بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وصلي اللهم على سيدنا محمد عبده ورسوله وعلى آله وصحبة الأخيار أما بعد :
فهذا تطبيق بسيط على الأسلوب البياني أسأل الله أن يسددنا لما فيه التوفيق والصواب , في قوله تعالى في معرض قصة إبراهيم في دعوة قومه وفي أول دعوة يدعوهم فيها إلى الله ويظهر عداوته لإصنامهم, فبدأ فيها بتعريفهم بالله تعالى الذي يستحق العبادة ونبذ كل عبادة لغير الله ثم ذكر أسباب استحقاقه بالعبادة ,فقال الله على لسان إبراهيم عليه السلام.
(الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ِالدين)(82)
- في قوله تعالى (الذي خلقني فهو يهدين) أتى باسم الموصول الذي نعت لله تعالى وفيها ما فيها من دلالة التعظيم لله تعالى والاهتمام به أمام قوم لا يعرفون غير عبادة الكواكب والأصنام وأنه المختص بفعل هذا دون غيره من المعبودات .
- عطف (فهو يهدين) على الموصول ليبين لهم أن الذي خلق الخلق هو الذي يتولى تدبير أمورهم وكذلك ليبين لهم أن خالقه هو الذي يستحق أن يخلص له العبادة,كقوله تعالى (إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض )
- عبر بقوله (فهو يهدين) ولم يقل ( فيهدين ) فقصر حصول الهداية إلا من عند الله ليبين اختصاصه بذلك ويبطل اعتقادهم في تصرف الأصنام في أحوال الناس .
- أتى بلفظ الهداية بصيغة المضارع ليبين أن الهداية متجددة وأنه يحتاج أليها في كل حين والله الذي يمده بها .
- أتى بالفاء تعقيب للخلق ليبين أن الهداية ملازمة للخلق فخلقه للعقل الذي يفرق به بين الخير والشر هو هداية له كقوله تعالى (الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ).
- قدم المسند إليه على الخبر الفعلي في قوله (والذي هو يطعمني ويسقين) وقوله (فهو يشفين) وذلك لإبطال اعتقاداتهم في تصرف آلهتهم في شيء من أمور الرزق والشفاء وغيره .
- في قوله تعالى (وإذا مرضت فهو يشفين )أتى ب إذا ليخلص الفعل للمستقبل لأنه لم يكن حينئذ مريضا بل إذا طرأ عليه المرض فليس غير الله يشفيه .
- في قوله (وإذا مرضت ) نسب المرض إلى نفسه تأدبا مع الله أن ينسب حصول الشر إليه تعالى فنسبها إلى الأسباب الظاهرة التي هو سبب فيها .
- في قوله تعالى (والذي يميتني ثم يحيين ) لم يأتي بأسلوب الحصر لأنهم كانوا يعلمون أن الموت والحياة ليست في تصرف الأصنام وإنما كان الموت والحياة بيد الله كاعتقاد مشركي العرب أو الطبيعة هي التي تفعل ذلك .
- في قوله تعالى (والذي أطمع أن يغفر لي ) عبر بقوله أطمع تأدبا مع الله ليخرج عن كون استحقاقه للمغفرة مع إن الله وعده بالمغفرة .
- قيد المغفرة بيوم الدين لأنه اليوم الذي يظهر فيه أثر العفو لأنه من الأمور الغيبية .
- بين إبراهيم عليه السلام في كلمات بسيطة موجزه أن أصول النعم من بداية الخلق للجسد والعقل وتكفل الله برزقه وحمايته مما يطرأ عليه وشفائه ثم موته وبعثه كلها بتصرف الله تعالى فأي آلهة تستطيع فعل ذلك فليس غير الله المستحق للعبادة .
- حذفت الياء من الكلمات (يهدين ,يسقين , يشفين, يحيين ) للتخفيف ومراعاة الفاصلة لإن غالب سورة الشعراء تنتهي بالنون .
والحمد لله رب العالمين