شرح دروس البلاغة لفضيلة الشيخ: محمد الحسن الددو الشنقيطي (مفرغ)
القسم الثالث: الاستفهام ,فهو طلب العلم , لأن العلم هنا المقصود به الفهم ,استفهام طلب الفهم، واستفعل تدل على الطلب وهو مشتق من الفهم , وأدواته: الهمزة , وهل , وما , ومَن ، ومتى , وأيان , وكيف , وأين , وأما , وكم, وأي , هذه هي أدوات الاستفهام , فمنها الهمزة وهي أم أدوات الاستفهام , ولذلك يُسأل بها التصديق والتصور معا , أقام زيد؟ أزيد قائم؟ {أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم} , {أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله}, فيستفهم بها عن التصور والتصديق , لذلك قال: " فالهمزة لطلب التصور أو التصديق " معناه يستفهم بها عن التصور أو التصديق , والتصوير معناه : فهم الصورة أو إدراك حقيقة الشيء , والتصديق معناه إدراك النسبة , بمعنى إدراك الحكم , هل هو حاصل أو غير حاصل؟ والتصديق لا يتم إلا بثلاث تصورات على الأقل , فيمكن أن يتم بالأربع تصورات , إذا قلت: الفيل واقف , من ليس من أهل العربية لا يعرف معنى الفيل ولا معنى واقف , لن يفهم هذا الكلام , فيحتاج من يريد فهمه إلى أن يفهم معنى الفيل , بغض النظر عن اتصافه بالقيام أو البروك , ثم بعد ذلك يعرف معنى القيام بغض النظر عن اتصاف الفيل به , القيام مطلقاً , ثم بعد ذلك يعرف ما بعد أن كذلك وهو المقابل له، لكن الخبر الذي هو مسافر غير مسؤول عنه هنا , فتقول في الاستفهام عن المسند إليه: أأنت فعلت هذاأم يوسف؟أأنت فعلت هذا أم يوسف، أم زيد؟ فالمستفهم عنه هو أنت , أم يوسف , وفعلت هذا ليس مستفهما عنه؛ لأنه فِعْل فُعِل , وبالنسبة للمعادل وهي القسيم الثاني المقابلقد يذكر مثل ما هنا أأنت فعلت هذا أم زيد؟ وقد لا يذكر: {أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم} فلم يذكر المقابل , أصل الكلام: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم أم فعله غيرك؟ لكن حذف المقابل للاستغناء عنه , والسؤال عن المسند، الاستفهام عن المسند مثل قولك: أراغب أنت عن الأمر أم راغب فيه؟ هل أنت راغب عن هذا الأمر أو راغب فيه؟ فالمستفهم عنه هو ما بعد الهمزة وما بعد أم، مقابل الذي بعد أم , وليس المستفهم عنه أنت , فأنا أعلم أن الأمر يتصل بك , الاختيار لك , لكن هل أنت راغب فيه أو راغب عنه؟ هل تريد هذا أو لا تريده؟ هل تجلس أو تقوم؟ وهكذا ، أجالس أنت أم ذاهب؟ أمقيم أنت أم مسافر؟ فالمستفهم عنه هو ما بعد الهمزة وما بعد أم , وهو المسند هنا , وكذلك الاستفهام عن المفعول مثل قولك: أإياي تقصد أم خالدا؟ معناها هل تقصدني أم تقصد خالدا؟فالاستفهام ليس عنك أنت ولا عن قصدك؛ وإنما هو عن مقصودك , وهو المفعول , هو أنا أو خالد , أإياي تقصد أم خالدا؟.
والاستفهام عن الحال كقولك:أراكب أتيت أم ماشيا؟ أراكب جئت أم ماشيا؟ فأنت لا تسأله هل جئت أم لم تجئ , لا تسأله على المجيء , ولا تسأله عن فاعل المجيءالذي هو أنت , ولا عن مفعوله؛لأنه أصلاً فعل لازم ليس له مفعول , وإنما تسأله عن حال المجيء , جئت راكبا أم جئت ماشيا؟.
وكذلك الاستفهام عن الظرف , أيوم الخميس قدمت أم يوم الجمعة؟ فأنت لا تسأله هل قدمت أم لم أقدم؟ ولا تسألههل القادم أنا أو غيري؟ ولا تسأله عن المفعول ؛ لأن الفعل لازم أصلا؛ وإنما تسأله عن وقت المجيء , أيوم الخميس قدمت أم يوم الجمعة؟وهكذا.
وقد لا يذكر المعادل الذي هو المقابل كما ذكرنا , مثل قول الله تعالى: {أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم} , ومنه قوله تعالى: {أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم} فالأول المقابل المحذوف فيه أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم أم غيرك؟ والثاني: أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم أم غير راغب؟ فحذف المعادل المقابل للاستغناء عنه. أإياي تقصد؟ وهذا مثل قول عنترة:
أحولي (غير مسموع) مذرويها لتقتلني فها أنا يا عمارة
أحولي معناه أو حول غيري . أيوم الخميس قدمت؟ معناه أم يوم الجمعة ؟فحذفت المعادل. والمثول عنه بالتصديق هو النسبة؛لأن التصديق معناه إثبات النسبة أو نفيها , ولا يكون لها معادل؛ لأن النسبة هنا إما أن تثبت وإما أن تنفى , لكن لا يقتضي ذلك إثبات نسبة أخرى إذا نفيت , أو نفي نسبة أخرى إذا أثبت , فإن جاءت أم بعد الاستفهام عن التصديق قدرت منقطعة وتكون حينئذ بمعنى بل , أقمت أم قعدت؟ هذا استفهام عن التصديق وليس عن التصور , فأم هنا منفصلة بمعنى بل , أقمت؟ معناه بل قعدت , لأنها يمكن أن تحذف أصلاً, لوقلت: أقمت؟حصل الاستفهام المطلوب , وتجاب حينئذ بنعم أو بلا, وهذا معنى التصديق .
و (هل) لطلب التصديق فقط،الأداة الثانية من أدوات الاستفهام: هي هل , وهي لطلب التصديق فقط , وتدخل على الاسم وعلى الفعل ,هل زيد قائم ؟ هل قام زيد؟ وجوابها هو جواب التصديق يكون بنعم أو بلا , هل قام زيد؟ نعم. هل زيد قائم؟لا.فجوابها جواب التصديق , ولذا يمتنع معها الذكر المقابل، المعادل الذي هو المقابل لا يذكر معها , لا تقول: هل جاء زيد أم لم يأت؟ , هذا الأصل عدم ذكره , فذكره إطناب , فلا يقال: هل جاء صديقك أم عدوك؟هذا في الغالب , لأنأم عدوك إطناب , و (هل) تسمى بسيطة , للاستفهام بها عن وجود الشيء في نفسه , (هل) يستفهم بها عن أمرين التصديق إما أن يتعلق بوجود الشيء في نفسه , أو بوجود وصف له وصف بشيء آخر, فإن كان السؤال بها عن وجود الشيء في نفسه سميت بسيطة , وإن كان السؤال بها عن وجود شيء بشيء آخر سميت مركبة , فـ (هل) البسيطة كقولك: هل العنقاء موجودة؟العنقاء طائر يزعم العرب أنه من نوادر الدنيا , وما عرفت له حقيقة , فإذا أرادوا أن الشيء قد فقد ولم يبق له أثر , قالوا: طارت به عنقاء مغرب , العنقاء في الأصل مشتقة من العنق , معناه طويلة العنق أي: الطائر طويل العنق , الواقع أنه مجرد تخيَّل لديهم , أن الشيء إذا فُقِدَ فقد طار به طير , فإذا قلت: هل العنقاء موجودة؟ فهذا هل هنا بسيطة؛لأنك سألت فقط عن الوجود , أما إذا قلت: هل تبيض العنقاء أو تفرخ؟ معناه أن العنقاء من الطيور اللواتي تبيض , فيكون ولدها في بيضة أو تفرخ أي تلد فرخا , فهذا سؤال عن شيء لشيء آخر , فهو سؤال عن وصف لا عن حقيقة , فـ (هل) هنا تسمى مركبة.
الأداة الثالثة من أدوات الاستفهام هي: (ما) , ويطلب بها شق الاسم , فتقول: ما العسجد؟ العسجد ذهب , ما اللجين؟ اللجين الفضة , ما القسورة؟ القسورة الأسد , فتسأل بها عن معنى الكلمة , أو تسأل بها عن حقيقة المسمى , فأنت تعرف معنى الكلمة لكن تريد حدا لها , فتقول ما هو الأمر؟ أو ما هو العام؟ أو ما هو الخاص؟ أو ما هو المطلق؟ أو ما هو المقيد؟ فتريد تعريفا أو حدا جامعا مانعا , كقولك: ما الإنسان؟ فأقول: هو الحيوان الناطق مثلا , نحو ما الإنسان؟ أو السؤال عن حال المذكور معها , كقولك لقادم عليك: ما أنت؟ ما أنت ،معناه هل أنت طالب علم؟ هل أنت سفير؟ هل أنت وزير؟ هل أنت راغب، طامع؟ ما أنت؟ فالاستفهام بها حينئذ عن الحال , بخلاف ما لو قلت من أنت؟ فهذا تريد به أن يعرفك على على نفسه , أنا فلان بن فلان فيكفي هذا ، بينما لو قلت له: ما أنت؟ معناه تريده أن يخبرك بحاله.
ولذلك روي في حديث سويد رضي الله عنه أن وفد الأزد حين أتوا النبي صلى الله عليه وسلم قال:((ما أنتم؟))فقالوا: المؤمنون , فقال: ((إن لكل قول حقيقة , فما حقيقة قولكم وإيمانكم؟)) فهذا هنا (ما) خاطب بهاالأزد يسأل عن حالهم , هل هم كفار أو مسلمون أو منافقون؟.
الأداة الرابعة من أدوات الاستفهام: (مَن) , ويطلب بها تعيين العقلاء , كقولك: من فتح مصرا؟ فتقول عمرو بن العاص مثلاً من قتل مرحبا؟ فتقول: علي بن أبي طالب. مَن حفر بئر زمزم؟ فتقول: عبد المطلب. فالمقصود حينئذ تعيين العقلاء , من أنت؟ فلان بن فلان وهكذا.
الأداة الخامسة: (متى) ويطلب بها تعيين الزمان , سواء كان ماضيا أو مستقبليا , نحو متى جئت؟معناه: في أي وقت جئت؟ فتعين الزمان , فتقول: أمس أو قبل أمس , أو يوم الخميس مثلا. ومتى تذهب؟ فتقول: غدا أو بعد غد , سواء كان الزمان ماضيا , متى جئت؟ أو كان مستقبليا متى تذهب ؟.
والأداة السادسة من أدوات الاستفهام: (أيان) , ويطلب بها تعيين الزمان المستقبلي خاصة , وتكون في موضع التهويل أي في الأمر الهائل , كقوله تعالى: {يسأل أيان يوم القيامة} معناه متى يكون يوم القيامة؟ فهي سؤال عن الزمان المستقبلي, ولكنلا يسأل بها إلا عن الأمر العظيم.
الأداة السابعة من أدوات الاستفهام: (كيف) ويطلب بها تعين الحال , أي: يستفهم بها عن حال الإنسان , فتقول: كيف أنت؟ فتقول: بخير , أو صحيح أو معاف ونحو ذلك , فهي سؤال عن حالك.
الأداة الثامنة من أدوات الاستفهام: (أين) ويطلب بها تعين المكان , فتقول: أين تذهب؟ معناه: إلى أي مكان تذهب؟.
الأداة التاسعة من أدوات الاستفهام: (أنى) , ويستفهم بها عن الحال , فتكون بمعنى كيف , نحو: {أنى يحيي هذه الله بعد موتها} , معناه: كيف يحيهذه الله بعد موتها؟ وتأتي أيضا بمعنى أين , أي يستفهم بها عن المكان، كذلك وذلك مثل قوله تعالى: {يا مريم أنى لك هذا} معناه من أين لك هذا؟ من أي مكان جاءك هذا؟ وتأتي أيضا بمعنى متى , وهو الاستفهام عن الزمان, نحو: أنى تكون زيادة النيل أنى تأتنا أنى تأتنا ؟ أنى تأتنا ؟ معناه: متى تأتينا؟ أنى تكون زيادة النيل معناه: متى تكون زيادة النيل.
الأداة العاشرة من أدوات الاستفهام: (كم) , ويطلب بها تعين العدد المبهم كقولك: كم مالك؟ فتقول: ألف مثلا .{كم لبثتم عدد سنين} وهكذا , فيسأل بها عن العدد المبهم.
الأداة الحادية عشرة وهي الآخرة: (أي) ويطلب بها تمييز أحد المتشاركين في أمر يعمهما , فيشمل ذلك الزمان , والمكان , والحال , والشخص , والهيئة وغير ذلك , يستفهم بها عن كل شيء , لكن لا بد من حصول الاشتراك بين شيئين , لكن أي شيئين أشتركا يمكن أن تسأل التعيين فيهما بأي : {أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا} الفريقان اشتركا هنا, فسئل أيهما خير مقاما وأحسن نديا؟ ويسأل بها عن الزمان والمكان والحال والعدد والعاقل وغيره بحسب ما تضاف إليه؛ لأن المقصود هنا فقط أن يكون المسؤول عنه مشتركا مع غيره في أمر يراد تعيينه عنه.