مجلس مذاكرة القسم الرابع من كتاب التوحيد
س1: بيّن معنى النذر، وأقسامه، وحكم الوفاء به بالتفصيل والاستدلال.
النذر: هو إلزام المكلف نفسه بعبادةٍ, والنذر لغير شرك أكبر, كالنذر للأصنام والشمس والقمر والقبور ونحو ذلك, وهو نذر محرم باطل لا يجوز.
وهذا لا وفاء عليه ولا كفارة,وهو بمنزلة الحالف بغير الله, وعليه أن يستغفر الله من ذلك, ويقول كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "من حلف باللات والعزى فليقل لا إله إلا الله".
أما النذر لله فله أقسام.
والنذر لله تعالى عبادة محببة إلى الله, وقد عظمه الله وعظم أهله ومدحهم.
قال: {يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً}.
وقال: {وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه}.
أقسام النذر:
-نذر طاعة؛ ويشمل:
1- النذر المطلق: هو أن يلزم العبد نفسه بعبادة لله جل وعلا،بلا شرط، كأن يقول: (لله علي نذر أن أصلي ركعتين) ليس في مقابلة شيءٍ يحدث له في المستقبل أو شيء حدث له.
وهذا واجب, لقول النبي صلى الله عليه وسلم: " من نذر أن يطيع الله فليطعه".
2- النذر المقيد: وهو أن يلزم نفسه بعبادة لله سبحانه في مقابل شيء يحدثه الله له, كأن يقول: (إن شفى الله مريضي، فلله علي نذر أن أتصدق بكذا وكذا) فهذا كأنه يشترط به على الله -جل وعلا-.وقد كرهه النبي صلى الله عليه وسلم, وقال: "إنما يستخرج به من البخيل".
وقد أجمع العلماء على وجوب الوفاء بالنذر المقيد إذا تحقق الشرط المأمول منه.
3- ونذر طاعة ليس من أصل الدين في الوجوب, كالاعتكاف, فنسب إلى أبي حنيفة أنه لا يلزم صاحبه الوفاء بهذا النذر.
.-نذر معصية؛ وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: " من نذر أن يعصي الله فلا يعصه", والاجماع على أنه لا يجوز الوفاء بنذر المعصية, واتفق العلماء على تحريمه, واختلفوا هل ينعقد موجبا للكفارة أم لا؟.
-نذر في المباح, وورد فيه أن: "امرأة قالت يا رسول الله إني نذرت أن أضرب على رأسك بالدف, فقال: (أوفي بنذرك)".
نذر اللجاج والغضب وهو الذي يخرج مخرج اليمين وحكمه حكم اليمين.
قال صلى الله عليه وسلم: "لا نَذْرَ فِي غَضَبٍ، وَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ".
النذر المبهم، وهو أن يقول لله علي نذر، فهذا تجب به الكفارة في قول أكثر أهل العلم. ومن نذر مكروها كالطلاق استحب أن يكفر عنه ولا يفعله. -نذر الواجب كالصلاة المكتوبة. -نذر المستحيل كصيام يوم أمس.
س2: كيف تثبت أنّ النذر عبادة لا يجوز صرفها لغير الله عزّ وجل؟
لما كان النذر أن يُلزم العبد نفسه بعبادة لله جل وعلا, حتى صار الوفاء به واجبا كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه",ولما كان هذا الالزام محببا إلى الله تعالى ومعظما, كما أخبر سبحانه بقوله: (يوفون بالنذر ويخافون يوماً كان شره مستطيراً), وقوله: (وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن الله يعلمه), دل ذلك على أن الله يحب ويرضى من الناذر هذا العمل, فهو إذا عبادة؛ لأن العبادة: هي كل ما يحبه الله ويرضاه من الأعمال الظاهرة والباطنة.
ولما كان المعبود بحق هو الله سبحانه دون سواه, كان صرِف النذر لغير الله -جل وعلا- شركاً بالله جل وعلا.
والاستدلال على ذلك:
-عام:يستدل فيه بكل آية أو حديث فيها افراد لله تعالى بالعبادة؛ مثل قول الله سبحانه: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا).
-واستدلال خاص بما ورد في النذر, كما تقدم.
س3: ما معنى الاستعاذة؟ وما الدليل على أنها عبادة لا يجوز صرفها لغير الله عز وجل؟
الاستعاذة: هي طلب العياذ، والعياذ: طلب ما يؤمن من الشر، أو الفرار من شيء مخوف إلى ما يؤمن منه، أو إلى من يؤمن منه, ويقابلها اللياذ،وهو: الفرار إلى طلب الخير, وتكون بالقول الذي يصاحبه اعتقاد.
قال ابن كثير:"الاستعاذة هي الالتجاء إلى الله تعالى والالتصاق بجنابه من شر كل ذي شر).
وهي عبادة مأمور بها؛ قال تعالى: (وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله).
والاستدلال على ذلك عام وخاص كما ذكرت في إجابة السؤال السابق.
ومن الأدلة الخاصة بالاستعاذة قول الله تعالى: (وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً).
فالاستعاذة بغير الله شرك أكبر؛ لأنها صرف للعبادة لغير الله، فإن كان ذلك في الظاهر مع طمأنينة القلب بالله، وتوجه القلب إلى الله، وحسن ظنه بالله، وأن هذا العبد إنما هو سبب، وأن القلب مطمئن فيما عند الله؛ فإن هذه تكون استعاذة بالظاهر، وأما القلب فإنه لم تقم به حقيقة الاستعاذة، وهذا جائز, وإلا كانت شركا أكبر.
س4: كيف تردّ على من زعم من القبوريين أنه يستعيذ بالأولياء فيما أقدرهم الله عليه؟
استعاذة القبوريين بالأولياء شرك؛ لأنها تجمع القول باللسان واعتقاد القلب بذلك, ولا يصلح ذلك إلى إلا لله تعالى.
وقولهم هذا باطل من جهتين:
الأولى: أن هذا ميت؛ والميت روحه ممسكة عند الله كما قال تعالى: (فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى), وحديث: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلالث...", دال على أن الميت لا يقدر على شيء من أمر نفسه, فكيف بأمر بغيره؟
الثانية: إذا جادل في هذا فيكون الاستدلال من ناحية أعمال القلوب, فإن الاستعاذة بالميت عمل قام بالقلب, ولا يصح ذلك إلا لله تعالى.
س5: ما معنى الاستغاثة؟ وما حكم الاستغاثة بغير الله تعالى؟ فصّل القول في ذلك مستدلا لما تقول.
الاستغاثة: طلب الغوث, وهو إزالة الشدة.
والفرق بينها وبين الدعاء: أن الدعاء عام في كل الأحوال, والاستغاثة دعاء لله في حال الشدة,ولا تكون إلا من مكروب, والدعاء يكون من المكروب وغيره.
حكم الاستغاثة بغير الله: إذا كانت فيما لا يقدر عليه إلا الله فهي شرك أكبر, قال تعالى: (ولاَ تدع من دون الله مَا لا يينفعك ولا يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين), والشرك ظلم.
وإذا كانت فيما يقدر عليه المخلوق فهي جائزة, كما حصل من صاحب موسى حين استغاث بموسى عليه السلام. وكما يحدث في القتال أو إدراك العدو, فهذه استغاثة في الأسباب الظاهرة من الأمور الحسية, أما الاستغاثة بالقوة والتأثير, أو في الأمور المعنوية كالمرض, والفقر, والضيق, وطلب الرزق, فكل ذلك من خصائص الله, ولا يطلب ذلك إلا منه سبحانه.
س6: فسّر قول الله تعالى: {ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذّبهم فإنّهم ظالمون} وكيف تردّ بهذه الآية على من غلا في النبيّ صلى الله عليه وسلم.
روي أنه (شج النبي صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية, فقال:"كيف يفلح قوم شجوا نبيهم؟" فنزل قول الله تعالى:(ليس لك من الأمر شيء)).
لما لحق النبي صلى الله عليه وسلم من الأذى الشيء الكثير, أنكر على كفار قريش فعلهم, فقال الله تعالى له: (ليس لك من الأمر شيء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون): أي أن العواقب بيد الله وحده, فامض لشأنك ودم على الدعاء لربك).
وقيل: (ليس لك من الأمر شيء) في عبادي إلا ما أمرتك به, وقد تاب الله عليهم وأسلموا.
وهذه الآية تردّ على من غلا في النبيّ صلى الله عليه وسلم, فهو صلى الله عليه وسلم وإن كان سيد ولد آدم, وأحبهم إلى الله تعالى, إلا أنه لا يملك من الأمر شئا, لأن الأمر كله بيد الله, وليعلم المغالون في النبي صلى الله عليه وسلم أنه بشر, يصيبه من محن الدنيا ما يصيب البشر, ويطرأ على جسمه ما يطرأ على أجسام البشر, ليعلم الجميع أنه مخلوق مربوب, فلا يفتتن به وما أجرى الله له من معجزات , وقد شرفه الله بالرسالة, وأخلص له الدين, فبلغ عن ربه خير بلاغ, وأنذر النذارة العامة كما أنذر عشيرته الأقربين, وبين لهم أنه لا يغني عنهم من الله شئا, حتى ابنته سيدة نساء أهل الجنة –فاطمة الزهراء- قال لها: "سليني من مالي ما شئت, لا أملك لك من الله شيئا", فصلى الله وسلم على النبي محمد؛ الذي محبته فرع من محبة الله سبحانه.
س7: فسّر قول الله تعالى: {أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يُخلقون . ولا يستطيعون لهم نصراً ولا أنفسهم ينصرون.}
قوله تعالى: (أَيُشْرِكُونَ} أي: في العِبادةِ.
و(ما): موصولة, تشمل كل الذي يعبد من دون الله.
قوله: (أيشركون ما لا يخلق شيئاً وهم يُخلقون):استفهام توبيخي, وتعنيف للمشركين في عبادتهم مع الله ما لا يخلق أي شيء, بل هو مخلوق, فكيف يكون المخلوق شريكا في العبادة التي خلقه الخالق من أجلها.
(ولا يستطيعون لهم نصراً): أي لا يستطيعون نصر من أشركوا بهم .
وقوله: (ولا أنفسهم ينصرون): أي ولا يستطيعون أن ينصروا أنفسهم هم, فكيف بنصر غيرهم؟
والآية دليل على بطلان ما يعبد من دون الله, حتى الملائكة, والأنبياء, والصالحين.