الحديثُ الثاني والخمسونَ بعدَ المِائَةِ
عن أبي هُرَيْرَةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ قال: " نَعَى النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ النَّجَاشِيَ فِي اليَوْمِ الَّذِي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ إلَى الْمُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ أَرْبعاً ".
الحديثُ الثَّالثُ والخمسونَ بعدَ المائَةِ
عن جابرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، " أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى عَلَى النَّجَاشِي، فَكُنْتُ في الصَّفِّ الثَّانِي، أَوِ الثَّالِثِ " .
(152-153) الغَريبُ:
نَعَى : نَعاهُ ينْعاهُ بِفتْحِ أوَّلِهِ . والنّعْيُ : الإخْبارُ بالمَوتِ .
النَّجَاشِي : بِفتْحِ النّونِ على المشهُورِ ، قال في النّهايةِ : والصّوابُ تخفيفُ الياءِ , اسْمُهُ [أَصْحَمَةُ] , تُوُفِّيَ في رجبٍ ، سنةَ تِسعٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ .
المعنَى الإجماليُّ: النّجَاشِي مَلِكُ الحبشةِ، له يدٌ كريمةٌ على المُهاجرينَ إليه مِن الصَّحابة ، حينَ ضيَّقت عليهم قُريشٌ في مكَّةَ ، ولم يُسْلِمْ أهلُ المدينةِ بعدُ فَأَكْرَمَ وِفَادَتَهُم .
ثم قادَهُ حُسْنُ نِيَّتِهِ ، واتِّباعُهُ الحقَّ ، وَطَرْحُهُ الكِبْرَ إلى أنْ أَسْلَمَ ، فمات بِأَرْضِهِ ، ولمْ يرَ النَّبِيَّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فلإحْسانِهِ إلى المسلمينَ ، وكِبَرِ مقامِهِ ، وكونِهِ بأرضٍ لم يُصَلَّ عليه فيها أَخْبَرَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أصحابَهُ بموْتِهِ في ذلك اليومِ الذي مات فيه، وخرجَ بهم إلى المصلَّى، فصفَّ بهم، وكبَّرَ عليه أرْبَعَ تكبيراتٍ، شَفاعةً له عندَ اللهِ تعالى.
اختلافُ العلماءِ :
اختلفَ العُلماءُ في الصَّلاةِ على الغائبِ .
ذهبَ أبو حنيفةَ ومالكٌ : إِلَى أنها لا تُشْرَعُ . وجَوَابُهُمْ على هذه الأحاديثِ أنها خاصَّةٌ بالنّبيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وذهبَ الشَّافعيُّ - وذلك المشهورُ عندَ أصحابِ الإمامِ أحمدَ- إلى أنَّها مشروعةٌ لهذه الأحاديثِ الصّحيحةِ ، والخُصوصيَّةُ تحتاجُ إلى دليلٍ ، وليس هنا دليلٌ .
وتوَسَّطَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ فقال : إن كان الغائبُ لم يُصَلَّ عليه ، صُلِّيَ عليه كهذه القضيَّةِ ، وإنْ كان قد صُلِّيَ عليه ، فقد سقَطَ الفرضُ بذلك عن المسلمينَ .
وهو مرْويٌّ عن الإمامِ أحمدَ ، وصحَّحَهُ ابنُ القيِّمِ في الهَدْيِ ؛ لأنَّه تُوُفِّيَ في زمنِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُناسٌ من أصحابِهِ غائبينَ ، ولم يَثْبُتْ أنَّه صلَّى على أحدٍ منهم .
ونَقَلَ شيخُ الإسلامِ ابنُ تَيْمِيَّةَ عن الإمامِ أحمدَ أنه قال : إذا مات رجُلٌ صالحٌ صُلِّيَ عليه ، واحتجَّ بقضيَّةِ النّجَاشِي .
وقد رجَّحَ هذا التّفْصيلَ شيخُنا عبدُ الرّحمنِ آلُ سعدي ، وعليه العملُ في " نَجْدٍ " فإنَّهم يُصَلُّونَ على مَن له فَضْلٌ على المسلمينَ ، ويترُكُونَ مَن عدَاهُ .
وقال ابنُ القيِّمِ : أصحُّ الأقوالِ هذا التَّفصيلُ .
ما يُؤْخَذُ من الحديثِ:
1ـ مشْروعيَّةُ الصَّلاةِ على الميِّتِ ؛ لأنَّها شفاعةٌ ودعاءٌ من إخوانِهِ المُصَلِّينَ .
2ـ مشْروعيَّةُ الصَّلاةِ على الغائبِ ، وتقدَّمَ أنَّ الحديثَ ليس على إطلاقِهِ ، بل يُخَصُّ بها مَن له فضْلٌ وإحسانٌ عامٌّ على الإسلامِ والمسلمينَ .
3ـ الصَّلاةُ على الميِّتِ في مُصلَّى العيدِ إذا كان الجَمْعُ كثيراً .
4ـ التّكْبيرُ في صلاةِ الجِنازَةِ أربعٌ ، وتقدَّمَ في أوَّلِ البابِ ما يُقالُ بعدَ كلِّ واحدةٍ منهُنَّ .
5ـ فضِيلةُ كثْرَةِ المُصَلِّينَ ، وكونُهُم ثلاثةَ صُفوفٍ .
لِمَا روَى أصحابُ السّننِ أيضًا : (( مَا مِنْ مُؤْمِنٍ يَمُوتُ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ أُمَّةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ بَلَغُوا أَنْ يَكُونُوا ثَلَاثَةَ صُفُوفٍ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ )) .
6ـ الإخبارُ بموْتِ الميِّتِ للمَصْلَحِةِ في ذلك ، من تكثِيرِ المُصَلِّينَ ، وإخبارِ أقاربِهِ فإنَّ ذلك ليس من النَّعْيِ المنهيِّ عنه في قولِه صلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((إِيَّاكُمْ وَالنّعْيَ فَإِنَّ النّعْيَ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ )) .
وذلك أنَّهم يأْخذونَ يُنادونَ عليه في المَحَلاَّتِ العالِيَةِ بأنواعِ المدائِحِ الصّحيحَةِ والمكْذوبةِ ، وفيه مَفَاسِدُ من وجُوهٍ كثيرةٍ .