المجموعة الثالثة:
س1: اكتب عن سيرة اثنين من التابعين مبيّنا ما استفدته من دراستك لسيرتهما.
1- مجاهد بن جبر المكي:
ولد رحمه الله في خلافة عمر, كان مولى لقيس بن السائب, أقبل على طلب العلم بنهم وشغف حتى شبهوه برجل أضاع دابته فهو ينشدها.
قال عن نفسه رحمه الله:(طلبنا هذا العلم وما لنا فيه نية، ثم رزق الله النية بعد).
لازم ابن عباس-رضي الله عنهما- وأخذ عنه العلم,وكان مع هذا فقيها عالما بىيات الأحكام وومن يرجع إليه في الفتوى.
قال عنه ابن ابي مليكة:(رأيت مجاهدا يسأل ابن عباس عن تفسير القرآن ومعه ألواحه فيقول له ابن عباس: اكتب، قال: حتى سأله عن التفسير كله).
وقد عرض القرآن على ابن عباس يقف عند كل آية يسأله عنها فيم أنزلت وفيم كانت, حتى عدوه من اعلم الناس بالتفسير, وكانوا يكتبون التفسير عنده, وقال سفيان الثوري في شأنه:(إذا جاءك التفسير عن مجاهد فحسبك به).
كان رحمه الله, مجتهدا في نشر العلم, عابدا, زاهدا, حذر الشهرة, حتى قال: (لا تنوهوا بي في الخلق).
توفي -رحمه الله- ساجدا, سنة 102هـ.
- ممن روى عنهم في التفسير:
أكثر مروياته عن ابن عباس.
وروى عن عائشة رضي الله عنها, عبدالله بن عمرو, ابن عمر, طاووس, عبدالرحمن بن ابي ليلى, وغيرهم.
- ممن روى عنه:
ابن أبي نجيح, منصور بن المعتمر, وأيوب السختياني, الأعمش, عمرو بن دينار, وغيرهم.
وقد أكثر البخاري رحمه الله, الرواية عن مجاهد في صحيحه, واعتمد عليه, فذكر أقواله في تفسير الآيات، فأحيانا يذكر الإسناد إليه، وأحيانا يذكره معلقا, وأحيانا يذكره دون نسبته غليه.
مما روي عنه في التفسير:
قال ابن عباس في قوله: قوله: {وأدبار السجود}, "أمره أن يسبح، في أدبار الصلوات كلها", رواه عنه مجاهد. رواه البخاري.
قال مجاهد في قوله: {وما تغيض الأرحام وما تزداد}, "ما ترى من الدم، وما تزداد على تسعة أشهر".رواه عنه ابو بشر. رواه ابن جرير.
وقد وقع في تفسيره شيء يسير من الإسرائيليات.
الفوائد:
- قهر الظروف والصعاب التي قد تبدو لوهلة بأنها عقبات في طريق التحصيل, وهذا لا يكون إلا بصدق النية والاستعانة بالله.
- عدم البخل بالجهد والوقت, وبذله في تحصيل العلم, فالعلم إن لم تعطه كلك لم يعطك شيئا.
- التواضع وحسن الخلق, والعمل بالعلم, فلا يشغل طلب العلم ونشره عن زيادة التعبد لله بالنوافل, فهذا مما يزيد في بركته.
2- عامر بن شراحيل الشعبي:
ولد رحمه الله في خلافة عمر, عام فتح جلولاء, قال هو عن نفسه:(ولدت سنة جلولاء) .
كان ذكيا حافظا, عاقلا, صحب جماعة من أصحاب الرسول عليه الصلاة والسلام, وطاف في البلاد طلبا لصحبتهم وتتبع أخبارهم وسيرهم, والسماع منهم, فأخذ عنهم وحفظ الشيء الكثير.
كان قوي الحافظة, إن سمع شيئا حفظه من المرة الأولى, قال عن نفسه:(ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته ولا أحببت أن يعيده علي), وكان يحفظ الشعر, ويحدث بالمغازي, فإن حدث عنها فكأنما شهدها!
روى عن خمسين ومائة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال محمد بن سيرين لأبي بكر الهذلي: (يا أبا بكر إذا دخلت الكوفة فاستكثر من حديث الشعبي، فإن كان ليسأل، وإن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لأحياء).
كان إماما وفقيها, عالما بمسائل الخلاف, حدث وأفتى, قال عنه مكحول: (ما رأيت أفقه منه), ومع غزارة علمه -رحمه الله-كان لا يجد بأسا في قول (لا أدري) إن عرض له ما لا علم له به, وكان يكره مسائل أهل الرأي.
تولى القضاء بالكوفة, وكان حريصا على نشر العلم,
قال ابن عيينة: (كان في الناس ثلاثة بعد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ابن عباس في زمانه، والشعبي في زمانه، والثوري في زمانه).
وكان بعض الأمراء يولونه بعض الأمور المهمة لحسن منطقه وقوة حجته, حتى روي أن عبد الملك بن مروان بعثه إلى ملك الروم؛ فتعجب منه، وبعث إلى عبد الملك قائلا: عجبت لأهل ديانتك كيف لم يولوا رسولك عليهم!
فلما ذكره للشعبي قال: هذا لأنه رآني ولم ير أمير المؤمنين!
فقال عبد الملك: إنما حسدني عليك، وأراد أن يغريني بقتلك.
خرج مع من خرجوا على الحجاج، ثم اختفى مدة، وبعدها عاد واعتذر للحجاج فقبل منه عذره.
توفي رحمه الله فجأة سنة 104هـ.
- ممن روى عنهم من الصحابة:
ابن عباس, أبو موسى الأشعري, أبوهريرة, ابن عمر, عبدالله بن عمرو, جابر بن عبدالله, أنس بن مالك, وغيرهم.
- ممن روى عنهم من التابعين:
الربيع بن خثيم, مسروق, شريح القاضي, علقمة, عكرمة, وغيرهم.
- ممن روى عنه في التفسير:
منصور بن المعتمر, الأعمش, حصين بن عبدالرحمن, إسماعيل بن أبي خالد, عاصم الحول, وغيرهم.
-مما روي عنه في التفسير:
- قال في قوله تعالى :{الجبت}: السحر، و{الطاغوت}: الشيطان. رواه عنه زكريا. رواه ابن جرير.
- وقال في قوله تعالى:{غير أولي الإربة}أي: الذي لا أرب له في النساء. رواه عنه مغيرة. رواه ابن جرير.
الفوائد:
- حسن اختيار مصادر العلم ووسائل تحصيله, فعليها تعتمد قوة التمكن في التحصيل.
- محاولة التحصيل في شتى العلوم المختلفة, بل ومحاولة اتقانها, وعدم الاكتفاء بالحد الأدنى من الأمور العظام.
- كثرة الاطلاع تعين على زيادة التبصر في الأمور, وقوة الحجة, وسلاسة المنطق, واستحضار المعاني والأدلة,
س2: اذكر الصحابة والتابعين الذين عرف عنهم قراءتهم لكتب أهل الكتاب.
- من الصحابة:
عبد الله بن سلام، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن عمرو بن العاص, وما رووه كان قليلا.
- من التابعين:
كعب بن ماتع الحميري، ووهب بن منبه اليماني، ونوف بن فضالة البكالي، وتبيع بن عامر الكلاعي، ومغيث بن سمي الأوزاعي، وأبو الجلد الأسدي، وهلال الهجري، وناجية بن كعب الأسدي.
وكعب ووهب ونوف هم أكثر من تروى عنهم الإسرائيليات.
وطبقة التابعين من الثقات, لكن قد يدخل الخطأ فيما ينقلونه من الأخبار من عدة جهات:
- قد ينقلوا ما هو محرف.
- الخطأ في الفهم, فيروه بالمعنى مع الخطأ في فهمه أو ترجمته بلا قصد منهم.
- قد يقع الخطأ من بعض الرواة عنهم لا منهم هم.
س3: ما سبب شهرة الإسرائيليات المنكرة في كتب التفسير؟
- تساهل بعض التابعين وأتباعهم في رواية الإسرائيليات عن الضعفاء والمجاهيل, ومن ثم تداولها القصاص , وزيد فيها من قبل الكذابين والمتهمين بالكذب, فأدى هذا إلى ذيوعها وشهرتها حتى دونت في كتب التفسير.
- كذلك اشتهرت بسبب روايتها من قبل مفسرين لا علم لهم بأحوال الرجال, ولا علم لهم بتمييز الصحيح من السقيم, عدا عن عدم تنبههم لعلل المرويات, مثل الثعلبي والواحدي , فهؤلاء قد أدخلوا في تفاسيرهم أمورا منكرة ، وأخذوا من بعض التفاسير التي حذر العلماء منها, كتفسير مقاتل.
- نقلها بدون ذكر أسانيدها, مع نسبتها إلى بعض الصحابة والتابعين مثل: ابن عباس وكعب الأحبار ومجاهد وغيرهم, دون التثبت من صحة نسبة القول إليهم.
- اعتمد أغلب المفسرون على تفسير الثعلبي والماوردي والواحدي, مع نكارة ما فيها من الإسرائيليات, فاعتمد عليها أمثال ابن الجوزي والقرطبي وغيرهم, مع أن الموجود فيها من الإسرائيليات المنكرة أكثر من الموجود فيكتب التفسير المسندة كتفسير الطبري وابن أبي حاتم.
س4: لخّص مراتب وأحكام رواية الإسرائيليات المذكورة في كتب التفسير.
قال عليه الصلاة والسلام: "بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب علي متعمدا، فليتبوأ مقعده من النار". رواه البخاري.
وقال:"لا تصدقوا أهل الكتاب ولا تكذبوهم وقولوا: {آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إليكم}. رواه البخاري
- فالإذن بالتحديث عن بني إسرائيل ليس على إطلاقه, بل هو مقيد بضوابط وضعها النبي عليه الصلاة والسلام, ووضعها الصحابة رضوان الله عليهم, بفهمهم العميق وتعليم النبي لهم, وهذه الضوابط لا بد للناقل عنهم أن يعرفها.
- لا تجوز رواية ما خالف نصا صحيحا من نصوص الشريعة, بل هو باطل لا يروى إلا على السبيل التحذير منه, قال عبدالله: "إن كنتم سائليهم لا محالة , فانظروا ما قضى كتاب الله فخذوه , وما خالف كتاب الله فدعوه".
- أن لا يعتقد صدق مروياتهم إلا ما دل دليل من كتاب أو سنة على صحته, لأن الأصل عدم تصديقهم كما أمر بهذا عليه الصلاة والسلام, حيث قال:"لا تصدقوهم , ولا تكذبوهم".
- هناك فرق بين إذنه عليه الصلاة والسلام, بالتحديث عن بني إسرائيل وبين التحديث عن الكذابين والمتهمين بالكذب الذين يروون الإسرائيليات المنكرة, فهؤلاء لا تجوز الرواية عنهم.
- ما رواه بعض المفسرين من الإسرائيليات في كتبهم كانت من باب الجمع لما قيل في التفسير، ولهذا فوائد كثيرة, منها التنبيه على علل بعض الأقوال.
وقد قال ابن كثير: (ولسنا نذكر من الإسرائيليات إلا ما أذن الشارع في نقله مما لا يخالف كتاب الله، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهو القسم الذي لا يصدق ولا يكذب، مما فيه بسط لمختصر عندنا، أو تسمية لمبهم ورد به شرعنا مما لا فائدة في تعيينه لنا فنذكره على سبيل التحلي به لا على سبيل الاحتياج إليه والاعتماد عليه, وإنما الاعتماد والاستناد على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما صح نقله أو حسن وما كان فيه ضعف نبينه).
- إذا كان أصل القصة محتملا للصحة, لكن فيها زيادات منكرة, فيجب أن ترد هذه الزيادات مع بقاء احتمال صحة أصل القصة.
- أن تكون روايتها على سبيل الاستئناس, فلا تجعل مصدرا معتمدا, ومن كان في أول طلبه للعلم لا يوجه إليها إلا بعد تمكنه من أصول العلم, لذلك نهي ابن مسعود وابن عباس عن التحديث بأخبار بني إسرائيل.
قال عبد الله: "لا تسألوا أهل الكتاب عن شيء , فإنهم لن يهدوكم وقد أضلوا أنفسهم فتكذبون بحق , أو تصدقون بباطل , وإنه ليس أحد من أهل الكتاب إلا في قلبه تالية تدعوه إلى الله وكتابه".
- ما روي من الإسرائيليات عن بعض الصحابة ممن قرأ كتب أهل الكتاب مثل: عبد الله بن سلام وسلمان الفارسي, قليل جدا, وقد قال ابن عباس: " كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء وكتابكم الذي أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدث، تقرؤونه محضا لم يشب، وقد حدثكم أن أهل الكتاب بدلوا كتاب الله وغيروه، وكتبوا بأيديهم الكتاب، وقالوا: هو من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا؟ ألا ينهاكم ما جاءكم من العلم عن مسألتهم؟ لا والله ما رأينا منهم رجلا يسألكم عن الذي أنزل عليكم ", فيتنبه لما ينسبه للصحابة من الإسرائيليات.
- ما روي عن بعض الصحابة من أخبار بني إسرائيل, ممن لم يقرأ كتب أهل الكتاب أيضا قليل جدا, وأغلبه لا يصح إساده إليهم, وهذا يوجب التنبه لما ينقله الناقل من الإسرائيليات الموجودة في كتب التفسير