المجموعة الثانية:
س1: ما معنى نفي الإيمان في قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين).
النفي هنا نفي للإيمان الواجب, الذي يجب على العبد فعله, وتركه من الكبائر.
أما من قال بأن المنفي هو نفي الكمال, فيقصد به: الكمال الواجب الذي يأثم تاركه, فلم يأت في الشرع نفي اسم مسمى أمر به الله ورسوله, إلا إذا ترك العبد بعض واجباته, فأما إذا كان الفعل مستحبا في العبادة, لم ينفها إذا انتفى هذا المستحب, ولو صح هذا, لصح نفي اسم الإيمان والصلاة وغيرها عن من لم يأت بالكمال المستحب لأعمال البر المختلفة من جمهور المسلمين بما فيهم أبو بكر وعمر, لأن لا أحد على الحقيقة جاء بالكمال المستحب في جميع أعمال البر كما جاء به النبي عليه الصلاة والسلام.
س2: ما هي المحبة الشركية؟
هي المحبة مع الله, وهي التي جاءت في قوله تعالى:"ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله", وهذه هي محبة كل مشرك لإلهه الذي صرف له قلبه وتعلق به, وأحبه المحبة التي لا يجوز صرفها إلا لله سبحانه وتعالى.
وهذا تجده عند من علق قلبه بقبور الأولياء والصالحين, أو حتى قبور من سموهم أولياء من فسقة الناس, فتراه يتجه للقبر يدعوه محبة ورغبة ورهبة, أما إذا ذكر الله أمامه, فيكون حاله كما وصف الله سبحانه وتعالى:" وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون".
فهي محبة العبودية المستلزمة للذل والخضوع والتعظيم, وكمال الطاعة, وإيثاره على غيره, فهذه المحبة الشركية التي من صرفها لغير الله سبحانه وتعالى, يكون كافرا كفر أكبر مخرج من الملة.
س3: بيّن خطر إرضاء الناس بسخط الله.
قال عليه الصلاة والسلام:"من التمس رضا الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى عنه الناس، ومن التمس رضا الناس بسخط الله سخط الله عليه وأسخط عليه الناس"رواه ابن حبان.
فمن قل في قبله تعظيم الله سبحانه وتعالى, والخوف منه, وقدم طاعة الناس ورضاهم على طاعة ربه سبحانه ورضاه, عامله الله بنقيض قصده:
أولا: حرمه مطلوبه الذي سعى خلفه وأسخط ربه ليناله, فجعل سبحانه قلوب الناس التي بين أصبعين من أصابعه يقلبها كيف يشاء; تسخط عليه, وتمقته, فكلما طلب رضاهم ناله سخطهم ومقتهم له, وكلما اقترب منه ابتعدوا عنه.
ثانيا: حل عليه سخط الله وغضبه, وهذه عقوبة في دينه على معاصيه, وهي الأشد, فالمصيبة في الدين ليس بعدها مصيبة, ويكون مقيما على كبيرة من الكبائر يحتاج أن يتوب منها ويعزم على تركها.
ومن تهاون في أمر المعاصي, وعلق قلبه بالناس ورضاهم عنه, وأرضى نفسه وهواه بسخط الله; نال الجزاء المتوعد المذكور في الحديث.
س4: ما حكم التوكل على غير الله تعالى؟
التوكل على الله واجب من الواجبات, وهو عبادة لا يجوز صرفها إلا لله عز وجل, قال تعالى:"وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين" فاشترط لصحة الإيمان توكلهم على الله.
والتوكل من العبادات القلبية, قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى:(التوكل عمل القلب), فهو من أفضل العبادات, وأعلى مقامات التوحيد, قال تعالى عن نفسه:"ونعم الوكيل" فغيره يكون بئس الوكيل, فمن صرف عبادة التوكل لغير الله تعالى, كفر كفرا أكبرا.
والتوكل على غير الله ثلاثة أقسام:
الأول: التوكل على غير الله فما لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى, كمن يتوكل على الأموات أو الأحياء من الأولياء في شفاء مريض بلا سبب ظاهر, أو دفع بلاء, أو جلب الرزق, أو مغفرة ذنب, فهذا كفر اكبر.
الثاني: أن يتوكل على المخلوق فيما أقدره الله عليه، وهذا شرك أصغر وخفي, فالمخلوق ليس له نصيب من التوكل, إنما هو مجرد سبب, ومن كان سببا لا ينفع ولا يضر استقلالا لم يجز توكل القلب عليه,وتعلقه به, بل يعامله معاملة الأسباب مع كمال تعلق القلب بالله, وتفويض الأمر إليه.
لذلك كان من الشرك الأصغر قول:(توكلت على الله وعليك), بل حتى قول:(توكلت على الله ثم عليك) فهذا أيضا يعد من الشرك الأصغر.
أما الوكالة الجائزة فهي: الاعتماد على شخص فيما فوض إليه التصرف فيه, كمن يوكل شخصا لشراء بيت أو بيعه, كما وكل عليه الصلاة والسلام, أبا هريرة على الصدقات.
س5: بيّن خطر الأمن من مكر الله تعالى، وأثره السيء على العبد، وكيف يعالج نفسه من يجد فيها شيئاً من ذلك.
الأمن من مكر الله هو عدم الخوف من الله، والأمن من استدراج الله للعبد, أو سلبه الإيمان منه, وهو من كبائر القلوب, قال عليه الصلاة والسلام لما سئل عن الكبائر:"الشرك بالله، واليأس من روح الله، والأمن من مكر الله".
فالعبد الذي هذا حاله واقع في كبيرة من الكبائر, غافل قلبه عن ربه, يوشك الله تعالى أن يحل به عذابه, ويأخذه من حيث لا يحتسب, لذلك كان للأمن من مكر الله أسوء الأثر على العبد وأخلاقه, حيث يكون العبد جاهلا بربه, مغترا بنفسه, معجبا بعمله, لا يوجد للخوف من الله مكانا في قلبه, فيسهل عليه الوقوع في المعاصي, ويترك العمل للآخرة, لذلك تراه يمني نفسه بالأماني الكاذبة, فلا يرجو مغفرة, ولا يخاف عقاب, بعكس المؤمن الخائف من عقاب ربه, الذي يجاهد في العمل وطلب المغفرة والإنابة إلى ربه.
وعلاج الأمن من مكر الله يكون:
- معرفة أن الأمن من مكر الله كبيرة من الكبائر.
- التوبة والاستغفار والإنابة إلى الله سبحانه وتعالى.
- ترك الأماني الكاذبة ومجاهدة النفس, والإقبال على العمل.
- معرفة الله سبحانه وتعالى, بأسمائه وصفاته, خاصة صفات الجلال والعظمة, ليقع تعظيم الله سبحانه وتعالى في قلبه, ويقع الخوف منه سبحانه موقعه الصحيح في القلب.
- تغليب جانب الخوف مؤقتا, حتى يصل إلى مرحلة السير إلى الله تعالى بالخوف والرجاء معا بطريقة متوازنة.
- شكر الله على النعم, والتنبه على أن الله يعطي الدنيا لم يحب ولمن لا يحب, وكذلك الصبر وعدم الجزع عند المصائب.
- التوجه الدائم لله والاستعانة به على الثبات, فقد كان أكثر دعاء النبي عليه الصلاة والسلام:"يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك".
س6: بيّن معنى الرياء، ودرجاته.
الرياء لغة: إظهار الشيء للغير ليراه.
فهو إظهار العبادة لقصد رؤية الناس لها فيحمدون صاحبها.
وهو على درجتين:
الأولى: رياء المنافقين، وهو أن يظهر الإسلام ويبطن الكفر, رياء لعصمة دمه وماله وعرضه.
وهذا هو الرياء الاعتقادي الأكبر, وهو كفر أكبر يناف أصل التوحيد, قال تعالى:"إن المنافقين يخادعون الله وهو خادعهم وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالى يراؤون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلا".
الثاني: الرياء الذي هو شرك أصغر, بأن يعمل العبد العبادة مثل الصلاة والصدقة, لكي يُرى عمله وينال الثناء والمديح عليه. وهذا الشرك شرك اصغر ينافي كمال التوحيد الواجب, وقد قال تعالى:"إن الله لا يغفر أن يشرك به", وقد قال بعض العلماء بأن الشرك في الآية على عمومه, فيدخل فيه الشرك الخفي والشرك الأصغر.
س7: اكتب رسالة قصيرة في بيان أثر التوحيد في الإعانة على الصبر.
قال تعالى:"ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم", قال ابن عباس : هو أن يجعل الله في قلبه اليقين ليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه .
وقد علق الله سبحانه وتعالى هداية القلب على شرط الإيمان, لذلك كلما زاد إيمان العبد وكمل توحيده لله عز وجل زادت هداية الله له في وقت الأزمات والابتلاءات التي تحل به, سواء ابتلاءات النعم أو المصائب, فيثبت قلبه, ويعينه على الصبر, ويجعل في قلبه يقينا تاما بأن ما أصابه ما كان ليخطئه, فيرضى ويصبر ويحتسب.
لذلك كان أعظم الناس صبرا في الملمات, أكثرهم إيمانا وأكملهم توحيدا, فلما حلت بالمسلمين أعظم مصيبة أصابتهم, وهي موت النبي عليه الصلاة والسلام, كان أبصر الناس وأصبرهم, وأكثرهم معرفة وهداية لما يجب عمله في هذا الوقت هو الصديق رضي الله عنه, فهو أفضل الأمة بعد نبيها عليه الصلاة والسلام, وقد قالوا عنه:(ما سبقهم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام ، ولكن بشيء وقر في قلبه), وذاك هو التصديق واليقين التام, والتوحيد والاستسلام الكامل لله.
فجاء مع التوحيد الصبر, وجاء معه البصيرة, فمن وحد ربه بأسمائه وصفاته, وعرف حقيقة الدنيا, هان عليه الصبر, ومن صبر وجاهد النفس على القيام بالطاعات, وصبر عن انتهاك المحرمات, كان لهذا عظيم الأثر في زيادة إيمانه, وإذا زاد الإيمان زاد معه التوحيد, وكلما زاد التوحيد زاد الصبر, حتى يدخل العبد في مرتبة الرضى بالمصيبة, فإن ثبته الله عليها, وصل إلى مرتبة الشكر على جميع ما يصيبه, وهي لخواص العباد لا يستطيعها إلا من حقق كمال التوحيد المستحب, فترك ما لا باس به خوفا مما به بأس.