تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي
فوائد وعبر من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(153)). سورة البقرة
الحمد لله في السراء والضراء والسعادة والشقاء ، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد:
افتُتح سبحانه الكلام بالنداء لأن فيه إشعاراً بخبرٍ مهم عظيم ، حتى ينتبه المخاطبَ وتستعد النفس لقبوله لتستأنسبه قبل أن تفْجَأَه، ومراد هذا الخطاب إعداد المسلمين لما هو آت من بلاء في الانفس والثمرات ونقص في الأموال والأولاد ، ومواجهة الأعداء ، وغيرها من البلايا ، وأيضاً كي يشكروا نعمته عليهم إذا جعلهم أمة وسطاً وشهداء على الناس ، وتفضيلِهم بالتوجه إلى استقبال أفضل بقعة ، وتأييدهم بأنهم على الحق في ذلك ، وأمْرِهم بالاستخفافِ بالظالمين وأَنْ لا يخشوهم ، وتبْشيرهم بأنه أتم نعمته عليهم وهداهم ، وامتن عليهم بأنه أرسل فيهم رسولاً منهم ، وهداهم إلى الامتثال للأحكام العظيمة كالشكر والذكر ، فإن الشكر والذكر بهما تهيئة النفوس إلى عظيم الأعمال ، من أجل ذلك كله أَمرهم هنا بالصبر والصلاة ، ونبههم إلى أنهما عون للنفس على عظيم الأعمال.
فخاطب سبحانه أمراً عباده المؤمنين بأن يستعينوا على أمور دينهم ودنياهم بالصبر والصلاة، وبين سبحانه أنه مع الصابرين . ولنا في هذه الآية فوائد وعبر منها:
1- بيان عظمة ومكانة الصبر والصلاة .
فسبحانه بدأ خطابه بالنداء الذي ينتج عنه الانتباه وتعظيم ما هو آت في الخطاب .
2- أن الاستعانة بالصبر والصلاة أمر كبير وصعب ، إلا على من يسره الله عليه.
قال تعالى لبني إسرائيل: {إنها لكبيرة}علماً منه بضعف عزائمهم عن عظائم الأعمال وقال هنالك{إلاَّ على الخاشعين}ولم يذكر مثل هذا هنا ، وفي هذا إيماء إلى أن المسلمين قد يُسر لهم ما يصعب على غيرهم ، وأنهم الخاشعون الذين استثناهم الله هنالك ، وزاد هنا فقال: {إن الله مع الصابرين}فبشرهم بأنهم ممن يمتثل هذا الأمر ويعد لذلك في زمرة الصابرين .ذكره ابن عاشور
3- مكانة أمة الإسلام عند الله سبحانه وأنه ييسر عليهم ما يصعب على غيرهم.
وهذا بيانه فيما ذكره ابن عاشور سالفاً.
4- الاستعانة . الاستعانة هى طلب العون ، وأنواعها خمسة :
- الأول: الاستعانة بالله ، وهى المتضمنة كمال الذات من العبد لربه وتفويض الأمر إليه واعتقاد كفايته ، وهذه لا تكون إلا لله قال تعالى { إياك نعبد وإياك نستعين} ،وتقديم المعمول يفيد الحصر والاختصاص .
- الثاني: الاستعانة بالمخلوق في أمر يقدر عليه ، وهذه جائزة إذا كانت الاعانة في البر والتقوى ، قال تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } ، وأما إذا كانت في معصية الله أو على إثم فهى حرام قال تعالى { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان }، وإن كانت في مباح فهى جائزة.
- الثالث: الاستعانة بمخلوق حي حاضر غير قادر على الإعانة ، فهذه لغو لا طائل تحتها ، كمن يستعين بإنسان ضعيف على حمل شيء ثقيل ونحوه.
- الرابع: الاستعانة بالأموات مطلقاً أو بالأحياء على أمر غائب لا يقدرون على مباشرته ، فهذا شرك .
- الخامس: الاستعانة بالأعمال والأحوال المحبوبة إلى الله تعالى ، وهذه مشروعة بأمر الله تعالى قال: { استعينوا بالصبر والصلاة } ، وهذه المطلوبة في الآية. مُستفاد من شرح الشيخ العثيميين على ثلاثة الأصول.
5- الصبر.
فالصبر هو: حبس النفس وكفها عما تكره, وهو المعونة العظيمة على كل أمر, فلا سبيل لغير الصابر, أن يدرك مطلوبه، و الصبر محتاج إليه العبد, بل مضطر إليه في كل حالة من أحواله، ولهذا أمر الله تعالى به ، وهو ثلاثة أقسام: - الصبر على طاعة الله حتى تؤديها.
- الصبر عن معصية الله حتى تتركها.
- الصبر على أقدار الله المؤلمة فلا تتسخطها.
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الصبر في بابين ، الصبر لله بما أحب ، وإن ثقل على الأنفس والأبدان ، والصبر لله عما كره وإن نازعت إليه الأهواء . فمن كان هكذا ، فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم ، إن شاء الله .ذكره ابن كثير
وقال سعيد بن جبير : الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه ، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه ، وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر. ذكره ابن كثير
6- الصلاة الصلاة لغةً: الدعاء، ، قال تعالى:{ إن صلاتك سكن لهم }، وأما اصطلاحاً : فهي عبادةٌ ذات أقوالٍ وأفعالٍ مخصصةٍ، مفتتحةٌ بالتكبير، ومختتمةٌ بالتسليم.
والصلاة هي الصلة بين العبد وربه، فبها يناجيه ويدعوه، وقد قال أحد السلف إذا أردت أن أكلم ربي قمت للصلاة، وإذا أردت أن يكلمني ربي قرأت القرآن ، وهي من آكد أركان الإسلام، فهي الركن الثاني بعد شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، بمعنى أنها من أركان الإسلام الخمسة، التي جاء فيها الحديث: «بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام»، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أرسل رسولًا يدعو الناس إلى دين الله -عزَّ وجلَّ-، قال: «فليكن أول ما تدعوهم إليه إلى توحيد الله»، في رواية: «شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلواتٍ في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً، تُخرج من أغنيائهم، فتُدفع إلى فقرائهم».
7- معية الله للصابرين{إن الله مع الصابرين}.
إن الله مع الصابرين:أي مع من كان الصبر لهم خلقا, وصفة, وملكة بمعونته وتوفيقه, وتسديده، فهانت عليهم بذلك, المشاق والمكاره, وسهل عليهم كل عظيم, وزالت عنهم كل صعوبة، وهذه معية خاصة, تقتضي محبته ومعونته, ونصره وقربه, وهذهمنقبة عظيمةللصابرين، فلو لم يكن للصابرين فضيلة إلا أنهم فازوا بهذه المعية من الله، ومعية الله نوعان: - معية خاصة. كالمذكورة هنا .
- معية عامة. وهى معية العلم والقدرة, كما في قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}وهذه عامة للخلق.
قال علي بن الحسين زين العابدين :إذا جمع الله الأولين والآخرين ينادي مناد : أين الصابرون ليدخلوا الجنة قبل الحساب ؟ قال : فيقوم عنق من الناس ، فتتلقاهم الملائكة ، فيقولون : إلى أين يا بني آدم ؟ فيقولون : إلى الجنة . فيقولون : وقبل الحساب ؟ قالوا : نعم ، قالوا : ومن أنتم ؟ قالوا : الصابرون ، قالوا : وما كان صبركم ؟ قالوا : صبرنا على طاعة الله ، وصبرنا عن معصية الله ، حتى توفانا الله . قالوا : أنتم كما قلتم ، ادخلوا الجنة ، فنعم أجر العاملين . ذكره ابن كثيرهذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.