بسم الله الرحمن الرحيم
المجموعة الثانية:
إجابة السؤال الأول:حرر القول في المسائل التالية:
أ. المراد بالملكين.
اختلف المفسرون في المراد بالملكين في قوله تعالى: (واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما انزل على الملكين..) على أربعة أقوال:
الأول :أنهما هاروت وماروت ، ملكان من الملائكة أنزلهما الله إلى الأرض يعلمان الناس السحر فتنة للناس وابتلاء لهم ، أو لأنه قد سبق في علم الله أنهم يفعلون هذا ، و"ما" في قوله تعالى (وما أنزل على الملكين ) على هذا القول موصولة ، ذكره ابن كثير وقال هو قول كثير من السلف ، وذكره ابن عطية.
الثاني:داوود وسليمان ، على اعتبار أن المقصود أنهم ملكين من ملوك الدنيا، للقراءة الشاذة بكسر اللام في الملِكين ، ذكره ابن عطية ، و"ما" على هذا القول نافية.
الثالث:هما ملكان من ملوك الدنيا (علجان كانا ببابل) أي رجلان قويان ، قاله الحسن وذكره ابن عطية ، و"ما" على هذا القول موصولة ، والإنزال معناه القذف في قلوبهما والله أعلم.
الرابع:جبريل وميكائيل ، ذكره ابن كثير نقلاً عن القرطبي ، لأن اليهود زعموا أن السحر نزل به جبريل وميكائيل فأكذبهم الله ، وعلى هذا القول "ما" في قوله تعالى: (وما انزل على الملكين ) نافية .
ب. القراءات في قوله: {ما ننسخ من آية أو ننسها} والمعنى بحسب كل قراءة.
اختلف القراء في قراءة قوله تعالى (ننسها) على قرائتين متواترتين وقراءات أخرى شاذة ، أما القراءاتان المتواترتان فهما :
أولاً: القراءة الأولى المتواترة:
1- (نُنْسٍها) بضم النون الأولى وسكون الثانية وكسر السين ، والمعنى على هذه القراءة من وجهين :
الأول:النسيان الذي هو ضد الذكر، فيكون معنى الآية: ما ننسخ من آية أو نُقدِّر نسيانك لها فتنساها - فقد كان الله تعالى ينسي نبيه ما يشاء - حتى ترتفع جملة وتذهب ، فإنا نأتي بما هو خير منها لكم أو مثلها في المنفعة.
الثاني:النسيان الذي هو بمعنى الترك ، فيكون معنى الآية من وجوه أربعة :
1- ما ننسخ من آية أو نتركها أي غير منزلة ،- بمعنى تبقى في اللوح المحفوظ لاتنزل عليك - فإنا لا بد أن ننزل رفقا بكم خيرا من ذلك أو مثلها حتى لا ينقص الدين عن حد كماله.
2- ما ننسخ من آية أو نترك تلاوتها -وإن رفعنا حكمها- فيكون النسخ في قوله تعالى ( ما ننسخ من آية ) على هذا رفع التلاوة والحكم نأت بخير منها أو مثلها.
3- ما ننسخ من آية أو نترك حكمها -وإن رفعنا تلاوتها -فالنسخ أيضا على هذا رفع التلاوة والحكم ، نأت بخير منها أو مثلها.
4- ما ننسخ من آية أو نتركها فلا ننسخها لا في الحكم ولا التلاوة، فالنسخ على هذا المعنى هو على جميع وجوهه ، ويجيء الضميران في منها أو مثلها عائدين على المنسوخة فقط، وكأن الكلام إن نسخنا أو أبقينا فلم ننسخ فإنا نأتي بخير من المنسوخة أو مثلها.
ثانياً:القراءة الثانية المتواترة:
( أو نَنْسَأها) بمعنى نؤخرها، فيكون معنى الآية كما في الوجوه الأربعة في معنى الترك وهي:
1- ما ننسخ من آية أو نؤخر إنزالها نأت بخير من من الذي نسخناه أو مثله.
2- ما ننسخ النسخ الكامل أو نؤخر تلاوته من الآيات وإن أبقينا حكمه نأت بخير منه أو مثله.
3- ماننسخ النسخ الكامل أونؤخر حكمه وإن أبقينا تلاوته نأت بخير منه أو مثله.
4- ماننسخ النسخ الكامل أو نؤخره مثبتاً لا ننسخه ، فهنا ننسأ عكس ننسخ – نأت بخير منه أو مثله.
وهناك بعض القراءات الأخرى الشاذة :
مثل قراءة ( أو نُنْسَها) بفتح النون الأولى وسكون الثانية وفتح السين ، هي بمعنى الترك.
وقراءة (تُنْسَها)بتاء المخاطبة على مخاطبة النبي صلى الله عليه وسلم ، بمعنى النسيان الذي هو ضد الذكر ، وقراءة (نُنَسِّها) ، وهي من النسيان الذي هو ضد الذكر ، وهناك قراءة أبي بن كعب ( أونُنْسِكَ) وقراءة ( أو نُنْسِكها) .
وهذه القراءات لا تخلو كل واحدة منها أن تكون من النسيان الذي هو ضد الذكر أو من النسيان الذي هو بمعنى الترك فيتوجه فيها المعنى كما سبق.
-----
2: فصّل القول في تفسير قول الله تعالى:
{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}.
يقول الله تعالى محذراً عباده المؤمنين {وَدَّ} أي :تمنّى، {كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب} أي : فريق من أهل الكتاب وهم اليهود وخاصة علماؤهم ، ويُقصد بالكتاب التوراة ، ويدخل في هذا الفريق كعب بن الأشرف صاحب سبب النزول الذي ذكره ابن كثير؛ حيث كان شاعراً وكان يهجو النبي صلى الله عليه وسلم ففيه نزلت الآية ، {لَوْ يَرُدُّونَكُمْ} أي : تمنوا لو ترجعون {كُفَّارًا} أي ترتدون إلى الكفر بعد إيمانكم. {حَسَدًا} أي وما كان هذا منهم إلا حسداً ، فلم يجدوه في كتاب ولا أمروا به ، والحسد هو تمني زوال النعمة، وقد حسدوا النبي صلى الله عليه وسلم لأنه جاء من الأميين ولم يكن منهم . {مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} أي: من تلقاء أنفسهم من غير أن يجدوه في كتاب ، ولا أُمِروا به ، ويحتمل أن يكون {مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} متعلقاً بـ {وَدَّ} فيكون المعنى : أي هذا الأمر الذي هو محبتهم لكفركم وتمنيهم له ودوه من عند أنفسهم ، ويحتمل أن يكون متعلقاً بـ {حَسَدًا} فيكون المعنى أن هذا الحسد ناشيء من أنفسهم ؛ ولفظة الحسد تُعطي هذا المعنى وترجحه ، فجاء {مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ} تأكيداً وإلزاماً ، { من بعد ما تبين لهم الحق}وهذا يبين شدة قبح عملهم ، فهم متبين لهم صحة نبوة النبي صلى الله عليه وسلم ، وصحة ما عليه المسلمون من التوحيد.
إجابة السؤال الثالث:أجب عما يلي:
أ: ما المراد بملك سليمان في قوله تعالى: {واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان}؟
الخلاف بين المفسرين في ملك سليمان بسبب حرف الجر على على ثلاثة أقوال:
الأول :"على" على بابها ، فيكون المعنى (على ملك سليمان) أي : على عهد سليمان بمعنى أن ذلك كان على عهد ملك سليمان ، ذكره ابن كثير وابن عطية والزجاج.
الثاني :"على" على بابها ، فيكون المعنى (على ملك سليمان ) أي :على شرعه ونبوته وحاله، ذكره ابن عطية عن الطبري.
الثالث:على بمعنى "في" فيكون المعنى (على ملك سليمان ) أي : في ملك سليمان ، بمعنى في قصصه وصفاته وأخباره، ذكره ابن عطية.
ب: المراد بالذي سئله موسى من قبل.
المراد بما سئل موسى من قبل هو أن يُرى الله جهرة ، كما قال تعالى: ( يسألك أهل الكتاب أن تنزل عليهم كتاباً من السماء فقد سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا أرنا الله جهرة) ، والمراد من الآية ذم سؤال التعنت والاقتراح والعناد وليس سؤال الاستفهام ، سبب النزول الذي ذكره ابن كثير يوضح ذلك فعن ابن عبّاسٍ، قال: قال رافع بن حريملة -أو وهب بن زيدٍ-: يا محمّد، ائتنا بكتابٍ تنزله علينا من السّماء نقرؤه، وفجّر لنا أنهارًا نتبعك ونصدّقك. فأنزل اللّه من قولهم: {أم تريدون أن تسألوا رسولكم كما سئل موسى من قبل ومن يتبدّل الكفر بالإيمان فقد ضلّ سواء السّبيل}.
-------