دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 4 محرم 1438هـ/5-10-2016م, 02:30 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب الاستنتاجي

تطبيقات على درس الأسلوب الاستنتاجي
الدرس (هنا)

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 4 محرم 1438هـ/5-10-2016م, 11:12 AM
كوثر التايه كوثر التايه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 787
افتراضي

قال تعالى : ( كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك وما كان عطاء ربك محظورا )
في هذه الآية الكريمة – على وجزاتها- معان عظيمة ، تؤسس توحيد الربوبية ، وتخلق في القلب الرضى والتسليم بأمر الله فيشع القلب بنور التوكل ، وتشحذ الهمم لنيل ما عند الله تعالى ، وتبني اليقين أن ما أراده الله كان ، وماسواه لم ولن يكن ، وغيرها الكثير مما لا عد له ولا حصر ... فمنها :
1-تأكيد معنى الربوية ، فالله سبحانه بيده ( الخلق والأمر والتدبير) فالله سبحانه هو الخالق المدبر الرازق المتصرف في أمور الكون والعبيد والمخلوقات كيفما شاء ، وهو منزل الأرزاق ، مقسم النعم وفق ما يقتضيه علمه وحكمته ، فالآية تبين أن العطاء عطاء الله ، ومن فضل الله الذي وسع مخلوقاته كلها ، قال تعالى : ( من عطاء الله ) ، وقال تعالى : ( وما بكم من نعمة فمن الله ) ، وقال تعالى : ( إنا كل شيء خلقناه بقدر ) أي مقدر عند الله معلوم ، ومنه الرزق ، وفي حديث الرسول صلى الله عليه وسلم ما يؤكد هذا المعنى حيث قال : ( من أسدى إليكم معروفا فكافؤه ، فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى ترون أنكمم قد كافأتموه ) ، فهذا اقرار بأن الخير الذي ساقه الله إليكم بسببه ، هو المسبب الأول سبحانه ، وهو القادر على أن يعطيه ويكرمه جزاء ما قدمه لك . وعلى تأكيد هذا المعنى يقول صلى الله عليه وسلم في حديثه لابن عباس : (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك . رفعت الأقلام وجفت الصحف)
2-تقوية جانب التوكل : من علم أن الأمر بيد الله ، والرزق مقدر مقسوم ، و أن ما فاته لم يكن ليصيبه ، وأن ماأصابه ما كان ليخطأه ، قوي عنده جانب التوكل على الله ، وسعى في هذه الحياة عالما أن أمره بيد الله تعالى ( وما تشاؤون إلا أن يشاء الله )
3-يعطي الله تعالى من عطائه لمن شاء ماشاء: قال تعالى ( كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ) سبق هذه الآية الحديث عن من أراد الحياة الدنيا وجعلها همه ، وأفرغ لها جهده ، وليس له هم إلاها ، وهو في حاله هذه قد أهرض عن الآخرة وأسبابها ، وقال الله تعالى في حاله : ( عجلنا له فيها مانشاء لمن نريد ) فالله تعالى يعجل ما يشاء لمن يشاء ، وليس كل من سعى للدنيا أخذ ، بل هي أقسام وتقادير على المولى القدير ، ثم ذكر حال من أراد الآخرة وسعى لها واجتهد للوصل إلى الفوز فيها ، ولم ينس نصيبه من الدنيا بما أمر الله به ، فقال تعالى فيه : ( فأولئك كان سعيهم مشكورا ) وإذا شكر الله لعبده على عمله فلا تسأل عن رحمة الله وكرمه وفضله واحسانه الذي لا تصفه الأوصاف ولا تدركه الأفهام ، ثم تلى ذلك بوله تعالى ( كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك) فالدنيا ليست مقر التفاخر والتمايز ، ولا دار البقاء والخلود ، فالله سبحانه يعطي فيها من أحب ومن لم يحب ، ومن آمن ومن كفر ، ومن أطاع وشكر ، ومن عصى ونكر ، قال تعالى : ( ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليه يظهرون ، ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكئون ، وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا) ، وقال تعالى في حديثه عن ملك سليمان وتمكينه عليه السلام حتى من الشياطين :
( فسخرنا له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب والشياطين كل بناء وغواص وآخرين مقرنين في الأصفاد ، هذا عطاؤنا فامنن أمسك بغير حساب ) فهذا الملك العظيم لسليمان الذي لم يكن مثله ولا بعده لدعوته عليه السلام ( قال رب اغفر لي وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أنت الوهاب) يقول تعالى له بعد هذه النعم ( فامنن أو أمسك بغير حساب )
أما في العلم والفضل الذي آتاه الله داوود وسليمان قال : ( ولقد آتينا داوود وسليمان منا علما ، وقالا الحمد لله الذي فضلنا على كثير من عباده المؤمنين ) فهذا هو الفضل وحسبك ، وليست الدنيا هي دار التفاوت ، قال صاحب البحر المحيط :
والإمداد المواصلة بالشيء ، والامداد هو الرزق في الدنيا ، وهو تأويل الحسن وقتادة )
أي أن الله يرزق في الدنيا مريدي العاجلة الكافرين ، ومريدي الآخرة المؤمنين ويمد الجميع بالرزق ) .
قال الحسن : كلا نمد هؤلاء : كلا نرزق في الدنيا ، البر والفاجر .
عن السدي قال : نمد الكافر والمؤمن من عطاء ربك -الرزق .
قال سيد قطب : (إن الحياة للأرض حياة تليق بالديدان والزواحف والحشرات والهوام والوحوش والأنعام. فأما الحياة للآخرة فهي الحياة اللائقة بالإنسان الكريم على الله، الذي خلقه فسواه، وأودع روحه ذلك السر الذي ينزع به إلى السماء وإن استقرت على الأرض قدماه.
على أن هؤلاء وهؤلاء إنما ينالون من عطاء الله. سواء منهم من يطلب الدنيا فيعطاها ومن يطلب الآخرة فيلقاها. وعطاء الله لا يحظره أحد ولا يمنعه، فهو مطلق تتوجه به المشيئة حيث تشاء):
4-على المسلم إذا رأى الكافر يأخذ من الدنيا ويتنعم فلا يحزن قلبه لذلك ، فليس هذا مقياس التفاضل عند الله ، قال تعالى : ( فأما الانسان إذا ما ابتلاه ربه وأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن ، وأما إذا ماابتلاه وقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن )-الانسان فلا يغتم لذلك ، فالدنيا دار ابتلاء واختبار ، ألم يكن قارون قد ملك من الملك : ( ما إن مفاتحه لتنوء بالعصبة أولى القوة ) –القصص ولكن لم يكن هذا ليغني عنه شيئا من الله لما جاء أمر ربك ( فخسفنا به وبداره الأرض ، فما كان له من فئة ينصرونه من دن الله ) –القصص ، وأمثال هؤلاء يكون حالهم في الآخرة كما قال تعالى عنهم : ( ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانية ) والنتيجة ( خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ، ثم في سلسلة ذرعها ذراعا فاسلكون ) ، وقالا تعالى : ( فذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ) الحجر ، وليتذكر دائما قوله تعالى : ( وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون ) ، وقوله تعالى : ( والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير أملا ) .
5-من سنة الله تعالى في الكون ( الاستدراج ) أي ينعم على الكافر والعاصي ويفتح عليه أكثر من الدنيا كلما عتى وتجبر ، فيملي له ، حتى إذا أخذه أخذ عزيز مقتدر ، فليس عطاء الله في الدنيا نعمة وفضل في كل الأحوال ، بل قد يكون نقمة واستدراج ، قال تعالى : (فلما نسوا ماذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء ، حتى فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإذا هم مبلسون ) الأعراف ، ولهذا قال تعالى : ( كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك ) أي ليس لهذا مقياس في الفضل والايمان ، ( وما كان عطاء ربك محظورا )
6-قد يكون عطاء لله للكافر مكافئة لعمل خير له في الدنيا ، فهم يثابون في الدنيا وليس لهم في الآخرة من نصيب، كما قال الله تعالى في شأنهم: وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُورًا الفرقان وفي صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها . وهذا يدفع المسلم على أن يخلص كل أعماله لله فلا يلتفت إلى حظوظ الدنيا ، فإن جاءت فهذه عاجل بشرى المؤمن ، وإلا فالدار الآخرة خير وأبقى .
7-التفاوت بين الخلق سنة الله في الكون ، ( كلا نمد هؤلاء وهؤلاء من عطاء ربك) فلا يكون إلا ماأراد أن يمد به ما شاء لمن شاء ، ولن يتساوى الجميع ، فالحكمة أن الحياة بين الناس متكاملة ، فكل ينفع الآخر بما يملكه ، لا يمكن أن يملك أحد كل شيء إلى حد الاستغناء !!! ( وجعلنا بعضكم لبعض سخريا ورحمة ربك خير مما يجمعون ) ، قال صاحب الظلال : ( والتفاوت في الأرض ملحوظ بين الناس بحسب وسائلهم وأسبابهم واتجاهاتهم وأعمالهم، ومجال الأرض ضيق ورقعة الأرض محدودة. فكيف بهم في المجال الواسع وفي المدى المتطاول. كيف بهم في الآخرة التي لا تزن فيها الدنيا كلها جناح بعوضة؟)
8-عطاء الله تعالى لا محدود ولا نهاية له ، وفي الآخرة يتجلى ذلك ويظهر للعيان لأنها دار الجزاء ، وجاء بقوله ( ربك ) لـتأكيد الربوبية والملك والتصرف ، قال اللألوسي : (والإظهار في موضع الإضمار لمزيد الاعتناء بشأنه والإشعار بعليته للحكم (محظورا ) ممنوعا عمن يريده بل هو فائض على من قدر له بموجب المشيئة المبنية على الحكمة وإن وجد فيه ما يقتضي الحظر كالكفر، وهذا في معنى التعليل لشمول الإمداد للفريقين، والتعرض لعنوان الربوبية للإشعار بمبدئيتها لكل من الإمداد وعدم الحظر.) فعطاء الله تعالى لا ممنوع ولا مقصور سبحانه لاإله إلا هو .

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 5 محرم 1438هـ/6-10-2016م, 03:39 PM
أمل يوسف أمل يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 570
افتراضي

رسالة تفسيرية فى قوله تعالى{إن ولى الله الذى نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين}

هذه الآية اشتملت على جملة من الفوائد منها:

أن الولاية قسمان باعتبار الولى ، أحدها: ولاية الله عبده ،ولثانية :ولاية العبد ربه ، والثانية سبب للأولى وشرط لحصولها.

**معنى الولاية فى حق الله تعالى:الذى يتولى الحفظ والكفاية والنصرة فيحفظ عبده ويمنع عنه الضرر،وقيل الحسيب الكافى الوكيل الذى بيده وحده جلب النفع ودفع الضر.

**ومعنى الولاية فى حق العبد أى:أن العبد قد اتخذ ربه وإلهه وليا له دون غيره ،يحبه ويتقرب إليه بالفرائض والنوافل وينصر دينه وشرعه فى نفسه وغيره ،لا يتوكل إلا عليه ولا يستنصر إلا به ولا يطيع طاعة مطلقة إلا له فهذا ولى الله ويدل على هذا قوله {إن وليي الله}أى لا غيره.

*والولي :أى ولي الله ،هو من كان بالصفة التى وصفه الله بها وهو الذي آمن واتقى كما قال الله {الذين آمنوا وكانوا يتقون}
*قال ابن زيد فى قوله {ألاإن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون }،من هم يارب؟قال :الذين آمنوا وكانوا يتقون ،قال :أبى أن يتقبل الإيمان إلا بالتقوى ،ذكره الطبري بسنده .

*وإجراء الصفة لاسم الله بالموصولية{الله الذى}لما تدل عليه الصلة من علاقات الولاية فإن إنزال الكتاب عليه وهو أمي دليلا لإصطفائه وتوليه
*قا ل أبو السعود :ووصفه تعالى بتنزيل الكتاب للإشعار بدليل الولاية ،والإشارة لعلة أخرى وهى عدم المبالاة كأنه قيل :لاأبالى بكم وبشركائكم لأن وليي الله الذي نزل الكتاب الناطق بأنه وليي وناصري وبأن شركاءكم لا يستطيعون نصر أنفسهم فضلا عن نصركم،أى لا يقدرون على إيصال المضار إلى بوجه من الوجوه.

*قوله {الذي نزل الكتاب} أى الذى فيه الهدى والشفاء والنور وهذا الإنزال للكتاب من توليه وتربيته الخاصة الدينية لعباده.

*الصالحين :أى من صلحت نياتهم وأعمالهم وأقوالهم وصلحت أنفسهم بالإيمان والعمل الصالح ،قال ابن عباس :الذين لا يعدلون بالله شيئا فالله يتولاهم بنصره فلا يضرهم عداوة من عاداهم
فالمؤمنون الصالحون لما تولوا ربهم بالإيمان والتقوى ولم يتولوا غيره ممن لا ينفع ولا يضر تولاهم الله ولطف بهم وأعانهم على ما فيه الخير والمصلحة لهم في دينهم ودنياهم ودفع عنهم بإيمانهم كل مكروه كما قال تعالى {إن الله يدافع عن الذين آمنوا}

*قوله تعالى {وهو يتولى الصالحين} مجىء الفعل مضارعا لقصد الدلالة على استمرار هذا التولي وتجدده وأنه سنة إلهية أى ومن عادته انه يتولى الصالحين من عباده وينصرهم ولا يخذلهم
*ففيه بشارة للمسلمين المستقيمين على صراط نبيهم بأن ينصرهم الله كما نصر نبيه وأولياءه وهو مدح للصلحاء وأن من سنته نصرهم
*وفيه تعريض بمن فقد الصلاح بالمقت والخذلان

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 5 محرم 1438هـ/6-10-2016م, 07:29 PM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

تأملات من قوله تعالى " ومن أحسن قولا ممن دعا الى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين "

الحمد لله الذي له المحامد كلها، على كرمه وعلمه، وعلى عفوه وحلمه، وعلى هدايته وتوفيقه، والصلاة والسلام على خير عباده، وصفوة أوليائه، نبينا محمد وعلى آله وصحبه وأتباعه أما بعد:
فهذه تأملات من تدبر قوله تعالى " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين "
وبيان ما تضمنته الآية الكريمة من فوائد وعبر .
فنها: أن لا أحد أحسن قولا. أي: كلاما وطريقة، وحالة ممن دعا إلى الله بتعليم الجاهلين، ووعظ الغافلين والمعرضين، ومجادلة المبطلين، بالأمر بعبادة الله، بجميع أنواعها، والحث عليها، وتحسينها مهما أمكن، والزجر عما نهى الله عنه، وتقبيحه بكل طريق يوجب تركه، خصوصا من هذه الدعوة إلى أصل دين الإسلام وتحسينه، ومجادلة أعدائه بالتي هي أحسن، والنهي عما يضاده من الكفر والشرك، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.
ومنها : الدعوة إلى الله و تحبيبه إلى عباده، بذكر تفاصيل نعمه، وسعة جوده، وكمال رحمته، وذكر أوصاف كماله، ونعوت جلاله.
ومنها :الترغيب في اقتباس العلم والهدى من كتاب الله وسنة رسوله، والحث على ذلك، بكل طريق موصل إليه، ومن ذلك، الحث على مكارم الأخلاق، والإحسان إلى عموم الخلق، ومقابلة المسيء بالإحسان، والأمر بصلة الأرحام، وبر الوالدين.
ومنها:الوعظ لعموم الناس، في أوقات المواسم، والعوارض، والمصائب، بما يناسب ذلك الحال، إلى غير ذلك، مما لا تنحصر أفراده، مما تشمله الدعوة إلى الخير كله، والترهيب من جميع الشر.
ومنها : أن القران هو أحسن كلام وأعظمه .
وفي هذه الآية منزع عظيم لفضيلة علماء الدين الذين بينوا السنن ووضحوا أحكام الشريعة واجتهدوا في التوصل إلى مراد الله تعالى من دينه ومن خلقه .
ومنها: اقتران القول بالعمل و له دلالات عظيمة:
إحداها:أن يكون في نفسه مهتد بما يقوله ، فنفعه لنفسه ولغيره لازم ومتعد ، وليس هو من الذين يأمرون بالمعروف ولا يأتونه ، وينهون عن المنكر ويأتونه ، بل يأتمر بالخير ويترك الشر ، ويدعو الخلق إلى الخالق تبارك وتعالى . وهذه عامة في كل من دعا إلى خير ، وهو في نفسه مهتد ، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولى الناس بذلك ، كما قال محمد بن سيرين ، والسدي ، وعبد الرحمن بن زيد بن أسلم .
الثانية :أن العمل الصالح : هو العمل الذي يصلح عامله في دينه ودنياه صلاحا لا يشوبه فساد ، وذلك العمل الجاري على وفق ما جاء به الدين ، فالعمل الصالح : هو ما وصف به المؤمنون آنفا في قوله ثم استقاموا .
الثالثة : أن القول وحده لا يكفي في الدعوة إلى الله وإنما يجب علينا دعوة الناس بأفعالنا ونكون قدوة لهم ولا يخالف قولنا عملنا وهذا مصداق قوله تعالى " أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم "
"وقال إنني من المسلمين "
تبين من هذا القول اعتزاز المسلمين بدينه وافتخاره بالانتساب إليه والجهر بذلك
وتبين كذلك تواضعه بأنه واحد من المسلمين وهذا من أكمل التواضع لله والمعرفة به .
هذه بعض التأملات في هذه الآية الكريمة ،نسأل الله أن يجعلنا من الدعاة إليه العاملين بما نقول وأن يشملنا قوله تعالى " ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين "
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 6 محرم 1438هـ/7-10-2016م, 01:11 AM
مها شتا مها شتا غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 655
افتراضي

تأملات في قول الله تعالى : { أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (62) الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ (63) لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (64) }يونس
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له ،وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد عبده ورسوله ،أما بعد :
فقد تضمنت هذه الآيات الجليلة من الفوائد العظيمة التي لا حصر لها ،
منها افتتاح الكلام بأداة التنبيه دليل على أهميةشأنه.
دل عليه {ألا}
ومنها بيان كرامة صنف من عباد الله عليه سبحانه فدليل أنه جعلهم أولياءه وأضافهم إلى اسمه سبحانه.
دل عليه قوله {ألا إن أولياء الله}
ومنها أن الله تعالى يخبرعن أوليائه وأحبائه ،ويذكر أعمالهم وأوصافهم في كتابه العزيز الذي لا يأتية الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل حكيم حميد،وهذه كرامة لهم .
دل عليه قوله تعالى {ألا إن أولياء الله لاخوف عليهم ولا هم يحزنون}
ومنها أنه سبحانه ثبت لهم الأمن والسعادة والخير الكثير الذي لا يعلمه إلا الله تعالى ،وأمنهم من كل مرهوب.
دل عليه قوله {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون} وأيضا التوكيد بإن .
ومنها أن أولياء الله هم الذين يأمنون يوم القيامة ،ولا يحزنون على ما فاتهم في الدنيا.
دل عليه قوله {لا خوف عليهم ولا هم يحزنون}.
ومنها أنه كيف يخاف أولياء الله أو يحزنون والله معهم في كل شئون حياتهم، وهم على اتصال بالله لأنهم أولياؤه.
ومنها أن هذه الآيات فيها تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم .
ومنها إن ولاية الله تكون لمن آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره وصدقوا إيمانهم ،باستعمال التقوى ،بامتثال الأوامر واجتناب النواهي قال ابن القيم رحمة الله "كل من كان مؤمن تقيا كان لله ولياً".
دل عليه قوله تعالى :{ الذين آمنوا وكانوا يتقون}
ومنها أن جزاء المؤمنون البشرى من ربهم في الحياة الدنيا ،وتكون بالثناء الحسن ،والمودة في قلوب المؤمنين ،والرؤيا الصالحة ،وما يراه العبد من لطف الله به وتيسيره لأحسن الأعمال والأخلاق ،وصرفه عن سيئها ،عن هشام بن عروة، عن أبيه أن هذه الآية: {لهم البشرى في الحياة الدنيا}، قال: هي الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له).
دل عليه قوله تعالى:{لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}.
ومنها أنهم يبشروا أيضا في الآخرة ،فأولها البشارة عند قبض أرواحهم ،كما قال تعالى :{ إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون}،وفي القبر وما يبشروا به من رضوان الله ومن النعيم المقيم،وفي الآخرة تمام البشرى بدخول جنات النعيم ،والنجاة من العذاب الأليم .
دل عليه قوله تعالى:{لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة}.
ومنها أن فيها تأكيد الوعد الذي تضمنه قوله {لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة }
دل عليه قوله تعالى :{لا تبديل لكلمات الله}.
ومنها أن حسن العاقبة أمر ثابت لا يتخلف لأنه من كلمات الله .
دل عليه قوله تعالى :{لا تبديل لكلمات الله}.
ومنها أن الذي لا يحقق الإيمان والتقوي يخاف ويحزن في الدنيا والقبر والآخرة وذلك بمفهوم المخالفة للآية.
ومنها وجوب محبة الله ورجاءه والخوف منه لأنه يحب أولياءه ويعتني بهم وهذه الثلاثة أركان العبودية ومحركاتها في القلب.
ومنها استحباب تبشير المؤمن بما يسره كما دلت السنة على ذلك.
ومنها فضيلة المحبة في الله ،وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا أنه قال: «أولياء الله قوم تحابوا في الله واجتمعوا في ذاته لم تجمعهم قرابة ولا مال يتعاطونه وقوله لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون".
وهذا ما تيسر لي جمعه بفضل الله.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 6 محرم 1438هـ/7-10-2016م, 12:29 PM
مضاوي الهطلاني مضاوي الهطلاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 864
افتراضي

{ مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)
آية واحدة ، تشرق في القلب أنوار الطمأنينة ، وترسل في جنبات القلب روح التفائل وحسن الظن بالله، وتفتح كوة من النور في الصدور ، وتفجر ينابيع الرحمة وتمهد طريقا في القلب إلى الراحة والرضا، آية واحدة تسكب في القلب حقيقة واحدة لايغيرها مرور الأيام والأزمان ولا يبدلها الناس ولا الأحوال وهي قوله تعالى :
{ مَّا يَفْتَحِ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (2)
الفتح :عبارة عن العطاء
والإمساك :عبارة عن المنع،
والإرسال :الإطلاق بعد المنع .
والرحمة :كل ما يمنّ الله به على عباده من خيريّ الدنيا والآخرة .
يخبر تعالى أن مفاتيح كل شيء بيده فما يفتحُ للناس من أرزاق وخيرات وبركات لا يمكن لأحد من خلقه أن يمسكها دونه وما يمسك من ذلك فلا يستطيع أحد من خلقه أن يرسله، وهو وحده العزيز الغالب على أمره ومراده، العزيز في نِقمته ممن انتقم منه من خلقه بحبس رحمته عنه وخيراته، الحكيم في تدبير خلقه وفتحه لهم الرحمة إذا كان فتح ذلك صلاحًا، وإمساكه إياه عنهم إذا كان إمساكه حكمة فلا مانع لما أعطى ولا راد لما قضى .
الفوائد من الآيات :
- بيان نفوذ مشيئتة سبحانه وبحمده ونفاذ أمره ، فلا مانع لما أعطى ولا مُعطي لما منع.
- قوله : (ما يفتح ) فتدل على أن رحمته مغلقة وممنوعة إلا لمن فتحها الله له.وتدل على أن هذه الرحمة عظيمة لذلك هي في خزائن مغلقة كما قال تعالى:{ أَمْ عِندَهُمْ خَزَآئِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ ٱلْعَزِيزِ ٱلْوَهَّابِ } وقال تعالى:{ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ }
-قوله تعالى:{ ما يفتح الله} فالله هو الفاتح وهو الممسك سبحانه وأتى باسم الذات ليذّكر بأولوهيته ووحدانيته واستحقاقه لعبوديته وحده فهو الواحد الذي يفتح للناس خزائن رحمته ، بيده الملك وهو على كل شيء قدير.
-قوله ( للناس) تدل على سعة رحمته وشمولها لجميع خلقه برهم وفاجرهم فبهذه الرحمة يرزقهم ويغدق عليهم نعمه وهم يعصونه ويبارزونه بالآثام ويعبدون معه غيره.
- "مِنْ رَحْمَةٍ" بالتنكير لتدل على العموم أي رحمة سواء رحمة حسية او معنوية سواء كانت أرضية أو سماوية ، وسواء قلت أو كثرت ،وسواء كانت رحمته العامة التي وسعت كل شيء فأفاض على مخلوقاته أرزاقهم وقوام حياتهم وتشمل رحمته الخاصة للمؤمنين من هدايتهم للإيمان وثباتهم عليهم وتيسر الأعمال الصالحة لهم وتوفيقهم للتوبة والإنابة وغيرها من الرحمة الخاصة التي خص بها عبادة المؤمنين.
- ( فلا ممسك لها)ما يفتح الله لك من نعمة من مال أو ذرية أو علماً أو فهما أو غيره فلا رادها أو مانعها أحد عنك مهما كان ومهما اجتهد في صرفها عنك فكن مطمئناً قرير العين ،و احفظها بإدامة شكره .
-وقوله ؛( وما يمسك فلا مرسل له) ما يمنع الله عنك من نعمة الحسية أوالمعنوية ، فلن تنالها مهما بذلت وسعيت واستعنت بأحد لذلك قال ( من بعده) فلا مرسل لها الا هو سبحانه. فابذل الاسباب الشرعية في طلبها واطلبها من ممسكها سبحانه.
- يدبر أمور عباده من فتح وأرسال وهو عزيز لا يغلب سبحانه وبحمده وحكيم في تدبيره ففتحه وأرساله بحكمة وهي وضع الشيء في موضعه
، اذا علمت هذا فاطمئن وانشرح صدراً بما فتح لك وبما منع عنك لأنه بتدبير من عزيز حكيم فهذه الحال هي التي تصلح لك وتناسب حالك وهي الخير لك ليس ما ترجوه وتتمناه مما لم تناله.
-ما يُفتح لك من ربح في تجارة أو صلاح في ذرية أو بر والدين أو فهم علم أو غيره مما دق وجل فلا تقل ( إنما أوتيته على علم عندي )فإنه ليس من قبل نفسك وإنما هو فتح من العزيز الحكيم.
-ما ساقه الله لك ويسره من رزق على يد أحد من الخلق إنما هو فتح من رحمة الله فاحمد الله عليه قبل أن تحمد الناس ،وما منع عنك من قبل الخلق ، إنما أمسكه العزيز الحكيم فلا تذمهم على ذلك ، عنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ , قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ مِنْ ضَعْفِ الْيَقِينِ أَنْ تُرْضِيَ النَّاسَ بِسَخَطِ اللَّهِ وَأَنْ تَحْمَدَهُمْ عَلَى رِزْقِ اللَّهِ أَوْ تَذُمَّهُمْ عَلَى مَا لَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ , وَرِزْقُ اللَّهِ لَا يُغَيِّرُهُ حِرْصُ حَرِيصٍ وَلَا يَرُدُّهُ كُرْهُ كَارِهٍ"
- ما يفتح الله لك من رحمته فاحمده عليها وأكثر من شكرها فبالشكر تدوم النعم ، وما استغلق عليك فاسأل الفتاح أن يفتح لك من بركاته ، فهذا ابن تيمية رحمه الله تستغلق عليه المسألة فيستغفر حتى تفتح له.
- واعلم أن ما يسره الله على يديك من نعمة أو فضل لأحد من الخلق إنما فتح لك من رحمة الله ، فلا تمنّ به ، ولا تستكثره، ولا تعجب به .
- استشعار رحمة الله في كل نعمة أنعم الله بها عليك ونعمه لا تعد ولا تحصى وأن ما فتح لك فإن فيه صلاحاً لك، فلتغتنمه ، وأن كل ما اغلق وأمسك عنك لم يمسك إلا لحكمة، فلترضى وتسلم.
-في الآية دليل على أن رحمته سبقت غضبه حيث قدم بيان فتح الرحمه بالذكر قبل الإمساك . ذكره ابن عادل وغيره
-أنّث الكناية فقال: ((فَلاَ مُمْسِكَ لَهَا))ليعلم أن المفتوح أبواب الرحمة فيه واصلة إلى من رَحِمَتْهُ ، وقال عند الإمساك: ((وَمَا يُمْسِكْ فَلاَ مُرْسِلَ لَهُ)) بالتذكير ولم يقل "لها" فلم يصرح بأنه لا مرسل للرحمة بل ذكره بلفظ يحتمل أن يكون الذي يرسل هو غير الرحمة، فإن قوله (تعالى): "وَمَا يُمْسِكْ" عامٌّ من غير بيانٍ وتخصيص. ذكره ابن عادل
- قوله (من بعْدِه) أي من بعد الله فاستثنى ههنا وقال: ((لاَ مُرْسِلَ لَهُ إلاَّ اللَّهُ)) وعند الإمساك قال: ((لاَ مُمْسِكَ لَهَا)) ولم يقل غير الله لأن الرحمة إذا جاءت لا ترتفع فإن من رَحِمَهُ الله في الآخرة لا يعذبه بعدها هو ولا غيره ومن يعذبه الله قد يرحمه الله بعد العذاب كالفساق من أهل الإيمان.ذكره ابن عادل
- ثم تُذيَّل الآية بقوله تعالى: ((وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ)) [فاطر: 2] العزيز هو الذي لا يُغْلَب ولا يُمَانع، لكن هذه العزة وهذه الغلبة ليست صادرة عن بطش أو ظلم أو جبروت، إنما صادرة عن حكمة ((وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ)) [فاطر: 2] فهو سبحانه حكيم في عطائه، حكيم في منعه، والحكمة - كما قلنا - هي وَضْع الشيء في موضعه المناسب.ذكره الشعراوي
- وعبر - سبحانه - فى جانب الرحمة بالفتح ، للإِشعار بأن رحمته - سبحانه - من أعظم النعم وأعلاها ، حتى لكأنها بمنزلة الخزائن المليئة بالخيرات ، والتى متى فتحت أصاب الناس منها ما أصابوا من نفع وبر .ذكره طنطاوي
-وحين تستقر هذه الصورة في قلب بشري يتم فيه تحول كامل في تصوراته ومشاعره واتجاهاته وموازينه وقيمه في هذه الحياة جميعاً.
إنها تقطعه عن شبهة كل قوة في السماوات والأرض وتصله بقوة الله. وتيئسه من مظنة كل رحمة في السماوات والأرض وتصله برحمة الله. وتوصد أمامه كل باب في السماوات والأرض وتفتح أمامه باب الله. وتغلق في وجهه كل طريق في السماوات والأرض وتشرع له طريقه إلى الله.سيد قطب
-وما من نعمة ـ يمسك الله معها رحمته ـ حتى تنقلب هي بذاتها نقمة. وما من محنة ـ تحفها رحمة الله ـ حتى تكون هي بذاتها نعمة.. ينام الإنسان على الشوك ـ مع رحمة الله ـ فإذا هو مهاد. وينام على الحرير -وقد أمسكت عنه ـ فإذا هو شوك القتاد. ويعالج أعسر الأمور ـ برحمة الله ـ فإذا هي هوادة ويسر. ويعالج أيسر الأمور ـ وقد تخلت رحمة الله ـ فإذا هي مشقة وعسر. ويخوض بها المخاوف والأخطار فإذا هي أمن وسلام. ويعبر بدونها المناهج والمسالك فإذا هي مهلكة وبوار!. سيد قطب
-هذا الباب وحده يفتح وتغلق جميع الأبواب، وتوصد جميع النوافذ، وتسد جميع المسالك.. فلا عليك. فهو الفرج والفسحة واليسر والرخاء.. وهذا الباب وحده يغلق وتفتح جميع الأبواب والنوافذ والمسالك فما هو بنافع. وهو الضيق والكرب والشدة والقلق والعناء!
ومن رحمة الله أن تحس برحمة الله! فرحمة الله تضمك وتغمرك وتفيض عليك. ولكن شعورك بوجودها هو الرحمة. ورجاؤك فيها وتطلعك إليها هو الرحمة. وثقتك بها وتوقعها في كل أمر هو الرحمة. والعذاب هو العذاب في احتجابك عنها أو يأسك منها أو شكك فيها. وهو عذاب لا يصبه الله على مؤمن أبداً: {إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون}
- ورحمة الله لا تعز على طالب في أي مكان ولا في أي حال. وجدها إبراهيم ـ عليه السلام ـ في النار. ووجدها يوسف ـ عليه السلام ـ في الجب كما وجدها في السجن. ووجدها يونس ـ عليه السلام ـ في بطن الحوت في ظلمات ثلاث. ووجدها موسى ـ عليه السلام ـ في اليم وهو طفل مجرد من كل قوة ومن كل حراسة، كما وجدها في قصر فرعون وهو عدو له متربص به ويبحث عنه. ووجدها أصحاب الكهف في الكهف حين افتقدوها في القصور والدور. فقال بعضهم لبعض: ((فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربكم من رحمته)) ووحدها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وصاحبه في الغار والقوم يتعقبونهما ويقصون الآثار.. ووجدها كل من آوى إليها يأساً من كل ما سواها. منقطعاً عن كل شبهة في قوة، وعن كل مظنة في رحمة، قاصداً باب الله وحده دون الأبواب. سيد قطب
- وما بين الناس ورحمة الله إلا أن يطلبوها مباشرة منه، بلا وساطة وبلا وسيلة إلا التوجه إليه في طاعة وفي رجاء وفي ثقة وفي استسلام.
-((وما يمسك فلا مرسل له من بعده)) فلا رجاء في أحد من خلقه، ولا خوف لأحد من خلقه. فما أحد بمرسل من رحمة الله ما أمسكه الله. قطب
وبعد هذه اللمحات من فوائدة هذه الآية التي لا تنقضي عجائبها نجد أنه لو استقرت حقيقة هذه الآية في النفوس ، لامتلأت طمأنينة ورضى وأنشراحاً ولو كادت لها الأنس والجن ، فهذه الآية قال العلماء :وشبيه بهذه الآية قوله- تعالى-: {وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ. وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ..}
وقوله- سبحانه-:{ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ. وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .}


سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أنه لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 6 محرم 1438هـ/7-10-2016م, 08:51 PM
نبيلة الصفدي نبيلة الصفدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 508
افتراضي

"فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ" الشرح "7-8
بسم الله الرحمن الرحيم :
هذه فوائد سلوكية مستنبطة من هاتين الآيتين :
1- تضمنت هذه الآية بيان أن حياة المسلم الحق كلها لله، فليس فيها مجال لسفاسف الأمور ،إذا انتهى من طاعة أو عملٍ ما أن ينصب ويبدأ في عمل أو طاعة أخرى، وأن يرغب إلى ربه في الدعاء والعبادة، والتضرع والتبتل.
2- أن المسلم يعيش العبودية لله في جميع أحواله، فهو يعيشها في السراء والضراء، وفي الشدة والرخاء، وفي الحضر والسفر، وفي الضحك والبكاء، ليتمثل حقاً قول الله تعالى: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162]،
3- النصب هو التعب، الدؤوب في العمل ، و يتنوع بين الأعمال الدنيوية والأخروية .
4- صلاة الجمعة ، مثال حي على تتابع العمل والجد بين أمر دنيوي وآخر أخروي ،فها أنت فرغت من عمل الدنيا عليك بعمل الآخرة، فإذا فرغت من عمل الآخرة اشتغلت بأمر الدنيا ، {يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة} يعني وأنتم مشتغلون في دنياكم {فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون. فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله} [الجمعة: 9، 10].
5- "رأس مال العبد، وملاكُ أمره، وقوامُ حياته الطيبة، وأصلُ سعادته وفلاحه ونعيمه، وقرةُ عينه، ولذلك خلق، وبه أُمِرَ، وبذلك أرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، ولا صلاح للقلب ولا نعيم إلا بأن تكون رغبته إلى الله عز وجل وحده"، قاله ابن القيم
6- الإسلام يكره من أبنائه أن يكونوا فارغين من أي عمل ديني أو دنيوي، عن ابن مسعود رضي الله عنه: إني لأمقت أن أرى الرجل فارغاً لا في عمل دنيا ولا آخرة(4) ، لأن "قعود الرجل فارغاً من غير شغل، أو اشتغاله بما لا يعينه في دينه أو دنياه من سفه الرأي، وسخافة العقل، واستيلاء الغفلة" ، قال تعالى: {وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا}
7- تربي في المؤمن سرعة إنجاز الأمور ـ ما استطاع إلى ذلك سبيلاً ـ وعدمِ إحالة إنجازها إلى وقت الفراغ، فإن ذلك الأساليب التي يخدع بها بعض الناس نفسه، قال بعض الصالحين: "كان الصديقون يستحيون من الله أن يكونوا اليوم على مثل حالهم بالأمس" علق ابن رجب: على هذا فقال: "يشير إلى أنهم كانوا لا يرضون كل يوم إلا بالزيادة من عمل الخير، ويستحيون من فقد ذلك و يعدونه خسراناً"، ومن جميل ما قيل في هذا المعنى ذينك البيتين السائرين:
إذا هجع النوام أسبلت عبرتي *** وأنشدت بيتاً فهو من أحسن الشعر
أليس من الخسران أنَّ ليالياً *** تمر بلا شيء وتحسب من عمر
ومن الحكم السائرة: لا تؤجل عمل اليوم إلى الغد
8- في قوله: {إلى ربك فارغب} فائدة بلاغية {إلى ربك} متعلقة من حيث الإعراب بـ(ارغب) وهي مقدمة عليها، وتقديم المعمول يفيد الحصر، يعني إلى الله لا إلى غيره فارغب في جميع أمورك، وثق بأنك متى علقت رغبتك بالله عز وجل فإنه سوف ييسر لك الأمور، وكثير من الناس تنقصهم هذه الحال أي ينقصهم أن يكونوا دائماً راغبين إلى الله، فتجدهم يختل كثير من أعمالهم؛ لأنهم لم يكن بينهم وبين الله تعالى صلة في أعمالهم.
9- ترسم الآيات منهج الإنسان في جِدِّه واجتهاده.. واستثماره لوقته.. وأن هذا لابد أن يكون مُخلَصاً لله عز وجل..

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 7 محرم 1438هـ/8-10-2016م, 02:27 AM
شيماء طه شيماء طه غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 318
افتراضي

تطبيق على الاسلوب الاستنتاجي
رسالة تفسيرية في الفوائد المستنبطة من قول الله تعالى
"
وَمِنَ الّنَاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي الّلَهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلا هُدًى وَلا كِتَابٍ مُنِيرٍ 8
ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِّلَ عَنْ سَبِيلِ الّلَهِ؛ لَهُ فِي الّدُنْيَا خِزْيٌ؛ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ 9
ذَلِكَ بِمَا قَّدَمَتْ يَدَاكَ وَأَّنَ الّلَهَ لَيْسَ بِظَّلامٍ لِلْعَبِيدِ 10
من أهم ما ترشد اليه الآيات :
1 من أسوأ الجدل أن يجادل العبد في الله بعد أذ تبينت له الآيات والحقائق.
دل على ذلك قوله تعالى "يجادل في الله."
2 الجهل بالله وآياته من اسباب المجادلة في الله.
دل على ذلك "بغير علم."
3 اتباع الهوى والشيطان من أسباب المجادلة بالباطل
دل على ذلك قوله تعالى "ويتبع كل شيطان مريد."
4 ضعف الدين مما يحدث الجدال بالباطل.
5 على كل من أراد أن ينقل علما أن يتأكد من صحة ما ينقل حتى لا يكون ممن ذمهم الله بمجادلتهم بغير علم
دل على هذا "يجادل في الله بغير علم."
6 على العبد أن يتسلح بالعلم الشرعي القائم على أساس سليم من الكتاب والسنة لا يستمع فيه لأباطيل المبطلين كي يتمكن من الرد على الشبهات ويبين بطلانها ومناظرة من يجادل بالباطل فمعه الحق الثابت الذي لا شك فيه .
7 من صور المجادلة في الله بالباطل مجادلة أهل العلم والدعوة الى البدع وتزيينها للناس وكل ذلك ناشئ عن عدم العلم.
8 البعد عن طريق الحق مما يوجب العذاب في الدنيا والآخرة.
"ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق.

9 استكبار العبد عن الحق بعد ما يدعى اليه سبب في عدم دخوله الجنة.
قال صلى الله عليه وسلم "لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر..

"ثاني عطفه ليضل عن سبيل الله له في الدنيا خزي ونذيقه يوم القيامة عذاب الحريق.

10 كمال عدل الله فلا يظلم أحد كل شيء عنده في كتاب
"وأن الله ليس بظلام للعبيد."
11 ما أصاب العبد من مصيبة أو سوء فمن نفسه وبسبب ذنوبه
"ما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك. فعلى العبد أن يبادر بالتوبة ومحاسبة نفسه قبل أن يحاسب.
دل على ذلك قوله تعالى "ذلك بما قدمت يداك.
12 من مظاهر عدل الله ورحمته بعباده أنه لا يعذبهم بغير ذنب ولا يساوي بين المؤمنين والكافرين. بل يجازي كلا بعمله.
"ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد.

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 7 محرم 1438هـ/8-10-2016م, 04:13 AM
تماضر تماضر غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 521
افتراضي

رسالة تفسيرية في معنى قوله تعالى :( إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ):
من فوائد الآية:
1-بيان كمال الخضوع والتذلل لله تعالى والإخلاص له في عبادته .
2-بيان ضعف الإنسان وخضوعه ونقص قوته أمام قدرة الله وعظمته فبالله تعالى الإستعانة وإليه وحده العبادة.
3- العبادة تتضمن كل ما أمر الله تعالى من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة ، وترك واجتناب كل ما نهى الله عنه من الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة.
4-العبادة هي موافقة المعبود في كل شيء والاستسلام لأمره والخضوع والانقياد له مع شدة المحبة والتعظيم.
5-جمع الله تعالى في هذه الآية وفي آيات كثيرة بين العبادة والاستعانة ، لأنه لا يستطيع الإنسان القيام بعبادة الله على أكمل وجه إلا بتوفيق الله ومعونته تبارك وتعالى ( وما توفيقي إلا بالله ) (وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ) فالعبودية والهداية كلها بتوفيق الله تعالى للعبد ، وإذا أحب الله عبدًا استعمله في طاعته .
6-الاستعانة الخالصة لله هي التي لا يقدر عليها العبد ، وهي ما تجمع كمال التفويض والتوكل لله مع بذل الأسباب فيما لا يقدر عليه إلا الله ، أما التعاون الذي يكون بين الناس فهو من باب المشاركة والتعاون فيما يقدر عليه المخلوق.
7- يقول ابن القيم: "وسر الخلق والأمر، والكتب والشرائع، والثواب والعقاب انتهى إلى هاتين الكلمتين، وعليهما مدار العبودية والتوحيد، حتى قيل: أنزل الله مائة كتاب وأربعة كتب، جمع معانيها في التوراة والإنجيل والقرآن، وجمع معاني هذه الكتب الثلاثة في القرآن، وجمع معاني القرآن في المفصل، وجمع معاني المفصل في الفاتحة، ومعاني الفاتحة في {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}.
8-تكرار ضمير الفصل (إياك) للدلالة على تأكيد وكمال اختصاص طلب العون من الله وعبادته وحده سبحانه ، وفي تقديم المعمول (إياك ) دلالة على مزيد تخصيص وحصر للعبادة والاستعانة لله تعالى وحده لا أحد سواه .
9- عبر بضمير الجمع في (نعبد) و (نستعين) للدلالة على : إخبار من العبد عن نفسه وغيره من المصلين ، ولما فيه من التعظيم الذي يشعر به شرف العبادة ، ولما فيه من مزيد تواضع لله تعالى وخضوع له ، لأنه لو عبر بالمفرد فكأنه تكبر على الله بهذه العبادة.
10- في وجه تقديم العبادة على الاستعانة يقول ابن القيم رحمه الله: "وتقديم العبادة على الاستعانة في الفاتحة من باب تقديم الغايات على الوسائل؛ إذ العبادة غاية العباد التي خلقوا لها، والاستعانة وسيلة إليها". كما أن الاستعانة جزء من العبادة فهو من باب تقديم العام على الخاص لمزيد عناية به ، ولما في تقديم العبودية من تقديم حق الله وهو العبادة على حاجة العبد وهي الاستعانة.
11- حذف متعلق الاستعانة لبيان العموم المطلق ، فالعبد يحتاج معونة الله وتوفيقه وتسديده في كل أموره صغيرها وكبيرها من أمور الدين والدنيا ، ولا حول ولا قوة له إلا بالله.
12- فائدة التعبير بالمضارع في (نعبد) (نستعين) للدلالة على التجدد والملازمة لهذا الأمر وهو العبادة لله والاستعانة به ، فإن العبد يحتاجها في كل مكان وزمان.
13-الاستعانة بالله أنواع منها ما كان استعانة بالله على طاعته وهي أكملها وبها ييتميز المؤمن عن غيره ، ومنها استعانة بالله على حوائج الدنيا.
14- الجمع بين العبادة والاستعانة يدل على أن كلا الأمرين يكمل بعضه الآخر ، فمن عبدالله واستعان بغيره فيما لا يقدر عليه إلا الله فقد أشرك ، وكذلك من استعان بالله في عبادة غيره أو أشرك معه غيره فقد أشرك ولا يتحقق التوحيد إلا بكلا الأمرين.


وفقنا الله جميعًا لما يحبه ويرضاه ورزقنا الله حسن العبادة والتوكل عليه وأعاننا الله على ذكره وشكره وحسن عبادته .
هذا والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آل وصحبه أجمعين.

رد مع اقتباس
  #10  
قديم 7 محرم 1438هـ/8-10-2016م, 07:31 AM
هناء هلال محمد هناء هلال محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 663
افتراضي

رسالة تفسيرية في قوله (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين)

تتضمن هذه الآية جملة من الفوائد ، منها :

- الأمر من الله سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم يتضمن الأمر لأمته .
- مخالفة المشركين في كل شؤون حياتهم والابتعاد عما هم فيه إلى ما أمر الله به سبحانه .
- توضيح أهمية النية والقصد والعزم على الإخلاص لله سبحانه وتعالى ، وهو من شروط قبول العمل .
- التأكيد على المذكورات في الآية بـ(إن) .
- الصلاة من أعظم العبادات ، فهي تشتمل على القيام والركوع والسجود والقراءة والتكبير والتحميد والدعاء وغير ذلك من العبادات ، كما أنها الصلة بين العبد وربه .
- الإخلاص في الذبح بأن يكون لله سبحانه ومخالفة المشركين ، فالذبح عبادة عظيمة من أفضل العبادات .
- ذكر عبادة الصلاة والنسك ، لأن الصلاة عبادة بدنية ، والنسك عبادة مالية .
- ما يحيى عليه العبد في عمره كله هو ما يموت عليه ، فيجب أن يكون ما أمر الله به سبحانه من التوحيد .
- جميع الأعمال الصالحة التي يقوم بها العبد في حياته إذا نوى التقرب بها لله سبحانه قُلبت عبادة ، فالعادات تصير بالنيات عبادات .
- إثبات صفة الربوبية لله سبحانه فهو رب العالمين جميعا .
- قوله (لا شريك له) تأكيد على ما سبق .
- نفي الشركاء والأنداد لله سبحانه وتعالى .
- الإيمان بالصفات المنفية وأنه سبحانه له صفات الضد لها .
- الأمر بالتوحيد الخالص الذي لا تشوبه شائبة ، وعبادة الله وحده لا شريك له .
- النبي صلى الله عليه وسلم هو أول المسلمين من هذه الأمة ، وهو قدوة المسلمين وأول من يبادر إلى امتثال أوامر الله سبحانه ، ولابد للداعية أن يكون كذلك .
- كذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم هو أول المسلمين مكانة عند الله سبحانه ، كما قال صلى الله عليه وسلم : "أنا سيد ولد آدم" .
- جميع الأنبياء والرسل قبل النبي صلى الله عليه وسلم كانت دعوتهم الإسلام ، مع اختلاف شرائعهم الخاصة التي ينسخ بعضها بعضا ، إلى أن نسخت شريعة النبي صلى الله عليه وسلم جميع الشرائع التي قبله ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : "نحن معاشر الأنبياء أبناء علات ديننا واحد".
- التسليم لله سبحانه وتفويض الأمر إليه في كل شؤون الحياة ، فإنه لا أحد شريك له في حياتنا ولا يوجد ما يضاهيه أو يدانيه.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 7 محرم 1438هـ/8-10-2016م, 02:29 PM
هلال الجعدار هلال الجعدار غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 608
افتراضي تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي التطبيق الثالث : (الأسلوب الاستنتاجي)

تطبيقات على درس أسلوب التقرير العلمي
التطبيق الثالث : (الأسلوب الاستنتاجي)

.
فوائد وعبر من قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ(153)). سورة البقرة


الحمد لله في السراء والضراء والسعادة والشقاء ، نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً
أما بعد:
افتُتح سبحانه الكلام بالنداء لأن فيه إشعاراً بخبرٍ مهم عظيم ، حتى ينتبه المخاطبَ وتستعد النفس لقبوله لتستأنسبه قبل أن تفْجَأَه، ومراد هذا الخطاب إعداد المسلمين لما هو آت من بلاء في الانفس والثمرات ونقص في الأموال والأولاد ، ومواجهة الأعداء ، وغيرها من البلايا ، وأيضاً كي يشكروا نعمته عليهم إذا جعلهم أمة وسطاً وشهداء على الناس ، وتفضيلِهم بالتوجه إلى استقبال أفضل بقعة ، وتأييدهم بأنهم على الحق في ذلك ، وأمْرِهم بالاستخفافِ بالظالمين وأَنْ لا يخشوهم ، وتبْشيرهم بأنه أتم نعمته عليهم وهداهم ، وامتن عليهم بأنه أرسل فيهم رسولاً منهم ، وهداهم إلى الامتثال للأحكام العظيمة كالشكر والذكر ، فإن الشكر والذكر بهما تهيئة النفوس إلى عظيم الأعمال ، من أجل ذلك كله أَمرهم هنا بالصبر والصلاة ، ونبههم إلى أنهما عون للنفس على عظيم الأعمال.
فخاطب سبحانه أمراً عباده المؤمنين بأن يستعينوا على أمور دينهم ودنياهم بالصبر والصلاة، وبين سبحانه أنه مع الصابرين . ولنا في هذه الآية فوائد وعبر منها:


1- بيان عظمة ومكانة الصبر والصلاة .
فسبحانه بدأ خطابه بالنداء الذي ينتج عنه الانتباه وتعظيم ما هو آت في الخطاب .

2- أن الاستعانة بالصبر والصلاة أمر كبير وصعب ، إلا على من يسره الله عليه.
قال تعالى لبني إسرائيل
: {إنها لكبيرة}علماً منه بضعف عزائمهم عن عظائم الأعمال وقال هنالك{إلاَّ على الخاشعين}ولم يذكر مثل هذا هنا ، وفي هذا إيماء إلى أن المسلمين قد يُسر لهم ما يصعب على غيرهم ، وأنهم الخاشعون الذين استثناهم الله هنالك ، وزاد هنا فقال: {إن الله مع الصابرين}فبشرهم بأنهم ممن يمتثل هذا الأمر ويعد لذلك في زمرة الصابرين .ذكره ابن عاشور

3- مكانة أمة الإسلام عند الله سبحانه وأنه ييسر عليهم ما يصعب على غيرهم.
وهذا بيانه فيما ذكره ابن عاشور سالفاً.

4- الاستعانة . الاستعانة هى طلب العون ، وأنواعها خمسة :
- الأول: الاستعانة بالله ، وهى المتضمنة كمال الذات من العبد لربه وتفويض الأمر إليه واعتقاد كفايته ، وهذه لا تكون إلا لله قال تعالى { إياك نعبد وإياك نستعين} ،وتقديم المعمول يفيد الحصر والاختصاص .
- الثاني: الاستعانة بالمخلوق في أمر يقدر عليه ، وهذه جائزة إذا كانت الاعانة في البر والتقوى ، قال تعالى { وتعاونوا على البر والتقوى } ، وأما إذا كانت في معصية الله أو على إثم فهى حرام قال تعالى { ولا تعاونوا على الإثم والعدوان }، وإن كانت في مباح فهى جائزة.
- الثالث: الاستعانة بمخلوق حي حاضر غير قادر على الإعانة ، فهذه لغو لا طائل تحتها ، كمن يستعين بإنسان ضعيف على حمل شيء ثقيل ونحوه.
- الرابع: الاستعانة بالأموات مطلقاً أو بالأحياء على أمر غائب لا يقدرون على مباشرته ، فهذا شرك .
- الخامس: الاستعانة بالأعمال والأحوال المحبوبة إلى الله تعالى ، وهذه مشروعة بأمر الله تعالى قال: { استعينوا بالصبر والصلاة } ، وهذه المطلوبة في الآية. مُستفاد من شرح الشيخ العثيميين على ثلاثة الأصول.

5- الصبر.
فالصبر هو: حبس النفس وكفها عما تكره, وهو المعونة العظيمة على كل أمر, فلا سبيل لغير الصابر, أن يدرك مطلوبه، و الصبر محتاج إليه العبد, بل مضطر إليه في كل حالة من أحواله، ولهذا أمر الله تعالى به ، وهو ثلاثة أقسام:
- الصبر على طاعة الله حتى تؤديها.
- الصبر عن معصية الله حتى تتركها.
- الصبر على أقدار الله المؤلمة فلا تتسخطها.
قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم : الصبر في بابين ، الصبر لله بما أحب ، وإن ثقل على الأنفس والأبدان ، والصبر لله عما كره وإن نازعت إليه الأهواء . فمن كان هكذا ، فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم ، إن شاء الله .ذكره ابن كثير
وقال سعيد بن جبير : الصبر اعتراف العبد لله بما أصاب منه ، واحتسابه عند الله رجاء ثوابه ، وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر. ذكره ابن كثير
6- الصلاة الصلاة لغةً: الدعاء، ، قال تعالى:{ إن صلاتك سكن لهم }، وأما اصطلاحاً : فهي عبادةٌ ذات أقوالٍ وأفعالٍ مخصصةٍ، مفتتحةٌ بالتكبير، ومختتمةٌ بالتسليم.
والصلاة هي الصلة بين العبد وربه، فبها يناجيه ويدعوه، وقد قال أحد السلف إذا أردت أن أكلم ربي قمت للصلاة، وإذا أردت أن يكلمني ربي قرأت القرآن ، وهي من آكد أركان الإسلام، فهي الركن الثاني بعد شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، بمعنى أنها من أركان الإسلام الخمسة، التي جاء فيها الحديث: «بني الإسلام على خمسٍ: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت الحرام»، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا أرسل رسولًا يدعو الناس إلى دين الله -عزَّ وجلَّ-، قال: «فليكن أول ما تدعوهم إليه إلى توحيد الله»، في رواية: «شهادة أن لا إله إلا الله، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلواتٍ في اليوم والليلة، فإن هم أطاعوك لذلك، فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقةً، تُخرج من أغنيائهم، فتُدفع إلى فقرائهم».
7- معية الله للصابرين{إن الله مع الصابرين}.
إن الله مع الصابرين
:أي مع من كان الصبر لهم خلقا, وصفة, وملكة بمعونته وتوفيقه, وتسديده، فهانت عليهم بذلك, المشاق والمكاره, وسهل عليهم كل عظيم, وزالت عنهم كل صعوبة، وهذه معية خاصة, تقتضي محبته ومعونته, ونصره وقربه, وهذهمنقبة عظيمةللصابرين، فلو لم يكن للصابرين فضيلة إلا أنهم فازوا بهذه المعية من الله، ومعية الله نوعان: - معية خاصة. كالمذكورة هنا .
- معية عامة. وهى معية العلم والقدرة, كما في قوله تعالى: {وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}وهذه عامة للخلق.
قال علي بن الحسين زين العابدين :إذا جمع الله الأولين والآخرين ينادي مناد : أين الصابرون ليدخلوا الجنة قبل الحساب ؟ قال : فيقوم عنق من الناس ، فتتلقاهم الملائكة ، فيقولون : إلى أين يا بني آدم ؟ فيقولون : إلى الجنة . فيقولون : وقبل الحساب ؟ قالوا : نعم ، قالوا : ومن أنتم ؟ قالوا : الصابرون ، قالوا : وما كان صبركم ؟ قالوا : صبرنا على طاعة الله ، وصبرنا عن معصية الله ، حتى توفانا الله . قالوا : أنتم كما قلتم ، ادخلوا الجنة ، فنعم أجر العاملين . ذكره ابن كثيرهذا وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.



رد مع اقتباس
  #12  
قديم 7 محرم 1438هـ/8-10-2016م, 10:02 PM
عابدة المحمدي عابدة المحمدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 483
افتراضي

(وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ )
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد فهذه فوائد مستوحاة من الآية الكريمة السابقة :
- إن الله بيده خزائن السموات والأرض (يداه ملأ سحاء الليل والنهار) ولو أعطى كل سائل مسألته ما نقص ذلك من ملك الله من شيء ولكن ينزل بقدر ما يشاء على من يشاء من عباده .

- إن بسط الله الرزق لعباده لا يدل على محبة الله للعبد, إنما هو ابتلاء واختبار, فإذا أدى حق الله تعالى فيه كان نعمة عليه وكان خيرا له ,وإذا أرضى ملذاته وشهواته كان نقمة عليه وكان شاهدا عليه يوم القيامة وفي الحديث (لا تزل قدم ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس وذكر منها وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقة )

إن هناك من الحكم التي لا يعلمها إلا الله في تقدير أرزاق الناس فمن هذه الحكم :
-إن من الناس لو أغناه الله لكان سببا في فساد دينه وبغيه على إخوانه تكبرا وبطرا وذلك لما انطوت عليه نفسه من الشر ويصدق هذا القول قوله تعالى ( كلا إن الإنسان ليطغى أن رآه استغنى ).

- إن الغنى اذا صادف مرض في القلب أنساه شكر الله على هذه النعم ونسب النعمة لنفسه مثلما فعل قارون وذلك عندما قال (إنما أوتيته على علم عندي ) وأمثال الذين لا يؤدون حق الله في أموالهم فيكون عليهم وبالا نسأل الله السلامة والعافية.

- إن من الناس من إذا استغنى نسي أن يلجأ إلى الله عز وجل ويدعوه ويرغب إليه وفي الحديث (إن الله يغضب إذا تركت مسألته )

- ومن الحكم أيضا أن المال يشغل صاحبه عن العمل للآخرة الذي هو أساس السعادة في الآخرة وهذا ما أشار إليه النبي صلى الله عليه وسلم «فو الله مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ وَلَكِنْ أَخْشَى عَلَيْكُمْ أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ قَبْلَكُمْ فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ»

- اقتضت حكمة الله تعالى أن يقسم المعيشة بين عبادة وتشمل جميع العباد مؤمنهم وكافرهم لئلا يختل التوازن الكوني كما قال تعالى
( أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ )
- إن لفظة (ينزل) تشعر بأن الرزق في السماء كما قال تعالى (وفي السماء رزقكم وما توعدون ) وطالما أنه في السماء فلا قلق على الرزق فلا يرده سلطان جائر ولا حسد حاسد وهذا يشعر المؤمن بالطمأنينة لأنة يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه .
- ومما يشعره لفظة التنزيل أن بسط الرزق لا يستمر وإنما تتقلب أحوال الناس بين فقر وغنى وصحة ومرض وهذا يدل عليه ما نشاهده من أحوال الناس وقول النبي صلى الله عليه وسلم ( اخشوشنوا فإن النعم لا تدوم ) .
- إن لفظ المشيئة يوحي بأن هناك علاقة بين مشيئة الله والأسباب التي قدرها وكلها متعلقة بعلم الله تعالى السابق لمخلوقاته بما يصلحهم وما يفسدهم .

- مناسبة ختم الله الآية بإسمي الخبير البصير يدل على علم الله الشامل بمخلوقاته قبل خلقهم وعلمه بإحوالهم بعد وقوعها وأنه يدبر أمورهم بما يناسب صلاحهم .

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 9 محرم 1438هـ/10-10-2016م, 07:37 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

{ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ ۖ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ ۚ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ۚ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ( 73 ) الأنعام

في تلك الآية الكريمة عدة فوائد منها :

{ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ }
- عقيدة المؤمن الموحد أن الله تعالى هو الذي خلق السماوات والأرض وما فيهن فهو الله تعالى الخالق البارىء المصور فاطر السماوات والأرض وهذا خلاف أقوال الملحدين الذين يقولون أن الكون خلق صدفة وهو من التغيرات التى في الطبيعة وخلاف ذلك من الأقوال العجيبة وقد سئل الإمام الشافعي رحمه الله: ما الدليل على وجود الله؟!. قال: الدليل على وجود الله ورقة التوت ؛ تأكلها دودة القذ فتعطى الحرير؛ وتتناولها النحلة فتعطى عسلاً؛ وتتناولها الغزالة فتعطى مسكاً؛ وتتناولها النعاج فتعطي لبناً ؛ وتتناولها البعير فتعطى بعرة ؛ من عصارة ورقة واحدة نتج أنواع متعددة من الأطعمة ؛ فمن الذي نوع هذا الطعام؟!.
- - أن الاعتراف بأن الله تعالى الخالق هو من توحيد الربوبية و قد اعترف المشركون أنفسهم بذلك كما قال تعالى { وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ ۖ فَأَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ }
- أن مقتضى القول بأن الله تعالى هو الخالق أن يوحد في العبادة فلا نرجو غيره ولا نلجأ لغيره ولا نعتقد بنفع غيره جل وعلا وهذا ما وقع فيه المشركون فاعتقاد الإنسان بأن الله تعالى هو الخالق لا يكفى وحده للنجاة من الشرك بل يجب تحقيق الشق الثاني من أركان التوحيد وهو توحيد الألوهية .

{ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ }
أي : إظهارا للحق لأنه جعل صنعه دليلا على وحدانيته. البغوي
بالحق : أي : بالعدل ، فهو خالقهما ومالكهما ، والمدبر لهما ولمن فيهما .ابن كثير
بالحق : أي حقًّا وصوابًا قائما بالحق , لا باطلا وخطأ, كما قال تعالى ذكره: وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلا. الطبري والوسيط
بالحق : أي بالحكمة والحقيقة ، ويقابله الباطل فيرادف العبث واللعب َكما في قوله تعالى {وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما لاعبين} الدخان
بالحق : ليأمر العباد وينهاهم، ويثيبهم ويعاقبهم. السعدي

ومن الفوائد :
- فالله تعالى خلق السماوات والأرض وأبدع خلقهما لحكمة عظيمة جليلة وجب على الإنسان أن يتفكر في ذلك وأن يتأمل عظمة الخلق وإحكام الكون بنظام ثابت لا يتغير ولا يتبدل فيعظم الخالق جل وعلا .
- قال تعالى { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } فمقتضى إدراك الإنسان للحكمة من خلق الكون أن يلتزم الخضوع للعمل بمقتضى تلك الحكمة فيشكر الخالق على نعمة خلقه وتسخير الكون له بعمارة الأرض بذكره وعبادته وإقامة شريعته .

{ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ }
أي يوم القيامة والجملة الكريمة بيان لقدرته- تعالى- على حشر المخلوقات بكون مراده لا يتخلف عن أمره، وإن قوله هو النافذ وأمره هو الواقع قال- تعالى- إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ. الوسيط
ومن الفوائد :
- اثبات صفة الكلام لله تعالى حقيقة وليس مجازا وأن صفة كلام الله تعالى ملازمة له قائمة بذاته جل وعلا غير مخلوقة وعندنا القرآن كلام الله تعالى غير مخلوق لا تنفذ عجائبه ولا تنقضى حكمه .
- مقتضى الإيمان بكمال قدرة الله تعالى ومشيئته النافذة حسن التوكل عليه وحسن الظن به ودوام اللجأ له والاستغناء عن كل مخلوق والاعتقاد بعدم نفعهم وضرهم إلا بإذن الله وعدم تعلق القلب بالأسباب وإن أخذ بها .

{ وَيَوْمَ يَقُولُ كُن فَيَكُونُ ۚ قَوْلُهُ الْحَقُّ }
( قوله الحق )أي : الصدق الواقع لا محالة. البغوي
-ومن الفوائد :
أن القول الحق الكامل إنما هو لله تعالى وحده لا شريك له لأنّ أقوال غيره وإن كان فيها كثير من الحقّ فهي معرّضة للخطأ وما كان فيها غيرَ معرض للخطأ فهو من وحي الله أو من نعمته بالعقل والإصابة ، فذلك اعتداد بأنَّه راجع إلى فضل الله . ونظير هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم في دعائه : « قولك الحقّ ووعدك الحقّ » .ابن عاشور
- تعظيم قول الله تعالى يقتضي الالتزام بأمره والانتهاء بنهيه فلا نرد له أمرا ولا نخالف له حكما .
- ثقة المؤمن بوعد ربه وصبر نفسه حتى يلقى ما وعده الله تعالى به { أَلَا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۗ أَلَا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ }

{ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ ۚ }
فإنه خُصّ بالخبر عن ملكه يومئذ, وإن كان الملك له خالصًا في كل وقت في الدنيا والآخرة، لأنه عنى تعالى ذكره أنه لا منازع له فيه يومئذ ولا مدّعي له, وأنه المنفرد به دون كل من كان ينازعه فيه في الدنيا من الجبابرة، فأذعن جميعهم يومئذ له به, وعلموا أنهم كانوا من دعواهم في الدنيا في باطل. الطبري
ومن الفوائد :
- إثبات صفة الملك لله تعالى وحده فهو المالك حقيقة لكل ما في الكون وإنما ملك الملوك في الدنيا فهو ملك زائل من جهة ومن جهة أخرى هو ليس ملك حقيقة فالذي مكن لهم هو الله ولو أراد لنزع عنهم ملكهم { قلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاءُ ۖ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } آل عمران
- إثبات النفخ في الصور حقيقة كما في الصحيح أن المراد بالصور :" القرن "الذي ينفخ فيه إسرافيل - عليه السلام - ، قال ابن جرير : والصواب عندنا ما تظاهرت به الأخبار عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :" إن إسرافيل قد التقم الصور وحنى جبهته ، ينتظر متى يؤمر فينفخ ".

- إيمان العبد باليوم الآخر يدفعه لحسن العمل في الدنيا وإعداد الزاد للآخره .
- كل متكبر بملكه في الدنيا سيعرف قدره عند الله تعالى في الآخره يوم لا ينفع مال ولا بنون وفي ذلك عظة للمتكبرين في الأرض وعظة للمؤمن ليحذر من الاغترار بملكه في الدنيا .

{ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ }

- اثبات صفة العلم لله تعالى .
- الله تعالى يعلم ما يغيب عن العباد وما يشاهدونه يستوى علمه في هذا وذاك في كل وقت وحين وليس لأحد غيره ذلك العلم الواسع .
- يقين المؤمن بسعة علم ربه تبارك وتعالى يقتضي مراقبة العبد لنفسه في السر والعلن .
- العبد المؤمن يتخذ الله وكيل وحسيب وشهيد على كل شىء فيفوض الأمر إليه ويحتسب عنده المظالم فهو حسبنا ونعم الوكيل وكفى بالله شهيدا .
- اثبات اسم الله تعالى الحكيم أي ذو الحكمة البالغة في جميع أفعاله .
- اثبات اسم الله تعالى الخبير العالم بخبايا العبد وخفاياه وبدقائق الأمور وتفاصيلها .
- حكيم في خلقه وفي ملكه وفي علمه كل شىء عنده بحكمة وإن جهلها الجاهلون فالمؤمنون واثقون بحكمة الله تعلى في كل شىء فعطاءه بحكمه ومنعه بحكمة لا إله إلا هو .
- الخبير بالسرائر والبواطن والخبايا وخبير بما يصلح عباده وخبير بالخلق أجمعين وخبير بما يصلحهم وخبير بما يفسدهم سبحانه جل وعلا .

وختامًا فالله تعالى خالق السماوات والأرض بالحق فهو الحكيم الخبير وهو عالم الغيب والشهادة في الدنيا والآخرة وفي الأرض وفي السماء لا يخرج شىء في كون ولا زمان عن حال الغيب والشهادة فلا شىء قل أو كثر دق أو عظم خارج عن حد علمه تبارك وتعالى فليعظم العبد ربه وليتزود لآخرته .
وما قدرناك حق قدرك ربنا ، اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وقنا عذاب النار.

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 13 محرم 1438هـ/14-10-2016م, 10:09 AM
عائشة أبو العينين عائشة أبو العينين غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 600
افتراضي

فوائد سلوكية من قوله تعالى
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (52) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (53) الشورى

الحمد لله الذى من علينا بالأسلام وبين لنا طريق النجاه وارسل الينا محمداّ صلى الله عليه وسلم بالقرأن العظيم هادياً ومبشراً ونذيراً
فهذه الأيات الكريمات من خاتمة سوره الشورى فيها فوائد عظيمة نسأل الله ان ييسر لنا بيانها والعمل بها
ومن هذه الفوائد
شرف القرأن وعلو قدره ومكانته فهو كلام الله تعالى وهو الهدى دل على ذلك ( كذلك ) قال بن عاشور الإشارة إلى ما يأتي من بعدُ وهو الإيحاء المأخوذُ من أوحينا إليك } ، أي مثل إيحائنا إليك أوحينا إليك ، أي لو أريد تشبيه إيحائنا إليك في رفعة القدر والهُدَى ما وجد له شَبيه إلا نفسُه على طريقة قوله تعالى : { وكذلك جعلناكم أمةً وسَطاً } كما تقدم في سورة البقرة ( 143 ) . والمعنى : إنّ ما أوحينا إليك هو أعزّ وأشرف وحي بحيث لا يماثله غيره . ذكره بن عاشور فيجب علينا تعظيم القرأن والتحاكم اليه والأهتداء بهديه


ومنها أن القرأن رحمة من الله الى أهل الأرض دل على ذلك قوله تعالى روحاً من أمرنا فقد ذكر بن جرير الطبرى ذلك عن قتادة والحسن فمن عاش بالقرأن تلاوةً وتدبراً وعملاً فهو فى رحمة الله فيجب علينا حمد الله تعالى على رحمته بعباده ونسأله سبحانه كما رحمنا بالقرأن ان يرحمنا بدخول جنته والنجاة من النيران
ومنها القرأن حياة من موت الكفر ذكره الشوكانى فى فتح القدير
ومنها أن االتنكير تعظيم وإجلال وتكريم { روحاً } أي من خالطه صار قلبه حياً ومن عري عنه كان قلبه ميتاً ذكره البقاعى فلا نتهاون ابداّ فى ملازمة القرأن تلاوةً وتدبراً وعملاً
ومنها أن الله سمى القرأن روحا لما يحصل به من الحياة الطيبة، والعلم والقوة. وجعله نورا لما يحصل به من الإشراق والإضاءة فنأتمر بأمره وننتهى بنهيه

ومنها التلازم بين أن القرأن روحاً ونوراً وهما متلازمان فحيث وجدت هذه الحياة بهذا الروح وجدت الإضاءة والاستنارة، وحيث وجدت الاستنارة والإضاءة وجدت الحياة فنوقن أن الله بين لنا فى القرأن كل ما نحتاج وينير لنا ضروب الحياه فنسعى الى ملازمته والعمل به واللجوء اليه فى كل ملمة
ومنها أن من لم يقبل قلبه هذا الروح فهو ميت مظلم، كما أن من فارق بدنه روح الحياة فهو هالك مضمحل ذكره بن القيم فيجب علينا مراجعة انفسنا عند ورود الأمر والنهى هل نحن ممن قبل قلبه نور القرأن000 اللهم أصلح قلوبنا

ومنها ان فى هذه الآيه الكريمه دلاله واضحة على لطف الله بعباده وان القرأن ما أجمل فيه فى موضع فصل فى موضع أخر وانه كالعقد الفريد فيقول بن القيم فى تفسير هذه الآيه فلهذا يضرب سبحانه وتعالى المثلين المائي والناري لما يحصل بالماء من الحياة، وبالنار من الإشراق والنور، كما ضرب ذلك في أول سورة البقرة فنحمد الله كثيراً عللاى لطفه بعباده ونسعى الى فهم وتدبر معانى القرأن ومداومة تلاوته وفيفتح الله لنا بذلك مما نجمع من معانى القرأن وفهم امثاله وقصصه من الأيمان واليقين مايصلح به دنيانا وأخرتنا

ومنها فى قوله تعالى { مَا كُنتَ تَدْرِى مَا الكتاب } بيان للأعجاز لأنه صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ ، ولا يكتب ، وذلك أدخل في الإعجاز ، وأدلّ على صحة نبوّته فنوقن أن القرأن كلام الله حق وانه معجز وان رسول الله صلى الله عليه وسلم هو خاتم الآنبياء والمرسلين

ومنها أمتنان الله تعالى على رسوله وامته و توقيف على مقدار النعمة دل على ذلك قوله تعالى { ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان } كما ذكر بن عطية وبن عاشورفيجعل ذلك قلوبنا تمتلىء بمشاعر الفرح بفضل الله تعالى ان اختصنا بهذه النعمه ومشاعر الإمتنان للملك العظيم الذى من علينا فنشعر بعظمة الملك العظيم ومدى تقصيرنا وضعفنا ونسأله سبحانه أن يجبر كسرنا ويتم علينا نعمته


ومنها أن كل من ينصرف عن الصراط المستقيم التى دعا اليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينها كتاب الله فيه من الكبر ما كان فى المشركين الذين عرض الله بهم دل على ذلك قوله تعالى { وإنك لتهدي } عطف على جملة { نهدي به من نشاء من عبادنا } . وفي الكلام تعريض بالمشركين إذ لم يهتدوا به وإذ كبر عليهم ما يدعوهم إليه مع أنه يهديهم إلى صراط مستقيم . بن عاشور فنحرص كل الحرص على مراقبة انفسنا ان لا نكون مثل هؤلاء

وفى قوله تعالى (صراط الله } عدة فوائد
فهو بدل من الأول وإضافته إلى الاسم الجليل ووصفه بقوله تعالى : { الذى لَهُ مَا فِى * السموات وَمَا فِي الارض }دل ذلك على تفخيم شأنه وتقرير استقامته ذكره الشوكانى فى فتح القدير
ومنها أن الله تعالى بيّن الصراط المستقيم بقوله : { صراط الله الذى لَهُ مَا فِى السموات وَمَا فِي الأرض } فدل على تأكيد وجوب سلوكه فإن كون جميع ما فيهما من الموجودات له تعالى خلفاً وملكاً وتصرفاً مما يوجب ذلك أتم إيجاب ذكره الالوسى فنعلم أن الله سبحانه وتعالى الذى له هذا الملك كله السماوات والأرض وهو الخبير الحكيم هو من انزل لنا القرأن بشرعه فيه ما يصلح عباده جميعاً فنذداد يقيناً وتمسكاً بشرعه وهداه

وفى قوله تعالى (الا الى الله تصير الآمور) فوائد
منها إن كل الأمور بيد الله فى الدنيا والأخرة إن كان فى الحياة الدنيا حكام وقضاه وولاة فإن فى الآخرة قال تعالى (الا الى الله تصير الأمور) فلا يضيع عنده حق ولا يضيع عنده أجر فمن ابتلى بظلم فى الدنيا فليبشر فى الأخره لن يظلم أبدا دل على ذ لك ما حكاه بن جرير الطبرى فى تفسير قوله تعالى (ألا الى الله تصير الأمور)
ومنها أن الى الله تصير الأمور فلا نتعلق ببشر مهما كان فكل الأمور لله والملك كله لله واليه سبحانه تصير الأمور دل على ذلك استفتاح القول في الإخبار بصيرورة الأمور إلى الله تعالى ففيه مبالغة وتحقيقاً وتثبيتاً ، والأمور صائرة على الدوام إلى الله تعالى ، ولكن جاءت هذه العبارة مستقبلة تقريباً لمن في ذهنه أن شيئاً من الأمور إلى البشر ذكره بن عطية

وفى الآيات فوائد اكثر من ذلك بكثير ونتحتاج لمذيد تدبر وبحث فاسأل الله سبحانه وتعالى ان يهدينا اليه صراطاً مستقيماً وان يمسكنا بكتابه وسنة نبيه حتى نلقاه ويرزقنا واياكم فهم وتدبر كتابه والعمل به

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 21 محرم 1438هـ/22-10-2016م, 09:28 PM
ريم الحمدان ريم الحمدان غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 447
افتراضي رسالة تفسيرية في قوله تعالى :( تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علواً في الأرض ولا فساداً )

بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى : {تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين} [القصص : 83]
هذه الآية الكريمة أتت بعد قصة قارون الذي كان مثالاً للعلو في الأرض ، وكذلك أتى في السورة ذكر فرعون الذي يمثل أعلى درجة من درجات العلو في الأرض .وكأنها تعطي قانوناً ربانياً فيمن يستحق دخول الجنة .
ومن فوائد هذه الآية :
:1/بدأت الآية بإسم الاشارة للتشويق .
2/ تلك الدار من باب التفخيم والتعظيم لشأنها .
3/الدار هي مكان إقامة الإنسان وسماها الله عزوجل الدار الآخرة أي التي يقيم فيها الانسان للأبد .
4/ النون في نجعلها للتفخيم .
5/نجعلها أي خاصة لمن استحقها وليست لكل البشر ،وعن الفضيل بن عياض أنه قرأ هذه الآية ثم قال : ذهبتْ الأماني ههنا ، أي أماني الذين يزعمون أنه لا يضر مع الإيمان شيء وأن المؤمنين كلهم ناجون من العقاب ، وهذا قول المرجئة .
6/( لا يريدون ) مجرد الإرادة منفي عنهم ، فكيف بالفعل ، فهؤلاء القوم لا يفعلون ما فيه علو على الآخرين ولا يفسدون ولا حتى يريدون ذلك أو ينوونه .
7/ ذم العلو والتفاخر على الآخرين .
8/ ذم الفساد في الأرض بكل صوره وأشكاله .
9/ الحث على التواضع ولين الجانب .
10/ ذم العلو لا يتعارض مع تجمل الإنسان ورغبته في أن يكون مظهره حسناً ، روى الإمامُ مسلمٌ في صحيحهِ عَنْ عَبْدِ الله بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّم قَالَ: "لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ". قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا، وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ: "إِنَّ اللهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ: بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ".
11/ ( وَالْعَاقِبَةُ )أي حالة الفلاح والنجاح، التي تستقر وتستمر ، وقيل هي الجنة .
12/ ( للمتقين ) أي الفوز والفلاح خاص لمن اتصف بالتقوى ، والتقوى تكون بإتقاء ما يغضب الله عز وجل وعمل ما يحبه الله ويرضاه .
13/ الآية فيها موعظة عظيمة أن من أراد الآخرة عليه أن يزهد في هذه الدنيا ،ولا يغتر بزينتها ،وأن يحذر أشد الحذر من العلو في الأرض أو أن يظن الانسان أنه أفضل من الآخرين أو أعلى شأناً أو أكرم نسباً .



استغفر الله وأتوب إليه

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 23 محرم 1438هـ/24-10-2016م, 07:10 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

تقويم التطبيق الثالث

أحسنتم جميعاً في أداء التطبيق الثالث
وهذه ملحوظات عامة آمل العناية بها:
أولاً: قبل الشروع في التفسير يحسن بالمفسّر أن يستخلص المسائل والفوائد ويرتّبها.
ثانياً: ينبغي أن يكون أسلوب المفسّر ظاهراً في الخطاب ومؤثراً في المخاطَب، غير مغمور في المنقولات وسرد المسائل والفوائد.
ثالثاً: أن يكون وجه المناسبة بين الفائدة والآية ظاهراً غير متكلف.
رابعاً: العناية بعزو الأحاديث والآثار التي ترد في الرسالة مع بيان حكمها ما أمكن.


كوثر التايه: أ+
- أحسنت بارك الله فيك ورفعك ونفع بك.

أمل يوسف: أ
- أحسنت بارك الله فيك ورفعك ونفع بك.
- فاتك عدد من المسائل والفوائد، ولذلك أوصيك باستخراج المسائل أولاً قبل الشروع في التفسير.

فاطمة الزهراء: أ+
- أحسنت بارك الله فيك ورفعك ونفع بك.


مها شتا: أ+
- أحسنت بارك الله فيك ورفعك ونفع بك.
- اعتني بالصياغة اللغوية، ومراعاة الإعراب.

مضاوي الهطلاني: أ+
- أحسنت بارك الله فيك ورفعك ونفع بك.
- اعتني بتوثيق الأحاديث ووالآثار التي توردينها في رسالتك مع بيان حكمها إن أمكنك.
- إذا نقلت عبارة مفسّر بنصّها فقدمي ما يدلّ على ذلك، كأن تقولي: قال فلان: (.........)
ولتحسين أسلوبك وتقليل الاعتماد على عبارات المفسّرين حاولي أن تقتصري في النقل على ما لا بدّ منه، وعبري بأسلوبك على ما يمكنك.

نبيلة الصفدي: أ+
- أحسنت بارك الله فيك ورفعك ونفع بك.

شيماء طه: أ
- أحسنت بارك الله فيك ورفعك ونفع بك.
- فاتك عدد من المسائل والفوائد، ولذلك أوصيك بالعناية باستخراج المسائل قبل الشروع في التفسير، ثم مطالعة عدد من التفاسير لإضافة ما فاتك.

تماضر: أ+
- أحسنت بارك الله فيك ورفعك ونفع بك.

هناء هلال: أ+
- أحسنت بارك الله فيك ورفعك ونفع بك.

هلال الجعدار: أ
- أحسنت بارك الله فيك ورفعك ونفع بك.
- اعتنِ بتوثيق الأحاديث والآثار التي تذكرها في رسالتك مع بيان حكمها ما أمكن.
- فاتك بعض المسائل المهمة، ومن أهمها بيان كيف تكون الاستعانة بالصبر والصلاة.

عابدة المحمدي: أ+
- أحسنت بارك الله فيك ورفعك ونفع بك.

الشيماء وهبه: أ+
- أحسنت بارك الله فيك ورفعك ونفع بك.
- إذا نقلت عبارة مفسّر بنصها فقدمي ما يشعر بذلك.
- اعتني بعزو الأحاديث والآثار التي تذكرينها في رسالتك مع بيان حكمها ما أمكن.

عائشة أبو العينين: أ+
- أحسنت بارك الله فيك ورفعك ونفع بك.
- اعتني بمراجعة الرسالة قبل نشرها لتجنب ظهور الأخطاء الكتابية.

ريم الحمدان: أ+
- أحسنت بارك الله فيك ورفعك ونفع بك.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 13 صفر 1438هـ/13-11-2016م, 11:34 AM
منيرة محمد منيرة محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: السعودية
المشاركات: 668
افتراضي


رسالة تفسيرية في قوله تعالى : (({إنّٓ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوابِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ
بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ }


في هذه الآية الجليلة يبين الله عز وجل فضيلة الجهاد وحقيقته حيث أبرزه في صورة عقد عاقده مع المقاتلين في سبيله
ووعدهم عليه بأحسن الثواب وأجزل العطاء،وذلك ترغيباً للجهاد وثناءً على المؤمنين الذين بذلوا أنفسهم وأموالهم
امتثالاً لأمره ورغبة في ما عنده، قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَقَتَادَةُ : بَايَعَهُمْ وَاللَّهِ فأَغْلَى ثَمَنَهُمْ ،

من الفوائد العظيمة في هذه الآية :

1- كون هذه الآية في سورة التوبة التي فضحت المنافقين وهتكت استارهم،عُدت أٓعظمُ إشادة للمؤمنين لإنهم بذلوا أنفسهم وأموالهم لوعد من ربهم وفي هذا كمال التسليم واليقين لله تعالى .

2- افتتاح الآية بحرف التوكيد دلالة على الإهتمام بالخبر الذي سيذكر بعده، وفي هذا بيان لعظمة هذه الصّفقة عند الله عز وجل .

3- اختيار لفظ الجلالة "الله" دون غيره يضفي على هذه البيعة صفات الجلال والكمال والمهابة والعظمة، فيبعث في قلب العبد تعظيم خالقه واستصغار ما يقدمه في سبيله ولو كانت نفسه التي بين جنبيه .

4- في لفظة ( اشترى ) معاني عظيمة منها،كرم الله وجوده حيث أنه هو الواهب وهو المشتري، هو المنعم وهو المتفضل،
ومع هذا يحفز عبده لنيل ما عنده من الخير،عندها يستشعر العبد رحمة ربه ولطفه، وتعظم في قلبه محبته وخشيته،فيجدّ في السير،ويواصل المسير،ويخلص العمل .

5- قوله تعالى (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) المؤمن الفطن يحدث نفسه بالخير دائماً ويسعى له وإن حال دونه مانع من الموانع أحسن الظّنٰ بربه، فربّ نيّة سبقت عمل،

6- هذه البيعة خُصت للمؤمنين لأن الإيمان الصادق هو الذي يدفع صاحبه للعمل الصالح فحريٌ بنا أن نرتقي بأنفسنا ونقوي إيماننا ونبحث عن السبل الموصلة له .

7- في تقديم نفس العبد المؤمن على ماله لفتة في بيان قدرها ومكانتها عند الله،وقد قال تعالى(قد أفلح من زكّاها*وقد
خاب من دساها) فمن عرف ربه وتبصر في شرعه وسعى في خلاصها فقد اكرمها وعرف لها قدرها.

8-جنّة الله غالية وثمنها ليس بالهيّن،وسعي العبد وتبصره بالأعمال التي تؤهله بعد رحمة الله لدخولها مطلب لكلّ مؤمن، فحرىٌ بنا أن نتفقد أنفسنا وأن ننظر في أمرنا،ولنعلم أن من صدق مع الله صدقه،وأن من أخلص لله و وفقه .

9- قوله تعالى (بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ) جنّة عرضها السّموات والأرض فيها مالا عين رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، يُملِكُها الله لعبده المؤمن، مقابل ماذا ...؟ أنفسٌ خلقها وأنعمٌ منحها ،أيُ كرم إلٰهي ،وأيُ فيضٌ ربّاني ...؟ متى ماستشعر العبد هذا، عرف غايته من وجوده في هذه الحياة، فقويت عبوديته لربُه،وذلّت نفسه لخالقه،وحصل الإنقياد والتسليم لجميع أمره

10- قوله تعالى (يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) لكل عملٍ هيئته وصفته وزمانه ومكانه،فمن وفق للإتيان به على ما أمر به مشرعه،فقد اهتدى وأصاب ونال من الله الثّواب .
11- قوله تعالى (فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ ) ليس من الشرط أن تزهق النفس، ولكنّه التسليم والإنقياد والمبادرة والتصديق، أخرج مسلم من رواية أبي هريرة قال : ((من قتل في سبيل الله تعالى فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله تعالى فهو شهيد )) وهو الموافق لمعنى قوله تعالى: ((ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله ))

12- في تقديم الفعل المبنى للمفعول على الفعل المبنى للفاعل ، إشارة إلى حرصهم وصدقهم مع الله ، فحريٌ بالعبد المؤمن أن يكون ديدنه الصدق مع الله وتلمس مراضيه وبذل الأسباب الموصلة له ،والنّاظرفي حال سلف هذه الأمة،وأهل العزم والصلاح ممن تبعهم يجد هذا ظاهراً في سيرهم .

13- قوله تعالى ((وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا )) ألزمه على نفسه سبحانه ولا ملزم له ومن أصدق من الله قيلا ،ومن أصدق من الله حديثا،لكنه لزيادة التأكيد والإطمئنان وتحفيز النفس على المبادرة ،يقول الله تعالى ( أَفَمَن وَعَدْنَاهُ وَعْدًا حَسَنًا فَهُوَ لَاقِيهِ كَمَن مَّتَّعْنَاهُ مَتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ المحْضٓرين ) فالمؤمن على موعود من ربه متعلقاً به قلبه مصدقٌ له كلما نابه نائبةٌ من أمور هذه الحياة تذكر ذلك الموعد فتاقت نفسه له وهان عليه ما يلقى في سبيله .

14- قوله تعالى (فَاسْتَبْشِرُوابِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ) المؤمن الحق يفرح بالطاعة كما تحزنه المعصية ،يبشر غيره بالخير
ويحث عليه، عنده فأل حسن ،وحسن ظنّ بربه ،قد عرف هدفه وأعلى مقصده معتزٌ بدينه رافعاً الرّأس به،يؤلف بين
القلوب ويجمع الكلمة ،وينبذ الفرقة والخلاف وكلّ دخيلٌ على شرعه وأمته متمثلاً قول الله عز وجل (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ...)

15- قوله تعالى (وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) وردت عدة تأكيدات لهذا الفوز العظيم ،وهو الخلود بالجنّة ،نعيم لا يدانيه نعيم
ولا يوازيه فضل ،فأين المشمرون ،أين المسابقون لها ،جنّة تنافس فيها "أبوبكر"وعمر" سبقوناوقد أحسنوا العمل،
وبقينا خلفهم نطمع بها مع تقصيرٍ وطول أمل، اللهمّ ارزقنا توبةً نصوح، وصدق اقبال على الخير وفتوح ،وقلبٍ
منكسرٍ ولسان بدعائك لحوح .

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 24 ربيع الأول 1438هـ/23-12-2016م, 08:27 PM
هبة الديب هبة الديب غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,274
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
فوائد من قوله تعالى :{وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ۖ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ۗ أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (22) }. النور

أدبّ الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام رضوان الله عليهم فأحسن تأديبهم ، فكانت تلك الآداب تنزل كتوجيهات سلوكية يهتدون بها ،وحتى نستقي هذه الأخلاق ونتمثلها اقتداء بنبينا صلى الله عليه وسلم وصحبه ،من كتابنا الكريم لا بد لنا من الوقوف بتدبر على معانيها.

وحتى تتبين لنا معاني الآية؛ نعرج على أسباب النزول لمزيد من الإيضاح .
ذكر الحميدان في أسباب النزول قول عائشة رضي الله عنها :" فَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ فِي بَرَاءَتِي قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ لِقَرَابَتِهِ وَفَقْرِهِ - وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَيْهِ شَيْئًا أَبَدًا بَعْدَ الَّذِي قَالَ لِعَائِشَةَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَا يَأْتَلِ أُولُو الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَالسَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَى} إِلَى قَوْلِهِ {أَلَا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ} فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ إِنِّي أُحِبُّ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لِي، فَرَجَعَ إِلَى مِسْطَحٍ النَّفَقَةَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِ وَقَالَ: لَا أَنْزِعُهَا مِنْهُ أَبَدًا. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ كِلَاهُمَا عَنْ أَبِي الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيِّ.

وما سيأتي جملة من الفوائد و الأخلاق استقيناها من هذه الآية الكريمة:
1- ( لا يأتل أولو الفضل ) والائتلاء: الْحِلف ذكره الفراء،كما ذكر الطبري اختلاف القراء في قراءتها على معنيين : ( ولا يأتل ) بمعنى : يفتعل من الألية ، وهي القسم بالله ، وهي قراءة عامة قراء الأمصار سوى أبي جعفر وزيد بن أسلم ، فإنه ذكر عنهما أنهما قرآ ذلك " ولا يتأل " بمعنى : يتفعل ، من الألية ، وهو اختيار ابن جرير.
ومنه ما أورده الشوكاني من قول ابن عباس : هو الرجل يحلف لامرأته بالله أن لا ينكحها، فتتربص أربعة أشهر، فإن هو نكحها كفرّ عن يمينه، فإن مضت أربعة أشهر قبل أن ينكحها خيره السلطان: إما أن يفيء، وإما أن يعزم فيطلق، كما قال الله سبحانه وتعالى: "لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ "، وأضاف القرطبي معنى آخر وهو التقصير .
ومعناه لا ينبغي الحلف على قطع الخير التي أُريد بها وجه الله تعالى للفقراء والمساكين لمعصية صدرت منهم ، لأنّ المقصد واحد و هو وجه الله تعالى؛ فلا يتأثر هذا المقصد بتغير أحوال المتصدق عليهم، فالمؤمن واحد في كل الظروف .

2- التكفير عن اليمين إن رأى أنّ الحنث به أفضل ،وفي هذا المقام جمع بين أجر العمل بأمر الله وأجر الإحسان للضعيف وعفوه عنه.

3- فضل أبو بكر الصديق رضي الله عنه من وجهين بينته الآية الكريمة :
* مخاطبته بلفظ الجمع دلالة على مكانته.
* وأيضا من حيث نعته بلفظة أولي الفضل؛ والفضل في اللغة بمعنى الزيادة :فقد كان لأبي بكر رضي الله عنه فضائل متعدده كالإحسان والطول والسعة، فمنها: ما ذكره تعالى في كتابه ،من وصفه بالصاحب للنبي صلى الله عليه وسلم حيث قال تعالى في سورة التوبة :"إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا " وأيضا قوله تعالى فيه في سورة الليل:"وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضىومتعلق الفضل مكانته في الإسلام بعد النبي صلى الله عليه وسلم ويتبين ذلك من قوله تعالى (منكم) .

4- الفرق بين أولي الفضل والسعة : فأولي الفضل المراد بهم أصحاب الصلاح والدين ، وأهل السعة أصحاب الأموال، وهؤلاء أمام منحة ربانية ليستعينوا بما وهبهم الله تعالى في طلب مرضاته ، فمن سعة فضل الله ورحمته وكرمه أنّ لطف بهؤلاء العصاة من أهل الإيمان، ودعا للعفو عنهم .


5- "أَن يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ "تخصيص البدء بذكر أولي القربى ،تذكيرا لضرورة العناية بهم وتفقدهم فهم أولى بالمعروف، قال تعالى: "ويسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين " ،وأيضا قوله تعالى :" قل ما أنفقتم من خير فللوالدين والأقربين ، كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين بالمعروف" ، وقال ثابت عن أنس قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي طلحة اجعلها لفقراء قرابتك.
فمنه تلتحم الروابط الأخوية بين أفراد القرابة خاصة ثم لباقي الأصناف أثر على قوة المجتمع.

6- العفو والصفح والمغفرة : ذكر ابن عاشور الفرق بين هذه الألفاظ في تفسير سورة التغابن فقال: " والعفو: ترك المعاقبة على الذنب بعد الاستعداد لها . ولو مع توبيخ.
والصفح: الإعراض عن المذنب ، أي ترك عقابه على ذنبه دون التوبيخ، والغفر: ستر الذنب وعدم إشاعته."
وأضاف الراغب أن العفو أبلغ من الصفح ، فقد يعفو المرء ولا يصفح ، وأنّ المغفرة تقتضي إسقاط العقوبة وإيجاب الثواب ،لكن العفو يسقط العقوبة ولا يلزم إيجاب الثواب .


هذه مراتب نحو أخلاق أهل الفضل ، فالعفو والصفح عن من أساء أمر ندبه الشارع الحكيم لتطهير النفس من حظوظها ،وليحظى المرء بفرصة المعاملة بالمثل .
وأعلى هذه المراتب المغفرة وقد استأثرها تعالى لنفسه هنا مع أنّ العفوّ من اسمه أيضا وهو اسم ملازم للغفور فهو عفر غفور،فله تعالى الأسماء الحسنى التي بلغت في الحسن غايته ومن الصفات أعلاها وأكملها ،فاسمه الغفور أي الساتر للذنوب العافي عنها بفضله ورحمته .
قال تعالى في محكم كتابه عن أصحاب الخدود :" إنّ بطش ربك لشديد *إنه هو يبدئ ويعيد* وهو الغفور الودود ".
وأيضا:"يَغْفِرُ لِمَن يَشَاء وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاء وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمً"، والمواضع في اسم الله الغفور كثيرة .

قال ابن القيم: وهو الغفور فلو أتى بقربها من غير شرك بل من العصيان لاقاه بالغفران ملء قربها سبحانه هو واسع الإحسان
ولذلك دعا المولى الكريم لهذا الخلق ورغّب فيه بإكرامه بالمغفرة التي هي جلّ ما يسعى المرء إليه؛ جزاء ومقابلة لعفوه ولحسن خلقه الذي قابل به سوء خلق من أساء إليه.

7- اقتران اسم الله تعالى الغفور بالرحيم ،إنّ الحُسْنُ في أسماء الله تعالى يكون باعتبار كل اسم على انفراده، ويكون باعتبار جمعه إلى غيره، فيحصل بجمع الاسم إلى الآخر كمال فوق كمال، فلكل اسم منهما له الكمال الخاص الذي يقتضيه، فالمغفرة في الغفور، وصفة الرحمة في الرحيم ، وبالجمع بينهما يأتينا كمال آخر ويتبين بما يلي .

فضل المغفرة عظيم لكنها لا تكفي العبد لنيل ما يحظى به، ذلك لأن المغفرة وهي ستر للذنب وليس إزالته، أو تم العفو عنه، والتجاوز عن صاحبه ، كل ما هنالك أنه مستور عليه فإن شاء تعالى أن يحسن إلى المذنب ولا يعاقبه ، كما إن شاء أيضا أن يعذبه بذنبه في الدنيا والآخرة ، لكن عندما تأتي الرحمة لتقترن بالمغفرة يتم الإحسان والفضل ،ويكون الغفران بداية العفو ،وزوال الذنب ، ومحوه من الصحف بل وتبديله حسنات فيدخل الإنسان الجنة ، وهذا الدخول لا بسبب المغفرة بل بالرحمة ، ودليل ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال صلى الله عليه وسلم : ( لن يدخل أحداً عمله الجنة ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمته ) ومن هنا كان من لوازم المغفرة : الرحمة .

هذا والله تعالى أعلم .


رد مع اقتباس
  #19  
قديم 13 ربيع الثاني 1438هـ/11-01-2017م, 04:09 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويم تطبيقات الأسلوب الاستنتاجي


1: منيرة محمد ب
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- فاتك عدد كبير من الفوائد التي دلّت عليها هذه الآية العظيمة، ولو استخرجتِ مسائلها بالنظر أولا كما تدرّبنا من قبل لظهر لك الكثير بإذن الله.

2: هبة الديب أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.


رزقكم الله العلم النافع والعمل الصالح.

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 16 صفر 1439هـ/5-11-2017م, 02:46 PM
ميسر ياسين محمد محمود ميسر ياسين محمد محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 727
افتراضي

رسالة تفسيرية بأسلوب استنتاجي
قال تعالى :﴿كُتِبَ عَلَيكُمُ القِتالُ وَهُوَ كُرهٌ لَكُم وَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسى أَن تُحِبّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ﴾ [البقرة: 216]
الحمد لله على أن لنا رباً عظيماً نظم لنا حياتنا ،وأخبرنا بخلجات أنفسنا الخفية ؛ليسهل التعامل معها وترويضها حتى تنال خيري الدنيا والآخرة ومن الآيات التي يظهر فيها ذلك هذه الآية الكريمة التي من فوائدها ماينظم لنا العلاقة مع أنفسنا وفي حياتنا كلها ومن ذلك :
قوله تعال:﴿كُتِبَ عَلَيكُمُ القِتالُ وَهُوَ كُرهٌ)
-جاءت لفظة كتب أي فرض فرضاً لازماً لتبين أن الجهاد في سبيل الله حتى لو كانت النفس تكرهه بطبيعتها -ذكر الطبراني أن الكراهة :(كراهة الطبع لا عدم الرضا بالأمر وهذا كما يكرهُ الإنسانُ الصومَ بالصيف من جهةِ الطبع، وهو مع ذلك يحبُّه ويرضاه من حيث إنَّ الله أمرهُ به.)- لأنه عماد الحياة ،و السبيل إلى العزة والنصر وتحكيم دين الله في الدنيا والثواب العظيم في الآخرة .ذكر السيوطي ما أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم وصححه عن فضالة بن عبيد‏ :
‏(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ أنا زعيم - والزعيم الحميل - لمن آمن بي وأسلم، وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة، وبيت في وسط الجنة، وبيت في أعلى غرف الجنة، فمن فعل ذلك لم يدع للخير مطلباً، ولا من الشر مهرباً، يموت حيث شاء أن يموت‏) ؛ فعلى الإنسان أن يجاهد نفسه في بذل كل مايملك في سبيل الله من المال والنفس والوقت والعلم .ذكر السيوطي ماأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والبيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:(لعدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها‏ ).وما نحن فيه الآن من كثرة الفتن والهوان وانتهاك حرمات الله واستيلاء العدو على الأراضي والخيرات ؛لهو أكبر دليل على عظم الشر العائد من ترك الجهاد وطلب الراحة والدعة. ذكر السيوطي ما أخرج أبو داود عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏ :(إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم‏‏).اللهم ردنا إليك رداً جميلاً .

قوله تعال:(وَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم )
-عسى :للترجي وفعل الترجي من الله تعالى يفيد اليقين .وقيل: كلُّ "عَسَى" في القرآن للتحقيق، إِلاَّ قوله تعالى: {عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ}،وقيل أنه بمعنى قد.والكُره قيل أنه المشقة
-الرضا بالقضاء والقدر ،واتباع أوامر الله في كل كبيرة وصغيرة ،والثقة واليقين بأن الخير كل الخير فيما اختاره الله حتى لو كانت النفس تكرهه بطبيعتها ؛ فعاقبة الأمور هي الأهم .وذكر السيوطي ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال‏:‏ كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ‏(يا ابن عباس‏.‏ . ارض عن الله بما قدر وإن كان خلاف هواك، فإنه مثبت في كتاب الله‏. قلت‏:‏ يا رسول الله فأين وقد قرأت القرآن‏؟‏ قال ‏{‏وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون‏}‏ ‏‏).فكم من قضاء مرّ علينا ظاهره فيه الشر لكن باطنه حمل لنا الخير الكثير فكان هدية لنا من السماء ما تمنينا غيره .

قوله تعال:(وَعَسى أَن تُحِبّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم)
-الحذر من محبوبات النفس وشهواتها لأن الهوى والشهوى مكمن الضر والهلاك إذا لم تُحكم بالدين.

قوله تعالى:(وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ﴾
-عدم اليأس والقنوط مما يدور حولنا من أحداث،والثقة التامة بالله على أنه سيأتي الفرج ،وأن هذه الأحداث لحكمة ربانية لا يعلمها إلا الله .
-اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه حتى لو لم تظهر لنا الحكمة لأن الله يعلم مافيه الخير لنا وما فيه الشر .
-لا بد من الاستخارة في جميع أمور الحياة، لأن علم الإنسان قاصر لا يعرف أين منفعته ؛فقد يظن أن ما وافق هواه فيه الخير وما نافره فيه الشر فيكون الأمر بالعكس تماماً؛فالله هو الذي يعلم ما فيه المصلحة والمنفعة والخير .

تساؤول:
-قد يتساءل الإنسان لماذا جعل الله الخير في الأمور المكروهة طبعاً،والشر في الأمور المحبوبة طبعاً ،لماذا لا تكون المحبوبات نافعة والمكروهات ضارة فنختار النافع السهل المحبوب ونترك المكروه الضار؟أجاب ابن عاشور على هذا السؤال من عدة وجوه:
-أن الله خلق النافع أكثر من الضار وجعل الإنسان مخير بعد أن أراه طريق الخير والشر لكن كثرة تداول الناس للضار جعلته كثيراً سهلاً متاحاً؛ فأصبح النفع قليل صعب لا ينال إلا بمشقة بالغة وأصبح مقياساً لتفاضل البشر فيما بينهم في الدنيا والآخرة.
-أن من سنة الله في خلقه وجود الصفات المتناقضة التي ينشأ منها صفة معتدلة فالشجاعة تأتي بين التهور والجبن والكرم بين الإسراف والبخل وهذه المعاني المتولدة الخيّرة تكون قليلة لأنها واحدة من شيئين نقيضين ،مما نتج عن قلتها عدم اعتياد في النفوس لهذه الصفات ؛فأصبحت صعبة عليها فيها مشقة لقلة اعتيادها .
-أن الله خلق النفع سهلاً كثيراً لكن سوء استخدام البشر له ووضعه في غير مكانه جعله ضاراً ؛فالله خلق العنب فيه نفع كبير لكن الإنسان صنع منه خمراً فتحول لضرر وهكذا .

رد مع اقتباس
  #21  
قديم 2 جمادى الآخرة 1439هـ/17-02-2018م, 09:43 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميسر ياسين محمد محمود مشاهدة المشاركة
رسالة تفسيرية بأسلوب استنتاجي
قال تعالى :﴿كُتِبَ عَلَيكُمُ القِتالُ وَهُوَ كُرهٌ لَكُم وَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم وَعَسى أَن تُحِبّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ﴾ [البقرة: 216]
الحمد لله على أن لنا رباً عظيماً نظم لنا حياتنا ،وأخبرنا بخلجات أنفسنا الخفية ؛ليسهل التعامل معها وترويضها حتى تنال خيري الدنيا والآخرة ومن الآيات التي يظهر فيها ذلك هذه الآية الكريمة التي من فوائدها ماينظم لنا العلاقة مع أنفسنا وفي حياتنا كلها ومن ذلك :
قوله تعال:﴿كُتِبَ عَلَيكُمُ القِتالُ وَهُوَ كُرهٌ)
-جاءت لفظة كتب أي فرض فرضاً لازماً لتبين أن الجهاد في سبيل الله حتى لو كانت النفس تكرهه بطبيعتها -ذكر الطبراني أن الكراهة :(كراهة الطبع لا عدم الرضا بالأمر وهذا كما يكرهُ الإنسانُ الصومَ بالصيف من جهةِ الطبع، وهو مع ذلك يحبُّه ويرضاه من حيث إنَّ الله أمرهُ به.)- لأنه عماد الحياة ،و السبيل إلى العزة والنصر وتحكيم دين الله في الدنيا والثواب العظيم في الآخرة .ذكر السيوطي ما أخرجه النسائي وابن حبان والحاكم وصححه عن فضالة بن عبيد‏ :
‏(سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول‏:‏ أنا زعيم - والزعيم الحميل - لمن آمن بي وأسلم، وجاهد في سبيل الله ببيت في ربض الجنة، وبيت في وسط الجنة، وبيت في أعلى غرف الجنة، فمن فعل ذلك لم يدع للخير مطلباً، ولا من الشر مهرباً، يموت حيث شاء أن يموت‏) ؛ فعلى الإنسان أن يجاهد نفسه في بذل كل مايملك في سبيل الله من المال والنفس والوقت والعلم .ذكر السيوطي ماأخرج أحمد والبخاري ومسلم والترمذي وابن ماجة والبيهقي عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‏:(لعدوة في سبيل الله أو روحة خير من الدنيا وما فيها‏ ).وما نحن فيه الآن من كثرة الفتن والهوان وانتهاك حرمات الله واستيلاء العدو على الأراضي والخيرات ؛لهو أكبر دليل على عظم الشر العائد من ترك الجهاد وطلب الراحة والدعة. ذكر السيوطي ما أخرج أبو داود عن ابن عمر قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏ :(إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلى دينكم‏‏).اللهم ردنا إليك رداً جميلاً .

قوله تعال:(وَعَسى أَن تَكرَهوا شَيئًا وَهُوَ خَيرٌ لَكُم )
-عسى :للترجي وفعل الترجي من الله تعالى يفيد اليقين .وقيل: كلُّ "عَسَى" في القرآن للتحقيق، إِلاَّ قوله تعالى: {عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ}،وقيل أنه بمعنى قد.والكُره قيل أنه المشقة
-الرضا بالقضاء والقدر ،واتباع أوامر الله في كل كبيرة وصغيرة ،والثقة واليقين بأن الخير كل الخير فيما اختاره الله حتى لو كانت النفس تكرهه بطبيعتها ؛ فعاقبة الأمور هي الأهم .وذكر السيوطي ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال‏:‏ كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ‏(يا ابن عباس‏.‏ . ارض عن الله بما قدر وإن كان خلاف هواك، فإنه مثبت في كتاب الله‏. قلت‏:‏ يا رسول الله فأين وقد قرأت القرآن‏؟‏ قال ‏{‏وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئاً وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون‏}‏ ‏‏).فكم من قضاء مرّ علينا ظاهره فيه الشر لكن باطنه حمل لنا الخير الكثير فكان هدية لنا من السماء ما تمنينا غيره .

قوله تعال:(وَعَسى أَن تُحِبّوا شَيئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُم)
-الحذر من محبوبات النفس وشهواتها لأن الهوى والشهوى مكمن الضر والهلاك إذا لم تُحكم بالدين.

قوله تعالى:(وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمونَ﴾
-عدم اليأس والقنوط مما يدور حولنا من أحداث،والثقة التامة بالله على أنه سيأتي الفرج ،وأن هذه الأحداث لحكمة ربانية لا يعلمها إلا الله .
-اتباع أوامر الله واجتناب نواهيه حتى لو لم تظهر لنا الحكمة لأن الله يعلم مافيه الخير لنا وما فيه الشر .
-لا بد من الاستخارة في جميع أمور الحياة، لأن علم الإنسان قاصر لا يعرف أين منفعته ؛فقد يظن أن ما وافق هواه فيه الخير وما نافره فيه الشر فيكون الأمر بالعكس تماماً؛فالله هو الذي يعلم ما فيه المصلحة والمنفعة والخير .

تساؤول:
-قد يتساءل الإنسان لماذا جعل الله الخير في الأمور المكروهة طبعاً،والشر في الأمور المحبوبة طبعاً ،لماذا لا تكون المحبوبات نافعة والمكروهات ضارة فنختار النافع السهل المحبوب ونترك المكروه الضار؟أجاب ابن عاشور على هذا السؤال من عدة وجوه:
-أن الله خلق النافع أكثر من الضار وجعل الإنسان مخير بعد أن أراه طريق الخير والشر لكن كثرة تداول الناس للضار جعلته كثيراً سهلاً متاحاً؛ فأصبح النفع قليل صعب لا ينال إلا بمشقة بالغة وأصبح مقياساً لتفاضل البشر فيما بينهم في الدنيا والآخرة.
-أن من سنة الله في خلقه وجود الصفات المتناقضة التي ينشأ منها صفة معتدلة فالشجاعة تأتي بين التهور والجبن والكرم بين الإسراف والبخل وهذه المعاني المتولدة الخيّرة تكون قليلة لأنها واحدة من شيئين نقيضين ،مما نتج عن قلتها عدم اعتياد في النفوس لهذه الصفات ؛فأصبحت صعبة عليها فيها مشقة لقلة اعتيادها .
-أن الله خلق النفع سهلاً كثيراً لكن سوء استخدام البشر له ووضعه في غير مكانه جعله ضاراً ؛فالله خلق العنب فيه نفع كبير لكن الإنسان صنع منه خمراً فتحول لضرر وهكذا .

التقويم : أ
أحسنتِ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 01:56 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir