تلخيص مقاصد "كلمة الإخلاص" لابن رجب رحمه الله
بسم الله وبه نستعين
المقصد الرئيس: تحقيق التوحيد
المقاصد الفرعية:
• المقصد الأول: مقدمات في أهمية التوحيد وجزاء أهله
• المقصد الثاني: في بيان بم يتحقق التوحيد
• المقصد الثالث: في بيان من أدى الشهادتين بحقها وفرضها دخل الجنة وحرم على النار
• المقصد الرابع: في بيان شروط لا إله إلا الله وما يقدح فيها
• المقصد الخامس: في بيان فضائل لا إله إلا الله
• المقصد الأول: مقدمات في أهمية التوحيد وجزاء أهله
تكمن أهمية التوحيد في أنه الغاية التي خلق الله الخلق من أجلها؛ كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} أي: يوحدون.
ولأجل التوحيد أرسل الله الرسل وأنزل الكتب كما قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}
ومن عظمة التوحيد أن الله وعد أهله بدخول الجنة والنجاة من النار؛ كما جاء في الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: ((ما من عبد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله إلا حرمه الله على النار)) قال: يا رسول الله ألا أخبر بها الناس فيستبشروا؟ قال: ((إذاً يتكلوا)) فأخبر بها معاذ عند موته تأثما.
وأيضا: ما جاء عن عتبان رضي الله عنه في الصحيحين أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله))
وقال عليه الصلاة والسلام: ((ما من عبد قال: لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة)) والحديث في الصحيحين.
[بارك الله فيك، الغرض من تلخيص المقاصد هو الإتيان على النقاط الرئيسية دون الخوض في التفاصيل، فيكون المقصد بعبارات مقتضبة،
فمثلا هنا نقول في أهمية التوحيد:
- الغاية التي من أجلها خُلق الخلق.
سناده: قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}،
وهكذا، وأما الحديث عن جزاء أهله فهذا يُفرد بعنصر مستقل]
• المقصد الثاني: في بيان بم يتحقق التوحيد
يتحقق التوحيد بتحقيق معنى الشهادتين
فأما تحقيقه بقول لا إله إلا الله أن لا يأله القلب غير الله حبا ورجاء وخوفا وتوكلا واستعانة وخضوعا وإنابة وطلبا.
وأما تحقيقه بأن محمدا رسول الله ألا يعبد الله بغير ما شرعه على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.
ودليل الأول قوله تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}
ودليل الثاني قوله تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم}
• المقصد الثالث: في بيان من أدى الشهادتين بحقها وفرضها دخل الجنة وحرم على النار
قيل للحسن: إن أناسا يقولون: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة فقال: من قال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة.
وقال وهب بن منبه لمن سأله أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى ولكن ما من مفتاح إلا له أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك.
وعن معاذ قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سألك أهل اليمن عن مفتاح الجنة فقل: شهادة أن لا إله إلا الله))
وقد رتب النبي صلى الله عليه وسلم دخول الجنة على الأعمال الصالحة كما جاء عنه في الصحيحين أن رجلا قال يا رسول الله أخبرني بعمل يدخلني الجنة فقال: "تعبد الله لا تشرك به شيئا وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصل الرحم"
أن عقوبة الدنيا لا ترفع عن من أدى الشهادتين مطلقا بل يعاقب بإخلاله بحق من حقوق الإسلام وكذلك عقوبة الآخرة؛ قال صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك منعوا مني دماءهم إلا بحقها وحسابهم على الله"
والمراد من ذلك أن من أخل بحق من حقوق التوحيد فإن ذلك لا يمنعه من عقوبة الدنيا فضلا عن عقوبة الآخرة ، وهذا ما فهمه الصديق رضي الله عنه فقاتل مانعوا الزكاة وقال: (الزكاة حق المال).
[كان يحسن أولا الإشارة إلى أن أحاديث الباب على نوعين، وذكر الخلاف في تفسيرهما، وأيضا نشرح بعبارات مقتضبة]
• المقصد الرابع : في بيان شروط لا إله إلا الله وما يقدح فيها [يحسن الحديث عن الشروط إجمالا ثم الحديث عن القوادح]
لا إله إلا الله لها سبعة شروط لا يتحقق التوحيد إلا باجتماع هذه الشروط والبعد عما ينافيها، وقد أسهب الشيخ-رحمه الله-في ذكر بعض هذه الشروط وأشار إلى بعضها بإشارات يسيرة:
• العلم المنافي للجهل.
• اليقين المنافي للشك؛ ويشهد لذلك
[سناده] قوله صلى الله عليه وسلم: " "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيحجب عن الجنة"
• الإخلاص المنافي للشرك والرياء
فلا إله إلا الله تقتضي أن لا إله غير الله والإله هو الذي يطاع ولا يعصى هيبة له وإجلالا ومحبة وخوفا ورجاء وتوكلا عليه وسؤلا منه ودعاء له ولا يصلح ذلك كله إلا لله عز وجل.
ومن أشرك مخلوقا في شيء من هذه الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحا في إخلاصه في قول لا إله إلا الله ونقصا في توحيده وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك وهذا كله من فروع الشرك.
وقد ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشؤها من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه أو التوكل عليه أو العمل لأجله.
كما ورد إطلاق الشرك على الرياء وعلى الحلف بغير الله وعلى التوكل على غير الله والاعتماد عليه وعلى من سوى بين المخلوق وبين الله في المشيئة مثل أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان.
وكذلك ما يقدح في التوحيد وتفرد الله بالنفع والضر كالطيرة والرقى المكروهة وإتيان الكهان وتصديقهم بما يقولون وكذلك اتباع هوى النفس فيما نهى الله قادح في تمام التوحيد وكماله، ولهذا أطلق الشرع على كثير من الذنوب التي منشؤها من هوى النفس أنها كفر وشرك وإن كان هذا لا يخرج عن الملة بالكلية ولذلك قال السلف: كفر دون كفر وشرك دون شرك .
قال تعالى: {أفرأيت من اتخذ إلهه هواه} قال قتادة: هو الذي كلما هوى شيئا ركبه وكلما اشتهى شيئا أتاه لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى.
وجاء عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((تعس عبد الدينار تعس عبد الدرهم تعس عبد القطيفة تعس عبد الخميصة تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش))
وقد سمى الله طاعة الشيطان في معصيته عبادة للشيطان كما قال تعالى: {ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان}
فمن لم يتحقق بعبودية الرحمن وطاعته فإنه يعبد الشيطان بطاعته له ولم يخلص من عبادة الشيطان إلا من أخلص عبودية الرحمن وهم الذين قال الله فيهم: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}
والمراد من ذلك : أن كل من أحب شيئا وأطاعه وكان غاية قصده ومطلوبه ووالى لأجله وعادى لأجله فهو عبده وكان ذلك الشيء معبوده وإلهه.
• المحبة المنافية للبغض
فصل الشيخ-رحمه الله- في هذا الشرط تفصيلا عظيما ليدل على أن المحبة هي الأصل الذي يدور عليه الإسلام وهي الباعث على العمل.
فلا إله إلا الله تقتضي ألا يحب سواه فإن الإله هو الذي يطاع فلا يعصى محبة وخوفا ورجاء.
ومن تمام محبته محبة ما يحبه وكراهة ما يكرهه فمن أحب شيئا مما يكرهه الله أو كره شيئا مما يحبه الله لم يكمل توحيده وصدقه في قول لا إله إلا الله وكان فيه من الشرك الخفي بحسب ما كرهه مما يحبه الله وما أحبه مما يكرهه الله قال تعالى: {ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم}
قال الليث عن مجاهد في قوله: {لا يشركون بي شيئا} قال: لا يحبون غيري.
وفي صحيح الحاكم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل على الصفا في الليلة الظلماء وأدناه أن تحب على شيء من الجور أو تبغض على شيء من العدل وهل الدين إلا الحب والبغض)).
•بيان أن محبة الله مستلزمة لمحبة رسوله صلى الله عليه وسلم
قال تعالى: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}
قال الحسن: قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنا نحب ربنا حبا شديدا فأحب الله أن يجعل لحبه علما فأنزل الله تعالى هذه الآية.
فشهادة أن لا إله إلا الله لا تتم إلا بشهادة أن محمدا رسول الله فإنه إذا علم أن محبة الله لا تتم إلا بمحبة ما يحبه وكراهية ما يكرهه فلا طريق لمعرفة ذلك إلا عن طريق نبيه صلى الله عليه وسلم فصارت محبة الله مستلزمة لمحبة نبيه صلى الله عليه وسلم وتصديقه ومتابعته ولهذا قرن الله بين محبته ومحبة نبيه فقال: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم} إلى أن قال: {أحب إليكم من الله ورسوله}
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب الرجل لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد أن أنقده الله منه كما يكره أن يلقى في النار)).
ومتى تمكنت المحبة في القلب لم تنبعث الجوارح إلا إلى طاعة الرب وهذا هو معنى الحديث الإلهي الذي خرجه البخاري في صحيحه وفيه: (( ((ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها))
• الصدق المنافي للكذب
قال صلى الله عليه وسلم: "من قال لا إله إلا الله صادقا من قلبه حرمه الله على النار"
من صدق في قول لا إله إلا الله لم يحب سواه ولم يرج سواه ولم يخش أحدا إلا الله ولم يتوكل إلا على الله ولم يبق له بقية من آثار نفسه وهواه.
أما من قال لا إله إلا الله بلسانه ثم أطاع الشيطان وهواه في معصية الله ومخالفته فقد كذب فعله قوله ونقص من كمال توحيده بقدر معصية الله في طاعة الشيطان والهوى {ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله} وقال تعالى: {ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله}
وفي الحديث: ((من أصبح وهمه غير الله فليس من الله)).
وكان بعض العارفين يقول: أليس عجبا أن أكون بين أظهركم وفي قلبي من الاشتياق إلى ربي مثل الشعل التي لا تنطفئ.
أما من دخل النار من أهل هذه الكلمة فلقلة صدقه في قولها فإن هذه الكلمة إذا صدقت طهرت القلب من كل ما سوى الله ومتى بقي في القلب أثر سوى الله فمن قلة الصدق في قولها.
والصدق لا يعني أن العبد معصوم من الوقوع بالذنب ولكن هو مطالب كلما أذنب تاب إلى الله عز وجل.
وفي بعض الآثار يقول الله تعالى: ((أهل ذكرى أهل مجالستي وأهل طاعتي أهل كرامتي وأهل معصيتي لا أويسهم من رحمتي إن تابوا فأنا حبيبهم وإن لم يتوبوا فأنا طبيبهم أبتليهم بالمصائب لأطهرهم من المعايب)).
• القبول المنافي للرد.
• الانقياد المنافي للترك
والإسلام يقتضي الاستسلام والانقياد للطاعة قال تعالى: {إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا}
والاستقامة تقتضي المراقبة قال تعالى: {ألم يعلم بأن الله يرى} وقال أيضا: {إن ربك لبالمرصاد}
وقد وصى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا أن يستحي من الله كما يستحي من رجل صالح من عشيرته لا يفارقه.
وسئل الجنيد بم يستعان على غض البصر قال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إليه.
وقال المحاسبي: المراقبة علم القلب بقرب الرب كلما قويت المعرفة بالله قوي الحياء من قربه ونظره.
وقال بعضهم: استح من الله على قدر قربه منك وخف الله على قدر قدرته عليك.
• المقصد الخامس: في بيان فضائل لا إله إلا الله
لكلمة التوحيد فضائل عظيمة لا يمكن حصرها وسنذكر بعض من فضائلها:
فهي كلمة التقوى، وكلمة الإخلاص، وشهادة الحق، ودعوة الحق، وبراءة من الشرك، ولأجلها خلق الخلق كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} ولأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب كما قال تعالى: {وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}
ومن فضائلها أنها ثمن الجنة، ونجاة من النار، سمع النبي صلى الله عليه وسلم مؤذنا يقول: أشهد أن لا إله إلا الله فقال: ((خرج من النار)) رواه مسلم.
ومن فضائلها أنها توجب المغفرة.
ومن فضائلها أنها أحسن الحسنات، قال أبو ذر: قلت: يا رسول الله كلمني بعمل يقربني من الجنة ويباعدني من النار قال: ((إذا عملت سيئة فاعمل حسنة فإنها عشر أمثالها)) قلت: يا رسول الله لا إله إلا الله من الحسنات؟ قال: ((هي أحسن الحسنات)).
ومن فضائلها أنها تمحو الذنوب والخطايا، كما جاء في سنن ابن ماجه عن أم هانئ عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا إله إلا الله لا تترك ذنبا ولا يسبقها عمل)).
ومن فضائلها تجدد ما درس من الإيمان في القلب، كما في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه: ((جددوا إيمانكم)) قالوا: كيف نجدد إيماننا؟ قال: ((قولوا لا إله إلا الله وهي لا يعدلها شيء في الوزن فلو وزنت بالسموات والأرض رجحت بهن)).
ومن فضائلها أنها أفضل الذكر، كما في حديث جابر المرفوع: ((أفضل الذكر لا إله إلا الله)).
وعن ابن عباس: "أحب كلمة إلى الله لا إله إلا الله لا يقبل الله عملا إلا بها"
وهي أفضل الأعمال وأكثرها تضعيفا وتعدل عتق الرقاب وتكون حرزا من الشيطان.
ومن فضائلها أن أهلها وإن دخلوا النار بتقصيرهم في حقوقها فإنهم لا بد أن يخرجوا منها.
تم بحمد الله وفضله.
[أحسنتِ بارك الله فيكِ، وقد أتيتِ على أهم المقاصد مع مراعاة ما ذكرت لك في الأعلى، ولمزيد فائدة انظري في تلخيص الأخت فداء هنا مع التعليقات عليه]