وثبوت الحكم في محل النص بالنص عند أصحابنا والحنفية؛ لوجوب قبوله وإن لم تعرف علته، وعند الشافعية: بالعلة. قوله: (وثبوت الحكم في محل النص بالنص عند أصحابنا والحنفية) اختلف العلماء في حكم الأصل الذي هو الخمر ـ مثلاً ـ وحكمه: وهو التحريم، هل هو ثابت بالنصِّ أو بالعلة؟ على قولين:
الأول: للحنابلة والحنفية أنه ثابت بالنص؛ لأنه هو الذي أفاد الحكم، وهو: تحريم الخمر.
قوله: (لوجوب قبوله وإن لم تعرف علته) أي: لوجوب قبول الحكم ولو كانت العلة غير معروفة، كما في الأحكام التعبدية، كالوضوء من لحم الإبل، فلو كان ثابتاً بالعلة لم يثبت مع عدمها.
قوله: (وعند الشافعية بالعلة) هذا القول الثاني ، وهو للمالكية والشافعية، وفسروا ذلك بالباعث أي: إن العلة باعث على الحكم.
ومعنى باعث: أنها تبعث المكلف على الامتثال، ولم يستجيزوا أن يقال: إنها باعثة للشارع على تشريع الحكم؛ لأن أفعاله تعالى لا تعلل بالأغراض، ولهذا قال بعض الشافعية: إنَّ العلة بمعنى المعرّف للحكم، وليست بمعنى الباعث[(979)].
والتحقيق: أن الله تعالى يشرع الأحكام من أجل حكم باهرة، ومصالح عظيمة، كلها راجعة إلى الخلق، والله تعالى غني لذاته الغنى المطلق عن كل شيء، كما تقدم عند تعريف الجامع، وهو الركن الرابع من أركان القياس.
والحق: أن الخلاف لفظي، كما قرره كثيرون، وذلك أن مراد الشافعية والمالكية بقولهم: إن حكم الأصل ثابت بالعلة: أنها باعثة عليه، وأمَّا المعرّف له فهو النص، والحنفية والحنابلة أرادوا بقولهم: حكم الأصل ثابت بالنص: أن النص مُعَرِّف له، وأمَّا الباعث عليه فهو العلة، والله أعلم[(980)].