المجموعة الأولى:
س1: بين بعض الدلائل الدالّة على إفادة القرآن للهدى وبيان الحق بما تعرفه العرب بمقتضى الخطاب اللغوي.
إن القرآن الكريم نزل بلغة العرب التي يفهمونها ويعرفون دلائلها وفنون خطابها وقد دل على ذلك عدة أدلة منها :
1 – قوله تعالى : ( بلسان عربي مبين ) فوصف القرآن بأنه بلسان عربي مبين ؛ وذلك لأنه يفيد المعنى بالأساليب والمفردات العربية التي يعرفون معانيها ودلائلها ؛ فالقرآن مبين في معانيه , وألفاظه وهداياته :
- أما ألفاظه ؛ فهي في غاية الحسن , وبعيدة عن التعقيد , وليس بينها تنافر , ولا ضعف ولا تعسف .
- و أما معانيه ؛ فهي معاني سامية , جليلة , لا غموض فيها , ولا تناقض و لا اختلاف .
- و أما هداياته ؛ فهي مرشدة للحق , و ميسرة للعمل , ليس بينها تعارض و لا تخالف .
2 – قوله تعالى : ( و إذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق يقولون ربنا آمنا فاكتبنا مع الشاهدين ) ففي هذه الآية دليل على أن العرب كانت تفهم ما دلائل الخطاب مما أثر فيهم فيكون منهم الخشية والبكاء , مما عرفوا من الحق الذي نزل به القرآن .
3 – حينما سمع جبير بن مطعم قوله تعالى : ( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون , أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون , أم عندهم خزائن ربك أم هم المسيطرون ) , ولما لم يكن دخل في الإسلام بعد فقال : ( كاد قلبي أن يطير , وذلك أول ما وقر الإيمان في قلبي ) فسماعه لهذه الآية كانت سببا في هدايته و إسلامه بما لها من تأثير , وبيان للحق .
4 – قوله تعالى : ( أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت أباءهم الأولين , أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون , أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق و أكثرهم للحق كارهون ) فدلت هذه الآية على أن توجيه الخطاب إلى العرب بالتفكر في القرآن وتدبره , هو أمر ممكن لهم بدون الحاجة لعلماء يبينوا لهم معانيه ويفقههم بها , ولا ليوضح لهم دلائل الخطاب .
وبهذا يتبين أن العرب تفهم القرآن بمقتضى الخطاب اللغوي لأنهم أهل لسان عربي ويفهمون اللغة العربية , وينظمون الشعر , وهم بارعون في ذلك , ففهم القرآن عليهم يسير بمقتضى اللغة التي يعرفونها جيدا ويفهمون أساليبها و بلاغتها وكل شيء في اللغة .
س2: تحدّث باختصار عن طبقات المفسّرين اللغويين.
العلماء الذين لهم عناية بالتفسير اللغوي هم على طبقات :
الأولى : الصحابة رضوان الله عليهم : فهم الذين عاصروا التنزيل ونزل القرآن بلغتهم , فمنهم من كان له عناية بفنون اللغة و معرفة شواهدها .
الثانية : كبار التابعين : وعامتهم من أهل الاحتجاج اللغوي , ومنهم أبو الأسود الدؤلي , وهو تابعي فصيح , عالم باللغة .
الثالثة : التابعين : و منهم يحيى بن يعمر , و نصر بن عاصم الليثي , وهؤلاء يعدون من تلاميذ أبي الأسود الدؤلي .
الرابعة : صغار التابعين : و هم الآخذين عن أصحاب أبي الأسود الدؤلي ممن شافهوا الأعراب , وكانت لهم عناية بتأسيس علوم اللغة وتدوينها , ومن هؤلاء : عبد الله بن أبي اسحاق الحضرمي , و عيسى بن عمر الثقفي , و أبو عمرو بن العلاء المازني التميمي .
الخامسة : تلاميذ الطبقة الرابعة : و منهم من شافه العراب و أخذ عنهم , ومن هؤلاء : حماد بن سلمة البصري , و المفضل بن محمد الضبي , و الخليل بن أحمد الفراهيدي , وهارون بن موسى الأعور , و الأخفش الأكبر عبدالحميد بن عبدالمجيد .
السادسة : طبقة سيبويه عمرو بن عثمان بن قنبر , و علي بن حمزة الكسائي , و محمد بن إدريس الشافعي , و أبي عبيد القاسم بن سلام الهروي , و غيرهم كثير , وهؤلاء من أعلام اللغة الذين صنفوا فيها المصنفات الكثيرة في بيان المسائل اللغوية وما يتصل بها .
السابعة : طبقة إبراهيم بن يحيى اليزيديّ، وصالح بن إسحاق الجرمي , وأبي مِسْحَل عبد الوهاب بن حريش الأعرابي، ومحمَّد بن زياد ابن الأعرابي ، وأبي نصر أحمد بن حاتم الباهلي صاحب الأصمعي ، ومحمد بن سلام الجُمَحِيّ ,ومحمد بن سعدان الضرير ، وعبد الله بن محمد التَّوَّزي , وعبد الله بن يحيى اليزيدي .
الثامنة : طبقة أبي العَمَيْثَلِ عبد الله بن خُلَيدِ الأعرابي , ويعقوب بن إسحاق ابن السِّكِّيتِ ، وأبي عثمان بكر بن محمد المازني، وأبي عكرمة عامر بن عمران الضبي , وأبي حاتم سَهْل بن محمد السِّجِسْتاني .
التاسعة : طبقة أبي سعيد الحسن بن الحسينِ السُّكَّري، وعبد الله بن مسلم ابن قتيبة الدينوري، وأبي حنيفة أحمد بن داوود الدينوري, واليمان بن أبي اليمان البندنيجي، وإبراهيم بن إسحاق الحربي، ومحمّد بن يزيدَ المبرّد ، وأبو العباس أحمد بن يحيى الشيباني [ثعلب]، والمفضَّل بن سلَمة الضَّبّي.
العاشرة : طبقة يَموتَ بنِ المزرَّعِ العَبْدِي، ومحمد بن جرير الطبري , وكُرَاع النَّمْلِ علي بنُ الحسَن الهُنَائِي ، وأبي علي الحسن بن عبد الله الأصفهاني المعروف بلُغْدَة، وإبراهيم بن السَّرِيِّ الزَّجَّاج ، والأخفش الصغير علي بن سليمان , وأبي بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي ، ونفطويه إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي.
الحادية عشر : طبقة أبي بكر محمد بن القاسم ابن الأنباري ، وأبي بكر محمد بن عزيز السجستاني ، وأبي جعفر أحمد بن محمّد النحّاس، وعبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي، وغلام ثعلب أبي عمر الزاهد ، وعبد الله بن جعفر ابن درستويه ، وأبي الطيّب اللغوي، وأبي علي إسماعيل بن القاسم القالي .
الثانية عشر : طبقة القاضي علي بن عبد العزيز الجرجاني , وأبي سعيد الحسن بن عبد الله السيرافي ، وأبي منصورٍ محمد بن أحمد الأزهَرِي، والحسين بن أحمد ابن خالويه، وأبي علي الحسن بن أحمد الفارسي ، وأبي بكر الزبيدي , وعلي بن عيسى الرمَّاني ، وأبي سليمان حَمْد بن محمد الخَطَّابي ، وأبي الفتح عثمان بن جني الموصلي ، وأبي نصر الجوهري، وأحمد بن فارس الرازي.
س3: بيّن مع التمثيل أهمية علم معاني الحروف في التفسير.
إن علم معاني الحروف يعد من أهم العلوم التي يحتاج إليها المفسر لما لها من حل الإشكالات , واستخراج الأوجه التفسيرية , و أيضا يعرف بها أوجه الجمع والتفريق بين كثير من أقوال المفسرين .
و المفسر الذي يغفل عن معاني الحروف قد يقع في أخطاء في فهم معنى الآية .
و من الأمثلة على معاني الحروف :
-معنى "ما" في قوله تعالى ( إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء ) :
اختلف المفسرون في معنى "ما" إلى ثلاثة أقوال :
الأول : أنها موصولة و تفيد العموم , والمعنى أن الله يعلم كل ما يعبد من دونه من حجر وشجر وغيره , فهو يعلمه ومحيط به , وأن الله يعلم حال تلك المعبودات و أنها مفتقرة إليه سبحانه وتعالى ولا تستحق شيء من العبادة .
وهو قول ابن جرير الطبري وجماعة من المفسرين فسّروا الآية على هذا المعنى، وذكره أبو سعيد السيرافي في شرح كتاب سيبويه.
الثاني : أنها نافية , والنفي يكون متجها لنفع تلك المعبودات , فهي لما لم تنفعهم شيئا نزلت منزلة المعدومات , وهذا من قبيل التبكيت , فالعرب تنزل عديم الفائدة منزلة المعدوم .
وهذا القول ذكره أبو البقاء العكبري وأبو حيّان الأندلسي والسمين الحلبي وابن عاشور وشرحه شرحاً حسناً، واختاره الأستاذ محمود صافي.
الثالث : أنها استفهامية ، والاستفهام إنكاري، و"يعلم" معلّقة، والمعنى: أيّ شيء تدعون من دون الله؟
وهذا القول ذكره سيبويه عن الخليل بن أحمد، وقال به أبو علي الفارسي والراغب الأصبهاني وأبو البقاء العكبري وجماعة.
س4: تحدّث بإيجاز عن أنواع مسائل إعراب القرآن.
مسائل إعراب القرآن تنقسم إلى نوعين :
الأول : مسائل غير مختلف فيها , بل هي مسائل بينة عند النحاة و المفسرين .
الثاني : مسائل مشكلة , اختلف فيها كبار النحاة , وهي على صنفين :
الأول : اختلاف ليس له أثر على المعنى , ولكن الاختلاف في بعض أصول النحو وتطبيقاته , وتخريج ما أشكل إعرابه .
مثاله : الاختلاف في قوله تعالى : ( إن هذان لساحران ) , فقد اختلف النحاة في إعراب " هذان " على عدة أقوال .
قال أبو إسحاق الزجاج: (وهذا الحرف من كتاب اللَّه عزَّ وجلَّ مُشْكِل على أهل اللغة، وقد كثر اختلافهم في تفسيره، ونحن نذكر جميع ما قاله النحويون ونخبر بما نظن أنه الصواب واللَّه أعلم).
ثم خلص بعد بحثه المسألة إلى قوله: (والذي عندي - واللّه أعلم - وكنتُ عرضتُه على عالميَنا محمد بن يزيد وعلى إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد القاضي فقَبِلاه وذكرا أنّه أجود ما سمعاه في هذا، وهو أنّ "إنْ" قد وقعت موقع "نعم"، وأنَّ اللام وقعت موقعها، وأن المعنى هذان لهما ساحران) .
الثاني : اختلاف له أثر على المعنى .
مثاله : الاختلاف في قوله تعالى : ( ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير ) , فقد اختلف النحاة في إعراب " من " إلى أقوال .
قال ابن القيّم رحمه الله: (وقد اختلف في إعراب {من خلق} هل هو على النصب أو الرفع؟
فإن كان مرفوعا فهو استدلال على علمه بذلك لخلقه له، والتقدير: أنه يعلم ما تضمنته الصدور، وكيف لا يعلم الخالق ما خلقَه، وهذا الاستدلال في غاية الظهور والصحة؛ فإن الخلق يستلزم حياة الخالق وقدرته وعلمه ومشيئته.
وإن كان منصوبا؛ فالمعنى ألا يعلم مخلوقَه، وذكر لفظة {من} تغليبا ليتناول العلمُ العاقلَ وصفاته.
وعلى التقديرين فالآية دالة على خلق ما في الصدور كما هي دالة على علمه سبحانه به) .
والله أعلم