القارئ:
كتاب الطهارة
عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما الأعمال بالنيات - وفي رواية: بالنية - وإنما لكل امرئٍ ما نوى ، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله , ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأةٍ يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه)).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)).
الشيخ: إن الحديث الأول من كتاب الطهارة حديث عمر المشهور , في هذه الأحاديث في هذا الكتاب كلها من صحيحي البخاري ومسلم.
هذا الحديث عمر هو أول ما بدأ به البخاري صحيحه , استفتح به للدلالة على حسن النية وجعله قائماً مقام الخطبة للكتاب , يقول فيه صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات)) وفي رواية قال: ((إنما الأعمال بالنية)) وفي رواية: ((الأعمال بالنيات)).
أراد المؤلف بذلك أن النية من شروط الطهارة كما أنها من شروط بقية الأعمال ، فإن الطهارة للصلاة عمل , وكل عمل لابد له من نية , وإذا صحت النية اعتبر العمل وإذا فسدت فسد العمل , كما روي عن بعض السلف أنه قال: "كم من عمل صالح أفسدته النية , وكم من عمل فاسد أصلحته النية".
يعني أن الإنسان إذا كانت نيته صادقة ولكن لم يدر أو فاتته معرفة كيفية العمل فعمله على حسب وسعه أثابه الله على نيته , وكذلك لو أنفق نفقة ولم ينو بها شيئاً فوقعت نوى بها غيره فإن الله يثيبه على نيته.
وقد ورد في النية كلام كثير معروف في كتب الحديث ولكن لما كان الحديث مسوقاً للطهارة فإننا لا نتكلم إلا على الطهارة التي نحن في سياقها فنقول: تُشترط النية لكل الأحداث، يعني رفع الحدث يكون بالوضوء ويكون بالغسل ويكون بالتيمم , وهذه لابد لها من نية .
ولا تشترط النية لإزالة الأحداث ، فالذي يغسل وجهه بنية التبرد أو إزالة النعاس لا يكفيه عن رفع الحدث. لو أن إنساناً مُحدثاً غسل وجهه لإزالة النعاس وغسل يديه للنشاط ثم تذكر أنَّ عليه حدث فأراد أن يكمل ما كفاه هذا الغسل بل لابد أن يغسلها بنية رفع الحدث , كل عضو يغسله بنية رفع الحدث ؛ لأن الحدث أمر معنوي والأمور المعنوية لابد فيها من النية، .
أردنا أن غسل الأعضاء لابد أن يغسلها بنية رفع الحدث لا بنية التبرد ولا بنية النشاط ولا بنية إزالة النعاس أو ما أشبه ذلك بل بنية الطهارة , ولكن سمعنا أن بعض الناس يتشدد في أمر النية , وهذا التشدد غالباً أنه وسوسة من الشيطان ليشككه , فيغسل مثلاً يديه.. وجهه ويديه ثم يأتيه الشيطان ويقول: إنك ما نويت فيعيد , يغسلهما مرة ثانية , وإذا غسل يديه قال له: إنك سهوت عن نية غسل اليدين إنما نويت الوجه بطلت اليدان أعد غسلهما فيعيد وهكذا، ربما يعيد خمس مرات أو أكثر وربما يُعيد بعدما ينتهي مراراً , ولا شك أن هذا من الوسوسة التي ينبغي اطراحها.
ويقول العلماء: إن النية ملازمةٌ للإنسان وأنه ولابد قد نوى بعمله. يقلُّ أو يستحيل أن ينوي أن يعمل عملاً بدون نية , فمثلاً: الاغتسال: إما أن ينوي به التبرد أو التنظف أو النشاط أو رفع الحدث، لابد من نية ما يمكنه أن يغتسل وهو غافل لا يدري لأي شيء يغتسل , فما دام أن النية ملازمة له فيعتبر ما قاله قلبه وما قصده.
ومن الدليل على أن الإنسان ينوي بعمله أنك لو سألته وهو ذاهب إلى الحمام ماذا تريد ؟ نطق وتكلم وقال: أتوضأ أو أرفع الحدث , أو أغتسل , أو أتطهر , فعُرف بذلك أنه قد نوى ولو كان قلبه عازباً ولو كان فكره شاذاً في حالة مشيه فلابد أن تكون هناك نية موجودة ؛ فينتبه أولئك الذين يأتيهم الشيطان ويوسوس لهم أنك ما نويت فأعد , يأتيهم في الوضوءويأتيهم في الغسل لدرجة أن أحدهم يقيم في الاغتسال ساعة أو أكثر أو أقل ، حيث أنه كلما غسل عضواً جاءه الشيطان وقال: أعد فإنك ما نويت , فيتكلف ويتشدد ويشدد على نفسه حتى تفوته صلاة الجماعة أو حتى تثقل عليه الصلاة كلاً، وهذا من الشيطان يثقل عليه العبادة يُصعب عليه هذا الشرط , فإذا صعب عليه عند ذلك رأى أن في الصلاة صعوبة فأدى إلى تركها والعياذ بالله.
نقول: إن النية معتبرة في الثلاثة: معتبرة في الوضوء , ومعتبرة في الاغتسال من الحدث الأكبر , ومعتبرة في التيمم , لابد فيها كلها من نية , ثم نقول: إن النية محلها القلب ولا يجوز التكلم بها لا في الصلاة ولا في الطهارة.
ذهب بعض الشافعية إلى أنه يلزمه أن يتكلم بها وجعلوا ذلك في مؤلفاتهم , وقالوا: إن التلفظ بها سنة وأنه مذهب الشافعي , والصحيح أنه ليس مذهباً للشافعي ولم ينقل ذلك عنه نقلاً صريحاً ولم يذكر ذلك في مؤلفاته ولا في رسائله .
والله تعالى هو العالم بما في القلب وليس للإنسان أن يخبر الله تعالى بما يدور في خلده وبما في قلبه، فالله عالم ما في قلبك فلا حاجة إلى أن تخبر الله اله وتقول: نويت كذا وكذا، الله عالم بما في الصدور , الله عليم بذات الصدور .
والعمل قد يكون ظاهره حسناً ولكن تُفسده النية , وقد أخبرنا النبي عليه الصلاة والسلام لذلك بأمثلة كالذي يقول الله له: قرأت القرآن ليقال قارئ، يعني نيتك أن يقول الناس قارئ، تصدقت ليقال جواد، قاتلت ليقال شجاع، وكذلك لما قال له رجل: الرجل يقاتل حمية ويقاتل شجاعة ويقاتل ليرى مكانه ويقاتل للمغنم -أخبر أن هذه نيات يعلمها الله. الله يعلم أن هذا قاتل رياءً وهذا قاتل سمعةً وهذا قاتل ليرى مكانه وهذا قاتل للشجاعة وهذا قاتل حمية وهذا قاتل للغنيمة ، الله أعلم بذلك ولو ما قال العبد , إنني أقاتل لكذا , فلا حاجة إلى أن يقول: نويت بقتالي إعزاز دين الله أو إعلاء كلمة الله , كذلك لا يقول: نويت بهذه الطهارة أو بهذا الغسل أن أرفع الحدث أو نويت أن أغتسل لأرفع الحدث لا حاجة إلى ذلك، الله عالم بما في قلبك.
أما قوله: ((وإنما لكل امرئ ما نوى)) فمعناه أن الثواب يترتب على النية , فإن كان العمل صالحاً ترتب عليه الثواب وإلا ترتب عليه العقاب , ولهذا ضرب له مثلا بالهجرة، الهجرة كانت من الأعمال الشريفة , كان أحدهم ينتقل من بلاده التي هي مسقط رأسه وفيها عشيرته وفيها أهله وفيها أمواله وفيها مساكنه، ينتقل منها , لماذا ؟
لأجل العبادة , لأجل أن يتمكن من عبادة الله، حيث أنه في بلاده يلاقي الأذى، أخبر النبي عليه الصلاة والسلام بأن هناك من يهاجر لأجل الله ورسوله وهناك من يهاجر لمصالح دنيوية , فالذي تكون هجرته إلى الله ورسوله يعني لرضا الله ولاتباع الرسول وللاقتداء به عليه الصلاة والسلام والأخذ عنه هذا أجره على الله هجرته إلى الله ورسوله , والذي تكون هجرته لأجل مصالح دنيوية تجارة أو وظيفة أو رئاسة أو منصبٍ أو نحو ذلك أو امرأة يتزوجها ليس له قصد إلا هذا فهجرته إلى ما هاجر إليه , يعني ليس له أجر الهجرة , ليس له ثوابها ؛ وذلك لأن الله إنما يثيب من الأعمال على ما أريد به وجه الله.
فهذا مثل.. مثل ضرب , ضربه عليه الصلاة والسلام لصلاح النية ولعدم صلاحها .نفى كذلك.. يقال أيضاً في بقية الأعمال.
نعرف أن هناك شيئاً لا يحتاج إلى نية وهو إزالة النجاسات هذه غسلها لا يحتاج إلى نية فلو كان ثوبك نجساً وعلقته مثلاً على وتد أو نحوه فنزل عليه مطر فغسَله طهر ولو بدون نية , أو مثلا تنجس أسفله بشيء من أنواع النجاسات وخضت به في سيلاً أو نهراً فذهب أثر النجاسة طهر , أو وقعت نجاسة على بقعة من الأرض فنزل عليها مطر فغمرها وذهبت عين النجاسة طهرت ولا حاجة إلى أن تنوي أو ينوي أحد إزالتها لأن هذا إزالة والإزالة إذا زال أثرها طهر المكان وأما الحدث فإنه أمر معنوي.