دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > أصول الفقه > متون أصول الفقه > قواعد الأصول

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 18 ربيع الثاني 1431هـ/2-04-2010م, 04:48 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي - المتواتر والآحاد

والخبر ينقسم إلى متواتر وآحاد : فـ(المتواتر) أخبار جماعة لا يمكن تواطؤهم على الكذب ، وشروطه ثلاثة :
إسناده إلى محسوس كسمعت ورأيت ، لا إلى اعتقاد .
واستواء الطرفين ، والواسطة في شرطه .
والعدد ، فقيل : أقله : اثنان ، وقيل : أربعة ، وقيل : خمسة ، وقيل : عشرون ، وقيل : سبعون ، وقيل غير ذلك .
والصحيح لا ينحصر في عدد ، بل متى أخبروا واحداً بعد واحد حتى يخرجوا بالكثرة إلى حد لا يمكن تواطؤهم على الكذب حصل القطع بقولهم .
وكذلك يحصل بدون عدالة الرواة وإسلامهم لقطعنا بوجود مصر .
ويحصل العلم به ويجب تصديقه بمجرده ، وغيره بدليل خارجي .
والعلم الحاصل به ضروري عند القاضي ، ونظري عند أبي الخطاب .
وما أفاد العلم في واقعة ولشخص بدون قرينة أفاده في غيرها أو لشخص آخر
و (الآحاد) ما لم يتواتر.
والعلم لا يحصل به في إحدى الروايتين ، وهو قول الأكثرين ومتأخري أصحابنا . والأخرى : بلى ، وهو قول جماعة من أصحاب الحديث والظاهرية ، وقد حَمَل ذلك منهم على ما نقله الأئمة المتفق على عدالتهم ، وتلقته الأمة بالقبول لقوته بذلك كخبر الصحابي ، فإن لم يكن قرينة أو عارضه خبر آخر فليس كذلك .
وقد أنكر قوم جواز التعبد به عقلاً لاحتماله .
وقال أبو الخطاب : يقتضيه ، والأكثرون لا يمتنع . فأما سمعاً فيجب عند الجمهور ، وخالف أكثر القدرية ، وإجماع الصحابة على قبوله يرد ذلك .

  #2  
قديم 19 ربيع الثاني 1431هـ/3-04-2010م, 06:33 PM
الصورة الرمزية ساجدة فاروق
ساجدة فاروق ساجدة فاروق غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 6,511
افتراضي تيسير الوصول إلى قواعد الأصول للشيخ عبد الله بن صالح الفوزان

والخبر ينقسم إلى: تواتر ، وآحاد، فالتواتر: إخبار جماعة لا يمكن تواطؤهم على الكذب. وشروطه ثلاثة: إسناده إلى محسوس، كـ سمعت أو رأيت ـ لا إلى اعتقاد، واستواء الطرفين والواسطة في شرطه والعدد، فقيل: أقله اثنان، وقيل: أربعة، وقيل: خمسة، وقيل: عشرون، وقيل: سبعون، وقيل غير ذلك.
قوله: (والخبر ينقسم إلى تواتر وآحاد) أي: إن الخبر باعتبار طريق وصوله إلينا قسمان: تواتر وآحاد.
قوله: (فالتواتر) هو لغةً: التتابع، وهو مجيء الواحد بعد الواحد بفترة بينهما، ومنه قوله تعالى: {{ثُمَّ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا تَتْرَا}} [المؤمنون: 44] أي: رسولاً بعد رسول بفترة بينهما.
قوله: (إخبار جماعة لا يمكن تواطؤهم على الكذب) هذا تعريف التواتر اصطلاحاً، والتواتر وصف للسند، فإذا أريد المتن قيل: حديث متواتر، على معنى تواتر سنده[(228)]. وقوله: (لا يمكن) أي: يستحيل، وقوله: (تواطؤهم) التواطؤ هو: أن يتفق قوم على اختراع معين بعد المشاورة والتقرير، بأن لا يقول أحد خلاف صاحبه، والمراد أنه يستحيل اتفاقهم على الكذب في العادة لا في العقل؛ لأن العقل يجوّز الكذب على كل عدد وإن عظم، وإنَّما هذه استحالة عادية.
قوله: (وشروطه ثلاثة: إسناده إلى محسوس) أي: وشروط التواتر المتفق عليها[(229)] في الجملة ثلاثة: الأول: أن يكون إخبارهم عن شيء محسوس مدرك بإحدى الحواس، كالسماع والرؤية؛ كقول المحدث: سمعنا، أخبرنا، حدثنا.. وهكذا؛ لأن الذي لا يكون عن مشاهدة أو سماع يحتمل دخول الغلط أو الوهم فيه.
قوله: (لا إلى اعتقاد) أي: فإن كان إخبارهم عن شيء قد علموه واعتقدوه بالنظر أو الاستدلال أو عن شبهة فإن هذا لا يعد تواتراً؛ لما تقدم.
قوله: (واستواء الطرفين والواسطة في شرطه) هذا الشرط الثاني من شروط التواتر، وهو (استواء الطرفين) ، والمراد بهما: الطبقة المشاهدة للمخبر عنه كالصحابة المشاهدين لنبينا صلّى الله عليه وسلّم، والطبقة التي أخبرتنا بوجوده (والواسطة) وهي ما كان بينهما من طبقات المخبرين. وقوله: (في شرطه) هذا مفرد أضيف فيعم جميع الشروط، وهي: وجود جماعة كثيرين يبلغون في الكثرة إلى حد يمتنع معه تواطؤهم على الكذب، وأن يكون علمهم مستنداً إلى الحس لا إلى دليل العقل ـ كما تقدم ـ وذلك لأن خبر أهل كل عصر خبر مستقل بنفسه فلا بد فيه من الشروط[(230)].
وقيل: لا يشترط الأخير في كل طبقة، فإذا حصل في الطبقة الأولى كفى [(231)].
فإذا نقل الخلف عن السلف وتوالت الأعصار ولم تكن الشروط قائمة في كل عصر لم يحصل العلم بصدقهم ولم يكن الخبر متواتراً.
قوله: (والعدد) هذا الشرط الثالث من شروط التواتر، وهو العدد الكثير، وقد اختلف في تعيينه على أقوال كثيرة.
قوله: (فقيل: أقله اثنان) : أي: أقل عدد للتواتر أن يرويه اثنان؛ لأن أقل الشهود اثنان.
قوله: (وقيل: أربعة) اعتباراً بأعلى الشهادات.
قوله: (وقيل: خمسة) ليزيد على عدد الشهود.
قوله: (وقيل: عشرون) لقوله تعالى: {{إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِئَتَيْنِ}} [الأنفال: 65] ، وإنَّما خصهم بذلك؛ لحصول العلم بما يخبرون به.
قوله: (وقيل: سبعون) لقوله تعالى: {{وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً لِمِيقَاتِنَا}} [الأعراف: 155] ، وإنَّما خصهم بذلك لما تقدم.
قوله: (وقيل غير ذلك) أي: من الأقوال في تحديد العدد الذي يحصل به التواتر، وكلها أقوال ضعيفة؛ لأن أدلتها لا تتعلق بالأخبار، ولو سُلِّم فليس فيها ما يدل على أن ذلك العدد شرط لتلك الوقائع، ولا على كونه مفيداً للعلم[(232)].
والصحيح: لا ينحصر في عدد، بل متى أخبرو واحداً بعد واحد حتى يخرجوا بالكثرة إلى حدّ لا يمكن تواطؤهم على الكذب حصل القطع بقولهم.
وكذلك يحصل بدون عدالة الرواة وإسلامهم؛ لِقطعنا بوجود مصر.
قوله: (والصحيح: لا ينحصر في عدد، بل متى أخبروا واحداً بعد واحد حتى يخرجوا بالكثرة إلى حدّ لا يمكن تواطؤهم على الكذب حصل القطع بقولهم) أي: والصحيح في العدد الذي يحصل به التواتر أن ذلك لا ينحصر في عدد معين، بل متى أخبرنا شخص بخبر ثم توالى الناقلون له حتى خرجوا بالكثرة إلى حد لا يمكن تواطؤهم على الكذب حصل القطع بصدقهم دون أن يكونوا محصورين بعدد، وإنَّما لم نشترط عدداً معيناً؛ لأن حصول العلم بالخبر يختلف بحسب حال المخبر، فتارة يحصل ـ كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ـ؛ بكثرة المخبرين، وتارة يحصل بصفاتهم لدينهم وضبطهم، وتارة يحصل بقرائن تحتف بالخبر، وقد يحصل بمجموع ذلك، كما سيأتي ـ إن شاء الله ـ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في «شرح النخبة»: (وتلك الكثرة أحد شروط التواتر، إذا وردت بلا حصر عدد معين، بل تكون العادة قد أحالت تواطؤهم على الكذب، وكذا وقوعه منهم اتفاقاً من غير قصد، فلا معنى لتعيين العدد على الصحيح)[(233)].
قوله: (وكذلك يحصل بدون عدالة الرواة وإسلامهم؛ لقطعنا بوجود مصر) أي: ليس من شرط التواتر أن يكون المخبرون مسلمين ولا عدولاً، بل يحصل التواتر بدون عدالة ولا إسلام؛ لأن القطع بصدق خبرهم من حيث إن اجتماعهم وتواطؤهم على الكذب مستحيل عادة لكثرتهم، والعادة تحيل ذلك في المسلمين والكفار، وهذا في مطلق الخبر أي: خبر الناس، فنحن نقطع بوجود البلاد النائية مثل: مصر وغيرها من البلدان عن طريق التواتر، وهذا بخلاف رواية حديث النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم، فذلك لا بد فيه من الإسلام والعدالة بالإجماع[(234)]، كما سيأتي ـ إن شاء الله ـ.
ويحصل العلم به، ويجب تصديقه بمجرده وغيره بدليل خارجي.
قوله: (ويحصل العلم به) أي: إن المتواتر يفيد العلم اليقيني، وهو القطع بصحة نسبته إلى من نُقل عنه.
قوله: (ويجب تصديقه بمجرده) أي: يجب تصديق الخبر المتواتر لكونه متواتراً، وإن لم يدل عليه دليل آخر؛ لأنه مفيد للعلم بكثرة المخبرين، فهو مستغنٍ عن اعتبار أوصاف المخبرين من الضبط والعدالة، وليس معنى ذلك أن صفة العدالة غير موجودة فيهم، بل هي موجودة، وهي قدر زائد على ما يحتاجه المتواتر، فاجتمعت فيه الكثرة والصفة، وهذا هو المتواتر بصفة عامة، وهو موجود في كثير من أمور الشرع، كالقرآن الكريم. وكأخباره صلّى الله عليه وسلّم التي لم ترد في القرآن مثل حجة الوداع، وهجرته صلّى الله عليه وسلّم إلى المدينة ووفاته بها، وأسماء زوجاته وكبار أصحابه رضي الله عنه، وغير ذلك كثير.
قوله: (وغيره بدليل خارجي) أي: إن التواتر يفيد القطع ويجب تصديقه لذاته وهو كثرة الرواة المخبرين، وهذا هو التواتر العام، وأما غيره فيحصل القطع به ويجب تصديقه بدليل خارجي. وذلك أن هناك أخباراً نقلت بالتواتر، لكنه ليس باعتبار الكثرة، وإنما باعتبار صفات المخبرين لدينهم وضبطهم، أو باعتبارات أخرى تفيد العلم، وهذا يسميه ابن تيمية التواتر الخاص. أي: الذي عرفه أهل الحديث خاصة باعتبار اطلاعهم على أحوال الرواة، وذلك مثل: أحاديث الرؤية، وعذاب القبر، والحوض والشفاعة، وأمثال ذلك.
وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا الموضع أن غير أهل الحديث تبع لهم، وأنه إذا ثبت التواتر عندهم وجب على من لم يتواتر عنده أن يسلم ذلك لهم؛ لأن أهل الحديث يسمعون ما لا يسمعه غيرهم، ويروون ما لا يرويه غيرهم[(235)].
والعلم الحاصل به ضروري عند القاضي، ونظري عند أبي الخطاب وما أفاد العلم في واقعة ولشخصٍ بدون قرينة أفاده في غيرها أو لشخص آخر.
قوله: (والعلم الحاصل به ضروري...) اختلف العلماء في نوع العلم الحاصل بالمتواتر بعد اتفاقهم على أنه يفيد العلم على قولين:
الأول: أنه يفيد العلم الضروري، ويُعَبَّرُ عنه ـ أيضاً ـ بالعلم اليقيني[(236)]، وهو ما لا يحتاج إلى نظر واستدلال، وهذا قول الجمهور واختيار القاضي أبي يعلى، ودليل ذلك أن السامع يجد نفسه مضطراً للعلم يقيناً به، كوجود الأئمة الأربعة، ووجود مكة، ودمشق ـ مثلاً ـ بالنسبة لمن لم يرهما، ولو أراد التخلص من العلم بذلك لم يستطع.
الثاني: أنه يفيد العلم النظري الذي يحتاج إلى تأمل، وهو قول بعض الشافعية، وأبي الخطاب [(237)] من الحنابلة، وحجة ذلك: أن العلم لا بد له من العلم بمقدمتين قبله:
الأولى: أن يعلم أن هذا الأمر أخبر به جماعة كثيرون يستحيل في العادة أن يتواطؤوا على الكذب.
الثانية: أن يعلم أن ما أخبر به عدد هذه صفاتهم فهو حق يقيناً، فينتج من ذلك أن هذا الخبر يقين، وهذا نظر وتأمل.
والقول الأول ـ وهو أنه يفيد العلم الضروري ـ هو المختار، وقد نسبه الشوكاني إلى الجمهور، وقال: (إنه الحق)[(238)]؛ لما ذكرنا؛ ولأنه لو كان نظرياً لما حصل لغير أهل النظر، كالصبيان المراهقين وكثير من العامة، فلما حصل لهم العلم به علمنا أنه ليس بنظري.
قوله: (وما أفاد العلم في واقعة ولشخصٍ بدون قرينة أفاده في غيرها أو لشخص آخر) أي: إن العدد للعلم اليقيني لا يتفاوت بحسب الوقائع والأشخاص، بل ما حصل به العلم في واقعة يحصل به في غيرها، وما حصل به لشخص يحصل به لغيره من غير تفاوت، فإذا أخبر ثلاثون شخصاً عمراً بموت زيد، وحصل له العلم بخبرهم، وجب أن يفيد خالداً بموت بكر، وهذا محمول ـ كما قال المؤلف ـ رحمه الله على ما إذا تجرد الخبر عن القرائن، أمَّا إن احتفت به قرائن فلا شك أن حصول العلم به يتفاوت؛ لأن القرائن الخفية يفهمها الذكي، وتخفى على الغبي، فتقوم القرائن للذكي مقام عدد من المخبرين، وكذلك القرائن الظاهرة إن علم بها بعض المخبرين دون بعض، كما لو بلغ الخبر بواسطة مبلغين كثيرين أن زيداً مات، وعمراً تزوج، وأحد المخبرين قد رأى قبل ذلك زيداً في حادث ثم رآه في النزع، ورأى عمراً في السوق يشتري ما يحتاج إليه المتزوج، فهذا الشخص يحصل له اليقين بمثل هذه القرائن[(239)].
والآحاد ما لم يتواتر، والعلم لا يحصل به في إحدى الروايتين، وهو قول الأكثرين ومتأخري أصحابنا، والأخرى: بلى، وهو قول جماعة من أصحاب الحديث، والظاهرية. وقد حَمَلَ ذلك منهم على ما نقله الأئمة المتفق على عدالتهم، وتلقته الأمة بالقبول، لقوته بذلك، كخبر الصحابي، فإن لم يكن قرينة أو عارضه خبر آخر فليس كذلك.
وقد أنكر قوم جواز التعبد به عقلاً؛ لاحتماله.
قوله: (والآحاد: ما لم يتواتر) هذا القسم الثاني من أقسام الخبر باعتبار وصوله إلينا، وهو الآحاد، والآحاد لغةً: جمع أحد كأَجَل وآجال، وأحد بمعنى واحد، وهمزته مبدلة من واو، فأصلها وَحَد. وخبر الآحاد: ما يرويه الواحد.
واصطلاحاً: ما لم يتواتر، أي: لم تبلغ نقلته مبلغ الخبر المتواتر، سواء أكان المخبر به واحداً أم اثنين أم ثلاثة أم أربعة إلى غير ذلك من الأعداد التي لا تشعر بأن الخبر دخل في حد التواتر.
قوله: (والعلم لا يحصل به في إحدى الروايتين، وهو قول الأكثرين) المراد بـ (العلم) : اليقين، وقد ذكر المؤلف ثلاثة مذاهب فيما يفيده حديث الآحاد. أحدها: هذا وهو أنه لا يفيد العلم بل يفيد الظن، وهو رجحان صحة نسبته إلى من نقل عنه، وهذا قول الجمهور، وهو رواية عن الإمام أحمد.
وقد ضعّف ابن القيم رحمه الله هذه الرواية، وقال: (إنها رواية انفرد بها الأثرم، وليست في مسائله، ولا في كتاب «السنة»، وإنَّما ذكر القاضي أنه وجدها في كتاب معاني الحديث، والأثرم لم يذكر أنه سمع ذلك منه، بل لعله بلغه عنه من واهمٍ وَهِمَ عليه في لفظه، فلم يرو عنه أحد من أصحابه ذلك، بل المروي الصحيح عنه أنه جزم بالشهادة للعشرة المبشرين بالجنة، والخبر في ذلك خبر واحد)[(240)]اهـ.
قوله: (ومتأخري أصحابنا) أي: هو قول المتأخرين من الحنابلة، ولعل المؤلف يريد المتأخرين من طبقة المتوسطين، وهم من سنة (403 ـ 884)، وإلا فإن المصطلح عليه أن بداية المتأخرين من سنة (885هـ)، ورئيسهم إمام المذهب في زمانه العلامة أبو الحسن علي بن سليمان المرداوي، المتوفى (885هـ)[(241)].
واستدل هؤلاء بما يلي:
1 ـ أنه لو أفاد خبر كل واحد العلم لصدقنا كل خبر نسمعه، ونحن لا نصدق كل خبر نسمعه، فدل على أنه لا يفيد العلم.
2 ـ أن أعدل رواة الآحاد يجوز في حقه الكذب والغلط، فالقطع بصدقه مع تجويز الكذب والغلط عليه لا معنى له.
قوله: (والأخرى: بلى...) هذا هو القول الثاني، وهو أن خبر الواحد يفيد العلم، وهو رواية عن الإمام أحمد، ونُسب إلى مالك، وهو مذهب الظاهرية[(242)]، وقد نصره ابن حزم[(243)]، وهو قول جماعة من أصحاب الحديث.
ومن أدلتهم حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: (بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آتٍ فقال: إن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أُمِرَ أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها، وكانت وجوههم إلى الشام، فاستداروا إلى الكعبة[(244)]).
فهذا دليل على أن خبر الواحد يقبل، ويحصل به العلم؛ لأن استقبالهم الأول للقبلة مقطوع به، فلولا أن الخبر أفاد العلم ما تركوا المقطوع به لخبر لا يفيد العلم.
قوله: (وقد حَمَلَ ذلك منهم على ما نقله الأئمة المتفق على عدالتهم وتلقته الأمة بالقبول) أي: وقد حمل بعض القائلين: إن خبر الواحد يفيد العلم، على ما قامت القرائن على صدقه دون غيره، كأن يكون الحديث مما نقله الأئمة المتفق على عدالتهم، أو مما تلقته الأمة بالقبول، كحديث: «لا يَمَسُّ القرآن إلا طاهر» [(245)]، أو يقع الإجماع على العلم بمقتضاه، كحديث: «لا يجمع بين المرأة وعمتها» [(246)]، ونحو ذلك مما يقوي خبر الواحد.
قوله: (لقوته بذلك) أي: لأنه صار قوياً بنقل الأئمة، وتلقي الأمة له بالقبول. وهذا هو القول الثالث. وهو التفصيل، بأنه إن احتفت به قرائن دالة على صدقه أفاد العلم وإلا أفاد الظن[(247)]. وهذا أقرب الأقوال.
قوله: (كخبر الصحابي) أي: إن ذلك مثل خبر الصحابي فإنه يتقوى إذا أجمعت الأمة على الأخذ به، وكذا لو أخبر مخبر بحضرة النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم أنه قال أو فعل فعلاً فلم ينكر عليه النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم، فإننا نعلم صدقه فيما أخبر به عنه صلّى الله عليه وسلّم، لأنه صلّى الله عليه وسلّم لا يُقِرُّ على الكذب، وكذا لو أخبر رجل بحضرة جماعة من الصحابة رضي الله عنهم بخبر يضيفه إلى مشاهدتهم وعلمهم ولا ينكر أحد منهم ذلك، فيدل على أنه صدق؛ لأنه لو كان كذباً لم تتفق دواعيهم على السكوت عن تكذيبه[(248)].
قوله: (فإن لم يكن قرينة) أي: دالة على صدق الخبر مما ذكر من القرائن فلا يفيد العلم بل الظن.
قوله: (أو عارضه خبر آخر) أي: فيفيد الظن، مثل حديث بسرة بنت صفوان رضي الله عنها: (من مسّ ذكره فليتوضأ) معارض بحديث طلق بن علي رضي الله عنه: (هل هو إلا بَضْعَةٌ منك)، وسيأتي ـ إن شاء الله ـ الكلام على ذلك في موضوع «التعارض بين الأدلة».
قوله: (فليس كذلك) أي: فلا يفيد العلم بل يفيد الظن.
قوله: (وقد أنكر قوم جواز التعبد به عقلاً، لاحتماله) أي: لاحتمال أن يكون كذباً أو خطأ، والعمل به عمل بالشك وإقدام على الجهل، وهذا لا ينبغي، وهذا هو القول الأول في حكم التعبد بخبر الواحد، وهو قول طائفة من المتكلمين، وهو قول باطل.
وقال أبو الخطاب: يقتضيه، والأكثرون: لا يمتنع، فأما سمعاً فيجب عند الجمهور، وخالف أكثر القدرية، وإجماعُ الصحابة على قبوله يرد ذلك.
قوله: (وقال أبو الخطاب: يقتضيه) هذا القول الثاني: وهو أن العقل يقتضي وجوب قبول خبر الواحد؛ لأنه صلّى الله عليه وسلّم مبعوث إلى الناس كافة، ولا تمكن مشافهة جميعهم، ولا إبلاغ جميعهم بالتواتر؛ ولأن العدل الراوي لخبر الواحد مظنون الصدق؛ لعدالته؛ والظن أرجح من مقابله وهو الوهم، والعمل بالراجح يوجبه العقل.
قوله: (والأكثرون: لا يمتنع) هذا هو القول الثالث: وهو أنه لا يمتنع العمل بخبر الواحد، بل هو جائز عقلاً وليس بواجب عقلاً، وهذا قول جمهور العلماء، وهو الراجح؛ لأن العقل وحده لا يمنع التعبد بخبر الواحد ولا يوجبه، بل يجيزه.
قوله: (فأمَّا سمعاً فيجب عند الجمهور) أي: من جهة السمع، وهو دليل الشرع على وجوب العمل بخبر الآحاد، والمراد أن العمل بخبر الواحد في الأحكام الشرعية واجب عند الجمهور من باب (قبول الظن الراجح) وهو حجة معتبرة في الشرع لما يلي:
1 ـ قوله تعالى: {{فَلَوْلاَ نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}} [التوبة: 122] . والطائفة في اللغة: تطلق على الواحد فصاعداً، فإذا رحل شخص واحد وتفقه في الدين، ثم رجع إلى قومه، وعَلَّمهم وأنذرهم لزمتهم الحجة، وإلا لم يكن لإنذار من يتفقه في الدين فائدة.
2 ـ أنه صلّى الله عليه وسلّم كان يبعث الآحاد إلى النواحي والقبائل لتبليغ الأحكام الشرعية، كما بعث معاذاً إلى اليمن، وبعث غيره إلى غيرها، فلولا أنه يجب العمل بخبرهم لم يكن لبعثهم فائدة.
3 ـ أن الصحابة رضي الله عنهم رجعوا إلى خبر الواحد، وعملوا به في وقائع كثيرة، كرجوع أهل قُباء لخبر الواحد لما أخبرهم بتحويل القبلة إلى الكعبة[(249)]، وكرجوع زيد بن ثابت رضي الله عنه إلى رواية امرأة من الأنصار: أن الحائض تنفر بلا وداع[(250)]، وعمل عثمان رضي الله عنه بخبر فُريعة بنت مالك في سكنى المتوفى عنها زوجها حتى يبلغ الكتاب أجله[(251)]، وعمل عمر رضي الله عنه بخبر حَمَلِ بن مالك، ابن النابغة في دية الجنين وأنها غرةٌ عبدٌ أو أمة[(252)].
قوله: (وخالف أكثر القدرية) [(253)] أي: قالوا: لا يجوز العمل بخبر الواحد، وهو قول باطل؛ لأن الأدلة السابقة ترده.
واعلم أن المؤلف لم يفرق في الاحتجاج بخبر الواحد بين الأحكام وبين العقائد، وهذا هو الحق؛ فإن خبر الآحاد كما يقبل في الأحكام الشرعية العملية يقبل في الأحكام الشرعية العلمية وهي العقائد، كما في باب الأسماء والصفات، وما ورد من أمور الدار الآخرة وغير ذلك من فروع العقائد، فما ثبت عنه صلّى الله عليه وسلّم من صفات الله تعالى وجب إثباته واعتقاده على الوجه اللائق بكمال الله تعالى وعظمته، وكذا ما ورد من سؤال الملكين في القبر، ونصب الصراط على ظهر جهنم ـ أعاذنا الله منها ـ وأن الميزان له كفتان، وغير ذلك يجب إثباته ولو كان بأخبار الآحاد.
وأمَّا ما يثيره بعض المعاصرين اقتداءً بسلفهم من أهل الكلام من أن خبر الآحاد لا يقبل في العقائد؛ لأن الله تعالى نهى عن اتباع الظن والعقائد لا تبنى على الظن بل على اليقين، فهو قول باطل، وذلك لأمور:
1 ـ أنه يستلزم رد الروايات الصحيحة الثابتة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في هذا الباب بمجرد تحكيم العقل.
2 ـ أن الأدلة التي يُستدل بها على وجوب الأخذ بحديث الآحاد في الأحكام العملية هي أدلة على وجوب الأخذ بها في الأحكام العلمية؛ لعمومها وشمولها لكل ما جاء به رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عن ربه، سواء كان عقيدة أم حكماً، فتخصيص هذه الأدلة بالأحكام دون العقائد تخصيص بدون مخصص، وذلك باطل، وما لزم منه باطل فهو باطل.
3 ـ أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم كان يرسل الدعاة إلى مختلف البلاد ليعلموا الناس دينهم، وأهم شيء في الدين هو العقيدة، كما في حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النَّبِيّ صلّى الله عليه وسلّم لما بعث معاذاً إلى اليمن قال له: «إنك تقدم على قوم من أهل الكتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه: عبادة الله عزّ وجل ...» ، وفي رواية: «فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله...» [(254)].
فهذا دليل قاطع على أن العقيدة تثبت بخبر الواحد وتقوم به الحجة على الناس، ولولا ذلك لما اكتفى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بإرسال معاذ رضي الله عنه وحده[(255)].

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
المتواتر, والآحاد

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:57 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir