / 5
د = 3
هـ = أقل من 3 ، وتلزم الإعادة.

معايير التقويم:
1: صحة الإجابة [ بأن تكون الإجابة صحيحة غير خاطئة ]
2: اكتمال الجواب. [ بأن يكون الجواب وافيا تاما غير ناقص]
3: حسن الصياغة. [ بأن يكون الجواب بأسلوب صحيح حسن سالم من ركاكة العبارات وضعف الإنشاء، وأن يكون من تعبير الطالب لا بالنسخ واللصق المجرد]
4: سلامة الإجابة من الأخطاء الإملائية.
5: العناية بعلامات الترقيم وحسن العرض.

نشر التقويم:
- يُنشر تقويم أداء الطلاب في جدول المتابعة بالرموز المبيّنة لمستوى أداء الطلاب.
- تكتب هيئة التصحيح تعليقاً عامّا على أجوبة الطلاب يبيّن جوانب الإجادة والتقصير فيها.
- نوصي الطلاب بالاطلاع على أجوبة المتقنين من زملائهم بعد نشر التقويم ليستفيدوا من طريقتهم وجوانب الإحسان لديهم.


_________________
وفقكم الله وسدد خطاكم ونفع بكم

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 3 ربيع الثاني 1441هـ/30-11-2019م, 11:30 PM
فداء حسين فداء حسين غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - مستوى الإمتياز
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 955
افتراضي

خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:

1: قول عائشة رضي الله عنها في لغو اليمين: (هو لا والله، وبلى والله، ما يتراجع به الناس).

تخريج الأثر:
رواه البخاري عن محمد بن المثنى عن يحيى، عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها.
ورواه الطبري وأبو داود مرفوعا عن محمد بن موسى الحرشي عن حسان بن إبراهيم الكرماني عن إبراهيم الصائغ، عن عطاء عنها ترفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
ثُمَّ قَالَ أبو داود: (رَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا. وَرَوَاهُ الزهري، وعبد الملك، ومالك بن مِعْول، كُلُّهُمْ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، مَوْقُوفًا أَيْضًا).
قال ابن كثيرعنه: (وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، مَوْقُوفًا).

المسألة التفسيرية:
المراد باللغو:
نورد ما جاء فيها من اقوال:
القول الأول: ما جاء عن عائشة-رضي الله عنها- في أن المراد منه:(لا والله، وبلى والله، ما يتراجع به الناس), ومثله قول من قال هي كل يمين وصَل الرجل بها كلامه، على غير قصدٍ إيجابَها على نفسه, أي ذكرها عرضا في معرض حديثه ولم يقصد بها عقد اليمين.
وهو قول الشعبي وعامر وأبي قلابة وأبي صالح وعكرمة ومجاهد.

القول الثاني: المراد ب(اللغو) اليمين التي يحلفُ بها الحالف وهو يرى أنه كما يحلف عليه، ثم يتبين له خلاف الذي حلف عليه.
وهو قول أبي هريرة وابن عباس وسليمان بن يساروالحسن وأبي نجيح ومجاهد وقتادة وزرارة بن أوفى والسدي ومكحول وغيرهم.

القول الثالث: إن المراد بها ما يحلف به من الأيمان ساعة الغضب دون عقد القلب عليها.
استدل من قال بهذا القول بما رواه ابن العباس عن النبي عليه الصلاة والسلام:(لا يمين في غضب) وقد لين إسناد هذا الحديث ابن القيم في أعلام الموقعين.
وهو قول لابن عباس وطاوس.
وللغضب مراتب: فإن كان في بداية الغضب فهذا عليه الكفارة إذ لم يغلق عليه الأمر بعد, أما إذا وصل إلى مرحلة الغضب الشديد بحيث ينسى ما تلفظ به أثناء غضبه : فهذا لا حكم ليمينه, كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام:(لا طلاق في إغلاق), واليمين من باب أولى.

القول الرابع: إن المراد به هو الحلف على فعل ما نهى الله عنه وترك ما أمر الله به.
قاله ابن عباس ومسروق وسعيد ابن جبير وسعيد بن المسيب وأبو بكر وعروة بن الزبير.
وهذا القول ضعيف لا يصح, لأن هذه اليمين منعقدة وفيها الكفارة, ويقال لصاحبها: لا تفعل وكفر عن يمينك, والكفارة نوع مؤاخذة على ما بدر منه, فلا تدخل في اللغو الذي رفع الله عنه المؤاخذة مطلقا, وقد قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث المتفق عليه:(ذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها، فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير).

القول الخامس: هي ما كان من دعاء الحالف على نفسه إن لم يفعل كذا وكذا.
قاله زيد بن أسلم.
وهذا القول ضعيف أيضا لأن دعاء العبد على نفسه منهي عنه كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم:(لَا يَدْعُوَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى نَفْسِهِ فَرُبَّمَا صَادَفَ سَاعَةً لَا يَسْأَلُ اللَّهَ أَحَدٌ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ), كما إن الكفارة تلزمه بيمينه هذه.

القول السادس: المراد ب(اللغو) كل يمين فيها كفارة.
قاله ابن عباس والضحاك.
وهذا القول ضعيف لأن الله -سبحانه- رفع المؤاخذة هن يمين اللغو, والكفارة نوع مؤاخذة.

القول السابع: هو ما حنث فيه الحالف ناسيا.
قاله إبراهيم النخعي.
وهذا لا يدخل في اللغو لأن الكلام عن اليمين ذاتها لا عن الحنث أوالبر باليمين, والناسي يمينه منعقدة فليست بلغو.

القول الثامن: ذكر عن ابن عبد البر قوله بأن المراد يمين المكره.
ويمين المكره لا تنعقد لافتقاره إلى قصد القلب, وقد استثنى الله كفر المكره في قوله:(إلا من أكره وقلبه مظمئن بالإيمان) فلإن تنعقد يمين المكره من باب أولى.

الراجح:
قال تعالى في الآية:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } وقال في الآية الأخرى مبينا المراد بقوله:{بما كسبت قلوبكم} فقال:{لَا یُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِیۤ أَیۡمَـٰنِكُمۡ وَلَـٰكِن یُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَیۡمَـٰنَ} فبين سبحانه بأن الأيمان إما يمين لغو أو يمين منعقدة عن قصد ونية:
فأما يمين اللغو فقد نفى سبحانه فيها الإثم أو الكفارة, أما الثانية فأوجب فيها الكفارة, أما الإثم فيكون بحسب المحلوف عليه وما قام في القلب من القصد والنية.
فإن كان كذلك فهذا ينطبق على القول الأول وهو قول عائشة-رضي الله عنها- وما في معناه, فاليمين يجري على اللسان دون قصد ولا نية تسبقه في القلب, فيكون كسبق اللسان بسبب كثرة اعتياد الناس له, وقد ينطبق على القول الثاني فقد قال النحاس:(لأن الحالف إذا حلف على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه فلم يقصده إلى غير ما حلف عليه فيحلف على ضده واليمينان لغو والله أعلم).
وقد نهى الله العباد عن كثرة الحلف فقال:{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُم} وهذا هو المناسب لمقام تعظيم الله-سبحانه- في القلوب.

2: قول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى: {ومهيمنا عليه} قال: (مؤتمناً عليه).
تخريج الأثر:
رواه الطبري بطرق عن التميمي عن ابن عباس.
ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سَعِيدٍ الأشَجُّ، عن وكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، وإسْماعِيلَ، عَنْ أبِي إسْحاقَ، عَنِ التَّمِيمِيّ عنه.
ورواه سعيد بن منصور عن سعيد، عن خديج بن معاوية عن أبي إسحاق عن رجل من بني تميم عنه.

المسألة التفسيرية:
المراد بقوله:{ومهيمنا}:
نذكر ما جاء فيها من اقوال:
القول الأول: مؤتمنا, قاله ابن عباس وعكرمة والحسين وسعيد بن جبير والبخاري حيث قال : المهيمن: «الأمين، القرآن أمينٌ على كلّ كتابٍ قبله».

القول الثاني: شهيدا, قاله ابن عباس والسدي عكرمة.

القول الثالث: مصدقا, قاله ابن زيد.

القول الرابع: المراد بالمهيمن هو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمن على القرآن, قاله مجاهد.
وقد رد الطبري هذا القول فقال:(وهذا التّأويل بعيدٌ من المفهوم في كلام العرب، بل هو خطأٌ، وذلك أنّ المهيمن عطفٌ على المصدّق، فلا يكون إلاّ من صفة ما كان المصدّق صفةً له...).
ووجه ابن عطية تفسير مجاهد بقوله:(ومُجاهِدٌ - رَحِمَهُ اللهُ - إنَّما يَقْرَأُ هو وابْنُ مُحَيْصِنٍ: "مُهَيْمَنًا عَلَيْهِ"؛ بِفَتْحِ المِيمِ الثانِيَةِ؛ فَهو بِناءُ اسْمِ المَفْعُولِ؛ وهو حالٌ مِنَ الكِتابِ؛ مَعْطُوفَةٌ عَلى قَوْلِهِ: "مُصَدِّقًا"؛ وعَلى هَذا يُتَّجَهُ أنَّ المُؤْتَمَنَ عَلَيْهِ هو مُحَمَّدٌ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ و"عَلَيْهِ"؛ في مَوْضِعِ رَفْعٍ؛ عَلى تَقْدِيرِ أنَّها مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ؛ هَذا عَلى قِراءَةِ مُجاهِدٍ ).

الراجح:
لا تعارض بين الأقوال الثلاثة:
القرآن مسيطر وحاكم وناسخ لما سبق من الكتب, لذلك أمر الله نبيه بعدها بأن يحكم بالقرآن بينهم فقال: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾.
وهو الشاهد على ما سبق من الكتب, يشهد على ما فيها من حق ويصححه , قال تعالى:{قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } ويشهد على ما حصل فيها من تبديل وتحريف فيبينه ويبطله, قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
فهو شاهد ومصدق ومؤتمن وأمين ومهيمن.
فلا يجوز الرجوع والتحاكم إلا إليه, ولا يجوز العمل إلا بما جاء فيه من أحكام, قال تعالى:﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾


3: قول عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما في تفسير قول الله {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} قال: «سبيل الخلاء والبول»
تخريج الأثر:
أخرجه الطبري بطرق عن محمد بن المرتفع عنه.
رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي علي الروذباري عن إسماعيل بن محمد الصفار عن عباس بن محمد عن عبيد الله بن موسى، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن محمد بن المرتفع عنه .

المسألة التفسيرية:
المراد بقوله:{وفي أنقسكم}:
نذكر ما جاء في الآية من أقوال أخرى:
القول الأول: المراد تسوية الله تبارك وتعالى لمفاصل الأبدان وخلق الجوارح كالقلب والسمع والبصر . قاله ابن زيد, وقرأ عند تفسيره لهذه الآية قوله تعالى:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾, وقاله ابن أبي زمنين.
القول الثاني: المراد به اختلاف الألسن والصور والألوان والطباع. قاله عطاء عن ابن عباس. ذكره البغوي.

الراجح:
لفظ الاية عام, فليس فيه تخصيص لشيء دون شيء, فيدخل في معنى الآية جميع صنع الله وخلقه للإنسان, بدء من خلق آدم-عليه السلام- من تراب, ونفخ الروح فيه, وتعليمه أسماء كل شيء, ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين, فخلقه من نطفة ثم من مضغة ثم من علقة ليصير طفلا يتدرج في النمو ويكتسب المهارات والعلم, مع ما أودعه الله فيه من علوم ضرورية لا تقوم حياته إلا بها, كما قال تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ}.
ويدخل في هذا تركيب خلقه: من جوارح خارجية أو داخلية لا ترى بالعين وهي مع ذلك تعمل دون فعل منا أو جهد, كما قال تعالى:{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ}.
ويدخل في ذلك اختلاف الألسن والألوان والصور والطبائع كما قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ}.
ويدخل في ذلك قول ابن الزبير -ولعله نبه عليه لخفاء هذه النعمة على الكثيرين- فلو حبس البول في جسم الإنسان لما استطاع أن يخرجه, ومثله الغائط, ولتسبب له من الأذى والألم ما الله به عليم.
(وقد ذكر ابن كثير في البداية النهاية أن ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﻙ دخل ﻋﻠﻰ ﻫﺎﺭﻭﻥ ﺍﻟﺮﺷﻴﺪ ﻳﻮﻣﺎ ، ﻓﺎﺳﺘﺴﻘﻰ ﺍﻟﺮﺷﻴﺪ ﻓﺄﺗﻲ ﺑﻘﻠﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎﺀ ﻣﺒﺮﺩ ﻓﻘﺎﻝ ﻻﺑﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﻙ : ﻋﻈﻨﻲ .
ﻓﻘﺎﻝ : ﻳﺎ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ! ﺑﻜﻢ ﻛﻨﺖ ﻣﺸﺘﺮﻳﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﺑﺔ ﻟﻮ ﻣﻨﻌﺘﻬﺎ؟
ﻓﻘﺎﻝ : ﺑﻨﺼﻒ ﻣﻠﻜﻲ .
ﻓﻘﺎﻝ : ﺍﺷﺮﺏ ﻫﻨﻴﺌﺎ، ﻓﻠﻤﺎ ﺷﺮﺏ ﻗﺎﻝ : ﺃﺭﺃﻳﺖ ﻟﻮ ﻣﻨﻌﺖ ﺧﺮﻭﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﺪﻧﻚ ﺑﻜﻢ ﻛﻨﺖ ﺗﺸﺘﺮﻱ ﺫﻟﻚ ؟ ﻗﺎﻝ ﺑﻨﺼﻒ ﻣﻠﻜﻲ ﺍﻵﺧﺮ .
ﻓﻘﺎﻝ : ﺇﻥ ﻣﻠﻜﺎ ﻗﻴﻤﺔ ﻧﺼﻔﻪ ﺷﺮﺑﺔ ﻣﺎﺀ، ﻭﻗﻴﻤﺔ ﻧﺼﻔﻪ ﺍﻵﺧﺮ ﺑﻮﻟﺔ، ﻟﺨﻠﻴﻖ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺘﻨﺎﻓﺲ ﻓﻴﻪ !!
ﻓﺒﻜﻰ ﻫﺎﺭﻭﻥ).

وجميع هذه النعم الظاهرة والباطنة, المعلوم منها والمجهول تدل على وحدانية الله، وأنه لا إله إلا هو, فلا أحد قادر على خلق مثل هذا الخلق, بل الكل عاجز عن خلق ذبابة ولو اجتمعوا له, لذلك ختم الله-سبحانه-الآية بقوله:﴿أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ ففيه دعوة للتفكر والاعتبار المثمر للهداية والإيمان ولصلاح القلب وقوة البصيرة.


4: قول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في المراد بالصراط المستقيم قال: (الإسلام).
تخريج الأثر:
أخرجه الطبري عن محمود بن خِدَاشِ الطالَقاني، عن حُميد بن عبد الرحمن الرُّؤاسِي، عن علي والحسن ابنا صالح جميعًا، عن عبد الله بن محمد بن عَقِيل، عنه.

المسألة التفسيرية:
المراد ب(الصراط المستقيم):
وردت أقوال أخرى في المراد منه وهي:
القول الأول: هو القرآن. قاله علي بن أبي طالب وابن مسعود
القول الثاني: هو رسول الله ﷺ، وصاحباه من بعدِه أبو بكر وعمر. قاله أبو العالية والحسن
القول الثالث: هو الحق. قاله مجاهد.

الراجح:
جميع هَذِهِ الْأَقْوَالِ صحيحة ومتلازمة لا ينفك قول عن قول, وقول مجاهد هو أعمها يدخل فيه جميع القوال.
قال ابن كثير:( وَهِيَ مُتَلَازِمَةٌ، فَإِنَّ مَنِ اتَّبَعَ النَّبِيَّ ﷺ، وَاقْتَدَى بِاللَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَدِ اتَّبَعَ الْحَقَّ، وَمَنِ اتَّبَعَ الْحَقَّ فَقَدِ اتَّبَعَ الْإِسْلَامَ، وَمَنِ اتَّبَعَ الْإِسْلَامَ فَقَدِ اتَّبَعَ الْقُرْآنَ، وَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ وَحَبْلُهُ الْمَتِينُ، وَصِرَاطُهُ الْمُسْتَقِيمُ، فَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ).
وقد جاء في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي: حديث النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمً، وَعَلَى جَنْبَتَي الصِّرَاطِ سُورَانِ، فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الابْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ، يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلا تَتَفَرَّجُو، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الابْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، وَالصِّرَاطُ الاسْلامُ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالابْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ).
فقد بعث الله-سبحانه- النبي- عليه الصلاة والسلام- ليدل الناس على الصراط المستقيم الموصل إلى رضوان الله وجناته, قال تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}, وهذا الطريق هو دين الإسلام, فمن ابتغى غيره ضل وهلك, لذلك قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث:(والصراط الإسلام), والسالك لهذا الطريق يحتاج إلى نور يهتدي به, نور يميز به بين الحق والباطل, ويحتاج إلى ما يبين له مسالك الدرب وقطاع الطرق, ويبين له ما عليه عمله وما عليه تركه لينجو, لذلك كان الداعي على جنبتي الصراط هو القرآن, فهوكلام الله, وهو سبيل النجاة, وقد جاء في من قول علي عن القرآن:(وهو الصراط المستقيم).
فالسالك إذا سار على الصراط بهداية القرآن لن يلتفت إلى ما يحيط به من معوقات وقطاع ظرق, وحصلت له النجاة بذلك.
فهذه الأمور بمجمعها هي الصراط المستقيم, الطريق الواضح المستقيم الذي يوصل إلى الله ورضوانه.


5: قول أنس بن مالك رضي الله عنه في تفسير قول الله تعالى: {كشجرة خبيثة} قال: (الحنظل).

تخريج الأثر:
رواه الطبري بطرق متعددة عن أنس, من طريق معاوية بن قرة, ومن طريق شعيب بن حباب, وغيره.
أخرجه الترمذي عن أحمد بن عبدة الضبي عن حماد بن زيد عن شعيب بن الحبحاب عن أنس .
وأخرجه الترمذي مرفوعا عن عبد بن حميد عن أبي الوليد عن حماد بن سلمة عن شعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلق عليه بقوله:(حدثنا قتيبة حدثنا أبو بكر بن شعيب بن الحبحاب عن أبيه عن أنس بن مالك نحوه بمعناه ولم يرفعه ولم يذكر قول أبي العالية وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة وروى غير واحد مثل هذا موقوفا ولا نعلم أحدا رفعه غير حماد بن سلمة ورواه معمر و حماد بن زيد وغير واحد ولم يرفعوه).

المسألة التفسيرية:
المراد ب(كشجرة خبيثة):
نورد ما ورد من أقوال أخرى في بيان المراد منها:
القول الأول: إن المراد منها شجرة لم تخلق بعد. قاله ابن عباس.
وهذا لأن الآيات لم تعين شجرة بعينها.

القول الثانِي: المراد بها الكافِرُ. قاله ابن عباس والربيع بن أنس والضحاك.

القول الثالث: أنَّها الكَشُوث وهي العشقة. نسبه ابن الجوزي لابن عباس. وقاله الزجاج, وذكره البغوي.
وجاء في لسان العرب: (نبات مجتث مقطوع الأصل. وقيل: لا أصل له، وهو أصغر يتعلق بأطراف الشوك وغيره.
وقال الجوهري هو: نبت يتعلق بأغصان الشجر من غير أن يضرب بعرق في الأرض ... ".
أما العَشَقَةُ: فهي شجرة تخضر ثم تدق وتصفر، وهي عند المولدين: اللَّبْلاب، وجمعها العَشَق).
وهذا النوع من الأشجار ينطبق وصفه على ما جاء في الآية من حيث مسارعة الناس إلى اقتلاعه بالكلية من جذوره, فلا يتركونه يلتفت على الأشجار فيقتلها.

القول الرابع: المراد به الثوم. نسبه ابن الجوزي لابن عباس. ذكره البغوي.
ولعل هذا القول يرجع إلى قوله -عليه الصلاة والسلام -في الثوم:...(من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا، فلا يقربنا في المسجد...) لكنه عليه الصلاة والسلام- علل خبثها برائحتها الكريهة فقال:(...ولكنها شجرة أكره ريحها...), ولعله لا يدخل فيما جاء من وصف هذه الشجرة في الآية من حيث عدم الثبات والقرار في الأرض, كما إن فوائد الثوم كثيرة.

الراجح:
لا تعارض بين الأقوال, فلفظ الآية عامة فيدخل فيه ما انطبق عليه هذا الوصف من النباتات من حيث عدم ثبات جذوره في الأرض, وسهولة اقتلاعه والتخلص منه, فهو كما بينت الآية من النباتات الضارة التي لا فائدة ترجى منها, بل على العكس تجلب المضرة لما يحيط بها من نباتات إن هي التفت عليه, أو كان ثمرها مر (كالحنظل) فيضر من انخدع بشكله وأكله, وصفة عدم القرار منطبقة على الحنظل: فهو من النباتات التي يسهل اجتثاثها والتخلص منها لما فيها من أذى.
فهنا الخلاف في تعيين النبات الذي وقع التشبيه عليه, فهو من باب التفسير بالمثال ولا يعني هذا القصر على صنف منها, فيدخل فيه كل نبات مؤذي, وخبيث سواء في ذاته أو ثمره
وقول من قال بأنه (الكافر أو الكفر) فهذا تفسير المثل بذكر المشبه, فالكافر لا يرفع له عمل, بل أعماله-وإن حسبها حسنة- فهي حابطة, فلا هو انتفع بها في الدنيا فزادت في إيمانه وثباته, ولا هي نافعته في الآخرة ومانعة عنه العذاب, قال تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} وقال:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} فأثبت لهم صنيعا وأثبت لهم سعيا واثبت لهم عملا, لكن لما لم يكن على مراد الله كان كأن لم يكن بسبب خبث الكفر وأهله, فهان زواله.

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10 ربيع الثاني 1441هـ/7-12-2019م, 09:35 PM
هيثم محمد هيثم محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Jul 2016
المشاركات: 482
افتراضي

1: قول عائشة رضي الله عنها في لغو اليمين: (هو لا والله، وبلى والله، ما يتراجع به الناس).
التخريج:
رواه البخاري وعبد الرزاق والنسائي في السنن الكبرى وابن جرير وابن أبي حاتم -واللفظ لابن جرير- كلهم من طريق عروة بن الزبير قَالَ: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ، عَنْ لَغْوِ الْيَمِينِ، قَالَتْ: "هُوَ لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ، مَا يَتَرَاجَعُ بِهِ النَّاسُ".
وهي صحيحة كما أخرجها البخاري.

التوجيه:
المعنى في الآية على قول عائشة هو: عدم المؤاخذة بما سبق به اللسان من الأيمان على عجلة وسرعة، فلا يجب الكفارة إذا لم يقصد الحلف واليمين، لأن لغو اليمين ما لا يعتد به ولا حكم له، لأنه لم ينوها، فهي ليست يمينا شرعية لتحققها في نفسها، ولأنه لا يتصور فيها الحنث، كما هو قول كثير من الصحابة والتابعين.
ويؤيد هذا القول: ما رواه حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: لا والله، وبلى والله: لغة من لغات العرب، لا يراد بها اليمين، وهي من صلة الكلام، وتعريف أبو عبيدة للغو بقوله: "لا والله، وبلى والله، وليس بيمينٍ تقتطع بها مالاً أو تظلم بها"، واستشهد له ابْن كَثِير بما في الصّحيحين من حديث أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: "من حلف فقال في حلفه: واللّات والعزّى، فليقل: لا إله إلّا اللّه".
ومن أحسن من وجهه: سعد الدين التَّفْتَازَانِيّ بقوله: "وهو على طريق المثال وإيراد بعض الجزئيات".
ولكونه من قول عائشة رضي الله عنها فلذلك اعتبره كثير من المفسرين لأنها أعلم باللسان مع علمها بالفقه.

بقية الأقوال في الآية:
القول الثاني: لغو اليمين حلف الإنسان على الشيء يظن أنه كما حلف عليه فإذا هو غير ذلك، وهو قول ابن عباس في أحد أقواله وأبي هريرة والحسن وقتادة ومجاهد في أحد قوليه وسليمان بن يسار وإبراهيم في أحد أقواله والسدي والربيع بن أنس وأبي مالك، رواه ابن جرير وعبد الرزاق وابن أبي حاتم، وهو ترجيح الإمام مالك في الموطأ، وذكره النحاس ضمن القول الأول، ولم يذكر مكي بن أبي طالب غيره، وهو فهم أَبو حنيفة بقوله: اللغوُ هو أَنْ يَحلفَ الرجلُ بناءً على ظَنّه الكاذبِ.
ويؤيده الحديث الذي نقله ابن عطية أن قوما تراجعوا القول بينهم وهم يرمون بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فحلف أحدهم: لقد أصبت وأخطأت يا فلان، فإذا الأمر بخلافه، فقال رجل: حنث يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أيمان الرماة لغو لا إثم فيها ولا كفارة".
وهو مذهب أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وقال ابن المنذر: وهو قول أكثر العلماء، إلا أن أبا حنيفة قال: اللغو: قول الرجل: لا والله، وبلى والله، فيما يظن أنه صادق على الماضي، وعند الشافعي: سواء كانت في الماضي أو المستقبل.
وتكون اليمين على المستقبل، كقوله: والله لأفعلن، ومنه قول النبي: " والله لأغزون قريشاً". أخرجه أبو داود في الأيمان والنذور
وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: أَوْ مِائَةٌ تَجْعَلُ أَوْلَادَهَا ... لغوا وعرض المائة الجلد
يَعْنِي نُوقًا لَا تَعْتَدُّ بِأَوْلَادِهَا

القول الثالث: اللغو يمين الغضبان. وإنما يشبه الغاضب لمن لم يقصد إلى اليمين ولا أراده، وكأنه غلبه الغضب، فهو كمن لم ينو اليمين، فلا كفارة عليه، وهو قول طاووس وابن عباس في أحد أقواله، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، وحجة هذا القول ما رواه ابن عباس أن رسول الله قال: "لا يمين في غضب"، وضعفه القرطبي، لأن جمهور الفقهاء على أن الغاضب قاصد إلى أفعاله، والغضب يزيد تأكيدا وقوة في قصده، ولأن النَّبِيِّ حَلِف غَاضِبًا أَلَّا يَحْمِلَ الْأَشْعَرِيِّينَ وَحَمَلَهُمْ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ.

القول الرابع: اللّغو في اليمين: الحلف على فعل ما نهى اللّه عنه، وترك ما أمر اللّه بفعله، وهو قول سعيد بن جبير، رواه ابن جرير وعبد الرزاق وابن أبي حاتم، ورواه ابن أبي حاتم أيضا عن ابن عباس، وضعفه ابن جرير والنحاس والقرطبي والقاضي إسماعيل بن إسحاق، لِأَنَّ الْحَالِفَ عَلَى تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ عِبَادَةً، وَالْحَالِفُ عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ مَعْصِيَةً، وَيُقَالُ لَهُ: لَا تَفْعَلْ وَكَفِّرْ، فَإِنْ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ أَثِمَ فِي إِقْدَامِهِ وَبَرَّ فِي قَسَمِهِ.

القول الخامس: اللّغو من الأيمان: ما كان من يمينٍ بمعنى الدّعاء من الحالف على نفسه إن لم يفعل كذا وكذا، أو بمعنى الشّرك، والكفر، كقول الرجل أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا أخرجني الله من مالي إن لم آتك غدا فلو أخذه بهذا لم يترك له شيئا، وهو قول زيد بن أسلم، رواه ابن جرير وابن وهب وابن أبي حاتم، وضعفه النحاس والقرطبي، لأنه دعاء منعقد في القصد، مَكْرُوهٌ، وَرُبَّمَا يُؤَاخَذُ بِهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَا يَدْعُوَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى نَفْسِهِ فَرُبَّمَا صَادَفَ سَاعَةً لَا يَسْأَلُ اللَّهَ أَحَدٌ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ".

القول السادس: اللّغو في الأيمان: ما كانت فيه كفّارة، أي إذا كفرت اليمين فحينئذ سقطت وصارت لغوا، ولا يؤاخذ الله بتكفيرها والرجوع إلى الذي هو خير، وهو قول الضّحّاك وابن عباس في أحد أقواله، رواه ابن جرير، وضعفه ابن عطية وابن العربي والقرطبي، لأنه قد رفع الله عز وجل المؤاخذة بالإطلاق في اللغو، فحقيقته ما لا إثم فيه ولا كفارة، والمؤاخذة في الأيمان هي بعقوبة الآخرة في الغموس المصبورة، وفيما ترك تكفيره مما فيه كفارة، وبعقوبة الدنيا في إلزام الكفارة، فيضعف القول بأنها اليمين المكفرة، لأن المؤاخذة قد وقعت فيها، وتخصيص المؤاخذة بأنها في الآخرة فقط تحكم".

القول السابع: اللّغو من الأيمان: هو ما حنث فيه الحالف ناسيًا، وهو قول إبراهيم النخعي في أحد أقواله، رواه ابن جرير وعبد الرزاق وابن أبي حاتم، ووجهه ابْن الْعَرَبِيّ بقوله: "أَمَّا الْيَمِينُ مَعَ النِّسْيَانِ فَلَا شَكَّ فِي إِلْغَائِهَا. لِأَنَّهَا جَاءَتْ عَلَى خِلَافِ قَصْدِهِ، فَهِيَ لَغْوٌ مَحْضٌ".

القول الثامن: اللّغو من الأيمان: هو كلّ يمينٍ وصل الرّجل بها كلامه على غير قصدٍ منه إيجابها على نفسه، وهو قول إبراهيم في أحد أقواله ومجاهد في أحد قوليه وعائشة في أحد قوليها، كما رواه ابن جرير، وهو داخل في القول الأول.

الترجيح:
من خلال جمع أقوال علماء اللغة يتبين أن المراد باللغو يتضمن عدة معاني متقاربة كما يلي:
- قال الفراء: "إن اللغو ما يجرى في الكلام على غير عقد"، وقال ابن قتيبة: "اللغو في اليمين: ما يجري في الكلام على غير عقد"، ومنه قول الفرزدق: وَلَسْتَ بِمَأْخُوذٍ بِلَغْوٍ تَقُولُهُ ... إِذَا لَمْ تُعَمِّدْ عَاقِدَاتِ العَزَائِمِ.
- وقال ابن جرير الطبري: "واللّغو من الكلام في كلام العرب كلّ كلامٍ كان مذمومًا، وفعلاً لا معنى له مهجورًا، يقال منه: لغا فلانٌ في كلامه يلغو لغوًا: إذا قال قبيحًا من الكلام، ومنه قول اللّه تعالى ذكره: {وإذا سمعوا اللّغو أعرضوا عنه}، وقوله: {وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كرامًا} ومسموعٌ من العرب لغيت باسم فلانٍ، بمعنى أولعت بذكره بالقبيح.
فمن قال لغيت، قال ألغى لغًا، وهي لغةٌ لبعض العرب، ومنه قول الرّاجز: وربّ أسراب حجيجٍ كظّم = عن اللّغا، ورفث التّكلّم"
- وقال ابن عطية: "سقط الكلام الذي لا حكم له، ويستعمل في الهجر والرفث"، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ} وقوله: {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً}، وقوله: {لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً}، {لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً} وقال عليه الصّلاة والسّلام: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمعَةِ والإِمَامُ يَخْطُبُ: أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْتَ».
فيمكن أن نرجح الجمع بين القول الأول وهو قول عائشة والقول الثاني لمطابقتهما للمعنى اللغوي، ولأنهما قول الجمهور من الفقهاء والمفسرين، وهو ظاهر ما ذكره النحاس وابن جرير، كما أنه مذهب الإمام أحمد كما نقل ابن عبد البر.
- قال النحاس تعقيبا على قول عائشة: "وقول أبي هريرة وابن عباس: غير خارج من ذا أيضا لأن الحالف إذا حلف على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه فلم يقصده إلى غير ما حلف عليه فيحلف على ضده واليمينان لغو والله أعلم
- وقال ابن جرير أن معنى الآية: "إنّ اللّه لا يؤاخذكم بما لغته ألسنتكم من أيمانكم، فنطقت به من قبيح الأيمان وذميمها، على غير تعمّدكم الإثم وقصدكم بعزائم صدوركم إلى إيجاب عقد الأيمان الّتي حلفتم بها".

2: قول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى: {ومهيمنا عليه} قال: (مؤتمناً عليه).
التخريج:
رواه ابن وهب وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات كلهم من طريق التّميميّ عن ابن عباس في قوله {ومهيمنا عليه} قال: مؤتمنا عليه.
التميمي هو: "أربدة - بسكون الراء بعدها موحدة مكسورة - التميمي"، ويقال: أربد التميمي المفسر، وهو تابعي كوفي أصله من البصرة، يروي التفسير عن ابن عباس، وروى عنه أبو إسحاق السبيعي والمنهال بن عمرو. وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وذكره ابن أبي حاتم وسكت عنه، وقال ابن حجر: صدوق. (الجرح والتعديل، والتهذيب، والتقريب).

التوجيه:
هو معنى صحيح من حيث اللغة، ففِي أَصْل مُهَيْمِن قَوْلَان:
1. قِيلَ أَصْلُهُ مؤيمن وَالْهَاءُ مُبَدَّلَةٌ مِنْ الْهَمْزَةِ، وهو قول الْمُبَرِّد والزَّجَّاج وَأَبُو عَلِيّ والْجَوْهَرِيّ.
2. وَقِيلَ بَلْ الْهَاءُ أَصْلِيَّةٌ، ذكره ابن حجر.
وقال النحاس: "قال بعضهم: مهيمن في معنى مؤتمن إلا أن الهاء بدل من الهمزة، والأصل مؤتمنا عليه كما قالوا: هرقت الماء، وأرقت الماء، وكما قالوا: إياك وهياك، وهذا قول أبي العباس محمد بن يزيد، وهو على مذهب العربية حسن وموافق لبعض ما جاء في التفسير، لأن معناه مؤتمن".
وقال أبو عبيدة: "لم يجئ في كلام العرب على هذا البناء إلّا أربعة ألفاظٍ مبيطرٌ ومسيطرٌ ومهيمنٌ ومبيقر".
وعقب ابن حجر على أقوال أهل اللغة بقوله: "أصل الهيمنة الحفظ والارتقاب تقول هيمن فلانٌ على فلانٍ إذا صار رقيبًا عليه فهو مهيمنٌ".
ويشهد له ما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم كلاهما من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} قال: القرآن أمين على كل كتاب كان قبله.
وقال ابن جريج: القرآن أمين على الكتب المتقدمة فما وافقه منها فحق وما خالفه منها فهو باطل.
وقال مجاهد: "ومهيمنا عليه قال مؤتمن على الكتب".
كما هو تفسير البخاري في صحيحه: "المهيمن: «الأمين، القرآن أمينٌ على كلّ كتابٍ قبله»".
وقال ابن عطية: "يقال من مهيمن هيمن الرجل على الشيء إذا حفظه وحاطه وصار قائما عليه أمينا".

بقية الأقوال في الآية:
القول الثاني: شاهدًا على الكتب الّتي خلت قبله، وهو قول ابن عبّاس في أحد أقواله والسّدّي وقتادة ومجاهد في أحد قوليه، رواه ابن جرير وعبد الرزاق، وذكره الخطابي، ولم يذكر الأخفش وثعلب غيره.
القول الثالث: مصدّقًا بهذه الكتب، وهو قول ابن زيد والحسن، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، فكل شيء أنزله اللّه من توراة أو إنجيل أو زبور فالقرآن مصدّق على ذلك، وكل شيء ذكر اللّه في القرآن فهو مصدّق عليها وعلى ما حدّث عنها أنّه حق، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِنَّ الْكِتَابَ مُهَيْمِنٌ لِنَبِيِّنَا ... وَالْحَقُّ يَعْرِفُهُ ذَوُو الْأَلْبَابِ
القول الرابع: نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مؤتمنٌ على القرآن، وهو عن مجاهد في أحد قوليه وابن أبي نجيحٍ، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، وذكر ابن عطية أن موافق لقراءة مُجَاهِد وَابْنُ مُحَيْصِن:"وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ" بِفَتْحِ الْمِيمِ الثانية فهو بناء اسم المفعول، وضعف هذا المعنى ابن جرير لكونه ضعيف من حيث العربية بقوله: "وهذا التّأويل بعيدٌ من المفهوم في كلام العرب، بل هو خطأٌ، وذلك أنّ المهيمن عطفٌ على المصدّق، فلا يكون إلاّ من صفة ما كان المصدّق صفةً له، ولو كان معنى الكلام ما روي عن مجاهدٍ لقيل: وأنزلنا إليك الكتاب مصدّقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه؛ لأنّه لم تقدّمٌ من صفة الكاف الّتي في {إليك}، وليس بعدها شيءٌ يكون مهيمنًا عليه عطفًا عليه، وإنّما عطف به على المصدّق، لأنّه من صفة الكتاب الّذي من صفته المصدّق".
القول الخامس: سيّدا، وهو عن ابن عباس في أحد أقواله، رواه ابن أبي حاتم.

الترجيح:
الراجح -والله أعلم- هو الجمع بين الأقوال الثلاثة الأولى لتقارب معانيها، وهو اختيار أبو عبيدة وابن جرير والنحاس وابن عطية وابن تيمية وابن كثير.
قالَ أَبُو عُبَيْدَة: "(ومهيمناً عليه) أي مصدّقاً مؤتمناً على القرآن وشاهداً عليه".
وقال ابن جرير: "{ومهيمنًا عليه} يقول: أنزلنا الكتاب الّذي أنزلناه إليك يا محمّد مصدّقًا للكتب قبله، وشهيدًا عليها أنّها حقٌّ من عند اللّه، أمينًا عليها، حافظًا لها".
وقال النحاس: "وهذه الأقوال كلها متقاربة المعاني لأنه إذا كان حافظا للشيء فهو مؤتمن عليه وشاهد".
وقال ابن عطية: "ولفظة المهيمن أخص من هذه الألفاظ، لأن المهيمن على الشيء هو المعنيّ بأمره الشاهد على حقائقه الحافظ لحاصله ولأن يدخل فيه ما ليس منه والله تبارك وتعالى هو المهيمن على مخلوقاته وعباده، والوصي مهيمن على محجوريه وأموالهم، والرئيس مهيمن على رعيته وأحوالهم، والقرآن جعله الله مهيمنا على الكتب يشهد بما فيها من الحقائق وعلى ما نسبه المحرفون إليها فيصحح الحقائق ويبطل التحريف، وهذا هو شاهد ومصدق ومؤتمن وأمين".
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: "فَالسَّلَفُ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْمُهَيْمِنُ الْمُؤْتَمِنُ الشَّاهِدُ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكُتُبِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُهَيْمِنَ عَلَى الشَّيْءِ أَعْلَى مِنْهُ مَرْتَبَةً. وَمِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ "الْمُهَيْمِنُ" وَيُسَمَّى الْحَاكِمَ عَلَى النَّاسِ الْقَائِمَ بِأُمُورِهِمْ "الْمُهَيْمِنُ". وَهَكَذَا الْقُرْآنُ فَإِنَّهُ قَرَّرَ مَا فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ اللَّهِ وَعَنْ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَزَادَ ذَلِكَ بَيَانًا وَتَفْصِيلًا. وَبَيَّنَ الْأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ عَلَى ذَلِكَ وَقَرَّرَ نُبُوَّةَ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ وَرِسَالَةَ الْمُرْسَلِينَ وَقَرَّرَ الشَّرَائِعَ الْكُلِّيَّةَ الَّتِي بُعِثَتْ بِهَا الرُّسُلُ كُلُّهُمْ. وَجَادَلَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ بِأَنْوَاعِ الْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ وَبَيَّنَ عُقُوبَاتِ اللَّهِ لَهُمْ وَنَصْرَهُ لِأَهْلِ الْكُتُبِ الْمُتَّبِعِينَ لَهَا وَبَيَّنَ مَا حُرِّفَ مِنْهَا وَبُدِّلَ وَمَا فَعَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَبَيَّنَ أَيْضًا مَا كَتَمُوهُ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِبَيَانِهِ وَكُلُّ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّاتُ بِأَحْسَنِ الشَّرَائِعِ وَالْمَنَاهِجِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ فَصَارَتْ لَهُ الْهَيْمَنَةُ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكُتُبِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَهُوَ شَاهِدٌ بِصِدْقِهَا وَشَاهِدٌ بِكَذِبِ مَا حُرِّفَ مِنْهَا وَهُوَ حَاكِمٌ بِإِقْرَارِ مَا أَقَرَّهُ اللَّهُ وَنَسْخِ مَا نَسَخَهُ فَهُوَ شَاهِدٌ فِي الْخَبَرِيَّاتِ حَاكِمٌ فِي الْأَمْرِيَّاتِ".
وقال ابن كثير: "وهذه الأقوال كلّها متقاربة المعنى، فإنّ اسم "المهيمن" يتضمّن هذا كلّه، فهو أمينٌ وشاهدٌ وحاكمٌ على كلّ كتابٍ قبله، جعل اللّه هذا الكتاب العظيم، الّذي أنزله آخر الكتب وخاتمها، أشملها وأعظمها وأحكمها حيث جمع فيه محاسن ما قبله، وزاده من الكمالات ما ليس في غيره؛ فلهذا جعله شاهدًا وأمينًا وحاكمًا عليها كلّها. وتكفّل تعالى بحفظه بنفسه الكريمة، فقال تعالى {إنّا نحن نزلنا الذّكر وإنّا له لحافظون}".

3: قول عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما في تفسير قول الله {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} قال: «سبيل الخلاء والبول»
التخريج:
رواه عبد الرزاق، وابن جرير، والبيهقي في شعب الإيمان من طريق ابن جريج، عن محمّد بن المرتفع، عن عبد اللّه بن الزّبير {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} قال: سبيل الخلاء والبول
قال عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: محمد بن المرتفع شيخ ثقة، روى عنه ابن جريج وابن عيينة.

التوجيه:
هو تفسير صحيح بالمثال، وهو أيضا تفسير الفراء والبخاري بقولهم: "تأكل وتشرب في مدخلٍ واحدٍ، ويخرج من موضعين"، وروى ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} قال: فيما يدخل من طعامكم وما يخرج.

بقية الأقوال في الآية:
القول الثاني: وفي تسوية اللّه تبارك وتعالى مفاصل أبدانكم وجوارحكم دلالةٌ لكم على أن خلقتم لعبادته، وهو قول ابن زيد، رواه ابن جرير، ويقاربه في المعنى ما نقله مكي بن أبي طالب وابن كثير والسيوطي عن قتادة: أن معناه أن يتفكر الإنسان في نفسه فيعرف أنه إنما لينت مفاصله للعبادة.

الترجيح:
الأصل في المعنى العموم، أي: أن في خلق الإنسان آيات كثيرة للتفكر والاعتبار، منها السمع والبصر واللسان والقلب والعقل وغير ذلك، وهو اختيار ابن جرير والسمعاني وظاهر كلام ابن عطية.
قال ابن جرير: "والصّواب من القول في ذلك أن يقال: معنى ذلك: وفي أنفسكم أيضًا أيّها النّاس آياتٌ وعبرٌ تدلّكم على وحدانيّة صانعكم، وأنّه لا إله لكم سواه، إذ كان لا شيء يقدر على أن يخلق مثل خلقه إيّاكم".
وقال السمعاني: "وَالْأولَى أَن يُقَال: هُوَ سَائِر الْآيَات الَّتِي فِي النَّفس مِمَّا يدل على أَن لَهَا خَالِقًا وصانعا".
وقال ابن عطية: "وفي أنفسكم" إحالة على النظر في شخص الإنسان، فإنه أكثر المخلوقات التي لدينا عبرة لما جعل الله تبارك وتعالى فيه -مع كونه من تراب- من لطائف الحواس، ومن أمر النفس وحياتها ونطقها، واتصال هذا الجزء منها بالعقل، ومن هيئة الأعضاء واستعدادها لتنفع أو تحمل أو تعين".

4: قول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في المراد بالصراط المستقيم قال: (الإسلام).
التخريج:
رواه ابن جرير والمروزي في السنة والحاكم وصححه كلهم من طريق الحسن بن صالح، عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيلٍ، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما، قال: «{الصّراط المستقيم} هو الإسلام، وهو أوسع ما بين السّماء والأرض.
الحسن بن صالح: تكلم فيه بغير حجه، والأرجح أنه ثقة.
عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب: أمه زينب الصغرى بنت علي بن أبي طالب، وهو تابعي، تكلم فيه بغير حجه، والأرجح أنه ثقة.

التوجيه:
هو تفسير بجزء من المعنى، ويؤيده ما رواه ابن جرير عن ابن عبّاس، في قوله: {اهدنا الصّراط المستقيم} قال: «ذلك الإسلام»، وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ضرب الله صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس أدخلوا الصراط جميعا ولا تتفرقوا، وداع يدعو من فوق: الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال: ويحك، لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه، فالصراط: الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق: واعظ الله تعالى في قلب كل مسلم».
أما أقوال أهل اللغة في معنى الصراط، فقد فسر أبو عبيدة والنحاس والمبرد (الصّراط): بالطريق، وكذلك الإسلام بمنزلة المنهاج الواضح.
وقال ابن جرير: "أجمعت الحجة من أهل التّأويل جميعًا على أنّ الصّراط المستقيم هو الطّريق الواضح الّذي لا اعوجاج فيه. وكذلك ذلك في لغة جميع العرب؛ فمن ذلك قول جرير بن عطيّة بن الخطفى: أمير المؤمنين على صراطٍ.......إذا اعوجّ الموارد مستقيم
يريد على طريق الحقّ.
ومنه قول الهذليّ أبي ذؤيبٍ: صبحنا أرضهم بالخيل حتّى.......تركناها أدقّ من الصّراط
ومنه قول الرّاجز: فصدّ عن نهج الصّراط القاصد
والشّواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، وفيما ذكرنا غنًى عمّا تركنا.
ثمّ تستعير العرب الصّراط فتستعمله في كلّ قولٍ وعملٍ وصف باستقامةٍ أو اعوجاجٍ، فتصف المستقيم باستقامته، والمعوجّ باعوجاجه".

بقية الأقوال الأخرى في الآية:
القول الثاني: القرآن، وهو قول علي بن أبي طالب وعبد الله، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
القول الثالث: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وصاحباه من بعده: أبو بكرٍ وعمر، وهو قول أبي العالية، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
القول الرابع: الطّريق، وهو قول ابن عباس، رواه ابن جرير.
القول الخامس: الحقّ، وهو قول مجاهد، رواه ابن أبي حاتم، وتعقبه ابن كثير بقوله: "وهذا أشمل، ولا منافاة بينه وبين ما تقدّم".

الترجيح:
اختلاف المفسرين في تفسير الصراط يدخل في باب اختلاف التنوع كما أخرج سعيد بن منصور في سننه، وابن المنذر والبيهقي في كتاب الرؤية عند سفيان قال: «ليس في تفسير القرآن اختلاف إنما هو كلام جامع يراد به هذا وهذا».
والأولى هو القول بالعموم ويكون كل قول خاص، فنجمع بين كل الأقوال السابقة، فكل هذه الأقوال صحيحة يصدق بعضها بعضا، وهي متلازمة، فإن من اتبع النبي واقتدى باللذين من بعده أبي بكر وعمر، فقد اتبع الحق، ومن اتبع الحق فقد اتبع الإسلام، ومن اتبع الإسلام فقد اتبع القرآن، وهو اختيار ابن جرير وابن عطية وابن كثير.
قال ابن جرير: "والّذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي أن يكون معنيًّا به: وفّقنا للثّبات على ما ارتضيته ووفّقت له من أنعمت عليه من عبادك، من قولٍ وعملٍ. وذلك هو الصّراط المستقيم، لأنّ من وفّق لما وفّق له من أنعم اللّه عليه من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصالحين، فقد وفّق للإسلام، وتصديق الرّسل، والتّمسّك بالكتاب، والعمل بما أمره اللّه به، والانزجار عمّا زجره عنه، واتّباع منهاج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ومنهاج أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعليٍّ، وكلّ عبدٍ للّه صالحٍ. وكلّ ذلك من الصّراط المستقيم".
وقال ابن كثير: "وإن كان يرجع حاصلها إلى شيءٍ واحدٍ، وهو المتابعة للّه وللرّسول".
وقال ابن عطية: "ويجتمع من هذه الأقوال كلها أن الدعوة إنما هي في أن يكون الداعي على سنن المنعم عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين في معتقداته، وفي التزامه لأحكام شرعه، وذلك هو مقتضى القرآن والإسلام، وهو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، وهذا الدعاء إنما أمر به المؤمنون وعندهم المعتقدات وعند كل واحد بعض الأعمال".

5: قول أنس بن مالك رضي الله عنه في تفسير قول الله تعالى: {كشجرة خبيثة} قال: (الحنظل).
التخريج:
رواه الترمذي وابن جرير كلاهما من طريق حمّاد بن زيد، عن شعيب بن الحبحاب عن أنس قال: " تلكم الحنظل. كما أخرجه ابن جرير من عدة طرق كثيرة.
- حماد بن زيد: ثقة ثبت فقيه، أخرج حديثه الجماعة وتوفي سنة 179 هـ. (تهذيب الكمال، التقريب)
- الإسناد صحيح، ورجاله رجال الصحيح، وقد صححه الشيخ الألباني.

التوجيه:
أن تشبيه كلمة الشرك بشجرة الحنظل جيد، لكون الكفر والضلال لا ثبوت له، وكذلك شجرة الحنظل لا أصل لها في الأرض ولا فرع لها في السماء ولا حمل، وهو ما أشار إليه ابن قتيبة في غريب القرآن والزجاج.
وقد تعقبه ابن جرير بقوله أنه: "خبر، فإن صحّ فلا قول يجوز أن يقال غيره"، ولهذا هو قول كثير من المفسرين، وهو على جهة المثال.

بقية الأقوال في الآية:
القول الثاني: هذه الشّجرة لم تخلق على الأرض، رواه ابن جرير عن ابن عباس.
القول الثالث: ذلك مثل الكافر لا يصعد له قول طيب ولا عمل صالح، رواه ابن جرير عن ابن عباس.

الترجيح:
أن الشجرة الخبيثة تشمل كل شجرة لا يطيب ثمرها، كما اختار الخطابي في غريب الحديث، وهو ترجيح ابن عطية بقوله: "والظاهر عندي أن التشبيه وقع بشجرة غير معينة إذا وجدت فيها هذه الأوصاف، فالخبث هو أن تكون كالعضاة، أو كشجرة السموم ونحوها إذا اجتثت، أي اقتلعت جثتها بنزع الأصول، وبقيت في غاية الوهن والضعف فتقلبها أقل ريح.، فالكافر يرى أن بيده شيئا، وهو لا يستقر ولا يغني عنه، كهذه الشجرة التي يظن بها على بعد -أو للجهل بها- أنها شيء نافع، وهي خبيثة الجنى غير باقية".

فيكون تفسيرها بالحنظل وبقية الأنواع التي ذكرها المفسرون من جهة التفسير بالمثال.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 10 شوال 1441هـ/1-06-2020م, 12:53 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة فداء حسين مشاهدة المشاركة
خرّج جميع الأقوال التالية ثمّ حرر المسائل التفسيرية المتعلقة بها:

1: قول عائشة رضي الله عنها في لغو اليمين: (هو لا والله، وبلى والله، ما يتراجع به الناس).

تخريج الأثر:
[
رواه البخاري عن محمد بن المثنى عن يحيى، عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها. [رواه بنفس اللفظ الوارد في رأس السؤال ابن جرير الطبري من طريق هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وحبذا لو جمعتِ بقية الطرق مع بيان اختلاف اللفظ فبعضها يفيدكِ في التحرير.
وهذه الرواية رويت عن عائشة رضي الله عنها من طرق عدة فاتكِ ذكرها]

ورواه الطبري وأبو داود مرفوعا عن محمد بن موسى الحرشي عن حسان بن إبراهيم الكرماني عن إبراهيم الصائغ، عن عطاء عنها ترفعه إلى النبي عليه الصلاة والسلام.
ثُمَّ قَالَ أبو داود: (رَوَاهُ دَاوُدُ بْنُ أَبِي الْفُرَاتِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ الصَّائِغِ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا. وَرَوَاهُ الزهري، وعبد الملك، ومالك بن مِعْول، كُلُّهُمْ عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، مَوْقُوفًا أَيْضًا).
قال ابن كثيرعنه: (وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، وَابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ عَائِشَةَ، مَوْقُوفًا).


المسألة التفسيرية:
المراد باللغو:
نورد ما جاء فيها من اقوال:
القول الأول: ما جاء عن عائشة-رضي الله عنها- في أن المراد منه:(لا والله، وبلى والله، ما يتراجع به الناس), ومثله قول من قال هي كل يمين وصَل الرجل بها كلامه، على غير قصدٍ إيجابَها على نفسه, أي ذكرها عرضا في معرض حديثه ولم يقصد بها عقد اليمين.
وهو قول الشعبي وعامر وأبي قلابة وأبي صالح وعكرمة ومجاهد.

القول الثاني: المراد ب(اللغو) اليمين التي يحلفُ بها الحالف وهو يرى أنه كما يحلف عليه، ثم يتبين له خلاف الذي حلف عليه.
وهو قول أبي هريرة وابن عباس وسليمان بن يساروالحسن وأبي نجيح ومجاهد وقتادة وزرارة بن أوفى والسدي ومكحول وغيرهم.

القول الثالث: إن المراد بها ما يحلف به من الأيمان ساعة الغضب دون عقد القلب عليها.
استدل من قال بهذا القول بما رواه ابن العباس عن النبي عليه الصلاة والسلام:(لا يمين في غضب) وقد لين إسناد هذا الحديث ابن القيم في أعلام الموقعين.
وهو قول لابن عباس وطاوس.
وللغضب مراتب: فإن كان في بداية الغضب فهذا عليه الكفارة إذ لم يغلق عليه الأمر بعد, أما إذا وصل إلى مرحلة الغضب الشديد بحيث ينسى ما تلفظ به أثناء غضبه : فهذا لا حكم ليمينه, كما جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام:(لا طلاق في إغلاق), واليمين من باب أولى.

القول الرابع: إن المراد به هو الحلف على فعل ما نهى الله عنه وترك ما أمر الله به.
قاله ابن عباس ومسروق وسعيد ابن جبير وسعيد بن المسيب وأبو بكر وعروة بن الزبير.
وهذا القول ضعيف لا يصح, لأن هذه اليمين منعقدة وفيها الكفارة, ويقال لصاحبها: لا تفعل وكفر عن يمينك, والكفارة نوع مؤاخذة على ما بدر منه, فلا تدخل في اللغو الذي رفع الله عنه المؤاخذة مطلقا, وقد قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث المتفق عليه:(ذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرًا منها، فكفر عن يمينك وأت الذي هو خير).

القول الخامس: هي ما كان من دعاء الحالف على نفسه إن لم يفعل كذا وكذا.
قاله زيد بن أسلم.
وهذا القول ضعيف أيضا لأن دعاء العبد على نفسه منهي عنه كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم:(لَا يَدْعُوَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى نَفْسِهِ فَرُبَّمَا صَادَفَ سَاعَةً لَا يَسْأَلُ اللَّهَ أَحَدٌ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ), كما إن الكفارة تلزمه بيمينه هذه.

القول السادس: المراد ب(اللغو) كل يمين فيها كفارة.
قاله ابن عباس والضحاك.
وهذا القول ضعيف لأن الله -سبحانه- رفع المؤاخذة هن يمين اللغو, والكفارة نوع مؤاخذة.

القول السابع: هو ما حنث فيه الحالف ناسيا.
قاله إبراهيم النخعي.
وهذا لا يدخل في اللغو لأن الكلام عن اليمين ذاتها لا عن الحنث أوالبر باليمين, والناسي يمينه منعقدة فليست بلغو.

القول الثامن: ذكر عن ابن عبد البر قوله بأن المراد يمين المكره.
ويمين المكره لا تنعقد لافتقاره إلى قصد القلب, وقد استثنى الله كفر المكره في قوله:(إلا من أكره وقلبه مظمئن بالإيمان) فلإن تنعقد يمين المكره من باب أولى.

الراجح:
قال تعالى في الآية:{لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ } وقال في الآية الأخرى مبينا المراد بقوله:{بما كسبت قلوبكم} فقال:{لَا یُؤَاخِذُكُمُ ٱللَّهُ بِٱللَّغۡوِ فِیۤ أَیۡمَـٰنِكُمۡ وَلَـٰكِن یُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ ٱلۡأَیۡمَـٰنَ} فبين سبحانه بأن الأيمان إما يمين لغو أو يمين منعقدة عن قصد ونية:
فأما يمين اللغو فقد نفى سبحانه فيها الإثم أو الكفارة, أما الثانية فأوجب فيها الكفارة, أما الإثم فيكون بحسب المحلوف عليه وما قام في القلب من القصد والنية.
فإن كان كذلك فهذا ينطبق على القول الأول وهو قول عائشة-رضي الله عنها- وما في معناه, فاليمين يجري على اللسان دون قصد ولا نية تسبقه في القلب, فيكون كسبق اللسان بسبب كثرة اعتياد الناس له, وقد ينطبق على القول الثاني فقد قال النحاس:(لأن الحالف إذا حلف على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه فلم يقصده إلى غير ما حلف عليه فيحلف على ضده واليمينان لغو والله أعلم).
وقد نهى الله العباد عن كثرة الحلف فقال:{وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُم} وهذا هو المناسب لمقام تعظيم الله-سبحانه- في القلوب.
[أحسنتِ، بارك الله فيكِ، وحبذا لو استفدتِ كذلك من معنى اللغو "لغة" في تحريرك]

2: قول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى: {ومهيمنا عليه} قال: (مؤتمناً عليه).
تخريج الأثر:
رواه الطبري بطرق عن التميمي عن ابن عباس.
ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سَعِيدٍ الأشَجُّ، عن وكِيعٌ، عَنْ سُفْيانَ، وإسْماعِيلَ، عَنْ أبِي إسْحاقَ، عَنِ التَّمِيمِيّ عنه.
ورواه سعيد بن منصور عن سعيد، عن خديج بن معاوية عن أبي إسحاق عن رجل من بني تميم عنه.

المسألة التفسيرية:
المراد بقوله:{ومهيمنا}: [معنى]
نذكر ما جاء فيها من اقوال:
القول الأول: مؤتمنا, قاله ابن عباس وعكرمة والحسين وسعيد بن جبير والبخاري حيث قال : المهيمن: «الأمين، القرآن أمينٌ على كلّ كتابٍ قبله».

القول الثاني: شهيدا, قاله ابن عباس والسدي عكرمة.

القول الثالث: مصدقا, قاله ابن زيد.

القول الرابع: المراد بالمهيمن هو أن النبي -عليه الصلاة والسلام- مؤمن على القرآن, قاله مجاهد.
وقد رد الطبري هذا القول فقال:(وهذا التّأويل بعيدٌ من المفهوم في كلام العرب، بل هو خطأٌ، وذلك أنّ المهيمن عطفٌ على المصدّق، فلا يكون إلاّ من صفة ما كان المصدّق صفةً له...).
ووجه ابن عطية تفسير مجاهد بقوله:(ومُجاهِدٌ - رَحِمَهُ اللهُ - إنَّما يَقْرَأُ هو وابْنُ مُحَيْصِنٍ: "مُهَيْمَنًا عَلَيْهِ"؛ بِفَتْحِ المِيمِ الثانِيَةِ؛ فَهو بِناءُ اسْمِ المَفْعُولِ؛ وهو حالٌ مِنَ الكِتابِ؛ مَعْطُوفَةٌ عَلى قَوْلِهِ: "مُصَدِّقًا"؛ وعَلى هَذا يُتَّجَهُ أنَّ المُؤْتَمَنَ عَلَيْهِ هو مُحَمَّدٌ - صَلّى اللَـهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ -؛ و"عَلَيْهِ"؛ في مَوْضِعِ رَفْعٍ؛ عَلى تَقْدِيرِ أنَّها مَفْعُولٌ لَمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ؛ هَذا عَلى قِراءَةِ مُجاهِدٍ ).

الراجح:
لا تعارض بين الأقوال الثلاثة:
القرآن مسيطر وحاكم وناسخ لما سبق من الكتب, لذلك أمر الله نبيه بعدها بأن يحكم بالقرآن بينهم فقال: ﴿فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾.
وهو الشاهد على ما سبق من الكتب, يشهد على ما فيها من حق ويصححه , قال تعالى:{قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } ويشهد على ما حصل فيها من تبديل وتحريف فيبينه ويبطله, قال تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾
فهو شاهد ومصدق ومؤتمن وأمين ومهيمن.
فلا يجوز الرجوع والتحاكم إلا إليه, ولا يجوز العمل إلا بما جاء فيه من أحكام, قال تعالى:﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا ﴾

[أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ، ولكن فاتكِ بعض الأقوال منها " سيدًا " وشديدًا " و " القائم على الشيء" وهذه المسألة تفسيرية لغوية ترجع إلى معرفة معنى مفردة، فيحسن رجوعك لكتب أهل اللغة، والاستفادة من الخلاف في اشتقاق كلمة "]
3: قول عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما في تفسير قول الله {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} قال: «سبيل الخلاء والبول»
تخريج الأثر:
أخرجه الطبري بطرق عن محمد بن المرتفع عنه.
رواه البيهقي في شعب الإيمان عن أبي علي الروذباري عن إسماعيل بن محمد الصفار عن عباس بن محمد عن عبيد الله بن موسى، عن سفيان ، عن ابن جريج ، عن محمد بن المرتفع عنه .
[لم لا تختصرين التخريج بذكر أصل الإسناد؟
وهذا الأثر رواه عبد الرزاق أيضًا ولكن بلفظ " الغائط والبول"]

المسألة التفسيرية:
المراد بقوله:{وفي أنقسكم}:
نذكر ما جاء في الآية من أقوال أخرى:
القول الأول: المراد تسوية الله تبارك وتعالى لمفاصل الأبدان وخلق الجوارح كالقلب والسمع والبصر . قاله ابن زيد, وقرأ عند تفسيره لهذه الآية قوله تعالى:﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ إِذَا أَنْتُمْ بَشَرٌ تَنْتَشِرُونَ﴾, وقاله ابن أبي زمنين.
القول الثاني: المراد به اختلاف الألسن والصور والألوان والطباع. قاله عطاء عن ابن عباس. ذكره البغوي.

الراجح:
لفظ الاية عام, فليس فيه تخصيص لشيء دون شيء, فيدخل في معنى الآية جميع صنع الله وخلقه للإنسان, بدء من خلق آدم-عليه السلام- من تراب, ونفخ الروح فيه, وتعليمه أسماء كل شيء, ثم جعل نسله من سلالة من ماء مهين, فخلقه من نطفة ثم من مضغة ثم من علقة ليصير طفلا يتدرج في النمو ويكتسب المهارات والعلم, مع ما أودعه الله فيه من علوم ضرورية لا تقوم حياته إلا بها, كما قال تعالى:{هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ يُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ ثُمَّ لِتَكُونُوا شُيُوخًا ۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبْلُ}.
ويدخل في هذا تركيب خلقه: من جوارح خارجية أو داخلية لا ترى بالعين وهي مع ذلك تعمل دون فعل منا أو جهد, كما قال تعالى:{قُلْ هُوَ الَّذِي أَنشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ ۖ قَلِيلًا مَّا تَشْكُرُونَ}.
ويدخل في ذلك اختلاف الألسن والألوان والصور والطبائع كما قال تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّلْعَالِمِينَ}.
ويدخل في ذلك قول ابن الزبير -ولعله نبه عليه لخفاء هذه النعمة على الكثيرين- فلو حبس البول في جسم الإنسان لما استطاع أن يخرجه, ومثله الغائط, ولتسبب له من الأذى والألم ما الله به عليم.
(وقد ذكر ابن كثير في البداية النهاية أن ﺍﺑﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﻙ دخل ﻋﻠﻰ ﻫﺎﺭﻭﻥ ﺍﻟﺮﺷﻴﺪ ﻳﻮﻣﺎ ، ﻓﺎﺳﺘﺴﻘﻰ ﺍﻟﺮﺷﻴﺪ ﻓﺄﺗﻲ ﺑﻘﻠﺔ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﺎﺀ ﻣﺒﺮﺩ ﻓﻘﺎﻝ ﻻﺑﻦ ﺍﻟﺴﻤﺎﻙ : ﻋﻈﻨﻲ .
ﻓﻘﺎﻝ : ﻳﺎ ﺃﻣﻴﺮ ﺍﻟﻤﺆﻣﻨﻴﻦ ! ﺑﻜﻢ ﻛﻨﺖ ﻣﺸﺘﺮﻳﺎ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺸﺮﺑﺔ ﻟﻮ ﻣﻨﻌﺘﻬﺎ؟
ﻓﻘﺎﻝ : ﺑﻨﺼﻒ ﻣﻠﻜﻲ .
ﻓﻘﺎﻝ : ﺍﺷﺮﺏ ﻫﻨﻴﺌﺎ، ﻓﻠﻤﺎ ﺷﺮﺏ ﻗﺎﻝ : ﺃﺭﺃﻳﺖ ﻟﻮ ﻣﻨﻌﺖ ﺧﺮﻭﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﺑﺪﻧﻚ ﺑﻜﻢ ﻛﻨﺖ ﺗﺸﺘﺮﻱ ﺫﻟﻚ ؟ ﻗﺎﻝ ﺑﻨﺼﻒ ﻣﻠﻜﻲ ﺍﻵﺧﺮ .
ﻓﻘﺎﻝ : ﺇﻥ ﻣﻠﻜﺎ ﻗﻴﻤﺔ ﻧﺼﻔﻪ ﺷﺮﺑﺔ ﻣﺎﺀ، ﻭﻗﻴﻤﺔ ﻧﺼﻔﻪ ﺍﻵﺧﺮ ﺑﻮﻟﺔ، ﻟﺨﻠﻴﻖ ﺃﻥ ﻻ ﻳﺘﻨﺎﻓﺲ ﻓﻴﻪ !!
ﻓﺒﻜﻰ ﻫﺎﺭﻭﻥ).

وجميع هذه النعم الظاهرة والباطنة, المعلوم منها والمجهول تدل على وحدانية الله، وأنه لا إله إلا هو, فلا أحد قادر على خلق مثل هذا الخلق, بل الكل عاجز عن خلق ذبابة ولو اجتمعوا له, لذلك ختم الله-سبحانه-الآية بقوله:﴿أَفَلا تُبْصِرُونَ﴾ ففيه دعوة للتفكر والاعتبار المثمر للهداية والإيمان ولصلاح القلب وقوة البصيرة.


4: قول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في المراد بالصراط المستقيم قال: (الإسلام).
تخريج الأثر:
أخرجه الطبري عن محمود بن خِدَاشِ الطالَقاني، عن حُميد بن عبد الرحمن الرُّؤاسِي، عن علي والحسن ابنا صالح جميعًا، عن عبد الله بن محمد بن عَقِيل، عنه.
[نفس الملحوظة، التخريج ينقصه مصادرأخرى، ونذكر أصل الإسناد ومخرج الأثر]
المسألة التفسيرية:
المراد ب(الصراط المستقيم):
وردت أقوال أخرى في المراد منه وهي:
القول الأول: هو القرآن. قاله علي بن أبي طالب وابن مسعود
القول الثاني: هو رسول الله ﷺ، وصاحباه من بعدِه أبو بكر وعمر. قاله أبو العالية والحسن
القول الثالث: هو الحق. قاله مجاهد.

الراجح:
جميع هَذِهِ الْأَقْوَالِ صحيحة ومتلازمة لا ينفك قول عن قول, وقول مجاهد هو أعمها يدخل فيه جميع القوال.
قال ابن كثير:( وَهِيَ مُتَلَازِمَةٌ، فَإِنَّ مَنِ اتَّبَعَ النَّبِيَّ ﷺ، وَاقْتَدَى بِاللَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ، فَقَدِ اتَّبَعَ الْحَقَّ، وَمَنِ اتَّبَعَ الْحَقَّ فَقَدِ اتَّبَعَ الْإِسْلَامَ، وَمَنِ اتَّبَعَ الْإِسْلَامَ فَقَدِ اتَّبَعَ الْقُرْآنَ، وَهُوَ كِتَابُ اللَّهِ وَحَبْلُهُ الْمَتِينُ، وَصِرَاطُهُ الْمُسْتَقِيمُ، فَكُلُّهَا صَحِيحَةٌ يُصَدِّقُ بَعْضُهَا بَعْضًا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ).
وقد جاء في الحديث الذي رواه أحمد والترمذي: حديث النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الأَنْصَارِيِّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا صِرَاطًا مُسْتَقِيمً، وَعَلَى جَنْبَتَي الصِّرَاطِ سُورَانِ، فِيهِمَا أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الابْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَعَلَى بَابِ الصِّرَاطِ دَاعٍ، يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ ادْخُلُوا الصِّرَاطَ جَمِيعًا وَلا تَتَفَرَّجُو، وَدَاعٍ يَدْعُو مِنْ جَوْفِ الصِّرَاطِ، فَإِذَا أَرَادَ يَفْتَحُ شَيْئًا مِنْ تِلْكَ الابْوَابِ قَالَ: وَيْحَكَ لا تَفْتَحْهُ فَإِنَّكَ إِنْ تَفْتَحْهُ تَلِجْهُ، وَالصِّرَاطُ الاسْلامُ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ تَعَالَى، وَالابْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ الدَّاعِي عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّرَاطِ وَاعِظُ اللَّهِ فِي قَلْبِ كُلِّ مُسْلِمٍ).
فقد بعث الله-سبحانه- النبي- عليه الصلاة والسلام- ليدل الناس على الصراط المستقيم الموصل إلى رضوان الله وجناته, قال تعالى:{وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}, وهذا الطريق هو دين الإسلام, فمن ابتغى غيره ضل وهلك, لذلك قال -عليه الصلاة والسلام- في الحديث:(والصراط الإسلام), والسالك لهذا الطريق يحتاج إلى نور يهتدي به, نور يميز به بين الحق والباطل, ويحتاج إلى ما يبين له مسالك الدرب وقطاع الطرق, ويبين له ما عليه عمله وما عليه تركه لينجو, لذلك كان الداعي على جنبتي الصراط هو القرآن, فهوكلام الله, وهو سبيل النجاة, وقد جاء في من قول علي عن القرآن:(وهو الصراط المستقيم).
فالسالك إذا سار على الصراط بهداية القرآن لن يلتفت إلى ما يحيط به من معوقات وقطاع ظرق, وحصلت له النجاة بذلك.
فهذه الأمور بمجمعها هي الصراط المستقيم, الطريق الواضح المستقيم الذي يوصل إلى الله ورضوانه.


5: قول أنس بن مالك رضي الله عنه في تفسير قول الله تعالى: {كشجرة خبيثة} قال: (الحنظل).

تخريج الأثر:
رواه الطبري بطرق متعددة عن أنس, من طريق معاوية بن قرة, ومن طريق شعيب بن حباب, وغيره.
أخرجه الترمذي عن أحمد بن عبدة الضبي عن حماد بن زيد عن شعيب بن الحبحاب عن أنس .
وأخرجه الترمذي مرفوعا عن عبد بن حميد عن أبي الوليد عن حماد بن سلمة عن شعيب بن الحبحاب عن أنس بن مالك يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
وعلق عليه بقوله:(حدثنا قتيبة حدثنا أبو بكر بن شعيب بن الحبحاب عن أبيه عن أنس بن مالك نحوه بمعناه ولم يرفعه ولم يذكر قول أبي العالية وهذا أصح من حديث حماد بن سلمة وروى غير واحد مثل هذا موقوفا ولا نعلم أحدا رفعه غير حماد بن سلمة ورواه معمر و حماد بن زيد وغير واحد ولم يرفعوه).
[مخرج هذا الأثر هو شعيب بن الحبحاب، ولوجود اختلاف بين رفعه للنبي صلى الله عليه وسلم ووقفه على أنس بن مالك رضي الله عنه، ننظر فيمن روى عن شعيب، لنجد أنه لم يرفع للنبي صلى الله عليه وسلم إلا من رواية حماد بن سلمة عن شعيب عن أنس
حينئذ ينظر المحققون في حال حماد وحال روايته عن شعيب للحكم على الأثر]

المسألة التفسيرية:
المراد ب(كشجرة خبيثة):
نورد ما ورد من أقوال أخرى في بيان المراد منها:
القول الأول: إن المراد منها شجرة لم تخلق بعد. قاله ابن عباس.
وهذا لأن الآيات لم تعين شجرة بعينها.

القول الثانِي: المراد بها الكافِرُ. قاله ابن عباس والربيع بن أنس والضحاك.
[استخراج هذا القول خاطئ، لأنهم أرادو بيان " المشبه " وهو الكافر، والمشبه به هو " الشجرة الخبيثة "، والمسألة التي نحن بصدد بحثها هي في المراد بالشجرة الخبيثة، وليس في معنى المثل وأركانه]
القول الثالث: أنَّها الكَشُوث وهي العشقة. نسبه ابن الجوزي لابن عباس. وقاله الزجاج, وذكره البغوي.
وجاء في لسان العرب: (نبات مجتث مقطوع الأصل. وقيل: لا أصل له، وهو أصغر يتعلق بأطراف الشوك وغيره.
وقال الجوهري هو: نبت يتعلق بأغصان الشجر من غير أن يضرب بعرق في الأرض ... ".
أما العَشَقَةُ: فهي شجرة تخضر ثم تدق وتصفر، وهي عند المولدين: اللَّبْلاب، وجمعها العَشَق).
وهذا النوع من الأشجار ينطبق وصفه على ما جاء في الآية من حيث مسارعة الناس إلى اقتلاعه بالكلية من جذوره, فلا يتركونه يلتفت على الأشجار فيقتلها.

القول الرابع: المراد به الثوم. نسبه ابن الجوزي لابن عباس. ذكره البغوي.
ولعل هذا القول يرجع إلى قوله -عليه الصلاة والسلام -في الثوم:...(من أكل من هذه الشجرة الخبيثة شيئا، فلا يقربنا في المسجد...) لكنه عليه الصلاة والسلام- علل خبثها برائحتها الكريهة فقال:(...ولكنها شجرة أكره ريحها...), ولعله لا يدخل فيما جاء من وصف هذه الشجرة في الآية من حيث عدم الثبات والقرار في الأرض, كما إن فوائد الثوم كثيرة.

الراجح:
لا تعارض بين الأقوال, فلفظ الآية عامة فيدخل فيه ما انطبق عليه هذا الوصف من النباتات من حيث عدم ثبات جذوره في الأرض, وسهولة اقتلاعه والتخلص منه, فهو كما بينت الآية من النباتات الضارة التي لا فائدة ترجى منها, بل على العكس تجلب المضرة لما يحيط بها من نباتات إن هي التفت عليه, أو كان ثمرها مر (كالحنظل) فيضر من انخدع بشكله وأكله, وصفة عدم القرار منطبقة على الحنظل: فهو من النباتات التي يسهل اجتثاثها والتخلص منها لما فيها من أذى.
فهنا الخلاف في تعيين النبات الذي وقع التشبيه عليه, فهو من باب التفسير بالمثال ولا يعني هذا القصر على صنف منها, فيدخل فيه كل نبات مؤذي, وخبيث سواء في ذاته أو ثمره
وقول من قال بأنه (الكافر أو الكفر) فهذا تفسير المثل بذكر المشبه, [إذا هو غير مقصود بالمسألة المراد بحثها كما وضحتُ لكِ أعلاه] فالكافر لا يرفع له عمل, بل أعماله-وإن حسبها حسنة- فهي حابطة, فلا هو انتفع بها في الدنيا فزادت في إيمانه وثباته, ولا هي نافعته في الآخرة ومانعة عنه العذاب, قال تعالى:{وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} وقال:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} فأثبت لهم صنيعا وأثبت لهم سعيا واثبت لهم عملا, لكن لما لم يكن على مراد الله كان كأن لم يكن بسبب خبث الكفر وأهله, فهان زواله.



التقويم: أ
أحسنتِ، بارك الله فيكِ، وأرجو الاعتناء بصياغة التخريج، وتوسيع البحث عن طرقه.
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا.

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 شوال 1441هـ/1-06-2020م, 01:30 AM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هيثم محمد مشاهدة المشاركة
1: قول عائشة رضي الله عنها في لغو اليمين: (هو لا والله، وبلى والله، ما يتراجع به الناس).
التخريج:
رواه البخاري وعبد الرزاق والنسائي في السنن الكبرى وابن جرير وابن أبي حاتم -واللفظ لابن جرير- كلهم من طريق عروة بن الزبير قَالَ: "سَأَلْتُ عَائِشَةَ، عَنْ لَغْوِ الْيَمِينِ، قَالَتْ: "هُوَ لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ، مَا يَتَرَاجَعُ بِهِ النَّاسُ".
وهي صحيحة كما أخرجها البخاري.
[وللرواية طريق آخر لم تذكره " عن عطاء عن عائشة رضي الله عنها"، وحبذا لو ذكرت اختلاف الألفاظ لتستفيد منها عند الدراسة بإذن الله]
التوجيه:
المعنى في الآية على قول عائشة هو: عدم المؤاخذة بما سبق به اللسان من الأيمان على عجلة وسرعة، فلا يجب الكفارة إذا لم يقصد الحلف واليمين، لأن لغو اليمين ما لا يعتد به ولا حكم له، لأنه لم ينوها، فهي ليست يمينا شرعية لتحققها في نفسها، ولأنه لا يتصور فيها الحنث، كما هو قول كثير من الصحابة والتابعين.
ويؤيد هذا القول: ما رواه حماد بن زيد، عن أيوب، عن أبي قلابة قال: لا والله، وبلى والله: لغة من لغات العرب، لا يراد بها اليمين، وهي من صلة الكلام، وتعريف أبو عبيدة للغو بقوله: "لا والله، وبلى والله، وليس بيمينٍ تقتطع بها مالاً أو تظلم بها"، واستشهد له ابْن كَثِير بما في الصّحيحين من حديث أبي هريرة: أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلم قال: "من حلف فقال في حلفه: واللّات والعزّى، فليقل: لا إله إلّا اللّه".
ومن أحسن من وجهه: سعد الدين التَّفْتَازَانِيّ بقوله: "وهو على طريق المثال وإيراد بعض الجزئيات".
ولكونه من قول عائشة رضي الله عنها فلذلك اعتبره كثير من المفسرين لأنها أعلم باللسان مع علمها بالفقه.

بقية الأقوال في الآية:
القول الثاني: لغو اليمين حلف الإنسان على الشيء يظن أنه كما حلف عليه فإذا هو غير ذلك، وهو قول ابن عباس في أحد أقواله وأبي هريرة والحسن وقتادة ومجاهد في أحد قوليه وسليمان بن يسار وإبراهيم في أحد أقواله والسدي والربيع بن أنس وأبي مالك، رواه ابن جرير وعبد الرزاق وابن أبي حاتم، وهو ترجيح الإمام مالك في الموطأ، وذكره النحاس ضمن القول الأول، ولم يذكر مكي بن أبي طالب غيره، وهو فهم أَبو حنيفة بقوله: اللغوُ هو أَنْ يَحلفَ الرجلُ بناءً على ظَنّه الكاذبِ.
ويؤيده الحديث الذي نقله ابن عطية أن قوما تراجعوا القول بينهم وهم يرمون بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم، فحلف أحدهم: لقد أصبت وأخطأت يا فلان، فإذا الأمر بخلافه، فقال رجل: حنث يا رسول الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "أيمان الرماة لغو لا إثم فيها ولا كفارة". [تخريجه؟]
وهو مذهب أبو حنيفة وأصحابه والشافعي وقال ابن المنذر: وهو قول أكثر العلماء، إلا أن أبا حنيفة قال: اللغو: قول الرجل: لا والله، وبلى والله، فيما يظن أنه صادق على الماضي، وعند الشافعي: سواء كانت في الماضي أو المستقبل.
وتكون اليمين على المستقبل، كقوله: والله لأفعلن، ومنه قول النبي: " والله لأغزون قريشاً". أخرجه أبو داود في الأيمان والنذور
وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ: أَوْ مِائَةٌ تَجْعَلُ أَوْلَادَهَا ... لغوا وعرض المائة الجلد
يَعْنِي نُوقًا لَا تَعْتَدُّ بِأَوْلَادِهَا

القول الثالث: اللغو يمين الغضبان. وإنما يشبه الغاضب لمن لم يقصد إلى اليمين ولا أراده، وكأنه غلبه الغضب، فهو كمن لم ينو اليمين، فلا كفارة عليه، وهو قول طاووس وابن عباس في أحد أقواله، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، وحجة هذا القول ما رواه ابن عباس أن رسول الله قال: "لا يمين في غضب"، وضعفه القرطبي، لأن جمهور الفقهاء على أن الغاضب قاصد إلى أفعاله، والغضب يزيد تأكيدا وقوة في قصده، ولأن النَّبِيِّ حَلِف غَاضِبًا أَلَّا يَحْمِلَ الْأَشْعَرِيِّينَ وَحَمَلَهُمْ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ.

القول الرابع: اللّغو في اليمين: الحلف على فعل ما نهى اللّه عنه، وترك ما أمر اللّه بفعله، وهو قول سعيد بن جبير، رواه ابن جرير وعبد الرزاق وابن أبي حاتم، ورواه ابن أبي حاتم أيضا عن ابن عباس، وضعفه ابن جرير والنحاس والقرطبي والقاضي إسماعيل بن إسحاق، لِأَنَّ الْحَالِفَ عَلَى تَرْكِ الْمَعْصِيَةِ تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ عِبَادَةً، وَالْحَالِفُ عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ تَنْعَقِدُ يَمِينُهُ مَعْصِيَةً، وَيُقَالُ لَهُ: لَا تَفْعَلْ وَكَفِّرْ، فَإِنْ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ أَثِمَ فِي إِقْدَامِهِ وَبَرَّ فِي قَسَمِهِ.

القول الخامس: اللّغو من الأيمان: ما كان من يمينٍ بمعنى الدّعاء من الحالف على نفسه إن لم يفعل كذا وكذا، أو بمعنى الشّرك، والكفر، كقول الرجل أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا أخرجني الله من مالي إن لم آتك غدا فلو أخذه بهذا لم يترك له شيئا، وهو قول زيد بن أسلم، رواه ابن جرير وابن وهب وابن أبي حاتم، وضعفه النحاس والقرطبي، لأنه دعاء منعقد في القصد، مَكْرُوهٌ، وَرُبَّمَا يُؤَاخَذُ بِهِ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" لَا يَدْعُوَنَّ أَحَدُكُمْ عَلَى نَفْسِهِ فَرُبَّمَا صَادَفَ سَاعَةً لَا يَسْأَلُ اللَّهَ أَحَدٌ فِيهَا شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ إِيَّاهُ".

القول السادس: اللّغو في الأيمان: ما كانت فيه كفّارة، أي إذا كفرت اليمين فحينئذ سقطت وصارت لغوا، ولا يؤاخذ الله بتكفيرها والرجوع إلى الذي هو خير، وهو قول الضّحّاك وابن عباس في أحد أقواله، رواه ابن جرير، وضعفه ابن عطية وابن العربي والقرطبي، لأنه قد رفع الله عز وجل المؤاخذة بالإطلاق في اللغو، فحقيقته ما لا إثم فيه ولا كفارة، والمؤاخذة في الأيمان هي بعقوبة الآخرة في الغموس المصبورة، وفيما ترك تكفيره مما فيه كفارة، وبعقوبة الدنيا في إلزام الكفارة، فيضعف القول بأنها اليمين المكفرة، لأن المؤاخذة قد وقعت فيها، وتخصيص المؤاخذة بأنها في الآخرة فقط تحكم".

القول السابع: اللّغو من الأيمان: هو ما حنث فيه الحالف ناسيًا، وهو قول إبراهيم النخعي في أحد أقواله، رواه ابن جرير وعبد الرزاق وابن أبي حاتم، ووجهه ابْن الْعَرَبِيّ بقوله: "أَمَّا الْيَمِينُ مَعَ النِّسْيَانِ فَلَا شَكَّ فِي إِلْغَائِهَا. لِأَنَّهَا جَاءَتْ عَلَى خِلَافِ قَصْدِهِ، فَهِيَ لَغْوٌ مَحْضٌ".

القول الثامن: اللّغو من الأيمان: هو كلّ يمينٍ وصل الرّجل بها كلامه على غير قصدٍ منه إيجابها على نفسه، وهو قول إبراهيم في أحد أقواله ومجاهد في أحد قوليه وعائشة في أحد قوليها، كما رواه ابن جرير، وهو داخل في القول الأول.

الترجيح:
من خلال جمع أقوال علماء اللغة يتبين أن المراد باللغو يتضمن عدة معاني متقاربة كما يلي:
- قال الفراء: "إن اللغو ما يجرى في الكلام على غير عقد"، وقال ابن قتيبة: "اللغو في اليمين: ما يجري في الكلام على غير عقد"، ومنه قول الفرزدق: وَلَسْتَ بِمَأْخُوذٍ بِلَغْوٍ تَقُولُهُ ... إِذَا لَمْ تُعَمِّدْ عَاقِدَاتِ العَزَائِمِ.
- وقال ابن جرير الطبري: "واللّغو من الكلام في كلام العرب كلّ كلامٍ كان مذمومًا، وفعلاً لا معنى له مهجورًا، يقال منه: لغا فلانٌ في كلامه يلغو لغوًا: إذا قال قبيحًا من الكلام، ومنه قول اللّه تعالى ذكره: {وإذا سمعوا اللّغو أعرضوا عنه}، وقوله: {وإذا مرّوا باللّغو مرّوا كرامًا} ومسموعٌ من العرب لغيت باسم فلانٍ، بمعنى أولعت بذكره بالقبيح.
فمن قال لغيت، قال ألغى لغًا، وهي لغةٌ لبعض العرب، ومنه قول الرّاجز: وربّ أسراب حجيجٍ كظّم = عن اللّغا، ورفث التّكلّم"
- وقال ابن عطية: "سقط الكلام الذي لا حكم له، ويستعمل في الهجر والرفث"، ومنه قوله تعالى: {وَإِذَا سَمِعُواْ اللغو أَعْرَضُواْ عَنْهُ} وقوله: {لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً}، وقوله: {لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً}، {لاَّ تَسْمَعُ فِيهَا لاَغِيَةً} وقال عليه الصّلاة والسّلام: «إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ يَوْمَ الجُمعَةِ والإِمَامُ يَخْطُبُ: أَنْصِتْ فَقَدْ لَغَوْتَ».
فيمكن أن نرجح الجمع بين القول الأول وهو قول عائشة والقول الثاني لمطابقتهما للمعنى اللغوي، ولأنهما قول الجمهور من الفقهاء والمفسرين، وهو ظاهر ما ذكره النحاس وابن جرير، كما أنه مذهب الإمام أحمد كما نقل ابن عبد البر.
- قال النحاس تعقيبا على قول عائشة: "وقول أبي هريرة وابن عباس: غير خارج من ذا أيضا لأن الحالف إذا حلف على الشيء يظن أنه الذي حلف عليه فلم يقصده إلى غير ما حلف عليه فيحلف على ضده واليمينان لغو والله أعلم
- وقال ابن جرير أن معنى الآية: "إنّ اللّه لا يؤاخذكم بما لغته ألسنتكم من أيمانكم، فنطقت به من قبيح الأيمان وذميمها، على غير تعمّدكم الإثم وقصدكم بعزائم صدوركم إلى إيجاب عقد الأيمان الّتي حلفتم بها".

2: قول ابن عباس رضي الله عنهما في تفسير قول الله تعالى: {ومهيمنا عليه} قال: (مؤتمناً عليه).
التخريج:
رواه ابن وهب وسعيد بن منصور، وعبد بن حميد وابن جرير، وابن أبي حاتم، والبيهقي في الأسماء والصفات كلهم من طريق التّميميّ عن ابن عباس في قوله {ومهيمنا عليه} قال: مؤتمنا عليه.
التميمي هو: "أربدة - بسكون الراء بعدها موحدة مكسورة - التميمي"، ويقال: أربد التميمي المفسر، وهو تابعي كوفي أصله من البصرة، يروي التفسير عن ابن عباس، وروى عنه أبو إسحاق السبيعي والمنهال بن عمرو. وثقه العجلي، وذكره ابن حبان في الثقات، وذكره ابن أبي حاتم وسكت عنه، وقال ابن حجر: صدوق. (الجرح والتعديل، والتهذيب، والتقريب).

التوجيه:
هو معنى صحيح من حيث اللغة، ففِي أَصْل مُهَيْمِن قَوْلَان:
1. قِيلَ أَصْلُهُ مؤيمن وَالْهَاءُ مُبَدَّلَةٌ مِنْ الْهَمْزَةِ، وهو قول الْمُبَرِّد والزَّجَّاج وَأَبُو عَلِيّ والْجَوْهَرِيّ.
2. وَقِيلَ بَلْ الْهَاءُ أَصْلِيَّةٌ، ذكره ابن حجر.
وقال النحاس: "قال بعضهم: مهيمن في معنى مؤتمن إلا أن الهاء بدل من الهمزة، والأصل مؤتمنا عليه كما قالوا: هرقت الماء، وأرقت الماء، وكما قالوا: إياك وهياك، وهذا قول أبي العباس محمد بن يزيد، وهو على مذهب العربية حسن وموافق لبعض ما جاء في التفسير، لأن معناه مؤتمن".
وقال أبو عبيدة: "لم يجئ في كلام العرب على هذا البناء إلّا أربعة ألفاظٍ مبيطرٌ ومسيطرٌ ومهيمنٌ ومبيقر".
وعقب ابن حجر على أقوال أهل اللغة بقوله: "أصل الهيمنة الحفظ والارتقاب تقول هيمن فلانٌ على فلانٍ إذا صار رقيبًا عليه فهو مهيمنٌ".
ويشهد له ما رواه ابن جرير وابن أبي حاتم كلاهما من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله تعالى: {وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ} قال: القرآن أمين على كل كتاب كان قبله.
وقال ابن جريج: القرآن أمين على الكتب المتقدمة فما وافقه منها فحق وما خالفه منها فهو باطل.
وقال مجاهد: "ومهيمنا عليه قال مؤتمن على الكتب".
كما هو تفسير البخاري في صحيحه: "المهيمن: «الأمين، القرآن أمينٌ على كلّ كتابٍ قبله»".
وقال ابن عطية: "يقال من مهيمن هيمن الرجل على الشيء إذا حفظه وحاطه وصار قائما عليه أمينا".

بقية الأقوال في الآية:
القول الثاني: شاهدًا على الكتب الّتي خلت قبله، وهو قول ابن عبّاس في أحد أقواله والسّدّي وقتادة ومجاهد في أحد قوليه، رواه ابن جرير وعبد الرزاق، وذكره الخطابي، ولم يذكر الأخفش وثعلب غيره.
القول الثالث: مصدّقًا بهذه الكتب، وهو قول ابن زيد والحسن، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، فكل شيء أنزله اللّه من توراة أو إنجيل أو زبور فالقرآن مصدّق على ذلك، وكل شيء ذكر اللّه في القرآن فهو مصدّق عليها وعلى ما حدّث عنها أنّه حق، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
إِنَّ الْكِتَابَ مُهَيْمِنٌ لِنَبِيِّنَا ... وَالْحَقُّ يَعْرِفُهُ ذَوُو الْأَلْبَابِ
القول الرابع: نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم مؤتمنٌ على القرآن، وهو عن مجاهد في أحد قوليه وابن أبي نجيحٍ، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم، وذكر ابن عطية أن موافق لقراءة مُجَاهِد وَابْنُ مُحَيْصِن:"وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ" بِفَتْحِ الْمِيمِ الثانية فهو بناء اسم المفعول، وضعف هذا المعنى ابن جرير لكونه ضعيف من حيث العربية بقوله: "وهذا التّأويل بعيدٌ من المفهوم في كلام العرب، بل هو خطأٌ، وذلك أنّ المهيمن عطفٌ على المصدّق، فلا يكون إلاّ من صفة ما كان المصدّق صفةً له، ولو كان معنى الكلام ما روي عن مجاهدٍ لقيل: وأنزلنا إليك الكتاب مصدّقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه؛ لأنّه لم تقدّمٌ من صفة الكاف الّتي في {إليك}، وليس بعدها شيءٌ يكون مهيمنًا عليه عطفًا عليه، وإنّما عطف به على المصدّق، لأنّه من صفة الكتاب الّذي من صفته المصدّق". [وهو داخل في معنى " مؤتمن " إذ البحث عن معنى الكلمة، وراجع تفسير ابن عطية في الرد على قول ابن جرير]
القول الخامس: سيّدا، وهو عن ابن عباس في أحد أقواله، رواه ابن أبي حاتم.
[وقال الأنباري: معناه القائم على الشيء، وقال ابن فارس في مجمل اللغة معناه الشديد]
الترجيح:
الراجح -والله أعلم- هو الجمع بين الأقوال الثلاثة الأولى لتقارب معانيها، وهو اختيار أبو عبيدة وابن جرير والنحاس وابن عطية وابن تيمية وابن كثير.
قالَ أَبُو عُبَيْدَة: "(ومهيمناً عليه) أي مصدّقاً مؤتمناً على القرآن وشاهداً عليه".
وقال ابن جرير: "{ومهيمنًا عليه} يقول: أنزلنا الكتاب الّذي أنزلناه إليك يا محمّد مصدّقًا للكتب قبله، وشهيدًا عليها أنّها حقٌّ من عند اللّه، أمينًا عليها، حافظًا لها".
وقال النحاس: "وهذه الأقوال كلها متقاربة المعاني لأنه إذا كان حافظا للشيء فهو مؤتمن عليه وشاهد".
وقال ابن عطية: "ولفظة المهيمن أخص من هذه الألفاظ، لأن المهيمن على الشيء هو المعنيّ بأمره الشاهد على حقائقه الحافظ لحاصله ولأن يدخل فيه ما ليس منه والله تبارك وتعالى هو المهيمن على مخلوقاته وعباده، والوصي مهيمن على محجوريه وأموالهم، والرئيس مهيمن على رعيته وأحوالهم، والقرآن جعله الله مهيمنا على الكتب يشهد بما فيها من الحقائق وعلى ما نسبه المحرفون إليها فيصحح الحقائق ويبطل التحريف، وهذا هو شاهد ومصدق ومؤتمن وأمين".
وقال ابن تيمية في مجموع الفتاوى: "فَالسَّلَفُ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الْمُهَيْمِنُ الْمُؤْتَمِنُ الشَّاهِدُ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكُتُبِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْمُهَيْمِنَ عَلَى الشَّيْءِ أَعْلَى مِنْهُ مَرْتَبَةً. وَمِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ "الْمُهَيْمِنُ" وَيُسَمَّى الْحَاكِمَ عَلَى النَّاسِ الْقَائِمَ بِأُمُورِهِمْ "الْمُهَيْمِنُ". وَهَكَذَا الْقُرْآنُ فَإِنَّهُ قَرَّرَ مَا فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِنْ الْخَبَرِ عَنْ اللَّهِ وَعَنْ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَزَادَ ذَلِكَ بَيَانًا وَتَفْصِيلًا. وَبَيَّنَ الْأَدِلَّةَ وَالْبَرَاهِينَ عَلَى ذَلِكَ وَقَرَّرَ نُبُوَّةَ الْأَنْبِيَاءِ كُلِّهِمْ وَرِسَالَةَ الْمُرْسَلِينَ وَقَرَّرَ الشَّرَائِعَ الْكُلِّيَّةَ الَّتِي بُعِثَتْ بِهَا الرُّسُلُ كُلُّهُمْ. وَجَادَلَ الْمُكَذِّبِينَ بِالْكُتُبِ وَالرُّسُلِ بِأَنْوَاعِ الْحُجَجِ وَالْبَرَاهِينِ وَبَيَّنَ عُقُوبَاتِ اللَّهِ لَهُمْ وَنَصْرَهُ لِأَهْلِ الْكُتُبِ الْمُتَّبِعِينَ لَهَا وَبَيَّنَ مَا حُرِّفَ مِنْهَا وَبُدِّلَ وَمَا فَعَلَهُ أَهْلُ الْكِتَابِ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ وَبَيَّنَ أَيْضًا مَا كَتَمُوهُ مِمَّا أَمَرَ اللَّهُ بِبَيَانِهِ وَكُلُّ مَا جَاءَتْ بِهِ النُّبُوَّاتُ بِأَحْسَنِ الشَّرَائِعِ وَالْمَنَاهِجِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ فَصَارَتْ لَهُ الْهَيْمَنَةُ عَلَى مَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ الْكُتُبِ مِنْ وُجُوهٍ مُتَعَدِّدَةٍ فَهُوَ شَاهِدٌ بِصِدْقِهَا وَشَاهِدٌ بِكَذِبِ مَا حُرِّفَ مِنْهَا وَهُوَ حَاكِمٌ بِإِقْرَارِ مَا أَقَرَّهُ اللَّهُ وَنَسْخِ مَا نَسَخَهُ فَهُوَ شَاهِدٌ فِي الْخَبَرِيَّاتِ حَاكِمٌ فِي الْأَمْرِيَّاتِ".
وقال ابن كثير: "وهذه الأقوال كلّها متقاربة المعنى، فإنّ اسم "المهيمن" يتضمّن هذا كلّه، فهو أمينٌ وشاهدٌ وحاكمٌ على كلّ كتابٍ قبله، جعل اللّه هذا الكتاب العظيم، الّذي أنزله آخر الكتب وخاتمها، أشملها وأعظمها وأحكمها حيث جمع فيه محاسن ما قبله، وزاده من الكمالات ما ليس في غيره؛ فلهذا جعله شاهدًا وأمينًا وحاكمًا عليها كلّها. وتكفّل تعالى بحفظه بنفسه الكريمة، فقال تعالى {إنّا نحن نزلنا الذّكر وإنّا له لحافظون}".
[وما المانع من دخول القول " سيدًا " في المعنى؟، فلو تأملت ما نقلته عن ابن تيمية وابن كثير، تجد أنه يدخل في الأقوال القول الخامس وقول الأنباري وابن فارس]
3: قول عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما في تفسير قول الله {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} قال: «سبيل الخلاء والبول»
التخريج:
رواه عبد الرزاق، وابن جرير، والبيهقي في شعب الإيمان من طريق ابن جريج، عن محمّد بن المرتفع، عن عبد اللّه بن الزّبير {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} قال: سبيل الخلاء والبول
قال عبد اللَّه بن أحمد بن حنبل: سمعت أبي يقول: محمد بن المرتفع شيخ ثقة، روى عنه ابن جريج وابن عيينة.

التوجيه:
هو تفسير صحيح بالمثال، وهو أيضا تفسير الفراء والبخاري بقولهم: "تأكل وتشرب في مدخلٍ واحدٍ، ويخرج من موضعين"، وروى ابن أبي حاتم عن السدي رضي الله عنه في قوله {وفي أنفسكم أفلا تبصرون} قال: فيما يدخل من طعامكم وما يخرج.

بقية الأقوال في الآية:
القول الثاني: وفي تسوية اللّه تبارك وتعالى مفاصل أبدانكم وجوارحكم دلالةٌ لكم على أن خلقتم لعبادته، وهو قول ابن زيد، رواه ابن جرير، ويقاربه في المعنى ما نقله مكي بن أبي طالب وابن كثير والسيوطي عن قتادة: أن معناه أن يتفكر الإنسان في نفسه فيعرف أنه إنما لينت مفاصله للعبادة.
[أما قول قتادة فرواه أبو الشيخ في العظمة من طريق أَبُو الْجُمَاهِرِ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ قَتَادَةَ قال: " «مَنْ تَفَكَّرَ فِي نَفْسِهِ عَرَفَ أَنَّمَا لُيِّنَتْ مَفَاصِلُهُ لِلْعِبَادَةِ»]

الترجيح:
الأصل في المعنى العموم، أي: أن في خلق الإنسان آيات كثيرة للتفكر والاعتبار، منها السمع والبصر واللسان والقلب والعقل وغير ذلك، وهو اختيار ابن جرير والسمعاني وظاهر كلام ابن عطية.
قال ابن جرير: "والصّواب من القول في ذلك أن يقال: معنى ذلك: وفي أنفسكم أيضًا أيّها النّاس آياتٌ وعبرٌ تدلّكم على وحدانيّة صانعكم، وأنّه لا إله لكم سواه، إذ كان لا شيء يقدر على أن يخلق مثل خلقه إيّاكم".
وقال السمعاني: "وَالْأولَى أَن يُقَال: هُوَ سَائِر الْآيَات الَّتِي فِي النَّفس مِمَّا يدل على أَن لَهَا خَالِقًا وصانعا".
وقال ابن عطية: "وفي أنفسكم" إحالة على النظر في شخص الإنسان، فإنه أكثر المخلوقات التي لدينا عبرة لما جعل الله تبارك وتعالى فيه -مع كونه من تراب- من لطائف الحواس، ومن أمر النفس وحياتها ونطقها، واتصال هذا الجزء منها بالعقل، ومن هيئة الأعضاء واستعدادها لتنفع أو تحمل أو تعين".

4: قول جابر بن عبد الله رضي الله عنهما في المراد بالصراط المستقيم قال: (الإسلام).
التخريج:
رواه ابن جرير والمروزي في السنة والحاكم وصححه كلهم من طريق الحسن بن صالح، عن عبد اللّه بن محمّد بن عقيلٍ، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما، قال: «{الصّراط المستقيم} هو الإسلام، وهو أوسع ما بين السّماء والأرض.
الحسن بن صالح: تكلم فيه بغير حجه، والأرجح أنه ثقة.
عبد الله بن محمد بن عقيل بن أبي طالب: أمه زينب الصغرى بنت علي بن أبي طالب، وهو تابعي، تكلم فيه بغير حجه، والأرجح أنه ثقة.

التوجيه:
هو تفسير بجزء من المعنى، ويؤيده ما رواه ابن جرير عن ابن عبّاس، في قوله: {اهدنا الصّراط المستقيم} قال: «ذلك الإسلام»، وأخرج أحمد والترمذي وحسنه والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر وأبو الشيخ والحاكم وصححه، وابن مردويه والبيهقي في شعب الإيمان عن النواس بن سمعان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ضرب الله صراطا مستقيما وعلى جنبتي الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة وعلى باب الصراط داع يقول: يا أيها الناس أدخلوا الصراط جميعا ولا تتفرقوا، وداع يدعو من فوق: الصراط فإذا أراد الإنسان أن يفتح شيئا من تلك الأبواب قال: ويحك، لا تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه، فالصراط: الإسلام، والسوران: حدود الله، والأبواب المفتحة: محارم الله، وذلك الداعي على رأس الصراط: كتاب الله، والداعي من فوق: واعظ الله تعالى في قلب كل مسلم».
أما أقوال أهل اللغة في معنى الصراط، فقد فسر أبو عبيدة والنحاس والمبرد (الصّراط): بالطريق، وكذلك الإسلام بمنزلة المنهاج الواضح.
وقال ابن جرير: "أجمعت الحجة من أهل التّأويل جميعًا على أنّ الصّراط المستقيم هو الطّريق الواضح الّذي لا اعوجاج فيه. وكذلك ذلك في لغة جميع العرب؛ فمن ذلك قول جرير بن عطيّة بن الخطفى: أمير المؤمنين على صراطٍ.......إذا اعوجّ الموارد مستقيم
يريد على طريق الحقّ.
ومنه قول الهذليّ أبي ذؤيبٍ: صبحنا أرضهم بالخيل حتّى.......تركناها أدقّ من الصّراط
ومنه قول الرّاجز: فصدّ عن نهج الصّراط القاصد
والشّواهد على ذلك أكثر من أن تحصى، وفيما ذكرنا غنًى عمّا تركنا.
ثمّ تستعير العرب الصّراط فتستعمله في كلّ قولٍ وعملٍ وصف باستقامةٍ أو اعوجاجٍ، فتصف المستقيم باستقامته، والمعوجّ باعوجاجه".

بقية الأقوال الأخرى في الآية:
القول الثاني: القرآن، وهو قول علي بن أبي طالب وعبد الله، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
القول الثالث: رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وصاحباه من بعده: أبو بكرٍ وعمر، وهو قول أبي العالية، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم.
القول الرابع: الطّريق، وهو قول ابن عباس، رواه ابن جرير. [هذا معنى كلمة " الصراط " وليس المراد به]
القول الخامس: الحقّ، وهو قول مجاهد، رواه ابن أبي حاتم، وتعقبه ابن كثير بقوله: "وهذا أشمل، ولا منافاة بينه وبين ما تقدّم".

الترجيح:
اختلاف المفسرين في تفسير الصراط يدخل في باب اختلاف التنوع كما أخرج سعيد بن منصور في سننه، وابن المنذر والبيهقي في كتاب الرؤية عند سفيان قال: «ليس في تفسير القرآن اختلاف إنما هو كلام جامع يراد به هذا وهذا».
والأولى هو القول بالعموم ويكون كل قول خاص، فنجمع بين كل الأقوال السابقة، فكل هذه الأقوال صحيحة يصدق بعضها بعضا، وهي متلازمة، فإن من اتبع النبي واقتدى باللذين من بعده أبي بكر وعمر، فقد اتبع الحق، ومن اتبع الحق فقد اتبع الإسلام، ومن اتبع الإسلام فقد اتبع القرآن، وهو اختيار ابن جرير وابن عطية وابن كثير.
قال ابن جرير: "والّذي هو أولى بتأويل هذه الآية عندي أن يكون معنيًّا به: وفّقنا للثّبات على ما ارتضيته ووفّقت له من أنعمت عليه من عبادك، من قولٍ وعملٍ. وذلك هو الصّراط المستقيم، لأنّ من وفّق لما وفّق له من أنعم اللّه عليه من النّبيّين والصّدّيقين والشّهداء والصالحين، فقد وفّق للإسلام، وتصديق الرّسل، والتّمسّك بالكتاب، والعمل بما أمره اللّه به، والانزجار عمّا زجره عنه، واتّباع منهاج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، ومنهاج أبي بكرٍ وعمر وعثمان وعليٍّ، وكلّ عبدٍ للّه صالحٍ. وكلّ ذلك من الصّراط المستقيم".
وقال ابن كثير: "وإن كان يرجع حاصلها إلى شيءٍ واحدٍ، وهو المتابعة للّه وللرّسول".
وقال ابن عطية: "ويجتمع من هذه الأقوال كلها أن الدعوة إنما هي في أن يكون الداعي على سنن المنعم عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين في معتقداته، وفي التزامه لأحكام شرعه، وذلك هو مقتضى القرآن والإسلام، وهو حال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبيه، وهذا الدعاء إنما أمر به المؤمنون وعندهم المعتقدات وعند كل واحد بعض الأعمال".

5: قول أنس بن مالك رضي الله عنه في تفسير قول الله تعالى: {كشجرة خبيثة} قال: (الحنظل).
التخريج:
رواه الترمذي وابن جرير كلاهما من طريق حمّاد بن زيد، عن شعيب بن الحبحاب عن أنس قال: " تلكم الحنظل. كما أخرجه ابن جرير من عدة طرق كثيرة.
- حماد بن زيد: ثقة ثبت فقيه، أخرج حديثه الجماعة وتوفي سنة 179 هـ. (تهذيب الكمال، التقريب)
- الإسناد صحيح، ورجاله رجال الصحيح، وقد صححه الشيخ الألباني.
[مخرج الأثر شعيب بن الحبحاب وروي عنه من طرق كثيرة، كلها موقوفة على أنس، إلا من رواية حماد بن سلمة فهو يرفعه]
التوجيه:
أن تشبيه كلمة الشرك بشجرة الحنظل جيد، لكون الكفر والضلال لا ثبوت له، وكذلك شجرة الحنظل لا أصل لها في الأرض ولا فرع لها في السماء ولا حمل، وهو ما أشار إليه ابن قتيبة في غريب القرآن والزجاج.
وقد تعقبه ابن جرير بقوله أنه: "خبر، فإن صحّ فلا قول يجوز أن يقال غيره"، ولهذا هو قول كثير من المفسرين، وهو على جهة المثال.

بقية الأقوال في الآية:
القول الثاني: هذه الشّجرة لم تخلق على الأرض، رواه ابن جرير عن ابن عباس.
القول الثالث: ذلك مثل الكافر لا يصعد له قول طيب ولا عمل صالح، رواه ابن جرير عن ابن عباس.
[استخراج هذا القول خاطئ، لأنهم أرادو بيان " المشبه " وهو الكافر، والمشبه به هو " الشجرة الخبيثة "، والمسألة التي نحن بصدد بحثها هي في المراد بالشجرة الخبيثة، وليس في معنى المثل وأركانه]
الترجيح:
أن الشجرة الخبيثة تشمل كل شجرة لا يطيب ثمرها، كما اختار الخطابي في غريب الحديث، وهو ترجيح ابن عطية بقوله: "والظاهر عندي أن التشبيه وقع بشجرة غير معينة إذا وجدت فيها هذه الأوصاف، فالخبث هو أن تكون كالعضاة، أو كشجرة السموم ونحوها إذا اجتثت، أي اقتلعت جثتها بنزع الأصول، وبقيت في غاية الوهن والضعف فتقلبها أقل ريح.، فالكافر يرى أن بيده شيئا، وهو لا يستقر ولا يغني عنه، كهذه الشجرة التي يظن بها على بعد -أو للجهل بها- أنها شيء نافع، وهي خبيثة الجنى غير باقية".

فيكون تفسيرها بالحنظل وبقية الأنواع التي ذكرها المفسرون من جهة التفسير بالمثال.

التقويم: أ+
أحسنت، بارك الله فيك ونفع بك.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
مجلس, أداء

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:34 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir