دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأهيل العالي للمفسر > منتدى الامتياز

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 9 محرم 1438هـ/10-10-2016م, 01:41 AM
هيئة الإدارة هيئة الإدارة غير متواجد حالياً
 
تاريخ التسجيل: Dec 2008
المشاركات: 29,544
افتراضي تطبيقات على درس الأسلوب البياني

تطبيقات على درس الأسلوب البياني
الدرس (هنا)

رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 محرم 1438هـ/11-10-2016م, 08:47 AM
كوثر التايه كوثر التايه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 787
افتراضي

الأسلوب البياني :
بين قوله تعالى : (قال فما خطبكم أيها المرسلون ،قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين ) –الذاريات
وقوله تعالى : ( فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل ) -هود
آية الذاريات جاءت ضمن سياق الحديث عن سيدنا ابراهيم عليه السلام ، وبشارته بالولد ، ثم سأل ضيوفه – الملائكة – قائلا فيما حكاه رب العزة جل وعلا : ( فما خطبكم أيها المرسلون )
وكان الرد : ( إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنزسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين)
وفي سورة هود جاءت الآية في سياق خبر قوم لوط ، بيان عاقبة تكذيبهم لرسولهم ومحاربته حتى قالوا فيه ومنه معه ( أخرجوهم من قريتكم إنهم أناس يتطهرون )
وهنا لنا وقفة في النظم القرآني بما يتناسب مع موضوع السورة وانتقاء اللفظ المتفق والغرض من إيراد القصة وعلاقته بموضوع السورة .
سورة الذاريات :
سورة مكية جاءت في موضوعها بتقوية علاقة القلب بالله ، وأنه سبحانه له الأمر والملك والتدبير ، ففي أمور الرزق علقت الخلق بالخالق الرزاق ، وكفلت أرزاق المكلفبن ( الانس والجن ) وبينت أن علة وجودهم العبادة ( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون)
وجاءت بلمحات سريعة عن القصص القرآني في ايراهيم والبشارة بالولد وقوم لوط وعاد وثمود وقوم نوح ، وكلها تحمل في طياتها التعلق بالله والركون إليه سبحانه .
قال صاحب الظلال : هذه السورة ذات جو خاص. فهي تبدأ بذكر قوى أربعة.. من أمر الله.. في لفظ مبهم الدلالة، يوقع في الحس لأول وهلة أنه أمام أمور ذات سر. يقسم الله - تعالى - على أمر : (والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع )
هذه السورة: بافتتاحها على هذا النحو، ثم بسياقها كله، تستهدف أمرا واضحا في سياقها كله.. ربط القلب البشري بالسماء; وتعليقه بغيب الله المكنون; وتخليصه من أوهاق الأرض، وإطلاقه من كل عائق يحول بينه وبين التجرد لعبادة الله، والانطلاق إليه جملة، والفرار إليه كلية، استجابة لقوله في السورة ، ففروا إلى الله ، وتحقيقا لارادته في عباده : ( وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون)
إلى أن قال –رحمه الله - : (فالقصص في السورة - على هذا النحو - مرتبط بموضوعها الأصيل. وهو تجريد القلب لعبادة الله، وتخليصه من جميع العوائق، ووصله بالسماء. بالإيمان أولا واليقين. ثم برفع الحواجز والشواغل دون الرفرفة والانطلاق إلى ذلك الأفق الكريم)

أما آيات سورة هود فهي مكية ، وجاءت في أشد فترات التضييق والأذى للرسول صلى الله عليه وسلم
قال صاحب الظلال : ( قال ابن اسحاق ، حدثني هشام بن عروة عن ابيه عروة بن الزبير ، قال : قال: لما نثر ذلك السفيه على رأس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذلك التراب، دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيته والتراب على رأسه، فقامت إليه إحدى بناته، فجعلت تغسل عنه التراب وهي تبكي. ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لها: "لا تبكي يا بنية، فإن الله مانع أباك" قال: ويقول بين ذلك : مانالت مني قريش شيئا أكره حتى مات أبو طالب )
وقال المقريزي في إمتاع الأسماع: فعظمت المصيبة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بموتهما، وسماه "عام الحزن" وقال : مانالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب .
ففي هذه الفترة نزلت سورة هود تحمل في طياتها طابع تلك الفترة ومدى تحدي قريش ، ملقية بظلالها على قلب النبي صلى الله عليه وسلم بالتثبيت والتبشير
. وقفة بين الآيتين :
-قال تعالى في سورة الذاريات ( لنرسل )
والارسال في اللغة مصدر أرسل ، أرسل بـ
فهو أرسل الشيء ، أرسل بالشيء
مثله : أرسل الكلام ، أرسل نفسه على سجيتها ، أرسلت شعرها

معنى نرسل في الآية : قال الطبري : للمطر عليهم من السماء حجارة
قال الطاهر بن عاشور : والإرسال الذي في قوله ( لنرسل عليهم حجارة من طين ) مستعمل في الرمي مجازا كما يقال : أرسل سهمه على الصيد ، وهذا الإرسال يكون بعد أن أصعدوا الحجارة إلى الجو وأرسلتها عليهم ، ولذلك سميت مطرا في بعض الآيات .
وحصل بين أرسلنا وبين لنرسل جناس لاختلاف معنى اللفظين) أ.ه
وجاء لفظ الارسال بصيغة اتحكي المستقبل أي أننا سنرسل عليهم حجارة من طين .
وفي سياق هذه الآية حوار مع سيدنا ابراهيم عليه السلام وهو الذي تلقى البشارة من الملائكة ، وسؤال ابراهيم لهم عن سبب ارسالهم ، واخبارهم عن قوم لوط ، وأن الله تعالى أرسلهم في شأن قوم لوط لارسال حجارة من طين عليهم ، ففي الآية ترفق بابراهيم لاستقبال الخبر ، ثم تلتها الآية التي تهدئ روع ابراهيم على لوط وأهله حتى سابق سؤال منه عليه السلام ، قال تعالى : ( فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين ، فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين ) وجاء الفعل ( أخرجنا * بالماضي لتحقيق وقوعه ، مع أن الملائكة لم تكن أتت لوط عليه السلام بعد ، وواضح من سياق قصة هود أن ذلك كان بعد قدوم الملائكة لابراهيم عليه السلام
وجاء لفط ( عليهم ) فيه ترفق بحال ابراهيم لبيان أنالحجارة ستصيب كل فرد كافر عاص وأن لوط وأهله في مأمن من العذاب ، وفي قوله تعالى : ( مسومة عند ربك للمسرفين ) بيان اختصاص المسرفين بالعذاب دون لوط ومن آمن معه
وجاء لفظ ( من طين ) تناسبا مع عليهم وفيها معنى أخف شدة من ( سجيل ) ، وسياق الآية فيه التعلق بالله تعالى وأنه منج المؤمنين مهلك العصاة
أقوال أهل العلم مابين لفظتي ( طين ، سجيل )
قال الزجاج في قوله تعالى : ( وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل ) قال الناس فيها أقوالا : ففي التفسير أنها من جل –سوق الزرع الذي أخذت سنابله – وهذا غير مناسب هنا ، وقال أهل اللغة : هو فارسي معرب ، والذي عندي أنه إذا كان هذاالتفسير صحيا ، فهو فارس أعرب لأن الله –جل وعز – قد ذكر الحجارة في قصة قوم لوط ( لنرسل عليهم حجارة من طين ) ، وقال بعضهم :سجيل من أسجله : أي :أرسلته ، فكأنها مرسلة عليهم ، وقال بعضهم : من سجيل : من أسجلت إذا أعطيتُ جعله من السَّجل ، وهو الدلو . وقيل من سجيل : أي مما كتب لهم ، وهذا القول إذا فُسر فهو أثبتها لأن الله تعالى قال : ( كلا إن كتاب الفجار لفي سجين )
وقال الراغب الأصفهاني : والسجيل حجر وطين مختلط أصله
وقال الفخر الرازي : اختلفوا في السجيل على أقوال :
1-أنه فارسي معرب
2-مثل السجل أي الدلو
3-السجيل الشديد من الحجارة
4-المرسلة عليهم وهو فعيل
5-من أسجلته إذا أعطيته ، وقيل كان كتب عليها أسامي المعذبين
6-هو من السجل ، وهو الكتاب ، أي كتب الله أن يعذبهم فيها
7-من سجيل أي من جهنم ، وأبدلت النون لاما
8-عند أبي زيد ، أي من السماء الدنيا وتسمى سجيلا
9-: اسجيل الطين ، لقوله تعاالى : حجارة من طين ) وهو قول عكرمة وقتادة ، قال الحسن : كان أصل الحجر هومن الطين ، إلا أنه صلب بمرور الزمان
10-السجيل : هو موضع الحجارة ، وهي جبال مخصوصة كقوله تعالى: جبال من برد)
وقال صاحب نظم الدرر : في الذاريات : ( حجارة من طين ) ذلك أن الحجارة أصلها من تراب ، يجعل الله فيه بواسطة الماء قابلية للاستحجار ، ككما جعل فيه قابلية التحول إلى المعدن من الذهب والفضة ، وغيرها ، فاعتبار الأصل أصله ، وياعتبار ألوه حجر وكبريت ونار ، ولعل حجر الكبريت أثقل الحجارة مع مافيه من قوة للنار ، ثم فخمها فقال ( عند ربك )
وقال الطاهر بن عاشور : فسر السجيل بواد في جهنم ،أي بحجارة كأنا من سجيل جهنم
وقال الشنقيطي : اختلف العلماء في المراد بالحجارة من سجيل اختلافا كثيرا ، والظاهر أنهاحجارة من طين في غاية الشدة والقوة ، والدليل على أن المراد بالسجيل : الطين ، قوله تعالى : ( لنرسل عليهم حجارة من طين ) ، كما أن بعض العلماء قال : السجيل والسجين اختان ، كلاهما الشديد من الحجارة ، وعلى هذا فمعنى ( من سجيل ) : أي من طين شديد القوة .
وفي سورة هود قال تعالى : ( وأمطرنا )
حيث بدأت القصة بتصوير قبح فعل قوم لوط حتى مع ضيوف لوط عليه السلام ،قال تعالى : ( ولما جاءت رسلنا لوطا سيء يهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب ) وهذه الآية تبين شدة ماكان فيه لوط عليه السلام من فعل قومه وقبحه خاصة أمام أضيافه ، وسبق هذا الوصف في قصة سيدنا ابراهيم عندما جادل الملائكة في قوم لوط ، قال تعالى : ياابراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك ، وإنهم آتيهم عذاب غير مردود ) وهاتين الآيتين مع تتمة سياق الحديث في قصة لوط عليه السلام : ( وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات ، قال ياقوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد ، قالوا لقد علمت مالنا في بناتك من حق وإنك لتعلم مانريد ، قال لو أن لي بكم قوة أو ءاوي إلى ركن شديد ) ... ثم تبدأ بداية نهايتهم : ( قالوا يالوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ، فأسر بأهلك بقطع من اليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم ، إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ) ثم يأتي وصف العذاب بكلمات موجزة وكأنها تصف سرعة ما حدث مع تعظيمه وهوله الذي بدأ في الآية قبلها ، ( فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود ، مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد )
وهنا تسدل الستار على أحداث هذه القرية مع نهاية مؤلمة وعقاب شديد ونصرة للوط عليه السلام وأهله .
وجاءت هذه الآيات في سياق بيان قوة الله وعظمته وتثبيتا للرسول صلى الله عليه وسلم وتهديدا لمن كذبه وعاداه ، فكانت كلماتها قوية تصب في هذا المعنى محددة الهدف والغاية .
قال تعالى : وأمطرنا : أمطر ، يُمطر ، إمطارًا، فهو مُمْطِر، والمفعول مُمْطَر (للمتعدِّي)
•أمطرت السَّماءُ: مطَرت؛ نزل مطرُها ، أمطرتنا السّحبُ وابلاً"|
•أمطره أصابه بالمَطَر، ومثله- {وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ}- {قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا}"|أمطره بكلام قاس: أنزل عليه كلامًا قاسيًا- أمطره وابلاً من الرَّصاص: أطلق عليه طلقاتٍ عديدة.
فجاء لفظ ( أمطرنا ) يخدم معنى الآية في أنه عمّ وكان فيه قوة ،وجاء بصيغة الماضي للتأكيد والثبات ،وجاء مقرونا بنون االتعظيم لبيان عظمة وقدرة الله عليهم الذي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء (وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظالمة إن اخذه أليم شديد ) ، جاء في آية النمل : (وأمطرنا عليهم مطرا فساء مطر المنذرين ) ونكّر المطر للتهويل والتعظيم ، فلفظ ( أمطرنا) فيه دليل على قوة العذاب أكثر مما يعطيه ( لنرسل ) الذي جاء يحكي المستقبل
( عليها ) على : يفيد النزول من علو ، وجاء الضمير عائدا على القرية ، لبيان شدة القوة والأخذ ، فهو شمل القرية بأكملها ، ولم يقل ( عليهم ) لأن ذلك يعني فردا فردا ، وقوة العذاب شملت القرية ، والآية في سياق القوة الالهية والتحذير والتهديد لكفار قريش
وجاء هنا بكلمة سجيل ، بدلا من ( طين ) لما تحمل هذه الكلمة من قوة وزيادة معنى عن
( الطين ) وأن كانا بينهما تقارب في المعنى إلا أنه ليس بترادف لأن كلمة السجيل فيها قوة أكثر من ( الطين ) وهذا يعطي وصف العذاب قوة أكبر وأكثر تأثيرا يتناسب مع هلاك القرية أجعمعها .

رد مع اقتباس
  #3  
قديم 10 محرم 1438هـ/11-10-2016م, 08:11 PM
هلال الجعدار هلال الجعدار غير متواجد حالياً
طالب علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 608
افتراضي تطبيقات على دورة أساليب التفسير. التطبيق الخامس : (الأسلوب البياني)

تطبيقات على دورة أساليب التفسير.
التطبيق الخامس : (الأسلوب البياني).
قوله تعالى في سورة الشرح: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا( 6)}،فيه تسع مسائل :
الأولى: معرفة نوع الفاء ومرادها. فالفاء هنا هى الفاء الفصيحة التي تفصح عن كلام مقدر يدل عليه الاستفهام التقريري هنا ، أي إذا علمت هذا وتقرر، ومرادها أن يُعلم أن اليسر مصاحب للعسر ، وهذا يقتضي نقض تأثير العسر وبطلان عمله.
الثانية: فائدة {إنَّ}. وفائدتها هى الاهتمام بالخبر.
الثالثة: مراد { مَعَ} . مع تدل على المصاحبة والمعية ، وهى هنا تستعمل في غير حقيقة معناها، لأن مصاحبة العسر لليسر مستحيلة ، فيتعين أن المعيّة مستعارة لقرب حصول اليسر عقب حلول العسر أو ظهور بوادره ، بقرينة استحالة المعنى الحقيقي للمعية .
الرابعة: هل أل التي في العسر للعهد أم للاستغراق؟ فإن كانت عهدية فيكون المعنى: أي العسر الذي عَهِدْتَه وعلمتَه.، وعلى هذا تكون السورة كلها مقصورة على بيان كرامة النبي صلى الله عليه وسلم عند ربه تعالى، وإن كانت للاستغراق فهذا يدل على أن كل عسر -وإن بلغ من الصعوبة ما بلغ- فإنه في آخره التيسير ملازم له.
الخامسة: معنى العسر. العسر هو المشقة في تحصيل المرغوب والعملِ المقصود.
السادسة: دلالة تعريف العسر وتنكير اليسر في الآيتين. تعريف "العسر" يدل على أنه واحد، وتنكير"اليسر"يدل على تكراره، ولن يغلب عسر يسرين، كما روى ابن جرير عن يونس ومعمر عن الحَسَن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لما نزلت هذه الآية: {فإن مع العسر يسراً}قال رسول الله صلى الله عليه وسلم"أبشروا أتاكم اليسر لن يغلب عسر يسرين"وهذا يقتضي أن الآية غير خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم بل تعمّه وأمته .
السابعة: معنى اليسر: اليسر ضد العسر وهو : سهولة تحصيل المرغوب وعدم التعب فيه.
الثامنة : فائدة تأكيد الجملة الثانية للأولى.فائدة هذا التأكيد تحقيق اطراد هذا الوعد وتعميمه لأنه خبر عجيب، وهو تأكيد للحكم الذي تضمنه الخبروهو ثبوت التحاق اليسر بالعسر عند حصوله.
التاسعة: الفائدة العظمى من هاتين الآيتين.وهى جعل الرجاء أعظم من الخوف، {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا}.
هذا ما يسره الله وفتح به ، فله الحمد في الأولى والآخرة.

رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11 محرم 1438هـ/12-10-2016م, 09:06 AM
فاطمة الزهراء احمد فاطمة الزهراء احمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,051
افتراضي

{ سُبْحَانَ ٱلَّذِى أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ إِلَىٰ ٱلْمَسْجِدِ ٱلأَقْصَا ٱلَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَآ إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلبَصِيرُ (1)}
يمجد تعالى نفسه ، ويعظم شأنه ، لقدرته على ما لا يقدر عليه أحد سواه ، فلا إله غيره.
و"سبحان" اسم بمعنى التسبيح الذي هو التنزيه وقد يستعمل علما له فيقطع عن الإضافة ويمنع عن الصرف قال :
قد قلت لما جاءني فخره . . . سبحان من علقمة الفاخر

والافتتاح بكلمة التسبيح من دون سبق كلام متضمن ما يجب تنزيه الله عنه ؛ يؤذن بأن خبرا عجيبا يستقبله السامعون دالا على عظيم القدرة من المتكلم ، ورفيع منزلة المتحدث عنه .
ولما كان هذا الكلام من جانب الله تعالى والتسبيح صادرا منه ؛ كان المعنى تعجيب السامعين ; لأن التعجيب مستحيلة حقيقته على الله ؛ لا لأن ذلك لا يلتفت إليه في محامل الكلام البليغ لإمكان الرجوع إلى التمثيل ، مثل مجيء الرجاء في كلامه تعالى نحو لعلكم تفلحون ، بل لأنه لا يستقيم تعجب المتكلم من فعل نفسه ، فيكون معنى التعجيب فيه من قبيل قولهم : أتعجب من قول فلان كيت وكيت .
وأصل صيغ التسبيح هو كلمة سبحان الله التي نحت منها السبحلة ، ووقع التصرف في صيغها بالإضمار نحو : سبحانك وسبحانه ، وبالموصول نحو سبحان الذي خلق الأزواج كلها ومنه هذه الآية .

وفائدة التعبير عن الذات العلية بطريق الموصول دون الاسم في في الآية الكريمة :
هو للتنبيه على ما تفيده صلة الموصول من الإيماء إلى وجه هذا التعجيب والتنويه وسببه ، وهو ذلك الحادث العظيم والعناية الكبرى ، ويفيد أن حديث الإسراء أمر فشا بين القوم ، فقد آمن به المسلمون ، وأكبره المشركون .
و"أسرى ) لغة في سرى ، بمعنى سار في الليل ، فالهمزة هنا ليست للتعدية ; لأن التعدية حاصلة بالباء ، بل ( أسرى ) فعل مفتتح بالهمزة مرادف سرى ، وهو مثل أبان المرادف ( بان ) ، ومثل أنهج الثوب بمعنى ( نهج ) أي بلي ، فـ أسرى بعبده بمنزلة ذهب الله بنورهم .
و" أسرى "فيه لغتان: سرى ،وأسرى مثل : سقى وأسقى
وقيل : أسرى سار من أول الليل ، وسرى سار من آخره ; والأول أعرف .
ومعنى " الباء " في قوله " بعبده "
ذكر المبرد والسهيلي نكتة في التفرقة بين التعدية بالهمزة والتعدية بالباء : بأن الثانية أبلغ ; لأنها في أصل الوضع تقتضي مشاركة الفاعل المفعول في الفعل ، فأصل ذهب به أنه استصحبه ، كما قال تعالى وسار بأهله ، وقالت العرب : أشبعهم شتما ، وراحوا بالإبل ، وفي هذا لطيفة تناسب المقام هنا إذ قال أسرى بعبده دون سرى بعبده ، وهي التلويح إلى أن الله تعالى كان مع رسوله في إسرائه بعنايته وتوفيقه ، كما قال تعالى فإنك بأعيننا ، وقال إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا .
فالمعنى : الذي جعل عبده مسريا ، أي ساريا ، وهو كقوله تعالى فأسر بأهلك بقطع من الليل .
ودلالة وصف النبي صلى الله عليه وسلم بصفة العبودية هنا:
قال العلماء : لو كان للنبي - صلى الله عليه وسلم - اسم أشرف منه لسماه به في تلك الحالة العلية . وفي معناه أنشدوا :
يا قوم قلبي عند زهراء ****يعرفه السامع والرائي 
لا تدعني إلا بيا عبدها ****فإنه أشرف أسمائي
قال القشيري : لما رفعه الله - تعالى - إلى حضرته السنية ، وأرقاه فوق الكواكب العلوية ، ألزمه اسم العبودية تواضعا للأمة.
ومرجع الضمير في قوله " بعبده"
هنا هو محمد صلى الله عليه وسلم كما هو مصطلح القرآن ، فإنه لم يقع فيه لفظ العبد مضافا إلى ضمير الغيبة الراجع إلى تعالى إلا مرادا به النبي صلى الله عليه وسلم ؛ ولأن خبر الإسراء به إلى بيت المقدس قد شاع بين المسلمين ، وشاع إنكاره بين المشركين ، فصار المراد بعبده معلوما .
ومعنى الإضافة في في قوله " بعبده"
هي إضافة تشريف لا إضافة تعريف ; لأن وصف العبودية لله متحقق لسائر المخلوقات فلا تفيد إضافته تعريفا .
وانتصب ( ليلا ) على الظرف ، ومعلوم أن السرى لا يكون في اللغة إلا بالليل ، ولكنه ذكر على سبيل التوكيد . وقيل : يعني في جوف الليل فلم يكن إدلاجا ولا ادلاجا .
وفائدة تنكير ليلا كما قال الزمخشري : أراد بقوله : ( ليلا ) بلفظ التنكير تقليل مدة الإسراء ، وأنه أسرى به في بعض الليل من مكة إلى الشام مسيرة أربعين ليلة ، وذلك أن التنكير فيه قد دل على معنى البعضية ، ويشهد لذلك قراءة عبد الله وحذيفة من الليل أي : بعض الليل كقوله : ( ومن الليل فتهجد به ) على الأمر بالقيام في بعض الليل .

والمراد " بالمسجد الحرام في قوله " من المسجد الحرام "
قال أنس بن مالك : أراد المسجد المحيط بالكعبة نفسها، ورجحه الطبري ، وقال: هو الذي يعرف إذا ذكر هذا الاسم، وروى الحسن بن أبي الحسن عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "بينما أنا عند البيت بين النائم واليقظان"، وذكر عبد بن حميد الكشي في تفسيره، عن سفيان الثوري أنه قال: أسري بالنبي صلي الله عليه وسلم من شعب أبي طالب. وقالت فرقة: "المسجد الحرام" مكة كلها، واستندوا إلى قوله تعالى: لتدخلن المسجد الحرام ، وعظم المقصد هنا إنما هو مكة. وروى بعض هذه الفرقة عن أم هانئ أنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء في بيتي، وروي بعضها عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "خرج سقف بيتي"، وهذا يلتئم مع قول أم هانئ رضي الله عنها

وأصل المسجد : أنه اسم مكان السجود ، وأصل الحرام : الأمر الممنوع ؛ ولأنه مشتق من الحرم بفتح فسكون وهو المنع ، وهو يرادف الحرم ، فوصف الشيء بالحرام يكون بمعنى أنه ممنوع استعماله استعمالا يناسبه ، نحو حرمت عليكم الميتة أي أكل الميتة .
والحرام : فعال بمعنى مفعول ، كقولهم : امرأة حصان ، أي ممنوعة بعفافها عن الناس .

و"المسجد الأقصى" مسجد بيت المقدس، وسماه "الأقصى" أي في ذلك الوقت، كان أقصى بيوت الله الفاضلة من الكعبة، ويحتمل أن يريد بـ "الأقصى": البعيد، دون مفاضلة بينه وبين سواه، ويكون المقصد إظهار العجب في الإسراء إلى هذا البعد في ليلة.

وفائدة ذكر مبدأ الإسراء ونهايته بقوله من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى أمران : أحدهما التنصيص على قطع المسافة العظيمة في جزء ليلة ; لأن كلا من الظرف وهو ليلا ومن المجرورين من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى قد تعلق بفعل أسرى ، فهو تعلق يقتضي المقارنة ، ليعلم أنه من قبيل المعجزات .
وثانيهما الإيماء إلى أن الله تعالى يجعل هذا الإسراء رمزا إلى أن الإسلام جمع ما جاءت به شرائع التوحيد والحنيفية من عهد إبراهيم عليه الصلاة والسلام الصادر من المسجد الحرام إلى ما تفرع عنه من الشرائع التي كان مقرها بيت المقدس ثم إلى خاتمتها التي ظهرت من مكة أيضا ، فقد صدرت الحنيفية من المسجد الحرام ، وتفرعت في المسجد الأقصى ، ثم عادت إلى المسجد الحرام ، كما عاد الإسراء إلى مكة ; لأن كل سرى يعقبه تأويب ، وبذلك حصل رد العجز على الصدر . كما ذكر ابن عاشور.

ومعنى البركة في قوله : الذي باركنا حوله "
والبركة : نماء الخير ، والفضل في الدنيا والآخرة بوفرة الثواب للمصلين فيه بإجابة دعاء الداعين فيه .
والبركة حوله من جهتين: إحداهما النبوة والشرائع والرسل الذين كانوا في ذلك القطر وفي نواحيه ونواديه، والأخرى النعم من الأشجار والمياه والأرض المفيدة التي خص الله الشام بها، وروي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال: "إن الله بارك فيما بين العريش إلى الفرات، وخص فلسطين بالتقديس".
وكون البركة حوله كناية عن حصول البركة فيه بالأولى ; لأنها إذا حصلت حوله فقد تجاوزت ما فيه ، ففيه لطيفة التلازم ، ولطيفة فحوى الخطاب ، ولطيفة المبالغة بالتكثير.

وفي فائدة تغيير الأسلوب من الغيبة التي في اسم الموصول وضميريه إلى التكلم في قوله باركنا . . . ولنريه من آياتنا سلوك لطريقة الالتفات المتبعة كثيرا في كلام البلغاء، والالتفات هنا امتاز بالطائف : منها أنه لما استحضرت الذات العلية بجملة التسبيح ، وجملة الموصولية صار مقام الغيبة مقام مشاهدة فناسب أن يغير الإضمار إلى ضمائر المشاهدة ، وهو مقام التكلم .
ومنها الإيماء إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم عند حلوله بالمسجد الأقصى قد انتقل من مقام الاستدلال على عالم الغيب إلى مقام مصيره في عالم المشاهدة.
ومنها التوطئة والتمهيد إلى محمل معاد الضمير في قوله إنه هو السميع البصير ، فيتبادر عود ذلك الضمير إلى غير من عاد إليه ضمير نريه ; لأن الشأن تناسق الضمائر ؛ ولأن العود إلى الالتفات بالقرب ليس من الأحسن . كما ذكر ابن عاشور.

وقوله : "لنريه من آياتنا" تعليل الإسراء بإرادة إراءة الآيات الربانية ، تعليل ببعض الحكم التي لأجلها منح الله نبيه منحة الإسراء ، فإن للإسراء حكما جمة تتضح من حديث الإسراء المروي في الصحيح ، وأهمها وأجمعها إراءته من آيات الله تعالى ، ودلائل قدرته ورحمته ، أي لنريه من الآيات فيخبرهم بما سألوه عن وصف المسجد الأقصى .
ولام التعليل "لا تفيد حصر الغرض من متعلقها في مدخولها ، وإنما اقتصر في التعليل على إراءة الآيات ; لأن تلك العلة أعلق بتكريم المسرى به ، والعناية بشأنه ; لأن إراءة الآيات تزيد يقين الرائي بوجودها [ ص: 21 ] الحاصل من قبل الرؤية ، قال تعالى وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض وليكون من الموقنين .
و المراد بالآيات في قوله " لنريه من آيَاتِنَا "
فيها قولان: أحدهما: أن الآيات التي أراه في هذا المسرى أن أسرى به من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى في ليلة ، وهي مسيرة شهر.
الثاني: أنه أراه في هذا المسرى آيات. وفيها قولان: أحدهما: ما أراه من العجائب التي فيها اعتبار.
الثاني: من أري من الأنبياء حتى وصفهم واحدا واحدا.
ومرجع الضمير في قوله " إنه هو السميع البصير "
قيل : أن الضميرين عائدان إلى النبيء صلى الله عليه وسلم ، ورجحه ابن عطية ، واستقربه الطيبي ، ولكن جمهرة المفسرين على أنه عائد إلى الله تعالى ، ولعل احتماله للمعنيين مقصود .
ثم إن الصفتين على تقدير كونهما للنبي صلى الله عليه وسلم هما على أصل اشتقاقهما ; للمبالغة في قوة سمعه وبصره ، وقبولهما لتلقي تلك المشاهدات المدهشة ، على حد قوله تعالى ما زاغ البصر وما طغى ، وقوله أفتمارونه على ما يرى .
وأما على تقدير كونهما صفتين لله تعالى فالمناسب أن تؤولا بمعنى المسمع المبصر ، أي القادر على إسماع عبده وإبصاره ، كما في قول عمرو بن معد يكرب :
أمن ريحانة الداعي السميع أي : المسمع . كما ذكر ابن عاشور.
واستدل الجمهور بأن الامتنان في هذه الاية الكريمة وتكذيب قريش بذلك دليلان على أنه ما كان الإخبار به إلا على أن الإسراء بالجسد ، واتفق الجميع على أن قريشا استوصفوا من النبيء صلى الله عليه وسلم علامات في بيت المقدس ، وفي طريقه ; فوصفها لهم كما هي ، ووصف لهم عيرا لقريش قافلة في طريق معين ، ويوم معين فوجدوه كما وصف لهم . كما ذكر ابن عاشور.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .

رد مع اقتباس
  #5  
قديم 11 محرم 1438هـ/12-10-2016م, 01:43 PM
هناء هلال محمد هناء هلال محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 663
افتراضي

رسالة في تفسير قوله (القارعة (1) ما القارعة (2) وما أدراك ما القارعة(3) )
سورة القارعة سورة مكية تتحدث عن حقيقة القارعة ، وما يقع فيها من أهوال عظام ، وما ينتهي إليه الأمر يوم القيامة .
والقارعة لفظ يوحي بالقرع واللطم ، فهي تقرع القلوب بهولها ، وتمهد لما ينتهي إليه المشهد من حساب وجزاء ، لذا كان من بديع التصور تسمية يوم القيامة بالقارعة ، فمطلع السورة قصده التعظيم لموضوع الخطاب ، والتخويف لمتلقيه .
قوله تعالى : (القارعة)
القارعة وصف من القرع ، وهو ضرب جسم بآخر بشدة لها صوت ، وأطلق القرع مجازا على الصوت الذي يتأثر به السامع خوفا أو اتعاظا .
وهو افتتاح مهول ، وفيه تشويق إلى معرفة ما سيخبر به ، وقد جاءت الكلمة مفردة تلقي بجرسها الإيحاء بعظمة هذا اليوم .
وقد جاء لفظ القارعة مناسبا لما تحويه السورة من أحداث من عدة وجوه :
1- يحتمل أن تكون مبتدأ والجملة الاستفهامية بعده خبر ، ويحتمل أن تكون مستقلة تركيبا ، وهذا هو الأنسب لمقصدها وهو التهويل لما فيه من آثار التوتر ، فالإنسان مفطور على ترقب المسند كلما وقع في سمعه مسند إليه ، وتأجيل ذكره وعدم حصوله يفضي إلى زيادة مدة التوتر .
2- صيغة التأنيث في اسم الفاعل في العربية تخصص لما هو مخيف وشديد فنقول : داهية ، وقاصمة وغيرها .

قوله (ما القارعة؟)
ما : استفهامية ، والاستفهام لاستئناف التهويل والتعظيم .
وإعادة لفظ القارعة إظهار في مقام الإضمار ، لما في لفظ القارعة من التهويل والترويع ، واستدامة التوتر بهذا السؤال ، فلم يحصل المتلقي على جواب ، وإنما يكون واقعا تحت وطأة السؤال مرتين .

قوله (وما أدراك ما القارعة؟)
ما : استفهامية ، وفي الاستفهام زيادة تهويل وتعظيم لحقيقتها ، فهي أكير من أن يحيط بها الإدراك وأن يلم بها التصور ، واستدامة للتوتر ، فلم يحصل إخبار أيضا ، وإنما سؤال لتأجيج الشوق إلى ما سوف يأتي .
وقد جاءت القارعة في خواتم الفواصل الثلاثة ، وتكرر معها أسلوب الاستفهام ، وقد اجتمع في الآيات من أساليب التهويل ما لا يجتمع في الكلام عادة ،
ومن هذه الأساليب :
1- الجرس
2- الصيغة
3- الحذف
4- التكرار
5- الاستفهام
6- تأجيل الخبر
7- الإظهار موضع الإضمار
8- المواجهة بالخطاب

رد مع اقتباس
  #6  
قديم 11 محرم 1438هـ/12-10-2016م, 03:09 PM
أمل يوسف أمل يوسف غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 570
افتراضي

رسالة تفسيرية فى بيان معنى قوله تعالى{خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين}

عن الإمام جعفر الصادق :ليس فى القرآن آية أجمع لمكارم الأخلاق منها
فالأخلاق ثلاثة بحسب القوى الإنسانية: عقلية،وشهوية،وغضبية ؛فالعقلية :الحكمة ومنها الأمر بالمعروف
والشهوية :العفة ومنها أخذ العفو
والغضبية :الشجاعة ومنها الإعراض عن الجاهلين
قال القاضي أبو بكر بن العربي في أحكام القرآن :قال علماؤنا :هذه الآية من ثلاث كلمات ،قد تضمنت قواعد الشريعة فى المأمورات والمنهيات حتى لم يبق فيها حسنة إلا أوعتها ولا فضيلة إلا شرحتها ولاأكرومة إلا افتتحتها وأخذت الكلمات الثلاث أقسام الإسلام الثلاثة:
--فقوله:{خذ العفو} تولى بالبيان جانب اللين ونفى الحرج فى الأخذ والإعطاء والتكليف
وقوله{وأمر بالعرف} تناول جميع المامورات والمنهيات وأنهما ما عرف حكمه واستقر فى الشريعة موضعه واتفقت القلوب على علمه
وقوله{وأعرض عن الجاهلين} تناول جانب الصفح بالصبر الذي يتأتى للعبد به كل مراد فى نفسه وغيره ولوشرحنا ذلك على التفصيل لكان أسفارا
ومن مباحث البلاغة في هذه الكلمات الثلاث من المعاني العالية هو من إعجاز إيجاز القرآن الذي لا مطمع فى مثله لإنس او جان والله اعلم.

وسنبين بحول الله تعالى بعضا من المعانى البيانية فى هذه الآية العظيمة الشأن :
فى قوله {خذ العفو}:الأخذ حقيقته تناول شىء للانتفاع به أو لإضراره واستعمل هنامجازا للتلبس بالوصف والفعل من بين أفعال لو شاء تلبس بها ؛فشبه ذلك التلبس واختياره على تلبس آخر بأخذ شىء من بين عدة أشياء ؛فمعنى {خذ العفو}أى عامل به واجعله وصفا ولا تتلبس بضده
ومنه قول الشاعر:
خذي العفو منى تستديمى مودتى ......ولا تنطقى فى سورتى حين أغضب
والعفو :الصفح عن ذنب المذنب وعدم مؤاخذته بذنبه وقد عمت الآية صور العفو كلها :لأن التعريف فى العفو تعريف الجنس فهو مفيد للإستغراق ولا يخرج عن هذا العموم من أنواع العفو أزمانه وأحواله إلا ما أخرجته الأدلة الشرعية مثل العفو عن القاتل غيلة ومثل العفو عن انتهاك حرمات الله وفى قوله {وأمر بالعرف }ضابط عظيم لمقدارتخصيص الأمر بالعفو.

و{العرف}اسم مرادف للمعروف من الأعمال وقد دل عليه قول النابغة:
فلا النكر معروف ولا العرف ضايع....فقابل النكر بالعرف
والإجتزاء بالأمر بالعرف عن النهى عن المنكر من الإيجاز ولأنه الأهم فى الدعوة ولو كانت الدعوة مبتدأة بالنهى عن المنكر لنفرت النفس وملَ الداعي ،ويدخل فى الأمر بالعرف التحلى به والتخلق بخلقه لأن شأن الىمر بالشىءأن يكون متصفا به وإلا فقد تعرض للاستخفاف كما قال أبو الأسود :
يأيها الرجل المعلم غيره ....هلا لنفسك كان ذا التعليم
والتعريف فى {العرف }كالتعريف فى العفو يفيد الإستغراق،وحذف مفعول الأمر لإفادة عموم المأمورين.
والإعراض :إدارة الوجه عن النظر للشىء مشتق من العارض وهو الخد وهو مستعار لعدم المؤاخذة بما يسوء من أحد ؛فشبه عدم المؤاخذة على العمل بعدم الإلتفات إليه فى كونه لا يترتب عليه أثر العلم به لأن شن العلم به ان تترتب عليه المؤاخذة.
والجهل :ضد الحلم والرشد وهو أشهر إطلاق الجهل فى كلام العرب قبل الإسلام فالمراد بالجاهلين السفهاء كلهم لان التعريف فيه للإستغراق وأعظم الجهل الإشراك ،إذ اتخاذ الحجر إلها سفاهة لا تعدلها سفاهة ،ثم يشمل كل سفيه رأي وكذلك فهم منها الحر بن قيس فقد ورد فى حديث الحر بن قيس حين أدخل عيينة بن حصن على عمر فكلم عمر كلاما فيه غلظة فأراد عمر أن يهم به فتلا الحر هذه الآية على عمر فقررها ووقف عنده .
وهذه بعض نقولات لأقوال أهل التفسير في معنى الآية:
قال القاسمي:خذ العفو أى مكان الغضب ليكونوا أقبل للنصيحة ،وأمر بالعرف أى بالجميل المستحسن من الافعال فإنها قريبة من قبول الناس من غير نكير ،ولما كان الناصح لغيره كالمعرض لعدوانهم ثلث بما يحتاج إليه فى ذلك فقال واعرض عن الجاهلين أى المصرين على جهلهم فلا تكافىء السفهاء بمثل سفههم ولا تمارهم واحلم عنهم وأغض على ما يسوؤك منهم.

قال بعض العلماء:إن سر الشريعة فى الطباع والعادات ،وهو تأييد المستحسن ومحو المستقبح وإليه الإشارة بقوله {وأمر بالمعروف وانه عن المنكر} فإن المعروف ما عرفته الطباع السليمة واستحسنته والمنكر ما انكرته واستقبحته ،ذلك لأن غاية الشريعة راحة الخلق على حال ونظام معقولين فلا يصح الحكم بتوحيد العادات فى كل البلاد .

قال ابن حيان :والعرف:المعروف والجميل من الأفعال والأقوال،والإعراض عن الجاهلين حض على التخلق بالحلم والتنزه عن منازعة السفهاء وعلى الإغضاء عما يسوء كقول من قال : إن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله وقول الآخر أن كان ابن عمتك وكالذى جذب رداءه حتى حز فى عنقه وقال أعطنى من مال الله.

وخرج البزار فى مسنده من حديث جابر بن سليم ما وصاه به الرسول صلى الله عليه وسلم {اتق الله ولا تحقرن من المعروف شيئا وأن تلقى أخاك بوجه منبسط وأن تفرغ من فضل دلوك فى إناء المستسقى وإن امرؤ سبك بما لا يعلم منك فلا تسبه بما تعلم فيه فإن الله جاعل لك أجرا وعليه وزرا ولا تسبن شيئا مما خولك الله}

قال مجاهد :يعني خذ العفو من أخلاق الناس وأعمالهم من غير تجسس وذلك مثل قبول الإعتذار والعفو المتساهل وترك البحث عن الأشياء ونحو ذلك
روي أنه لما نزلت هذه الآية {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين }قال الرسول لجبريل :ما هذا؟ قال:لا ادري حتى أسأل ثم رجع فقال:إن الله يأمر أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك}.

قال العلماء :تفسير جبريل مطابق للفظ الآية ؛لأنك إن وصلت من قطعك فقد عفوت عنه وإن أعطيت من حرمك فقد أتيت بالمعروف وإذا عفوت عمن ظلمك فقد أعرضت عن الجاهلين.


وقد أحسن الزمخشري عفا الله عنه فى تصويره معنى العفو بما تعطيه اللغة فقال:والعفو ضد الجهد،أى خذ ما عفا لك من أفعال الناس وأخلاقهم وما أتى منهم وتسهل من غيركلفة ولا تداقهم ولا تطلب منهم الجهد وما يشق عليهم حتى ينفروا كقوله صلى الله عليه وسلم {يسروا ولا تعسروا}

هذا ما تيسر لى والحمد لله رب العالمين.

رد مع اقتباس
  #7  
قديم 11 محرم 1438هـ/12-10-2016م, 04:44 PM
مضاوي الهطلاني مضاوي الهطلاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 864
افتراضي

قال تعالى : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد : 24]

يقول تعالى آمرا بتدبر القرآن وتفهمه ، وناهيا عن الإعراض عنه ، فقال : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )
فيها خمس وقفات
أولا :اعرابها:
( الهمزة) استفهام ، قيل للتعجب، وقيل للتوبيخ ،وقيل : انكاري .
(الفاء) عاطفة- أو استئنافيّة
(لا) نافية
(يَتَدَبَّرُونَ) مضارع مرفوع والواو فاعله
(الْقُرْآنَ) مفعول به والجملة مستأنفة
(أم) للإضراب الانتقالي . والمعنى : بل على قلوبهم أقفال وهذا الذي سلكه جمهور المفسرين وهو الجاري على كلام سيبويه في قوله تعالى : { أفلا تبصرون أمْ أنا خير من هذا الذي هو مهين } في سورة الزخرف ( 51 ، 52 ( ، خلافاً لما يوهمه أو توهمه ابن هشام في مغني اللبيب .
وقيل (أم )هي على حقيقتها للاستفهام واقعة والهمزة أخذت مكانها وهو الصدر.
(على قلوب) متعلّق بخبر مقدّم للمبتدأ (أقفالها) .
جملة: «لا يتدبّرون ... » لا محلّ لها معطوفة على استئناف مقدّر أي
أغفلوا فلا يتدبّرون ... - أو هي استئنافيّة-
وجملة: «على قلوب أقفالها ... » لا محلّ لها استئنافيّة

ثانياً:معاني المفردات:
(الهمزة) : تفيد الحض والحث على التدبر.
والتدبر : التفهم في دُبر الأمر ، أي ما يخفى منه وهو مشتق من دبر الشيء ، أي خلفه .
(ٱلْقُرْآنَ ..) هو كلام الله المنزل على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم ، المتعبد بتلاوته وهو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم .
والأقفال: جمع قفل- بضم فسكون- وهو الآلة التي تقفل بها الأبواب وما يشبهها،
وقرأ العامة: "أقْفَالُها" بالجمع على أَفْعَالٍ. وقرىء أَقْفُلُهَا (بالجمع) على أفْعل. وقرىء إِقْفَالُهَا بكسر الهمزة مصدراً كالإقبال.
ثالثاً:المعنى الإجمالي للآيات
(أفلا يتدبرون القرآن)) أي ألا يتفكرون في آيات القرآن وفي مواعظه وزواجره وأصل التدبر التفكر في عاقبة الشيء وما يؤول إليه أمره. وتدبر القرآن لا يكون إلا مع حضور القلب وجمع الهم وقت تلاوته ((أم على قلوب اقفالها))أي : أم اغلقت بالاقفال فلا يدخلها خير ولا تصل إليها موعظة، أقفلها الله عز وجل عليهم فهم لا يعقلون، قال مقاتل: يعني الطبع على القلوب والأقفال استعارة لانغلاق القلب عن معرفة الحق،
قال ابن عاشور : وجعل القفل مثلاً لكل مانع للإنسان من تعاطي فعل الطاعة. يقال: فلان مقفل عن كذا، بمعنى ممنوع منه.
وروى البغوي بإسناد الثعلبي، عن عروة بن الزبير قالا: "تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها فقال شاب من أهل اليمن: بل على قلوب أقفالها حتى يكون الله يفتحها أو يفرجها فما زال الشاب في نفس عمر حتى ولي فاستعان به" هذا حديث مرسل وعروة بن الزبير تابعي من كبار التابعين وأجلهم لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ولد سنة اثنتين وعشرين وقيل غير ذلك.
رابعاً:الصور البلاغية في الآية
أولا : من قال : أن الاستفهام انكاري فإنه يفيد النفي وكونه داخلا على نفي فهو نفي له فصار إثباتاً لان نفي النفي اثبات.
( يتدبرون) جاء بصيغة المضارع ليفيد التجدد والاستمرار.
فكان كأنه قيل: هل يجددون التدبر تجديداً مستمراً لترق قلوبهم به وتنير
بصائرهم له، فيكفوا عن الإفساد والتقطيع.
( القرآن ) القرآن اسم لكلام الله تعالى ، وهو بمعنى المقروء ، كالمشروب يسمى شرابا ، والمكتوب يسمى كتابا ، وعلى هذا قيل : هو مصدر قرأ يقرأ قراءة وقرآنا بمعنى . قال الشاعر :
ضحوا بأشمط عنوان السجود به يقطع الليل تسبيحا وقرآنا
أي: قراءة
وجاء التعبير بلفظ قرآن وليس كتاب لأنه يناسب التدبر فالتدبر يتأتى مع القراءة ،
(أم) وأم منقطعةٌ وما فيها من معنى بلْ للانتقالِ من التوبـيخِ بعدمِ التدبرِ إلى التوبـيخِ بكونِ قلوبهم مقفلةً لا تقبلُ التدبرَ والتفكرَ. والهمزةُ للتقريرِ
والأقفال : جمع قُفْل ، وهو استعارة مكنية إذ شبهت القلوب ، أي العقول في عدم إدراكها المعاني بالأبواب أو الصناديق المغلقة ، أو كالبيت المُقفَل لا يَصِلُ إِليه الهُدى. والأقفال تخييل كالأظفار للمنية في قول أبي ذؤيب الهذلي :
وإذا المنية أنشبت أظفارها ... ألفيت كل تميمة لا تنفع
ذكره ابن عاشور في تفسيره
قال القرطبي :وأصل القَفْل اليُبْس والصلابة. ويقال لما يبس من الشجر: القَفْل. والقفيل مثله. والقَفِيل أيضاً نبت. والقفِيل: الصوت. قال الراجز:
لما أتاك يابساً قِرْشَباً قمت إليه بالقفِيل ضربا
كيف قَرَيْتَ شَيْخَك الأَزَبّا
القِرْشَبُّ (بكسر القاف) المسِنّ؛ عن الأصمعي. وأقفله الصوم أي أيبسه؛قاله القشيريّ والجوهريّ. فالأقفال هاهنا إشارة إلى ارتتاج القلب وخلوّه عن الإيمان. أي لا يدخل قلوبهم الإيمان ولا يخرج منها الكفر؛ لأن الله تعالى طبع على قلوبهم.
وتنكير { قلوب } للتنويع أو التبعيض ، أي على نوع من القلوب أقفال . والمعنى : بل بعض القلوب عليها أقفال . وهذا من التعريض بأن قلوبهم من هذا النوع لأن إثبات هذا النوع من القلوب في أثناء التعجيب من عدم تدبر هؤلاء القرآن يدل بدلالة الالتزام أن قلوب هؤلاء من هذا النوع من القلوب ذواتتِ الأقفال . فكون قلوبهم من هذا النوع مستفاد من الإضراب الانتقالي في حكاية أحوالهم . ويدنو من هذا قولُ لبيد :
تَرَّاك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يَعتلقْ بعضَ النفوس حِمامها
يريد نفسه لأنه وقع بعد قوله : تَرَّاك أمكنة البيت ، أي أنا تراك أمكنة .ذكره ابن عاشور
وقيل : التنكير يحتمل أن يكون للتنبيه على كون موصوفاً لأن النكرة بالوصف أولى من المعرفة فكأنه قال: أمْ عَلَى قُلُوبٍ قاسيةٍ أو مظلمةٍ.ذكره الزمخشري
وقيل :تنكيرُ القلوب لتهويلِ حالِها وتفظيعِ شأنِها بإبهامِ أمرِها في القساوةِ والجهالةِ كأنَّه قيلَ على قلوبٍ منكَرةٍ لا يعرفُ حالُها ولا يُقادرُ قدرُها في القساوةِ .ذكره ابو السعود
قال مجاهد]: الرّان أيسرُ من الطَّبْع، والطَّبْع أيسرُ من الإِقفال، والإِقفال أشَدُّ ذلك كُلِّه. وقال خالد بن معدان: مامِنْ آدميٍّ إِلاّ وله أربعُ أعيُنٍ، عَيْنان في رأسه لدُنياه وما يُصْلِحه من معيشته، وعَيْنان في قَلْبه لِدِينه وما وَعَد اللهُ من الغَيْب، فإذا أراد اللهُ بعبد خيراً أبصرتْ عيناه اللتان في قلبه، وإِذا أراد به غير ذلك طمس عليهما، فذلك قوله: ((أَمْ على قُلوب أقفالُها)).
وقيل : نكرها لتبعيضها وتحقيرها بتعظيم قسوتها . ذكره البقاعي

فإن قيل: ما الحكمة في قوله: "أقْفَالُهَا" بالإضافة ولم يقل: أقفال كما قال: قُلُوبٍ؟.
فالجواب: لأن الأقفال كأنها ليست إلا لها ولم تضف القلوب إليهم لعدم نفعها إياهم وإضافة الأقْفال إليها لكونها مناسبةً لها.
أو يقال: أراد به أقفالاً مخصوصة غير مجانسة لسائر الأقفال المعهوده وهي أقفال الكُفْر والعِنَادِ .خلاصة ما ذكره أبو السعود ابن عادل
وقيل : الإضافة تشعر بأن بعض المتولين على قلوبهم أقفال، لكن ليست متمكنة فيها، فهو سبحانه يفتحها بالتوبة عليهم إذا أراد، وأما الأولون فلا صلاحية لهم. ذكره البقاعي
والآية من الاحتباك: ذكر التدبر أولاً دليلاً على ضده ثانياً، والأقفال ثانياً دليلاً على ضدها أولاً،
وسره أنه ذكر نتيجة الخير الكافلة بالسعادة أولاً وسبب الشر الجامع للشقاوة ثانياً . ذكره البقاعي
مناسبة الآية لما قبلها
وقيل: إن هذه الآية محققة للآية المتقدمة وذلك أن الله تعالى لما قال: ((أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) أي أبعدهم عنه أو عن الصدق أو الخير أو غير ذلك من الأمور الحسنة فأصمهم لا يسمعون حقيقة الكلام وأعماهم لا يتبعون طريقة الإسلام، فإِذَنْ هم بين أمرين إما لا يتدبرون القرآن فيبعدون منه، لأن الله لعنهم وأبعدهم عن الخير والصدق والقرآن منهما هو الصّف الأعلى بل النوع الأشرف وإما يتدبرون لكن لا تدخل معانيه في قلوبهم لكونها مُقْفَلَةً تقديره: أفلا يتدبرون القرآن لكونهم ملعونين مُبْعَدِينَ ((أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ)) فيتدبرون ولا يفهمون.
وقيل:فكان قوله أفلا يتدبرون القرآن كالتهييج لهم على ترك ما هم فيه من الكفر الذي استحقوا بسببه اللعنة أو كالتبكيت لهم على إصرارهم على الكفر والله أعلم بمراده. ذكره الخازن
خامساً: الفوائد السلوكية:
- الحض والحث على تدبر القرآن والوقوف عند مواعظه وعبره وزواجره .
- ذم من ترك تدبر القرآن وهذا خلق المنافقين فالآيات في سياق ذكرهم.
- التدبر يزيل الغشاوة التي على القلوب وينيرها بنور الوحي وسبب لحياة القلوب.
-الذنوب والغفلات أقفال تغلق منافذ الفهم والعلم وتدبر القرآن.
- إذا أقفل الله سبحانه القلوب واغلقها فإنها لا تنفع فيها المواعظ فلا يدخلها خير ولا يخرج منها الشّر.

سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أنه لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك

رد مع اقتباس
  #8  
قديم 12 محرم 1438هـ/13-10-2016م, 12:08 PM
عابدة المحمدي عابدة المحمدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 483
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وصلي اللهم على سيدنا محمد عبده ورسوله وعلى آله وصحبة الأخيار أما بعد :
فهذا تطبيق بسيط على الأسلوب البياني أسأل الله أن يسددنا لما فيه التوفيق والصواب , في قوله تعالى في معرض قصة إبراهيم في دعوة قومه وفي أول دعوة يدعوهم فيها إلى الله ويظهر عداوته لإصنامهم, فبدأ فيها بتعريفهم بالله تعالى الذي يستحق العبادة ونبذ كل عبادة لغير الله ثم ذكر أسباب استحقاقه بالعبادة ,فقال الله على لسان إبراهيم عليه السلام.
(الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ (78) وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ (79) وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ (80) وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ (81) وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْمَ ِالدين)(82)

- في قوله تعالى (الذي خلقني فهو يهدين) أتى باسم الموصول الذي نعت لله تعالى وفيها ما فيها من دلالة التعظيم لله تعالى والاهتمام به أمام قوم لا يعرفون غير عبادة الكواكب والأصنام وأنه المختص بفعل هذا دون غيره من المعبودات .
- عطف (فهو يهدين) على الموصول ليبين لهم أن الذي خلق الخلق هو الذي يتولى تدبير أمورهم وكذلك ليبين لهم أن خالقه هو الذي يستحق أن يخلص له العبادة,كقوله تعالى (إني وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض )
- عبر بقوله (فهو يهدين) ولم يقل ( فيهدين ) فقصر حصول الهداية إلا من عند الله ليبين اختصاصه بذلك ويبطل اعتقادهم في تصرف الأصنام في أحوال الناس .
- أتى بلفظ الهداية بصيغة المضارع ليبين أن الهداية متجددة وأنه يحتاج أليها في كل حين والله الذي يمده بها .
- أتى بالفاء تعقيب للخلق ليبين أن الهداية ملازمة للخلق فخلقه للعقل الذي يفرق به بين الخير والشر هو هداية له كقوله تعالى (الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى ).
- قدم المسند إليه على الخبر الفعلي في قوله (والذي هو يطعمني ويسقين) وقوله (فهو يشفين) وذلك لإبطال اعتقاداتهم في تصرف آلهتهم في شيء من أمور الرزق والشفاء وغيره .
- في قوله تعالى (وإذا مرضت فهو يشفين )أتى ب إذا ليخلص الفعل للمستقبل لأنه لم يكن حينئذ مريضا بل إذا طرأ عليه المرض فليس غير الله يشفيه .
- في قوله (وإذا مرضت ) نسب المرض إلى نفسه تأدبا مع الله أن ينسب حصول الشر إليه تعالى فنسبها إلى الأسباب الظاهرة التي هو سبب فيها .
- في قوله تعالى (والذي يميتني ثم يحيين ) لم يأتي بأسلوب الحصر لأنهم كانوا يعلمون أن الموت والحياة ليست في تصرف الأصنام وإنما كان الموت والحياة بيد الله كاعتقاد مشركي العرب أو الطبيعة هي التي تفعل ذلك .
- في قوله تعالى (والذي أطمع أن يغفر لي ) عبر بقوله أطمع تأدبا مع الله ليخرج عن كون استحقاقه للمغفرة مع إن الله وعده بالمغفرة .
- قيد المغفرة بيوم الدين لأنه اليوم الذي يظهر فيه أثر العفو لأنه من الأمور الغيبية .
- بين إبراهيم عليه السلام في كلمات بسيطة موجزه أن أصول النعم من بداية الخلق للجسد والعقل وتكفل الله برزقه وحمايته مما يطرأ عليه وشفائه ثم موته وبعثه كلها بتصرف الله تعالى فأي آلهة تستطيع فعل ذلك فليس غير الله المستحق للعبادة .
- حذفت الياء من الكلمات (يهدين ,يسقين , يشفين, يحيين ) للتخفيف ومراعاة الفاصلة لإن غالب سورة الشعراء تنتهي بالنون .
والحمد لله رب العالمين

رد مع اقتباس
  #9  
قديم 14 محرم 1438هـ/15-10-2016م, 10:18 AM
عائشة أبو العينين عائشة أبو العينين غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Apr 2014
المشاركات: 600
افتراضي

رسالة تفسيرية فى قوله تعالى:
ياأَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ (15) فاطر
الآية الكريمة من سورة فاطر وجاءت الآية بعد ذكرالله سبحانه وتعالى اختصاصه سبحانه بالملك ونفى عن شركائهم النفع ، وفى الآية الكريمة عدة مسأل جمعت بحول الله وقوته منها ثلاثة عشر مسأله مما اطلعت عليه بفضل الله من كلام المفسرين



المسأله الأولى
الحكمة من تعريف الخبر فى الأية (انتم الفقراء)
وفى هذه المسأله قولان
القول الأول
ان التعريف فى الخبر لبيان ان فقر الناس الى الله ظاهراً
فالتعريف في الخبر قليل والأكثر أن يكون الخبر نكرة والمبتدأ معرفة وهو معقول وذلك لأن المخبر لا يخبر في الأكثر إلا بأمر لا يكون عند المخبر به علم أو في ظن المتكلم أن السامع لا علم له به
ولماكان الخبر معلوماً عند السامع والمبتدأ كذلك ويقع الخبر تنبيهاً لا تفهيماً يحسن تعريف الخبر غاية الحسن ، كقول القائل : الله ربنا ومحمد نبينا ، حيث عرف كون الله رباً ، وكون محمد نبياً ، وههنا لما كان كون الناس فقراء أمراً ظاهراً لا يخفى على أحد قال : { أَنتُمُ الفقراء
ذكره الرازى
القول الثانى
ان تعريف الفقراء للمبالغة في فقرهم كأنهم لشدة افتقارهم وكثرة احتياجهم هم الفقراء ، وأن افتقار سائر الخلائق بالإِضافة إلى فقرهم غير معتد به ولذلك قال : { وَخُلِقَ الإنسان ضَعِيفاً } ذكره البيضاوى
المسألة الثانية
المقصود بقوله تعالى (انتم الفقراء )
يخاطب تعالى جميع الناس، ويخبرهم بحالهم ووصفهم، وأنهم فقراء إلى اللّه من جميع الوجوه:
فقراء في إيجادهم، فلولا إيجاده إياهم، لم يوجدوا.
فقراء في إعدادهم بالقوى والأعضاء والجوارح، التي لولا إعداده إياهم [بها]، لما استعدوا لأي عمل كان.
فقراء في إمدادهم بالأقوات والأرزاق والنعم الظاهرة والباطنة، فلولا فضله وإحسانه وتيسيره الأمور، لما حصل [لهم] من الرزق والنعم شيء.
فقراء في صرف النقم عنهم، ودفع المكاره، وإزالة الكروب والشدائد. فلولا دفعه عنهم، وتفريجه لكرباتهم، وإزالته لعسرهم، لاستمرت عليهم المكاره والشدائد.
فقراء إليه في تربيتهم بأنواع التربية، وأجناس التدبير.
فقراء إليه، في تألههم له، وحبهم له، وتعبدهم، وإخلاص العبادة له تعالى، فلو لم يوفقهم لذلك، لهلكوا، وفسدت أرواحهم، وقلوبهم وأحوالهم.
فقراء إليه، في تعليمهم ما لا يعلمون، وعملهم بما يصلحهم، فلولا تعليمه، لم يتعلموا، ولولا توفيقه، لم يصلحوا.
فهم فقراء بالذات إليه، بكل معنى، وبكل اعتبار، سواء شعروا ببعض أنواع الفقر أم لم يشعروا، ولكن الموفق منهم، الذي لا يزال يشاهد فقره في كل حال من أمور دينه ودنياه، ويتضرع له، ويسأله أن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، وأن يعينه على جميع أموره، ويستصحب هذا المعنى في كل وقت، فهذا أحرى بالإعانة التامة من ربه وإلهه، الذي هو أرحم به من الوالدة بولدها.ذكره السعدى

المسألة الثالثة
الفائدة من اسلوب الحصر فى قوله تعالى ( انتم الفقراء)

وجملة { أنتم الفقراء } تفيد القصر لتعريف جزأيْها ، أي قصر صفة الفقر على الناس المخاطبين قصراً إضافياً بالنسبة إلى الله ، أي أنتم المفتقرون إليه وليس هو بمفتقر إليكم وهذا في معنى قوله تعالى : { إن تكفروا فإن اللَّه غني عنكم } [ الزمر : 7 ] المشعر بأنهم يحسبون أنهم يغيظون النبي صلى الله عليه وسلم بعدم قبول دعوته . فالوجه حمل القصر المستفاد من جملة { أنتم الفقراء } على القصر الإِضافي ، وهو قصر قلب ، وأما حمل القصر الحقيقي ثم تكلف أنه ادعائي فلا داعي إليه ذكره بن عاشور


المسألة الرابعة

الحكمة من تقديم الله تعالى ذكر فقر الناس على غناه سبحانه

فقبل أن يوجه إليهم الإِعلام بأن الله غنيّ عنهم وجه إليهم إعلام بأنهم الفقراء إلى الله لأن ذلك أدخل للذلة على عظمتهم من الشعور بأن الله غنيّ عنهم فإنهم يوقنون بأنهم فقراء إلى الله ولكنهم لا يُوقنون بالمقصد الذي يفضي إليه علمهم بذلك ، فأريد إبلاغ ذلك إليهم لا على وجه الاستدلال ولكن على وجه قرع أسماعهم بما لم تكن تقرع به من قبل عسى أن يستفيقوا من غفلتهم ويتكعكعوا عن غرور أنفسهم ، على أنهم لا يخلو جمعهم من أصحاب عقول صالحة للوصول إلى حقائق الحق فأولئك إذا قرعت أسماعَهم بما لم يكونوا يسمعونه من قبل ازدادوا يقيناً بمشاهدة ما كان محجوباً عن بصائرهم بأستار الاشتغال بفتنة ضلالهم عسى أن يؤمن من هيّأه الله بفطرته للإِيمان ، فمن بقي على كفره كان بقاؤه مشوباً بحيرة ومرَّ طعْمُ الحياة عنده ، فأيْنَ ما كانت تتلقاه مسامعهم من قبل تمجيدهم وتمجيد آبائهم وتمجيد آلهتهم ، ألا ترى أنهم لما عاتبوا النبي صلى الله عليه وسلم في بعض مراجعتهم عَدُّوا عليه شتم آبائهم ، فحصل بهذه الآية فائدتان .ذكره بن عاشور
المسألة الخامسة
معنى حرف الجر الى فى قوله تعالى ( الى الله )
قوله : { إلى الله } إعلام بأنه لا افتقار إلا إليه ولا اتكال إلا عليه وهذا يوجب عبادته لكونه مفتقراً إليه وعدم عبادة غيره لعدم الافتقار إلى غيره إشارة لوجوب حصر العبادة في عبادته حاصل ما ذكره الرازى وبن عاشور
المسألة السادسة
الحكمة من اضافة الضمير هو بعد لفظ الجلاله
{ والله هو } أي وحده ذكره البقاعى
المسألة السابعة
معنى (الغنى)
(وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ) عن عبادتكم إياه وعن خدمتكم، وعن غير ذلك من الأشياء؛ منكم ومن غيركم

المسألة الثامنة
المقصود بقوله تعالى ( والله هُوَ الغني )
أي هو مع استغنائه يدعوكم كل الدعاء وأنتم من احتياجكم لا تجيبونه ولا تدعونه فيجيبكم ذكره الرازى


المسألة التاسعة

معنى (الحميد)
(الْحَمِيدُ) يعني: المحمود على نعمه؛ فإن كل نعمة بكم وبغيركم فمنه، فله الحمد والشكر بكل حال.
المسألة العاشرة
الحكمة من ختام الآية بأقتران اسمى الله تعالى الغنى بالحميد
القول الأول
لما أثبت فقرهم إليه وغناه عنهم - وليس كل غني نافعاً بغناه إلاّ إذا كان الغني جواداً منعماً فإذا جاد وأنعم حمده المنعم عليهم

فلستم أنتم فقراء والله مثلكم في الفقر بل هو غني على الإطلاق ولستم أنتم لما افتقرتم إليه ترككم غير مقضي الحاجات بل قضى في الدنيا حوائجكم ، وإن آمنتم يقضي في الآخرة حوائجكم فهو حميد
حاصل ما ذكره الزمخشرى والرازى
القول الثانى
إتباع صفة { الغني } ب { الحميد } تكميل ، فهو احتراس لدفع توهمهم أنه لما كان غنياً عن استجابتهم وعبادتهم فهم معذورون في أن لا يعبدوه ، فنبه على أنه موصوف بالحمد لمن عبده واستجاب لدعوته كما أتبع الآية الآخرى { إن تكفروا فإن اللَّه غني عنكم } [ الزمر : 7 ] بقوله : { وإن تشكروا يرضه لكم } [ الزمر : 7 ] .ذكره بن عاشور
المسأله الحادية عشر
اختصاص الآية بذكر اسم الله ( الله ) دون غيره من الأسماء الحسنى
ذكر الخالق باسمه الأعظم على قرب العهد بذكر الإشارة إلى الجهة التي بها وصف بما يذكر ، وهي الإحاطة بأوصاف الكمال فقال : { والله هو } أي وحده { الغني } أي الذي لا يتصور أن يحتاج لا إليكم ولا إلى عبادتكم ولا إلى شيء أصلاً ذكره البقاعى

المسألة الثانية عشر
المقابلة فى قوله تعالى (انتم الفقراء الى الله والله هو الغنى الحميد)
في قوله : { الحميد } لما زاد في الخبر الأول وهو قوله : { أَنتُمُ الفقراء } زيادة وهو قوله : { إِلَى الله } إشارة لوجوب حصر العبادة في عبادته زاد في وصفه بالغني زيادة وهو كونه حميداً إشارة إلى كونكم فقراء وفي مقابلته الله غني وفقركم إليه في مقابلة نعمه عليكم لكونه حميداً واجب الشكر ذكره بن عاشور

المسألة الثالثة عشر

فائدة وقوع { الحميد } في مقابلة قوله : { إلى الله } كما وقع { الغني } في مقابلة قوله : { الفقراء }
لأنه لما قيد فقرهم بالكون إلى الله قيدّ غنى الله تعالى بوصف { الحميد } لإفادة أن غناه تعالى مقترن بجوده فهو يحمد من يتوجه إليه بن عاشور

وفى الآية مسائل اكثر من ذلك لم يسعنى الوقت فى استخلاصها ومن اعظم فوائد الآية الكريمه بيانها أن الفتقار لله تعالى هو لب العبودية اسأله سبحانه وتعالى وجل وعلا أن يجعل فقرنا اليه نصب أعيننا ولا يعلق قلوبنا إلا به ولا يلجئنا الا اليه فهو سبحانه الغنى الحميد
والحمد لله رب العالمين



رد مع اقتباس
  #10  
قديم 15 محرم 1438هـ/16-10-2016م, 01:35 AM
مها شتا مها شتا غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 655
افتراضي

رسالة تفسيرية (الأسلوب البياني)
إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (2) الأنفال
جاءت هذه الآية الكريمة في مطلع سورة الأنفال التي فيها بيان أحكام الجهاد عوامل النصر والهزيمة من خلال غزوة بدر .
وفيها اثنان وعشرون مسائلة فيما يبدو لي والله تعالى أعلى وأعلم:
الأولى: علاقة الآية بما قبلها.
الثانية: معنى {إنما} وما دلالتها.
الثالثة : ما دلالة تقديم {إنما}
الرابعة : معنى {إنما المؤمنون}.
الخامسة :ماذا أفادت أل التعريف في {المؤمنون}.
السادسة:بيان أقسام الإيمان.
السابعة:دلالة الأسم الموصول (الذين).
الثامنة:معنى {الذكر}.
التاسعة:ماذا أفاد إجمال {الذكر} .
العاشرة:معنى الوجل .
الحادي عشر : علاقة ذكر الله بالوجل منه سبحانه.
الثاني عشر:مستلزم الوجل.
الثالث عشر:دلالة {إذا}.
الرابع عشر: معنى التلاوة.
الخامس عشر:المقصود من آيات الله.
السادس عشر: ماذا أفاد أسناد فعل زيادة الإيمان إلى آيات القرآن.
السابع عشر: معنى الإيمان.
الثامن عشر: معنى زيادة الإيمان.
التاسع عشر:كون الإيمان يزيد وينقص.
العشرون:دلالة أسلوب الحصر {وعلى ربهم }.
الحادي والعشرون: معنى التوكل.
الثاني والعشرون: دلالة التعبير بالفعل المضارع في {يتوكلون}.
تفصيل هذه المسائل
الأولى: علاقة الآية بما قبلها.
علاقة هذا الآية بما قبلها علاقة تعليل لوجود تقوى الله وإصلاح ذات البين ،وطاعتهم الله ورسوله ، وهو يحمل المتصفين به من الامتثال لما تضمنته جمل الأمر الثلاثة السابقة.
الثانية: معنى {إنما} وما دلالتها.
إنما أصلها (إنّ وما )كتبت موصولة،وإن حرف توكيد ونصب وتفيد المبالغة ،وهو أيضا أسلوب حصر
الثالثة : ما دلالة تقديم {إنما}
تقديمإنما يفيد الحصر والقصر.
الرابعة : معنى {إنما المؤمنون}.
القول الأول:إنّما المؤمنون ظاهرها أنها للمبالغة والتأكيد فقط أي الكاملون ، الراسخون في وصف الإيمان،ويكون المعنى على ذلك إنما المؤمنون الكاملوا الإيمان ،والتعريف في إنما المؤمنون تعريف الجنس المفيدقصراً ادعائيا على أصحاب هذه الصفات مبالغة.
القول الثاني : أن تكون إنما المؤمنون مستأنفة استينافا بيانيا لجواب سؤال سائل يثيره الشرط في( أن كنتم مؤمنين) ،فكأنما يجاوب بأن المؤمنين هم الذين صفاتهم كذا وكذا.
والقولان محتملان غير متنافيين كما ذكر ابن عاشور .
الخامسة :ماذا أفادت ال التعريف في {المؤمنون}.
والألف واللام للاستغراق أى لاستغراق جميع شرائع الإيمان ،
وأفاد حرف (ال) على المؤمنون معنى الكمال .
السادسة:بيان أقسام الإيمان.
الإيمان قسمين :
1- إيماناً كاملاً يترتب عليه المدح والثناء والفوز التام .
2- إيماناً دون ذلك .
السابعة:دلالة الأسم الموصول (الذين).
دلالة الأسم الموصول {الذين} التوكيد.
الثامنة:معنى {الذكر}.
الذكر حقيقته التلفظ باللسان
التاسعة:ماذا أفاد إجمال {الذكر} .
أجملت الآيةذكر الله إجمالا بديعا ليناسب معنى الوجل ،فذكر الله يكون بذكر اسمه وعقابه وثوابه وعظمته ورحمته ،وكل ذلك يحصل منه الوجل في قلوب كُمّل المؤمنين.
العاشرة:معنى الوجل ،ولماذا ذكر الوجل ولم يذكر الخوف وهو بنفس المعنى،ولماذا أسند الوجل للقلب.
الوجل هو الخوف مع الفزع،أي خافت خوفاً عظيماً يتخلل صميم عظامهم ويجول في سائر معانيهم وأجسادهم،وأسند الوجل إلي القلب لأن القلب يكثر إطلاقه في كلام العرب على إحساس الإنسان وقرارة إدراكه ،وليس المراد بالقلب العضو الذي في الصدر الذي يضخ الدم إلى الشرايين.
الحادي عشر : علاقة ذكر الله بالوجل منه سبحانه.
فذكر الله يكون بذكر اسمه وعقابه وثوابه وعظمته ورحمته ،وكل ذلك يحصل منه الوجل في قلوب كُمّل المؤمنين،فيحث هذا الوجل المؤمن على الاستكثار من الخير وتوقي ما لا يرضي الله ،والوقوف على أوامره ونواهيه ،ولذلك روي عن عمر بن الخطاب أنه قال " أفضل من ذكر الله باللسان ذكرالله عند أمره ونهيه"
الثاني عشر:مستلزم الوجل.
ومستلزم الوجل استعظام الموجل منه،ووالوجل من فوات الثواب أو نقصانه.
الثالث عشر:دلالة {إذا}.
دلت{إذا} على سرعةاستجابتهم ، فبمجرد ماتليت عليهم آيات الله من أي تال و ذكروا بالله تذكروا ووجلت قلوبهم .
الرابع عشر: معنى التلاوة.ِ
التلاوة :هي القراءة واستظهار ما يحفظه التالي من كلام له أو لغيره يحكيه لسامعه.
الخامس عشر:المقصود من آيات الله.
آيات الله هي القرآن ،وسميت آيات لأنه تلقها النبي الأمي صل الله عليه وسلم وحياً وتحدي الله سبحانه وتعالى قومه الأتيان بمثلها ،فعجزوا عن ذلك ،وهذا فيه دلالة على صدق ما جاء به.
السادس عشر: ماذا أفاد أسناد فعل زيادة الإيمان إلى آيات القرآن.
وأسند فعل زيادة الإيمان إلى آيات الله لأنها سبب تلك الزيادةللإيمان باعتبار حال من أحوالها ،وهو تلاوتها لاعتبار مجرد وجودها في صدر غير المتلوة عليه . وهذا الإسناد من المجاز العقلي إذ جعلت الآيات هي فاعل زيادة الإيمان.
السابع عشر: معنى الإيمان.
الإيمان : تصديق النفس بثبوت نسبة شئ لشئ ،أو انتفاء نسبة شئ عن شئ ،تصديقاً جازماً لا يحتمل نقض تلك النسبة ،وقد اشتهر الإيمان شرعاً باليقين في وجود الله وألوهيته وربوبيته وأسماءه وصفاته ،المقتضية أرسال الرسل وإنزال الكتب،والتي لا يتم معنى الرسالةعن الله بدونهما مثل الصدق فيما يبلغ عن الله ،والعصمة عن اقتراف معصيته سبحانه وتعالى.
الثامن عشر: معنى زيادة الإيمان.
معنى زيادة لإيمان: قوة اليقين في نفس الموقن على حسب شدة الاستغناء عن استحضار الأدلة في نفسه،وعن إعادة النظر فيها ،ودفع الشك العارض في النفس ،فكلما كانت الأدلة المبني عليها الإيمام أكثر وأقوى كان اليقين أقوى ،وتلك القوة هي المعبر عنها بزيادة الإيمان.
التاسع عشر:كون الإيمان يزيد وينقص.
هذا معتقد أهل السنة والجماعة في كون الإيمان قول باللسان وإخلاص القلب وعمل بالجوارح يزيد وينقص ،يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وقد يطلق الإيمان على الأعمال التي تجب على المؤمن ،وهوباعتبار كون الأعمال من شرائع الإيمان ،وكما أطلق أسم الصلاة على الإيمان كما قال تعالى {وما كان الله ليضيع إيمانكم} البقرة
العشرون:دلالة تقديم الجار والمجرور في{وعلى ربهم }.
أسلوب حصروقصر، أي يتوكلون علي ربهم وحده لا غيره،وهذا من مقتضيات الفصاحة ،وفيه من الاهتمام باسم الله ،أو للتعريض بالمشركين ،لأنهم يتوكلون على إعانة الأصنام، فيكون الكلام مدحاً للمؤمنين ،تعريضاً بذم المشركين ،وفيه تحذير من أن تبقى في نفوس المؤمنين آثار من التعلق بما نهوا عن التعلق به من كل سوى الله .
الحادي والعشرون: معنى التوكل.
أي يعتمدون في قلوبهم عليى ربهم في جلب مصالحهم ،ودفع مضارهم الدينية والدنيوية،ويثقون بأن الله تعالى سيفعل ذلك، والتوكل هم الحامل للأعمال كلها ولا توجد ولا تكمل إلا به.
الثاني والعشرون : دلالة التعبير بالفعل المضارع {يتوكلون}.
دل التعبير بالفعل المضارع {يتوكلون } على تكرار ذلك منهم واستمرارهم عليه.
هذا ما تيسر لي بفضل الله جمعه من المسائل ولا حول ولا قوة إلا بالله.

رد مع اقتباس
  #11  
قديم 19 محرم 1438هـ/20-10-2016م, 01:20 AM
شيماء طه شيماء طه غير متواجد حالياً
طالبة علم
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 318
افتراضي

تطبيق الاسلوب البياني
رسالة في قول الله تعالى:
"والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءا حتى اذا جاءه لم يجده شيئا ووجد الله عنده فوفاه حسابه والله سريع الحساب."
ضرب الله هذه الآية مثلا لأعمال الكافرين
الذين لم ينفعهم كفرهم فهي كمثل من يبحث عن السراب في قاع الأرض فيقصده ليزيل ظمأه
وهو في شدة الظمأ يحسبه ماءا حتى اذا جاءه لم يجد شيئا فازداد تحسره وانقطع رجاءءه
كذلك أعمال الكافرين حينما
فسدت قلوبهم وفسدت معتقداتهم واغتروا بأعمالهم وخيل لهم أنها حسنة وزين لهم الشيطان أعمالهم فصدهم عن السبيل "أفمن زين له سوء عمله فرآه حسنا فان الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء
." وهم في أمس الحاجة الى تلك الأعمال ظنا منهم أنها ستنفعهم لا يجدون شيئا تحصل لهم به المنفعة
وذلك أن قلوبهم لا خير فيها
فهم في ظلمة الكفر وظلمة المعاصي وتحسرهم على فوات ثواب تلك الأعمال كما قالتعالى عنهم
"وقدمنا الى ما عملوا من عمل فجعلناه هباءاا منثورا."
وحينئذ يجدون الله عندهم قد اطلع على أعمالهم لم يخفى عليه منها شيء
والله سريع الحساب يجازي كلا بما عمل ان خير فخير وان شر فشر.
"وكفى بالله حسيبا."

رد مع اقتباس
  #12  
قديم 19 محرم 1438هـ/20-10-2016م, 04:00 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

أثار بعض المبتدعين وأهل الضلال والشك في القرآن "رد الله كيدهم في نحرهم" أثاروا فتن وادعاءات أن القرآن فيه كلمات مكررة بدون داع ومن ذلك قول الله تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ ۚ وَمَن يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا }النساء

فقالوا كيف يخاطب الله تعالى المؤمنين ويقر دعوتهم بالإيمان ثم يأمرهم أن يؤمنوا { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا ... } ففي ذلك تكرار لا فائدة فيه والأمر بالإيمان يكون للناس التى لم تؤمن بعد وليس للمؤمنين فعلًا .
وهذا الكلام برهان على جهلهم وعمى قلوبهم فما أرادوا إلا إثارة الشك والفتن قبحهم الله ولو أنهم أرادوا الحق وأرادوا فهم كتاب ربهم ليزدادوا إيمانًا لردوه إلى أولى الأمر منهم من العلماء والمفسرين الذين فنوا أعمارهم في بيان معان القرآن والكشف عن أسراره ومعجزاته الباهرة في اللغة وحسن البيان .

وفي تلك الآية التى نحن بصددها سنعرض أقوال المفسرين في الحكمة من أمر الله تعالى عبادة المؤمنين بالإيمان وما لهذا التأويل من أوجه عظيمة في البلاغة والبيان :

القول الأول :

- أن الآية نزلت في جميع المؤمنين بالدخول في جميع شرائع الدين وليس هذا من باب تحصيل حاصل بل من باب تكميل الكامل وتقريره وتثبيته والاستمرار عليه . كما يقول المؤمن في كل صلاة :( اهدنا الصراط المستقيم )[ الفاتحة : 6 ]أي : بصرنا فيه ، وزدنا هدى ، وثبتنا عليه . فأمرهم بالإيمان به وبرسوله ، كما قال تعالى :( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله )[ الحديد : 28 ].ذكره ابن كثير

فتكرار الأمر بالإيمان هنا هو دعوة للثبات على الإيمان والتصديق والزيادة من الهدى ، وكذا قال القرطبي والطنطاوي في الوسيط .

وللسعدي رحمه الله تعالى كلام نفيس في بيان ذلك :
أعلم أن الأمر إما أن يوجه إلى من لم يدخل في الشيء ولم يتصف بشيء منه، فهذا يكون أمرا له في الدخول فيه، وذلك كأمر من ليس بمؤمن بالإيمان، كقوله تعالى:{ يَأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ آمِنُوا بِمَا نَزَّلْنَا مُصَدِّقًا لِّمَا مَعَكُمْ ْ}الآية.
وإما أن يوجه إلى من دخل في الشيء فهذا يكون أمره ليصحح ما وجد منه ويحصل ما لم يوجد، ومنه ما ذكره الله في هذه الآية من أمر المؤمنين بالإيمان، فإن ذلك يقتضي أمرهم بما يصحح إيمانهم من الإخلاص والصدق، وتجنب المفسدات والتوبة من جميع المنقصات. ويقتضي أيضا الأمر بما لم يوجد من المؤمن من علوم الإيمان وأعماله، فإنه كلما وصل إليه نص وفهم معناه واعتقده فإن ذلك من الإيمان المأمور به.
وكذلك سائر الأعمال الظاهرة والباطنة، كلها من الإيمان كما دلت على ذلك النصوص الكثيرة، وأجمع عليه سلف الأمة. ثم الاستمرار على ذلك والثبات عليه إلى الممات كما قال تعالى:{ يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ْ}وأمر هنا بالإيمان به وبرسوله، وبالقرآن وبالكتب المتقدمة، فهذا كله من الإيمان الواجب الذي لا يكون العبد مؤمنا إلا به، إجمالا فيما لم يصل إليه تفصيله وتفصيلا فيما علم من ذلك بالتفصيل، فمن آمن هذا الإيمان المأمور به، فقد اهتدى وأنجح. انتهى للسعدي


القول الثاني
أن الخطاب في الآية لنفر من اليهود الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وسلم كعبد الله بن سلام وأسيد بن كعب ولكن مازال إيمانهم ناقص من بعض كما جاء في رواية الواحدي عن الكلبي ورواه غيره عن ابن عباس أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يؤمنوا به وبكتابه ، كما آمنوا بموسى وبالتوراة ، وأن لا يؤمنوا بالإنجيل . ذكره ابن عاشور

القول الثالث


أنّ الخطاب للمنافقين ، يعني : يأيّها الذين أظهروا الإيمان أخْلِصُوا إيمانكم حقّاً.ذكره ابن عاشور

والقول الأول هو الراجح على قول أكثر أهل العلم

وقد رُوي عن الحسن هذا التأويل بأنّه طلبٌ لثباتهم على الإيمان الذي هم عليه ، واختاره الجبائي . وهو الجاري على ألسنة أهل العلم ، وبناءً عليه جَعلوا الآية شاهداً لاستعمال صيغة الأمر في طلب الدوام. ذكره ابن عاشور

نسأل الله تعالى الهداية لصراطه المستقيم والنجاة من الفتن ما ظهر منها وما بطن ونسأله تعالى الثبات على الهداية حتى الممات اللهم آمين .

رد مع اقتباس
  #13  
قديم 24 محرم 1438هـ/25-10-2016م, 05:57 PM
مضاوي الهطلاني مضاوي الهطلاني غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 864
افتراضي

إعادة :
قال تعالى : {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد : 24]

يقول تعالى آمرا بتدبر القرآن وتفهمه ، وناهيا عن الإعراض عنه ، فقال : ( أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها )
فيها خمس وقفات
أولا :اعرابها:
( الهمزة) استفهام ، قيل للتعجب، وقيل للتوبيخ ،وقيل : انكاري .
(الفاء) عاطفة- أو استئنافيّة
(لا) نافية
(يَتَدَبَّرُونَ) مضارع مرفوع والواو فاعله
(الْقُرْآنَ) مفعول به والجملة مستأنفة
(أم) للإضراب الانتقالي . والمعنى : بل على قلوبهم أقفال .
وقيل (أم )هي للاستفهام
(على قلوب) متعلّق بخبر مقدّم للمبتدأ (أقفالها) .
جملة: «لا يتدبّرون ... » لا محلّ لها معطوفة على استئناف مقدّر أي
أغفلوا فلا يتدبّرون - أو هي استئنافيّة-
وجملة: «على قلوب أقفالها ... » لا محلّ لها استئنافيّة

ثانياً:معاني المفردات:
(الهمزة) : تفيد الحض والحث على التدبر.
والتدبر : التفهم في دُبر الأمر ، وهو مشتق من دبر الشيء ، أي خلفه .
(ٱلْقُرْآنَ ..) هو كلام الله المنزل على قلب رسوله صلى الله عليه وسلم ، المتعبد بتلاوته وهو معجزة النبي صلى الله عليه وسلم .
والأقفال: جمع قفل- بضم فسكون- وهو الآلة التي تقفل بها الأبواب وما يشبهها،
وقرأ العامة: "أقْفَالُها" بالجمع على أَفْعَالٍ. وقرىء أَقْفُلُهَا (بالجمع) على أفْعل. وقرىء إِقْفَالُهَا بكسر الهمزة مصدراً كالإقبال.
ثالثاً:المعنى الإجمالي للآيات
(أفلا يتدبرون القرآن)) أي ألا يتفكرون في آيات القرآن ويتفهمون في معانيها ويتأملون في مواعظه وزواجره وأصل التدبر التفكر في عاقبة الشيء وما يؤول إليه أمره. وتدبر القرآن لا يكون إلا مع حضور القلب وجمع الهم وقت تلاوته ((أم على قلوب اقفالها))أي : أم اغلقت بالاقفال فلا يدخلها خير ولا تصل إليها موعظة، أقفلها الله عز وجل عليهم فهم لا يعقلون، قال مقاتل: يعني الطبع على القلوب والأقفال استعارة لانغلاق القلب عن معرفة الحق،
قال ابن عاشور : وجعل القفل مثلاً لكل مانع للإنسان من تعاطي فعل الطاعة. يقال: فلان مقفل عن كذا، بمعنى ممنوع منه.
وروى البغوي بإسناد الثعلبي، عن عروة بن الزبير قال: "تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها فقال شاب من أهل اليمن: بل على قلوب أقفالها حتى يكون الله يفتحها أو يفرجها فما زال الشاب في نفس عمر حتى ولي فاستعان به" هذا حديث مرسل وعروة بن الزبير تابعي من كبار التابعين وأجلهم لم يدرك النبي صلى الله عليه وسلم لأنه ولد سنة اثنتين وعشرين وقيل غير ذلك.
رابعاً:الصور البلاغية في الآية
أولا : من قال : أن الاستفهام انكاري فإنه يفيد النفي وكونه داخلا على نفي فهو نفي له فصار إثباتاً لان نفي النفي اثبات.
( يتدبرون) جاء بصيغة المضارع ليفيد التجدد والاستمرار.
فكان كأنه قيل: هل يجددون التدبر ويستمروا على ذلك مرة بعد المرة لعله ترق قلوبهم وتستنير بنور الوحي. فتحجزهم عما هم فيه .

( القرآن ) القرآن اسم لكلام الله تعالى ، وهو بمعنى المقروء ، كالمشروب يسمى شرابا ، والمكتوب يسمى كتابا ، وعلى هذا قيل : هو مصدر قرأ يقرأ قراءة وقرآنا بمعنى .
وجاء التعبير بلفظ قرآن وليس كتاب لأنه يناسب التدبر فالتدبر يتأتى مع القراءة ،
(أم) بعد أن وبخهم بعدم تدبرهم للقرآن انتقل لتوبيخهم بكون قلوبهم عليها أقفال أي مغلقة باحكام لا تقبل التدبر والتفهم لآيات الله .
والأقفال : جمع قُفْل ، وهو استعارة مكنية إذ شبهت القلوب ، بالأبواب أو الصناديق المغلقة ،
قال القرطبي :وأصل القَفْل اليُبْس والصلابة. ويقال لما يبس من الشجر: القَفْل. والقفيل مثله. والقَفِيل أيضاً نبت. والقفِيل: الصوت. قال الراجز:
لما أتاك يابساً قِرْشَباً قمت إليه بالقفِيل ضربا
كيف قَرَيْتَ شَيْخَك الأَزَبّا
القِرْشَبُّ (بكسر القاف) المسِنّ؛ عن الأصمعي. وأقفله الصوم أي أيبسه؛قاله القشيريّ والجوهريّ.

وتنكير { قلوب } للتنويع أو التبعيض ، أي على نوع من القلوب أقفال . والمعنى : بل بعض القلوب عليها أقفال . وهذا من التعريض بأن قلوبهم من هذا النوع لأن إثبات هذا النوع من القلوب في أثناء التعجيب من عدم تدبر هؤلاء القرآن يدل بدلالة الالتزام أن قلوب هؤلاء من هذا النوع من القلوب ذوات الأقفال .
وقال الزمخشري : التنكير يحتمل أن يكون للتنبيه على كون موصوفاً لأن النكرة بالوصف أولى من المعرفة فكأنه قال: أمْ عَلَى قُلُوبٍ قاسيةٍ أو مظلمةٍ.
وقال ابو السعود :تنكيرُ القلوب لتهويلِ حالِها وتفظيعِ شأنِها بإبهامِ أمرِها في القساوةِ والجهالةِ كأنَّه قيلَ على قلوبٍ منكَرةٍ لا يعرفُ حالُها ولا يُقادرُ قدرُها في القساوةِ .
قال مجاهد: الرّان أيسرُ من الطَّبْع، والطَّبْع أيسرُ من الإِقفال، والإِقفال أشَدُّ ذلك كُلِّه. وقال خالد بن معدان: مامِنْ آدميٍّ إِلاّ وله أربعُ أعيُنٍ، عَيْنان في رأسه لدُنياه وما يُصْلِحه من معيشته، وعَيْنان في قَلْبه لِدِينه وما وَعَد اللهُ من الغَيْب، فإذا أراد اللهُ بعبد خيراً أبصرتْ عيناه اللتان في قلبه، وإِذا أراد به غير ذلك طمس عليهما، فذلك قوله: ((أَمْ على قُلوب أقفالُها)).

فإن قيل: ما الحكمة في قوله: "أقْفَالُهَا" بالإضافة ولم يقل: أقفال كما قال: قُلُوبٍ؟.
فالجواب: لأن الأقفال كأنها ليست إلا لها ولم تضف القلوب إليهم لعدم نفعها إياهم وإضافة الأقْفال إليها لكونها مناسبةً لها.
أو يقال: أراد به أقفالاً مخصوصة غير مجانسة لسائر الأقفال المعهوده وهي أقفال الكُفْر والعِنَادِ .خلاصة ما ذكره أبو السعود ابن عادل
وقال البقاعي : الإضافة تشعر بأن بعض المتولين على قلوبهم أقفال، لكن ليست متمكنة فيها، فهو سبحانه يفتحها بالتوبة عليهم إذا أراد، وأما الأولون فلا صلاحية لهم.
مناسبة الآية لما قبلها
وقيل: إن هذه الآية محققة للآية المتقدمة وذلك أن الله تعالى لما قال: ((أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم) أي أبعدهم عنه أو عن الخير أو غير ذلك من الأمور الحسنة فأصمهم لا يسمعون حقيقة الكلام وأعماهم لا يتبعون طريقة الإسلام، فهم بين أمرين إما لا يتدبرون القرآن فيبعدون منه، لأن الله لعنهم وأبعدهم عن الخير والذي منه القرآن وإما يتدبرون لكن لا تدخل معانيه في قلوبهم ولا تصل إليه لكونها مُقْفَلَةً تقديره: أفلا يتدبرون القرآن لكونهم ملعونين مُبْعَدِينَ ((أَمْ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقْفَالُهَآ)) فيتدبرون ولا يفهمون.
خامساً: الفوائد السلوكية:
- الحض والحث على تدبر القرآن والوقوف عند مواعظه وعبره وزواجره .
- ذم من ترك تدبر القرآن وهذا خلق المنافقين فالآيات في سياق ذكرهم.
- التدبر يزيل الغشاوة التي على القلوب وينيرها بنور الوحي وسبب لحياة القلوب.
-الذنوب والغفلات أقفال تغلق منافذ الفهم والعلم وتدبر القرآن.
- إذا أقفل الله سبحانه القلوب واغلقها فإنها لا تنفع فيها المواعظ فلا يدخلها خير ولا يخرج منها الشّر.

سبحانك اللهم وبحمدك اشهد أنه لا إله إلا أنت استغفرك وأتوب إليك

رد مع اقتباس
  #14  
قديم 1 صفر 1438هـ/1-11-2016م, 12:53 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي

تقويم التطبيق الخامس

تنبيهات عامة:
1. ألحظ وجود خلط في بعض التطبيقات بين معنى النقل وإعادة صياغة كلام بعض المفسّرين بألفاظهم، وبين ما هو مطلوب من تفهّم أقوال المفسّرين ثم التعبير عنها بفهم الكاتب وأسلوبه بعبارات ينشئها من نفسه تدلّ على فهمه لتلك المسائل وقدرته على شرحها وتبيينها.
وأما نقل كلام المفسّر بنصّه من غير عزو أو محاولة إعادة صياغة عبارته باستخدام ألفاظه وتغيير تركيبها فهذا لا يفيد الطالب في التمرّن على الأسلوب البياني.
والتفريق بين هذين الأمرين مهمّ جداً والخلط بينهما يوقع في إشكالات وربما إخلال بالأمانة العلمية، وقد يُتهم الكاتب بالسرقة العلمية لأن جهده محصور في أخذ عبارة المفسّر بنصها أو إجراء تعديلات يسيرة عليها ثم تضمينها في رسالته من غير عزو ، وهذا التصرّف لا يليق بطالب العلم، ولا ينفعه في تنمية مَلَكَته التفسيرية؛ لأنه في حقيقة الأمر لم يبذل جهداً في تفهّم المسائل ولا في التعبير عنها، لكنه لو قرأ في المسألة الواحدة كلام ثلاثة من المفسّرين أو أربعة أو أكثر ثم فهم المسألة من مجموع كلامهم، ثمّ عبّر عن تلك المسألة بأسلوبه ولغته من غير اعتماد على ألفاظهم فهذا نافع جداً في تنمية الملك التفسيرية، ولا يعاب به طالب العلم، لأنه بذل جهدا في فهم المسألة وفي تقريبها للقارئ بأسلوبه هو وبيانه، وهذه هي طريقة أهل العلم إذ يتفهّمون المسائل أولاً بما يطّلعون عليه وبما لديهم من مخزون معرفي ثمّ يحررون القول فيها بعبارات من إنشائهم، وقد ينقلون أحيانا ما يحسن نقله مع النصّ على قائله.
ولا يستغرب أن يجد الطالب صعوبة في أوّل الأمر في التعبير عن المسائل العلمية لكنّه مع مداومة التمرّن سيجد الأمر سهلاً بإذن الله، حتى يصل إلى مرحلة يجد من نفسه القدرة في كثير من الأحيان على التعبير عن بعض المسائل قبل أن يطلّع على أقوال المفسرين فيها بسبب معرفته بطرق أهل العلم في تناول نظائر تلك المسائل، وهذه المعرفة التي تحصل لطالب العلم بالتنامي أعزّ من المعرفة التي يحصّلها بالاطلاع السريع على أقوال المفسّرين.
2. عند إيراد حديث أو أثر فيجب عزوه لمن أخرجه من أصحاب الكتب المسندة، ولا يكتفى بنقله عن أصحاب الكتب المتأخرة.
3. الإكثار من النقول بدرجة تضيع معها شخصية الكاتب أمر غير جيد؛ والاستمرار على هذه الطريقة يضعف لديه ملكة التعبير عن المسائل العلمية، فيكون جهده محصوراً في النقل والاقتباس والترتيب وهذه الطريقة تحرم صاحبها علماً كثيراً ومهارات أخرى مهمة.
4. آمل العناية بمراجعة الرسالة قبل نشرها لتلافي ظهور الأخطاء الإملائية والنحوية واللغوية.
5. آمل منكم مراجعة خطوات كتابة الرسالة التفسيرية جيداً قبل البدء في كتابة أية رسالة تفسيرية حتى تجتنب الأخطاء الشائعة.
6. الذين حصلوا على درجة ( د) يمكنهم إعادة التطبيق ( اختيارياً ) بمراعاة الملحوظات والتنبيهات، وطلب إعادة التقويم بعد ذلك.

تقويم أداء الطلاب:
كوثر: ب
- أحسنت بارك الله فيك

هلال الجعدار: أ

فاطمة الزهراء: د
- راجعي التنبيهات العامة.
هناء هلال: د
- راجعي التنبيهات العامة.

أمل يوسف: د
- راجعي التنبيهات العامة.

مضاوي: ب
- أحسنت بارك الله فيك.
عابدة: أ+
- أحسنت جداً بارك الله فيك ونفع بك.
- من المهم مراجعة الرسالة قبل اعتماد النشر لتفادي الأخطاء الإملائية والنحوية.

عائشة: ب
- أحسنت بارك الله فيك.

مها شتا: ج
- أحسنت في استخراج المسائل البيانية ، لكن كان أكثر اعتمادك في تفصيلها على النقل عن ابن عاشور؛ فراجعي التنبيهات العامة.
- يجب أن نتنبّه إلى أن مسائل الاعتقاد لا تؤخذ من المفسّرين الذين لهم تأثر ببعض الفرق كالأشاعرة وغيرهم، ومن ذلك نقلك لتعريف الإيمان من ابن عاشور وهو خلاف تعريف أهل السنة؛ فيجب أن يُتنبّه إلى ذلك مستقبلاً.

شيماء طه: ج
- أحسنت بارك الله فيك.
- فاتك عدد من المسائل البيانية، راجعي خطوات إعداد الرسالة التفسيرية.

الشيماء وهبة: هـ
- رسالتك أقرب إلى أسلوب الحجاج منها إلى الأسلوب البياني.

رد مع اقتباس
  #15  
قديم 7 صفر 1438هـ/7-11-2016م, 10:21 PM
منيرة محمد منيرة محمد غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - الامتياز
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
الدولة: السعودية
المشاركات: 668
افتراضي

الأسلوب البياني

قوله تعالى :(إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ )


في هذه الآية العظيمة تصوير شامل لحال بعض الناس مع الشائعات وكيفية تعاملهم معها نقف معها بعض الوقفات اليسيرة مستمدين من الله العون والتوفيق .
1- مجيئ هذه الآية في هذه السورة العظيمة سورة النور له دلالة ظاهرة على عناية الإسلام بالمجتمع المسلم وتربيته التربية الصحيحة التي تشتد احياناً حتى تصل إلى دوجة الحدود والعقوبات وترق أحياناً إلى ذكر الآداب والتوجيهات .

2- تصدر الآية بالظرف "إذ" يشعر بلحظة تلقي الخبر واستحضاره ،وأنه لحظة حاسمة يختلف الناس فيها بالتعامل معه

3- قوله تعالى (تَلَقَّوْنَهُ) أصل الكلمة تَتَلَقّونه وكأن حذف التاء تصور لهفة السامع لهذا الخبر وسرعة نقله دون تمحيص ولا تثبت،وفي التلقي والتلقف والتلقن معاني متقاربة،إلا أن في التلقي معنى الاستقبال وفي التلقف معنى الخطف والأخذ بسرعة وفي التلقن معنى الحذق والمهارة، وكلّ هذا نجده عند من يتصف في هذا الوصف .

4- اختيار لفظة (تَلَقَّوْنَهُ) دون غيرها،فيها اشارة إلى الجهد المبذول لمتلقي الخبر حيث تقصده وبذل له همّة وجهدا

5- كذلك في التعبير بالتلقي دلالة على استعداد المتلقي وترحيبه بما يطرح ويقال ،وهذا يدل على غياب الوعي ومرض القلب ،لأنه قد يكون من فئة حاقدة على الدّين وأهله يتصيدون الأخطاء وينشرونها على الملا

6- في القراءة الثانية ، " إذ تلقونه" بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف، أي من ولق اللسان وهو الكذب الذي تعود صاحبه عليه، وهو من صفات المنافقين التي حذر الله منها

7- قوله (بِأَلْسِنَتِكُمْ) تصور هذه الكلمة اختلال موازين التلقي عند هولاء حيث ذكر اللسان مكان أداة التلقي "السمع" وفي ذلك دلالة على أنه مجرد نقل كلام من لسان إلى لسان دون تمحيص ولا ترو، وإنما حباً للحديث ونشر الإشاعة .

8- كذلك من دلالة الجمع في الكلمة كثرة الخائضين الواقعين فيه

9- قوله (وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم) مبالغة وإلزام وتأكيد، وفي ذكرها مباشرة بعد "إِذْ تَلَقَّوْنَهُ" دلالة على سرعة انتشار الشائعة وتنقلها بين الناس ،وكذلك مجيئها بالفعل المضارع دلالة على تجددها واستمرارها

10- كذلك اختيار لفظة "تَقُولُونَ" دون غيرها فيه دلالة على تعظيم هذا لكلام الذي خرج منهم وتفوه به

11- قوله (بِأَفْوَاهِكُم ) فيها اشارة إلى إن المتلقي قد اهتم به فأشغل لسانه بالخوض فيه وملئ فاه به تشدقاً ،وكذلك تدل نسبة الأقوال إلى الأفواه إلى عدم مصداقية هذا القول وإنما خرج دون تمحيص ولا علم

12- قوله "مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ" تأكيد لما سبق من قبل وأنه مجرد الفاظ خرجت من الأفواه ولم تمر على القلب ولا الفكر

13- قوله (وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا ) أي ذنبا سهلا لا تبعة عليه وذلك لغفلتهم واعتيادهم على الخوض والكذب والطعن في الناس

14- قوله (وَهُوَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمٌ ) ختم الله الآية أشدّ ما يكون من الزجر والتهديد،حيث بين أنه في علمه وشرعه شيئ عظيم لا ينبغي أن يتساهل به .

رد مع اقتباس
  #16  
قديم 10 صفر 1438هـ/10-11-2016م, 09:29 PM
تماضر تماضر غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 521
افتراضي

﴿وَإِن كُنتُم في رَيبٍ مِمّا نَزَّلنا عَلى عَبدِنا فَأتوا بِسورَةٍ مِن مِثلِهِ وَادعوا شُهَداءَكُم مِن دونِ اللَّهِ إِن كُنتُم صادِقينَ﴾
[البقرة: 23]

القرآن الكريم هو معجزة النبي ﷺ ، ومن حكمة الله تعالى أن يرسل مع أنبيائه معجزات ترتبط باهتمام أقوامهم ليكون ذلك أبلغ في الإعجاز وأوضح في الحجة ، فإن اهتمام قريش كان منصبًا على اللغة العربية وكتابة الشعر والنثر ، والصور البلاغية فيها ، فلما أتاهم النبي ﷺ بهذا القرآن الكريم مع كونه أميّ لا يقرأ ولا يكتب علموا علم اليقين أنه ليس بكلام بشر ، لكن كثيرًا منهم أنكر ذلك استكبارًا ، وادعى بأن القرآن سحر أو أنه يعلمه بشر وهو ينقل ذلك لهم ، مع علمهم بأنه مع ما فيه من المعجزات العظيمة حتى البشر لا يستطيعون أن يأتوا بمثله فتحداهم الله تعالى بقوله : {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهدائكم من دون الله إن كنتم صادقين }
فبدأ الله سبحانه وتعالى هذه الآية بـ(إن) في قوله (إن كنتم في ريب) وهو معلوم أنهم في ريب وشك ؛ لأن القرآن الكريم مع ما فيه من الألفاظ والآيات والسور ما لو تدبره العقل السليم لجزم بكونه من عند الله تعالى فإنه جاء على فصاحة وبلاغة ما عهدوا مثلهما من بلغائهم وفصحائهم ، حتى لقد سجد بعضهم لبلاغته واعترف بعضهم بأنه ليس بكلام بشر ، فيكون التعبير بإن توبيخًا على تحقق ذلك الشرط كأن ريبهم بالقرآن مستضعف الوقوع وإشارة إلى أن هذا الريب والشك بعيد عند العقلاء في مثل هذا الأمر الواضح ، فقد اشتمل على أبلغ الكلام والمعاني ولم يزل العلم حتى زماننا هذا يظهر خبايا القرآن ويبين صدقه وأنه من الله تعالى ، وفي هذا إثبات لنبوة محمد ﷺ بإقامة الدليل على أن هذا القرآن من عند الله ، فإنه تعالى لما قدم إثبات الألوهية لله (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم...) ذكر بعدها إثبات نبوة محمد ﷺ بإثبات ما جاء به.
ثم قال سبحانه (في ريب) فأتى بفي الدالة على الظرفية لبيان أنهم قد امتلكهم الريب وأحاط بهم إحاطة الظرف بالمظروف .
ثم أشار إلى عظمته وعظمة المنزل عليه بنون الجمع التفاتا من الغيبة إلى التكلم فقال : (مما نـزلنا) وبيان إلى أن القرآن كلام الله منزل من عند الله ليس مخلوقًا وقيل أنه عبر ب(نزلنا) دون (أنزلنا) لأن القرآن نزل منجمًا مفرقًا على رسول الله حسب الوقائع والأحداث ، ليكون في ذلك تثبيتا لقلبه ﷺ ولقلوب المؤمنين ، ثم قال (على عبدنا) أي محمد ﷺ وفي ذكره ﷺ بالعبودية مع الإضافة إلى ضمير اسم الله تشريف وتكريم وتنويه وتنبيه على اختصاصه به عز وجل وانقياده لأوامره واستجابته له ، فإن مقام العبودية لله أسمى المقامات وأرفعها للعبد ، بعد أن أثبت إنزال القرآن على نبيه ﷺ ذكر التحدي بقوله(فأتوا بسورة من مثله) بصيغة الأمر والمراد التعجيز ، والسورة قطعة من القرآن معينة ، فتميزه عن غيرها من أمثالها بمبدأ ونهاية تشتمل على ثلاث آيات فأكثر في غرض تام أو عدة أغراض ، وجاءت بصيغة النكرة (سورة) لإرادة العموم والشُّمول، والإفراد أو النوعية، أي بسورة واحدة من نوع السور، وذلك صادق بأقل سورة تُرجمت باسم يخصها ، وإنما كان التحدي بسورة ولم يكن ببعضها أو جزء منها لأن من جملة وجوه الإعجاز أمورًا لا تتضح إلا بالنظر إلى السورة بكاملها في مراعاة الخصوصيات المناسبة لبداية السورة ونهايتها وصحة التقسيم والإجمال والتفصيل والاختصار والإطناب والفصل والوصل إلى غير ذلك من الوجوه مما يرجع فيه إلى مجموع الكلام ولا تظهر مطابقتها إلا إذا انتهى الكلام وتم الغرض حقه ، فلا شك أن نظم القرآن إعجاز يفوت قدرة البشر غير إعجاز جمله وتراكيبه وفصاحة ألفاظه ، فكانت السورة من القرآن كخطبة الخطيب أو شعر الشاعر لا يحكم لها بالتوفق وحسن النظم إلا باعتبار مجموعها مع اعتبار أجزائها.
وقد كان التحدي قبل ذلك بالإتيان يكتاب مثله كما ورد في سورة الإسراء( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) . فَلَمَّا عَجَزُوا تحداهم بالإتيان بعشر سور مثله كما ورد ذلك فِي سورة هُودٍ :( أَم يَقولونَ افتَراهُ قُل فَأتوا بِعَشرِ سُوَرٍ مِثلِهِ مُفتَرَياتٍ وَادعوا مَنِ استَطَعتُم مِن دونِ اللَّهِ إِن كُنتُم صادِقينَ) فلما عجزوا تحداهم بالإتيان بسورة من مثله كما في هذه الآية ﴿وَإِن كُنتُم في رَيبٍ مِمّا نَزَّلنا عَلى عَبدِنا فَأتوا بِسورَةٍ مِن مِثلِهِ وَادعوا شُهَداءَكُم مِن دونِ اللَّهِ إِن كُنتُم صادِقينَ﴾
وما ورد في سورة يونس ﴿أَم يَقولونَ افتَراهُ قُل فَأتوا بِسورَةٍ مِثلِهِ وَادعوا مَنِ استَطَعتُم مِن دونِ اللَّهِ إِن كُنتُم صادِقينَ﴾
ومعنى (من مثله) أي شبيهة له ومماثلة له تمام المماثلة في فصاحته وفيما تضمنه من العلوم والحكم العجيبة والبراهين الواضحة ، وضمير (من مثله ) قيل يعود إلى:
1-القرآن في قوله (ما نزلنا)
2-وقيل يجوز عوده على (عبدنا) أي محمد ﷺ.
والمعنى على عوده إلى (ما نزلنا) أي بكتاب مثل القرآن أو بمثل سورة منه ،
ولا يعني أن هذا المثل موجود لأن الكلام في سياق التعجيز والتحدي.
وإن كان الضمير يعود على عبدنا أي ائتوا بسورة من مثل محمد ﷺ رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب.
والأرجح الأول والله أعلم ، لكن ابن عاشور رحمه الله وغفر له جمع بين الأقوال فقال:
وَعِنْدِي أَنَّ الِاحْتِمَالَاتِ الَّتِي احْتَمَلَهَا قَوْلُهُ: مِنْ مِثْلِهِ كُلَّهَا مُرَادَةٌ لِرَدِّ دَعَاوِي الْمُكَذِّبِينَ فِي اخْتِلَافِ دَعَاوِيهِمْ فَإِنَّ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: الْقُرْآنُ كَلَامُ بَشَرٍ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: هُوَ مُكْتَتَبٌ مِنْ أَسَاطِيرِ الْأَوَّلِينَ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ.
وَهَاتِهِ الْوُجُوهُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ تُفَنِّدُ جَمِيعَ الدَّعَاوِي فَإِنْ كَانَ كَلَامَ بَشَرٍ فَأَتَوْا بِمُمَاثِلِهِ أَوْ بِمِثْلِهِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَسَاطِيرِ الْأَوَّلِينَ فَأْتُوا أَنْتُمْ بِجُزْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأَسَاطِيرِ، وَإِنْ كَانَ يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ فَأْتُوا أَنْتُمْ مِنْ عِنْدِهِ بِسُورَةٍ فَمَا هُوَ بِبَخِيلٍ عَنْكُمْ إِنْ سَأَلْتُمُوهُ. وَكُلُّ هَذَا إِرْخَاءٌ لِعِنَانِ الْمُعَارَضَةِ وَتَسْجِيلٌ لِلْإِعْجَازِ عِنْدَ عَدَمِهَا.
فَالتَّحَدِّي عَلَى صِدْقِ الْقُرْآنِ هُوَ مَجْمُوعُ مُمَاثَلَةِ الْقُرْآنِ فِي أَلْفَاظِهِ وَتَرَاكِيبِهِ، وَمُمَاثِلَةُ الرَّسُولِ الْمُنَزَّلِ عَلَيْهِ فِي أَنَّهُ أُمِّيٌّ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ تَعْلِيمٌ وَلَا يَعْلَمُ الْكُتُبَ السَّالِفَةَ.
وقوله سبحانه: (وَادْعُوا شُهَداءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ)
معطوف على (فأتوا بسورة ) أي ائتوا بها وادعوا شهدائكم ، يتضمن ذلك طلب حضور المدعو ، وإن كان يتضمن استعطافه وسؤاله الفعل فالمراد ادعوا نصرائكم وفصحائكم من أهل البلاغة أو المراد ادعوا آلهتكم التي تعبدون من دون الله كعادتكم في الفزع إليهم عند مهماتكم واستعينوا بهم على آداء هذه المهمة.
قال ابن عاشور: فِي الْآيَةِ إِدْمَاجُ تَوْبِيخِهِمْ عَلَى الشِّرْكِ فِي أَثْنَاءِ التَّعْجِيزِ عَنِ الْمُعَارَضَةِ وَهَذَا الْإِدْمَاجُ مِنْ أَفَانِينِ الْبَلَاغَةِ، أَنْ يَكُونَ مُرَادُ الْبَلِيغِ غَرَضَيْنِ فَيُقْرِنُ الْغَرَضَ الْمَسُوقَ لَهُ الْكَلَامُ بِالْغَرَضِ الثَّانِي وَفِيهِ تَظْهَرُ مَقْدِرَةُ الْبَلِيغِ إِذْ يَأْتِي بِذَلِكَ الِاقْتِرَانِ بِدُونِ خُرُوجٍ عَنْ غَرَضِهِ الْمَسُوقِ لَهُ الْكَلَامُ وَلَا تكلّف.
قَالَ الْحَرْث بْنُ حِ
الْإِدْمَاجُ مِنَ الْمُحَسِّنَاتِ الْبَدِيعَةِ وَهُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يُعَدَّ فِي الْأَبْوَابِ الْبَلَاغِيَّةِ فِي مَبْحَثِ الْإِطْنَابِ أَوْ تَخْرِيجِ الْكَلَامِ عَلَى خِلَافِ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ، فَإِنَّ آلِهَتَهُمْ أَنْصَارٌ لَهُمْ فِي زَعْمِهِمْ.

وفي قوله (من دون الله ) أي اجعلوا جانب الله المنزل لهذا الكتاب كالمشهود عليه تيسيرا لكم في هذا التحدي ؛ لأن شدة العجز تكون بمقدار تيسير أسباب العمل
، وقيل من دون الله يعني شهداء يقفون بين يديه ، وقيل من دون الله من دون حزب الله وهم المؤمنين ، بأن يكون شهدائكم من الكفار المعرضين الذين هم على دينكم.
وختم الآية بقوله : ﴿إن كنتم صادقين﴾ إيماء إلى كذبهم في دعوى الشك في القرآن ، وأنهم في الواقع يعرفون حقيقة أمره وأنه ليس بكلام البشر وإنما كفروا استكبارًا منهم على الحق ، وجواب الشرط محذوف دل عليه ما قبله أي : إن كنتم صادقين في دعواكم فأتوا بمثله واستعينوا بآلهتكم على ذلك.
فأبطل الله سبحانه دعواهم وبين ضعفهم وعجزهم وعدم استطاعتهم على الإتيان بمثل هذا القرآن أو سورة مثله فبطل كل ما ادعوه فيه وظهر الحق ، وفقني الله وإياكم للعلم بهذا القرآن العظيم والعمل بما فيه وتبليغه ، وجعلنا الله من أهل القرآن الذين هم أهله وخاصته إنه ولي ذلك والقادر عليه.

استفدت في هذه الرسالة بالرجوع إلى عدة تفاسير منها؛
تفسير ابن عاشور ، تفسير ابن جزي ، مدارك التنزيل وحقائق التأويل لأبي البركات النسفي.

رد مع اقتباس
  #17  
قديم 22 صفر 1438هـ/22-11-2016م, 11:18 PM
الشيماء وهبه الشيماء وهبه غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Dec 2012
المشاركات: 1,465
افتراضي

{ لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ } آل عمران

في تلك الآية الكريمة يبين الله تعالى لنا نعمته على أمة الإسلام ، أمة خاتم النبيين ، الأمة التى اكتمل بها الدين فلا يقبل بعدها دين سواه .
والمنة هي الإحسان والإنعام ولفظ المنة يتضمن التذكير بالإحسان افتخارًا به ولا تكون المنة محمودة إلا من الله تعالى العزيز الكريم صاحب المنة والفضل على عباده أجمعين له الكبرياء والعظمة والقوة لا إله إلا هو صاحب الملك والأمر .

وأصل المن القطع ، وسميت النعمة منة لأنه يقطع بها عن البلية ، وكذا الاعتداد بالصنيعة منا لأنه قطع لها عن وجوب الشكر عليها. ذكره الألوسي

واختص الله تعالى ذكر المؤمنين هنا بتلك بالنعمة دون ذكر سائر العرب لأنهم هم المنتفعون حقًا بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم وهم الذين سيلحقهم الشرف إلى آخر الزمان لاتباعهم إياه ولنصرتهم لهذا الدين ولرفعهم راية الإسلام .
والجملة الكريمة جواب قسم محذوف والتقدير: والله لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. ذكره الطنطاوي

وفي قوله تعالى " من أنفسهم " عدة تأويلات لأهل التفسير منها :
- أنه من جنسهم عربيًا مثلهم يتكلم بلسانهم .
- أنه من بني البشر وليس جنيًا أو ملكًا .
- أنه من قبيلة وقومه خاصة .
والأول الراجح ، قال ابن عاشور في ذلك :
ومعنى { من أنفسهم } المماثلةُ لهم في الأشياء التي تكون المماثلة فيها سبباً لقوّة التواصل ، وهي هنا النسب ، واللغة ، والوطن . والعرب تقول : فلان من بني فلان من أنفسهم ، أي من صميمهم ليس انتسابه إليهم بوَلاء أو لصق ، وكأنّه هذا وجه إطلاق النفس عليه التي هي في معنى المماثلة ، فكونه من أهل نسبهم أي كونه عربياً يوجب أنسهم به والركون إليه وعدم الاستيحاش منه ، وكونه يتكلّم بلسانهم يجعلهم سريعين إلى فهم ما يجيء به ، وكونه جاراً لهم وربيّا فيهم يعجّل لهم التصديق برسالته ، إذ يكونون قد خبَروا أمره ، وعلموا فضله ، وشاهدوا استقامته ومعجزاته . وعن النقاش : قيل ليس في العرب قبيلة إلا ولها ولادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ تغْلِب ، وبذلك فسّر : « قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى » . وهذه المنّة خاصّة بالعرب ومزيّة لهم ، زيادة على المنّة ببعثة محمد على جميع البشر ، فالعرب وهم الذين تلقّوا الدعوة قبل الناس كلّهم ، لأنّ الله أراد ظهور الدين بينهم ليتلقّوه التلقّي الكامل المناسب لصفاء أذهانهم وسرعة فهمهم لدقائق اللغة ، ثم يكونوا هم حملته إلى البشر ، فيكونوا أعواناً على عموم الدعوة ، ولمن تخلّق بأخلاق العرب وأتقن لسانهم والتبس بعوائدهم وأذواقهم اقتراب من هذه المزيّة وهو معظمها ، إذ لم يَفته منها إلا النسب والموطن وما هما إلا مكمّلان لحسن التلقّي ، ولذلك كان المؤمنون مدّة حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم من العرب خاصّة بحيث إنّ تلقّيهم الدعوة كان على سواء في الفهم حتى استقرّ الدين .انتهى

ومعنى يزكيهم :
التزكية اسم مصدر من زكى ، وتزكية النفس أى طهارتها وإصلاحها
والتزكية من الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمنين بدعوتهم لما فيه طهارتهم من دنس الشرك إلى التوحيد الخالص لله وبإخراجهم من ظلمات الضلالة لنور الهداية وبطهارة نفوسهم وإصلاحها لما فيه الفلاح والفوز والسعادة والرشاد .

ولقد ذكرت التزكية في القرآن الكريم بهذا المعنى في موضعين غير هذا الموضع :
الأول : دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام في قوله تعالى{ بَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ ۚ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } البقرة
الثاني : قوله تعالى { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ }الجمعة

وفي سبب تقديم التزكية على التعليم في موضعين آل عمران والجمعة وتأخيرها في موضع البقرة أقوال لأهل البلاغة والتفسير ومنها :

- أن موضعين آل عمران والجمعة فيهما امتنان الله تعالى على عباده بنعمة بعث الرسول صلى الله عليه وسلم وبما أن التزكية تكون في القلوب باطنة و تكون منة من رب العزة على عباده فتقدم ذكرها .
- وقيل أن هذا من باب تقديم الأهم والأصل والغاية من الرسالة
قال الشيخ ناصر الشيرازي : هذا من حيث إن الهدف الأصلي هو «التربية» لذلك قدمت على «التعليم» مع أن الحال ـ من حيث الترتيب الطبيعي ـ تقتضي تقديم التعليم على التربية .
كما ذكر على لسان نبي الله تعالى إبراهيم عليه السلام .

وقال الأستاذ فريد الأنصاري حول ذلك كلام بديع فقال : إن العطف بالواو هنا لا يفيد الترتيب ، لكن التقديم والتأخير في البلاغة يفيد الأهمية ؛ ومن هنا جاء تقديم التزكية في آيتي "آل عمران" و"الجمعة" من باب ذكر (المقاصد قبل الوسائل)..، وحتى لا يفتتن السائر بالوسيلة ( العلم والحكمة)،عن الغاية (التزكية)،فيضل عنها ويكون من الخاسرين... والتزكية تربية وتنمية لعناصر الخير والإيمان في الإنسان حتى يصفو قلبه ، ويصل في النهاية إلى مرتبة النفس الزكية التي تتخلق بالقرآن
والتزكية عملية متواصلة تبدأ عند الدخول في العتبات الأولى للقرآن الكريم تلاوة وترتيلا ثم تعلما وتعليما ، وتدارسا وتدريسا حتى يصبح المؤمن ساعتها كحقل القمح "الصالح" ، والذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله " مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير ، أصاب أرضا فكان منها طائفة طيبة ، قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير . وكانت منها أجادب أمسكت الماء ،فنفع الله بها الناس ، فشربوا وسقوا وزرعوا . وأصاب منها طائفة أخرى إنما هي قيعان لاتمسك ماء ،ولا تنبت كلأً ! فذلك مثل من فقه في دين الله ،ونفعه ما بعثني الله به ؛فعلم وعلّم !ومثل من لم يرفع بذلك رأسا، ولم يقبل هدى الله الذي أُرسلت به "
فتلك الأراضي الطيبة أولا(قبلت الماء) أي الاستعداد للتلقي ، ثم أنبتت العشب والكلأ وهي ثمرة ناتجة عن ذلك الاستعداد والقبول، فإن لم يحدث الاستقبال والاستعداد لن يتم الإنبات ، كذلك القلوب لابد أولا من تهيئتها لاستقبال الهدى " التزكية" ثم التفقه في الدين ليكون ذلك التفقه والتعلم أعظم أثرا ،وأجود ثمرة ، وليس المقصود مجرد التفقه في الدين ولكن كل معاني العلم بالله ، وبالحقائق الإيمانية، وما يقتضيه ذلك كله من الحكمة.. وهو مقصود قوله تعالى في الآية ( ويعلمهم الكتاب والحكمة انتهى )

ومن هذا يظهر لنا بلاغة القرآن الكريم وإعجازه البياني في كل لفظة وفي كل حرف منه وفي كل مناسبة لتقديم أو تأخير أو حذف وغير ذلك من العلوم التى يجب على المختصين إظهار الإعجاز اللغوي فيها بما يتناسب مع أقوال القرون الأول في تفسير معاني القرآن وأسباب النزول وغير ذلك وهذا باب لا تنقضي عجائبه ولا تنفذ أسراره نسأل الله تعالى أن يوفقنا وإياكم لفهم مراده من كلامه على الوجه الذي يرضيه عنا اللهم آمين .


_________________________________________________
أعتذر عن القصور في ذلك النوع من الرسائل لضعفي في هذا الجانب والله نسأل أن يعلمنا .

رد مع اقتباس
  #18  
قديم 13 ربيع الثاني 1438هـ/11-01-2017م, 05:38 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

تابع تقويم تطبيقات الأسلوب البياني


1: منيرة محمد أ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك

2: تماضر أ+

أحسنت بارك الله فيك ونفع بك

3: الشيماء وهبة ج+
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
- تجنّبي تفاسير الرافضة في هذه المرحلة.
وأوصيك بمراجعة رسالة الأخت عابدة، ففيها عرض سهل لأنواع البلاغة التي اشتملت عليها الآية يقرّب لك الصورة أكثر بإذن الله، واحرصي على استخراج المسائل من الآية أولا كما تدرّبنا من قبل فهذا سيساعدك أكثر إن شاء الله، بارك الله فيك.


رزقكم الله العلم النافع والعمل الصالح

رد مع اقتباس
  #19  
قديم 29 ربيع الثاني 1438هـ/27-01-2017م, 01:02 AM
هبة الديب هبة الديب غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,274
افتراضي

في قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (الأنعام: 125)

في هذه الآية الكريمة يبين لنا الله تعالى فيها جانبا من بلاغة كتابه وأساليبه البيانية البديعية ؛من استعارة وتشبيه وطباق وجناس وحذف وغير ذلك من أنواع البيان اللغوي ، تضفي عليه بيانا فوق بيانه ، وتزيده حلة فوق حلته ، فسبحان من أكرم عباده بهذه النعمة ، نعمة فيها الهداية والاستقامة والراحة والطمأنينة، وله من الأوصاف التي لو أدركها العبد لتشبث به ليلا ونهارا لا يبتغي غيره .

فبين الهداية وشرح الصدر وبين الضلال وضيق الصدر طباق واضح يتضح من خلال تفسير الآية.

تبين لنا الآية الكريمة أنّ الأسباب الظاهرة أمامنا لهداية العباد للإسلام متعددة ،لكنّ المؤثر الحقيقي في ذلك هو الهدي الرباني الموفق لذلك .
يقول تعالى "فمن يرد الله أن يهديه" ، من :اسم الشرط، يرد : فعل الشرط، فإرادة الله ومشيئته هي المؤثرة ، وغيرها مجرد أسباب .
الهداية تأتي في كتاب الله تعالى على معنيين: إما بمعنى الإرشاد والدلالة كما في قوله تعالى :"وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم " وهذا النوع مثبت للأنبياء والرسل ومن سار على نهجهم، هم أسباب قد يؤثرون بأمر الله ، وهذا النوع من الهداية شمل جميع عباد الله سواء من آمن منهم أو لم يؤمن؛ فالرسل والأنبياء جاءوا لجميع الأمم قال تعالى :" وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " ، والمعنى الثاني من الهداية مختص بالله تعالى وحده وهي هداية التوفيق، هذه الهداية خصّها الله تعالى بمن شاء من عباده ، وهي المرادة في الآية معنا، وهي كما قال تعالى في سورة مريم :" ويزيد الله الذين اهتدوا هدى " ، وكما في قوله تعالى في سورة المائدة :"يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ".

كيف يهيئ الله تعالى العبد للإسلام ؟
فمن شاء تعالى هدايته:" يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ " هنا جواب الشرط ، الشرح في اللغة :الفتح والبيان والكشف، أييفتح قلبه و يوسعه للإسلام فيدخل فيه النور فينشرح صدره لقبول الشرع ،قال أبي جعفر لما نزلت هذه الآية: {فَمَنْ يُرِدَ اللّهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلامِ} قالوا: كيف يشرح الصدر؟ قال: «إذا نَزَلَ النُّورُ في القَلْبِ انْشَرَحَ له الصَّدْرُ وانْفَسَحَ». قالوا: فهل لذلك آية يعرف بها؟ قال: «نَعَمْ، الإنَابَةُ إلى دَار الخُلُودِ، والتَّجَافي عن دَارِ الغُرُورِ، والاسْتِعْدَادُ للمَوْتِ قَبْلَ الفَوْتِ».

في المقابل من أراد الله تعالى إضلاله، كيف سيكون حاله؟ "وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا " ضيّق عليه صدره فلا يتسع لقبول الحق لانشغاله بالباطل وانغماسه في الشبهات والشهوات ،فغلب الكفر عليه .
أمّا الحَرَجُ فجمع حَرَجة: وهي الشجرة الملتفّ بها الأشجار، لا يدخل بينها وبينها شيء لشدّة التفافها بها.
وقد ذُكر الحرج في القرآن على ثلاثة أوجه كما ذكر جمال الدين أبو الفرج الجوزي في كتابه نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنواظر .
بمعنى الضيق ؛كقوله تعالى :" ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج" المائدة، وبمعنى الشك :كقوله تعالى :" ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت " النساء.
وبمعنى الإثم كما في قوله تعالى :" ليس على الأعمى حرج .."

، لكن لنلحظ أنّ الله تبارك وتعالى قال ضيّقا حرجا ،فهل هناك فرق في اللفظتين ؟
العلماء في هذه المسألة اختلفوا على أقوال :

1: منهم من رأى أنها من باب توالي الخاص بعد العام، قال ابن القيم في شفاء العليل أنّ الحرج هو الشديد الضيّق ، قال الزجاج :الحرج أضيق الضيق.
2: الضيق أحد معاني الحرج ولوازمه، ويظهر ذلك في معاجم اللغة ،ذكر أبو الراغب الأصفهاني:الحرج:اجتماع أشياء،ويلزمه الضيق فاستعمل فيه،ثم قيل حرج إذا قلق وضاق صدره،ثم استعمل في الشك لأن النفس تقلق منه ولا تطمئن .
3: ومنهم من رأى أنه تكرار يفيد التأكيد لمعنى الضيق ،كقول مكي بن أبي طالب وكذلك ابن عاشور.

وسواء أكان المعنى للتأكيد أو أضاف معنى جديد، فكليهما يدور حول ضيق صدر الضال وشدته ؛ ثم وصف الله تعالى هذا الضيق بقوله :"كأنما يصّعدُ في السماء "، والصُّعود من صعد المكان ، وفيه صعودا وأصعد وصعد : ارتقى مشرفا واستعاره بعض الشعراء للعرض الذي هو الهوى ، فقال : فأصبحن لا يسألنه عن بما به أصعد في علو الهوى أم تصوبا
والصعود : الذهاب إلى مكان عال، والسماء من السمو :أي العلو.

وكما قال القرطبي؛ هذا مثل من الله تعالى ضربه لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصوله إليه مثل امتناعه من الصعود إلى السماء "، وأضاف الألوسي أن في ذلك تنبيه على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع منه الصعود.فلا يستطيع قبول الإيمان ،فشبه البعد عن قبول الإيمان كالبعد بالصعود من الأرض إلى السماء .

إذن ..
كان لدينا تطابق في الآية من جهتين ، مطابقة بين الهداية والضلال ، وبين الانشراح والضيق ، ثم أتي بمثل ليقرب المعنى .

والعبرة أنّه على قدر ما معك من التوحيد يكون انشراح صدرك ، وكذلك يلازم الضيق ضلال صاحبه ، وهذا أيضا يلمسه أهل الإيمان فالإيمان يزيد وينقص ، يزيد بالطاعات فييضفي على صاحبه الانشراح والسرور ،وكلما بادر بالمعاصي تراه يشعر بضيق قد يغفل أن سببه معاصي تؤثر عليه .
أمّا حال الضال عن سبيل الله، فوصفه تعالى بعكس أهل الإيمان ، فهو في أشد حالات الضيق عند سماعه لدعوة الله تعالى وكأنّه كلف بما لا يطيق .


نسأل الله تعالى أن يشرح صدورنا بالعلم عنه ويثبتنا على دينه ويجنبنا طريق أهل الضلال .

رد مع اقتباس
  #20  
قديم 29 ربيع الثاني 1438هـ/27-01-2017م, 09:45 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هبة الديب مشاهدة المشاركة
في قوله تعالى: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ} (الأنعام: 125)

في هذه الآية الكريمة يبين لنا الله تعالى فيها جانبا من بلاغة كتابه وأساليبه البيانية البديعية ؛من استعارة وتشبيه وطباق وجناس وحذف وغير ذلك من أنواع البيان اللغوي ، تضفي عليه بيانا فوق بيانه ، وتزيده حلة فوق حلته ، فسبحان من أكرم عباده بهذه النعمة ، نعمة فيها الهداية والاستقامة والراحة والطمأنينة، وله من الأوصاف التي لو أدركها العبد لتشبث به ليلا ونهارا لا يبتغي غيره .

فبين الهداية وشرح الصدر وبين الضلال وضيق الصدر طباق واضح يتضح من خلال تفسير الآية.

تبين لنا الآية الكريمة أنّ الأسباب الظاهرة أمامنا لهداية العباد للإسلام متعددة ،لكنّ المؤثر الحقيقي في ذلك هو الهدي الرباني الموفق لذلك .
يقول تعالى "فمن يرد الله أن يهديه" ، من :اسم الشرط، يرد : فعل الشرط، فإرادة الله ومشيئته هي المؤثرة ، وغيرها مجرد أسباب .
الهداية تأتي في كتاب الله تعالى على معنيين: إما بمعنى الإرشاد والدلالة كما في قوله تعالى :"وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم " وهذا النوع مثبت للأنبياء والرسل ومن سار على نهجهم، هم أسباب قد يؤثرون بأمر الله ، وهذا النوع من الهداية شمل جميع عباد الله سواء من آمن منهم أو لم يؤمن؛ فالرسل والأنبياء جاءوا لجميع الأمم قال تعالى :" وإن من أمة إلا خلا فيها نذير " ، والمعنى الثاني من الهداية مختص بالله تعالى وحده وهي هداية التوفيق، هذه الهداية خصّها الله تعالى بمن شاء من عباده ، وهي المرادة في الآية معنا، وهي كما قال تعالى في سورة مريم :" ويزيد الله الذين اهتدوا هدى " ، وكما في قوله تعالى في سورة المائدة :"يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ".

كيف يهيئ الله تعالى العبد للإسلام ؟
فمن شاء تعالى هدايته:" يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ " هنا جواب الشرط ، الشرح في اللغة :الفتح والبيان والكشف، أييفتح قلبه و يوسعه للإسلام فيدخل فيه النور فينشرح صدره لقبول الشرع ،قال أبي جعفر لما نزلت هذه الآية: {فَمَنْ يُرِدَ اللّهُ أنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ للإسْلامِ} قالوا: كيف يشرح الصدر؟ قال: «إذا نَزَلَ النُّورُ في القَلْبِ انْشَرَحَ له الصَّدْرُ وانْفَسَحَ». قالوا: فهل لذلك آية يعرف بها؟ قال: «نَعَمْ، الإنَابَةُ إلى دَار الخُلُودِ، والتَّجَافي عن دَارِ الغُرُورِ، والاسْتِعْدَادُ للمَوْتِ قَبْلَ الفَوْتِ».

في المقابل من أراد الله تعالى إضلاله، كيف سيكون حاله؟ "وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا " ضيّق عليه صدره فلا يتسع لقبول الحق لانشغاله بالباطل وانغماسه في الشبهات والشهوات ،فغلب الكفر عليه .
أمّا الحَرَجُ فجمع حَرَجة: وهي الشجرة الملتفّ بها الأشجار، لا يدخل بينها وبينها شيء لشدّة التفافها بها.
وقد ذُكر الحرج في القرآن على ثلاثة أوجه كما ذكر جمال الدين أبو الفرج الجوزي في كتابه نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنواظر .
بمعنى الضيق ؛كقوله تعالى :" ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج" المائدة، وبمعنى الشك :كقوله تعالى :" ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت " النساء.
وبمعنى الإثم كما في قوله تعالى :" ليس على الأعمى حرج .."

، لكن لنلحظ أنّ الله تبارك وتعالى قال ضيّقا حرجا ،فهل هناك فرق في اللفظتين ؟
العلماء في هذه المسألة اختلفوا على أقوال :

1: منهم من رأى أنها من باب توالي الخاص بعد العام، قال ابن القيم في شفاء العليل أنّ الحرج هو الشديد الضيّق ، قال الزجاج :الحرج أضيق الضيق.
2: الضيق أحد معاني الحرج ولوازمه، ويظهر ذلك في معاجم اللغة ،ذكر أبو الراغب الأصفهاني:الحرج:اجتماع أشياء،ويلزمه الضيق فاستعمل فيه،ثم قيل حرج إذا قلق وضاق صدره،ثم استعمل في الشك لأن النفس تقلق منه ولا تطمئن .
3: ومنهم من رأى أنه تكرار يفيد التأكيد لمعنى الضيق ،كقول مكي بن أبي طالب وكذلك ابن عاشور.

وسواء أكان المعنى للتأكيد أو أضاف معنى جديد، فكليهما يدور حول ضيق صدر الضال وشدته ؛ ثم وصف الله تعالى هذا الضيق بقوله :"كأنما يصّعدُ في السماء "، والصُّعود من صعد المكان ، وفيه صعودا وأصعد وصعد : ارتقى مشرفا واستعاره بعض الشعراء للعرض الذي هو الهوى ، فقال : فأصبحن لا يسألنه عن بما به أصعد في علو الهوى أم تصوبا
والصعود : الذهاب إلى مكان عال، والسماء من السمو :أي العلو.

وكما قال القرطبي؛ هذا مثل من الله تعالى ضربه لقلب هذا الكافر في شدة تضييقه إياه عن وصوله إليه مثل امتناعه من الصعود إلى السماء "، وأضاف الألوسي أن في ذلك تنبيه على أن الإيمان يمتنع منه كما يمتنع منه الصعود.فلا يستطيع قبول الإيمان ،فشبه البعد عن قبول الإيمان كالبعد بالصعود من الأرض إلى السماء .

إذن ..
كان لدينا تطابق في الآية من جهتين ، مطابقة بين الهداية والضلال ، وبين الانشراح والضيق ، ثم أتي بمثل ليقرب المعنى .

والعبرة أنّه على قدر ما معك من التوحيد يكون انشراح صدرك ، وكذلك يلازم الضيق ضلال صاحبه ، وهذا أيضا يلمسه أهل الإيمان فالإيمان يزيد وينقص ، يزيد بالطاعات فييضفي على صاحبه الانشراح والسرور ،وكلما بادر بالمعاصي تراه يشعر بضيق قد يغفل أن سببه معاصي تؤثر عليه .
أمّا حال الضال عن سبيل الله، فوصفه تعالى بعكس أهل الإيمان ، فهو في أشد حالات الضيق عند سماعه لدعوة الله تعالى وكأنّه كلف بما لا يطيق .


نسأل الله تعالى أن يشرح صدورنا بالعلم عنه ويثبتنا على دينه ويجنبنا طريق أهل الضلال .
بارك الله فيك وأحسن إليك.
الرسالة يغلب عليها أسلوب التقرير العلمي، وكان يجب أولا استخلاص مسائل الآية بالنظر أولا قبل كتابة الرسالة، وأنت ماهرة فيها كما تعودنا منك، زادك الله من فضله.
ومقصود كتابة الرسالة بالأسلوب البياني هو الكشف عن فصاحة ألفاظ وأساليب الآية وبيان تنوّع وسعة المعاني التي دلّت عليها هذه الصياغة دون غيرها.
سأذكر لك بعض المسائل كما تدرّبنا من قبل وأترك لك الفرصة للبحث إن شاء الله فيها أو في بعضها بحسب ما يتيسّر لك، وهي فرصة للتعرّف على المسائل اللغوية في الآية وليس القصد إلزام الطالب بتحريرها جميعا في هذه المرحلة.

- دلالة أسلوب الشرط في الآية.
- ما يفيده التصريح باسم الجلالة في قوله: {فمن يرد الله}.
- دلالة مجيء الأفعال "يرد"، "يهديه"، "يشرح"، "يضلّه"، "يجعل" في صيغة المضارع.
- معنى الهداية.
- فائدة استعمال "أن" والفعل في قوله: {أن يهديه} دون استعمال المصدر الصريح "هدايته"، وكذلك في قوله: {أن يضلّه} ولم يقل "إضلاله".
- معنى "الشرح" ودلالة استعماله دون غيره من الأفعال.
- معنى "الإسلام".
- ما يفيده عدم التصريح باسم الجلالة في قوله: {ومن يرد أن يضلّه}.
- معنى الإضلال.
- لم استعمل الفعل في قوله: {يشرح صدره للإسلام}، وفي قوله: {يجعل صدره ضيقا حرجا} لم يقل يضيّق صدره؟
- دلالة صيغة المبالغة في "ضيّقا".
- أصل اشتقاق الحرج.
- الفرق بين الضيق والحرج.
- دلالة مجيء الفعل "يصّعد" بصيغة التشديد.
- دلالة مجيء الفعل "يصعّد" بصيغة المضارع.
- معنى "السماء".
- معنى تعدية الفعل بالحرف "في" في قوله تعالى: {يصعّد في السماء}.
- وجه الشبه بين حال الضلالة وبين حال الصعود في السماء.
- التصريح باسم الجلالة في قوله: {كذلك يجعل الله}.
- معنى الرجس.
- معنى تعدية الفعل بـ "على" في قوله: {على الذين لا يؤمنون}.
- فائدة الإظهار في قوله: {على الذين لا يؤمنون} ولم يقل: {عليهم}.
- سر التعبير بقوله: {لا يؤمنون} دون وصفهم بالكافرين.
- ما يفيده بناء الفعل {يؤمنون} في صيغة المضارع.
- ما يفيده تقديم ذكر الهداية على الضلالة.

التقويم: ج
والفرصة متاحة لإعادة التطبيق بإذن الله.
وفقك الله.

رد مع اقتباس
  #21  
قديم 11 جمادى الآخرة 1438هـ/9-03-2017م, 04:11 AM
نبيلة الصفدي نبيلة الصفدي غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى السابع
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 508
افتراضي سورة الكوثر

إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
سورة الكوثر هي إنجاز لما وعد الله رسوله في سورة الضحى " ولسوف يعطيك ربك فترضى " فكان من هذا العطاء الكوثر الذي اختص به نبيه وليس لأحد غيره فجاءت بداية السورة :
" إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ " بتقديم ضمير المؤكد "إنا" على الفعل "أعطيناك" مما أفاد الاختصاص والإهتمام فهذا العطاء للرسول صلى الله عليه وسلم دون سواه
" إِنَّا" ضمير التعظيم ومؤكد
" أَعْطَيْنَاكَ" : فعل يدل على التمليك والتصرف فيما أعطي كيفما يشاء ، وهو بهذا الموضع أبلغ من فعل (آتيناك ) لأن فعل آتى يشمل أيضا النزع فليس كأعطى للتمليك .
" الكوثر " من صفات المبالغة (فوعل ) فهي تدل على المبالغة في الخير وقيل عن الكوثر أقوال عديدة منها : أنه نهر في الجنة وقيل الحوض وقيل رفعة الذكر وغيرها وكلها تدل على الخير الكثير
- لإطلاق معنى الخير في هذه الآية حذف الموصوف
" فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ":
الفاء حرف عطف أفاد التعقيب أي بسبب عطاءه للكوثر وجب عليه شكر
وهذا العطاء يستوجب الحمد الكثير لذا طلب الله تعالى من رسوله أمران :
الصلاة وتتعلق بالله تعالى وهي أعظم ركن من أركان الإسلام فهي أعلى درجات الشكر
النحر وتتعلق بالعباد ، وفيه إعطاء خلق الله والشفقة عليهم والإحسان إليهم فيكون شكر الله
اللام في لربك تفيد الاختصاص والقصد أن الصلاة لاتكون إلا لله وحده
وبهذه الآية أسلوب التفات من الحضور إلى الغيبة حتى لايتوهم متوهم أن الصلاة تكون لأي معطي وإنما الصلاة لله وحده
كلمة العطاء بالقرآن كله اقترنت بلفظ الرب الذي هو المربي والمعطي
" وَانْحَرْ": النحر باللغة لايستخدم إلا مع الإبل وهو من خيار أموال العرب ، وبهذا يكون نحر الإبل وهو خير الأموال يتناسب مع هذا العطاء الكبير.
" إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ" :
الأبتر في اللغة له عدة معان :
1- كل أمر انقطع من الخير أثره فهو أبتر
2- إذا مات أولاد الشخص الذكور أو لم يكن له ولد ذكر أصلا
3- الأبتر : الخاسر
وأشهر ماذكر في سبب نزول الآية حادثة وفاة ابني الرسول صلى الله عليه وسلم
" شَانِئَكَ " مبغضك
هو الأبتر : ضمير الفصل " هو " ولام التعريف في الأبتر تفيد التخصيص والحصر بأن مبغضك يامحمد هو الأبتر حصراً
الأبتر صفة مشبهة بالفعل على وزن أفعل تفيد الثبوت والاستمرارية في الدنيا والآخرة
فمبغضك ومبغض ما جئت به من الهدى والنور, هو المنقطع أثره, المقطوع من كل خير

رد مع اقتباس
  #22  
قديم 11 شوال 1438هـ/5-07-2017م, 10:07 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة نبيلة الصفدي مشاهدة المشاركة
إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (1) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (2) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ (3)
سورة الكوثر هي إنجاز لما وعد الله رسوله في سورة الضحى " ولسوف يعطيك ربك فترضى " فكان من هذا العطاء الكوثر الذي اختص به نبيه وليس لأحد غيره فجاءت بداية السورة :
" إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ " بتقديم ضمير المؤكد "إنا" على الفعل "أعطيناك" مما أفاد الاختصاص والإهتمام فهذا العطاء للرسول صلى الله عليه وسلم دون سواه
" إِنَّا" ضمير التعظيم ومؤكد
" أَعْطَيْنَاكَ" : فعل يدل على التمليك والتصرف فيما أعطي كيفما يشاء ، وهو بهذا الموضع أبلغ من فعل (آتيناك ) لأن فعل آتى يشمل أيضا النزع فليس كأعطى للتمليك .
" الكوثر " من صفات المبالغة (فوعل ) فهي تدل على المبالغة في الخير وقيل عن الكوثر أقوال عديدة منها : أنه نهر في الجنة وقيل الحوض وقيل رفعة الذكر وغيرها وكلها تدل على الخير الكثير
- لإطلاق معنى الخير في هذه الآية حذف الموصوف
" فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ":
الفاء حرف عطف أفاد التعقيب أي بسبب عطاءه للكوثر وجب عليه شكر
وهذا العطاء يستوجب الحمد الكثير لذا طلب الله تعالى من رسوله أمران :
الصلاة وتتعلق بالله تعالى وهي أعظم ركن من أركان الإسلام فهي أعلى درجات الشكر
النحر وتتعلق بالعباد ، وفيه إعطاء خلق الله والشفقة عليهم والإحسان إليهم فيكون شكر الله
اللام في لربك تفيد الاختصاص والقصد أن الصلاة لاتكون إلا لله وحده
وبهذه الآية أسلوب التفات من الحضور إلى الغيبة حتى لايتوهم متوهم أن الصلاة تكون لأي معطي وإنما الصلاة لله وحده
كلمة العطاء بالقرآن كله اقترنت بلفظ الرب الذي هو المربي والمعطي
" وَانْحَرْ": النحر باللغة لايستخدم إلا مع الإبل وهو من خيار أموال العرب ، وبهذا يكون نحر الإبل وهو خير الأموال يتناسب مع هذا العطاء الكبير.
" إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ" :
الأبتر في اللغة له عدة معان :
1- كل أمر انقطع من الخير أثره فهو أبتر
2- إذا مات أولاد الشخص الذكور أو لم يكن له ولد ذكر أصلا
3- الأبتر : الخاسر
وأشهر ماذكر في سبب نزول الآية حادثة وفاة ابني الرسول صلى الله عليه وسلم
" شَانِئَكَ " مبغضك
هو الأبتر : ضمير الفصل " هو " ولام التعريف في الأبتر تفيد التخصيص والحصر بأن مبغضك يامحمد هو الأبتر حصراً
الأبتر صفة مشبهة بالفعل على وزن أفعل تفيد الثبوت والاستمرارية في الدنيا والآخرة
فمبغضك ومبغض ما جئت به من الهدى والنور, هو المنقطع أثره, المقطوع من كل خير
التقويم : أ

أحسنتِ ، بارك الله فيكِ ونفع بكِ.
- في قولكِ : "
وبهذه الآية أسلوب التفات من الحضور إلى الغيبة حتى لايتوهم متوهم أن الصلاة تكون لأي معطي وإنما الصلاة لله وحده
كلمة العطاء بالقرآن كله اقترنت بلفظ الرب الذي هو المربي والمعطي "
1: حددي موضع الالتفات في الآية.
2: لم يتضح مقصودكِ بـ " كلمة العطاء .. " فالتفتِ من مسألة لأخرى دون توضيح لذلك ، ولا توضيح لموضع المسألة من الآية كقول : " ودلالة استعمال صفة الربوبية في قوله تعالى :{ فصل لربك } .. ".
- قولكِ : " وأشهر ماذكر في سبب نزول الآية حادثة وفاة ابني الرسول صلى الله عليه وسلم " لم يتضح بهذه العبارة سبب النزول ، والأولى إسناده وعزوه لمصدره.
- رسالتكِ رائعة لكن الملحوظة العامة عليها عدم توضيح فواصل الكلام والانتقال من مسألة لأخرى بعبارة مناسبة تربط بينها.

رد مع اقتباس
  #23  
قديم 9 صفر 1439هـ/29-10-2017م, 09:36 PM
ميسر ياسين محمد محمود ميسر ياسين محمد محمود غير متواجد حالياً
برنامج إعداد المفسّر - المستوى الثامن
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 727
افتراضي

رسالة تفسيرية بأسلوب بياني
لقوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ).
جاءت هذه الآية في سياق طلب المشركين من الله أن ينزل عليهم آية تجبرهم على الإيمان ،وهي استثنائية لما قبلها ؛يبين الله فيها للمشركين مدى قدرته وعظمته ودقة صنعه وحكمته في تصريف شؤون خلقه وأنه قادر على إنزال آية كما اقترحوا ،وهو أمر يسير بحانب ما خلق لهم من آيات يشاهدونها ويلمسونها.فعليهم أن يعتبروا بالمخلوقات العظيمة التي خلقها وجعل كل منها أمة مستقلة بخصائصها وجعلها آية دالة على قدرته.كما يبين لهم قدرته على إعادة خلقهم بعد الموت وحشرهم إليه وحينها سوف لا ينفعهم تكذيبهم بالبعث .
وظهر من خلال هذه الآية الكثير من المسائل البيانية التي تعك إعجاز القرآن ووفرة معانيه وتعدد أساليبه .
قال تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ}:
ف {مِنْ } زائدة للإستغراق .ومتعلقة بمحذوف تقديره (وما من فرد من أفراد الدواب).
والدابة هي كل ما يدب على الأرض ،وهي من دبّ يدبّ فهو داب: إذا تقاربت خطاه في المشى.وجاء حرف {في} ليشمل كل ما عليها وكل ما في جوفها والبحر جزء منها وما فيه يسمى دواب كما في حدي سرية أبي عبيدة إلى سِيف البحر قول جابر بن عبد الله: فألقى لنا البحر دابّة يقال لها العنبر.
وتنكير {دابّة} و{طائر} في سياق النفي يدل على العموم والاستغراق :أي جميع أفراد النوعين.
وذكر المفسرون عدة أقوال متماثلة لذكر لفظة {بِجَنَاحَيْهِ} مع أنه من البديهي للعقل أن الأجنحة مستخدمة للطيران ؛قيل: ذكر الجناحين للتأكيد بقصد الشمول والإحاطة ،كأنظر بعينيك .وقيل: إن اعتدال جسد الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران، ومع عدم الاعتدال يميل، فأعلمنا سبحانه أن الطيران بالجناحين. وقيل لجعلهم يتفكروا وينتبهوا لهذه الخاصية العظيمة التي اعتادوا على رؤيتها في الطيور كأنها شيء عادي وبديهي .وقيل لدفع الإبهام؛ لأن العرب تستعمل الطيران لمعنى السرعة كقولهم: طر في حاجتي: أي أسرع. وهو معنى غير الطير، مع أن بعض المفسرون استعملوها مجازاً للتعبير عن السرعة أي أسرعت وإن لم تستطيع الطيران في الجو كالطيور الثقيلة إلا أن ابن عاشور رد هذا القول وذلك لأن وجود التوكيد الذي يفيد العموم أولى من المجاز .
ذكر ابن عاشور :(أن {أمم} جمع أمّة. وهي الجماعة من الناس المتماثلة في صفات ذاتية من نسب أو لغة أو عادة أو جنس أو نوع. قيل: سمّيت أمة لأنّ أفرادها تؤمّ أمَماً واحداً وهو ما يجمع مقوّماتها.)أ.ه
وزادأن أوجه البيان في إطلاق لفظ أمّة على الطيروالدواب مع أنها خاصة بالبشر هو مجاز لمماثلتها للبشر في اجتماع أفراد كل نوع منها في صفات متحدة
و{أَمْثَـٰلُكُمْ } :أي مثلكم في الخلق والرزق والتقدير والإحاطة وقيل أن المثلية في ذكر الله وقيل في كونهم محشورين وقيل في بعض الصفات كالشهوة وأن لها أسماء تعرف بها ؛فتكون المماثلة على وجود الشبه الفطري وليس العقلي إذ أنها غير مكلفة لا تعقل .

أما البيان في قوله تعالى :{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}:
فهو جملة معترضة ،و {مَّا فَرَّطْنَا} أي: ما تركنا وأغفلنا .
وقرأ علقمة {مَا فَرطنا} بالتخفيف. وذكر الألوسي قول أبو العباس: معنى فرطنا المخفف أخرنا كما قالوا فرط الله تعالى عنك المرض أي أزاله.
واختلف في معنى الكتاب على أقوال :
من المفسرين من قال أنه القرآن جمع أمور الدين تفصيلاً وإجمالاً .ومن ذلك ما ورد في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: «لعن الله تعالى الواشمات والمتوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى فقالت له امرأة في ذلك فقال: ما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله تعالى فقالت له: قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه أما قرأت { أية :
وَمَا ءَاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } تفسير : [الحشر: 7] قالت: بلى قال: فإنه عليه الصلاة والسلام قد نهى عنه» .
ومنهم من قال أنه اللوح المحفوظ، فإنه مشتمل على جميع الأحداث ،لم يهمل أمر من الأمور .
ومن مزيدة للإستغراق
وقوله:{ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ):
فصيغة الجمع فيها للتغليب :أي يحشرون إلى ربهم يوم القيامة فيحاسبهم ويجازيهم بعدله حتى أنه سبحانه وتعالى يبلغ من عدله أن يأخذ للشاة الجماء من القرناء كما جاء في حديث صحيح. واختلف في قوله سبحانه وتعالى: {إِلَىٰ رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ} أنه مجا على سبيل التمثيل للموت وأخرج ابن جرير وابن أبـي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن حشر الحيوانات موتها، كما ذكر الألوسي
وقال ابن عاشور أن تعديته بإلى تنصيص على أنه لم يرد به الموت. وأجمع العلماء على قول :أنها تحشر كما يحشر بنو آدم، لقول الله تعالى: {أية : وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } ولإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقضى بينها يوم القيامة: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء -التي بدون قرون- من الشاة القرناء. )رواه مسلم.
ووجه البيان في عود الضميران في قوله: {ثمّ إلى ربّهم يحشرون}إلى دابة وطير وهما يستخدمان للعاقل فيه أقوال وهي: استخدامها للتغليب أن جميع الأمم بما فيها الطير والدواب محشورة إلى ربها وذلك لمجيء بعدها {إلاّ أمم أمثالكم}. وقيل لأنهما عائدان على {أمم أمثالكم}،أي أن الأمم جميعها محشورة إلى ربها .
كما ذكر ابن عاشور وأضاف سبباً آخر ورجحه وهو: أن الضميران عائدان على المشركين كما في ضمائر الغائب لقوله تعالى:{وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربّه}، وبذلك تكون جملة {ثم إلى ربّهم يحشرون} استطرادية للإدماج لتعلم المشركين بحتمية حشرهم إلى ربهم حتى لو أنكروا ذلك.

رد مع اقتباس
  #24  
قديم 2 جمادى الآخرة 1439هـ/17-02-2018م, 09:14 PM
هيئة التصحيح 11 هيئة التصحيح 11 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Jan 2016
المشاركات: 2,525
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ميسر ياسين محمد محمود مشاهدة المشاركة
رسالة تفسيرية بأسلوب بياني
لقوله تعالى: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ).
جاءت هذه الآية في سياق طلب المشركين من الله أن ينزل عليهم آية تجبرهم على الإيمان ،وهي استثنائية لما قبلها ؛يبين الله فيها للمشركين مدى قدرته وعظمته ودقة صنعه وحكمته في تصريف شؤون خلقه وأنه قادر على إنزال آية كما اقترحوا ،وهو أمر يسير بحانب ما خلق لهم من آيات يشاهدونها ويلمسونها.فعليهم أن يعتبروا بالمخلوقات العظيمة التي خلقها وجعل كل منها أمة مستقلة بخصائصها وجعلها آية دالة على قدرته.كما يبين لهم قدرته على إعادة خلقهم بعد الموت وحشرهم إليه وحينها سوف لا ينفعهم تكذيبهم بالبعث .
وظهر من خلال هذه الآية الكثير من المسائل البيانية التي تعك [ تعكس ] إعجاز القرآن ووفرة معانيه وتعدد أساليبه .
قال تعالى:{وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ}:
ف {مِنْ } زائدة للإستغراق [ للاستغراق ] .ومتعلقة بمحذوف تقديره (وما من فرد من أفراد الدواب).
والدابة هي كل ما يدب على الأرض ،وهي من دبّ يدبّ فهو داب: إذا تقاربت خطاه في المشى.وجاء حرف {في} ليشمل كل ما عليها وكل ما في جوفها والبحر جزء منها وما فيه يسمى دواب كما في حدي سرية أبي عبيدة إلى سِيف البحر قول جابر بن عبد الله: فألقى لنا البحر دابّة يقال لها العنبر.
وتنكير {دابّة} و{طائر} في سياق النفي يدل على العموم والاستغراق :أي جميع أفراد النوعين.
وذكر المفسرون عدة أقوال متماثلة لذكر لفظة {بِجَنَاحَيْهِ} مع أنه من البديهي للعقل أن الأجنحة مستخدمة للطيران ؛قيل: ذكر الجناحين للتأكيد بقصد الشمول والإحاطة ،كأنظر بعينيك .وقيل: إن اعتدال جسد الطائر بين الجناحين يعينه على الطيران، ومع عدم الاعتدال يميل، فأعلمنا سبحانه أن الطيران بالجناحين. وقيل لجعلهم يتفكروا وينتبهوا لهذه الخاصية العظيمة التي اعتادوا على رؤيتها في الطيور كأنها شيء عادي وبديهي .وقيل لدفع الإبهام؛ لأن العرب تستعمل الطيران لمعنى السرعة كقولهم: طر في حاجتي: أي أسرع. وهو معنى غير الطير، مع أن بعض المفسرون استعملوها مجازاً للتعبير عن السرعة أي أسرعت وإن لم تستطيع الطيران في الجو كالطيور الثقيلة إلا أن ابن عاشور رد هذا القول وذلك لأن وجود التوكيد الذي يفيد العموم أولى من المجاز .
ذكر ابن عاشور :(أن {أمم} جمع أمّة. وهي الجماعة من الناس المتماثلة في صفات ذاتية من نسب أو لغة أو عادة أو جنس أو نوع. قيل: سمّيت أمة لأنّ أفرادها تؤمّ أمَماً واحداً وهو ما يجمع مقوّماتها.)أ.ه
وزادأن أوجه البيان في إطلاق لفظ أمّة على الطيروالدواب مع أنها خاصة بالبشر هو مجاز لمماثلتها للبشر في اجتماع أفراد كل نوع منها في صفات متحدة
و{أَمْثَـٰلُكُمْ } :أي مثلكم في الخلق والرزق والتقدير والإحاطة وقيل أن المثلية في ذكر الله وقيل في كونهم محشورين وقيل في بعض الصفات كالشهوة وأن لها أسماء تعرف بها ؛فتكون المماثلة على وجود الشبه الفطري وليس العقلي إذ أنها غير مكلفة لا تعقل .

أما البيان في قوله تعالى :{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ}:
فهو جملة معترضة ،و {مَّا فَرَّطْنَا} أي: ما تركنا وأغفلنا .
وقرأ علقمة {مَا فَرطنا} بالتخفيف. وذكر الألوسي قول أبو العباس: معنى فرطنا المخفف أخرنا كما قالوا فرط الله تعالى عنك المرض أي أزاله.
واختلف في معنى الكتاب على أقوال :
من المفسرين من قال أنه القرآن جمع أمور الدين تفصيلاً وإجمالاً .ومن ذلك ما ورد في حديث ابن مسعود رضي الله تعالى عنه أنه قال: «لعن الله تعالى الواشمات والمتوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله تعالى فقالت له امرأة في ذلك فقال: ما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله تعالى فقالت له: قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول قال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه أما قرأت { أية :
وَمَا ءَاتَـٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَـٰكُمْ عَنْهُ فَٱنتَهُواْ } تفسير : [الحشر: 7] قالت: بلى قال: فإنه عليه الصلاة والسلام قد نهى عنه» .
ومنهم من قال أنه اللوح المحفوظ، فإنه مشتمل على جميع الأحداث ،لم يهمل أمر من الأمور .
ومن مزيدة للإستغراق
وقوله:{ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ):
فصيغة الجمع فيها للتغليب :أي يحشرون إلى ربهم يوم القيامة فيحاسبهم ويجازيهم بعدله حتى أنه سبحانه وتعالى يبلغ من عدله أن يأخذ للشاة الجماء من القرناء كما جاء في حديث صحيح. واختلف في قوله سبحانه وتعالى: {إِلَىٰ رَبّهِمْ يُحْشَرُونَ} أنه مجا على سبيل التمثيل للموت وأخرج ابن جرير وابن أبـي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن حشر الحيوانات موتها، كما ذكر الألوسي
وقال ابن عاشور أن تعديته بإلى تنصيص على أنه لم يرد به الموت. وأجمع العلماء على قول :أنها تحشر كما يحشر بنو آدم، لقول الله تعالى: {أية : وَإِذَا ٱلْوُحُوشُ حُشِرَتْ } ولإخبار النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقضى بينها يوم القيامة: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء -التي بدون قرون- من الشاة القرناء. )رواه مسلم.
ووجه البيان في عود الضميران في قوله: {ثمّ إلى ربّهم يحشرون}إلى دابة وطير وهما يستخدمان للعاقل فيه أقوال وهي: استخدامها للتغليب أن جميع الأمم بما فيها الطير والدواب محشورة إلى ربها وذلك لمجيء بعدها {إلاّ أمم أمثالكم}. وقيل لأنهما عائدان على {أمم أمثالكم}،أي أن الأمم جميعها محشورة إلى ربها .
كما ذكر ابن عاشور وأضاف سبباً آخر ورجحه وهو: أن الضميران عائدان على المشركين كما في ضمائر الغائب لقوله تعالى:{وقالوا لولا نزّل عليه آية من ربّه}، وبذلك تكون جملة {ثم إلى ربّهم يحشرون} استطرادية للإدماج لتعلم المشركين بحتمية حشرهم إلى ربهم حتى لو أنكروا ذلك.


أحسنتِ، بارك الله فيك ِونفع بكِ.
رسالتكِ رائعة إلا أنكِ اختصرتِ كثيرًا في بيان مسائل تفسير قوله تعالى :{ ما فرطنا في الكتاب من شيء } ، فهذه الكلمات وحدها يصح أن تُكتب فيها رسالة كاملة ومن المسائل التي لم تذكريها :
- بيان فائدة تنكير شيء في سياق النفي.
- بيان المراد بـ " شيء "
- بيان فائدة الاعتراض بهذه العبارة في الآية ووجهه.

التقويم :
ب+
التقويم يشمل الخصم للتأخير.
زادكِ الله توفيقًا وسدادًا
.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تطبيقات, على

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:09 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir