السؤال الأول: (عامّ لجميع الطلاب).
استخرج خمس فوائد سلوكية واستدلّ لها من قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ (119)} البقرة.
1-{إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بالحق} ما أكّد الله تعالى جلّ شأنه على أمر إلا لأهميته وعظيم مكانته ، فما أجلّ وأعظم من النبي صلى الله عليه وسلم ورسالته ،وزاد هذا التعظيم تشريفا بإضافته للرب العظيم ، فما هي إلا لبيان مكانة هذا النبي صلى الله عليه وسلم من ربه ،فمن تعظيم الله وأمره تعظيم نبيه صلى الله عليه وسلم واتباع شرعه وهديه ، فلا تسعى أيها العبد بالتفريق بين كتاب الله وسنته فما هما إلا من مشكاة واحدة .
2- { بَشِيرًا وَنَذِيرًا } البشارة والنذارة غاية إرسال الرسل ، فمن اقتفى أثر الأنبياء في الدعوة إلى الله ؛يتقلب بين الأمرين فيبشر الصابرين على أمر الله بعظيم جزاء الله على عباده، وينذر المتخلفين المنقادين لشهواتهم بالرجوع لطريق الحق فأمامهم أمر عظيم .
3-{ وَلَا تُسْأَلُ عَنْ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ } أيّها الداعي إلى الله ، من عظيم رحمته تعالى لا يطالبك بنتائج دعوتك فأمر الهداية بيده يقلب القلوب بين إصبعيه ، فقد قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم :{فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسابُ}،فلا يصدنّك تخلف البعض عن دعوتك عن السير قدما .
4-{ أَصْحَابِ الْجَحِيمِ } ، ما وصف الصاحب بهذا اللفظ إلا لملازمته لأمر ما ، وأولئك لمّا آثروا الشهوات أصبحت لازمة لهم ،فطبعت على قلوبهم ،فلم يرجى لهم رجوعا عن الكفر ، وهذا باب مهم نفتحه لمحاسبة أنفسنا وتطهيرها وفق أمر الله وأمر نبيه ، فما وراء هذه الدنيا إلا ما هو أعظم ،نسأل الله السلامة .
المجموعة الأولى:
1: فسّر قول الله تعالى:
{الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (121)} البقرة.
يقول الله تعالى:( الَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ) اختلف أهل العلم في المراد بالذين أوتوا الكتاب على ثلاثة أقوال:
1- من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم ،- أصحابه - ومنهم من خصّهم بجعفر بن أبي طالب والأربعين ممن وردوا معه على السفينة في هجرة الحبشة،والكتاب هنا القرآن.
2- وقيل من آمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى وكتابهم التوراة والإنجيل .
3-وهناك من رأى أنّ الآية عامة للمؤمنين من العرب وبني إسرائيل ، والكتاب هنا اسم جنس.
ومعنى :(آَتَيْنَاهُمُ) أي أعطاهم الله تعالى (الكتاب) الذي هو القرآن أو التوراة على اختلاف أقوالهم، ثمّ بيّن الله تعالى حال هؤلاء المؤمنين مع هذا الكتاب بوصفين:
1- قال تعالى :(يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ )؛ والتلاوة تأتي بمعنيين:
أ- من القراءة ،فهم يقرؤون الكتاب حق قراءته كما نزل، ولا يتأولونه على غير معناه ولا يحرفون الكلم عن مواضعه،وإذا مروا بآية فيها جنة سألوا الله إيّاها وإذا مروا بآية فيها عذاب تعوذوا الله منها، فعن عمر بن الخطّاب {يتلونه حقّ تلاوته} قال: إذا مرّ بذكر الجنّة سأل اللّه الجنّة، وإذا مرّ بذكر النّار تعوّذ باللّه من النّار.
ب- ومن الاتباع ، فهؤلاء يمتثلون أوامره ويجتنبون نواهيه ، وقال الحسن البصري:يعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، يكلون ما أشكل عليهم إلى عالمه.
.والمعنى الأول يدخل ضمن المعنى الثاني.
أمّا الوصف الثاني فهو :
2- قوله تعالى: ( أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ ) ، اختلف في مرجع الضمير في (به) لثلاثة أقوال:
فمنهم من قال أنه يرجع للكتاب / ومنهم من رأى أنه يرجع للنبي صلى الله عليه وسلم كون الذين يؤمنون بالتوراة ويتبعونها يجدون ذكر النبي صلى الله عليه وسلم عندهم،قال تعالى : {قل يا أهل الكتاب لستم على شيءٍ حتّى تقيموا التّوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربّكم}،
أما القاضي أبو محمد رحمه الله تعالى ؛ فقد رأى مرجع الضمير للهدى فيما سبق من قوله تعالى :" قل إنّ هدى الله هو الهدى "،فالمؤمنون التالون لكتاب الله هم المؤمنون بذاك الهدى المقتدون بأنواره،
ثمّ توعّد الله تعالى : ( وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ ) ويعود الضمير في به على ما ذكرنا فيما سبق (فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ) بالخسران يوم القيامة باستحقاقه النار كما قال تعالى في سورة هود: {ومن يكفر به من الأحزاب فالنّار موعده}.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "والّذي نفسي بيده لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمّة: يهوديٌّ ولا نصرانيٌّ، ثمّ لا يؤمن بي، إلّا دخل النّار".
2: حرّر القول في كل من:
أ: متعلّق التطهير في قوله تعالى: {وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهّرا بيتي} الآية.
حاصل القول في متعلق التطهير ؛هو تأسيسه على التقوى ( لا إله إلا الله) وتطهيره من الشرك كتعليق الأوثان وعبادتها وقول الزور والرفث والرجس، وهو حاصل قول ابن عباس وسعيد بن جبير وعطاء وقتادة ، وذكره ابن كثير وبن عطية والزجاج.
ب: معنى قوله تعالى: {كل له قانتون}.
قال تعالى:{وقالوا اتّخذ اللّه ولدا سبحانه بل له ما في السّماوات والأرض كلّ له قانتون}
يرجع القول للنصارى ومشركي العرب واليهود؛ لأن النصارى قالت: المسيح ابن اللّه، ومشركو العرب قالوا: الملائكة بنات اللّه، واليهود قالت عزير ابن الله .
فردّ الله تعالى عليهم بأنه منزّه ومقدّس عما لا يليق به ،وأنّ كل ما في السماوات والأرض له قانتون .
والقنوت في اللغة :الطاعة والقيام.
وتنوعت الأقوال فيما يدخل جميعه في المعنى العام للقنوت:
1- قيل :مصلين،قاله ابن عباس وذكره أبي حاتمٍ
2- وقيل: كل مقرّون له بالعبوديّة،قاله عكرمة وأبو مالكٍ.
3-وقيل: الإخلاص، قاله سعيد بن جبير.
4- وقيل:كلٌّ له قائمٌ يوم القيامة، قاله الرّبيع بن أنسٍ.
5- وقيل: وكل له مطيعون سواء يوم القيامة كما قال السدّي ،أو دخوله تحت قدر الله في خلقه ، أو سجود ظلّ الكافر رغما عنه نكما قال مجاهد.
واستدل عليه من خلال قوله تعالى: {وللّه يسجد من في السّماوات والأرض طوعًا وكرهًا وظلالهم بالغدوّ والآصال} .
وجميع الأقوال متوافقة ومجتمعة تحت الطاعة والعبودية .
ملحوظة:
الحديث المروي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه في بيان المراد بالقنوت في القرآن وهو : "كلّ حرفٍ من القرآن يذكر فيه القنوت فهو الطّاعة".
وسند هذا الحديث كالتالي :
قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا يونس بن عبد الأعلى، حدّثنا ابن وهبٍ، أخبرني عمرو بن الحارث: أنّ درّاجًا أبا السّمح حدّثه، عن أبي الهيثم،.....ز
وكذا رواه الإمام أحمد، عن حسن بن موسى، عن ابن لهيعة، عن درّاج بإسناده، مثله.
وحكم هذا الإسناد ضعيفٌ لا يعتمد عليه.
ورفع هذا الحديث منكرٌ، وقد يكون من كلام الصحابي أو غيره.
فمعنى الآية :أن المخلوقات بما فيهم الكفار والجمادات جميعها تقنت لله أي تخضع وتطيع.
3: بيّن ما يلي:
أ: معنى قوله تعالى: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين}.
يقول تعالى :" وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أولئِكَ مَا كانَ لَهُمْ أَن يَدخُلوها إلّا خَائِفين..."
يتبينمعنى قوله تعالى: {أولئك ما كان لهم أن يدخلوها إلا خائفين}؛ بحسب المراد ب من منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسمه ، وأيّ المساجد هي المقصودة في الخطاب .
اختلف المفسرون في المراد من الّذين منعوا مساجد اللّه وسعوا في خرابها على ثلاثة أقوال:
القول الأول :هم النصارى ، والمسجد بيت المقدس. قاله ابن عباس ومجاهد وذكره ابن كثير .
وعليه فإنّ معنى الآية : فليس في الأرض نصرانيّ يدخل بيت المقدس إلّا خائفًا.
وقال السّدّيّ: فليس في الأرض روميٌّ يدخله اليوم إلّا وهو خائفٌ أن يضرب عنقه، أو قد أخيف بأداء الجزية فهو يؤديها.
وقال قتادة: لا يدخلون المساجد إلّا مسارقةً.
القول الثاني : هؤلاء المشركون الّذين حالوا بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم الحديبية.
وعليه يكون المعنى على قولين:
1- أنها خبر بمعنى الطلب، أي لا تمكّنوهم إذا قدرتم عليهم من دخول مكة إلا تحت الهدنة والجزية.
ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم حين فتح مكة : "ألّا لا يحجّن بعد العام مشركٌ، ولا يطوفنّ بالبيت عريان، ومن كان له أجلٌ فأجله إلى مدّته".
فكان تصديقا وعملً بقوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا إنّما المشركون نجسٌ فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم هذا}.
2- وقيل كان حقا وواجبا أن يكون حالهم حال دخولهم مساجد اللّه خائفين متهيّبين ومرتعدين من المؤمنين أن يبطشوا بهم، وهذه بشارة من الله للمسلمين.
ب: القائل: {لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى}، مع الاستدلال لكلامك.
القائل هنا هو كل من الفريقين : اليهود والنصارى، والدليل على ذلك :
1 - فرّق نوعيهم بـــ (أو) مع اشتراكهما في مقصد واحد:
*فكان تفرقهم على قولهم من يدخل الجنة :
- فقول اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا.
- وقول النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا.
*وأما اشتراكهما: لأن الفريقين يقرآن التوراة، ويختلفان في تثبيت رسالة موسى وعيسى، وعليه فهما اشتركا في نفي دخول الجنة عن المستثنى منه المحذوف.
2- لأن القول مفهوم للمخاطبين بأن كل من الفريقين معادي لغيره .
3- لأن معنى {من} معنى جماعة، فحمل الخبر على المعنى،أي والمعنى: إلا الذين كانوا هودا، وكانوا نصارى.
وقد بيّن ابن عطيّة رحمه الله تعالى أن هذه الآية تمثل الإيجاز واللف أو ما يُعرف باللف والنشر ، وهو إحدى المحسنات البديعية المستخدمة في البيان بحيث أن اللف معناه الإجمال ويتضح ذلك من قول الله تعالى :"وقالوا " فأجمل قوليهما .
وأما النشر فالمراد به التفصيل ويظهر من خلال بيان الله تعالى :"إلا من كان هودا أو نصارى".
والله تعالى أعلم