اختلف أهل العلم في المراد بمواقع النجوم على قولين
واختلافهم راجع إلى اختلافهم في المراد بالنجوم
ثم ترتب على هذا الاختلاف اختلافهم في معنى المواقع
اختلف أهل العلم في المراد "بالنجوم " في قوله تعالى " فلا أقسم بمواقع النجوم على قولين:
القول الأول:
المراد بالنجوم الكواكب المعروفة
-قال الأزهري قَالَ أَهلُ اللُّغَةِ: اسمُ النَّجْمِ يَجْمَعُ الكَوَاكِبَ كُلَّهَا.
قال ابن عطية وقال جمهور كثير من المفسرين : { النجوم } هنا : الكواكب المعروفة.
قال ابن الجوزي: نجوم السماء ، قاله الأكثرون .
قال ابن عاشور: والنَّجْمِ: الْكَوْكَبُ أَيِ الْجُرْمُ الَّذِي يَبْدُو للناظرين لَا مَعًا فِي جَوِّ السَّمَاءِ لَيْلًا.
ودليل هذا القول
- أنه هو المعنى المتبادر إلي الذهن من إطلاق لفظ النجم
ومما يقوي هذا القول أن النجوم أينما وردت في القران فالمراد بها النجوم والكواكب المعروفة .كقوله تعالى {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} وقوله {وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ}
.ثم اختلفوا في معنى" مواقعها" على أقوال
أولا: منازل النجوم
وهو قول قتادة
ونسبه البغوي وابن الجوزي والقرطبي إلى عطاء بن أبي رباح
قال البغوي: وقال عطاء بن أبي رباح : أراد منازلها.
وقال ابن كثير ..وقال مجاهد أيضًا : { بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } في السماء.
فمواقع النجوم مَنَازِلُهَا فِي السَّمَاءِ؛أي مواضعها من بروجها في السماء ومجاريها .فهو كقوله تعالى :{والسماء ذات البروج}
قال ابن عاشور:.وبِمَواقِعِ النُّجُومِ جَمْعُ مَوْقِعٍ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَكَانَ الْوُقُوعِ، أَيْ مَحَالُّ وُقُوعِهَا مِنْ ثَوَابِتَ وَسَيَّارَةٍ." اهـ.
قال الشنقيطي:..وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَنَازِلُهَا فِي السَّمَاءِ، لِأَنَّ النَّازِلَ فِي مَحِلٍّ وَاقِعٍ فِيهِ.
التخريج
-أما قول قتادة فقد أخرجه الصنعاني في تفسيره وابن جرير عن معمر عن قتادة.
أما قول مجاهد : {بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ } في السماء. الذي يظهر –والله أعلم- أن ابن كثير اختصره من الحديث الذي رواه ابن جرير وكذا الهمذاني في تفسير مجاهد .
فقد رواه مجاهد في تفسيره وابن جريرمن طريق وَرْقَاءُ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: " يَعْنِي بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ فِي السَّمَاءِ، وَيُقَالُ أَيْضًا: مَطْلَعُهَا وَمَسَاقِطُهَا "..وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد و إلى بن المنذر
- أما قول عطاء فلم أجده مسندا.
من حجة هذا القول
- أن القسم بها دليل عظم قدرته وحكمته ما لا يحيط به العقول
- قاله ابن عاشور ..." تَنْوِيهٌ بِهَا وَتَعْظِيمٌ لِأَمْرِهَا لِدَلَالَةِ أَحْوَالِهَا عَلَى دَقَائِقَ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي نِظَامِ سَيْرِهَا وَبَدَائِعِ قُدْرَتِهِ عَلَى تَسْخِيرِهَا.
- وقال الألوسي: والتخصيص لأن له تعالى في ذلك من الدليل على عظيم قدرته وكمال حكمته ما لا يحيط به نطاق البيان
- وهذا القول مبني على أن مواقع جمع موقع وهو المحل؛ فموقع الشيء ما يوجد فيه.
قال الخليل بن أحمد: والمَوْقِعُ: موضِعٌ لكلّ واقع، وجمعُه: مَواقِعُ. اهـ
ثانيا: مساقط النجوم. ( .مغاربها)
وهو قول قتادة و أبي عبيدة وابن جرير و الزجاج
ونسبه مكي القيسي إلى الحسن قال : وقال الحسن بمواقع النجوم بمغاربها.
و عن قتادة {فلا أقسم بمواقع النّجوم}. أي مساقطها.
قال أبو عبيدة :فأقسم بمواقع النجوم ومواقعها مساقطها ومغايبها.
قال البخاريُّ ويقال: بمسقط النّجوم إذا سقطن.
قال أبو عبيدة" مواقع النّجوم مساقطها حيث تغيب.
قال الزجاج :ومواقع النجوم مساقطها،كما قال عزّ وجلّ : {فلا أقسم بربّ المشارق والمغارب}
وقال العينى: ومساقط النّجوم مغربها
قال القسطلانى (ويقال بمسقط النجوم إذا سقطن) بكسر قاف بمسقط أي بمغارب النجوم السمائية إذا غربن.
التخريج
-أما قول قتادة فقد أخرجه ابن جرير :حدّثني بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة؛قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم}. أي مساقطها.
وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد .
-أما قول الحسن فلم أجده مسندا ؛ لكن السيوطي عزاه إليعبد بن حميد.
وحجة هذا القول: ما قاله ابن القيم : ..ومن حجة قول من قال هي مساقطها عند الغروب أن الرب تعالى يقسم بالنجوم وطلوعها وجريانها وغروبها إذ فيها وفي أحوالها الثلاث آية وعبرة ودلالة كما تقدم في قوله تعالى {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ} وقال {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى} وقال {فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ}
- ومن حجج أيضا ما ذكره أهل العلم في وجه تخصيص القسم بمساقط النجوم..
قال القسطلاني قال في الأنوار: وتخصيص المغارب لما في غروبها من زوال أثرها والدلالة على وجود مؤثر لا يزول تأثيره.
و قال الزمخشري."لعل لله تعالى في آخر الليل إذا انحطت النجوم إلى المغرب أفعالاً مخصوصة عظيمة ، أو للملائكة عبادات موصوفة ، أو لأنه وقت قيام المتهجدين والمبتهلين إليه من عباده الصالحين ، ونزول الرحمة والرضوان عليهم ؛ فلذلك أقسم بمواقعها.
قال ابن عاشور.."..وَجعل بِمَواقِعِ النُّجُومِ بِهَذَا الْمَعْنَى مُقْسَمًا بِهِ لِأَنَّ تِلْكَ الْمَسَاقِطَ فِي حَالِ سُقُوطِ النُّجُومِ عِنْدَهَا تُذَكِّرُ بِالنِّظَامِ الْبَدِيعِ الْمَجْعُولِ لِسَيْرِ الْكَوَاكِبِ كُلَّ لَيْلَةٍ لَا يَخْتَلُّ وَلَا يَتَخَلَّفُ، وَتُذَكِّرُ بِعَظَمَةِ الْكَوَاكِبِ وَبِتَدَاوُلِهَا خِلْفَةً بَعْدَ أُخْرَى، وَذَلِكَ أَمْرٌ عَظِيمٌ يَحِقُّ الْقَسَمُ بِهِ الرَّاجِعُ إِلَى الْقَسَمِ بِمُبْدِعِهِ..
- وقال السعدي: أقسم تعالى بالنجوم ومواقعها أي : مساقطها في مغاربها ، وما يحدث الله في تلك الأوقات ، من الحوادث الدالة على عظمته وكبريائه وتوحيده.
وهذا القول مبناه على أن وقع يأتي بمعنى سقط؛ يقال وقع الشيء وقوعا:سقط. فمعنى "مواقع" اسم مكان وقع..
(الْموقع) مَكَان الْوُقُوع يُقَال وَقع الشَّيْء موقعه
كما يقال (مَوَاقِعُ) الْغَيْثِ مَسَاقِطُهُ..
قال ابن القيم :..أن لفظ مواقع تقتضيه فإنه مفاعل من الوقوع وهو السقوط فلكل نجم موقع وجمعها مواقع
وقيل {مطالعها و مساقطها} أي مغاربها و مشارقها
- وهو قول مجاهد.
عن مجاهد قال يعني بمواقع النجوم في السماء ويقال أيضا مطلعها ومساقطه.
ونسبه ابن كثير إلى الحسن وقتادة.
قال ابن كثير:يقال : مطالعها ومشارقها . وكذا قال الحسن ، وقتادة .
التخريج
-أما قول مجاهد فقد أخرجه ابن جرير والهَمَذَانِيُّ في تفسير مجاهد من طريق ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ.قوله: {بمواقع النّجوم}. قال في السّماء ويقال مطالعها ومساقطها.
-أما قول الحسن و قتادة فلم أجده مسندا..
وفى كلام مجاهد إضافة " مطالع النجوم " أي مشارقها ..ولا يختلف قوله مع قول قتادة لأنه لا خلاف أن للنجوم مشارق مطالع و مغارب . وهو كقوله تعالى: { فلا أقسم برب المشارق و المغارب}...فكل من المشارق و المغارب يصح إطلاق المساقط عليها
قال الرازي : فيه وجوه ( الأول ) المشارق والمغارب أو المغارب وحدها ، فإن عندها سقوط النجوم.
وحجة هذا القول أن غروب النجوم وطلوعها آية عظيمة تدل على عظم خلق الله.
قال البقاعي: ....الدال بغروب الكواكب على القدرة على الطي بعد النشر والإعدام بعد الإيجاد ، وبطلوعها الذي يشاهد أنها ملجأة إليه إلجاء الساقط من علو إلى سفل لا يملك لنفسه شيئاً
قال ابن عثيمبين: وقيل : المراد بمواقع النجوم مواقع الطلوع والغروب ؛ لأن مواقع غروبها إيذان بالنهار ، ومواقع طلوعها إيذان بالليل ، وتعاقب الليل والنهار من آيات الله العظيمة الكبيرة التي لا يقدر عليها إلا الله - عز وجل - فيكون الله تبارك وتعالى أقسم بما يدل على إقبال الليل وإدباره.
وقد يقال أن مجاهد أضاف مطالع من الآية. من كلمة النجوم لأن لفظة النجم تدل على طلوعه
جاء في مقاييس اللغة :
(نَجَمَ) النُّونُ وَالْجِيمُ وَالْمِيمُ أَصْلٌ صَحِيحٌ يَدُلُّ عَلَى طُلُوعٍ وَظُهُورٍ. وَنَجَمَ النَّجْمُ: طَلَعَ. اهـ
ثالثا:إنكدار النجوم و انتثارها عند قيام السّاعة
وهو قول الحسن البصري والثعلبي
ووجه تخصيص ذلك اليوم..قال الألوسي" التخصيص لما في ذلك من ظهور عظمته عز وجل وتحقق ما ينكره الكفار من البعث.
- التخريج
-أما قول الحسن فقد أخرجه ابن جرير:حدّثنا بشرٌ قال: حدّثنا يزيد قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة. في قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم} قال: قال الحسن: انكدارها و انتثارها يوم القيامة.
ونسبه السيوطي إلى عبد بن حميد.
وهذا القول مبني على أن مواقع مصدر ميمي من وقع فهو نفس الوقوع.؛ أو اسم زمان.
فيكون المراد بمواقع النجوم سقوطها و ذهابها وقت قيام الساعة كما قال تعالى :{ وإذا النجوم انكدرت}؛ وكما قال {فَإِذَا النُّجُومُ طُمِسَتْ}
رابعا: أن مواقع النجوم الأنواء التي كان أهل الجاهلية إذا مطروا قالوا : مطرنا بنوء كذا .
نسبه الماوردي – وهذه عبارته - والقرطبي وابن كثير إلى الضحاك
قال الألوسي: وليس نصاً في إرادة الأنواء بل يجوز عليه أن يراد المغارب مطلقاً .
التخريج
لم أجد له تخريجا في الكتب المسندة.
خامسا
- وقيل : مواقعها عند الانقضاض إثر العفاريت ذكره ابن عطية. وأبو حيان ولم ينسباه إلى أحد
وعبر عنه الرازي بقوله.. مواقعها في إتباع الشياطين عند المزاحمة وهو أيضا لم ينسبه إلى أحد
وعبر عنه الخازن بقوله:."وقيل مواقعها في إتباع الشياطين عند الرجم."
التخريج
لم أجد هذا القول مسندا
ونسبه الآلوسي إلى " أبي جعفر وأبي عبد الله.
وبعد البحث تبين أن هذه النسبة مأخوذة من كتب الشيعة فقد نسب هذا القول لأبي جعفر وأبى عبد الله الطبرسي.(ت 548هـ). في كتابه.مجمع البيان في تفسير القرآن للطبرسي . .لم أجده منسوبا لهما إلا في كتب الشيعة
ولعل هذا القول يحمل على ما جاء من قوله تعالى :" قَالَ تَعَالَى: {إِنَّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ}
وَقَالَ: {وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَجَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ .}
القول الثاني
المراد بالنجوم: نجوم القران.....لأن نجم يطلق على القسط من الشيء ويقال نجّمت الشيء إذا جعله أقساطا
فالمراد بالنجوم نجوم القران و بالمواقع أوقات نزوله..لأن الله أنزل القران على نجوما أي مفرقا أنزله آية بعد أية.
وهو قول ابن عباس ؛ وعكرمة وابن عطية.
ونسبه الماوردي وابن كثير للسدي..ونسبه ابن كثير إلى أبي حزرة.
قال ابن عباس بمواقع النجوم نجوم القرآن وذلك أنه نزل القرآن إلى السماء الدنيا جميعه جملة واحدة ثم نجم على النبي صلى الله عليه وسلم نجوما فرقا قطعا الآية والآيتان وأكثر. اهـ
قال البيضاوي و أبو السعود: وقيل النجوم نجوم القرآن ومواقعها أوقات نزولها.
قال ابن القيم :فقيل هي آيات القرآن ومواقعها نزولها شيئاً بعد شيء.
التخريج
أما قول ابن عباس
- فقد رواه النسائي في السنن الكبرى و بن منده في كتاب الإيمان والحاكم في المستدرك من طريق عن حصينٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ.
- ورواه ابن جرير في تفسيره و الهمذاني فى تفسير ابن مجاهد والطبراني في المعجم الكبير من طريق حكيم بن جبيرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ .
قال الهيثمي في مجمع الزوائد.رواه الطّبرانيّ، وفيه حكيم بن جبيرٍ وهو متروكٌ.
-ورواه ابن أبى حاتم :حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمَّارِ بْنِ الْحَارِثِ، ثنا عُبَيْدُ اللَّهِ، يَعْنِي ابْنَ مُوسَى، أَنْبَأَ إِسْرَائِيلُ، عَنِ السُّدِّيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي الْمُجَالِدِ، عَنْ مِقْسَمٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ
وراه بسند أخر أيضا :ذُكِرَ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُمَرَ بْنِ رُسْتَهِ الْأَصْبَهَانِيُّ، ثنا ابْنُ مَهْدِيٍّ، ثنا أَبُو سَلَمَةَ، عَنْ حَكِيمِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ.
-ورواه ضياء الدين المقدسي في الأحاديث المختارة :قالَ ابْنُ مَرْدَوَيْهِ وَحَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ أَحْمَدَ ثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ ثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالا ثَنَا سُفْيَانُ عَنِ الأَعْمَشِ عَنْ حَسَّانِ بْنِ أَبِي الأَشْرَسِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ .
ورواه بسند آخر أيضا : أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ ابْنُ أَحْمَدَ الْخَبَّازُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ رَجَاءٍ أَخْبَرَهُمْ أبنا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أبنا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى بْنُ مَرْدَوَيْهِ ثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دُحَيْمٍ ثَنَا أَحْمَدُ بْنُ حَازِمٍ ثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَكِيمٍ ثَنَا شَرِيكٌ عَنْ مُخَوِّلٍ عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمِسْعَرٍ عَنْ سِمَاكٍ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
-و رواه يحي بن سلام في تفسريه و أبو بكر الأنباري كما في تفسير القرطبي من طريق هَمَّامٌ، عَنِ الْكَلْبِيِّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
- ونسبه السيوطي إلىعبد بن حميد ومحمد بن نصر وابن المنذر وابن مردويه وابن الأنباري في كتاب المصاحف.
-أما قول عكرمة فقد رواه ابن جرير :حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا يحيى بن واضحٍ قال: حدّثنا الحسين، عن يزيد، عن عكرمة.
ورواه بسند آخر :حدّثنا ابن عبد الأعلى قال: حدّثنا المعتمر، عن أبيه، عن عكرمة.
-أما قول السدى فلم أجده مسندا
وكذا قول أبي حزرة
ودليل هذا القول
-السياق وهوما ذكر على إثره : { إنه لقرآن كريم } { في كتاب مكنون } [ الآيتان : 77 و78 ] .
قال الزجاج وقيل إن مواقع النجوم يعنى به نجوم القرآن، لأنه كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - نجوما شيئا بعد شيء , ودليل هذاالقول : {وإنّه لقسم لو تعلمون عظيم * إنّه لقرآن كريم}اهـ.
فعاد الضمير على ما يفهم من قوله: { بمواقع النجوم } ، أي نجوم القرآن ؛حتى يكاد يعدّ كالمذكور صريحاً ولا يحتاج إلى أن يقال يفسره السياق كما في سائر الأقوال .
قال ابن عطية: (ويؤيد هذا القول عود الضمير على القرآن في قوله: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ، وذلك أن ذكره لم يتقدم إلا على هذا التأويل، ومن لا يتأول بهذا التأويل يقول: إن الضمير يعود على القرآن وإن لم يتقدم ذكر لشهرة الأمر ووضوح المعنى كقوله تعالى: {حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ} ، {وكُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ} .
وهذا القول مبنى على النجم يطلق على الوقت المضروب
جاء في لسان العرب
والنَّجْمُ: الوقتُ الْمَضْرُوبُ، وَبِهِ سُمِّيَ المُنَجِّم. ونَجَّمْتُ المالَ إِذا أَدَّيته نُجوماً؛ قَالَ زُهَيْرٌ فِي دياتٍ جُعِلت نُجوماً عَلَى الْعَاقِلَةِ:
يُنَجِّمُها قومٌ لقَوْمٍ غَرامةً، ... وَلَمْ يُهَرِيقُوا بينَهم مِلءَ مِحْجَمِ
وَفِي حَدِيثِ
سَعْدٍ: واللهِ لَا أَزيدُك عَلَى أَربعة آلافٍ مُنَجَّمةٍ
؛ تَنْجِيمُ الدَّينِ: هُوَ أَن يُقَدَّرَ عَطَاؤُهُ فِي أَوقات مَعْلُومَةٍ متتابعةٍ مُشاهرةً أَو مُساناةً، وَمِنْهُ تَنْجِيمُ المُكاتَب ونُجُومُ الكتابةِ. اهـ
وأصل هذا القول أن الْعَرَب كَانَت تجْعَل مطالع منَازِل الْقَمَر ومساقطها، مواقيتَ لحلول ديونها، فَتَقول: إِذا طلع النَّجْم، وَهُوَ الثُّريا، حلَّ لي عَلَيْك مَالِي، وَكَذَلِكَ سائرُها فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَام جعل الله جلَّ وعزَّ الأهِلَّةَ مَوَاقِيت لما يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ من معرفَة أوقاتِ الْحَج والصَّوم، ومَحِلِّ الدُّيُون، وسموها نجوماً فِي الدُّيُون المنَجَّمة وَالْكِتَابَة اعْتِبَارا بالرسم الْقَدِيم الَّذِي عرفوه، واحتذاءً حَذْوَ مَا أَلِفوه..فأصبح النجم يطلق على الْوَقْت الَّذِي يحل فِيهِ الدّين وَنَحْوه. يُقَال: نجمت الدّين تنجيما إِذا جعلته على المداين نجوما.. ، ثُمَّ نُقِلَ للوَظِيفَةِ الَّتِي تُؤدَّى فِي الوَقْتِ المَضْرُوبِ.
جاء في المصباح المنير....وَكَانُوا يُسَمُّونَ الْوَقْتَ الَّذِي يَحِلُّ فِيهِ الْأَدَاءُ نَجْمًا تَجَوُّزًا لِأَنَّ الْأَدَاءَ لَا يُعْرَفُ إلَّا بِالنَّجْمِ ثُمَّ تَوَسَّعُوا حَتَّى سَمَّوْا الْوَظِيفَةَ نَجْمًا لِوُقُوعِهَا فِي الْأَصْلِ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَطْلُعُ فِيهِ النَّجْمُ اهـ.
** وعن ابن عباس...مستقرّ الكتاب أوّله وآخره.
التخريج
رواه ابن جرير حدّثني محمّد بن سعدٍ قال: ثني أبي قال: ثني عمّي قال: ثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {فلا أقسم بمواقع النّجوم وإنّه لقسمٌ لو تعلمون عظيمٌ}. قال: مستقرّ الكتاب أوّله وآخره.
ولعل مراد ابن عباس بقوله مستقر الكتاب أوله و آخره هو منازل القران .
فمنازل القرآن هي في السماء الدنيا التي نزل إليها من أعلى واستقر فيها ،ثم أخذ ينزل منها منجما حسب الأحداث والوقائع
قال مقاتل بن سليمان: { فلا أقسم بمواقع النجوم } آية يعني بمساقط النجوم من القرآن كله أوله وآخره في ليلة القدر نزل من اللوح المحفوظ من السماء السابعة إلى السماء الدنيا إلى السفرة ، وهم الكتبة من الملائكة نظيرها في عبس وتولى :{ بأيدي سفرة كرام بررة } الآية.
وقد وجدت أثرا رواه ابن عبد البر . ما قد يوضح معنى منازل القران -وقد بحث على تخريجه فلم أعثره عليه حسب مما تيسر لدي من مراجع-
- قال أبو عمر : روي عن عكرمة في قول الله- عز وجل- : { فلا أقسم بمواقع النجوم } ، قال : القرآن نزل جملة واحدة ،فوضع مواضع النجوم، فجعل جبريل- عليه السلام- ينزل بالآية والآيتين . وقال غيره : { بمواقع النجوم } : بمساقط نجوم القرآن كلها أوله وآخره.،ومن الحجة لهذا القول قوله- عز وجل- : { وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرءان كريم }-الآيات .اهـ
فقول عكرمة هذا يفهمه منه أن كل القران أوله ,آخره نزل جملة واحدة ، فوضع مواضع النجوم. في السماء الدنيا .
فيكون معنى منازل القران مواضع في السماء الدنيا وضع موضع النجوم .والله أعلم
وعلى هذه الأقوال كلها السالفة الذكر يكون المراد بنجوم القران..الآيات القرآنية أو الأقساط القرانية النازلة المتفرقة ؛ والمراد بمواقعه إما هو وقت نزوله أو هو نفس النزول أو هو منازل في السماء الدنيا .والله أعلم.
ثانيا: المراد به محكم القران
وهو قول عبد الله ابن مسعود. ومجاهد والبخاري .
قال البخاري: {مواقع النّجوم} : " بمحكم القرآن.
و قال القَسْطَلاَّنيُّ : ( بمواقع النجوم) أي (بمحكم القرآن) ويؤيده {وإنه لقسم وإنه لقرآن كريم.}
التخريج
-أما قول عبد الله ابن مسعود رواه الفراء في معان القران"قال الفرّاء حدّثنا فضيل بن عياضٍ عن منصورٍ عن المنهال بن عمرٍو عن ابن مسعود...وذكره ابن حجر في الفتح.
ونسبه السيوطي الى الفريابي
-أما قول مجاهد فقد ر رواه ابن جرير: حدّثني يحيى بن إبراهيم المسعوديّ قال: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه، عن الأعمش، عن مجاهدٍ.
ونسبه السيوطي إلىابن نصر وابن الضريس
ومبنى هذا القول ما قاله محمدُ بنُ عبدِ الهادي السِّنْديُّ قوله: (بمواقع النجوم بمحكم القرآن) مبني على تشبيه معاني القرآن بالنجوم الساطعة، والأنوار اللامعة، ومحل تلك المعاني هي محكم القرآن، فصار مواقع النجوم
الدراسة
اختلف أهل العلم في المراد بالنجوم على قولين
وكلا القولين يوجد في اللغة والشرع ما يعضده
والذي يظهر أن منشأ الخلاف راجع الاختلاف في معنى كلمتي "النجوم " و " مواقع"
وهذا الاختلاف راجع لاختلاف معانيها في اللغة . فالنجوم في اللغة تطلق على الكواكب المعروف و يطلق على القسط من الشيء أو على الوقت المضروب
وكذا كلمة مواقع فهي إما بمعنى الحلول في الشيء أو بمعنى السقوط والهوى وقد تكون بمعنى ظرف المكان أو ظرف الزمان. وعلى هذا الخلاف في اللغة ترتب عليه الخلاف في المراد بمواقع النجوم في الآية
ومن جهة أخرى فكل ما ذكر من المعاني المختلفة إلا وله ما يؤيده من جهة الشرع
فمن قال أن المراد "بمواقع النجوم "هي منازل النجوم ومجاريها فهو كقوله تعالى :{:{ والسماء ذات البروج}
ومن قال بالمراد "بمواقع النجوم " سقوطها ومغاربها
فهو كقوله تعالى " والنجم إذا هوى" وكقوله تعالى "{ {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ الْجَوَارِ الْكُنَّسِ}
ومن زاد وقال هو مطالعها ومغاربها فهو كقوله تعالى "{ فلا أقسم برب المشارق والمغارب"
ومن المراد بها سقوطها يوم القيامة فهو كقوله تعالى:{وإذا النجوم انكدرت} {وإذا النجوم طمست}
ومن قال أن "المراد بالنجوم "نجوم القرآن، لأنه كان ينزل على النبي - صلى الله عليه وسلم - نجوما شيئا بعد شيء , أيد وقوى جحته بقوله تعالى : {وإنّه لقسم لو تعلمون عظيم * إنّه لقرآن كريم})."
فعاد الضمير على ما يفهم من قوله : { بمواقع النجوم} ، أي نجوم القرآن ؛حتى يكاد يعدّ كالمذكور صريحاً ولا يحتاج إلى أن يقال يفسره السياق كما في سائر الأقوال.
الترجيح
وقد رجح ابن جرير الطبري القول الأول الذي مفاده أن المراد بمواقع النجوم مساقطها ومغاربها
قال رحمه الله تعالى:{ وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: معنى ذلك: فلا أقسم بمساقط النّجوم ومغايبها في السّماء، وذلك أنّ المواقع جمع موقعٍ، والموقع المفعل من وقع يقع موقعًا، فالأغلب من معانيه والأظهر من تأويله ما قلنا في ذلك، ولذلك قلنا: هو أولى معانيه به..."؛}
و رجح ابن القيم أن المراد بالنجوم هو الكواكب المعروفة بدلالة المعهود المعروف من استعمال النجم في القران
قال رحمه الله تعالى :{ ويرجح هذا القول أيضاً أن النجوم حيث وقعت في القرآن فالمراد منها الكواكب كقوله تعالى {وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} وقوله {وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ}.
وقد رجح الشنقطيى: أن المراد بمواقع النجوم نجوم القران لأمرين
الأمر الأول :أن الإقسام بالقران على القران معهود في كتاب الله و أن خير ما يفسر به القران هو القران
الأمر الثاني : لمناسة الآيات لما بعدها .فكون المراد بالإقسام بالنجوم هو القران أنسب لقوله ما بعده "وإنه لقسم لو تعلمون عظيم. " و وقوله عظيم أي تعظيم من الله سبحانه وتعالى ليدل أن المقسم عليه في غاية العظمة.
فالذي يظهر والعلم عند الله
أن كلا القولين لهما وجه من الصحة والآية تحتملها...إلا أن القول الأول - أن المراد بالنجوم الكواكب المعروفة - أقوى من ناحية
- أنه هو المعهود المعروف من إطلاق النجوم في القران الكواكب ...فحمل الآية على المعهود من القرآن أولى من حمله على غيره.
- والأمر الآخر أن اللفظ المتابدر إلى الذهن من لفظ النجوم هو النجم المعروف الكواكب المعروفة.وحمل اللفظ على المعنى الظاهر أولى من حمله على غيره
وأيضا مما يقوى هذا القول المناسبة القوية بين القسم "النجم" والمقسم عليه " القران"
قال ابن القيم...وعلى هذا فتكون المناسبة بين ذكر النجوم في القسم وبين المقسم عليه وهو القرآن من وجوه أحدها أن النجوم جعلها الله يهتدى بها في ظلمات البر والبحر وآيات القرآن يهتدى بها في ظلمات الجهل والغي فتلك هداية في الظلمات الحسية وآيات القرآن في الظلمات المعنوية فجمع بين الهدايتين مع ما في النجوم من الرجوم للشياطين وفي آيات القرآن من رجوم شياطين الإنس والجن والنجوم آياته المشهودة المعاينة والقرآن آياته المتلوة السمعية مع ما في مواقعها عند الغروب من العبرة والدلالة على آياته القرآنية ومواقعها عند النزول..التبيان في أقسام القران
ولعل أولى الأقوال من القول الأول هو مغاربها ومساقطها.فهذا الذي كانت تعرفه العرب؛ فهي آية عظيمة مشاهدة ؛وقد كان للعرب وقد كانوا يعظمون النجوم والكواكب حتى وصل الحال ببعضهم لإعطائها شيء من تدبير الكون.؛ فأقسم الله بهذا الشىء العظيم للدلالة على عظم شأن القران..والله أعلم.
المصادر والمراجع :
- العين للخليل بن أحمد الفراهيدي 170 هـ
- معاني القرآن للفراء 207 هـ
- مجاز للقرآن لأبي عبيدة معمر بن المثنى 210 هـ
- تفسير عبد الرزاق الصنعاني 211 هـ
- صحيح أبي عبدالله محمد بن إسماعيل البخاري 256 هـ
- فتح الباري بشرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني 852 هـ
- هدي الساري بشرح غريب صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني 852 هـ
- عمدة القاري في شرح صحيح البخاري لبدر الدين العيني 855 هـ
- إرشاد الساري للقسطلاني 923 هـ
- حاشية السندي على البخاري 1136 هـ
- جامع البيان للطبري 310 هـ
- معاني القرآن وإعرابه للزجاج 311 هـ
- جمهرة اللغة أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد الأزدي (321هـ)
- تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم الرازي 327 هـ
- تفسير مجاهد للهمذاني 352 هـ
- المعجم الكبير للطبراني 360 هـ
- مقاييس اللغة لابن فارس 395 هـ
- المستدرك للحاكم النيسابوري 405 هـ
- الكشف والبيان للثعلبي 427 هـ
- الهداية لمكي بن أبي طالب 437 هـ
- النكت والعيون للماوردي 450 هـ
- شعب الإيمان للبيهقي 458 هـ
- معالم التنزيل للبغوي 516 هـ
- تفسير الكشاف للزمخشري 538 هـ
- المحرر الوجيز لابن عطية 546 هـ
- زاد المسير لابن الجوزي 597 هـ
- جامع الأصول لابن الأثير 606 هـ
- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي 671 هـ
- لسان العرب لابن منظور 711 هـ
- لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن 741 هـ
- البحر المحيط لأبي حيان الأندلسي 745 هـ
- التبيان في أقسام القرآن لابن قيم الجوزية 751 هـ
- المصباح المنير في غريب الشرح الكبير الفيومي ( نحو 770هـ)
-- تفسير القرآن العظيم لابن كثير 774 هـ
- مجمع الزوائد للهيثمي 807 هـ
- نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي 885 هـ
- الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي 911 هـ
- إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود 982 هـ
- تاج العروس من جواهر القاموس الزَّبيدي (1205هـ)
- فتح القدير للشوكاني 1250 هـ
- فتحُ البيان في مقاصد القرآن أبو الطيب محمد صديق خان القِنَّوجي (1307هـ)
- روح المعاني للآلوسي 1270 هـ
- محاسن التأويل للقاسمي 1332 هـ
- تفسير السعدي 1376 هـ
- - التحرير والتنوير لابن عاشور 1393 هـ
- أضواء البيان لمحمد الجنكي الشنقيطي 1393 هـ
- تفسير القران محمد بن صالح بن محمد العثيمين (المتوفى: 1421هـ)
- المعجم الوسيط مجمع اللغة العربية بالقاهرة