المجموعة الثانية:
س1: ما حكم شدّ الرحال لزيارة قبر النبيّ صلى الله عليه وسلم أو قبر رجل صالح.
لا يجوز شد الرحال لزيارة قبر النبي عليه الصلاة والسلام, ولا لقبر غيره من الصالحين, لقوله عليه الصلاة والسلام:"لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجد الرسول صلى الله عليه وسلم، ومسجد الأقصى".
وفي الحديث نهي صريح عن شد الرحال لغير هذه المساجد الثلاثة, وقد قال عليه الصلاة والسلام, أيضا:" لا تتخذوا قبري عيدا ", فقد نهى عليه الصلاة والسلام, عن زبارة قبره على وجه مخصوص, واجتماع معهود كالعيد الذي يكون على وجه مخصوص في زمان مخصوص, فإذا كان هذا النهي عن اتخاذ قبره عليه الصلاة والسلام, عيدا, وهو سيد ولد بني آدم, فقبور غيره مهما بلغ صلاحهم من باب أولى.
وقوله عليه الصلاة والسلام:"وصلوا علي فإن صلا تكم تبلغني حيث كنتم", فسواء كنا عند قبره عليه الصلاة والسلام, أو لم نكن; فإن صلاتنا عليه تبلغه عليه الصلاة والسلام, وكما قال الحسن بن الحسن:"ما أنتم ومن بالأندلس إلا سواء".
فشد الرحال إلى القبور هو من اتخاذها عيدا, وهو من أعظم وسائل الشرك, فقد أدى تعظيم القبور وشد الرحال إليها والتبرك بها, إلى الوقوع في الشرك الأكبر , وصرف عبادات لا يجوز صرفها إلا لله سبحانه وتعالى, من سؤال أصحابها قضاء الحوائج وتفريج الكربات, والنذر لهم, والذبح.
والقول بتحريم شد الرحال إلى قبور الأنبياء والصالحين هو قول الأئمة الأربعة, وقول جمهور السلف حيث لم يعرف لهم مخالف, ومن قال بالإباحة من المتأخرين إنما صادم قوله النصوص, وجانب الصواب, وخالف قول جمهور العلماء.
س2: ما المراد بالجبت والطاغوت؟ وكيف يكون الإيمان بهما؟
الجبت: الجبت اسم عام لكل ما فيه مخالفة لأمر الله جل وعلا، وأمر رسوله عليه الصلاة والسلام, في الاعتقاد, فيطلق الجبت على الشيطان, وفقد يكون الجبت صنم, أو كاهن, أو أحد الطغاة, وقد يكون الجبت سحرا كما فسره بهذا كثير من السلف.
الطاغوت: الطغيان هو مجاوزة الحد, والطاغوت كما عرفه ابن القيم: كل ما تجاوز به العبد حده، من معبود، أو متبوع، أو مطاع.
فمن الطواغيت: الشيطان, الكهان.
ويكون الإيمان بهما بالتصديق بها, والإقرار بها وعدم الإنكار, فمن أقر ولم ينكر فقد آمن بها, قال تعالى:"ويؤمنون بالجبت والطاغوت".
فيتجاوز العبد حده المأذون به شرعا بهم, كأن يغلو في الصالحين, فيتوجه إليهم بالعبادة, أو يعتقد فيهم بعض خصائص الإلهية، أو يتجاوز حده في المتبوعين, مثل العلماء والقادة في الدين, فيتبعهم فيما يحرمونه مما أحله الله, وفيما يحلونه مما حرمه الله, فالعلماء لهم الاتباع طالما هم متبعون لله وللرسول عليه الصلاة والسلام, ملتزمون حدوده, فإن طغوا: فلا سمع لهم ولا طاعة.
كذلك طاعة الأمراء والحكام في معصية الله, وترك أوامره, فهذا من الأيمان بهم, والتحاكم إلى غير شرع الله والقبول به, مع الاعتقاد بأنه أفضل من شرع الله, أو يساويه, والذهاب إلى الكهنة وتصديقهم بادعائهم علم الغيب, وتعظيم القبور وأصحابها, مع ما يصاحب ذلك من صرف عبادات لها.
وجميعها طاعة للشيطان فيما يأمر العبد به, وعبادة له, كما قال تعالى:"ألم أعهد اليكم يا بني آدم ألا تعبدوا الشيطان انه لكم عدو مبين*وأن اعبدوني هدا صراط مستقيم".
س3: بيّن حكم الساحر.
تعلم السحر كفر بالله سبحانه وتعالى, ولو تعلمه ولم يعمل به, قال تعالى:"وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر", فرتب الكفر على مجرد التعلم, لأنه لا يمكن أن يتعلمه إلا بتعلم الشرك بالله ، وإذا تعلم الشرك فهو مشرك.
وقد اختلف العلماء في حكم الساحر, فمنهم من قال بكفره ومنهم من قال غير ذلك, لكن اختلافهم يرجع إلى أن السحر قسمان:
الأول: شرك أكبر مخرج من الملة, وهو الذي يكون بواسطة الشياطين, فيصرف لهم من العبادات ما يريدون, حتى يستعين بهم على المسحور.
الثاني: فسق ومحرم, وهو ما كا بالأودية والعاقير والتدخينات, فلا يكفر صاحبه إلا إن استحله.
فالأول صاحبه كافر بالله, والثاني عاصيا معتديا.
واختلف العلماء في قتله, فذهب أبو حنيفة ومالك وأحمد إلى قتله, لقوله عليه الصلاة والسلام:"حد الساحر ضربة بالسيف", فقالوا: يقتل ولا يستتاب, ولم ير الشافعي قتله إلا إذا عمل بسحره ما يستوجب كفره.
وقتله هو الأصح للحديث ولأن هذا فعل الصحابة رضوان الله عليهم, فقد كتب عمر رضي الله عنه:(...ثم اقتلوا كل ساحر وكاهن), وقد قتلت حفصة أم المؤمنين رضي الله عنها, جارية لها سحرتها.
ثم اختلفوا: هل يستتاب؟
وظاهر قول عمر رضي الله عنه, وفعل الصحابة أنه يقتل فورا من غير استتابة, وهو المشهور عن أحمد, وبه قال مالك, لأن توبة الساحر غير ظاهرة, وعلمه لا يزول مع توبته.
وذهب الشافعي إلى أنه يستتاب, وهو واية عن أحمد, وعلل الشافعي بأن ذنب الساحر لا يزيد عن الشرك, والمشرك يستتاب وتقبل توبته.
والصحيح القول الأول, لأنه ظاهر فعل الصحابة رضوان الله عليهم.
وهل حده ردة أو لأنه قتل (إن كان تسبب في ذلك), أو تعزيرا؟اختلف العلماء في ذلك, وقد قال عليه الصلاة والسلام:"حد الساحر ضربه بالسيف" فلم يفصل عليه الصلاة والسلام, بين ساحر وساحر, ولا يوجد أدلة من النصوص الشرعية على التفصيل, فأنواع السحر المختلفة التي يستخدمها السحرة مما يكون من سحر التأثير، وفي التفريق، وفي الإمراض والتأثير على العقول وعلى القلوب، الذي يكون باستخدام الشياطين أو بأمور خفية، فهذا لا يفرق فيه بين ساحر وساحر, فالجميع ردة لتعين وقوع الساحر في الشرك, والرسول عليه الصلاة والسلام, لم يفرق, والصحابة قالوا بقتله دون تفريق.
س4: اشرح حديث: (((مَنِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ النُّجُومِ فَقَدِ اقْتَبَسَ شُعْبَةً مِنَ السِّحْرِ زَادَ مَا زَادَ)) وبيّن مناسبته لكتاب التوحيد.
"من اقتبس": أي: من تعلم.
"شعبة": أي: طائفة وقطعة من النجوم.
"فقد اقتبس شعبة من السحر":أي: المراد السحر المحرم المعلوم تحريمه من الدين بالضرورة.
"زاد ما زاد": أي: كلما ازداد علما في النجوم ازداد علما وتمكنا في السحر, وكلما ازداد تمكنا من السحر ازداد إثما وكفرا.
ومناسبته لكتاب التوحيد أن تعلم السحر يقتضي الوقوع في الشرك, فلا يعطي الشيطان العبد مراده إلا إذا صرف له من العبادات التي لا يجوز صرفها إلا لله سبحانه وتعالى, مثل الدعاء والتوسل وحتى السجود والصلاة.
لذلك كان السحر مقرونا بالشرك, وهذا من جهتين:
- استخدام الشياطين والتعلق بهم, والتقرب إليهم بما فيه شرك بالله سبحانه وتعالى.
- فيه ادعاء علم الغيب, والغيب لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى, فهذا شرك بالله في ربوبيته وما لا يكون إلا له من أفعاله سبحانه.
س5: ما المراد بالتطيّر؟ وما حكمه؟
الطيرة هي التشاؤم بالشيء المرئي أو المسموع, سواء كان بحركة طير أو غيره, فيرجع ويمتنع عما كان أراده, أو يقبل.
والطيرة شرك اصغر بالله سبحانه وتعالى, قال عليه الصلاة والسلام:"الطيرة شرك", لأن فيها تعلق القلب بغير الله, فقلبه اتجه وتعلق بالمرئي أو المسموع واعتقد بأن له تأثيرا, وهذا من جعل ما ليس بسبب كوني أو شرعي سببا, وهذا شرك بالله لأن الله لم يجعله سببا لذلك, وقد قال تعالى:"أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله", كما إن فيه سوء ظن بالله, وتوقع البلاء, أما إن اعتقد ما تطير منه سببا مستقلا بنفسه; فهذا شرك أكبر.
وليس منها الفأل الحسن, فقد استثناه الرسول عليه الصلاة والسلام, بقوله:" ويعجبني الفأل", فلما سئل عنه قال:"الكلمة الطيبة", كأن ينوي الإنسان فعل شيء ثم يسمع كلمة طيبة أو دعاء من والديه, فينشرح صدره ويزيد من حسن ظنه بالله, لكن إن تعامل مع الفأل معاملته مع الطيرة بأن يترتب عليه الاحجام أو الإقدام, فعندها يأخذ حكم الطيرة.
وعلى هذا فالإنسان يكون له حالتان:
- أن يرتب فعله بحسب ما تطير منه, فيمضي أو يحجم, وهذا هو الشرك الصغر, قال عليه الصلاة والسلام:"إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك".
- أن يقع في قلبه التطير, لكنه يجاهد نفسه ويتوكل على الله, كما جاء حديث ابن مسعود: "وما منا إلا، ولكن الله يذهبه بالتوكل", وقد جاء في كفارة الطيرة قوله عليه الصلاة والسلام:"فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل: اللهم لا يأتي بالحسنات إلا أنت ولا يدفع السيئات إلا أنت ولا حول ولا قوة إلا بك".
س6: ما معنى الاستسقاء بالأنواء؟
الاستسقاء بالأنواء: هو نسبة السقيا والمطر إلى الأنواء، وهي سقوط النجوم، وقد كانوا يعتقدون في الجاهلية أن النجوم سبب في نزول المطر.
وهو نوعان:
الأول: أن يعتقد بأن السبب في نزول المطر استقلالا, فهذا شرك أكبر, أو يطلب منها السقيا, فهذا أيضا شرك أكبر.
الثاني: أن يعتقد بأنها سبب لنزول المطر, لكن ليس سببا مستقلا, بل الله قد جعلها سببا, وهذا شرك اصغر, وهو من شرك الأسباب, لأن الله لم يجعلها سببا لهذا, ولأن الفضل ينسب إليها دون الله سبحانه وتعالى, وهو المتفضل بها حقيقة بلا استحقاق منا لها, لذلك جاء في الحديث قوله عليه الصلاة والسلام:"هل تدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا : الله ورسوله أعلم ، قال : أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر ، فأمَّا من قال : مُطِرنا بفضل الله ورحمته ، فذلك مؤمن بي وكافر بالكوكب ، وأما من قال : مُطِرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي ومؤمن بالكوكب".
أما من جعلها وقتا وزمن لتغير المناخ ونزول المطر; فهذا ليس بشرك, وقد كره العلماء القول "في نوء كذا" ولو قصد بكليهما الظرفية, لأن غيره قد يغتر به, ولأن الحديث جاء مصرحا بالنهي عن هذا القول.
س7: اكتب رسالة من سبعة أسطر تحذّر فيها من إتيان الكهنة والعرّافين وتبيّن خطرهم على الأمة.
بسم الله الرحمن الرحيم
قال تعالى:"واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر", فبين سبحانه وتعالى, بأن السحر مقترن بالكفر, والكهان والعرافيين ليسوا بأفضل حال من السحرة, بل هم من جنسهم وإن اختلفت التسميات, والجميع يشترك في سعيه الحثيث لامتلاك قدرات يقدر بها ان يؤثر على غيره, لهذا يدعي الكاهن والعراف معرفة الغيب ليقصدهم الناس في قضاء حوائجهم, وما فعلوه إلا لمنافع دنيوية; من مال أو جاه ومكانة في قلوب الناس, ومع هذا فقد كذبوا وإن ظهر صدقهم مرة أو مرتين, فهذا كما قال عليه الصلاة والسلام, في قوله تعالى:"قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب", وقال عليه الصلاة والسلام, يصف حصول مسترق السمع على شيء من خبر السماء:"إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله، كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك. حتى إذا فُزِّع عن قلوبهم قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق وهو العلي الكبير فيسمعها مسترق السمع ـ ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض ـ وصفه سفيان بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه ـ فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته، ثم يلقيها الآخر إلى من تحته، حتى يلقيها عن لسان الساحر أو الكاهن فربما أدركه الشهاب قبل أن يلقيها، وربما ألقاها قبل أن يدركه، فيكذب معها مائة كذبة فيقال: أليس قد قال لنا يوم كذا وكذا: كذا وكذا فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء", لذلك جاء الوعيد الشديد فيمن قصد كاهنا أو عرافا, فقصده فيه موافقة من القاصد واعتراف للكاهن والعراف في أنهم يعلمون الغيب, وفيه تكذيب للنصوص الكتاب والسنة في أن لا يعلم الغيب إلا الله, لك عده الرسول عليه الصلاة والسلام, كافرا فقال:"من أتى كاهناً أو عرافاً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد" رواه أحمد.
فهؤلاء خطرهم على الأمة كبير فيما يشيعونه من بغضاء ومشاحنات بين الناس بسبب الشبه التي يلقونها في قلوب من يأتيهم, بأن فلان يريد بك سوء, أو فلان هو الذي سرقك وما اشبه ذلك, وبما يلقونه في القلوب من القلق وضعف الإيمان وضعف اليقين بالله, وانصراف القلوب إليهم, وانصرافها عن اللجوء لله والتضرع إليه والتوكل عليه سبحانه, وكذلك بأكلهم اموال الناس بالباطل, وبما ينشرونه من فساد, والله المستعان.
فكيف يجوز للمسلم أن يشتت قلبه ويعلقه بغير الله سبحانه وتعالى!؟ نسأل الله العافية.
لذلك أحذركم عباد الله من مغبة هذا الفعل, وأحذركم غضب الله أن ينزل عليكم, وأحذرك تعلق القلوب بغير الله سبحانه وتعالى, فمن تعلق شيئا وكل إليه, فكيف سيكون حالنا إن وكلنا الله للكهنة والعرافيين؟! فلا فلاح ولا فوز لا في الدنيا ولا في الآخرة, وهذا الطريق ليس في آخره إلا الكفر والعياذ بالله, نسأل الله السلامة.