دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > إدارة برنامج إعداد المفسر > الرسائل التفسيرية

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 20 ذو الحجة 1437هـ/22-09-2016م, 04:14 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,456
افتراضي تفسير قول الله تعالى: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً..} لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب

تفسير قول الله تعالى: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} الآية
لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله

سئل رحمه الله تعالى: عن قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} الآية.
فأجاب، رحمه الله: اعلم، رحمك الله: أن الله سبحانه عالم بكل شيء، يعلم ما يقع على خلقه وما يقعون فيه، وما يرد عليه من الواردات إلى يوم القيامة. وأنزل هذا الكتاب المبارك الذي جعله تبيانًا لكل شيء، وجعله هدى لأهل القرن الثاني عشر ومَن بعدهم، كما جعله لأهل القرن الأول ومَن بعدهم. ومن أعظم البيان الذي فيه: بيان الحجج الصحيحة، والجواب عما يعارضها، وبيان بطلان الحجج الفاسدة ونفيها. فلا إله إلا الله! ماذا حُرمه المعرضون عن كتاب الله من الهدى والعلم! ولكن لا معطي لما منع الله.
وهذه التي سألت عنها فيها بيان بطلان شبهة يحتج بها بعض أهل النفاق والريب في زماننا هذا في قضيتنا هذه.
وبيان ذلك: أن هذه في آخر قصة آدم وإبليس، وفيها من العبر والفوائد العظيمة لذريتهما ما يجل عن الوصف. فمن ذلك: أن الله أمر إبليس بالسجود لآدم، ولو فعل لكان فيه طاعة لربه وشرف له، ولكن سولت له نفسه أن ذلك نقص في حقه، إذا خضع لواحد دونه في السن ودونه في الأصل على زعمه، فلم يطع الأمر، واحتج على فضله بحجة، وهي: أن الله خلقه من أصل خير من أصل آدم، ولا ينبغي أن الشريف يخضع لمن دونه، بل العكس. فعارض النص الصريح بفعل الله الذي هو الخلق، فكان في هذا عبرة عظيمة لمن رد شيئًا من أمر الله ورسوله، واحتج بما لا يجدي. فلما فعل، لم يعذره الله بهذا التأويل، بل طرده، ورفع آدم، وأسكنه الجنة. فكان مع عدو الله من الحفظ والفطنة ودقة المعرفة ما يجل عن الوصف، فتحيل على آدم حتى ترك شيئاً من أمر الله، وذلك بالأكل من الشجرة، واحتج لآدم بحجج. فلما أكل، لم يعذره الله بتلك الحجج، بل أهبطه إلى الأرض، وأجلاه من وطنه، ثم قال: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً}.
يقول تعالى: لأجلينّكم عن وطنكم، فإن بعد هذا الكلام، وهو أني أرسل إليكم هدى من عندي، لا أكلكم إلى رأيكم ولا رأي علمائكم، بل أنزل عليكم العلم الواضح الذي يبين الحق من الباطل، والصحيح من الفاسد، والنافع من الضار،: {لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ}.
ومعلوم أن الهدى هو هذا القرآن. فمن زعم على أن القرآن لا يقدر على الهدى منه إلا من بلغ رتبة الاجتهاد، فقد كذَّب الله بخبره أنه هدى؛ فإنه على هذا القول الباطل لا يكون في حق الواحد من الآلاف المؤلفة، وأما أكثر الناس فليس هدى في حقهم، بل الهدى في حقهم أن كل فرقة تتبع ما وجدت عليه الآباء. فما أبطل هذا من قول! وكيف يصح لمن يدعي الإسلام أن يظن بالله وكتابه هذا الظن؟
ولما عرف سبحانه أن هذه الأمة سيجري عليها ما جرى على مَن قبلها من اختلافهم على أكثر من سبعين فرقة، وأن الفرَق كلها تترك هدى الله إلا فرقة واحدة، وأن كل الفرَق يقرون أن كتاب الله هو الحق لكن يعتذرون بالعجز، وأنهم لو يتعلمون كتاب الله ويعملون به لم يفهموا لغموضه 1 قال: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى}، وهذا تكذيب هؤلاء الذين ظنوا في القرآن ظن السوء.
قال ابن عباس: " تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه، ألا يضل في الدنيا، ولا يشقى في الآخرة ".
وبيان هذا، أن هؤلاء الذين يزعمون أنهم لو تركوا طريقة الآباء، واقتصروا على الوحي، لم يهتدوا بسبب أنهم لا يفهمون، كما قالوا: {قُلُوبُنَا غُلْفٌ} ، فرد الله عليهم بقوله: {بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ}، فضمن لمن اتبع القرآن أنه لا يضل كما ضل من اتبع الرأي; فتجدهم في المسألة الواحدة يحكون سبعة أقوال أو ستة، ليس منها قول صحيح، والذي ذكره الله في كتابه في تلك المسألة بعينها لا يعرفونه.
والحاصل: أنهم يقولون: لا نترك القرآن إلا خوفًا من الخطإ، ولم نقبل على ما نحن فيه إلا للعصمة، فعكس الله كلامهم، وبين أن العصمة في اتباع القرآن إلى يوم القيامة.

وأما قوله: {وَلا يَشْقَى} ، فهم يزعمون أن الله يرضى بفعلهم، ويثيبهم عليه في الآخرة، ولو تركوه واتبعوا القرآن لغلطوا وعوقبوا؛ فذكر الله أن من اتبع القرآن أمن من المحذور الذي هو الخطأ عن الطريق، وهو الضلال، وأمن من عاقبته وهو الشقاء في الآخرة.
ثم ذكر الفريق الآخر الذي أعرض عن القرآن فقال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً}.
وذكر الله هو: القرآن الذي بين الله لخلقه فيه ما يحب ويكره، قال الله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} الآيتين. فذكر الله لمن أعرض عن القرآن وأراد الفقه من غيره عقوبتين: إحداهما: المعيشة الضنك، وفسرها السلف بنوعين:
أحدهما: ضنك الدنيا، وهو أنه، إن كان غنيًا، سلط عليه خوف الفقر، وتعب القلب والبدن في جميع الدنيا، حتى يأتيه الموت، ولم يتهن بعيش.
الثاني: الضنك في البرزخ، وهو عذاب القبر.
وفسر الضنك في الدنيا أيضا بالجهل، فإن الشك والحيرة لهما من القلق وضيق الصدر ما لهما، فصار في هذا مصداق قوله في الحديث عن القرآن: " من ابتغى الهدى من غيره، أضله الله".
فبان لك أن الله عاقبهم بضد قصدهم؛ فإنهم قصدوا معرفة الفقه، فجازاهم بأن أضلهم وكدر عليهم معيشتهم بعذاب قلوبهم لخوف الفقر وقلة غنى أنفسهم، وعذاب أبدانهم بأن سلط عليهم الظلم والفقر، وأغرى بينهم العداوة والبغضاء. فإن أعظم الناس تعاديًا هؤلاء الذين ينتسبون إلى المعرفة.
ثم قال تعالى: {وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى}، والعمى نوعان: عمى القلب، وعمى البصر.
فهذا المعرض عن القرآن - لما عميت بصيرته في الدنيا عن القرآن - جازاه الله أنْ حشَره يوم القيامة أعمى.
قال بعض السلف: أعمى عن الحجة، لا يقدر على المجادلة بالباطل، كما كان يصنع في الدنيا. {قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيراً} ، فذكر الله أنه يقال له: هذا بسبب إعراضك عن القرآن في الدنيا، وطلبك العلم من غيره.
قال ابن كثير في الآية: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي}: أي: خالف أمري وما أنزلته على رسولي، أعرض عنه وتناساه، وأخذ من غيره هداه. {فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً} أي: في الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشراح ولا تنعم. وظاهره: أن قوماً أعرضوا عن الحق، وكانوا في سعة من الدنيا، فكانت معيشتهم ضنكًا; وذلك أنهم كانوا يرون أن الله ليس مخالفًا لهم معاشهم من سوء ظنهم بالله. ثم ذكر كلامًا طويلاً، وذكر ما ذكرته من أنواع الضنك. والله سبحانه وتعالى أعلم.


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
تفسير, قول

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:10 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir