(4) سبب الجمع بين طبقات القراء والمفسرين في هذه الدورة
هذه الدورة سنقتصر فيها على طبقات الصحابة والتابعين وتابعي التابعين، وهي أصول الطبقات، ويشترك في كثير منها القراء والمفسرون؛ إذ كان عامّة القراء في تلك القرون الفاضلة من أهل العلم بالقراءة والتفسير والحديث والفقه؛ فدراسة طبقات القراء والمفسرين في مادّة واحدة أولى من تكريرها في مادّتين.
وهذا الجمع يتيح لنا أيضاً الحديثَ عن نشأة علوم القرآن الأخرى، وما لبعض العلماء من عناية بها وتقدّم فيها بتدريس أو تأليف.
وهذه الطبقات من أحسن معرفتها سهل عليه بإذن الله تعالى معرفة كثير من أسانيد التفسير، وتبيّن أحوال تعلّم القرآن وتعليمه في تلك القرون الفاضلة، وعرف من أخبار أولئك الأئمة ما أرجو أن يكون فيه نفع كبير.
وسيكون البدء بعون الله تعالى ببيان تاريخ تعليم القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وعهد الخلفاء الراشدين، ثمّ سأذكر طبقات القراء والمفسرين في الأمصار المشهورة في ذلك الزمان في المدينة ومكة والطائف والعراق والشام واليمن ومصر وخراسان.
وسأعتني في كل ترجمة بإذن الله بذكر ما يحتاج إلى معرفته من بيان فضل صاحبها، وتلخيص المهمّ من أخباره؛ فإن كان فيها طول اقتصرت على بعضها، وذكر شيوخه وتلاميذه، ومن كان له كتب بينتها بإذن الله حسب المعرفة والإمكان، إذ ليس المقصود من هذه الدورة مجرّد ذكر أسماء القراء والمفسرين ووفياتهم وإن كان في ذلك فوائد إلا أنّ المقصود الأعظم أن ننتقل بتفكّرنا إلى تلك القرون الفاضلة، ونتعرّف على أخبارهم وأحوالهم في تعلّم القرآن وتدارسه وتعليمه، وطرقهم في ضبط مسائل علوم القرآن، ونشأة التأليف فيها، واختلاف أوجه العناية بعلوم القرآن وتنوّعها، والمدخل لذلك هو الحديث عن أعلام القرّاء والمفسّرين إذ هم الذين يُتلقّى عنهم كلّ ذلك.
وأسأل الله تعالى أن يوفّق لحسن الإعداد، وأن يصلح القصد، ويبارك في الأثر، إنه قريب مجيب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.