دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأسيس في التفسير > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #26  
قديم 25 جمادى الآخرة 1436هـ/14-04-2015م, 10:27 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هبه الديب مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
آية الكرسي

المسائل:
●فضل الآية:
قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو}
●بيان موقع الجملة من الإعراب.
● بيان معنى إله.
●عدم استحقاق العبودية لغير الله.
● نوع ( لا ) في الآية.
● دلالة (لا) في الآية.
●بيان اسمها.
●بيان خبرها.
● دلالة " لا إله إلا هو".

وقوله تعالى: {الحي القيوم}
● بيان نوع اللفظين :"الحي القيوم".
● دلالة لفظ "الحي".
●دلالة لفظ "القيوم".
● بيان معنى "الحي":
●دلالة دخول ( أل التعريف):
● بيان معنى القيوم.

قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}
●المراد بقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}.

قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض}
●دلالة تقديم الخبر على المبتدأ.
●سبب إفراد لفظة "الأرض" مقابل جمع لفظة "السماء".

قوله تعالى : {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
●بيان إعراب "من":
● بيان استعمال العرب ل"ذا".
●معنى الشفاعة لغة واصطلاحا.
●بيان شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
● بيان إذن الله تعالى.

قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}
●بيان العلم عند الأصوليين.
● بيان المراد من قوله :"ما بين أيديهم".
●بيان المراد من قوله تعالى :"من خلفهم".
● دلالة "ما".

قوله تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}
● معنى الآية :
● دلالة قوله تعالى "إلا بما شاء".

قوله تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض}
● معنى "وسع".
● المراد بالكرسي.

قوله تعالى :"ولا يؤوده حفظهما ":
● معنى قوله تعالى :"ولا يؤوده":
● مرجع الضمير في قوله تعالى :"حفظهما".

قوله تعالى:"وهو العلي العظيم":
● فائدة الجملة التي طرفاها معرفان:
●بيان كون الله تعالى "علي":
● بيان كون الله تعالى :"عظيم".

مسائل عقدية
● إثبات أسماء لله تعالى:
●انفراد الله تعالى بالألوهية.
●إثبات صفة الحياة لله تعالى.
●إثبات صفة القيومية لله تعالى:
● إثبات صفة الغنى لله تعالى وإثبات الفقر للمخلوقين.
●ذكر اسم الله الأعظم في الآية.
● امتناع السنة عن الله تعالى:
●إثبات الصفات المنفية عن الله تعالى:
●عموم ملك الله تعالى:
● إثبات أن السماوات عدد.
●كمال سلطان الله تعالى:
●إثبات الشفاعة بإذن الله.
●إثبات إذن الله وشروطه:
●إثبات علم الله تعالى:
●الرد على القدرية:
● الرد على الخوارج والمعتزلة.
●أن الله عز وجل لا يحاط به علماً كما لا يحاط به سمعاً، ولا بصراً.
●أننا لا نعلم شيئاً عن معلوماته إلا ما أعلمنا به.
●تحريم تكييف صفات الله.
●الرد على الممثلة.
●إثبات مشيئة الله.
●عظم الكرسي.
●عظمة خالق الكرسي.
●كفر من أنكر السموات، والأرض.
●إثبات قوة الله.
●أنه سبحانه وتعالى لا يثقل عليه حفظ السموات، والأرض.
●إثبات ما تتضمنه هذه الجملة: {ولا يؤوده حفظهما}.
●إثبات علو الله سبحانه وتعالى أزلاً، وأبداً.
●الرد على الحلوليه والمعطلة.
● التحذير من الطغيان على الغير
●إثبات العظمة لله.
●إثبات صفة كمال حصلت باجتماع الوصفين.

●الفوائد السلوكية:

تلخيص المسائل:



●فضل الآية:
هذه الآية أعظم آية في كتاب الله كما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أبيّ بن كعب، وقال: «أي آية أعظم في كتاب الله؟ قال: آية الكرسي؛ فضرب على صدره، وقال: ليهنك العلم يا أبا المنذر»(1)؛ ولهذا من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح.

قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو}
●بيان موقع الجملة من الإعراب.
لفظ الجلالة مبتدأ؛ وجملة: {لا إله إلا هو} خبر؛ وما بعده: إما أخبار ثانية؛ وإما معطوفة.

● بيان معنى إله.
بمعنى مألوه؛ و«المألوه» بمعنى المعبود حباً، وتعظيماً.

●عدم استحقاق العبودية لغير الله.
ولا أحد يستحق هذا الوصف إلا الله سبحانه وتعالى؛ والآلهة المعبودة في الأرض، أو المعبودة وهي في السماء - كالملائكة - كلها لا تستحق العبادة؛ وهي تسمى آلهة؛ لكنها لا تستحق ذلك؛ الذي يستحقه رب العالمين، كما قال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم} ، وقال تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل}.

● نوع ( لا ) في الآية.
نافية للجنس.

● دلالة (لا) في الآية.
تدل على النفي المطلق العام لجميع أفراده؛ وهي نص في العموم؛ فـ{لا إله} نفي عام محض شامل لجميع أفراده.

●بيان اسمها.
{إله} اسم لا.

●بيان خبرها.
قوله تعالى: {إلا هو} بدل من خبر {لا} المحذوف؛ لأن التقدير: لا إله حق إلا هو؛ والبدل في الحقيقة هو المقصود بالحكم، كما قال ابن مالك: (التابع المقصود بالحكم بلا واسطة هو المسمى بدلاً) .

● دلالة "لا إله إلا هو".
نفي الألوهية الحق نفياً عاماً قاطعاً إلا لله تعالى وحده.

وقوله تعالى: {الحي القيوم}
● بيان نوع اللفظين :"الحي القيوم".
هذان اسمان من أسمائه تعالى؛ وهما جامعان لكمال الأوصاف، والأفعال.

● دلالة لفظ "الحي".
تدل على كمال الأوصاف لله تعالى.

●دلالة لفظ "القيوم".
تدل على كمال الأفعال لله تعالى.

● بيان معنى "الحي":
أي :ذو الحياة الكاملة.

●دلالة دخول ( أل التعريف) على الاسم:
ال المفيدة للاستغراق؛ تدل على كمال حياته تعالى: من حيث الوجود، والعدم؛ ومن حيث الكمال، والنقص؛ فحياته من حيث الوجود، والعدم؛ أزلية أبدية - لم يزل، ولا يزال حياً؛ ومن حيث الكمال، والنقص: كاملة من جميع أوصاف الكمال - فعلمه كامل؛ وقدرته كاملة؛ وسمعه، وبصره، وسائر صفاته كاملة.

● بيان معنى القيوم.
أصلها من القيام؛ ووزن «قيوم» فيعول؛ وهي صيغة مبالغة؛ فهو القائم على نفسه فلا يحتاج إلى أحد من خلقه؛ والقائم على غيره فكل أحد محتاج إليه.

المراد بقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}
أي لا يعتريه نعاس، ولا نوم؛ فالنوم معروف؛ والنعاس مقدمته.

قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض}
●دلالة تقديم الخبر على المبتدأ.
تفيد الحصر ، أي له وحده.

●سبب إفراد لفظة "الأرض" مقابل جمع لفظة "السماء".
أفردت لفظة الأرض؛ لكنها بمعنى الجمع؛ لأن المراد بها الجنس.

قوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
●بيان إعراب "من":
اسم استفهام مبتدأ.

● بيان استعمال العرب ل"ذا".
يأتي بها العرب في مثل هذا لتحسين اللفظ.

●معنى الشفاعة لغة واصطلاحا.
في اللغة: جعل الوتر شفعاً.
وفي الاصطلاح: التوسط للغير لجلب منفعة، أو دفع مضرة.

●بيان شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
1-شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف أن يقضي الله بينهم بعدما يلحقهم من الهمّ، والغمّ ما لا يطيقون: شفاعة لدفع مضرة.
2-شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة: شفاعة في جلب منفعة.

● بيان إذن الله تعالى. المراد بالإذن في الآية
أي الكوني؛ يعني: إلا إذا أذن في هذه الشفاعة -
ما يفيده نفي الشفاعة إلا بعد الإذن
حتى أعظم الناس جاهاً عند الله لا يشفع إلا بإذن الله؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة - وهو أعظم الناس جاهاً عند الله؛ ومع ذلك لا يشفع إلا بإذن الله لكمال سلطانه جلّ وعلا، وهيبته؛ وكلما كمل السلطان صار أهيب للملِك، وأعظم؛ حتى إن الناس لا يتكلمون في مجلسه إلا إذا تكلم؛ وانظر وصف رسولِ قريشٍ النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، حيث وصفهم بأنه إذا تكلم سكتوا؛ كل ذلك من باب التعظيم.


قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}
●بيان العلم عند الأصوليين.
العلم عند الأصوليين:
إدراك الشيء إدراكاً جازماً مطابقاً؛ والإدراك أنواع:
1-فعدم الإدراك: جهل
2-والإدراك على وجه لا جزم فيه: شك
3- والإدراك على وجه جازم غير مطابق: جهل مركب.
مثال:لو سئلت: متى كانت غزوة بدر؟ فقلت: «لا أدري» فهذا جهل؛ ولو سئلت: متى كانت غزوة بدر؟ فقلت: «إما في الثانية؛ أو في الثالثة» فهذا شك؛ ولو سئلت: متى كانت غزوة بدر؟ فقلت: «في السنة الخامسة» فهذا جهل مركب؛ والله عز وجل يعلم الأشياء علماً تاماً شاملاً لها جملة، وتفصيلاً؛ وعلمه ليس كعلم العباد.

● بيان المراد من قوله :"ما بين أيديهم".
المستقبل .
●بيان المراد من قوله تعالى :"من خلفهم".
الماضي. يجب عرض جميع الأقوال ثم الترجيح ولا يكتفى بالراجح فقط

● دلالة "ما".
من صيغ العموم؛ فهي شاملة لكل شيء سواء كان دقيقاً أم جليلاً؛ وسواء كان من أفعال الله أم من أفعال العباد.

قوله تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}
● معنى الآية :
لها معنيان:
1- المعنى الأول: لا يحيطون بشيء من علم نفسه؛ أي لا يعلمون عن الله سبحانه وتعالى من أسمائه، وصفاته، وأفعاله، إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، فيعلمونه.
2-المعنى الثاني: ولا يحيطون بشيء من معلومه - أي مما يعلمه في السموات، والأرض - إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، فيعلمونه.

● دلالة قوله تعالى "إلا بما شاء".
استثناء بدل من قوله تعالى: {شيء}؛ لكنه بإعادة العامل؛ وهي الباء؛ و «ما» يحتمل أن تكون مصدرية؛ أي: إلا بمشيئته؛ ويحتمل أن تكون موصولة؛ أي: إلا بالذي شاء؛ وعلى التقدير الثاني يكون العائد محذوفاً؛ والتقدير: إلا بما شاءه.

قوله تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض}
● معنى "وسع".
أي شمل، وأحاط، كما يقول القائل: وسعني المكان؛ أي شملني، وأحاط بي.

● المراد بالكرسي.
«الكرسي» هو موضع قدمي الله عز وجل؛ وهو بين يدي العرش كالمقدمة له؛ وقد صح ذلك عن ابن عباس موقوفاً. ، ومثل هذا له حكم الرفع؛ لأنه لا مجال للاجتهاد فيه؛ وما قيل من أن ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ عن بني إسرائيل فلا صحة له؛ بل الذي صح عنه في البخاري أنه كان ينهى عن الأخذ عن بني إسرائيل؛ فأهل السنّة والجماعة عامتهم على أن الكرسي موضع قدمي الله عز وجل؛ وبهذا جزم شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وغيرهما من أهل العلم، وأئمة التحقيق؛ وقد قيل: إن «الكرسي» هو العرش؛ ولكن ليس بصحيح؛ فإن «العرش» أعظم، وأوسع، وأبلغ إحاطة من الكرسي؛ وروي عن ابن عباس أن {كرسيه}: علمه؛ ولكن هذه الرواية أظنها لا تصح عن ابن عباس؛ لأنه لا يعرف هذا المعنى لهذه الكلمة في اللغة العربية، ولا في الحقيقة الشرعية؛ فهو بعيد جداً من أن يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما؛ فالكرسي موضع القدمين؛ وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما السموات السبع والأرضون بالنسبة للكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة»؛ وهذا يدل على سعة هذه المخلوقات العظيمة التي هي بالنسبة لنا من عالم الغيب؛ ولهذا يقول الله عز وجل: {أفلم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيناها} [ق~: 6] ؛ ولم يقل: أفلم ينظروا إلى الكرسي؛ أو إلى العرش؛ لأن ذلك ليس مرئياً لنا؛ ولولا أن الله أخبرنا به ما علمنا به.
أختي الغالية.. الكلام في المراد بالكرسي منسوخ بكامله، والواجب فصل كل قول وعرض أدلته وحججه والترجيح، ولا يوضع الكلام تحت المسألة هكذا لأننا نلخص.
قوله تعالى :"ولا يؤوده حفظهما ":
● معنى قوله تعالى :"ولا يؤوده":
أي لا يثقله، ويشق عليه.

● مرجع الضمير في قوله تعالى :"حفظهما".
أي حفظ السموات، والأرض؛ وهذه الصفة صفة منفية.

قوله تعالى:"وهو العلي العظيم":
● فائدة الجملة التي طرفاها معرفان: فائدة التعريف في كل من {العلي} و{العظيم}
هذه الجملة التي طرفاها معرفتان تفيد الحصر.

●بيان كون الله تعالى "علي": معنى {العلي}، وذكر في المسألة السابقة أن التعريف يفيد الحصر.
أي وحده العلي؛ أي ذو العلو المطلق، وهو الارتفاع فوق كل شيء.

● بيان كون الله تعالى :"عظيم". معنى {العظيم}
أي ذو العظمة في ذاته، وسلطانه، وصفاته.

مسائل عقدية الفوائد العقدية
● إثبات أسماء لله تعالى:
إثبات هذه الأسماء الخمسة؛ وهي {الله}؛ {الحي}؛ {القيوم}؛ {العلي}؛ {العظيم}؛ وما تضمنته من الصفات.

●انفراد الله تعالى بالألوهية.
في قوله تعالى: {لا إله إلا هو}.

●إثبات صفة الحياة لله تعالى.
إثبات صفة الحياة الكاملة: لم تسبق بعدم، ولا يلحقها زوال، ولا توصف بنقص، كما قال تعالى: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم} ، وقال تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} ، وقال تعالى: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} .

●إثبات صفة القيومية لله تعالى:
لقوله تعالى: {القيوم}؛ وهذا الوصف لا يكون لمخلوق؛ لأنه ما من مخلوق إلا وهو محتاج إلى غيره: فنحن محتاجون إلى العمال، والعمال محتاجون إلينا؛ ونحن محتاجون إلى النساء، والنساء محتاجة إلينا؛ ونحن محتاجون إلى الأولاد، والأولاد يحتاجون إلينا؛ ونحن محتاجون إلى المال، والمال محتاج إلينا من جهة حفظه، وتنميته؛ والكل محتاج إلى الله عز وجل؛ لقوله تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} ؛ وما من أحد يكون قائماً على غيره في جميع الأحوال؛ بل في دائرة ضيقة؛ ولهذا قال الله تعالى: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت}؛ يعني الله؛ فلا أحد سواه قائم على كل نفس بما كسبت.

● إثبات صفة الغنى لله تعالى وإثبات الفقر للمخلوقين.
لله تعالى غني عما سواه؛ وأن كل شيء مفتقر إليه تعالى؛ فإن قلت: كيف تجمع بين هذا، وبين قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم} [محمد: 7] ، وقوله تعالى: {ولينصرن الله من ينصره} [الحج: 40] ؛ فأثبت أنه يُنصر؟
فالجواب: أن المراد بنصره تعالى نصر دينه.

●ذكر اسم الله الأعظم في الآية.
قوله تعالى: {الحي القيوم} اسم الله الأعظم؛ وقد ذكر هذان الاسمان الكريمان في ثلاثة مواضع من القرآن: في «البقرة»؛ و«آل عمران»؛ و«طه»؛ في «البقرة»: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة: 255] ؛ وفي «آل عمران»: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}؛ وفي «طه»: {وعنت الوجوه للحي القيوم} [طه: 111] ؛ قال أهل العلم: وإنما كان الاسم الأعظم في اجتماع هذين الاسمين؛ لأنهما تضمنا جميع الأسماء الحسنى؛ فصفة الكمال في {الحي}؛ وصفة الإحسان، والسلطان في {القيوم}.

● امتناع السنة عن الله تعالى:
وذلك لكمال حياته، وقيوميته، بحيث لا يعتريهما أدنى نقص؛ لقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}؛ وهذه من الصفات المنفية؛ والإيمان بالصفات المنفية يتضمن شيئين؛ أحدهما: الإيمان بانتفاء الصفة المذكورة؛ والثاني: إثبات كمال ضدها؛ لأن الكمال قد يطلق باعتبار الأغلب الأكثر، وإن كان يرد عليه النقص من بعض الوجوه؛ لكن إذا نفي النقص فمعناه أن الكمال كمال مطلق لا يرد عليه نقصٌ أبداً بوجه من الوجوه؛ مثال ذلك: إذا قيل: «فلان كريم» فقد يراد به أنه كريم في الأغلب الأكثر؛ فإذا قيل: «فلان كريم لا يبخل» عُلم أن المراد كمال كرمه، بحيث لا يحصل منه بخل؛ وهنا النفي حصل بقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}؛ فدل على كمال حياته، وقيوميته.

●إثبات الصفات المنفية عن الله تعالى:
في قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}، وقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}؛ و«الصفات المنفية» ما نفاه الله عن نفسه؛ وهي متضمنة لثبوت كمال ضدها.

●عموم ملك الله تعالى:
لقوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض}، ويتفرع على كون الملك لله ألا نتصرف في ملكه إلا بما يرضاه.

● إثبات أن السماوات عدد.
لقوله تعالى: {السموات}؛ وأما كونها سبعاً، أو أقل، أو أكثر، فمن دليل آخر.

●كمال سلطان الله تعالى:
لقوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}؛ وهذا غير عموم الملك؛ لكن إذا انضمت قوة السلطان إلى عموم الملك صار ذلك أكمل، وأعلى.

●إثبات الشفاعة بإذن الله.
لقوله تعالى: {إلا بإذنه}؛ وإلا لما صح الاستثناء.

●إثبات إذن الله وشروطه:
لقوله تعالى: {إلا بإذنه}.
وشروط إذن الله في الشفاعة:
1-رضى الله عن الشافع.
2- الرضى عن المشفوع له؛ لقوله تعالى: {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} [النجم: 26] ، وقوله تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28] .

●إثبات علم الله تعالى:
إثبات علم الله، وأنه عام في الماضي، والحاضر، والمستقبل؛ لقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}.

●الرد على القدرية:
لقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}؛ فإثبات عموم العلم يرد عليهم؛ لأن القدرية الغلاة أنكروا علم الله بأفعال خلقه إلا إذا وقعت.

● الرد على الخوارج والمعتزلة.
لأن الخوارج، والمعتزلة ينكرون الشفاعة في أهل الكبائر؛ لأن مذهبهما أن فاعل الكبيرة مخلد في النار لا تنفع فيه الشفاعة.

●أن الله عز وجل لا يحاط به علماً كما لا يحاط به سمعاً، ولا بصراً.
قال تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} [الأنعام: 103] ، وقال تعالى: {ولا يحيطون به علماً}.

●أننا لا نعلم شيئاً عن معلوماته إلا ما أعلمنا به.
لقوله تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} على أحد الوجهين في تفسيرها.

●تحريم تكييف صفات الله.
لأن الله ما أعلمنا بكيفية صفاته؛ فإذا ادعينا علمه فقد قلنا على الله بلا علم.

●الرد على الممثلة.
لأن ذلك قول على الله بلا علم؛ بل بما يعلم خلافه؛ لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء}

●إثبات مشيئة الله.
لقوله: {إلا بما شاء}.

●عظم الكرسي.
لقوله تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض}.

●عظمة خالق الكرسي.
لأن عظم المخلوق يدل على عظمة الخالق.

●كفر من أنكر السموات، والأرض.
لأنه يستلزم تكذيب خبر الله؛ أما الأرض فلا أظن أحداً ينكرها؛ لكن السماء أنكرها من أنكرها، وقالوا: ما فوقنا فضاء لا نهاية له، ولا حدود؛ وإنما هي سدوم، ونجوم، وما أشبه ذلك؛ وهذا لا شك أنه كفر بالله العظيم سواء اعتقده الإنسان بنفسه، ووهمه؛ أو صدَّق من قال به ممن يعظمهم إذا كان عالماً بما دل عليه الكتاب والسنّة.

●إثبات قوة الله.
لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}.

●أنه سبحانه وتعالى لا يثقل عليه حفظ السموات، والأرض.
لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}؛ وهذه من الصفات المنفية؛ فهي كقوله تعالى: {وما مسنا من لغوب}.

●إثبات ما تتضمنه هذه الجملة: {ولا يؤوده حفظهما}.
وهي العلم، والقدرة، والحياة، والرحمة، والحكمة، والقوة،وأن السموات، والأرض تحتاج إلى حفظ؛ لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}؛ ولولا حفظ الله لفسدتا؛ لقوله تعالى: {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراً}.

●إثبات علو الله سبحانه وتعالى أزلاً، وأبداً.
لقوله تعالى: {وهو العلي}؛ و{العلي} صفة مشبهة تدل على الثبوت، والاستمرار؛ وعلوّ الله عند أهل السنة، والجماعة ينقسم إلى قسمين:
1- الأول: علو الذات؛ بمعنى أنه سبحانه نفسه فوق كل شيء؛ وقد دل على ذلك الكتاب، والسنة، وإجماع السلف، والعقل، والفطرة؛ وتفصيل هذه الأدلة في كتب العقائد؛ وخالفهم في ذلك طائفتان؛
أ) الأولى: من قالوا: إنه نفسه في كل مكان في السماء، والأرض؛ وهؤلاء حلولية الجهمية، ومن وافقهم؛ وقولهم باطل بالكتاب، والسنّة، وإجماع السلف، والعقل، والفطرة.
ب) الطائفة الثانية: قالوا: إنه لا يوصف بعلوّ، ولا غيره؛ فهو ليس فوق العالم، ولا تحته، ولا عن يمين، ولا عن شمال، ولا متصل، ولا منفصل؛ وهذا قول يكفي تصوره في رده؛ لأنه يَؤول إلى القول بالعدم المحض؛ إذ ما من موجود إلا وهو فوق، أو تحت، أو عن يمين، أو شمال، أو متصل، أو منفصل؛ فالحمد لله الذي هدانا للحق؛ ونسأل الله أن يثبتنا عليه.
2- والقسم الثاني: علو الصفة: وهو أنه كامل الصفات من كل وجه لا يساميه أحد في ذلك؛ وهذا متفق عليه بين فرق الأمة، وإن اختلفوا في تفسير الكمال.

●الرد على الحلوليه والمعطلة.
فالحلولية قالوا: إنه ليس بعالٍ؛ بل هو في كل مكان؛ والمعطلة النفاة قالوا: لا يوصف بعلو، ولا سفل، ولا يمين، ولا شمال، ولا اتصال، ولا انفصال.

●إثبات العظمة لله.
لقوله تعالى: {العظيم}.

●إثبات صفة كمال حصلت باجتماع الوصفين.
وهما العلوّ، والعظمة

●الفوائد السلوكية:
1-أن الحكم الشرعي بين الناس، والفصل بينهم يجب أن يكون مستنداً على حكم الله؛ وأن اعتماد الإنسان على حكم المخلوقين، والقوانين الوضعية نوع من الإشراك بالله عز وجل؛ لأن الملك لله عز وجل.
2- تسلية الإنسان على المصائب، ورضاه بقضاء الله عز وجل، وقدره؛ لأنه متى علم أن الملك لله وحده رضي بقضائه، وسلّم؛ ولهذا كان في تعزية النبي صلى الله عليه وسلم لابنته أنه قال: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى»(6).
3- عدم إعجاب الإنسان بما حصل بفعله؛ لأن هذا من الله؛ والملك له.
4-التحذير من الطغيان على الغير،لقوله تعالى: {وهو العلي العظيم}؛ ولهذا قال الله في سورة النساء: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً} [النساء: 34] ؛ فإذا كنت متعالياً في نفسك فاذكر علو الله عز وجل؛ وإذا كنت عظيماً في نفسك فاذكر عظمة الله؛ وإذا كنت كبيراً في نفسك فاذكر كبرياء الله.

والله تعالى أعلم.

*أستاذتي الفاضلة ،إن كان ينبغي عليّ فصل المسائل اللغوية ،أشيري عليّ بذلك فضلا منك.
بوركت جهودك.


بارك الله فيك ونفع بك

نعم، ما يتعلق بالإعراب والاشتقاق ونحوه يفصل ضمن المسائل اللغوية إلا ما يكون مهما في تحديد المعنى وبيانه كمسألة دلالة {لا} النافية للجنس، ومسألة معنى: {إلا بما شاء} ونحو ذلك فيذكر ضمن المسائل التفسيرية، لكن مسألة مثلا: خبر كذا، أو إعراب {من} ونحوه ليست من المسائل التفسيرية، فلو تفصليها أحسن الله إليك.


رد مع اقتباس
  #27  
قديم 25 جمادى الآخرة 1436هـ/14-04-2015م, 04:37 PM
هبة الديب هبة الديب غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,274
افتراضي تلخيص آية الكرسي

بسم الله الرحمن الرحيم
آية الكرسي

المسائل:
●فضل الآية:
قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو}
● بيان معنى إله.
●عدم استحقاق العبودية لغير الله.
● دلالة (لا) في الآية.
● دلالة " لا إله إلا هو".

وقوله تعالى: {الحي القيوم}
● بيان نوع اللفظين :"الحي القيوم".
● دلالة لفظ "الحي".
●دلالة لفظ "القيوم".
● بيان معنى "الحي":
●دلالة دخول ( أل التعريف):
● بيان معنى القيوم.


قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}
●المراد بقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}.

قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض}
●دلالة تقديم الخبر على المبتدأ.
●سبب إفراد لفظة "الأرض" مقابل جمع لفظة "السماء".


قوله تعالى : {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
بيان استعمال العرب ل"ذا".
●معنى الشفاعة لغة واصطلاحا.
●بيان شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
● المراد بالإذن في الآية.
●ما يفيده نفي الشفاعة إلا بعد الإذن.

قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}
●بيان العلم عند الأصوليين.
● بيان المراد من قوله :"ما بين أيديهم".
●بيان المراد من قوله تعالى :"من خلفهم".
● دلالة "ما".


قوله تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}
● معنى الآية :
● دلالة قوله تعالى "إلا بما شاء".


قوله تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض}
● معنى "وسع".
● المراد بالكرسي.


قوله تعالى :"ولا يؤوده حفظهما ":
● معنى قوله تعالى :"ولا يؤوده":
● مرجع الضمير في قوله تعالى :"حفظهما".


قوله تعالى:"وهو العلي العظيم":
● فائدة التعريف في كل من {العلي} و{العظيم}.
●معنى {العلي}.
● معنى {العظيم}.


المسائل اللغوية:
( الله لا إله إلا هو)
●بيان موقع الجملة من الإعراب.
● نوع ( لا ) في الآية .
●بيان اسمها.
●بيان خبرها.

قوله تعالى : {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
●بيان إعراب "من":

الفوائد العقدية:
● إثبات أسماء لله تعالى:
●انفراد الله تعالى بالألوهية.
●إثبات صفة الحياة لله تعالى.
●إثبات صفة القيومية لله تعالى:
● إثبات صفة الغنى لله تعالى وإثبات الفقر للمخلوقين.
●ذكر اسم الله الأعظم في الآية.
● امتناع السنة عن الله تعالى:
●إثبات الصفات المنفية عن الله تعالى:
●عموم ملك الله تعالى:
● إثبات أن السماوات عدد.
●كمال سلطان الله تعالى:
●إثبات الشفاعة بإذن الله.
●إثبات إذن الله وشروطه:
●إثبات علم الله تعالى:
●الرد على القدرية:
● الرد على الخوارج والمعتزلة.
●أن الله عز وجل لا يحاط به علماً كما لا يحاط به سمعاً، ولا بصراً.
●أننا لا نعلم شيئاً عن معلوماته إلا ما أعلمنا به.
●تحريم تكييف صفات الله.
●الرد على الممثلة.
●إثبات مشيئة الله.
●عظم الكرسي.
●عظمة خالق الكرسي.
●كفر من أنكر السموات، والأرض.
●إثبات قوة الله.
●أنه سبحانه وتعالى لا يثقل عليه حفظ السموات، والأرض.
●إثبات ما تتضمنه هذه الجملة: {ولا يؤوده حفظهما}.
●إثبات علو الله سبحانه وتعالى أزلاً، وأبداً.
●الرد على الحلوليه والمعطلة.
● التحذير من الطغيان على الغير
●إثبات العظمة لله.
●إثبات صفة كمال حصلت باجتماع الوصفين.

●الفوائد السلوكية:


التلخيص:

●فضل الآية:
هذه الآية أعظم آية في كتاب الله كما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أبيّ بن كعب، وقال: «أي آية أعظم في كتاب الله؟ قال: آية الكرسي؛ فضرب على صدره، وقال: ليهنك العلم يا أبا المنذر»(1)؛ ولهذا من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح.

قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو}
● بيان معنى إله.
بمعنى مألوه؛ و«المألوه» بمعنى المعبود حباً، وتعظيماً.

●عدم استحقاق العبودية لغير الله.
ولا أحد يستحق هذا الوصف إلا الله سبحانه وتعالى؛ والآلهة المعبودة في الأرض، أو المعبودة وهي في السماء - كالملائكة - كلها لا تستحق العبادة؛ وهي تسمى آلهة؛ لكنها لا تستحق ذلك؛ الذي يستحقه رب العالمين، كما قال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم} ، وقال تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل}.

● دلالة (لا) في الآية.
تدل على النفي المطلق العام لجميع أفراده؛ وهي نص في العموم؛ فـ{لا إله} نفي عام محض شامل لجميع أفراده.

● دلالة "لا إله إلا هو".
نفي الألوهية الحق نفياً عاماً قاطعاً إلا لله تعالى وحده.

وقوله تعالى: {الحي القيوم}
● بيان نوع اللفظين :"الحي القيوم".
هذان اسمان من أسمائه تعالى؛ وهما جامعان لكمال الأوصاف، والأفعال.

● دلالة لفظ "الحي".
تدل على كمال الأوصاف لله تعالى.

●دلالة لفظ "القيوم".
تدل على كمال الأفعال لله تعالى.

● بيان معنى "الحي":
أي :ذو الحياة الكاملة.

●دلالة دخول ( أل التعريف) على الاسم:
ال المفيدة للاستغراق؛ تدل على كمال حياته تعالى: من حيث الوجود، والعدم؛ ومن حيث الكمال، والنقص؛ فحياته من حيث الوجود، والعدم؛ أزلية أبدية - لم يزل، ولا يزال حياً؛ ومن حيث الكمال، والنقص: كاملة من جميع أوصاف الكمال - فعلمه كامل؛ وقدرته كاملة؛ وسمعه، وبصره، وسائر صفاته كاملة.

● بيان معنى القيوم.
أصلها من القيام؛ ووزن «قيوم» فيعول؛ وهي صيغة مبالغة؛ فهو القائم على نفسه فلا يحتاج إلى أحد من خلقه؛ والقائم على غيره فكل أحد محتاج إليه.

المراد بقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}
أي لا يعتريه نعاس، ولا نوم؛ فالنوم معروف؛ والنعاس مقدمته.

قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض}
●دلالة تقديم الخبر على المبتدأ.
تفيد الحصر ، أي له وحده.

●سبب إفراد لفظة "الأرض" مقابل جمع لفظة "السماء".
أفردت لفظة الأرض؛ لكنها بمعنى الجمع؛ لأن المراد بها الجنس.

قوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}

● بيان استعمال العرب ل"ذا".
يأتي بها العرب في مثل هذا لتحسين اللفظ.

●معنى الشفاعة لغة واصطلاحا.
في اللغة: جعل الوتر شفعاً.
وفي الاصطلاح: التوسط للغير لجلب منفعة، أو دفع مضرة.

●بيان شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
1-شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف أن يقضي الله بينهم بعدما يلحقهم من الهمّ، والغمّ ما لا يطيقون: شفاعة لدفع مضرة.
2-شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة: شفاعة في جلب منفعة.

● المراد بالإذن في الآية.
أي الكوني؛ يعني: إلا إذا أذن في هذه الشفاعة -
●ما يفيده نفي الشفاعة إلا بعد الإذن.
حتى أعظم الناس جاهاً عند الله لا يشفع إلا بإذن الله؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة - وهو أعظم الناس جاهاً عند الله؛ ومع ذلك لا يشفع إلا بإذن الله لكمال سلطانه جلّ وعلا، وهيبته؛ وكلما كمل السلطان صار أهيب للملِك، وأعظم؛ حتى إن الناس لا يتكلمون في مجلسه إلا إذا تكلم؛ وانظر وصف رسولِ قريشٍ النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، حيث وصفهم بأنه إذا تكلم سكتوا؛ كل ذلك من باب التعظيم.

قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}
●بيان العلم عند الأصوليين.
العلم عند الأصوليين:
إدراك الشيء إدراكاً جازماً مطابقاً؛ والإدراك أنواع:
1-فعدم الإدراك: جهل
2-والإدراك على وجه لا جزم فيه: شك
3- والإدراك على وجه جازم غير مطابق: جهل مركب.
مثال:لو سئلت: متى كانت غزوة بدر؟ فقلت: «لا أدري» فهذا جهل؛ ولو سئلت: متى كانت غزوة بدر؟ فقلت: «إما في الثانية؛ أو في الثالثة» فهذا شك؛ ولو سئلت: متى كانت غزوة بدر؟ فقلت: «في السنة الخامسة» فهذا جهل مركب؛ والله عز وجل يعلم الأشياء علماً تاماً شاملاً لها جملة، وتفصيلاً؛ وعلمه ليس كعلم العباد.

● بيان المراد من قوله :"ما بين أيديهم".
قيل المستقبل وهو الراجح لدلالة اللفظ.
وقيل الماضي ،وهو بعيد.
●بيان المراد من قوله تعالى :"ما خلفهم".
قيل :الماضي، وهو الراجح لدلالة اللفظ.
وقيل المستقبل ،وهو بعيد

● دلالة "ما".
من صيغ العموم؛ فهي شاملة لكل شيء سواء كان دقيقاً أم جليلاً؛ وسواء كان من أفعال الله أم من أفعال العباد.

قوله تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}
● معنى الآية :
لها معنيان:
1- المعنى الأول: لا يحيطون بشيء من علم نفسه؛ أي لا يعلمون عن الله سبحانه وتعالى من أسمائه، وصفاته، وأفعاله، إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، فيعلمونه.
2-المعنى الثاني: ولا يحيطون بشيء من معلومه - أي مما يعلمه في السموات، والأرض - إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، فيعلمونه.

● دلالة قوله تعالى "إلا بما شاء".
استثناء بدل من قوله تعالى: {شيء}؛ لكنه بإعادة العامل؛ وهي الباء؛ و «ما» يحتمل أن تكون مصدرية؛ أي: إلا بمشيئته؛ ويحتمل أن تكون موصولة؛ أي: إلا بالذي شاء؛ وعلى التقدير الثاني يكون العائد محذوفاً؛ والتقدير: إلا بما شاءه.

قوله تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض}
● معنى "وسع".
أي شمل، وأحاط، كما يقول القائل: وسعني المكان؛ أي شملني، وأحاط بي.

● المراد بالكرسي.
-الأقوال:
1-القول الأول:
موضع قدمي الله عزوجل،وهو بين يدي العرش كالمقدمة له.
- القائلين به:
صح ذلك عن ابن عباس موقوفاً، وبهذا جزم شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وغيرهما من أهل العلم، وأئمة التحقيق.
2-القول الثاني:
قيل هو العرش.
3-القول الثالث:
هو علم الله تعالى.
-القائلين به:
روي عن ابن عباس ، وأغلب الظن أنها لا تصح عنه.

-الترجيح بين الأقوال:
الذين قالوا بأن المراد بالكرسي هو العرش ،فليس بصحيح؛ فإن «العرش» أعظم، وأوسع، وأبلغ إحاطة من الكرسي.
ومن قال بأن المراد هو علم الله تعالى ، فلا تصح هذه الرواية عن ابن عباس؛ لأنه لا يعرف هذا المعنى لهذه الكلمة في اللغة العربية، ولا في الحقيقة الشرعية،فقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما السموات السبع والأرضون بالنسبة للكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة»؛ وهذا يدل على سعة هذه المخلوقات العظيمة التي هي بالنسبة لنا من عالم الغيب.
والراجح :
هو أن الكرسي موضع قدمي الله عزوجل ،وهو بين يدي الله كالمقدمة له ،لأنه موقوف عن ابن عباس وله حكم الرفع؛ لأنه لا مجال للاجتهاد فيه؛ وما قيل من أن ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ عن بني إسرائيل فلا صحة له؛ بل الذي صح عنه في البخاري أنه كان ينهى عن الأخذ عن بني إسرائيل؛ فأهل السنّة والجماعة عامتهم على أن الكرسي موضع قدمي الله عز وجل

قوله تعالى :"ولا يؤوده حفظهما ":
● معنى قوله تعالى :"ولا يؤوده":
أي لا يثقله، ويشق عليه.

● مرجع الضمير في قوله تعالى :"حفظهما".
أي حفظ السموات، والأرض؛ وهذه الصفة صفة منفية.

قوله تعالى:"وهو العلي العظيم":
● فائدة الجملة التي طرفاها معرفان: فائدة التعريف في كل من {العلي} و{العظيم}
هذه الجملة التي طرفاها معرفتان تفيد الحصر.

●معنى {العلي}.
أي وحده العلي؛ أي ذو العلو المطلق، وهو الارتفاع فوق كل شيء.

●معنى {العظيم}
أي ذو العظمة في ذاته، وسلطانه، وصفاته.

المسائل اللغوية:
قوله تعالى :{الله لا إله إلا هو }
●بيان موقع الجملة من الإعراب.
لفظ الجلالة مبتدأ؛ وجملة: {لا إله إلا هو} خبر؛ وما بعده: إما أخبار ثانية؛ وإما معطوفة.
● نوع ( لا ) في الآية.
نافية للجنس.
●بيان اسمها.
{إله} اسم لا.
●بيان خبرها.
قوله تعالى: {إلا هو} بدل من خبر {لا} المحذوف؛ لأن التقدير: لا إله حق إلا هو؛ والبدل في الحقيقة هو المقصود بالحكم، كما قال ابن مالك: (التابع المقصود بالحكم بلا واسطة هو المسمى بدلاً) .

قوله تعالى:"{من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
●بيان إعراب "من":
اسم استفهام مبتدأ.


الفوائد العقدية
● إثبات أسماء لله تعالى:
إثبات هذه الأسماء الخمسة؛ وهي {الله}؛ {الحي}؛ {القيوم}؛ {العلي}؛ {العظيم}؛ وما تضمنته من الصفات.

●انفراد الله تعالى بالألوهية.
في قوله تعالى: {لا إله إلا هو}.

●إثبات صفة الحياة لله تعالى.
إثبات صفة الحياة الكاملة: لم تسبق بعدم، ولا يلحقها زوال، ولا توصف بنقص، كما قال تعالى: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم} ، وقال تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} ، وقال تعالى: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} .

●إثبات صفة القيومية لله تعالى:
لقوله تعالى: {القيوم}؛ وهذا الوصف لا يكون لمخلوق؛ لأنه ما من مخلوق إلا وهو محتاج إلى غيره: فنحن محتاجون إلى العمال، والعمال محتاجون إلينا؛ ونحن محتاجون إلى النساء، والنساء محتاجة إلينا؛ ونحن محتاجون إلى الأولاد، والأولاد يحتاجون إلينا؛ ونحن محتاجون إلى المال، والمال محتاج إلينا من جهة حفظه، وتنميته؛ والكل محتاج إلى الله عز وجل؛ لقوله تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} ؛ وما من أحد يكون قائماً على غيره في جميع الأحوال؛ بل في دائرة ضيقة؛ ولهذا قال الله تعالى: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت}؛ يعني الله؛ فلا أحد سواه قائم على كل نفس بما كسبت.

● إثبات صفة الغنى لله تعالى وإثبات الفقر للمخلوقين.
لله تعالى غني عما سواه؛ وأن كل شيء مفتقر إليه تعالى؛ فإن قلت: كيف تجمع بين هذا، وبين قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم} [محمد: 7] ، وقوله تعالى: {ولينصرن الله من ينصره} [الحج: 40] ؛ فأثبت أنه يُنصر؟
فالجواب: أن المراد بنصره تعالى نصر دينه.

●ذكر اسم الله الأعظم في الآية.
قوله تعالى: {الحي القيوم} اسم الله الأعظم؛ وقد ذكر هذان الاسمان الكريمان في ثلاثة مواضع من القرآن: في «البقرة»؛ و«آل عمران»؛ و«طه»؛ في «البقرة»: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة: 255] ؛ وفي «آل عمران»: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}؛ وفي «طه»: {وعنت الوجوه للحي القيوم} [طه: 111] ؛ قال أهل العلم: وإنما كان الاسم الأعظم في اجتماع هذين الاسمين؛ لأنهما تضمنا جميع الأسماء الحسنى؛ فصفة الكمال في {الحي}؛ وصفة الإحسان، والسلطان في {القيوم}.

● امتناع السنة عن الله تعالى:
وذلك لكمال حياته، وقيوميته، بحيث لا يعتريهما أدنى نقص؛ لقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}؛ وهذه من الصفات المنفية؛ والإيمان بالصفات المنفية يتضمن شيئين؛ أحدهما: الإيمان بانتفاء الصفة المذكورة؛ والثاني: إثبات كمال ضدها؛ لأن الكمال قد يطلق باعتبار الأغلب الأكثر، وإن كان يرد عليه النقص من بعض الوجوه؛ لكن إذا نفي النقص فمعناه أن الكمال كمال مطلق لا يرد عليه نقصٌ أبداً بوجه من الوجوه؛ مثال ذلك: إذا قيل: «فلان كريم» فقد يراد به أنه كريم في الأغلب الأكثر؛ فإذا قيل: «فلان كريم لا يبخل» عُلم أن المراد كمال كرمه، بحيث لا يحصل منه بخل؛ وهنا النفي حصل بقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}؛ فدل على كمال حياته، وقيوميته.

●إثبات الصفات المنفية عن الله تعالى:
في قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}، وقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}؛ و«الصفات المنفية» ما نفاه الله عن نفسه؛ وهي متضمنة لثبوت كمال ضدها.

●عموم ملك الله تعالى:
لقوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض}، ويتفرع على كون الملك لله ألا نتصرف في ملكه إلا بما يرضاه.

● إثبات أن السماوات عدد.
لقوله تعالى: {السموات}؛ وأما كونها سبعاً، أو أقل، أو أكثر، فمن دليل آخر.

●كمال سلطان الله تعالى:
لقوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}؛ وهذا غير عموم الملك؛ لكن إذا انضمت قوة السلطان إلى عموم الملك صار ذلك أكمل، وأعلى.

●إثبات الشفاعة بإذن الله.
لقوله تعالى: {إلا بإذنه}؛ وإلا لما صح الاستثناء.

●إثبات إذن الله وشروطه:
لقوله تعالى: {إلا بإذنه}.
وشروط إذن الله في الشفاعة:
1-رضى الله عن الشافع.
2- الرضى عن المشفوع له؛ لقوله تعالى: {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} [النجم: 26] ، وقوله تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28] .

●إثبات علم الله تعالى:
إثبات علم الله، وأنه عام في الماضي، والحاضر، والمستقبل؛ لقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}.

●الرد على القدرية:
لقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}؛ فإثبات عموم العلم يرد عليهم؛ لأن القدرية الغلاة أنكروا علم الله بأفعال خلقه إلا إذا وقعت.

● الرد على الخوارج والمعتزلة.
لأن الخوارج، والمعتزلة ينكرون الشفاعة في أهل الكبائر؛ لأن مذهبهما أن فاعل الكبيرة مخلد في النار لا تنفع فيه الشفاعة.

●أن الله عز وجل لا يحاط به علماً كما لا يحاط به سمعاً، ولا بصراً.
قال تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} [الأنعام: 103] ، وقال تعالى: {ولا يحيطون به علماً}.

●أننا لا نعلم شيئاً عن معلوماته إلا ما أعلمنا به.
لقوله تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} على أحد الوجهين في تفسيرها.

●تحريم تكييف صفات الله.
لأن الله ما أعلمنا بكيفية صفاته؛ فإذا ادعينا علمه فقد قلنا على الله بلا علم.

●الرد على الممثلة.
لأن ذلك قول على الله بلا علم؛ بل بما يعلم خلافه؛ لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء}

●إثبات مشيئة الله.
لقوله: {إلا بما شاء}.

●عظم الكرسي.
لقوله تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض}.

●عظمة خالق الكرسي.
لأن عظم المخلوق يدل على عظمة الخالق.

●كفر من أنكر السموات، والأرض.
لأنه يستلزم تكذيب خبر الله؛ أما الأرض فلا أظن أحداً ينكرها؛ لكن السماء أنكرها من أنكرها، وقالوا: ما فوقنا فضاء لا نهاية له، ولا حدود؛ وإنما هي سدوم، ونجوم، وما أشبه ذلك؛ وهذا لا شك أنه كفر بالله العظيم سواء اعتقده الإنسان بنفسه، ووهمه؛ أو صدَّق من قال به ممن يعظمهم إذا كان عالماً بما دل عليه الكتاب والسنّة.

●إثبات قوة الله.
لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}.

●أنه سبحانه وتعالى لا يثقل عليه حفظ السموات، والأرض.
لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}؛ وهذه من الصفات المنفية؛ فهي كقوله تعالى: {وما مسنا من لغوب}.

●إثبات ما تتضمنه هذه الجملة: {ولا يؤوده حفظهما}.
وهي العلم، والقدرة، والحياة، والرحمة، والحكمة، والقوة،وأن السموات، والأرض تحتاج إلى حفظ؛ لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}؛ ولولا حفظ الله لفسدتا؛ لقوله تعالى: {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراً}.

●إثبات علو الله سبحانه وتعالى أزلاً، وأبداً.
لقوله تعالى: {وهو العلي}؛ و{العلي} صفة مشبهة تدل على الثبوت، والاستمرار؛ وعلوّ الله عند أهل السنة، والجماعة ينقسم إلى قسمين:
1- الأول: علو الذات؛ بمعنى أنه سبحانه نفسه فوق كل شيء؛ وقد دل على ذلك الكتاب، والسنة، وإجماع السلف، والعقل، والفطرة؛ وتفصيل هذه الأدلة في كتب العقائد؛ وخالفهم في ذلك طائفتان؛
أ) الأولى: من قالوا: إنه نفسه في كل مكان في السماء، والأرض؛ وهؤلاء حلولية الجهمية، ومن وافقهم؛ وقولهم باطل بالكتاب، والسنّة، وإجماع السلف، والعقل، والفطرة.
ب) الطائفة الثانية: قالوا: إنه لا يوصف بعلوّ، ولا غيره؛ فهو ليس فوق العالم، ولا تحته، ولا عن يمين، ولا عن شمال، ولا متصل، ولا منفصل؛ وهذا قول يكفي تصوره في رده؛ لأنه يَؤول إلى القول بالعدم المحض؛ إذ ما من موجود إلا وهو فوق، أو تحت، أو عن يمين، أو شمال، أو متصل، أو منفصل؛ فالحمد لله الذي هدانا للحق؛ ونسأل الله أن يثبتنا عليه.
2- والقسم الثاني: علو الصفة: وهو أنه كامل الصفات من كل وجه لا يساميه أحد في ذلك؛ وهذا متفق عليه بين فرق الأمة، وإن اختلفوا في تفسير الكمال.

●الرد على الحلوليه والمعطلة.
فالحلولية قالوا: إنه ليس بعالٍ؛ بل هو في كل مكان؛ والمعطلة النفاة قالوا: لا يوصف بعلو، ولا سفل، ولا يمين، ولا شمال، ولا اتصال، ولا انفصال.

●إثبات العظمة لله.
لقوله تعالى: {العظيم}.

●إثبات صفة كمال حصلت باجتماع الوصفين.
وهما العلوّ، والعظمة

●الفوائد السلوكية:
1-أن الحكم الشرعي بين الناس، والفصل بينهم يجب أن يكون مستنداً على حكم الله؛ وأن اعتماد الإنسان على حكم المخلوقين، والقوانين الوضعية نوع من الإشراك بالله عز وجل؛ لأن الملك لله عز وجل.
2- تسلية الإنسان على المصائب، ورضاه بقضاء الله عز وجل، وقدره؛ لأنه متى علم أن الملك لله وحده رضي بقضائه، وسلّم؛ ولهذا كان في تعزية النبي صلى الله عليه وسلم لابنته أنه قال: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى»(6).
3- عدم إعجاب الإنسان بما حصل بفعله؛ لأن هذا من الله؛ والملك له.
4-التحذير من الطغيان على الغير،لقوله تعالى: {وهو العلي العظيم}؛ ولهذا قال الله في سورة النساء: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً} [النساء: 34] ؛ فإذا كنت متعالياً في نفسك فاذكر علو الله عز وجل؛ وإذا كنت عظيماً في نفسك فاذكر عظمة الله؛ وإذا كنت كبيراً في نفسك فاذكر كبرياء الله.



والله تعالى أعلم.

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 27 جمادى الآخرة 1436هـ/16-04-2015م, 10:55 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هبه الديب مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
آية الكرسي

المسائل:
●فضل الآية:
قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو}
● بيان معنى إله.
●عدم استحقاق العبودية لغير الله.
● دلالة (لا) في الآية.
● دلالة " لا إله إلا هو".

وقوله تعالى: {الحي القيوم}
● بيان نوع اللفظين :"الحي القيوم".
● دلالة لفظ "الحي".
●دلالة لفظ "القيوم".
● بيان معنى "الحي":
●دلالة دخول ( أل التعريف):
● بيان معنى القيوم.


قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}
●المراد بقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}.

قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض}
●دلالة تقديم الخبر على المبتدأ.
●سبب إفراد لفظة "الأرض" مقابل جمع لفظة "السماء".


قوله تعالى : {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
بيان استعمال العرب ل"ذا".
●معنى الشفاعة لغة واصطلاحا.
●بيان شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
● المراد بالإذن في الآية.
●ما يفيده نفي الشفاعة إلا بعد الإذن.

قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}
●بيان العلم عند الأصوليين.
● بيان المراد من قوله :"ما بين أيديهم".
●بيان المراد من قوله تعالى :"من خلفهم".
● دلالة "ما".


قوله تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}
● معنى الآية :
● دلالة قوله تعالى "إلا بما شاء".


قوله تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض}
● معنى "وسع".
● المراد بالكرسي.


قوله تعالى :"ولا يؤوده حفظهما ":
● معنى قوله تعالى :"ولا يؤوده":
● مرجع الضمير في قوله تعالى :"حفظهما".


قوله تعالى:"وهو العلي العظيم":
● فائدة التعريف في كل من {العلي} و{العظيم}.
●معنى {العلي}.
● معنى {العظيم}.


المسائل اللغوية:
( الله لا إله إلا هو)
●بيان موقع الجملة من الإعراب.
● نوع ( لا ) في الآية .
●بيان اسمها.
●بيان خبرها.

قوله تعالى : {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
●بيان إعراب "من":

الفوائد العقدية:
● إثبات أسماء لله تعالى:
●انفراد الله تعالى بالألوهية.
●إثبات صفة الحياة لله تعالى.
●إثبات صفة القيومية لله تعالى:
● إثبات صفة الغنى لله تعالى وإثبات الفقر للمخلوقين.
●ذكر اسم الله الأعظم في الآية.
● امتناع السنة عن الله تعالى:
●إثبات الصفات المنفية عن الله تعالى:
●عموم ملك الله تعالى:
● إثبات أن السماوات عدد.
●كمال سلطان الله تعالى:
●إثبات الشفاعة بإذن الله.
●إثبات إذن الله وشروطه:
●إثبات علم الله تعالى:
●الرد على القدرية:
● الرد على الخوارج والمعتزلة.
●أن الله عز وجل لا يحاط به علماً كما لا يحاط به سمعاً، ولا بصراً.
●أننا لا نعلم شيئاً عن معلوماته إلا ما أعلمنا به.
●تحريم تكييف صفات الله.
●الرد على الممثلة.
●إثبات مشيئة الله.
●عظم الكرسي.
●عظمة خالق الكرسي.
●كفر من أنكر السموات، والأرض.
●إثبات قوة الله.
●أنه سبحانه وتعالى لا يثقل عليه حفظ السموات، والأرض.
●إثبات ما تتضمنه هذه الجملة: {ولا يؤوده حفظهما}.
●إثبات علو الله سبحانه وتعالى أزلاً، وأبداً.
●الرد على الحلوليه والمعطلة.
● التحذير من الطغيان على الغير
●إثبات العظمة لله.
●إثبات صفة كمال حصلت باجتماع الوصفين.

●الفوائد السلوكية:


التلخيص:

●فضل الآية:
هذه الآية أعظم آية في كتاب الله كما سأل النبي صلى الله عليه وسلم أبيّ بن كعب، وقال: «أي آية أعظم في كتاب الله؟ قال: آية الكرسي؛ فضرب على صدره، وقال: ليهنك العلم يا أبا المنذر»(1)؛ ولهذا من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح.

قوله تعالى: {الله لا إله إلا هو}
● بيان معنى إله.
بمعنى مألوه؛ و«المألوه» بمعنى المعبود حباً، وتعظيماً.

●عدم استحقاق العبودية لغير الله.
و)) لا أحد يستحق هذا الوصف إلا الله سبحانه وتعالى؛ والآلهة المعبودة في الأرض، أو المعبودة وهي في السماء - كالملائكة - كلها لا تستحق العبادة؛ وهي تسمى آلهة؛ لكنها لا تستحق ذلك؛ الذي يستحقه رب العالمين، كما قال تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم} ، وقال تعالى: {ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل}.

● دلالة (لا) في الآية.
تدل على النفي المطلق العام لجميع أفراده؛ وهي نص في العموم؛ فـ{لا إله} نفي عام محض شامل لجميع أفراده.

● دلالة "لا إله إلا هو".
نفي الألوهية الحق نفياً عاماً قاطعاً إلا لله تعالى وحده.

وقوله تعالى: {الحي القيوم}
● بيان نوع اللفظين :"الحي القيوم".
هذان اسمان من أسمائه تعالى؛ وهما جامعان لكمال الأوصاف، والأفعال.

● دلالة لفظ "الحي". دلالة (اسم) ...
تدل على كمال الأوصاف لله تعالى.

●دلالة لفظ "القيوم". دلالة (اسم) ...
تدل على كمال الأفعال لله تعالى.

● بيان معنى "الحي":
أي :ذو الحياة الكاملة.

●دلالة دخول ( أل التعريف) على الاسم:
ال المفيدة للاستغراق؛ تدل على كمال حياته تعالى: من حيث الوجود، والعدم؛ ومن حيث الكمال، والنقص؛ فحياته من حيث الوجود، والعدم؛ أزلية أبدية - لم يزل، ولا يزال حياً؛ ومن حيث الكمال، والنقص: كاملة من جميع أوصاف الكمال - فعلمه كامل؛ وقدرته كاملة؛ وسمعه، وبصره، وسائر صفاته كاملة.

● بيان معنى القيوم.
أصلها من القيام؛ ووزن «قيوم» فيعول؛ وهي صيغة مبالغة؛ فهو القائم على نفسه فلا يحتاج إلى أحد من خلقه؛ والقائم على غيره فكل أحد محتاج إليه.

المراد بقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}
أي لا يعتريه نعاس، ولا نوم؛ فالنوم معروف؛ والنعاس مقدمته.

قوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض}
●دلالة تقديم الخبر على المبتدأ.
تفيد الحصر ، أي له وحده.

●سبب إفراد لفظة "الأرض" مقابل جمع لفظة "السماء".
أفردت لفظة الأرض؛ لكنها بمعنى الجمع؛ لأن المراد بها الجنس.

قوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
- معنى الاستفهام
● بيان استعمال العرب ل"ذا".
يأتي بها العرب في مثل هذا لتحسين اللفظ.

●معنى الشفاعة لغة واصطلاحا.
في اللغة: جعل الوتر شفعاً.
وفي الاصطلاح: التوسط للغير لجلب منفعة، أو دفع مضرة.

●بيان شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لأمته.
1-شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الموقف أن يقضي الله بينهم بعدما يلحقهم من الهمّ، والغمّ ما لا يطيقون: شفاعة لدفع مضرة.
2-شفاعته في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة: شفاعة في جلب منفعة.

● المراد بالإذن في الآية.
أي الكوني؛ يعني: إلا إذا أذن في هذه الشفاعة -
●ما يفيده نفي الشفاعة إلا بعد الإذن.
حتى أعظم الناس جاهاً عند الله لا يشفع إلا بإذن الله؛ فالنبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة - وهو أعظم الناس جاهاً عند الله؛ ومع ذلك لا يشفع إلا بإذن الله لكمال سلطانه جلّ وعلا، وهيبته؛ وكلما كمل السلطان صار أهيب للملِك، وأعظم؛ حتى إن الناس لا يتكلمون في مجلسه إلا إذا تكلم؛ وانظر وصف رسولِ قريشٍ النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه، حيث وصفهم بأنه إذا تكلم سكتوا؛ كل ذلك من باب التعظيم. لو لخصت هذه العبارة بأسلوبك لكان أخف عليك وأيسر.

قوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}
●بيان العلم عند الأصوليين.
العلم عند الأصوليين:
إدراك الشيء إدراكاً جازماً مطابقاً؛ والإدراك أنواع:
1-فعدم الإدراك: جهل
2-والإدراك على وجه لا جزم فيه: شك
3- والإدراك على وجه جازم غير مطابق: جهل مركب.
مثال:لو سئلت: متى كانت غزوة بدر؟ فقلت: «لا أدري» فهذا جهل؛ ولو سئلت: متى كانت غزوة بدر؟ فقلت: «إما في الثانية؛ أو في الثالثة» فهذا شك؛ ولو سئلت: متى كانت غزوة بدر؟ فقلت: «في السنة الخامسة» فهذا جهل مركب؛ والله عز وجل يعلم الأشياء علماً تاماً شاملاً لها جملة، وتفصيلاً؛ وعلمه ليس كعلم العباد.

● بيان المراد من قوله :"ما بين أيديهم".
قيل المستقبل وهو الراجح لدلالة اللفظ.
وقيل الماضي ،وهو بعيد.
●بيان المراد من قوله تعالى :"ما خلفهم".
قيل :الماضي، وهو الراجح لدلالة اللفظ.
وقيل المستقبل ،وهو بعيد

● دلالة "ما".
من صيغ العموم؛ فهي شاملة لكل شيء سواء كان دقيقاً أم جليلاً؛ وسواء كان من أفعال الله أم من أفعال العباد.

قوله تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء}
● معنى الآية :
لها معنيان:
1- المعنى الأول: لا يحيطون بشيء من علم نفسه؛ أي لا يعلمون عن الله سبحانه وتعالى من أسمائه، وصفاته، وأفعاله، إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، فيعلمونه.
2-المعنى الثاني: ولا يحيطون بشيء من معلومه - أي مما يعلمه في السموات، والأرض - إلا بما شاء أن يعلمهم إياه، فيعلمونه.

● دلالة قوله تعالى "إلا بما شاء".
استثناء بدل من قوله تعالى: {شيء}؛ لكنه بإعادة العامل؛ وهي الباء؛ و «ما» يحتمل أن تكون مصدرية؛ أي: إلا بمشيئته؛ ويحتمل أن تكون موصولة؛ أي: إلا بالذي شاء؛ وعلى التقدير الثاني يكون العائد محذوفاً؛ والتقدير: إلا بما شاءه.

قوله تعالى: {وسع كرسيه السماوات والأرض}
● معنى "وسع".
أي شمل، وأحاط، كما يقول القائل: وسعني المكان؛ أي شملني، وأحاط بي.

● المراد بالكرسي.
-الأقوال:
1-القول الأول:
موضع قدمي الله عزوجل،وهو بين يدي العرش كالمقدمة له.
- القائلين به:
صح ذلك عن ابن عباس موقوفاً، وبهذا جزم شيخ الإسلام ابن تيمية، وابن القيم، وغيرهما من أهل العلم، وأئمة التحقيق.
2-القول الثاني:
قيل هو العرش.
3-القول الثالث:
هو علم الله تعالى.
-القائلين به:
روي عن ابن عباس ، وأغلب الظن أنها لا تصح عنه.

-الترجيح بين الأقوال:
الذين قالوا بأن المراد بالكرسي هو العرش ،فليس بصحيح؛ فإن «العرش» أعظم، وأوسع، وأبلغ إحاطة من الكرسي.
ومن قال بأن المراد هو علم الله تعالى ، فلا تصح هذه الرواية عن ابن عباس؛ لأنه لا يعرف هذا المعنى لهذه الكلمة في اللغة العربية، ولا في الحقيقة الشرعية،فقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما السموات السبع والأرضون بالنسبة للكرسي إلا كحلقة ألقيت في فلاة من الأرض وإن فضل العرش على الكرسي كفضل الفلاة على تلك الحلقة»؛ وهذا يدل على سعة هذه المخلوقات العظيمة التي هي بالنسبة لنا من عالم الغيب.
والراجح :
هو أن الكرسي موضع قدمي الله عزوجل ،وهو بين يدي الله كالمقدمة له ،لأنه موقوف عن ابن عباس وله حكم الرفع؛ لأنه لا مجال للاجتهاد فيه؛ وما قيل من أن ابن عباس رضي الله عنهما يأخذ عن بني إسرائيل فلا صحة له؛ بل الذي صح عنه في البخاري أنه كان ينهى عن الأخذ عن بني إسرائيل؛ فأهل السنّة والجماعة عامتهم على أن الكرسي موضع قدمي الله عز وجل

قوله تعالى :"ولا يؤوده حفظهما ":
● معنى قوله تعالى :"ولا يؤوده":
أي لا يثقله، ويشق عليه.

● مرجع الضمير في قوله تعالى :"حفظهما".
أي حفظ السموات، والأرض؛ وهذه الصفة صفة منفية.

قوله تعالى:"وهو العلي العظيم":
● فائدة الجملة التي طرفاها معرفان: فائدة التعريف في كل من {العلي} و{العظيم}
هذه الجملة التي طرفاها معرفتان تفيد الحصر.

●معنى {العلي}.
أي وحده العلي؛ أي ذو العلو المطلق، وهو الارتفاع فوق كل شيء.

●معنى {العظيم}
أي ذو العظمة في ذاته، وسلطانه، وصفاته.

المسائل اللغوية:
قوله تعالى :{الله لا إله إلا هو }
●بيان موقع الجملة من الإعراب.
لفظ الجلالة مبتدأ؛ وجملة: {لا إله إلا هو} خبر؛ وما بعده: إما أخبار ثانية؛ وإما معطوفة.
● نوع ( لا ) في الآية.
نافية للجنس.
●بيان اسمها.
{إله} اسم لا.
●بيان خبرها.
قوله تعالى: {إلا هو} بدل من خبر {لا} المحذوف؛ لأن التقدير: لا إله حق إلا هو؛ والبدل في الحقيقة هو المقصود بالحكم، كما قال ابن مالك: (التابع المقصود بالحكم بلا واسطة هو المسمى بدلاً) .

قوله تعالى:"{من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}
●بيان إعراب "من":
اسم استفهام مبتدأ.


الفوائد العقدية
● إثبات أسماء لله تعالى:
إثبات هذه الأسماء الخمسة؛ وهي {الله}؛ {الحي}؛ {القيوم}؛ {العلي}؛ {العظيم}؛ وما تضمنته من الصفات.

●انفراد الله تعالى بالألوهية.
في قوله تعالى: {لا إله إلا هو}.

●إثبات صفة الحياة لله تعالى.
إثبات صفة الحياة الكاملة: لم تسبق بعدم، ولا يلحقها زوال، ولا توصف بنقص، كما قال تعالى: {هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم} ، وقال تعالى: {وتوكل على الحي الذي لا يموت} ، وقال تعالى: {ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام} .

●إثبات صفة القيومية لله تعالى:
لقوله تعالى: {القيوم}؛ وهذا الوصف لا يكون لمخلوق؛ لأنه ما من مخلوق إلا وهو محتاج إلى غيره: فنحن محتاجون إلى العمال، والعمال محتاجون إلينا؛ ونحن محتاجون إلى النساء، والنساء محتاجة إلينا؛ ونحن محتاجون إلى الأولاد، والأولاد يحتاجون إلينا؛ ونحن محتاجون إلى المال، والمال محتاج إلينا من جهة حفظه، وتنميته؛ والكل محتاج إلى الله عز وجل؛ لقوله تعالى: {يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد} ؛ وما من أحد يكون قائماً على غيره في جميع الأحوال؛ بل في دائرة ضيقة؛ ولهذا قال الله تعالى: {أفمن هو قائم على كل نفس بما كسبت}؛ يعني الله؛ فلا أحد سواه قائم على كل نفس بما كسبت.

● إثبات صفة الغنى لله تعالى وإثبات الفقر للمخلوقين.
لله تعالى غني عما سواه؛ وأن كل شيء مفتقر إليه تعالى؛ فإن قلت: كيف تجمع بين هذا، وبين قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم} [محمد: 7] ، وقوله تعالى: {ولينصرن الله من ينصره} [الحج: 40] ؛ فأثبت أنه يُنصر؟
فالجواب: أن المراد بنصره تعالى نصر دينه.

●ذكر اسم الله الأعظم في الآية.
قوله تعالى: {الحي القيوم} اسم الله الأعظم؛ وقد ذكر هذان الاسمان الكريمان في ثلاثة مواضع من القرآن: في «البقرة»؛ و«آل عمران»؛ و«طه»؛ في «البقرة»: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم} [البقرة: 255] ؛ وفي «آل عمران»: {الله لا إله إلا هو الحي القيوم}؛ وفي «طه»: {وعنت الوجوه للحي القيوم} [طه: 111] ؛ قال أهل العلم: وإنما كان الاسم الأعظم في اجتماع هذين الاسمين؛ لأنهما تضمنا جميع الأسماء الحسنى؛ فصفة الكمال في {الحي}؛ وصفة الإحسان، والسلطان في {القيوم}.

● امتناع السنة عن الله تعالى:
وذلك لكمال حياته، وقيوميته، بحيث لا يعتريهما أدنى نقص؛ لقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}؛ وهذه من الصفات المنفية؛ والإيمان بالصفات المنفية يتضمن شيئين؛ أحدهما: الإيمان بانتفاء الصفة المذكورة؛ والثاني: إثبات كمال ضدها؛ لأن الكمال قد يطلق باعتبار الأغلب الأكثر، وإن كان يرد عليه النقص من بعض الوجوه؛ لكن إذا نفي النقص فمعناه أن الكمال كمال مطلق لا يرد عليه نقصٌ أبداً بوجه من الوجوه؛ مثال ذلك: إذا قيل: «فلان كريم» فقد يراد به أنه كريم في الأغلب الأكثر؛ فإذا قيل: «فلان كريم لا يبخل» عُلم أن المراد كمال كرمه، بحيث لا يحصل منه بخل؛ وهنا النفي حصل بقوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}؛ فدل على كمال حياته، وقيوميته.

●إثبات الصفات المنفية عن الله تعالى:
في قوله تعالى: {لا تأخذه سنة ولا نوم}، وقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}؛ و«الصفات المنفية» ما نفاه الله عن نفسه؛ وهي متضمنة لثبوت كمال ضدها.

●عموم ملك الله تعالى:
لقوله تعالى: {له ما في السموات وما في الأرض}، ويتفرع على كون الملك لله ألا نتصرف في ملكه إلا بما يرضاه.

● إثبات أن السماوات عدد.
لقوله تعالى: {السموات}؛ وأما كونها سبعاً، أو أقل، أو أكثر، فمن دليل آخر.

●كمال سلطان الله تعالى:
لقوله تعالى: {من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه}؛ وهذا غير عموم الملك؛ لكن إذا انضمت قوة السلطان إلى عموم الملك صار ذلك أكمل، وأعلى.

●إثبات الشفاعة بإذن الله.
لقوله تعالى: {إلا بإذنه}؛ وإلا لما صح الاستثناء.

●إثبات إذن الله وشروطه:
لقوله تعالى: {إلا بإذنه}.
وشروط إذن الله في الشفاعة:
1-رضى الله عن الشافع.
2- الرضى عن المشفوع له؛ لقوله تعالى: {وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئاً إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى} [النجم: 26] ، وقوله تعالى: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28] .

●إثبات علم الله تعالى:
إثبات علم الله، وأنه عام في الماضي، والحاضر، والمستقبل؛ لقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}.

●الرد على القدرية:
لقوله تعالى: {يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم}؛ فإثبات عموم العلم يرد عليهم؛ لأن القدرية الغلاة أنكروا علم الله بأفعال خلقه إلا إذا وقعت.

● الرد على الخوارج والمعتزلة.
لأن الخوارج، والمعتزلة ينكرون الشفاعة في أهل الكبائر؛ لأن مذهبهما أن فاعل الكبيرة مخلد في النار لا تنفع فيه الشفاعة.

●أن الله عز وجل لا يحاط به علماً كما لا يحاط به سمعاً، ولا بصراً.
قال تعالى: {لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار} [الأنعام: 103] ، وقال تعالى: {ولا يحيطون به علماً}.

●أننا لا نعلم شيئاً عن معلوماته إلا ما أعلمنا به.
لقوله تعالى: {ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء} على أحد الوجهين في تفسيرها.

●تحريم تكييف صفات الله.
لأن الله ما أعلمنا بكيفية صفاته؛ فإذا ادعينا علمه فقد قلنا على الله بلا علم.

●الرد على الممثلة.
لأن ذلك قول على الله بلا علم؛ بل بما يعلم خلافه؛ لقوله تعالى: {ليس كمثله شيء}

●إثبات مشيئة الله.
لقوله: {إلا بما شاء}.

●عظم الكرسي.
لقوله تعالى: {وسع كرسيه السموات والأرض}.

●عظمة خالق الكرسي.
لأن عظم المخلوق يدل على عظمة الخالق.

●كفر من أنكر السموات، والأرض.
لأنه يستلزم تكذيب خبر الله؛ أما الأرض فلا أظن أحداً ينكرها؛ لكن السماء أنكرها من أنكرها، وقالوا: ما فوقنا فضاء لا نهاية له، ولا حدود؛ وإنما هي سدوم، ونجوم، وما أشبه ذلك؛ وهذا لا شك أنه كفر بالله العظيم سواء اعتقده الإنسان بنفسه، ووهمه؛ أو صدَّق من قال به ممن يعظمهم إذا كان عالماً بما دل عليه الكتاب والسنّة.

●إثبات قوة الله.
لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}.

●أنه سبحانه وتعالى لا يثقل عليه حفظ السموات، والأرض.
لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}؛ وهذه من الصفات المنفية؛ فهي كقوله تعالى: {وما مسنا من لغوب}.

●إثبات ما تتضمنه هذه الجملة: {ولا يؤوده حفظهما}.
وهي العلم، والقدرة، والحياة، والرحمة، والحكمة، والقوة،وأن السموات، والأرض تحتاج إلى حفظ؛ لقوله تعالى: {ولا يؤوده حفظهما}؛ ولولا حفظ الله لفسدتا؛ لقوله تعالى: {إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده إنه كان حليماً غفوراً}.

●إثبات علو الله سبحانه وتعالى أزلاً، وأبداً.
لقوله تعالى: {وهو العلي}؛ و{العلي} صفة مشبهة تدل على الثبوت، والاستمرار؛ وعلوّ الله عند أهل السنة، والجماعة ينقسم إلى قسمين:
1- الأول: علو الذات؛ بمعنى أنه سبحانه نفسه فوق كل شيء؛ وقد دل على ذلك الكتاب، والسنة، وإجماع السلف، والعقل، والفطرة؛ وتفصيل هذه الأدلة في كتب العقائد؛ وخالفهم في ذلك طائفتان؛
أ) الأولى: من قالوا: إنه نفسه في كل مكان في السماء، والأرض؛ وهؤلاء حلولية الجهمية، ومن وافقهم؛ وقولهم باطل بالكتاب، والسنّة، وإجماع السلف، والعقل، والفطرة.
ب) الطائفة الثانية: قالوا: إنه لا يوصف بعلوّ، ولا غيره؛ فهو ليس فوق العالم، ولا تحته، ولا عن يمين، ولا عن شمال، ولا متصل، ولا منفصل؛ وهذا قول يكفي تصوره في رده؛ لأنه يَؤول إلى القول بالعدم المحض؛ إذ ما من موجود إلا وهو فوق، أو تحت، أو عن يمين، أو شمال، أو متصل، أو منفصل؛ فالحمد لله الذي هدانا للحق؛ ونسأل الله أن يثبتنا عليه.
2- والقسم الثاني: علو الصفة: وهو أنه كامل الصفات من كل وجه لا يساميه أحد في ذلك؛ وهذا متفق عليه بين فرق الأمة، وإن اختلفوا في تفسير الكمال.

●الرد على الحلوليه والمعطلة.
فالحلولية قالوا: إنه ليس بعالٍ؛ بل هو في كل مكان؛ والمعطلة النفاة قالوا: لا يوصف بعلو، ولا سفل، ولا يمين، ولا شمال، ولا اتصال، ولا انفصال.

●إثبات العظمة لله.
لقوله تعالى: {العظيم}.

●إثبات صفة كمال حصلت باجتماع الوصفين.
وهما العلوّ، والعظمة

●الفوائد السلوكية:
1-أن الحكم الشرعي بين الناس، والفصل بينهم يجب أن يكون مستنداً على حكم الله؛ وأن اعتماد الإنسان على حكم المخلوقين، والقوانين الوضعية نوع من الإشراك بالله عز وجل؛ لأن الملك لله عز وجل.
2- تسلية الإنسان على المصائب، ورضاه بقضاء الله عز وجل، وقدره؛ لأنه متى علم أن الملك لله وحده رضي بقضائه، وسلّم؛ ولهذا كان في تعزية النبي صلى الله عليه وسلم لابنته أنه قال: «إن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى»(6).
3- عدم إعجاب الإنسان بما حصل بفعله؛ لأن هذا من الله؛ والملك له.
4-التحذير من الطغيان على الغير،لقوله تعالى: {وهو العلي العظيم}؛ ولهذا قال الله في سورة النساء: {فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان علياً كبيراً} [النساء: 34] ؛ فإذا كنت متعالياً في نفسك فاذكر علو الله عز وجل؛ وإذا كنت عظيماً في نفسك فاذكر عظمة الله؛ وإذا كنت كبيراً في نفسك فاذكر كبرياء الله.

والله تعالى أعلم.
أحسنت، بارك الله فيك وزادك من فضله

التقييم:
- الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) 30/30
- الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) 20/20
- التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) 19/20
- الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) 15/15
- العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) 15/15

النسبة: 99/100
وفقك الله وبارك فيك


رد مع اقتباس
  #29  
قديم 30 رجب 1436هـ/18-05-2015م, 07:32 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
اقتباس:
*رسالة تفسيرية حول آية قرآنية*
قال الله عز شأنه:{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} القصص
عناصر الرسالة:
- مقدمة .
-حول أسباب النزول .
-معنى الهداية .
-أنواع الهداية.
- نوع الهداية المشار إليها في الآية.
- نوع المحبة المراد بها في الأية .
- بيان مشيئة الله في الهداية .
- الخطأ الشائع في فهم مقصد الأية .
- بيان ما يستفاد من الأية .
{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۚ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}
طلب الهداية إلى الصراط المستقيم من أهم المطالب وأعظم النعم على الإطلاق، وهي منحة من الله تعالى لعباده ،فهم أحوج ما يكونون لها في حياتهم ،ولأن أمر الهداية ضروري للعباد ،علًّمهم المولى تبارك وتعالى كيفية طلبها من خلال سورة الفاتحة .

لكن ماحدود قدرة الخلق على الهداية ؟

فلو تأملنا سبب نزول هذه الآية لتبين أنها توضح حد العبد في الهداية، وهي أيضا برهان واضح على بطلان عبادة غير الله ، فالمخلوق مهما بلغ من مكانة وقدرة وقوة ،فهو ضعيف ،لا يقدر على إيصال النفع أو دفع الضر عن أحد مهما بلغ من المكانة .

النبي صلى الله عليه وسلم كان حريصًا كل الحرص على هداية عمه أبو (أبي) طالب ،فلم ينفك عن دعوته ،وطلب الشفاعة له والمغفرة بعد وفاته، ومع ذلك لم يستطع لذلك سبيلا،حتى أتاه أمر من الله ينهاه عن ذلك، فقد ذكر القرطبي إجماع المفسرين على أنها نزلت في شأن أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم، وهو نص حديث البخاري ومسلم، فقد ذكر الواحدي في أسباب النزول ،لما حضرتْ أبا طالب الوفاةُ جاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوجد عنده: أبا جهل، وعبد الله بن أبي أمية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عم، قل: لا إله إلا الله كلمة أحاجُّ لك بها عند الله سبحانه وتعالى. فقال أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية: [يا أبا طالب] أترغب عن ملّة عبد المطلب؟ فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يعرضها عليه ويعاودانه بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما كلمهم به: أنا على ملّة عبد المطلب، وأبى أن يقول لا إله إلا الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لأستغفرن لك ما لم أُنْهَ عنك، فأنزل الله عز وجل: {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَن يَسْتَغْفِرُواْ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوۤاْ أُوْلِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ ٱلْجَحِيمِ}وأنزل في أبي طالب:{ إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ ٱللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ}رواه البخاري عن أبي اليمان، [عن شعيب]؛ ورواه مسلم عن حَرْمَلَة، عن ابن وهب، عن يونس؛ [كلاهما] عن الزهري.

نَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}
هذه الآية وإن كانت لها سبب نزول فإنها تؤخذ بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. وهذه قاعدة ،إذ أنَّ الخطاب هنا ليس لمحمدٍ - صلى الله عليه وسلم - فحسب، وإنما له ولأمته أيضا،فإذا كانت الهداية منفية عن النبي صلى الله عليه وسلم فغيره من باب أولى، فمهما بذل الداعي من اتباع أسباب الهدى ، فهو لا يملك لغيره نفعا ولا ضرا.
افتتحت الأيةبحرف توكيد و نفي (إنًّ ) ،و الفعل المنفي هو (تهدي) ،أما الفاعل (المخاطب هنا) هو النبي صلى الله عليه وسلم
ومفعول " أحببت " محذوف دل عليه " لا تهدي "،. والتقدير : من أحببت هديه أو اهتداءه . وماصدق ( من ) الموصولة كل من دعاه النبي إلى الإسلام فإنه يحب اهتداءه، إذن التأكيد على نفي ملك النبي صلى الله عليه وسلم الهداية لكل من أحب .
( تهدي ): من هدى يهدي هداية،و الهداية في اللغة : هي اسم، ومصدرها هدَى : أي إرشاد ودلالة على ما يوصل إلى المطلوب، ومِنْ هِدَايَةِ اللَّهِ : أي مِنْ حُسْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ.
قال تعالى:{ اهدنا الصراط المستقيم }
وقوله تعالى:{والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم }
لكن..
المتأمل في كتاب الله يجد أنَّ الله تعالى نفى ملك رسوله صلى الله عليه وسلم للهداية ،وفي غير موضع ذكر تعالى إثبات الهداية له فقال تعالى:"وإنَّك لتهدي إلى صراط مستقيم" فكيف نجمع بين النفي والإثبات في الموضعين؟:
ذكر الشيخ السعدي رحمه الله تعالى أن الهداية نوعان :
النوع الأول:وهو هداية التوفيق:ومعناها أنَّ الله يخلق الإيمان في القلب، وهو من يوفق العبد للعمل ،مثل قوله جل ّشأنه:{إنك لا تهدي من أحببت}
أماالنوع الثاني:هو هداية البيان والإرشاد: ومعناها أنّ النبي صلى الله عليه وسلم وكل داعٍ إلى الله يبين للناس الصراط المستقيم وهو الدين ،ويبذل جهده في سلوك الخلق له، فقال تعالى:"وإنَّك لتهدي إلى صراط مستقيم".
وخلاصة القول:أن الهداية نوعان :
نوع منفي عن النبي صلى الله عليه وسلم وهو التوفيق ،لأنه بيد المولى عز وجل ،وهو المراد في قوله :"{إنك لا تهدي من أحببت}.
والنوع الثاني : هو الهدى المثبت للنبي صلى الله عليه وسلم وكل من دعا إلى ربه ،وهو البيان للحق والإرشاد إاليه، وهو المراد في قوله تعالى::"وإنَّك لتهدي إلى صراط مستقيم".
ومن البيان في ألفاظ القرآن : قوله تعالى }لا تهدي { ولم يقل} لن تهدي{فهل هناك فرق بينهما؟
نعم ، في اللغة لكل لفظ دلالته، فالحرف (لن) يعني نفي الأمر في المستقبل مثل:{فإن لم تفعلوا}يعني ما فعلتم{ولن تفعلوا} في المستقبل، بينما (لا) يعني نفي الأمر في جميع الأزمنة،الماضي والحاضر والمستقبل.
لذلك تستخدم( لا) لبيان حقيقة أمر{إن الله لا يغير ما بقوم} .
، وهنا أنَّ هداية التوفيق بيده سبحانه ،ليس لأحد شأن في إيصال الهداية لأحد.
قوله تعالى:{مَنْ أَحْبَبْتَ }مَن: اسم موصول: يعني الذي أحببت ، فهي تعم،{إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ}، أي الذي أحببته.
ذكر أحمد بن محمد بن اسماعيل النحاس قول أبو أبي جعفر : يجوز أن يكون معنى : من أحببت أن تهدي،ويجوز أن يكون المعنى : من أحببت لقرابته
وفي هذه الآية تظهر محبة النبي صلى الله عليه وسلم لغمه أبي طالب،لكن قد يتساءل أحدهم :كيف يحب النبي صلى الله عليه وسلم من أشرك بالله ؟هناك ثلاث أقوال في هذه المسألة :
القول الأول:المراد بالمحبة هنا المحبة الطبعية لا الشرعية،حيث أنَّ ما قدًّمه أبو طالب للنبي صلى الله عليه وسلم من تربية ورعاية في حقه ومن رعايته وحمايته ومنعته في دعوته للدين ،تولد لديه المحبة الطبَعية التي عادة يُجبل عليها الناس ،لا المحبة الشرعية ،فمحبته صلى الله عليه وسلم من محبة الابن لأبيه، وقد أجاز الشرع محبة غير المسلم ولكن ليس على معنى الإظلاق،فالمحبة هنا يجب أن لا يتبعها ولاء على ما يبغضه الله عزوجل،أو ترك الشرع.

القول الثاني:أن هذا كان قبل النهي غن محبة المشركين.

القول الثالث :وهو الأحسن الذي أيَّده فضيلة الشيخ الحازمي : وهو أن يكون المفعول به محذوف وهو الهداية ، فحينئذٍ تنصب المحبة على الوصف لا على الموصوف، أي أحببت هدايته.

وقوله تعالى:{ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ }
فعل المشيئة دائمًا يحذف المفعول به، فيقدر مفعوله:هدايته،فلما قَدَّرْنَا المفعول هنا هدايته ،ترجح أن يكون المفعول هناك أحببت هدايته.
والمعنى :من يشاء الله له الهداية يوفقه ويرشده لطريق الخير .فبيان الهدى يكون من قبل الخالق ، وعلى العبد القبول أو الرفض، فهو له مشيئة الاختيار ،لكنها تحت مشيئة الله تعالى ، ولو كان غير ذلك لما أرسل الله الرسل وأنزل الكتب .
{وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}
قال الشوكاني :أي أن الله أعلم بقلوب عباده من منهم قابل للهداية مستعد لها ، حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ; وحدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء جميعا ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، قوله : {وهو أعلم بالمهتدين} قال بمن قدر له الهدى والضلالة ،كذلك حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، عن مجاهد ، مثله .
وهنا يجب التنبيه على خطأ شائع بين الناس في فهم هذه الآية ،إذ يعولون على أن هداية الناس وإرشادهم لطريق الحق ،هو مقتصر على هداية الله له ،دون العمل والتبليغ للدعوة ،فالنبي صلى الله عليه وسلم ،جاهد بالدعوة وكان حاله أثناء ذلك الحرص الشديد حيث قال تعالى في سورة الشعراء:{لعلك باخع نفسك ألا يكونوا مؤمنين} فعلينا العمل بالأسباب ،والتوفيق بيد الله تعالى.
ولو كان عند النبي صلى الله عليه وسلم من هداية القلوب ومغفرة الذنوب ،لكان عمه أحق الناس وأولاهم ،لكن النبي محمد صلى الله عليه وسلم لم يملك قلوب من أحبهم ولا قلوب غيرهم ولم يقدر على إدخال الإيمان في قلوبهم، فقد ذكر الله تعالى هذا المعنى الذي دلت عليه هذه الآية في غير موضع كقوله تعالى:{ إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل{الآية ، وقوله} : ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا أولئك الذين لم يرد الله أن يطهر قلوبهم فضعف غيره على الهداية من باب أولى .
*من فوائد هذه الآية:
1- تكرار طلب العبد من ربه الهداية من خلال سورة الفاتحة ،دلالة على حاجته المستمرة لها.
2-النبي صلى الله عليه وسلم لا يملك هداية القلوب فغيره من باب أولى لا يملك ذلك.
3- الهداية نوعان:
هداية التوفيق : وهي بيد الله عزوجل،فليحرص العبد على طلبها منه وحده.
وهداية الدلالة والإرشاد: وهي من النبي صلى الله عليه وسلم ،وكل داع للإسلام .
4- لله مشيئة وللعبد مشيئة ، لكن مشيئة العبد تحت مشيئة الله.
5- إثبات صفة العلم لله تعالى ، {وهو أعلم بالمهتدين}.
6- فيها الرد على من يعتقد قدرة الأولياء على النفع والضر.


المراجع:

التفاسير:

تفسير الطبري.
تفسير ابن كثير.
تفسير ابن عاشور.
أضواء البيان للشنقيطي.
لمسات بيانية لفاضل السامرائي.
سنن الترمذي.
شرح الحازمي لكتاب التوحيد.

المعجم الوسيط.

موقع جمهرة العلوم .

*الأسلوب المتبع : محاولة محكاة أسلوب التقرير العلمي والاستنباطي.

والله تعالى أعلم

رسالة نافعة بارك الله فيك وأحسن إليك.
ولعل مما يسشتهد به من نظائر الآية قصة استغفار إبراهيم عليه السلام لأبيه، واستغفار نوح عليه السلام لابنه.
من الملاحظ قلة النقل عن السلف خاصة إذا نظرنا إلى مسألة الحرص على طلب الهداية والسعي في تحصيل أسبابها، لأنك اختصرت الكلام نوعا ما فيها، وكذلك مسألة الدعوة إلى الله، فاعتني به مستقبلا إن شاء الله.

التقييم:
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 20 / 17
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 20 / 20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) : 20 / 16
رابعاً: المواءمة ( مناسبة المسائل المذكورة للمخاطبين ) : 20 / 20
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 10 /10
خامساً: العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 10 / 10
= 93 %
وفقك الله

رد مع اقتباس
  #30  
قديم 7 رمضان 1436هـ/23-06-2015م, 05:46 PM
هبة الديب هبة الديب غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,274
افتراضي تلخيص مسائل رسالة ابن رجب

بسم الله الرحمن الرحيم
مسائل رسالة في تفسير قول الله تعالى: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء}
للحافظ ابن رجب الحنبلي

المسائل:

-بيان مدلولات الآية :
-المدلول الأول:‘‘إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق ‘‘.
● ما تفيده صيغة إنما :
●الخلاف على ما تفيده صيغة "ما":

#القول الأول:
#القول الثاني:
#القول الثالث:
#القول الرابع:
#الرد على الأقوال:
#القول الراجح.


-المدلول الثاني:‘‘نفي الخشية عن غير العلماء على أصح القولين.‘‘
●بيان موضع الاستدلال عليها .
# القائلين به :
●موطن الخلاف عند القائلين به :
الخلاف في موضعين :
* الموضع الأول:
#القائلين بالنفي بالمنطوق وهي كالاستثناء:
#القائلين بالنفي في المفهوم :

*الموضع الثاني:
#القائلين بالنفي عن طريق النص:
#القائلين بالنفي عن طريق الظاهر:
#القائلين بأنّ الاستثناء ليس لإثبات النقيض :
# الخلاصة :

تبين أنّ المخالف في إفادت "إنما " الحصر هو من القائلين بأنّ دلالتها على النفيّ بالمفهوم وهم قسمان:
* القسم الأول:
*القسم الثاني:

●الرأي الصحيح في "إنما ":
#ورودها لغير الحصر كثيرة :
*مثال من القرآن :
* مثال من السنة :

#أمثلة القائلين بأن موارد "إنما " أغلبها لا تكون للحصر ،وحجتهم.
* الرد عليهم مع التمثيل:
# الرد على من قال أن "ما" الكافة أكثر ما تفيده قوة التوكيد لا تثبت معنى زائدًا.
* الغرض من استخدام العرب صيغ الحصر وغيرها للنفي:
#أنواع الحصر :
#عمل الحصر:

*مثال:
#فائدة الحصر فيمن قال أنَّ "ما" موصولة :

-المدلول الثالث: ‘‘نفي العلم عن غير أهل الخشية على أصح القولين.‘‘
●بيان عمل الحصر في طرفي الجملة :
*مثال:
●بيان الحصر في قوله تعالى :"إنما يخشى الله من عباده العلماء"
●بيان ثبوت الخشية لكل واحد من العلماء:
#الجهة الأولى :
*الطرف الأول:
*الطرف الثاني:
* وبجمعهما :
#الجهة الثانية:
* المراد بالمقتضي:
*المراد بالشرط:
*المقصد من بيان المقتضي والشرط والمانع:
*دلالة الآية :
● من تفسير السلف لهذه الآية :
●بيان أن العلم يوجب الخشية وأنّ فقده يستلزم فقد الخشية من عدة وجوه.




تلخيص المسائل:
-بيان مدلولات الآية :
1-إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق .
2-نفي الخشية عن غير العلماء على أصح القولين.
3-نفي العلم عن غير أهل الخشية على أصح القولين.


-المدلول الأول:‘‘إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق .‘‘
● ما تفيده صيغة "إنما":
اتفق على أن صيغة "إنما " تفيد تأكيد صيغة المذكور؛لأن "إنَّ " تختص بالتأكيد.
● الخلاف على ما تفيده صيغة "ما":
# القول الأول :
أنها كافة أو زائدة ؛تكف عمل إن وأخواتها ؛لأنها مختصة بالاسم فتعمل فيه ما لم تدخل عليها "ما" ،فإذا دخلت " ما " زالت اختصاصها فصارت تدخل على الجملة الاسمية والفعلية فبطل عملها ./قول الجمهور .
#القول الثاني :
أنها اسمٌ مبهمٌ ؛ بمنزلة ضمير الشأن في التفخيم والإبهام وتكون الجملة بعده مفسر له ومخبرٌ بها عنه./وهذا قول بعض الكوفيين وابن درستويه.
# القول الثالث:
أنها نافيةٌ واستدلّوا بذلك على إفادتها الحصر، وأنّ "إن" أفادت الإثبات في المذكور، و"ما" النفي فيما عداه ./ذهب إليه طائفة من الأصوليين وأهل البيان .
#القول الرابع:
قد تكون هنا بمعنى الذي - جماعة العقلاء -كما في قوله تعالى: {أو ما ملكت أيمانكم} ، و {فانكحوا ما طاب لكم مّن النّساء}. والعلماء خبرٌ والعائد مستترٌ في يخشى.
# الرد على الأقوال:
-ذكر ابن رجب رحمه الله بطلان هذا القول الثالث باتفاق من عدة وجوه:
1-أنَّ أهل المعرفة باللسان لأنَّ "إن" إنما تفيد توكيد الكلام إثباتًا كان أو نفيًا لا تفيد الإثبات.
2- أن هذا القول نسب إلى أبي علي الفارسي لقوله في كتاب "الشيرازيات ": إنّ العرب عاملوا "إنما" معاملة النفيّ و"إلا" في فصل الضمير لقوله: "وإنّما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي "،بحيث بيَّن أن مرادهم هو إجراء "إنما " مجرى النفي دون "ما" وحدها .
#القول الراجح:
هو قول الجمهور وهو أنَّ "ما" زائدةٌ كافة تدخل على سائر أخوات إنّ: لكنّ وكأن وليت ولعلّ.


-المدلول الثاني:‘‘نفي الخشية عن غير العلماء على أصح القولين.‘‘
●بيان موضع الاستدلال عليها .
استدل عليه من صيغة "إنما" وأنّ "ما" هي الكافة التي بدخولها على إنَّ تفيد معنى الحصر .
# القائلين به :
-من الجمهور مثل كالقاضي، وابن عقيلٍ، والحلواني.والشيخ موفق الدين، وفخر الدّين إسماعيل بن علي صاحب ابن المنّي.
-ومن الشافعية كأبي حامدٍ وأبي الطيب، والغزالي والهرّاسي.
- ومن الحنفية كالجرجاني.
- ومن المتكلمين كالقاضي أبي بكرٍ، وغيره.
-وكثيرٌ من النحاة ، أبو علي فيما ذكره الرازيّ عن النحاة جملةً.
●موطن الخلاف عند القائلين به :
الخلاف في موضعين :
* الموضع الأول:
دلالتها على النفي هل هو بطريق المنطوق، أو بطريق المفهوم؟
#القائلين بالنفي بالمنطوق وهي كالاستثناء:
^^ من الجمهور:، كالقاضي في أحد قوليه وصاحب ابن المنّي والشيخ موفّق الدّين.
^^ ومن الشافعية: قول أبي حامد، وأبي الطيب .
^^ومن الحنفية : الجرجاني .
#القائلين بالنفي في المفهوم :
^^ القول الآخر للقاضي ،وابن عقيلٍ والحلواني، وكثيرٍ من الحنفية والمتكلمين.
*الموضع الثاني:
دلالتها على النفي بطريق النّص، أو الظاهر؟
#القائلين بالنفي عن طريق النص:
أن دلالتها على النّفي والإثبات كليهما بطريق النّص ؛جاعلين" إنما " كالمستثنى والمستثنى منه سواء ؛وعندهم أن الاستثناء من الإثبات نفيٌ ومن النفي إثباتٌ، نصًّا لا محلاً.
#القائلين بالنفي عن طريق الظاهر:
أي دلالتها ظاهرا على الحصر أو التأكيد، وهذا الذي حكاه الآمديّ عن القاضي أبي بكرٍ، والغزاليّ، والهرّاسيّ، وغيرهم من الفقهاء .
وهو أشبه بقوله بدلالة النفي عن طريق المفهوم.
#القائلين بأنّ الاستثناء ليس لإثبات النقيض :
وإنما القصد منه هو رفع الحكم إما مطلقًا أو في الاستثناء من الإثبات وحده /وهذا قول يرد عن الحنفية، وجعلوه من باب المفهوم الذي ينفونه.
# الخلاصة :
تبين أنّ المخالف في إفادت "إنما " الحصر هو من القائلين بأنّ دلالتها على النفيّ بالمفهوم وهم قسمان:
- القسم الأول:
من لا يرى كون المفهوم حجّةً بالكلية كالحنفية، ومن وافقهم من المتكلمين.
-القسم الثاني:
من يراه حجةً من الجملة، ولكن ينفيه هاهنا لقيام الدليل عنده لأنه ليس لها مفهوم.

●الرأي الصحيح في "إنما ":
-"إنّما" مركبةٌ من "إنّ " المؤكدة و"ما" الزائدة الكافة .
- "إنَّ" تفيد التوكيد والزائد لا معنى له.
-إنّما تفيد تقوية التوكيد ؛ولا تحدث معنى آخر.
#ورودها لغير الحصر كثيرة :
*مثال من القرآن :
{إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربّهم يتوكّلون (2)}.
* مثال من السنة :
وقوله صلى الله عليه وسلم : "إنما الرّبا في النسيئة".

#أمثلة القائلين بأن موارد "إنما " أغلبها لا تكون للحصر ،وحجتهم.
@ في قوله تعالى: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ}، لا تفيد الحصر مطلقًا ؛لوجود أسماء لله تعالى كثيرة وصفات غير توحده بالألوهية .
@،وكذلك قوله: {قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}؛لأن الوحي لم ينحصر في ذلك فقط.
@ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من نبي من الأنبياء إلا قد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنّما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة" ..
وحجتهم على ذلك ؛أنه لو حصرت " إنما " فقط في معجزاته في القرآن لبطلت باقي المعجزات الأخرى للنبي صلى الله عليه وسلم .
* الرد عليهم :
أنَّ دلالة إنما للحصر معلوم بالضرورة في لغة العرب ؛كعلمهم بمعاني حروف الشرط والاستفهام والنفي والنّهي.
* ومن أمثلة ذلك :
ورودها في سياق نفي الشرك وإبطال إلهية سوى اللّه سبحانه، كقوله تعالى :{إنّما تجزون ما كنتم تعملون}،وقوله: {إنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}.

# الرد على من قال أن "ما" الكافة أكثر ما تفيده قوة التوكيد لا تثبت معنى زائدًا.
1-أنّ "ما" الكافة قد تثبت بدخولها على الحروف معنىً زائدًا، مثل
^ أنها إذا دخلت على الباء أحدثت معنى التقليل، كقول الشاعر: فالآن صرت لا تحيد جوابًا ....... بما قد يرى وأنت حطيب.
^ اتصالها مع "الكاف " تفيد معنى التعليل،كقوله تعالى: (واذكروه كما هداكم).
2- استنكار ثبوت معنى آخر بدخول الحرف الزائد من غير جنس ما يفيده الحرف الأوّل.
3-أن اللفظ يصير له بالاستعمال معنى غير ما كان يقتضيه أصل الوضع، مثل "إن" المكفوفة "بما" استعملت في الحصر فصارت حقيقةً عرفيّةً فيه.

# الغرض من استخدام العرب صيغ الحصر وغيرها للنفي:
1- إما لانتفاء ذاته .
2-أو لانتفاء فائدته ومقصوده.
3-حصر الشيء في غيره تارةً لانحصار جميع الجنس فيه وتارةً لانحصار المفيد أو الكامل فيه.
4- إعادة النفي إلى المسمّى وتارةً إلى الاسم وإن كان ثابتًا في اللغة إذا كان المقصود الحقيقيّ بالاسم منتفيا عنه ثابتًا لغيره كقوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتّى تقيموا التوراة والاٍنجيل وما أنزل إليكم مّن رّبكم} .

#أنواع الحصر :
1- عامًا كقوله: {إنّما إلهكم اللّه الّذي لا إله إلاّ هو} .
2- خاصًّا ؛ بما يدل عليه سياق الكلام.

#عمل الحصر:
فلا ينفي عن الأوّل كل ما سوى الثاني مطلقًا، بل قد ينفي عنه ما يتوهم أنه ثابتٌ له من ذلك النوع الذي أثبت له في الكلام.
*مثال:
فقوله: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ} ، لا يعني أنه لا صفة له سوى توحيد الألوهية ؛ ولكن نفى في حقه تعدد الألوهية .

#فائدة الحصر فيمن قال أنَّ "ما" موصولة :
هذا الحصر يسمّى حصر المبتدأ في الخبر،فتقدير الكلام يكون "إن الذين يخشون الله هم العلماء" ،وذلك لأن الموصول معرَّف وهو يقتضي العموم، فيلزم أن يكون الخبر عامًّا أيضًا لئلا يكون الخبر أخصّ من المبتدأ.

-المدلول الثالث: ‘‘نفي العلم عن غير أهل الخشية على أصح القولين.‘‘
●بيان عمل الحصر في طرفي الجملة :
1-إما حصر الأول في الثاني.
2- أو حصر الثاني في الأول .
3- أو حصر من الطرفين:
*مثال:
قوله: {إنّما تنذر من اتّبع الذكر وخشي الرّحمن بالغيب} فيه الحصر من الطرفين،لأن اتباع الذكر وخشية الرحمن بالغيب مختصة بمن قبل الإنذار ؛كما يختص قبول الإنذار والانتفاع بأهل الخشية واتباع الذكر،وأمثلة ذلك في القرآن كثيرة.
●بيان الحصر في قوله تعالى :"إنما يخشى الله من عباده العلماء"
الحصر من الطرفين ؛فيكون حصر الأول في الثاني والثاني في الأول،أي حصر الخشية في العلماء وحصر العلماء في الخشية.

●بيان ثبوت الخشية لكل واحد من العلماء:
#الجهة الأولى :
أن الحصر هنا للطرفين، فيكون حصر الأول في الثاني وحصر الثاني في الأول؛ومفاده :
*الطرف الأول:
أنّ كلّ من خشي اللّه ؛فهو عالمٌ وإن لم يفد لمجرده أنّ كلّ عالم فهو يخشى اللّه .
*الطرف الثاني:
حصر العلماء في أهل الخشية يفيد أنّ كلّ عالم فهو خاشٍ.
* وبجمعهما :
ثبوت الخشية لكلّ فردٍ من أفراد العلماء.

#الجهة الثانية:
المحصور هل هو مقتضٍ للمحصور فيه أو هو شرطٌ له؟
هذه الآية وأمثالها هو مقتضٍ للمحصور فيه ، وهذا ما ذكره الشيخ أبو العباس - رحمه اللّه - ؛لأن العلم بالله وما جاءت به الرسل يوجب الخشية والخوف منه.

* المراد بالمقتضي:
هو ما يتوقف تأثيره على وجود شرط وانتفاء مانع ،مثل أسباب الوعد والوعيد غيرها.

*المراد بالشرط:
هو ما يتوقف تأثير السبب عليه بعد وجود السبب ،وهو الذي يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود، مثل الإسلام بالنسبة إلى الحجّ،والمانع خلافه.

*المقصد من بيان المقتضي والشرط والمانع:
هو بيان أنّ العلم إذا كان سببًا مقتضيًا للخشية ؛ سيكون ثبوت الخشية عامًا لجميع أفراد العلماء لا يتخلف إلا لوجود مانع ونحوه.

*دلالة الآية :
أنّ خشية اللّه وما يتبعها من طاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه فإنما تصدر من عالم ؛لأنه لا يخشاه إلا عالمٌ، وعلى نفي الخشية عن غير العلماء، ونفي العلم عن غير أولي الخشية أيضًا، وأنّ من لم يخش اللّه فليس بعالم .

● من تفسير السلف لهذه الآية :
-العلم بصفات الله يورث الخوف.
عن ابن عباس قال: "يريد: إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزّتي وجلالي وسلطاني ".
-العالم بالله يخافه.
ذكر مجاهدٍ والشعبيّ: "العالم من خاف اللّه ".
- خشية الله ميراث العلم ،وميراث الجها الاغترار.
عن ابن مسعودٍ قال: "كفى بخشية اللّه علمًا وكفى بالاغترار باللّه جهلاً".
-الحكمة هي الخشية :
عن الربيع عن أبي العالية في قوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء}قال: "الحكمة الخشية فإنّ خشية اللّه رأس كلّ حكمةٍ".

●بيان أن العلم يوجب الخشية وأنّ فقده يستلزم فقد الخشية من عدة وجوه.
-إن علم العبد بربه وبأسماءه وصفاته وتأمل أثرها في حياته ، وتفكره في آياته توجب له الخشية منه ، وتصده عما نهاه عنه، ويؤيد ذلك قول النبيّ صلى الله عليه وسلم :"إني لأعلمكم باللّه وأشدّكم له خشيةً"،والعكس صحيح ، فقلة العلم عن الله ،يستلزم منه قلة الخشية منه .
فمن الآثار: قول طائفةٌ من السلف لعمر بن عبد العزيز وسفيان بن عيينة: "أعجب الأشياء قلبٌ عرف ربه ثم عصاه ".
وأيضا قال بشر بن الحارث: "لو يفكر الناس في عظمة اللّه لما عصوا اللّه ".

- علمه ويقينه بما أمر الله به ونهى عنه،لأن من وراء ذلك وعد ووعيد وثواب وعقاب ، فالعالم بأمر الله متيقن بمراقبة الله له ،واطلاعه عليه ، وبملازمة الملائكة الكاتبين له،كل ذلك يوجب الخشية من الله العلي الكبير،وبالتالي سيستلزم من إعراضه عن العلم بأمر الله واتباع شهواته ،فقده للخشية من ربه،قال تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطًا (28)}.

-تصوره لحقيقة ما يحب ويقينه به توجبه التحرك نحوه ، وكذلك تصوره لما يخاف منه توجبه الهرب منه ، فوجهة تحركه دليل على حركة قلبه ،وإن كان عنده تصديق زلم يتحرك ،فهو منشغل بأمر آخر، فقد ورد في الأثر المعروف عن الحسن وروي مرسلاً عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "العلم علمان، فعلم في القلب، فذاك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان، فذاك حجة الله على ابن آدم ".

-الجهل بحقيقة الوعيد على بعض الذنوب ، وبيان درجة قبحها ،قد تجعله يتهاون في ارتكابها ،وهذا لا يلزم منه نفي الخشية تماما عنه ،لأنه قد يكون أصلها موجود لكن عدم تمام العلم، استلزم منه قلة الخشية.

-من خاصية العاقل ،بعده عن ما يترجح ضرره ، ويقع مع من يتصف بنقصان العقل،ظإذ لو تيقن السارق بإقامة عليه الحد قبل فعله لما فعله ،ولكنه يتبع الترجيح للأمور .

-لا مقارنة بين لذة الذنب ومعاناة آلآم الذنوب وطولها ،وكما قيل:"إن الصبر على المعاصي أهون من الصبر على عذاب اللّه، وقيل: "ربّ شهوة ساعة أورثت حزنًا طويلاً".

-استعجاله للذات ،ورجاءه بأسباب العفو ،فيغفل عن نتائج الذنوب وموروثاتها من الكدر والضيق وقسوة القلب وظلمته، ويفوته حلاوة الطاعة وآثارها على قلبه .

والحمدلله رب العالمين

رد مع اقتباس
  #31  
قديم 7 رمضان 1436هـ/23-06-2015م, 05:56 PM
هبة الديب هبة الديب غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,274
افتراضي تنويه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أستاذتي الكريمة :
أعتذر إليك أشد الاعتذار عن سوء أدائي في هذه الرسالة ،إلا أنني وأشهد الله قد بذلت فيها مجهود ؛ والحق يقال :
أن هذه الرسالة باختصاصها اللغوي ذات مستوى عال .

نسأل الله حسن الفهم.

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 19 رمضان 1436هـ/5-07-2015م, 03:36 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هبه الديب مشاهدة المشاركة
بسم الله الرحمن الرحيم
مسائل رسالة في تفسير قول الله تعالى: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء}
للحافظ ابن رجب الحنبلي

المسائل:

-بيان مدلولات الآية :
-المدلول الأول:‘‘إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق ‘‘.
● ما تفيده صيغة إنما :
●الخلاف على ما تفيده صيغة "ما":

#القول الأول:
#القول الثاني:
#القول الثالث:
#القول الرابع:
#الرد على الأقوال:
#القول الراجح.


-المدلول الثاني:‘‘نفي الخشية عن غير العلماء على أصح القولين.‘‘
●بيان موضع الاستدلال عليها .
# القائلين به :
●موطن الخلاف عند القائلين به :
الخلاف في موضعين :
* الموضع الأول:
#القائلين بالنفي بالمنطوق وهي كالاستثناء:
#القائلين بالنفي في المفهوم :

*الموضع الثاني:
#القائلين بالنفي عن طريق النص:
#القائلين بالنفي عن طريق الظاهر:
#القائلين بأنّ الاستثناء ليس لإثبات النقيض :
# الخلاصة :

تبين أنّ المخالف في إفادت "إنما " الحصر هو من القائلين بأنّ دلالتها على النفيّ بالمفهوم وهم قسمان:
* القسم الأول:
*القسم الثاني:

●الرأي الصحيح في "إنما ":
#ورودها لغير الحصر كثيرة :
*مثال من القرآن :
* مثال من السنة :

#أمثلة القائلين بأن موارد "إنما " أغلبها لا تكون للحصر ،وحجتهم.
* الرد عليهم مع التمثيل:
# الرد على من قال أن "ما" الكافة أكثر ما تفيده قوة التوكيد لا تثبت معنى زائدًا.
* الغرض من استخدام العرب صيغ الحصر وغيرها للنفي:
#أنواع الحصر :
#عمل الحصر:

*مثال:
#فائدة الحصر فيمن قال أنَّ "ما" موصولة :

-المدلول الثالث: ‘‘نفي العلم عن غير أهل الخشية على أصح القولين.‘‘
●بيان عمل الحصر في طرفي الجملة :
*مثال:
●بيان الحصر في قوله تعالى :"إنما يخشى الله من عباده العلماء"
●بيان ثبوت الخشية لكل واحد من العلماء:
#الجهة الأولى :
*الطرف الأول:
*الطرف الثاني:
* وبجمعهما :
#الجهة الثانية:
* المراد بالمقتضي:
*المراد بالشرط:
*المقصد من بيان المقتضي والشرط والمانع:
*دلالة الآية :
● من تفسير السلف لهذه الآية :
●بيان أن العلم يوجب الخشية وأنّ فقده يستلزم فقد الخشية من عدة وجوه.




تلخيص المسائل:
-بيان مدلولات الآية :
1-إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق .
2-نفي الخشية عن غير العلماء على أصح القولين.
3-نفي العلم عن غير أهل الخشية على أصح القولين.


-المدلول الأول:‘‘إثبات الخشية للعلماء بالاتفاق .‘‘
● ما تفيده صيغة "إنما":
اتفق على أن صيغة "إنما " تفيد تأكيد صيغة المذكور؛لأن "إنَّ " تختص بالتأكيد.
● الخلاف على ما تفيده صيغة "ما":
# القول الأول :
أنها كافة أو زائدة ؛تكف عمل إن وأخواتها ؛لأنها مختصة بالاسم فتعمل فيه ما لم تدخل عليها "ما" ،فإذا دخلت " ما " زالت اختصاصها فصارت تدخل على الجملة الاسمية والفعلية فبطل عملها ./قول الجمهور .
#القول الثاني :
أنها اسمٌ مبهمٌ ؛ بمنزلة ضمير الشأن في التفخيم والإبهام وتكون الجملة بعده مفسر له ومخبرٌ بها عنه./وهذا قول بعض الكوفيين وابن درستويه.
# القول الثالث:
أنها نافيةٌ واستدلّوا بذلك على إفادتها الحصر، وأنّ "إن" أفادت الإثبات في المذكور، و"ما" النفي فيما عداه ./ذهب إليه طائفة من الأصوليين وأهل البيان .
#القول الرابع:
قد تكون هنا بمعنى الذي - جماعة العقلاء -كما في قوله تعالى: {أو ما ملكت أيمانكم} ، و {فانكحوا ما طاب لكم مّن النّساء}. والعلماء خبرٌ والعائد مستترٌ في يخشى.
# الرد على الأقوال:
-ذكر ابن رجب رحمه الله بطلان هذا القول الثالث باتفاق من عدة وجوه:
1-أنَّ أهل المعرفة باللسان لأنَّ "إن" إنما تفيد توكيد الكلام إثباتًا كان أو نفيًا لا تفيد الإثبات.
2- أن هذا القول نسب إلى أبي علي الفارسي لقوله في كتاب "الشيرازيات ": إنّ العرب عاملوا "إنما" معاملة النفيّ و"إلا" في فصل الضمير لقوله: "وإنّما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي "،بحيث بيَّن أن مرادهم هو إجراء "إنما " مجرى النفي دون "ما" وحدها .
#القول الراجح:
هو قول الجمهور وهو أنَّ "ما" زائدةٌ كافة تدخل على سائر أخوات إنّ: لكنّ وكأن وليت ولعلّ.

-المدلول الثاني:‘‘نفي الخشية عن غير العلماء على أصح القولين.‘‘
●بيان موضع الاستدلال عليها .
استدل عليه من صيغة "إنما" وأنّ "ما" هي الكافة التي بدخولها على إنَّ تفيد معنى الحصر .
# القائلين به :
-من الجمهور (من الحنابلة) مثل كالقاضي، وابن عقيلٍ، والحلواني.والشيخ موفق الدين، وفخر الدّين إسماعيل بن علي صاحب ابن المنّي.
-ومن الشافعية كأبي حامدٍ وأبي الطيب، والغزالي والهرّاسي.
- ومن الحنفية كالجرجاني.
- ومن المتكلمين كالقاضي أبي بكرٍ، وغيره.
-وكثيرٌ من النحاة ، أبو علي فيما ذكره الرازيّ عن النحاة جملةً.

(لفظ "الجمهور ليس مذهبا ينتمي إليه بعض العلماء دون البعض، وإنما يقصد به الأكثرية من أصحاب المذاهب أو الأكثرية من أهل العلم، وقول ابن رجب رحمه الله"من أصحابنا" يقصد الحنابلة، أما الأسماء التي ذكرتيها فهي أمثلة لمن قال بهذا القول من أصحاب كل مذهب)

●موطن الخلاف عند القائلين به :
الخلاف في موضعين :
* الموضع الأول:
دلالتها على النفي هل هو بطريق المنطوق، أو بطريق المفهوم؟
#القائلين بالنفي بالمنطوق وهي كالاستثناء:
^^ من الجمهور:، كالقاضي في أحد قوليه وصاحب ابن المنّي والشيخ موفّق الدّين.
^^ ومن الشافعية: قول أبي حامد، وأبي الطيب .
^^ومن الحنفية : الجرجاني .
#القائلين بالنفي في المفهوم :
^^ القول الآخر للقاضي ،وابن عقيلٍ والحلواني، وكثيرٍ من الحنفية والمتكلمين.
*الموضع الثاني:
دلالتها على النفي بطريق النّص، أو الظاهر؟
#القائلين بالنفي عن طريق النص:
أن دلالتها على النّفي والإثبات كليهما بطريق النّص ؛جاعلين" إنما " كالمستثنى والمستثنى منه سواء ؛وعندهم أن الاستثناء من الإثبات نفيٌ ومن النفي إثباتٌ، نصًّا لا محلاً.
#القائلين بالنفي عن طريق الظاهر:
أي دلالتها ظاهرا على الحصر أو التأكيد، وهذا الذي حكاه الآمديّ عن القاضي أبي بكرٍ، والغزاليّ، والهرّاسيّ، وغيرهم من الفقهاء .
وهو أشبه بقوله بدلالة النفي عن طريق المفهوم.
#القائلين بأنّ الاستثناء ليس لإثبات النقيض :
وإنما القصد منه هو رفع الحكم إما مطلقًا أو في الاستثناء من الإثبات وحده /وهذا قول يرد عن الحنفية، وجعلوه من باب المفهوم الذي ينفونه.
# الخلاصة :
تبين أنّ المخالف في إفادت "إنما " الحصر هو من القائلين بأنّ دلالتها على النفيّ بالمفهوم وهم قسمان:
- القسم الأول:
من لا يرى كون المفهوم حجّةً بالكلية كالحنفية، ومن وافقهم من المتكلمين.
-القسم الثاني:
من يراه حجةً من الجملة، ولكن ينفيه هاهنا لقيام الدليل عنده لأنه ليس لها مفهوم.

●الرأي الصحيح في "إنما ":
-"إنّما" مركبةٌ من "إنّ " المؤكدة و"ما" الزائدة الكافة .
- "إنَّ" تفيد التوكيد والزائد لا معنى له. بل قد تفيد معنى زائدا وقد ذكرتِ الرد على من قال بذلك.
-إنّما تفيد تقوية التوكيد ؛ولا تحدث معنى آخر.
#ورودها لغير الحصر كثيرة :
*مثال من القرآن :
{إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربّهم يتوكّلون (2)}.
* مثال من السنة :
وقوله صلى الله عليه وسلم : "إنما الرّبا في النسيئة".

#أمثلة القائلين بأن موارد "إنما " أغلبها لا تكون للحصر ،وحجتهم.
@ في قوله تعالى: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ}، لا تفيد الحصر مطلقًا ؛لوجود أسماء لله تعالى كثيرة وصفات غير توحده بالألوهية .
@،وكذلك قوله: {قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}؛لأن الوحي لم ينحصر في ذلك فقط.
@ قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ما من نبي من الأنبياء إلا قد أوتي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنّما كان الذي أوتيته وحيًا أوحاه الله إليّ فأرجو أن أكون أكثرهم تابعًا يوم القيامة" ..
وحجتهم على ذلك ؛أنه لو حصرت " إنما " فقط في معجزاته في القرآن لبطلت باقي المعجزات الأخرى للنبي صلى الله عليه وسلم .
* الرد عليهم :
أنَّ دلالة إنما للحصر معلوم بالضرورة في لغة العرب ؛كعلمهم بمعاني حروف الشرط والاستفهام والنفي والنّهي.
* ومن أمثلة ذلك :
ورودها في سياق نفي الشرك وإبطال إلهية سوى اللّه سبحانه، كقوله تعالى :{إنّما تجزون ما كنتم تعملون}،وقوله: {إنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}.

# الرد على من قال أن "ما" الكافة أكثر ما تفيده قوة التوكيد لا تثبت معنى زائدًا.
1-أنّ "ما" الكافة قد تثبت بدخولها على الحروف معنىً زائدًا، مثل
^ أنها إذا دخلت على الباء أحدثت معنى التقليل، كقول الشاعر: فالآن صرت لا تحيد جوابًا ....... بما قد يرى وأنت حطيب.
^ اتصالها مع "الكاف " تفيد معنى التعليل،كقوله تعالى: (واذكروه كما هداكم).
2- استنكار ثبوت معنى آخر بدخول الحرف الزائد من غير جنس ما يفيده الحرف الأوّل.
3-أن اللفظ يصير له بالاستعمال معنى غير ما كان يقتضيه أصل الوضع، مثل "إن" المكفوفة "بما" استعملت في الحصر فصارت حقيقةً عرفيّةً فيه.

# الغرض من استخدام العرب صيغ الحصر وغيرها للنفي:
1- إما لانتفاء ذاته .
2-أو لانتفاء فائدته ومقصوده.
3-حصر الشيء في غيره تارةً لانحصار جميع الجنس فيه وتارةً لانحصار المفيد أو الكامل فيه.
4- إعادة النفي إلى المسمّى وتارةً إلى الاسم وإن كان ثابتًا في اللغة إذا كان المقصود الحقيقيّ بالاسم منتفيا عنه ثابتًا لغيره كقوله تعالى: {قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتّى تقيموا التوراة والاٍنجيل وما أنزل إليكم مّن رّبكم} .

#أنواع الحصر :
1- عامًا كقوله: {إنّما إلهكم اللّه الّذي لا إله إلاّ هو} .
2- خاصًّا ؛ بما يدل عليه سياق الكلام.

#عمل الحصر:
فلا ينفي عن الأوّل كل ما سوى الثاني مطلقًا، بل قد ينفي عنه ما يتوهم أنه ثابتٌ له من ذلك النوع الذي أثبت له في الكلام.
*مثال:
فقوله: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ} ، لا يعني أنه لا صفة له سوى توحيد الألوهية ؛ ولكن نفى في حقه تعدد الألوهية .

#فائدة الحصر فيمن قال أنَّ "ما" موصولة :
هذا الحصر يسمّى حصر المبتدأ في الخبر،فتقدير الكلام يكون "إن الذين يخشون الله هم العلماء" ،وذلك لأن الموصول معرَّف وهو يقتضي العموم، فيلزم أن يكون الخبر عامًّا أيضًا لئلا يكون الخبر أخصّ من المبتدأ.

-المدلول الثالث: ‘‘نفي العلم عن غير أهل الخشية على أصح القولين.‘‘
●بيان عمل الحصر في طرفي الجملة :
1-إما حصر الأول في الثاني.
2- أو حصر الثاني في الأول .
3- أو حصر من الطرفين:
*مثال:
قوله: {إنّما تنذر من اتّبع الذكر وخشي الرّحمن بالغيب} فيه الحصر من الطرفين،لأن اتباع الذكر وخشية الرحمن بالغيب مختصة بمن قبل الإنذار ؛كما يختص قبول الإنذار والانتفاع بأهل الخشية واتباع الذكر،وأمثلة ذلك في القرآن كثيرة.
●بيان الحصر في قوله تعالى :"إنما يخشى الله من عباده العلماء"
الحصر من الطرفين ؛فيكون حصر الأول في الثاني والثاني في الأول،أي حصر الخشية في العلماء وحصر العلماء في الخشية.

●بيان ثبوت الخشية لكل واحد من العلماء:
#الجهة الأولى :
أن الحصر هنا للطرفين، فيكون حصر الأول في الثاني وحصر الثاني في الأول؛ومفاده :
*الطرف الأول:
أنّ كلّ من خشي اللّه ؛فهو عالمٌ وإن لم يفد لمجرده أنّ كلّ عالم فهو يخشى اللّه .
*الطرف الثاني:
حصر العلماء في أهل الخشية يفيد أنّ كلّ عالم فهو خاشٍ.
* وبجمعهما :
ثبوت الخشية لكلّ فردٍ من أفراد العلماء.

#الجهة الثانية:
المحصور هل هو مقتضٍ للمحصور فيه أو هو شرطٌ له؟
هذه الآية وأمثالها هو مقتضٍ للمحصور فيه ، وهذا ما ذكره الشيخ أبو العباس - رحمه اللّه - ؛لأن العلم بالله وما جاءت به الرسل يوجب الخشية والخوف منه.

* المراد بالمقتضي:
هو ما يتوقف تأثيره على وجود شرط وانتفاء مانع ،مثل أسباب الوعد والوعيد غيرها.

*المراد بالشرط:
هو ما يتوقف تأثير السبب عليه بعد وجود السبب ،وهو الذي يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود، مثل الإسلام بالنسبة إلى الحجّ،والمانع خلافه.

*المقصد من بيان المقتضي والشرط والمانع:
هو بيان أنّ العلم إذا كان سببًا مقتضيًا للخشية ؛ سيكون ثبوت الخشية عامًا لجميع أفراد العلماء لا يتخلف إلا لوجود مانع ونحوه.

*دلالة الآية :
أنّ خشية اللّه وما يتبعها من طاعته وامتثال أوامره واجتناب نواهيه فإنما تصدر من عالم ؛لأنه لا يخشاه إلا عالمٌ، وعلى نفي الخشية عن غير العلماء، ونفي العلم عن غير أولي الخشية أيضًا، وأنّ من لم يخش اللّه فليس بعالم .

● من تفسير السلف لهذه الآية :
-العلم بصفات الله يورث الخوف.
عن ابن عباس قال: "يريد: إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزّتي وجلالي وسلطاني ".
-العالم بالله يخافه.
ذكر مجاهدٍ والشعبيّ: "العالم من خاف اللّه ".
- خشية الله ميراث العلم ،وميراث الجها الاغترار.
عن ابن مسعودٍ قال: "كفى بخشية اللّه علمًا وكفى بالاغترار باللّه جهلاً".
-الحكمة هي الخشية :
عن الربيع عن أبي العالية في قوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء}قال: "الحكمة الخشية فإنّ خشية اللّه رأس كلّ حكمةٍ".

●بيان أن العلم يوجب الخشية وأنّ فقده يستلزم فقد الخشية من عدة وجوه.
-إن علم العبد بربه وبأسماءه وصفاته وتأمل أثرها في حياته ، وتفكره في آياته توجب له الخشية منه ، وتصده عما نهاه عنه، ويؤيد ذلك قول النبيّ صلى الله عليه وسلم :"إني لأعلمكم باللّه وأشدّكم له خشيةً"،والعكس صحيح ، فقلة العلم عن الله ،يستلزم منه قلة الخشية منه .
فمن الآثار: قول طائفةٌ من السلف لعمر بن عبد العزيز وسفيان بن عيينة: "أعجب الأشياء قلبٌ عرف ربه ثم عصاه ".
وأيضا قال بشر بن الحارث: "لو يفكر الناس في عظمة اللّه لما عصوا اللّه ".

- علمه ويقينه بما أمر الله به ونهى عنه،لأن من وراء ذلك وعد ووعيد وثواب وعقاب ، فالعالم بأمر الله متيقن بمراقبة الله له ،واطلاعه عليه ، وبملازمة الملائكة الكاتبين له،كل ذلك يوجب الخشية من الله العلي الكبير،وبالتالي سيستلزم من إعراضه عن العلم بأمر الله واتباع شهواته ،فقده للخشية من ربه،قال تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطًا (28)}.

-تصوره لحقيقة ما يحب ويقينه به توجبه التحرك نحوه ، وكذلك تصوره لما يخاف منه توجبه الهرب منه ، فوجهة تحركه دليل على حركة قلبه ،وإن كان عنده تصديق زلم يتحرك ،فهو منشغل بأمر آخر، فقد ورد في الأثر المعروف عن الحسن وروي مرسلاً عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "العلم علمان، فعلم في القلب، فذاك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان، فذاك حجة الله على ابن آدم ".

-الجهل بحقيقة الوعيد على بعض الذنوب ، وبيان درجة قبحها ،قد تجعله يتهاون في ارتكابها ،وهذا لا يلزم منه نفي الخشية تماما عنه ،لأنه قد يكون أصلها موجود لكن عدم تمام العلم، استلزم منه قلة الخشية.

-من خاصية العاقل ،بعده عن ما يترجح ضرره ، ويقع مع من يتصف بنقصان العقل،ظإذ لو تيقن السارق بإقامة عليه الحد قبل فعله لما فعله ،ولكنه يتبع الترجيح للأمور .

-لا مقارنة بين لذة الذنب ومعاناة آلآم الذنوب وطولها ،وكما قيل:"إن الصبر على المعاصي أهون من الصبر على عذاب اللّه، وقيل: "ربّ شهوة ساعة أورثت حزنًا طويلاً".

-استعجاله للذات ،ورجاءه بأسباب العفو ،فيغفل عن نتائج الذنوب وموروثاتها من الكدر والضيق وقسوة القلب وظلمته، ويفوته حلاوة الطاعة وآثارها على قلبه .

والحمدلله رب العالمين
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك.
وجهدك في الملخص واضح لا حرمك الله الأجر، وقد أحسنت جدا في معظم الكلام على مسائل اللغة والتي كانت تقلقك.
ولكن صعوبة بعض المسائل اللغوية في الرسالة كانت سببا في التركيز الشديد عليها من قبل بعض الطلاب حتى أنها أثّرت على كثير من المسائل المهمّة في الرسالة، وكان من المناسب الاختصار فيما يتعلق باللغة عدا ما يفيد في إثبات المسائل الأساسية في الرسالة كأن نكتفي بذكر قول الجمهور ونؤخر مناقشة الخلافات نهاية الملخص حتى لا تؤثر على المسائل الأخرى في الرسالة كما أشرت.
والاختصار الحاصل عندك هو في المسألة الأخيرة: بيان أن العلم يوجب الخشية وأن فقده يستلزم فقد الخشية، وهي من أهم مسائل الرسالة وفيها الكثير من الفوائد التي يحسن الإلمام بها والإشارة إليها في الملخص لأنها مما يخدم الرسالة ويوضح مقصدها، ويمكنك مطالعة هذه المسائل في الملخص التالي مع التنبيه إلى أنه بحاجة إلى بعض التهذيب لأني وضعته على عجل لكنه يفيدك في طريقة عرض المسائل إن شاء الله:

تلخيص رسالة في تفسير قوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}
لابن رجب الحنبلي رحمه الله.


عناصر الرسالة:

دلالة الآية على إثبات الخشية للعلماء
دلالة الآية على نفي الخشية عن غير العلماء
دلالة الآية على نفي العلم عن غير أهل الخشية
● الأقوال الواردة عن السلف في تفسير الآية.
● بيان أن العلم يوجب الخشية وأن فقده يستلزم فقد الخشية
● بيان أن فقد الخشية يستلزم فقد العلم
بيان العلم النافع الذي يوجب خشية الله تعالى.

● فوائد
• إثبات الخشية للعلماء يقتضي ثبوتها لكل واحد منهم
أصل العلم النافع العلم باللّه.
قابلية ما في القلب من التصديق والمعرفة للزيادة والنقصان هو ما كان عليه الصحابة والسلف من أهل السنة.
• صحة التوبة من بعض الذنوب دون بعضٍ هو الذي عليه السلف وأئمة السنة خلافًا لبعض المعتزلة.
• هل يمكن للتائب أن يعود إلى ما كان عليه قبل المعصية؟

• هل يجزم بقبول التوبة إذا استكملت شروطها؟

• هل يمحى الذنب من صحيفة العبد إذا تاب؟

• أمر الله للعباد إنما يكون بما فيه صلاحهم ونهيه إنما يكون عما فيه فسادهم.

فائدة في قوله تعالى: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون (102)}.
• خلاصة القول في نوع "ما" الداخلة على "إنّ"
.
• خلاصة
القول في إفادة "إنّما" للحصر.


تلخيص المسائل الواردة في تفسير ابن رجب رحمه الله لقوله تعالى: {إنما يخشى الله من عباده العلماء}.



● دلالة الآية على إثبات الخشية للعلماء
دلت الآية على إثبات الخشية للعلماء من صيغة "إنما" التي تقتضي تأكد ثبوت المذكور بالاتّفاق؛ لأنّ خصوصية "إن" إفادة التأكيد، وأمّا
"ما"فالجمهور على أنّها كافةٌ.

● دلالة الآية على نفي الخشية عن غير العلماء
دلت الآية على نفي الخشية عن غير العلماء
من صيغة "إنّما" أيضا لأنّ "ما" الكافة إذا دخلت على "إنّ " أفادت الحصر وهو قول الجمهور.

- واختلفوا في دلالتها على النفي هل هو بطريق المنطوق، أو بطريق المفهوم؟
فقال كثيرٌ من الحنابلة، كالقاضي في أحد قوليه وصاحب ابن المنّي والشيخ موفّق الدّين: إنّ دلالتها على النفي بالمنطوق كالاستثناء سواء وهو قول أبي حامد، وأبي الطيب من الشافعية، والجرجاني من الحنفية.
وذهبت طائفةٌ منهم كالقاضي في قوله الآخر وابن عقيلٍ والحلواني إلى أنّ دلالتها على النفي بطريق المفهوم وهو قول كثيرٍ من الحنفية، والمتكلمين.
- واختلفوا أيضًا هل دلالتها على النفي بطريق النّص، أو الظاهر؟

فقالت طائفة: إنّما تدلّ على الحصر ظاهرًا، أو يحتمل التأكيد، وهذا الذي حكاه الآمديّ عن القاضي أبي بكرٍ، والغزاليّ، والهرّاسيّ، وغيرهم من الفقهاء وهو يشبه قول من يقول إنّ دلالتها بطريق المفهوم فإنّ أكثر دلالات المفهوم بطريق الظاهر لا النّص.
وظاهر كلام كثيرٍ من الحنابلة وغيرهم، أن دلالتها على النّفي والإثبات كليهما بطريق النّص لأنّهم جعلوا "إنّما" كالمستثنى والمستثنى منه سواء وعندهم أن الاستثناء من الإثبات نفيٌ ومن النفي إثباتٌ، نصًّا لا محلاً.

● دلالة الآية على نفي العلم عن غير أهل الخشية
دلت الآية على نفي العلم عن غير أهل الخشية، من جهة الحصر أيضا فإنّ الحصر المعروف المطرد هو حصر الأول في الثاني، وهو هاهنا حصر الخشية في العلماء، وأما حصر الثاني في الأول فقد ذكره الشيخ أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله - وأنه قد يكون مرادًا أيضًا فيصير الحصر من الطرفين ويكونان متلازمين، فيكون قوله: {إنّما يخشى اللّه من عباده العلماء} يقتضي أنّ كلّ من خشي اللّه فهو عالم، ويقتضي أيضًا أنّ العالم من يخشى اللّه.

● الأقوال الواردة عن السلف في تفسير الآية
ما ورد عن السلف في تفسير الآية يوافق ما سبق من إثبات الخشية للعلماء ونفيها عن غيرهم ونفي العلم عن غير أهل الخشية.
- فعن ابن عباس قال: "يريد: إنما يخافني من خلقي من علم جبروتي وعزّتي وجلالي وسلطاني ".
- وعن مجاهدٍ والشعبيّ: "العالم من خاف اللّه ".
- وعن ابن مسعودٍ قال: "كفى بخشية اللّه علمًا وكفى بالاغترار باللّه جهلاً".
- وعن الربيع بن أنسٍ في هذه الآية قال: من لم يخش اللّه فليس بعالمٍ، ألا ترى أنّ داود قال: ذلك بأنّك جعلت العلم خشيتك، والحكمة والإيمان بك، وما علم من لم يخشك وما حكمة من لم يؤمن بك؟
- وعن الربيع عن أبي العالية في قوله تعالى: {يؤتي الحكمة من يشاء}قال: "الحكمة الخشية فإنّ خشية اللّه رأس كلّ حكمةٍ".
- وعن ابن عمر - رضي الله عنهما - قال: "لا يكون الرجل عالما حتّى لا يحسد من فوقه ولا يحقر من دونه، ولا يبتغي بعلمه ثمنًا".
وعن أبي حازمٍ نحوه.
- وسئل الإمام أحمد عن معروفٍ، وقيل له: هل كان معه علمٌ؟ فقال: "كان معه أصل العلم، خشية اللّه عزّ وجلّ ".
ويشهد لهذا قوله تعالى: {أمّن هو قانتٌ آناء اللّيل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه قل هل يستوي الّذين يعلمون والّذين لا يعلمون). وكذلك قوله تعالى: (إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ}.
وقوله: {أنّه من عمل منكم سوءًا بجهالةٍ ثمّ تاب من بعده وأصلح فأنّه غفورٌ رّحيمٌ}.
وقوله: {ثمّ إنّ ربّك للّذين عملوا السّوء بجهالةٍ ثمّ تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إنّ ربّك من بعدها لغفورٌ رحيمٌ (119)}.
- قال أبو العالية: "سألت أصحاب محمدٍ عن هذه الآية: {إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء بجهالةٍ ثمّ يتوبون من قريبٍ}
فقالوا: كلّ من عصى اللّه فهو جاهلٌ، وكلّ من تاب قبل الموت فقد تاب من قريبٍ ".
- وروي عن مجاهدٍ، والضحاك، قالا: "ليس من جهالته أن لا يعلم حلالاً ولا حرامًا، ولكن من جهالته حين دخل فيه ".

● بيان أن العلم يوجب الخشية وأن فقده يستلزم فقد الخشية.
وبيان ذلك من وجوه:
الوجه الأول:
أن العلم باللّه تعالى وما له من الأسماء والصفات كالكبرياء والعظمة والجبروت، والعزة وغير ذلك يوجب خشيته، وعدم ذلك يستلزم فقد هذه الخشية.
ولهذا فسّر الآية ابن عباسٍ، فقال: "يريد إنما يخافني من علم جبروتي، وعزتي، وجلالي، وسلطاني ".
ويشهد له قول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إني لأعلمكم باللّه وأشدّكم له خشيةً"
وكذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا"
وفي "المسند" وكتاب الترمذيّ وابن ماجة من حديث أبي ذرٍّ عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون إنّ السماء أطّت وحقّ لها أن تئطّ، ليس فيها موضع أربع أصابع إلا وملكٌ واضعٌ جبهته ساجدٌ للّه - عز وجلّ - واللّه لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيرًا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله عزّ وجلّ ".

وقال الترمذيّ: حسنٌ غريبٌ.

الوجه الثاني: أنّ العلم بتفاصيل أمر اللّه ونهيه، والتصديق الجازم بذلك وبما يترتب عليه من الوعد والوعيد والثواب والعقاب، مع تيقن مراقبة اللّه واطّلاعه، ومشاهدته، ومقته لعاصيه وحضور الكرام الكاتبين، كلّ هذا يوجب الخشية، وفعل المأمور وترك المحظور.
وإنّما يمنع الخشية ويوجب الوقوع في المحظورات الغفلة عن استحضار هذه الأمور، والغفلة من أضداد العلم، والغفلة والشهوة أصل الشرّ، قال تعالى: {ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتّبع هواه وكان أمره فرطًا (28)}.

والشهوة وحدها، لا تستقلّ بفعل السيئات إلا مع الجهل، فإنّ صاحب الهوى لو استحضر هذه الأمور المذكورة وكانت موجودةً في ذكره، لأوجبت له الخشية القامعة لهواه، ولكنّ غفلته عنها مما يوجب نقص إيمانه الذي أصله التصديق الجازم المترتب على التصور التام،
ولهذا كان ذكر اللّه وتوحيده والثناء عليه يزيد الإيمان، والغفلة والإعراض عن ذلك يضعفه وينقصه، كما كان يقول من يقول من الصحابة: "اجلسوا بنا نؤمن ساعة".

الوجه الثالث: أنّ تصور حقيقة المخوف يوجب الهرب منه، وتصور حقيقة المحبوب توجب طلبه فإذا لم يهرب من هذا ولم يطلب هذا دلّ على أنًّ تصوره لذلك ليس تامًّا، وإن كان قد يصور الخبر عنه.
وتصور الخبر وتصديقه وحفظ حروفه غير تصوّر المخبر به فإذا أخبر بما هو محبوبٌ أو مكروهٌ له، ولم يكذّب الخبر بل عرف صدقه لكن قلبه مشغولٌ بأمور أخرى عن تصور ما أخبر به، فهذا لا يتحرك للهرب ولا للطلب، في الأثر المعروف عن الحسن وروي مرسلاً عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "العلم علمان، فعلم في القلب، فذاك العلم النافع، وعلمٌ على اللسان، فذاك حجة الله على ابن آدم ".

الوجه الرابع: أنّ كثيرًا من الذنوب قد يكون سبب وقوعه جهل فاعله بحقيقة قبحه وبغض اللّه له وتفاصيل الوعيد عليه وإن كان عالمًا بأصل تحريمه وقبحه لكنّه يكون جاهلاً بما ورد فيه من التغليظ والتشديد ونهاية القبح.
فيكون جهله بذلك هو الذي جرّأه عليه وأوقعه فيه، ولو كان عالمًا بحقيقة قبحه لأوجب ذلك العلم تركه خشيةً من عقابه.

الوجه الخامس: أنّ الله جعل في النفس حبًّا لما ينفعها وبغضًا لما يضرّها، فلا يفعل ما يجزم بأنه يضرّها ضررًا راجحًا، لذلك لا يقدم عاقل على فعل ما يضرّه مع علمه بما فيه من الضرر إلا لظنّه أنّ منفعته راجحة إمّا بأن يجزم بأن ضرره مرجوح، أو يظنّ أن خيره راجح.
فالزاني والسارق ونحوهما، لو حصل لهم جزم بإقامة الحدود عليهم من الرجم والقطع ونحو ذلك، لم يقدموا على ذلك، فإذا علم هذا فأصل ما يوقع الناس في السيئات الجهل وعدم العلم بأنها تضرهم ضررًا راجحًا، أو ظنّ أنها تنفعهم نفعًا راجحًا، وذلك كلّه جهل إما بسيط وإمّا مركب.
ومثال هذا ما جاء في قصة آدم أنه: {يا آدم هل أدلّك على شجرة الخلد وملكٍ لا يبلى (120) فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما}.

قال: {ما نهاكما ربّكما عن هذه الشّجرة إلّا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين (20)}.
وقال تعالى: {ومن يعش عن ذكر الرّحمن نقيّض له شيطانًا فهو له قرينٌ (36) وإنّهم ليصدّونهم عن السّبيل ويحسبون أنّهم مهتدون (37)}.
فالفاعل للذنب لو جزم بأنه يحصل له به الضرر الراجح لم يفعله، لكنه يزين له ما فيه من اللذة التي يظنّ أنها مصلحة، ولا يجزم بوقوع عقوبته، بل يرجو العفو بحسناتٍ أو توبةٍ أو بعفو الله ونحو ذلك، وهذا كله من اتباع الظن وما تهوى الأنفس، ولو كان له علم كامل لعرف به رجحان ضرر السيئة، فأوجب له ذلك الخشية المانعة له من مواقعتها.

الوجه السادس: وهو أن لذّات الذنوب لا نسبة لها إلى ما فيها من الآلام والمفاسد البتة فإنّ لذاتها سريعة الانقضاء وعقوباتها وآلامها أضعاف ذلك.
ولهذا قيل: "إن الصبر على المعاصي أهون من الصبر على عذاب اللّه، وقيل: "ربّ شهوة ساعة أورثت حزنًا طويلاً".
- ما في الذنوب من اللذات كما في الطعام الطيب المسموم من اللذة، فهي مغمورة بما فيه من المفسدة ومؤثر لذة الذنب كمؤثر لذة الطعام المسموم الذي فيه من السموم ما يمرض أو يقتل ومن هاهنا يعلم أنه لا يؤثر لذات الذنوب إلا من هو جاهل بحقيقة عواقبها.
-
المذنب قد لا يتمكن من التوبة، فإنّ من وقع في ذنبٍ تجرّأ عليه عمره وهان عليه خوض الذنوب وعسر عليه الخلاص منها ولهذا قيل: "من عقوبة الذنب: الذنب بعده ".
- إذا قدّر للمذنب أنه تاب منه فقد لا يتمكن من التوبة النصوح الخالصة التي تمحو أثره بالكلية.
- وإن قدّر أنه تمكن من ذلك، فلا يقاوم اللذة الحاصلة بالمعصية ما في التوبة النصوح المشتملة على النّدم والحزن والخوف والبكاء وتجشم الأعمال الصالحة؛ من الألم والمشقة، ولهذا قال الحسن: "ترك الذنب أيسر من طلب التوبة".
- يكفي المذنب ما فاته في حال اشتغاله بالذنوب من الأعمال الصالحة الّتي كان يمكنه تحصيل الدرجات بها.

- إن قدّر أنه عفي عنه من غير توبةٍ فإن كان ذلك بسبب أمرٍ مكفرٍ عنه كالمصائب الدنيوية، وفتنة القبر، وأهوال البرزخ، وأهوال الموقف، ونحو ذلك، فلا يستريب عاقلٌ أن ما في هذه الأمور من الآلام والشدائد أضعاف أضعاف ما حصل في المعصية من اللذة.

- إن عفي عنه بغير سببٍ من هذه الأسباب المكفرة ونحوها، فإنه لابّد أن يلحقه عقوبات كثيرة منها:
1: ما فاته من ثواب المحسنين، فإن اللّه تعالى وإن عفا عن المذنب فلا يجعله كالذين آمنوا وعملوا الصالحات، كما قال تعالى: {أم حسب الّذين اجترحوا السّيّئات أن نجعلهم كالّذين آمنوا وعملوا الصّالحات سواءً محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون (21).

وقال: (أم نجعل الّذين آمنوا وعملوا الصّالحات كالمفسدين في الأرض أم نجعل المتّقين كالفجّار (28)}.
2: ما يلحقه من الخجل والحياء من اللّه عز وجلّ عند عرضه عليه وتقريره بأعماله، وربما كان ذلك أصعب عليه من دخول النار ابتداءً.
كما جاء في الأحاديث والآثار كما روى عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "الزهد" بإسناده عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: "يدني اللّه عزّ وجلّ العبد يوم القيامة، فيضع عليه كنفه، فيستره من الخلائق كلها، ويدفع إليه كتابه في ذلك الستر، فيقول: اقرأ يا ابن آدم كتابك، قال: فيمرّ بالحسنة، فيبيضّ لها وجهه ويسرّ بها قلبه قال: فيقول الله عز وجل: أتعرف يا عبدي؟
فيقول: نعم، يا رب أعرف، فيقول: إني قد قبلتها منك.
قال: فيخرّ للّه ساجدًا، قال: فيقول اللّه عزّ وجلّ: ارفع رأسك يا ابن آدم وعد في كتابك، قال: فيمرّ بالسيئة فيسود لها وجهه، ويوجل منها قلبه وترتعد منها فرائصه، ويأخذه من الحياء من ربه ما لا يعمله غيره، قال: فيقول اللّه عزّ وجلّ: أتعرف يا عبدي؟
قال: فيقول: نعم، يا رب أعرف، قال: فيقول: إني قد غفرتها لك؟
قال: فلا يزال حسنةٌ تقبل فيسجد، وسيئةٌ تغفر فيسجد، فلا ترى الخلائق منه إلا السجود، قال: حتى تنادي الخلائق بعضها بعضًا: طوبى لهذا العبد الذي لم يعص اللّه قط، ولا يدرون ما قد لقي فيما بينه وبين اللّه عز وجل ".
ومما قد وقفه عليه وروي معنى ذلك عن أبي موسى، وعبد اللّه بن سلامٍ وغيرهما، ويشهد لهذا حديث عبد اللّه بن عمر الثابت في "الصحيح "- حديث النجوى - أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "إذا كان يوم القيامة دعا اللّه بعبده فيضع عليه كنفه فيقول: ألم تعمل يوم كذا وكذا ذنب كذا وكذا؟ فيقول: بلى يا ربّ، فيقول: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وغفرت ذلك لك اليوم " وهذا كلّه في حقّ من يريد اللّه أن يعفو عنه ويغفر له فما الظنّ بغيره؟

الوجه السابع: وهو أن المقدم على مواقعة المحظور إنما أوجب إقدامه عليه ما فيه من اللذة الحاصلة له به، فظنّ أنّه يحصل له لذته العاجلة، ورجى أن يتخلص من تبعته بسببٍ من الأسباب ولو بالعفو المجرد فينال به لذةً ولا يلحقه به مضرةٌ.
وهذا من أعظم الجهل، فإن الذنوب تتبعها ولابدّ من الهموم والآلام وضيق الصدر والنكد، وظلمة القلب، وقسوته أضعاف أضعاف ما فيها من اللذة، ويفوت بها من حلاوة الطاعات، وأنوار الإيمان، وسرور القلب ببهجة الحقائق والمعارف، ما لا يوازي الذرة منه جميع لذات الدنيا، فيحصل لصاحب المعصية العيشة الضنك، وتفوته الحياة الطيبة، فينعكس قصده بارتكاب المعصية، فإنّ اللّه ضمن لأهل الطاعة الحياة الطيبة، ولأهل المعصية العيشة الضنك، قال تعالى: {ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكًا}،
وقال: {وإنّ للّذين ظلموا عذابًا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون}
وقال في أهل الطاعة: {من عمل صالحًا من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فلنحيينّه حياةً طيّبةً}.

● بيان أن فقد الخشية يستلزم فقد العلم
فقد الخشية يسلتزم فقد العلم وذلك لأن العلم له موجب ومقتضى وهو اتباعه والاهتداء به وضدّه الجهل، فإذا انتفت فائدته ومقتضاه، صار حاله كحاله عند عدمه وهو الجهل.وقد تقدّم أن الذنوب إنّما تقع عن جهالةٍ، وظهرت دلالة القرآن على ذلك وتفسير السلف له بذلك، فيلزم حينئذٍ أن ينتفي العلم ويثبت الجهل عند انتفاء فائدة العلم ومقتضاه وهو اتباعه. ومن هذا الباب قوله تعالى:{وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا}، وقول النبيّ - صلى الله عليه وسلم -: "إذا كان أحدكم صائمًا فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤٌ شاتمه أو قاتله فليقل: إني امرؤٌ صائمٌ " وهذا كما يوصف من لا ينتفع بسمعه وبصره وعقله في معرفة الحقّ والانقياد له بأنه أصم أبكم أعمى قال تعالى: {صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يعقلون}.

بيان العلم النافع الذي يوجب خشية الله تعالى.
العلم النافع علمان:
1: علم باللّه بجلاله وعظمته، وهو الذي فسر الآية به جماعةٌ من السلف.
2: علم بأوامر الله ونواهيه وأحكامه وشرائعه وأسرار دينه وشرعه وخلقه وقدره.
ولا تنافي بين هذا العلم والعلم باللّه؛ فإنّهما قد يجتمعان وقد ينفرد أحدهما عن الآخر، وأكمل الأحوال اجتماعهما جميعًا وهي حالة الأنبياء - عليهم السلام - وخواصّ الصديقين ومتى اجتمعا كانت الخشية حاصلةٌ من تلك الوجوه كلها، وإن انفرد أحدهما حصل من الخشية بحسب ما حصّل من ذلك العلم، والعلماء الكمّل أولو العلم في الحقيقة الذين جمعوا الأمرين.

وقد روى الثوريّ عن أبي حيّان التميمي سعيد بن حيّان عن رجلٍ قال: كان يقال: العلماء ثلاثةٌ: "فعالمٌ باللّه ليس عالمًا بأمر اللّه، وعالمٌ بأمر اللّه ليس عالمًا باللّه، وعالمٌ باللّه عالمٌ بأمر اللّه ".
فالعالم باللّه وبأوامر اللّه: الذي يخشى اللّه ويعلم الحدود والفرائض.
والعالم باللّه ليس بعالم بأمر اللّه: الذي يخشى اللّه ولا يعلم الحدود والفرائض.
والعالم بأمر اللّه ليس بعالم باللّه: الذي يعلم الحدود والفرائض، ولا يخشى اللّه عزّ وجلًّ.

● فوائد
إثبات الخشية للعلماء يقتضي ثبوتها لكل واحد منهم.
قوله تعالى: {إنّما يخشى الله من عباده العلماء} يقتضي ثبوت الخشية لكل واحد من العلماء ولا يراد به جنس العلماء، وتقريره من جهتين:
الجهة الأولى: أن الحصر هاهنا من الطرفين، حصر الأول في الثاني وحصر الثاني في الأول، كما تقدّم بيانه، فحصر الخشية في العلماء يفيد أنّ كلّ من خشي اللّه فهو عالمٌ وإن لم يفد لمجرده أنّ كلّ عالم فهو يخشى اللّه وتفيد أنّ من لا يخشى فليس بعالم، وحصر العلماء في أهل الخشية يفيد أنّ كلّ عالم فهو خاشٍ، فاجتمع من مجموع الحصرين ثبوت الخشية لكلّ فردٍ من أفراد العلماء.
والجهة الثانية: أن المحصور هل هو مقتضٍ للمحصور فيه أو هو شرطٌ له؟
قال الشيخ أبو العباس - رحمه اللّه -: (وفي هذه الآية وأمثالها هو مقتضٍ فهو عامٌّ فإنّ العلم بما أنذرت به الرسل يوجب الخوف).
ومراده بالمقتضي – العلة المقتضية - وهي التي يتوقف تأثيرها على وجود شروط وانتفاء موانع كأسباب الوعد والوعيد ونحوهما فإنها مقتضياتٌ وهي عامةٌ، ومراده بالشرط ما يتوقف تأثير السبب عليه بعد وجود السبب وهو الذي يلزم من عدمه عدم المشروط ولا يلزم من وجوده وجود المشروط، كالإسلام بالنسبة إلى الحجّ.

والمانع بخلاف الشرط، وهو ما يلزم من وجوده العدم ولا يلزم من عدمه الوجود وهذا الفرق بين السبب والشرط وعدم المانع إنّما يتم على قول من يجوّز تخصيص العلة وأما من لا يسمّي علةً إلا ما استلزم الحكم ولزم من وجودها وجوده على كلّ حال، فهؤلاء عندهم الشرط وعدم المانع من جملة أجزاء العلة، والمقصود هنا أنّ العلم إذا كان سببًا مقتضيًا للخشية كان ثبوت الخشية عامًا لجميع أفراد العلماء لا يتخلف إلا لوجود مانع ونحوه.


أصل العلم النافع العلم باللّه.
وهو العلم بأسمائه وصفاته وأفعاله من قدره، وخلقه، والتفكير في عجائب آياته المسموعة المتلوة، وآياته المشاهدة المرئية من عجائب مصنوعاته، وحكم مبتدعاته ونحو ذلك مما يوجب خشيته وإجلاله، ويمنع من ارتكاب نهيه، والتفريط في أوامره.
ولهذا قال طائفةٌ من السلف لعمر بن عبد العزيز وسفيان بن عيينة: "أعجب الأشياء قلبٌ عرف ربه ثم عصاه ".

وقال بشر بن الحارث: "لو يفكر الناس في عظمة اللّه لما عصوا اللّه ".

قابلية ما في القلب من التصديق والمعرفة للزيادة والنقصان هو الذي عليه الصحابة والسلف من أهل السنة.
ويؤيد ذلك ما كان يقوله بعض الصحابة: "اجلسوا بنا نؤمن ساعة".
وما جاء
في الأثر المشهور عن حماد بن سلمة عن أبي جعفرٍ الخطميّ عن جدّه عمير بن حبيبٍ وكان من الصحابة، قال: "الإيمان يزيد وينقص قيل: وما زيادته ونقصانه؟

قال: إذا ذكرنا اللّه ووحّدناه وسبّحناه، فتلك زيادته وإذا غفلنا ونسينا، فذلك نقصانه ".
وفي مسندي الإمام أحمد والبزار من حديث أبي هريرة أن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - قال: "جدّدوا إيمانكم " قالوا: وكيف نجدد إيماننا يا رسول اللّه؟
قال: "قولوا: لا إله إلا اللّه ".
فالمؤمن يحتاج دائمًا كلّ وقتٍ إلى تحديد إيمانه وتقوية يقينه، وطلب الزيادة في معارفه، والحذر من أسباب الشكّ والريب والشبهة، ومن هنا يعلم معنى قول النبيًّ - صلى الله عليه وسلم -: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن " فإنه لو كان مستحضرًا في تلك الحال لاطّلاع اللّه عليه ومقته له جمع ما توعّده اللّه به من العقاب المجمل والمفصل استحضارًا تامًّا لامتنع منه بعد ذلك وقوع هذا المحظور وإنما وقع فيما وقع فيه لضعف إيمانه ونقصه.

صحة التوبة من بعض الذنوب دون بعضٍ هو الذي عليه السلف وأئمة السنة خلافًا لبعض المعتزلة.
فإنّ أحد الذنبين قد يعلم قبحه فيتوب منه ويستهين بالآخر لجهله بقبحه وحقيقة مرتبته فلا يقلع عنه، ولذلك قد يقهره هواه ويغلبه في أحدهما دون الآخر فيقلع عما لم يغلبه هواه دون ما غلبه فيه هواه، ولا يقال لو كانت الخشية عنده موجودةً لأقلع عن الجميع، لأن أصل الخشية عنده موجودةٌ، ولكنها غير تامةٍ، وسبب نقصها إما نقص علمه، وإما غلبة هواه، فتبعّض توبته نشأ من كون المقتضي للتوبة من أحد الذنبين أقوى من المقتضي للتوبة من الآخر، أو كون المانع من التوبة من أحدهما أشدّ من المانع من الآخر.

• هل يمكن للتائب أن يعود إلى ما كان عليه قبل المعصية؟
اختلف الناس في ذلك على قولين، والقول بأنه لا يمكن عوده إلى ما كان عليه قول أبي سليمان الدّرانيّ وغيره.

• هل يجزم بقبول التوبة إذا استكملت شروطها؟
اختلف الناس في ذلك على قولين:فالقاضي أبو بكر وغيره من المتكلمين على أنّه لا يجزم بذلك.
و
أكثر أهل السنة والمعتزلة وغيرهم على أنه يقطع بقبولها.


• هل يمحى الذنب من صحيفة العبد إذا تاب؟
ورد في "مراسيل الحسن " عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إذا أراد اللّه أن يستر على عبده يوم القيامة أراه ذنوبه فيما بينه وبينه ثمّ غفرها له ".
ولهذا كان أشهر القولين أنّ هذا الحكم عامٌّ في حقّ التائب وغيره، وقد ذكره أبو سليمان الدمشقيّ عن أكثر العلماء، واحتجّوا بعموم هذه الأحاديث مع قوله تعالى: {ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرةً ولا كبيرة إلاّ أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرًا}.

وقد نقل ذلك صريحًا عن غير واحدٍ من السلف كالحسن البصريّ وبلال بن سعد - حكيم أهل الشام - كما روى ابن أبي الدنيا، وابن المنادي وغيرهما عن الحسن: "أنه سئل عن الرجل يذنب ثم يتوب هل يمحى من صحيفته؟ قال: لا، دون أن يوقفه عليه ثم يسأله عنه "
ثم في رواية ابن المنادي وغيره: "ثم بكى الحسن، وقال: لو لم تبك الأحياء من ذلك المقام لكان يحقّ لنا أن نبكي فنطيل البكاء".

وذكر ابن أبي الدنيا عن بعض السلف أنه قال: "ما يمرّ عليّ أشد من الحياء من اللّه عزّ وجلّ ".
وفي الأثر المعروف الذي رواه أبو نعيمٍ وغيره عن علقمة بن مرثدٍ: "أنّ الأسود بن يزيد لما احتضر بكى، فقيل له: ما هذا الجزع؟ قال: ما لي لا أجزع، ومن أحقّ بذلك مني؟واللّه لو أتيت بالمغفرة من اللّه عزّ وجلّ، لهمّني الحياء منه مما قد صنعته، إنّ الرجل ليكون بينه وبين الرجل الذنب الصغير فيعفو عنه فلا يزال مستحيًا منه ".
ومن هذا قول الفضيل بن عياضٍ بالموقف: "واسوءتاه منك وإن عفوت ".

• أمر الله للعباد إنما يكون بما فيه صلاحهم ونهيه إنما يكون عما فيه فسادهم.

إن اللّه لم يأمر العباد بما أمرهم به لحاجته إليه، ولا نهاهم عمّا نهاهم عنه بخلاً به، بل أمرهم بما فيه صلاحهم، ونهاهم عمّا فيه فسادهم، وهذا هو الذي عليه المحققون من الفقهاء من الحنابلة وغيرهم، كالقاضي أبي يعلى وغيره.
وإن كان بينهم في جواز وقوع خلاف ذلك عقلاً نزاعٌ مبنيّ على أن العقل هل له مدخل في التحسين والتقبيح أم لا؟
وكثير منهم كأبي الحسن التميمي وأبي الخطاب على أنّ ذلك لا يجوز عقلاً أيضًا وأما من قال بوقوع مثل ذلك شرعًا فقوله شاذٌ مردودٌ.

والصواب: أنّ ما أمر اللّه به عباده فهو عين صلاحهم وفلاحهم في دنياهم وآخرتهم، فإنّ نفس الإيمان باللّه ومعرفته وتوحيده وعبادته ومحبته وإجلاله وخشيته وذكره وشكره؛ هو غذاء القلوب وقوتها وصلاحها وقوامها، فلا صلاح للنفوس، ولا قرة للعيون ولا طمأنينة، ولا نعيم للأرواح ولا لذة لها في الدنيا على الحقيقة، إلا بذلك، فحاجتها إلى ذلك أعظم من حاجة الأبدان إلى الطعام والشراب والنّفس، بكثيرٍ، فإنّ حقيقة العبد وخاصيته هي قلبه وروحه ولا صلاح له إلا بتألهه لإلهه الحقّ الذي لا إله إلا هو، ومتى فقد ذلك هلك وفسد، ولم يصلحه بعد ذلك شيء البتة، وكذلك ما حرّمه اللّه على عباده وهو عين فسادهم وضررهم في دينهم ودنياهم، ولهذا حرّم عليهم ما يصدّهم عن ذكره وعبادته كما حرم الخمر والميسر، وبين أنه يصدّ عن ذكره وعن الصلاة مع مفاسد أخر ذكرها فيهما، وكذلك سائر ما حرّمه اللّه فإنّ فيه مضرةً لعباده في دينهم ودنياهم وآخرتهم، كما ذكر ذلك السلف، وإذا تبيّن هذا وعلم أنّ صلاح العباد ومنافعهم ولذاتهم في امتثال ما أمرهم الله به، واجتناب ما نهاهم اللّه عنه تبيّن أن من طلب حصول اللذة والراحة من فعل المحظور أو ترك المأمور، فهو في غاية الجهل والحمق، وتبيّن أنّ كلّ من عصى اللّه هو جاهل، كما قاله السلف ودلّ عليه القرآن كما تقدم، ولهذا قال: {كتب عليكم القتال وهو كرهٌ لكم وعسى أن تكرهوا شيئًا وهو خيرٌ لكم وعسى أن تحبّوا شيئًا وهو شرٌّ لكم واللّه يعلم وأنتم لا تعلمون (216)}.
وقال: {ولو أنّهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشدّ تثبيتًا (66) وإذًا لآتيناهم من لدنّا أجرًا عظيمًا (67) ولهديناهم صراطًا مستقيمًا (68)}.

فائدة في قوله تعالى: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون (102)}.
اختلف المفسرون في الجمع بين إثبات العلم ونفيه هاهنا.
1: قالت طائفة: الذين علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق، هم الشياطين الذين يعلّمون الناس السحر، والذين قيل فيهم: {لو كانوا يعلمون} هم الناس الذين يتعلمون.
قال ابن جرير: وهذا القول خطأٌ مخالفٌ لإجماع أهل التأويل على أنّ قوله: (ولقد علموا) عائدٌ على اليهود الذين اتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان.
2: ذكر ابن جرير أنّ الذين علموا أنه لا خلاق لمن اشتراه هم اليهود، والذين قيل فيهم: لو كانوا يعلمون، هم الذين يتعلمون من الملكين، وكثيرًا ما يكون فيهم الجهال بأمر اللّه ووعده ووعيده.
وهذا أيضًا ضعيفٌ فإنّ الضمير فيهما عائدٌ إلى واحدٍ، وأيضًا فإن الملكين يقولان لمن يعلمانه: إنما نحن فتنة فلا تكفر، فقد أعلماه تحريمه وسوء عاقبته.

3: قالت طائفة: إنما نفى عنهم العلم بعدما أثبته لانتفاء ثمرته وفائدته، وهو العمل بموجبه ومقضتاه، فلمّا انتفى عنهم العمل بعلمهم جعلهم جهّالاً لا يعلمون، كما يقال: لا علم إلا ما نفع، وهذا حكاه ابن جريرٍ وغيره، وحكى الماوردي قولاً بمعناه، لكنه جعل العمل مضمرا، وتقديره لو كانوا يعملون بما يعلمون.
4: قيل: إنهم علموا أنّ من اشتراه فلا خلاق له، أي لا نصيب له في الآخرة من الثواب، لكنهم لم يعلموا أنه يستحق عليه العقاب مع حرمانه الثواب، وهذا حكاه الماورديّ وغيره.
وهو ضعيف أيضًا، فإنّ الضمير إن عاد إلى اليهود، فاليهود لا يخفى عليهم تحريم السحر واستحقاق صاحبه العقوبة، وإن عاد إلى الذين يتعلمون من الملكين فالملكان يقولان لهم: {إنّما نحن فتنةٌ فلا تكفر} والكفر لا يخفى على أحدٍ أن صاحبه يستحقّ العقوبة، وإن عاد إليهما، وهو الظاهر، فواضح، وأيضًا فإذا علموا أنّ من اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ فقد علموا أنه يستحقّ العقوبة، لأنّ الخلاق: النصيب من الخير، فإذا علم أنه ليس له نصيب في الخير بالكلية فقد علم أن له نصيبًا من الشرّ، لأنّ أهل التكليف في الآخرة لا يخلو واحد منهم عن أن يحصل له خير أو شرّ لا يمكن انتكاله عنهما جميعًا ألبتة.

5: قالت طائفة: علموا أنّ من اشتراه فلا خلاق له في الآخرة، لكنهم ظنّوا أنهم ينتفعون به في الدنيا، ولهذا اختاروه وتعوّضوا به عن بوار الآخرة وشروا به أنفسهم، وجهلوا أنه في الدنيا يضرّهم أيضًا ولا ينفعهم، فبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون ذلك، وأنّهم إنما باعوا أنفسهم وحظّهم من الآخرة بما يضرّهم في الدنيا أيضًا ولا ينفعهم.
وهذا القول حكاه الماورديّ وغيره، وهو الصحيح، فإنّ اللّه تعالى قال: {ويتعلّمون ما يضرّهم ولا ينفعهم} أي هو في نفس الأمر يضرّهم ولا ينفعهم بحالٍ في الدنيا وفي الآخرة.

ولكنّهم لم يعلموا ذلك لأنهم لم يقدموا عليه إلا لظنّهم أنه ينفعهم في الدنيا.
ثم قال: {ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاقٍ} أي قد تيقّنوا أنّ صاحب السحر لا حظّ له في الآخرة، وإنما يختاره لما يرجو من نفعه في الدنيا، وقد يسمّون ذلك العقل المعيشي أي العقل الذي يعيش به الإنسان في الدنيا عيشةً طيبةً، قال اللّه تعالى: {ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون} أي: إن هذا الذي يعوضوا به عن ثواب الآخرة في الدنيا أمرٌ مذمومٌ مضر لا ينفع لو كانوا يعلمون ذلك ثم قال: {ولو أنّهم آمنوا واتّقوا لمثوبةٌ من عند اللّه خير لّو كانوا يعلمون} يعني: أنهم لو اختاروا الإيمان والتقوى بدل السّحر لكان اللّه يثيبهم على ذلك ما هو خير لهم مما طلبوه في الدنيا لو كانوا يعلمون، فيحصل لهم في الدنيا من ثواب الإيمان والتقوى من الخير الذي هو جلب المنفعة ودفع المضرّة ما هو أعظم مما يحصّلونه بالسّحر من خير الدنيا مع ما يدّخر لهم من الثواب في الآخرة.
والمقصود هنا:
أن كل من آثر معصية اللّه على طاعته ظانًّا أنه ينتفع بإيثار المعصية في الدنيا، فهو من جنس من آثر السحر - الذي ظنّ أنه ينفعه في الدنيا - على التقوى والإيمان، ولو اتّقى وآمن لكان خيرًا له وأرجى لحصول مقاصده ومطالبه ودفع مضارّه ومكروهاته.
ويشهد كذلك أيضًا ما في "مسند البزار" عن حذيفة قال: "قام النبيّ - صلى الله عليه وسلم - فدعا الناس فقال: "هلمّوا إليّ، فأقبلوا إليه فجلسوا"، فقال: "هذا رسول ربّ العالمين جبريل - عليه السلام. - نفث في روعي: أنّه لا تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها وإن أبطأ عليها، فاتقوا اللّه وأجملوا في الطلب ولا يحملنّكم استبطاء الرّزق أن تأخذوه بمعصية الله، فإنّ الله لا ينال ما عنده إلا بطاعته ".


• خلاصة القول في نوع "ما" الداخلة على "إنّ"
القول الأول: أنّها كافةٌ، وأن "ما" هي الزائدة التي تدخل على إنّ، وأنّ، وليت، ولعلّ، وكأن، فتكفها عن العمل، وهذا قول جمهور النحاة.
القول الثاني: أنّ "ما" مع هذه الحروف اسمٌ مبهمٌ بمنزلة ضمير الشأن في التفخيم والإبهام وفي أنّ الجملة بعده مفسرةٌ له ومخبرٌ بها عنه، وهو قول
بعض الكوفيين، وابن درستويه.
القول الثالث: أن "ما" هنا نافيةٌ واستدلّوا بذلك على إفادتها الحصر، وأنّ "إن" أفادت الإثبات في المذكور، و"ما" النفي فيما عداه وهو قول بعض الأصوليين وأهل البيان.
وهذا باطلٌ باتفاق أهل المعرفة باللسان فإنّ "إن" إنما تفيد توكيد الكلام إثباتًا كان أو نفيًا لا تفيد الإثبات.
و"ما" زائدةٌ كافة لا نافيةٌ وهي الداخلة على سائر أخوات إنّ: لكنّ وكأن وليت ولعلّ، وليست في دخولها على هذه الحروف نافيةً بالاتفاق فكذلك الداخلة على إنّ وأنّ.
-
نسب القول بأنها نافيةٌ إلى أبي علي الفارسي لقوله في كتاب "الشيرازيات ": إنّ العرب عاملوا "إنما" معاملة النفيّ و"إلا" في فصل الضمير لقوله: "وإنّما يدافع عن أحسابهم أنا أو مثلي ".

وهذا لا يدل على أنّ "ما" نافيةٌ على ما لا يخفى وإنما مراده أنّهم أجروا "إنما" مجرى النفي و"إلاّ" في هذا الحكم لما فيها معنى النفي ولم يصرّح بأنّ النفي مستفادٌ من "ما" وحدها.
القول الرابع: أنه لا يمتنع أن يكون "ما" في هذه الآية بمعنى الذي والعلماء خبرٌ والعائد مستترٌ في يخشى.

وأطلقت "ما" على جماعة العقلاء كما في قوله تعالى: {أو ما ملكت أيمانكم} ، و {فانكحوا ما طاب لكم مّن النّساء}.

• خلاصة
القول في إفادة "إنّما" للحصر.
اختلف النحاة في ذلك على أقوال:
القول الأول: إذا دخلت "ما" الكافة على "إنّ " أفادت الحصر هذا هو الصحيح، وهو قول الجمهور.

القول الثاني: من خالف في إفادتها الحصر.
حجتهم في ذلك:
1- قالوا إنّ "إنّما" مركبةٌ من "إنّ " المؤكدة و"ما" الزائدة الكافة فيستفاد التوكيد من "إنّ " والزائد لا معنى له، وقد تفيد تقوية التوكيد كما في الباء الزائدة ونحوها، لكنها لا تحدث معنى زائدا.
2- وقالوا إن ورودها لغير الحصر كثيرٌ جدًّا كقوله تعالى: {إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانًا وعلى ربّهم يتوكّلون (2)}.
وقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "إنما الرّبا في النسيئة". وقوله: "إنّما الشهر تسعٌ وعشرون " وغير ذلك من النصوص ويقال: "إنّما العالم زيد" ومثل هذا لو أريد به الحصر لكان هذا.
وقد يقال: إن أغلب مواردها لا تكون فيها للحصر فإنّ قوله تعالى: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ}، لا تفيد الحصر مطلقًا فإنّه سبحانه وتعالى له أسماءٌ وصفاتٌ كثيرةٌ غير توحّده بالإلهية، وكذلك قوله: {قل إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ أنّما إلهكم إلهٌ واحدٌ}.
فإنّه لم ينحصر الوحي إليه في هذا وحده.
مناقشة أقوالهم:
- الصواب أن "إنما" تدلّ على الحصر في هذه الأمثلة، ودلالتها عليه معلومٌ بالاضطرار من لغة العرب، كما يعلم من لغتهم بالاضطرار معاني حروف الشرط والاستفهام والنفي والنّهي وغير ذلك، ولهذا يتوارد "إنّما" وحروف الشرط والاستفهام والنّفي الاستثناء كما في قوله تعالى: {إنّما تجزون ما كنتم تعملون} فإنه
كقوله: {وما تجزون إلا ما كنتم تعملون}،
وقوله: {إنّما اللّه إلهٌ واحدٌ وقوله: {إنّما إلهكم اللّه الّذي لا إله إلاّ هو}فإنه كقوله: {وما من إلهٍ إلاّ اللّه}وقوله: {ما لكم من إلهٍ غيره}، ونحو ذلك، ولهذا كانت كلّها واردةً في سياق نفي الشرك وإبطال إلهية سوى اللّه سبحانه.

- وأما قولهم إنّ "ما" الكافة أكثر ما تفيده قوة التوكيد لا تثبت معنى زائدًا، يجاب عنه من وجوه:

أحدها: أنّ "ما" الكافة قد تثبت بدخولها على الحروف معنىً زائدًا.
وقد ذكر ابن مالك أنها إذا دخلت على الباء أحدثت معنى التقليل، كقول الشاعر:
فالآن صرت لا تحيد جوابًا ....... بما قد يرى وأنت حطيب
قال: وكذلك تحدث في "الكاف " معنى التعليل، في نحو قوله تعالى: (واذكروه كما هداكم) ، ولكن قد نوزع في ذلك وادّعى أنّ "الباء" و"الكاف " للسببية، وأنّ "الكاف " بمجردها تفيد التعليل.
والثاني: أن يقال: لا ريب أنّ "إنّ " تفيد توكيد الكلام، و"ما" الزائدة تقوّي هذا التوكيد وتثبت معنى الكلام فتفيد ثبوت ذلك المعنى المذكور في اللفظ خاصةً ثبوتًا لا يشاركه فيه غيره واختصاصه به، وهذا من نوع التوكيد والثبوت ليس معنىً آخر مغايرًا له وهو الحصر المدّعى ثبوته بدخول "ما" يخرج عن إفادة قوّة معنى التوكيد وليس ذلك بمنكرٍ إذ المستنكر ثبوت معنى آخر بدخول الحرف الزائد من غير جنس ما يفيده الحرف الأوّل.
الوجه الثالث: أنّ "إن" المكفوفة "بما" استعملت في الحصر فصارت حقيقةً عرفيّةً فيه، واللفظ يصير له بالاستعمال معنى غير ما كان يقتضيه أصل الوضع، وهكذا يقال في الاستثناء فإنه وإن كان في الأصل للإخراج من الحكم لكن صار حقيقة عرفيةً في مناقضة المستثنى فيه، وهذا شبية بنقل اللفظ عن المعنى الخاص إلى العام إذا صار حقيقة عرفيةً فيه لقولهم "لا أشرب له شربة ماءٍ" ونحو ذلك، ولنقل الأمثال السائرة ونحوها، وهذا الجواب ذكره أبو العباس ابن تيمية في بعض كلامه القديم وهو يقتضي أنّ دلالة "إنّما" على الحصر إنّما هو بطريق العرف والاستعمال لا بأصل وضع اللغة، وهو قولٌ حكاه غيره في المسألة.

القول الثالث:
من جعل "ما" موصولةً.
فتفيد الحصر من جهةٍ أخرى وهو أنّها إذا كانت موصولةً فتقدير الكلام "إن الذين يخشون الله هم العلماء" وهذا أيضًا يفيد الحصر" فإنّ الموصول يقتضي العموم لتعريفه، وإذا كان عامًّا لزم أن يكون خبره عامًّا أيضًا لئلا يكون الخبر أخصّ من المبتدأ، وهذا النوع من الحصر يسمّى ئحصر المبتدأ في الخبر، ومتى كان المبتدأ عامًّا فلا ريب إفادته الحصر.


التقييم:
- الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) 23/30
- الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) 20/20
- التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) 17/20
- الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) 15/15
- العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) 15/15

النسبة: 90/100
وفقك الله

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 19 رمضان 1436هـ/5-07-2015م, 03:58 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة هبه الديب مشاهدة المشاركة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أستاذتي الكريمة :
أعتذر إليك أشد الاعتذار عن سوء أدائي في هذه الرسالة ،إلا أنني وأشهد الله قد بذلت فيها مجهود ؛ والحق يقال :
أن هذه الرسالة باختصاصها اللغوي ذات مستوى عال .

نسأل الله حسن الفهم.
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
شكر الله سعيك وبارك عملك ونسأل الله أن يعلمنا ما ينفعنا.

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 21 شوال 1436هـ/6-08-2015م, 10:35 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:

بسم الله الرحمن الرحيم

قال تعالى :﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴿٣٦﴾ الأحزاب
[*]عناصر الرسالة:


- هذه الآية قاعدة من قواعد الدين.
-بيان سبب نزولها .
- إلغاء الفوارق بين أفراد المجتمع.
- حكم اتباع أمر النبي صلى الله عليه وسلم .
-اليقين بأن الخير هو ما اختاره الله ورسوله.
-التحذير من مخالفة أمر النبي.
-خطورة اتباع الهوى .



هذه الآية العظيمة تبرز إحدى دعائم العقيدة الإسلامية، هذه الدعامة تؤسس قاعدة أساسية تعتبر منهج حياة للمسلمين ، خلاصتها في أنه ليس لهم من أنفسهم ولا من أمرهم شيء ،لأنهم وما يملكون ملكا لربهم ، يصرفهم كيف يشاء، ويختار لهم ما يريد ؛ لما فيه صالحهم ،وإنَّ استقرار هذه القاعدة في نفوس المسلمين واستسلامهم لها تجعل من مجتمعهم مجتمع متماسك ؛لا تحكمه الأهواء .

قيل في سبب نزول هذه الآية :ما ذكره السيوطي مما أخرجه الطبراني بسند صحيح عن قتادة قال :"رُويَ أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم خطب زينب وهو يريدها لزيد فظنت أنه يريدها لنفسه، فلما علمت أنه يريدها لزيد أبت، فأنزل الله: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة..} الآية، فرضيت وسلمت ؛ وقيل أنها نزلت كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط، وكانت أول امرأة هاجرت من النساء فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم، فزوجها زيد بن حارثة فسخطت هي وأخوها قالا: إنما أردنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجنا عبده فنزلت، وهذا أخرجه ابن أبي حاتم عن ابن زيد.

وروى ابن كثير في التفسير كذلك رواية أخرى قال:وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم:نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط - رضي الله عنها - وكانت أول من هاجر من النساء - يعني بعد صلح الحديبية - فوهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقال:" قد قبلت " . فزوجها زيد بن حارثة - رضي الله عنه - فسخطت هي وأخوها , وقال:إنما أردنا رسول الله عليه الصلاة والسلام ،فزوجنا عبده ! قال:فنزل القرآن: (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا)إلى آخر الآية . قال:وجاء أمر أجمع من هذا: (النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم) قال:فذاك خاص وهذا أجمع .

وفي رواية ثالثة:قال الإمام أحمد:حدثنا عبد الرزاق , أخبرنا معمر , عن ثابت البناني , عن أنس - رضي الله عنه - قال:خطب النبي صلى الله عليه وسلم، على جليبيب امرأة من الأنصار إلى أبيها . فقال:حتى أستأمر أمها . فقال النبي عليه الصلاة والسلام:" فنعم إذن " . قال:فانطلق الرجل إلى امرأته , فذكر ذلك لها , فقالت:لاها الله ! إذن ما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا جليبيبا , وقد منعناها من فلان وفلان ؟ قال:والجارية في سترها تسمع . قال:فانطلق الرجل يريد أن يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بذلك . فقالت الجارية:أتريدون أن تردوا على رسول الله أمره ؟ إن كان قد رضيه لكم فأنكحوه . قال:فكأنها جلت عن أبويها . وقالا:صدقت . فذهب أبوها إلى رسول الله فقال:إن كنت قد رضيته فقد رضيناه . قال صلى الله عليه وسلم :" فإني قد رضيته " . قال:فزوجها . . ثم فزع أهل المدينة , فركب جليبيب , فوجدوه قد قتل , وحوله ناس من المشركين قد قتلهم . قال أنس - رضي الله عنه - فلقد رأيتها وإنها لمن أنفق بيت بالمدينة . .

والأشهر من هذه الروايات ؛ ما قيل أنها نزلت في زينب بنت جحش ، والحكمة من ذلك هو إعادة ترتيب المجتمع الإسلامي وفق نظام يٌبطل فيه ما كان من الموروثات السابقة من الفوارق والطبقات بين المسلمين ،إذ كان الناس حينها يندرجون وفق طبقاتهم فيتزوج السادات من السادات والعبيد والرقاق بعضهم من بعض ؛ فجاء الإسلام ليؤسس قاعدة جديدة وهي أنَّ الناس سواسية ،لا فرق بينهم .

لمَّا أثنى الله تعالى على أهل الخصال الإيمانية التي تدل على محبتهم له وتعظيمه وطاعته في الآية السابقة ، بقوله تعالى:إِ"نَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا "، وسوى بين ذكرهم وأنثاهم في ثوابه لهم ،أعقبه ببيان حكم طاعة نبيه صلى الله عليه وسلم ، وأنها واجبة كطاعته ، وأن معصية النبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة معصية الله ، وهذه قاعدة عظيمة ينبغي لجميع المسلمين إدراكها ولا يفصلوا بين أمر الله وأمر الرسول .

وقد أرشد الله عباده في مواطن كثيرة في محكم كتابه أن طاعة نبيه مقترنة بطاعته ، فقال جل وعلا :{ياأيُّها الَّذين آمَنُوا أطيعوا الله وأطيعوا الرَّسولَ وأُولي الأمرِ منكُم فإن تنازعتُم في شيءٍ فرُدُّوه إلى الله والرَّسولِ إن كنتم تؤمنونَ بالله واليومِ الآخِرِ ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلاً(59)} النساء، وقال أيضا : {وما أرسَلنا من رسولٍ إلاَّ ليُطاعَ بإِذنِ الله ولو أنَّهُم إذ ظلموا أنفُسَهُم جاءُوكَ فاستغفَروا الله واستغفرَ لهم الرَّسولُ لَوَجدوا الله توَّاباً رحيماً(64) فلا ورَبِّكَ لا يؤمِنونَ حتَّى يُحكِّموكَ فيما شَجَرَ بينهم ثمَّ لا يَجدوا في أنفُسهِم حرَجاً ممَّا قضَيتَ ويُسلِّموا تَسليماً(65)} ، وقال أيضاً: {ومن يُطع الله والرَّسولَ فأولَئِكَ معَ الَّذين أنعَمَ الله عليهِم من النَّبيِّينَ والصِّدِّيقينَ والشُّهداءِ والصَّالِحينَ وحَسُنَ أُولئِكَ رفيقاً(69) ذلك الفضلُ من الله وكفى بالله عليماً(70)، وقال أيضاً: {من يُطعِ الرَّسولَ فقد أطاعَ الله ومن تَولَّى فما أرسلناكَ علَيهِم حفيظاً(80)} ، وفي سورة الأنفال :{وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيْحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللهَ مَعَ الصَابِرِين (46)}


قال تعالى : وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّـهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا ﴿٣٦﴾

بدأت الآية الكريمة بقوله تعالى " وما كان "؛ ذكر ابن عاشور دلالة الواو هنا هي واو العاطفة ،فد عطفت على آية نزلت قبلها لم يتوقف عليها ولا على السورة التي تتضمنها ؛وهي من باب عطف جملة على أخرى .، وقيل أنها استئنافية .
"وما كان " تفيد معنى ما ينبغي أما دلالة "ما كان " فهي أقوى في دلالة نفي الحكم من غيرها ؛لأن معنى "كان" يقتضي الوجود ؛ونفيه يقتضي نفي الوجود برمته، ومعناه المنع والحظر من الشيء والإخبار بأنه لا يحل لأحد يؤمن بالله أن يتقدم بين يدي الله ورسوله، فعليه أن يسرع لأمر الله ورسوله ممتثلا لحكمهما ،ابتغاء مرضات ربه واجتنابه غضبه.

في قوله تعالى:"لمؤمن ولا مؤمنة" : نكرة في سياق النفي فتعم كل من يؤمن بالله تعالى ،ودخل في لباس الإيمان ؛ وقد ذكر البغوي أن المراد بالمؤمن هو :عبدالله بن جحش ؛والمؤمنة :هي أخته زينب ، ومن المعلوم في القواعد التفسيرية أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
لكن لِمَ اختصت هذه الآية بالخطاب بلفظة الإيمان دون الإسلام بقوله تعالى :" لمؤمن ولا مؤمنة " ؟ لأن الإيمان يزيد وينقص وتتأثر تبعا له الموافقة لأمر الله ، ولكن من مقتضى الإيمان أن لا يخالف أمر الله وأمر نبيه.

أما في قوله تعالى :"إذا قضى الله ورسوله أمرا":
القضاء : أي الحكم ،فمجرد دخول العبد في الإسلام يذعن ويخضع لحكم الله، فأين الناس اليوم من حظوظ النفس وقد غلبت أهواءهم ما قضاه الله ورسوله، أما قوله "أَمْراً": فهي نكرة للتقليل، لتفيد أي أمر وإن صغر، فبذلك أوجبت الآية الطاعة في كل الأمور والانقياد والتسليم ، قال تعالى: {إنَّما كان قولَ المؤمنينَ إذا دُعُوا إلى الله ورسولِهِ لِيَحْكُمَ بينهم أن يقولوا سَمِعنا وأطَعنا وأولئِكَ هم المفلِحونَ }

وقوله تعالى "أن يكون لهم الخيرة من أمرهم "
الخيرة: مصدر من تخيّر، كالطّيرة مصدر من تطيّر. وقوله: مِنْ أَمْرِهِمْ متعلق بها، أو بمحذوف وقع حالا منها.
وقرأ الكوفيون : أن يكون بالياء (يكون)، وهو اختيار أبي عبيد ، والسبب قد فرق بين المؤنث وبين فعله .
أما الباقون فقرؤوها بالتاء ؛ لأن اللفظ مؤنث فتأنيث فعله حسن .
وقرأ ابن السميقع " الخيرة " بإسكان الياء .
أما الضمائر فقد وردت هنا بصيغة الجمع لبيان أن السياق يعم كل مؤمن وكل مؤمنة.
ولفظ " من أمرهم ":دلالة على أن المؤمن ليس له اختيار في طاعة الله ورسوله، وعليه الخضوع بين يدي ربه الذي يصرف له أموره ويدبر له شؤونه، فالله القيوم قائم على أمره كله ، وفي تفاصيل حياته كلها صغيرها وكبيرها .
لكن الله عز شأنه لم يترك العقل دون أن يكون له حيزا يعمل به ،فكثير من أمور الدنيا تركه دون تقييد بشرع معين لما فيه مصالح لهم ،كما قال صلى الله عليه وسلم للذين وجدهم يأبِرون نخلهم : «لو تركتموها لصلحت ثم قالوا تركناها فلم تصلح فقال : أنتم أعلم بأمور دنياكم» ، وأيضا موقف أخر يدل عليه ،ما كان من أمرِه صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، بالنزول بأدنى ماء من بدر فقال له الحباب بن المنذر : أهذا منزل أنزلكَه الله ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأي والحرْب والمكيدة؟ قال : «بل هو الرأي والحرب والمكيدة» . قال : فإنَّ هذا ليس بمنزل فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماءٍ من القوم فننزِلَه ثم نُغَوِّرَ ما وراءه من القُلُب ثم نبني عليه حوضاً فنملأه ماء فنشرب ولا يشربوا . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لقد أشرت بالرأي " فنهض بالناس ،

إنَّ اليقين بأنَّ الخير فيما اختاره الله لعبده له الأثر الكبير على النفس ، مما يجعل العبد في طمأنينة وراحة أنَّ أمره كله خير ، فتراه في أمور حياته كلها راضيا بأمر الله وراضيا بقدر الله ،وكلما توطدت علاقة العبد بربه ،فعرف أسماءه وصفاته ،وأنه لا يصدر عنه إلا الحكمة ازداد رضى عن أفعاله عزوجل ،وهذه المرتبة من أعلى المراتب التعبدية وهي الرضى، نسالك اللهم أن نكون من أهلها.

ثم قال تعالى : "ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا"
وهنا جاء الحكم على كل من يأبى طاعة النبي صلى الله عليه وسلم ، تناسبا مع مقام تعظيم طاعة النبي صلى الله عليه وسلم في بداية الآية ،فكان الحكم عليه بالضلال في حياته الدنيا والآخره جزاء استكباره على طاعة نبيه ، وكما تقرر أنه كلما كانت المعصية أكبر أو أكثر كان الضلال أبين وأوضح ، لأنه وصف يزيد بزيادته وينقص بنقصانه.

ولكن قد يسأل سائل كيف تكون طاعة النبي بعد وفاته ؟:فالجواب يكون باتباع سنته وترك ما نها عنه، فبهذا يحقق نشر سنة نبيه ولا يفرق بين ما قال الله وقال رسوله .

فأخي المسلم أختي المسلمة :
قِس نفسك اليوم ،على أيِّ الموازيين تسيِّر حياتك ،ميزان هوى النفس أم ميزان الشرع ؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :
"صاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه؛ فلا يستحضر مالله ورسوله في الأمر ،ولا يطلبه أصلا ولا يرضى لرضا الله ورسوله ،ولا يغضب لغضب الله ورسوله ،بل يرضى إذا حصل ما يرضاه هواه ،ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه ، فليس قصده أن يكون الدين كله لله وان تكون كلمة الله هي العليا، بل قصده الحمية لنفسه وطائفته أو الرياء ،ليعظم هو ويثنى عليه أو لغرض من الدنيا ، فلم يكن لله غضبه ولم يكن مجاهدا في سبيل الله ،بل إن أصحاب الهوى يغضبون على من خالفهم وإن كان مجتهدا معذورا ،لا يغضب الله عليه ويرضون عمن يوافقهم وإن كان جاهلا سيء القصد ،ليس له علم ولا حسن قصد ، فيفضي هذا إلى أن يحمدوا من لم يحمده الله ورسوله ، ويذموا من لم يذمه الله ورسوله ، وتصير موالاتهم ومعادتهم على أهواء أنفسهم لا على دين الله ورسوله ."

فخذ من آثار اتباع الهوى : تفريق واختلاف ،نزاع وشقاق ، كبر وعجب ، ظلم للنفس والناس ،جلب للهموم والضيق والأحزان ...
وما أردى الأمة اليوم إلا اتباع الهوى ..



المراجع:
-جمهرة العلوم /تفسير سورة الأحزاب .
-تفسير الطبري.
-تفسير البغوي.
-تفسير ابن كثير.
-تفسير ابن عثيمين.
- تفسير ابن عاشور.
-معاني القرآن للزجاج .



والحمدلله رب العالمين
أحسنت بارك الله فيك وزادك من فضله.
ولو سقت بعض الأمثلة على مغبة عصيان أمر الله ورسوله كما سقت على طاعته لكان نافعا بإذن الله.
التقييم:
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 20 / 18
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 20 / 20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) : 20 / 18
رابعاً: المواءمة ( مناسبة المسائل المذكورة للمخاطبين ) : 20 / 20
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 10 /10
خامساً: العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 10 / 10
= 96 %
وفقك الله

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 10 ذو القعدة 1437هـ/13-08-2016م, 11:37 AM
هبة الديب هبة الديب غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,274
افتراضي - مراحل إعداد درس في التفسير / 1-

بسم الله الرحمن الرحيم .
قال تعالى:
﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ. قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ. فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ. فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ . وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾

[التفاسير المعتمدة في البحث: ابن كثير/ك، ابن عطية/ع ،الألوسي/ل، ابن عاشور/ش، المراغي/غ، السعدي /س ، ابن عثيمين /ث ،الدّرّ المصون للحلبي/ح، النّابلسي/ن، المفردات للأصفهاني /ص،معجم المعاني]

/// المسائل التفسيرية
///.


*المقصد من ذكر قصة قارون .ش غ

{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ}
*مناسبة الآية لما قبلها.س ل
*القراءات في قوله تعالى :"وابتغ".
*بيان القائل.
* معنى الواو .
* معنى الابتغاء.ك ع ث
* المخاطب في الآية .
* دلالة فعل الأمر . ن
* معنى في .ل ع
*معنى ما . ح
* معنى آتاك:ك ث
* مرجع ضمير الخطاب آتاك.
*متعلق الإتيان .ك ث
* معنى الدار.معجم المعاني
* معنى الآخرة .معجم المعاني
* المراد بالدار الآخرة .ل ش ث
* بيان كيفية ابتغاء الدار الآخرة .ك
*ثمرة ابتغاء الدار الآخرة .
* أثر الإنفاق على راحة النفس.ث

{وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}
* معنى الواو.ش
*معنى لا.ل
* معنى النسيان.ل ث
* معنى نصيب.ل ش
* مرجع ضمير الخطاب نصيبك.
* دلالة إضافة الضمير المتعلق بالمخاطب للنصيب. ش
* المراد بقوله تعالى :"ولا تنس نصيبك من الدنيا ".ع ل ش
* المراد بالنهي عن النسيان.ع ش
* معنى من . ش
* معنى دنيا .ص
* المراد بالدنيا.ش
مسألة استطرادية .
*ما يصح وصف الله تعالى به من معاني النسيان .

{وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}
*معنى الواو .
*معنى الإحسان .ص
* دلالة استخدام فعل الأمر.
*مناسبة ذكر الأمر بالإحسان لما قبله من الأوامر .ش
*متعلق الإحسان :ك ع ل ث
* فائدة حذف متعلق الإحسان . ش
* بيان الإحسان في الشرع.ش
*معنى الكاف.ث
* معنى ما.ش
* المراد بإحسان الله تعالى .ل ش

{وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}
* معنى الواو .ش
* مناسبة الآية لما قبلها .ش
*معنى اللام : ل
* معنى البغي.ص
* دلالة استخدام الفعل بالمضارع.
* معنى الفساد .ص
* معنى في .
* المراد بــ الأرض .ش
*فائدة تعريف الأرض.ش
* بيان وجه الإفساد في الأرض. ك ع ل ش س ث
* بيان صفة المحبة لله تعالى .ث
* الرد على من قال أن عدم المحبة تستلزم العقاب ث
* مناسبة ختم الآية بقوله تعالى :"إن الله لا يحب المفسدين" .ش

مسألة استطرادية :
- أثر بغي الإنسان على الأرض .ث

/// تحرير المسائل التفسيرية ///

*المقصد من ذكر قصة قارون :

ضرب الله الأمثال للمشركين في جميع أحوالهم بأمثال نظرائهم من الأمم السالفة؛ حيث ضرب في هذه السورة لحال تعاظمهم بأموالهم مثلاً بحال قارون مع موسى وأن مثل قارون صالح لأن يكون مثلاً لأبي لهب ولأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قبل إسلامه في قرابتهما من النبي صلى الله عليه وسلم وأذاهما إياه، وللعاصي بن وائل السهمي في أذاه لخباب بن الأرتّ وغيره، وللوليد بن المغيرة من التعاظم بماله وذويه، قال تعالى { ذرني ومن خلقت وحيداً وجعلت له مالا ممدوداً } ، وذلك ليبيّن عاقبة البغي والجبروت في الدنيا والآخرة ، فخسف به الأرض جزاءََ ومقابلة لعلوّه واستكباره ، وغدا مثلا يُضرب به وتذكرة لعاقبة من ينحو على أثره .حاصل قول ابن عاشور و المراغي في تفسيرهما.

{وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ}

*مناسبة الآية لما قبلها :

موعظة لقارون.ذكره السعدي والألوسي.

*القراءات في قوله تعالى :"وابتغ".

قُرئت :"اتَّبِعُ".

*بيان القائل:

قيل كان الخطاب من قبل مؤمني قوم قارون له .ذكره الطبري والألوسي.

وقيل أنّ الخطاب كان من موسى عليه السلام ،ذكره الألوسي.

* معنى الواو .

عطف الكلام على ما قبله .

* معنى الابتغاء.

أي الطلب، ذكره ابن عاشور وابن عثيمين.

و الاستعمال .ذكره ابن كثير

* المخاطب في الآية .

قارون .
* دلالة فعل الأمر .


معنى الأمر في هذا السياق يقتضي الوجوب ،فكما أنّ الله تعالى أمر في محكم كتابه أمرا يقتضي الوجوب بقوله تعالى :"وأقم الصلاة "، حثّ على طلب الآخرة بما أُعطي لنا من الدنيا. تفسير النابلسي.

* معنى في .

ذكر الألوسي أنها :

1-إما ظرفية؛ على معنى : ابتغ متقلباً ومتصرفاً فيه.

وقال ابن عاشور أن المعنى: اطلبه بمعظمه وأكثره،دلالة على تغلغل طلب الآخرة عن ما أُعطي في الدنيا.

وهي كالتي في قوله تعالى في سورة النساء { وارزقوهم فيها واكسوهم }:أي منها ومعظمها.

وأيضا كما في قول سبرة الفقعسي:
نحابي بها أكفاءنا ونهينهاونشرب في أثمانها ونقامر.
2- أو سببية؛ على معنى ابتغ بصرف ما آتاك الله تعالى ذلك.

*معنى ما .

قيل مصدرية أو بمعنى الذي وهو ما اختاره ابن عثيمين، وذكره الحلبي.

* معنى آتاك:

أي وهبك وأعطاك من المال . حاصل قول ابن كثير وابن عثيمين
* مرجع ضمير الخطاب آتاك.


لقارون

*متعلق الإتيان .

المال الجزيل والنعمة الطائلة ،والتي تعود على المفاتيح التي تنوء بالعصبة / حاصل ما ذكره ابن كثيرو ابن عثيمين.
* معنى الدار.


في اللغة :المحلّ يجمع البناء والسّاحة ، والمنزل المسكون ،والدّارين : الدّنيا والآخرة .معجم المعاني

* معنى الآخرة .

مقابل الأولى ؛ومعناها الآجلة، أي دار البقاء بعد الموت .معجم المعاني

* المراد بالدار الآخرة .

أي ثواب الله فيها بصرف ذلك إلى ما يكون وسيلة إليه ، وهي الجنة حيث قال تعالى :" تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين " حاصل ما ذكره الألوسي وابن عاشور وابن عثيمين.
* بيان كيفية ابتغاء الدار الآخرة .


بطاعة الله والتقرب إليه بأنواع القربات وتعمل فيها للآخرة/حاصل ما ذكره ابن كثير وابن عثيمين.

* ثمرة ابتغاء الدار الآخرة .

الثواب الجزيل في الدنيا والآخرة .ذكره ابن كثير.

مسألة استطرادية :

* أثر الإنفاق على راحة النفس.

ذكر ابن عثيمين رحمه الله تعالى في تفسيره ؛أنّ النّفس إذا تعودت على البذل وتروّضت على هذا الأمر أصبح الإنفاق سجية لها ،فتنعكس بذلك النفس فتفرح وتنعم؛ وأيّد رحمه الله تعالى هذا القول بقول ابن القيم رحمه الله تعالى :" ومنها الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه والنفع بالبدن وأنواع الإحسان ،فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدرا، وأطيبهم نفسا،وأنعمهم قلبا، وأما البخيل الذي ليس فيه إحسان؛ أضق الناس صدرا وأنكدهم عيشا وأعظمهمهمّا وغمّا " اهـ.



{وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا}
* معنى الواو.
الواو اعتراضية، فالجملة معترضة بين الجملتين الحافتين بها ،ذكره ابن عاشور.

*معنى لا.
الناهية . ذكره الألوسي

* معنى النسيان.
أي هنا بمعنى ترك المنسي،ذكره الألوسي وابن عثيمين .
لأن النسيان يطلق على أمرين :
الأول : الذهول عن الأمر المعلوم . كقوله تعالى :" أحصاه الله ونسوه". أي أحصاه الله لمن هم نسوه .
الثاني: بمعنى الترك ، ومنه أيضا قوله تعالى :"نسوا الله فنسيهم "، أي تركوا عبادته ، فتركهم ولم يثبهم .ذكره ابن عثيمين .

* معنى نصيب.
النصيب هو الحظّ والقسط ،ذكره الألوسي وابن عاشور .

* مرجع ضمير الخطاب نصيبك.
يعود لقارون .

* دلالة إضافة الضمير المتعلق بالمخاطب للنصيب.
دلالة على أنه حق له، وأن للمرء الانتفاع بماله في ما يلائمه في الدنيا خاصة مما ليس من القربات ولم يكن حراماً. ذكره ابن عاشور.

* المراد بقوله تعالى :"ولا تنس نصيبك من الدنيا ".
ورد عدة أقوال في المراد بالآية .
- القول الأول : أي لا تضيع عمرك في أن لا تعمل عملاً صالحاً في دنياك إذ الآخرة إنما يعمل لها في الدنيا فنصيب الإنسان وعمله الصالح فيها فينبغي أن لا يهمله. قاله ابن أبي حاتم وابن عباس ومجاهد والجمهور. ذكره ابن عطية والألوسي
- القول الثاني: لا تضيع أيضاً حظك من دنياك في تمتعك بالحلال وطلبك إياه ونظرك لعاقبة دنياك.قاله الحسن وقتادة،وذكره ابن عطية والألوسي وابن عاشور وابن عثيمين رجح هذا القول.
واستدل ابن عثيمين رحمه الله على هذا القول بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعمرو بن العاص:"إنّ لربك عليك حقا، ولنفسك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، فأعطِ كل ذي حق حقه ".
- القول الثالث: أي قدم الفضل وأمسك ما يبلغ.قاله الحسن ذكره ابن عطية وابن كثير .
- القول الرابع:أي المراد هو الأكل والشرب بلا سرف. قاله مالك،ذكره ابن عطية والألوسي وابن عاشور.
- القول الخامس: قيل أرادوا بنصيبه الكفن. حكاه الثعلبي، وقاله الإمام القاضي ،ذكره ابن عطية واستشهد بقول الشاعر:
نصيبك مما تجمع الدهر كله رداءان تلوى فيهما وحنوط
- القول السادس : أنّ المراد بالنصيب عائد على قوله تعالى :" وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة " أي المهلة يعني مدة العيش في الدنيا أن تنفق المال في طاعة الله.ذكره ابن عثيمين.

* المراد بالنهي عن النسيان.
ذكر الفقيه الإمام القاضي أنّ المراد بالنهي عن النسيان متعلق بالمراد بمعناه:

- فإن كان المراد من المعنى أي العمل للآخره؛فسيكون المراد بالنهي هو شدة الموعظة ، وهذا القول ذكره الألوسي أيضا .

- وإن كان المراد هو الاستمتاع بما أحل له في الدنيا مع النظر للعاقبة ؛ فعليه يكون المراد هنا الترفق وإصلاح الأمر الذي يشتهيه، وهذا مما يجب استعماله مع الموعوظ خشية النبوة من الشدة. وذكره ابن عاشور.

- وإما إن كان المراد من النصيب هو الكفن ، فيكون المراد بالنهي هو اتصال الوعظ .ذكره ابن عطية وابن عاشور.

* معنى من .

تبعيضية ذكره ابن عاشور .
* معنى دنيا .
من الدنو أي القرب بالذات أو الحكم، ويستعمل في المكان والزمان والمنزلة، وهي تعبر عن الأول أي مقابل الآخرة.
كما في قوله تعالى :" خسر الدنيا والآخرة ".
المفردات في غريب القرآن /للأصفهاني.
* المراد بالدنيا.
نعيمها ،
ذكره ابن عاشور.

مسألة استطرادية .
*ما يصح وصف الله تعالى به من معاني النسيان .

ما يصح وصف الله تعالى به من معاني النسيان هو الترك ،لأن الذهول عن الشيء صفة نفاها الله تعالى عن نفسه ،حيث قال تعالى :" في كتاب لا يضل ربي ولا ينسى "،فهنا بمعنى الذهول ،لأن الترك يفعله تعالى بمن يشاء من عباده ممن يستحقون الترك .ذكره ابن عثيمين .

{وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ}
*معنى الواو .
واو العطف
*معنى الإحسان .
" الإحسان فعل ما ينبغي فعله من المعروف ، و هو على وجهين :
أحدهما : الإنعام على الغير ( إن أنعمت عليه ، فهذا إحسان منك إليه )
و الثاني : الإحسان في فعله ( أن تحسن في فعلك أنت )، و ذلك إذا علم علماً حسناً ، أو عمل عملاً حسناً ، و منه قول عليٍّ رضي الله عنه : " إن الناس أبناء ما يحسنون " (4) .
المفردات في غريب القرآن /للأصفهاني.

* دلالة استخدام فعل الأمر.
دلالة الأمر هنا يفيد الوجوب .

*مناسبة ذكر الأمر بالإحسان لما قبله من الأوامر .
ذكر ابن عاشور أنّ الإحسان داخل في عموم ابتغاء اليوم الآخر ،وإنما خصّه هنا بالذكر ليبني عليه الاحتجاج بقوله تعالى :"كما أحسن الله إليك".

*متعلق الإحسان :
-قيل أنّ متعلق الإحسان هو بصلة المساكين وذي الحاجة والصدقة عليهم. حاصل ما ذكره المفسرون.
- وقيل عبادة الله ذكره الألوسي.
- وقيل الإحسان بالشكر، ذكره الألوسي.
ورجح ابن عثيمين رحمه الله تعالى أنّ معنى الإحسان عام ؛فيدخل هنا في الإحسان في عبادة الله وفي معاملة الناس.

* فائدة حذف متعلق الإحسان .
ذكر ابن عاشور أن المتعلق حُذف لتعميم ما يُحسن إليه لما جاء عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم :"إن الله كتب الإحسان على كل شيء"، فيشمل نفسه وقومه ودوابه ومخلوقات الله الداخلة في دائرة التمكن من الإحسان إليها.

* بيان الإحسان في الشرع.
ذكر ابن عاشور أنّ الإحسان في كل شيء بحسبه، وأنّه يكون في كل شيء بما يناسبه؛ حتى الأذى المأذون فيه ؛ يكون بقدره، ويكون أيضا بحسن القول وطلاقة الوجه وحسن اللقاء.

*معنى الكاف.
هنا تفيد التعليل، ولا يمكن أن تكون للتشبيه -كما ذكره الألوسي وابن عاشور- ،لأن الإنسان لا يمكن أن يُحسن كما أحسن الله إليه ،لأن إحسان الله أكمل وأعظم ، ذكره ابن عثيمين.
ثمّ علّق ابن عاشور على القول الثاني أنها للتعليل؛ حيث بيّن أنّ التعليل حاصل من معنى التشبيه وليس بمعنى مستقل من معاني هذا الحرف

* معنى ما.
مصدرية ،ذكره ابن عاشور.

* المراد بإحسان الله تعالى .
أي إنعامه تعالى على عباده بالنعم .ذكره الألوسي وابن كثير

{وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ}


* معنى الواو .
معنى الواو هنا العطف ،ذكره ابن عاشور.

* مناسبة الآية لما قبلها .
عطف بالتحذير من خلط الإحسان بالفساد ،ولأن الأمر بالشيء نهي عن ضده ،فإنّ الأمر بالإحسان يقتضي النهي عن الفساد ،لأنّ الفساد ضد الإحسان .
وقد نص عليه هنا؛ لأنّه لما تعددت موارد الإحسان والإساءة؛ فقد يغيب عن الذهن أنّ الإساءة إلى شيء مع الإحسان إلى أشياء يعتبر غير إحسان.ذكره ابن عاشور.

*معنى اللام :
النهي، ذكره الألوسي.

* معنى البغي.
البغي:هو طلب تجاوز الاقتصاد فيما يتحرى؛ تجاوزه أم لم يتجاوزه، وهو على حزبين :
أحدهما محمود :وهو تجاوز العدل إلى الإحسان ،والفرض إلى التطوع .

والثاني : مذموم وهو تجاوز الحق إلى الباطل. وهو أكثر المواضع ورودا .المفردات في غريب القرآن /للأصفهاني.

* دلالة استخدام الفعل بالمضارع.
دلالة على الاستمرار في الفعل إذ لا زال قارون حينها مستمر بالبغي والظلم .ذكره الألوسي.

* معنى الفساد .
الفساد هو خروج الشيء عن الاعتدال؛قليلا كان الخروج عنه أو كثيرا، ويضاده الصلاح ،ويستعمل في النفس والبدن والأشياء الخارجة عن الاستقامة .

يُقال فسد فسادا وفسودا ،وأفسد غيره ، كما في قوله تعالى :" ظهر الفساد في البر والبحر "، وقوله تعالى :" لفسدت السماوات والأرض" ، وقوله تعالى :" والله لا يحب الفساد".المفرادات في غريب القرآن /للأصفهاني.

* معنى في .
ظرفية .

* المراد بــ الأرض .
أي أرضهم الحالّون بها .ذكره ابن عاشور .

*فائدة تعريف الأرض.
وإن كانت الأرض التي هم عليها خاصة بهم ،فالإفساد فيها إفساد مظروف في عموم الأرض. وقد تقدمت نظائره منها في قوله تعالى في سورة البقرة :{ وإذا تولى سعى في الأرض ليفسد فيها }،ذكره ابن عاشور .

* بيان وجه الإفساد في الأرض.
وذلك بالتكبر والبغي والعمل بالمعاصي والاشتغال بالنعم عن المنعم .حاصل قول المفسرين.

* بيان صفة المحبة لله تعالى .
المحبة صفة من صفات الله تعالى أثبتها لنفسه حقيقة على وجه الكمال .ذكره ابن عثيمين .

* الرد على من قال أن عدم المحبة لزم منه المعاقبة.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :لو قلنا أنّ نفي المحبة إثبات للكراهة فتفسير المحبة باللازم وهو المعاقبة خطأ، ويعتبر تحريفا لكلام الله تعالى، لأنّ هناك فرق بيّن بين المحبة والمعاقبة، كما أنّ هناك فرقا بين المحبة والإثابة ، وهذا الذي ذهب إليه المفسرون هو مذهب أهل التأويل.

* مناسبة ختم الآية بقوله تعالى :"إن الله لا يحب المفسدين" .
وذلك لبيان علة النهي عن الإفساد ، وبيانا لأن العمل الذي لا يحبه الله ؛لا يجوز لعباده عمله، وقد كان {قارون} موحّداً على دين إسرائيل ولكنه كان شاكّاً في صدق مواعيد موسى وفي تشريعاته.ذكره ابن عاشور .

مسألة استطرادية :
- أثر بغي الإنسان على الأرض .
ظهور الفتن والحروب والقتل والجدب ،كلها بسنن التكبر والبغي ، فكم من بلدة رأيتها آمنة مطمئنة يأتيها رزقها ،ثم انقلبت على أعقابها وهلك أهلها بسبب المعاصي .ذكره ابن عثيمين.


رد مع اقتباس
  #36  
قديم 17 ذو القعدة 1437هـ/20-08-2016م, 02:14 PM
هبة الديب هبة الديب غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,274
افتراضي

بسم الله الرحمن الرحيم .

فتنة المال
بين البطر وكفران النعم وضوابط التعامل معها

مقدمة:
[الحمد لله حمدََا كثيرََا طيبََا مباركََا فيه ؛كما ينبغي لجلال وجهه وعظيم سلطانه ،وأصلي وأسلم على النبي المصطفى وآله وصحبه أجمعين ، وأثني على ما أسدل ربنا علينا من النعم ، وأعظم تلك النعم أن أنزل القرآن على نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم؛ ليكون للعالمين هاديا وبشيرا ونذيرا ،
قال تعالى: "وأوحي إليّ هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ " (المائدة 19) ، وقوله تعالى: "ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين" ( النحل 89)،وقصّ علينا من القصص ما فيها العبرة والعظة ، فمن تدبرها وعلم مقاصدها وعمل بها كانت له نعم المرشد ، ،قال تعالى :" فاقصص القصص لعلهم يتفكرون" (الأعراف 176) ، ومن تأمل واقع المسلمين اليوم وأحوالهم؛ ما خرجت عن أحوال من سبقهم ، وقد أتاهم ذكرهم ، قال تعالى :"لقد أنزلنا إليكم كتابََا فيه ذكركم أفلا تعقلون "(الأنبياء10) أي فيه حديثكم وقيل فيه شرفكم ورفعتكم، فهل قرؤا الكتاب وتدبروا القصص والأمثال ،أم ماجت بهم الشهوات وتخطفتهم الأهواء .؟!

أيها الأخوة والأخوات .
إنّ حديثنا اليوم عن نعمة عظيمة من نعم المعطي الوهاب؛ هذه النعمة ما من عبد إلا ويسأل الله تعالى بأن يعطيه منها، نعمة جُبلت النفوس على حبّها ،وافتتنت بها الفتن العظيمة ألا وهي فتنة المال ، قال تعالى :"المال والبنون زينة الحياة الدنيا " (الكهف)، وكان الغرض من طرح هذا الموضوع؛ هو الوقوف على تداعيات انتشار الفساد بسبب سوء التعامل مع هذه النعمة ، لنقف جميعا ناصحين ومذكّرين بمن سلف، وبيان واجبنا تجاه هذه النعمة ، فارتأيت أن يكون عنوان محاضرتنا اليوم :

( فتنة المال بين البطر وكفران النعم وضوابط التعامل معها).
فنعمة المال فتنة؛ لأنّ الله تعالى يهبها لمن يشاء من عباده ابتلاء واختبارا، وليست دليل اجتهاد من المرء وليست دليلا على محبة الله ورضاه ،قال تعالى :" وإذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة من عندنا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون " (الزمر49) .
والبطر : دهش يعتري الإنسان من سوء احتمال النعمة وقلة القيام بحقها وصرفها إلى غير وجهها فيدخل في كفر النعم ،

قال تعالى :"وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنْ قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَنْ مِنْ بَعْدِهِمْ إِلا قَلِيلا وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ "(القصص58)
أما ضوابط التعامل معه : وهو بيت القصيد المرجو لعلاج الواقع .
وليس أعظم من الحديث عن علاج هذا الأمر؛ من قصة قارون مع موسى وقومه ، فقد أخبرنا الله تعالى عن كيفية التعامل مع هذه المسألة ؛بما يحقق صلاح النفس وصلاح المجتمع في الدنيا والآخرة .]

بسم الله الرحمن الرحيم .
قال الله تعالى في محكم التنزيل :
﴿إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ. وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ. قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ. فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ. فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ . وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ﴾
الدرس:
[هذه الآيات الكريمة من سورة القصص وهي سورة مكية ركّزت على قضية الموازيين الحقيقية لمعنى القوى والقيم ، وذلك من خلال إظهار قدرة الله وسنته بنصرة المستضعفين ،وإهلاك المستكبرين .

وقد سميت بهذا الاسم لأنها نزلت تقُّص على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم عدة قصص منها سيرة النبي موسى عليه السلام وقصته مع فرعون ؛ وقصته مع قارون ، وقصته مع شعيب عليه السلام،وذلك تسلية له صلى الله عليه وسلم وتثبيتا له بالصبر كما صبر موسى عليه السلام على قومه.


وقد ضرب الله الأمثال للمشركين في جميع أحوالهم بأمثال نظرائهم من الأمم السالفة؛ حيث ضرب في هذه السورة لحال تعاظمهم بأموالهم مثلاً بحال قارون مع موسى وأن مثل قارون؛ صالح لأن يكون مثلاً لأبي لهب ولأبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب قبل إسلامه في قرابتهما من النبي صلى الله عليه وسلم وأذاهما إياه، وللعاصي بن وائل السهمي في أذاه لخباب بن الأرتّ وغيره، وللوليد بن المغيرة من التعاظم بماله وذويه، قال تعالى
{ ذرني ومن خلقت وحيداً وجعلت له مالا ممدوداً } ، وذلك ليبيّن عاقبة البغي والجبروت في الدنيا والآخرة ، فخسف به الأرض جزاءََ ومقابلة لعلوّه واستكباره ، وغدا مثلا يُضرب به وتذكرة لعاقبة من ينحو على أثره .

أيها الأخوة والأخوات :

(إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى) أي من بني إسرائيل ممن كانوا مستضعفين في عهد فرعون ، فماذا فعل ؟( فَبَغَى عَلَيْهِمْ ) تكبّر وتجبر عليهم، فما السبب؟ (وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ ) وسبب ذلك ما فتح الله له من الكنوز والأموال الطائلة ، حيث مفاتيح خزائنه لتثقل على الجماعة القوية حملها ،لكن الله تعالى لم يُبين لنا نوع البغي الذي صدر منه، وذلك ليتسع ذهن السامع بشتى صور البغي، فربما بغى عليهم بالظلم واغتصاب أملاكهم، وربما كان البغي عليهم بحرمانهم حقهم في المال، أي حق الفقراء في أموال الأغنياء ، لكن ما كان دور مؤمني قومه في تصرفه ،هل سكتوا عن فعله ؟ الجواب لا، بل نصحوه بخمس جمل :

وسنقف على هذه النصائح بشيء من التفصيل ،لأنها محور حديثنا :
1-
النصيحة الأولى : (إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ ) النهي عن الفرح ،لكن أيّ فرح قصدوا ؟ قصدوا الفرح الناجم عن الاستكبار والعلو والفساد (البطر) .لكن لم نهوه عن هذا الفرح ؟ نهوه عن ذلك لعلمهم ب (إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ.) بل يبغضهم وقد يعذبهم إن لم يتوبوا .
والنّفس جُبلت على حب المال لقوله تعالى :"المال والبنون زينة الحياة الدنيا "، والمساعد الأول للنفس وهو الشيطان جاهز ومترصد ، سيبذل طاقته في العمل على استنزاف هذا المال وبذله بما يعود على النفس بالهلاك ،لأنها وظيفته التي وعد الله بها بإضلال بني آدم ،ثم جاءت هذه النصائح لتذكر النفس بما يعود عليها من الصلاح في الدنيا والآخرة .
وسنقف على هذه النصائح بشيء من التفصيل ،لأنها محور حديثنا :

2- النصيحة الثانية :
(وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ ) قارون كان ينفق المال في المعصية لذلك نصحوه بأن يكون عمله للآخرة ، ولو أنه كان صالحا في إنفاقه لما قالوا له ذلك ، ومعنى قولهم: أي اطلب واستعمل ما وهبك الله من المال
واجعلها وسيلة ترتقي بها منازل الجنة؛لاحظوا كيف أظهر الله تعالى نفسه الكريمة في الآية؛ ليذكر بأنّ ما يُؤتى الناس من المال إنما هي منه سبحانه ،فهو من بيده خزائن السماوات والأرض ، فهو المعطي لها ، قال تعالى :" هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السماوات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون " (المنافقون7) .
ولو نظرنا لتنافس الناس اليوم في ابتغاء الدنيا وانغماسهم في المعاصي والفساد، لتيقنا خشية النبي الكريم صلى الله عليه وسلم على أمته، فقد روى
عمرو بن عوف رضي الله عنه أنَّ النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكنِّي أخشى أَنْ تُبْسَط عليكم الدُّنيا كما بُسِطَتْ على من كان قبلكم، فتَنَافَسُوها كما تَنَافَسُوها، وتهلككم كما أهلكتهم)) ، ولنطبق حال قارون مع اختلاف نسبة المال مع حال الكثيرين اليوم ، لكن قد لا يرى الإنسان نفسه ،فهنا يأتي دور الأخوة الناصحون له .

أيها الأكارم :
الإنفاق في سبيل الله له من الأثر الكبير، ألا ترى ثمرة الإنفاق في سبيل الله على النفس في الدنيا ؛ يقول فضيلة الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
أنّ النّفس إذا تعودت على البذل وتروّضت على هذا الأمر، أصبح الإنفاق سجية لها ،فتنعكس بذلك النفس فتفرح وتنعم؛ وأيّد رحمه الله تعالى هذا القول بقول ابن القيم رحمه الله تعالى :" ومنها- أي ابتغاء الآخرة - الإحسان إلى الخلق ونفعهم بما يمكنه من المال والجاه والنفع بالبدن وأنواع الإحسان ،فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدرا، وأطيبهم نفسا،وأنعمهم قلبا، وأما البخيل الذي ليس فيه إحسان؛ أضيق الناس صدرا وأنكدهم عيشا وأعظمهم همّا وغمّا " اهـ.

2- النصيحة الثالثة .
(وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ). ولأن الوسطية منهج للأمة الإسلامية في قيادة الناس والحياة ، فلا إفراط في أمور الدنيا ومباحاتها، ولا تفريط فيها،قال تعالى :"
قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ۚ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ ۗ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ "(الأعراف 32) فقد أُمر الإنسان بأن يأخذ نصيبه من الدنيا ،وهو يطلب الآخرة جنبا إلى جنب ، لكن ما هو النصيب ، كان القول الراجح بين أهل العلم أن النصيب هو كل يتمتع به الناس من المباحات كالأكل والشرب والملبس والمأكل من غير إسراف ولا مخيلة .
أيها الكرام :
تأملوا الوصية الثانية والثالثة في قوله تعالى:"
وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا " .
هل تبين معكم شيء؟
نعم؛ الأولى // تحضَ على العمل للآخرة .
والثانية // تدعو للأخذ من الدنيا بما وافق الشرع دون إسراف ولا مخيلة .
لكن هذا الجانب من الميزان طغى وللأسف
؛ ولم يقتصر على المباحات بل تجاوزه،ودخل في المحرمات، والتي أضحت نسأل الله السلامة مما اعتادوا عليه فألفوه ،ألا تلاحظوا انتشار الموسيقى والمهرجانات ،وظاهرة عري النساء، وانتشار الرذيلة في القنوات، فأصبحت الأمة بالتدريج تفقد هويتها .


3- الوصية الرابعة :
(وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ)

ثم عقّبوا بالوصية الثالثة ،لبناء الحجة عليهم فيما سبق ، وهذا من حسن دعوتهم ،وهذا الأسلوب ينبغي الحرص عليه في دعوة الناس وهو التذكير بنعم الله وإحسانه على عباده ،:لأن التذكير بإحسان الله ولطفه قد يُخجل الإنسان فيصرف عن المعصية ، بعكس الاقتصار على الأمر والنهي فقد تكون هذه الوسيلة قاصرة عن الاستجابة لها ، لذا يجب الحرص على الأنفع في مخاطبة الناس والألين لنفوسهم .

والأمر بالإحسان حرص عليه الشارع الحكيم ،فلم يخلو طلب الإحسان في كل قول وفعل ، فقد قال تعالى :" إنّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون "(النحل 90)، وفي بر الوالدين :" وبالوالدين إحسانا " (النساء 36) وفي الطلاق ،في قوله تعالى :"الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان "، حتى في القتل ؛ فقد روى الإمام مسلم
عن أبي يعلى شداد بن أوسٍ رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيءٍ، فإذا قتلتم فأحسنوا القِتْلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذِّبْحة، ولْيُحِدَّ أحدُكم شفرته، ولْيُرِحْ ذبيحته)).

ونلحظ هنا أنه لم يبيَّن في أي شيء الإحسان، ليدل على العموم ، فيكون في بذل المال للمحتاجين وفي معاملة الغير وفي كل قول وفعل ، وفي قولهم "كما أحسن الله إليك" أي بإنعامه بالنعم عليك، ويدخل في ذلك شكر النعم التي يغفل عن مفهومها كثير من الناس.

أيها الإخوة والأخوات :

الشكر على النعم لا يقتصر على القول ؛بل هو أوسع وأشمل ،فالشكر يكون بفعل المأمور وترك المحظور ، وشكر النعمة استخدامها على الوجوه المشروعة لا المحرمة ، كأن تشتري بمالك طعاما مباحا ولباسا ساترا لا معصية فيه .

هناك جزئية مهمة جدا للوقوف عليها، وهي اغترار الناس بنعم الله عليهم وخاصة فيما أعطاهم من المال،ولا يزالون منغمسين في المعاصي، يقول تعالى :" يا أيها الإنسان ما غرّك بربك الكريم "(الانفطار6)
قيل غرّني حلمك وكرمك ، وقيل سترك ، وقد غفلوا أنه تعالى يستدرجهم بالنعم والأموال بين أيديهم ، فما لبث المال بين أيديهم ، تحوّلت نفوسهم وقد كانوا من قبل يتضرعون له ويلجؤون إليه ،فهو وليهم، فأصبحوا بعيدين كل البعد عن طرق بابه واللجوء إليه ،أصبح المال هو محطّ قلوبهم وأنظارهم ، شغلهم تنميّته، حتى غدوا عبّاد له دون أن يشعروا ، ومع ذلك ترى السعادة بعيدة عنهم ،ويتسألون عن سبب ذلك، وكأن الله تعالى ينبههم ليتيقظوا مما هم فيه، ويعودوا له مخلصين ..لكن لابد من أعمى وبصير في هذه الدنيا، أعمى لا يرى
هذه التنبيهات ،وأقصد بالأعمى أعمى البصيرة وليس البصر .

4- النصيحة الخامسة :
هذه النصيحة مثالا للقاعدة التي تقول الأمر بالشيء نهي عن ضده ، فلما كان فيما سبق الأمر بالإحسان ،أتى هنا بالأمر بضده وهو النهي عن الإفساد أي إلحاق الضرر .
وقد حذّر النبي صلى الله عليه وسلم أمته من انتشار الفساد ،ألم تسمعوا ما روته
زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا فَزِعاً يَقُولُ:
(( لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَيْلٌ لِلْعَرَبِ مِنْ شَرٍّ قَدْ اقْتَرَبَ، فُتِحَ الْيَوْمَ مِنْ رَدْمِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مِثْلُ هَذِهِ، وَحَلَّقَ بِإِصْبَعِهِ الْإِبْهَامِ وَالَّتِي تَلِيهَا، قَالَتْ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ ؟ قَالَ: نَعَمْ، إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ )).
ووجه الشاهد أنّ الفساد هو سبب إهلاك أمة بأكملها صالحها وطالحها ، فتأملوا رعاكم الله انتشار الربا والفضائيات والإنترنت وما ذكرناه من قبل عري النساء، وغيره نسأل الله السلامة .

( وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ): أي لا تسعى بالمعاصي وتجاهر بها ، فهذا محرم ،وآثاره اليوم من حولنا في غنى عن التمثيل بغيره ، وهل الحروب والويلات ما كانت إلا تبعات للفساد !، بدعوى التطور والتحضر، وهل التطور والتحضر بترك الدين واتباع الهوى .

ألستم في غنى عن شرع الله بدعواكم ، وأنّ العقول هي المقدمة في الحكم لديكم .
..إذن فما حصدتم؟!!
وهل هذا يحبه الله، فتأملوا القول
( إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ.).

إذن هنا رابط أيضا بين الوصية الرابعة والخامسة تبين من خلال قوله تعالى على لسان قوم قارون:"
وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ"، أمر بالإحسان ونهى عن الفساد.

نتابع لنتعلم ونحذر من مآل بطر قارون وكفره بالنعم .
فكل ماسبق انتفعنا به من قول الثلة المؤمنة من قوم موسى ناصين به قارون ، لكن ما كان رده ؟
(قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي) وهذا رد نسمعه اليوم كثيرا ،
فقد أنسى الغرور صاحبه مصدر هذه النعمة ،وأنّ المال يأتي بجدارة الإنسان وعلمه ، فما كان ردهم عليه ؟ قالوا: (أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعاً وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ).فيتعظ بما حلّ بمن سبقه، وهذه رسالة لنا أيضََا لنتعظ بها وأمامنا كتاب الله ما ترك من شيء إلا وقد بيّنه وحذّر من العواقب.

ولا يخلو من ضعاف النفوس بين الناس ؛ تبيّنوا عند ظهور النعم ،عندما ( فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ) أي قارون ، فما كان قول هؤلاء أصحاب النفوس الضعيفة :
(قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ).فكم بيننا اليوم من يرى أصحاب الأموال وقد سكنوا في أحسن البيوت وركبوا فاره المركبات ، وغفلوا عن مقصد المال وخطره، لكن من رحمة الله تعالى بعباده بأن يجعل منهم أهل علم وحكمة ، حمل على عاتقهم أمانة الرسالة والتبليغ فهؤلاء يمسكون بأيدي إخوانهم ويقولون: ( وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ). احذروا الفتنة ولا تنخدعوا ، فما عند الله خير وأبقى ، وما يناله إلا من صبر وحبس النفس عن الهوى ،قال تعالى :" فأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى ".

وما مآل الطغاة والمتجبرون في أرض الله إلا كعاقبة قارون :
(فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ) .
وحينئذ سيعلم ضعاف النفوس حفظ الله لهم
(وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالْأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ ).





[أيها الأخوة والأخوات .
أي موعظة بعد كلام الله تعالى وأيّ هديّ بعده، فاحرصوا على الأخذ به تدبرا وعملا يا رعاكم الله ، فهو دستوركم ورفعتكم في الدنيا والآخرة ، واحذروا النفس والشيطان والدنيا الغرور، واعلموا أنكم اليوم في دار العمل وغدا ستلقون ربكم ، فمن أحسن فلنفسه ، ومن أساء فعليها ، واعلموا أن نعمة الله تدوم بالشكر، والشكر حسن التعامل معها بما يرضي المعطي الوهاب .

أذكركم؛ خمسة ضوابط في التعامل مع فتنة المال. :
1) "
إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ"احذر البطر بنعمة الله باستكبارك وعملك به على غير ما شُرع ،ففيه هلاكك.
2)
." وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ" اجعل من مالك نصيب للآخرة بإخلاصك النية فيه ، ومن طلب الآخرة أتته الدنيا راغمة.
3)
"وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا" تمتع بالخير الذي وهبك الله إياه في الدنيا ، دون أن تكون همك الأكبر ،" قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق، قل هي للذين ءامنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة. "
4)
"وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ" أحسن إلى الناس بمالك بالصدقة، وفي قولك بالتودد والتواضع لخلقه، والتحدث بنعمة الله عليك،" وأما بنعمة ربك فحدّثْ "، واحذر التفاخر والتباهي بما أوتيت ، ففيه إيذاء لمشاعر الناس وإساءة إليهم . ومن أحسن إلى الناس فقد استجلب رضا الله تعالى عليه وحبه له ، ومن أحبه الله فاز وأفلح " الخلق عيال الله ، وأحبهم إلى الله أنفعهم لعياله " . وكما تدين تدان : فمن أحسن إلى عباد الله أحسن الله إليه .
5)
"وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ." احذر إنفاق المال على غير الوجه المشروع فهو من الفساد ، وعاقبة الفساد متعدي لغير صاحبه قال تعالى :نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلةوَٱتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِنقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة.


اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه،واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين ،وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

وأصلي وأسلم على خاتم النبين والمرسلين صلى الله عليه وآله وصحبه ومن تبعه بإحسان إلى يوم الدين .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.


رد مع اقتباس
  #37  
قديم 18 جمادى الآخرة 1438هـ/16-03-2017م, 07:56 PM
هبة الديب هبة الديب غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,274
افتراضي مسودة عمل.

رسالة تفسيرية
في قوله تعالى : {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)
فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}.

تقديم مجموعة الزهراوين:
(فاطمة الزهراء أحمد،هبة الديب ميسر ياسين)


{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (208)
}


يخاطب المولى عز وجل في هذه الآية الكريمة عباده المؤمنين ويأمرهم بما يصلح حالهم في دنياهم وآخرتهم ، وينجيهم من كيد عدوهم المبين.

وجاء في سبب نزولها روايتين :

الأولى هي قول ابن عباس: «نزلت الآية في أهل الكتاب»، والمعنى يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى ادخلوا في الإسلام بمحمد كافة، ورجح هذا القول ابن كثير .

والثانية :هي قول عكرمة أنّها نزلت في نفرٍ ممّن أسلم من اليهود وغيرهم، كعبد اللّه بن سلامٍ، وثعلبة وأسد بن عبيد وطائفةٍ استأذنوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في أن يسبتوا، وأن يقوموا بالتّوراة ليلًا. فأمرهم اللّه بإقامة شعائر الإسلام والاشتغال بها عمّا عداها.وعلق على هذا ابن كثير رحمه الله فقال : وفي ذكر عبد اللّه بن سلامٍ مع هؤلاء نظرٌ، إذ يبعد أن يستأذن في إقامة السّبت، وهو مع تمام إيمانه يتحقّق نسخه ورفعه وبطلانه، والتّعويض عنه بأعياد الإسلام.ذكر هذا ابن كثير .


" يأيها الذين ءامنوا ادخلوا في السلم كافة "
-
 المخاطب في هذه الآية:

المخاطب فيها سيكون على حسب حمل اللفظ ،فإذا قلنا أن معنى السلم هو الإسلام، فالمخاطبون هم:جميع المؤمنين بمحمد صلى الله عليه وسلم، ويكون المعنى هو : أمرهم بالثبوت فيه والزيادة من التزام حدوده، وبذلك يشمل كافة المؤمنين وجميع أجزاء الشرع، فتكون الحال من شيئين، وذلك جائز، نحو قوله تعالى: فأتت به قومها تحمله [مريم: 27]، إلى غير ذلك من الأمثلة.


2- أن يكون : المخاطب من آمن بالنبي من بني إسرائيل كعبد الله بن سلام وغيره». وذلك أنهم ذهبوا إلى تعظيم يوم السبت وكرهوا لحم الجمل وأرادوا استعمال شيء من أحكام التوراة وخلط ذلك بالإسلام فنزلت هذه الآية فيهم، فكافة على هذا لإجزاء الشرع فقط. قاله عكرمة ،وذكره ابن عطية .

- 
القراءات في السلم :
وردت قراءات في السِلم ، فقرأ ابن كثير ونافع والكسائي «السلم» بفتح السين، وقرأ الباقون بكسرها في هذا الموضع، فقيل: هما بمعنى واحد، يقعان للإسلام وللمسالمة.
وقال أبو عمرو بن العلاء: «السّلم بكسر السين الإسلام، وبالفتح المسالمة»، وأنكر المبرد هذه التفرقة، ورجح الطبري حمل اللفظة على معنى الإسلام.
ويقال: السّلم، والسّلم، والسّلم، وقد قرئ به:{ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام}.

- وفِي المراد بالسلم أقوال :

1- ما جاء عن العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، وطاوسٍ، والضّحّاك، وعكرمة، وقتادة، والسّدّي، وابن زيدٍ، في قوله: {ادخلوا في السّلم} يعني: الإسلام .

2- وقال الضّحّاك، عن ابن عباس، وأبو العالية، والربيع بن أنس: {ادخلوا في السّلم} يعني: الطّاعة.
3- وقال قتادة أيضًا: الموادعة.
و الدخولُ نقيض الخروج، ويستعمل ذلك في المكان والزمان، ويقال: دخل مكان كذا؛ قال تعالى: ﴿ ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ ﴾ [البقرة: 58]، ﴿ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [النحل: 32][1].

- 
ومعنى الدخول في السلم على قولين :

1- من يرى أنه الإسلام :
فيجوزأن يكون معنى ادخلوا في السلم أي:ادخلوا في السلم كله، أي: في جميع شرائعه.
وقيل :ادخلوا في شرائع دين محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم ولا تدعوا منها شيئًا وحسبكم بالإيمان بالتّوراة وما فيها.

2-وأما من يراها المسالمة فيقول: أمرهم بالدخول في أن يعطوا الجزية، .
ورجح الطبري حمل اللفظة على معنى الإسلام، لأن المؤمنين لم يؤمروا قط بالانتداب إلى الدخول في المسالمة، وإنما قيل للنبي صلى الله عليه وسلم أن يجنح للسلم إذا جنحوا لها، وأما أن يبتدىء بها فلا.كما ذكر ذلك ابن كثير .
ومعنى كافة والمراد بها :
كافة : نعت لمصدر محذوف، كأن الكلام: دخله كافة، فلما حذف المنعوت بقي النعت حالا. 
و المراد بها :الجماعة التي تكف مخالفها.كما ذكر ابن عطية رحمه الله.


" ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين "


(خطوات}جمع خطوة، وفيها ثلاث لغات:
خطوات، وخطوات، وخطوات. 
وجاءت الألف واللام في الشّيطان للجنس، فاللفظ يشمل جميع الشياطين .
والمراد بالنهي عن اتباع الشيطان : 
العمل بالطاعة واجتناب آثاره ونزغاته ، واتباعه يكون بترك شيىء من شرائع الإسلام وأوامره وإتيان نواهيه وزواجره .
والعدو يقع على الواحد والاثنين والجميع، ومبينٌ يحتمل أن يكون بمعنى أبان عداوته وأن يكون بمعنى بان في نفسه أنه عدو، وذلك لأن العرب تقول: بان الأمر وأبان بمعنى واحد). كما ذكر ابن عطية .


- مناسبة وصف الشيطان بأنه مبين :

لأنه عدو ظاهر العداوة . قال مطرّف: أغشّ عباد اللّه لعبيد اللّه الشيطان.ذكره ابن كثير.

- 
ولهذه الآية فوائد جليلة منها :


⁃
إرشاد الله عباده للدخول في دينه واتباع شرائعه وهديه

.
⁃
الأمر بالاجتماع على طاعة الله والالتزام بجماعة المؤمنين.


⁃
التحذير من اتباع خطوات الشيطان ،وبيان أن له خطوات وبذلك يستدرج العبد للوقوع في حباله.


⁃
بيان أن الشيطان عدو ظاهر بانت عداوته لبني ءادم ،وأنه لا يريد منهم إلا الزيغ والضلال.

••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••••

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (209)}
لما بيّن تعالى الأدلة على عظمته واستحقاقه للتوحيد ،وذكر نماذج من أصناف الناسن وحذّر من اتباع طريق الشيطان بإيضاح الطريق الصحيح السليم لهم،بيّن أنّ هناك أمر محتمل وقوعه حيث قال جل وعلا:
{فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ}.

- معنى الزلل في اللغة :

الزلل من زلّ يزلّ زلا وزللا جميعا، ومزلّة، وزل - في الطين ليلا،وأصله الزلَق :أي اضطراب القدَم وتحركها في الموضع المقصود إثباتها به،و تستعمل هذه اللفظة في الاعتقادات والآراء وغير ذلك،وهو حاصل قول الزجاج وابن عطية وابن عاشور.
ولها في القراءات وجهان:
1: بفتح اللام «زللتم» وهي قراءة جمهور من الناس.
2: بكسر اللام «زللتم» قرأها أبو السمال.

- المراد بالزلل .
فـي تأويـل قوله:{ فإنْ زَلَلْتُـمْ} قولان:
1: أي :ضللتم ؛ذكره السدي عن أسباط عن عمرو عن موسى بن هارون ؛ذكر ذلك الطبري.
2: أي : الشرك؛ وهو قول ابن عباس وذكره الطبري.
و المعنى إن تنحيتم وأخطأتم وضللتم عن القصد والشرائع اللذان هما الحق الذي أنزل من عند الله تعالى فاعلموا أنّ الله عزيز حكيم .

- بلاغة التعبير بقوله زللتم :
ذكر ابن عاشور وجه البلاغة في استعمال لفظة الزلل فبيّن أنّه اسُتعمل مجازا في الضُّر الناشىء عن اتباع الشيطان، وهو من باب بناء التمثيل على التمثيل؛ فقال:( لما شبهت هيئة من يعمل بوسوسة الشيطان بهيئة الماشي على أثر غيره شبه ما يعتريه من الضر في ذلك المشي بزلل الرجل في المشي في الطريق المزلقة، وقد استفيد من ذلك أن ما يأمر به الشيطان هو أيضاً بمنزلة الطريق المزلقة على طريق المكنية وقوله: {زللتم} تخييل وهو تمثيلية فهو من التخييل الذي كان مجازاً والمجاز هنا في مركبه.) اهـ.

وأما المجيء بالشرط (إن) في قوله تعالى:{ فإن زللتم }فله احتمالين:
1:إما لندرة حصول هذا الزلل من الذين آمنوا .
2:أو لعدم رغبة المتكلم في حصوله وذلك إن كان الخطاب لمن آمن بظاهره دون قلبه.

-المراد بالبينات.
قال تعالى:{فَإِنْ زَلَلْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْكُمُ الْبَيِّنَاتُ}،أي ظهرت لكم الأدلة والمعجزات،فالمراد بالبينات هنا على قولين بحسب المخاطب في الآية :
* القول الأول: محمد وآياته ومعجزاته بما فيها القرآن؛ إذا كان الخطاب أولا لجماعة المؤمنين .قاله السّدي وابن جريج .
* القول الثاني: ما ورد في شرائع أهل الكتاب من الإعلام بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم والتعريف به؛وهذا إن كان الخطاب لأهل الكتاب. ذكر هذه الأقوال الطبري و ابن عطية .
وبما أنّ الآية عامة لكل من شمله اسم الإيـمان، فلا وجه لـخصوص بعض بها دون بعض كما بيّنه الطبري ؛فالمراد شامل للمعنيين.

أضاف ابن عاشور حول هذه الآية ما نقله الفخر عن «تفسير القاضي عبد الجبار» فقال:[دلالة لاية على أن المؤاخذة بالذنب لا تحصل إلاّ بعد البيان، وأن المؤاخذة تكون بعد حصول البينات لا بعد حصول اليقين من المكلف، لأنه غير معذور في عدم حصول اليقين إن كانت الأدلة كافية.] اهـ.

- مناسبة ختم الآية بقوله تعالى:{ فاعلموا أنّ الله عزيز حكيم }.

أشار البقاعي في تفسيره نظم الدرر مناسبة رائعة لختام هذه الآية ؛حيث بيّن أنّ الخوف حاملاً قويا على لزوم طريق السلامة،فكان من المناسب قوله جلّ وعلا: {فاعلموا}وذلك لأن العلم أعون شيء على المقاصد التي يسعى لها العبد .

ومن صور البلاغة في قوله تعالى:{فاعلموا}ما ذكره ابن عاشور أنّه (تنزيلاً لعلمهم منزلة العدم؛ لعدم جريهم على ما يقتضيه من المبادرة إلى الدخول في الدين أو لمخالفة أحكام الدين أو من الامتعاض بالصلح الذي عقده الرسول)اهـ.

ثم أخبر تعالى أنّ من عدل عن الطريق الحق الذي أوضحه لعباده فإنه تعالى عزيز في انتقامه ممن خالفه فلايعجزه شيء ولا يعجزونه لأن العزة صفة مقتضية للقدرة؛وهو تعالى حكيم في أفعاله وشرائعه،أي محكم فيما يعاقبكم به لزللكم.
قال أبو العالية وقتادة والرّبيع بن أنسٍ: عزيزٌ في نقمته، حكيمٌ في أمره.
وقال محمّد بن إسحاق: العزيز في نصره ممّن كفر به إذا شاء، الحكيم في عذره وحجّته إلى عباده.ذكر ذلك ابن كثير
حكى النقاش ما يناسب ختام هذه الآية ؛أن كعب الأحبار لما أسلم كان يتعلم القرآن، فأقرأه الذي كان يعلمه: فاعلموا أن الله غفور رحيم، فقال كعب: إني لأستنكر أن يكون هكذا، ومر بهما رجل، فقال كعب: كيف تقرأ هذه الآية؟، فقرأ الرجل: فاعلموا أنّ اللّه عزيزٌ حكيمٌ، فقال كعب: هكذا ينبغي).
ومثل ذلك ما ذكره الطيبي عن الأصمعي قال كنت أقرأ: والسارق والسارقةُ فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالاً من الله والله غفور رحيم، ويجنبي أعرابي فقال كلامُ مَنْ هذا؟ قلت كلامُ الله، قال: ليس هذا كلامُ الله فانتبهتُ فقرأت { والله عزيز حكيم } [المائدة: 38] فقال أصبتَ هذا كلام الله فقلت أتقرأ القرآن؟ قال لا قلت من أين علمت؟ قال يا هذا عزّ فحكم فقطعَ ولو غفر ورحم لما قطع.

- من فوائد هذه الآية:
- لو ترك الناس لعقولهم لفسدت الأرض ولكن من رحمة الله أن أرسل لعباده البينة لتكون حجة عليهم،{فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات}.
- العلم بأسماء الله وما تضمنته من صفات وتدبرها في سياق الآيات دافع قوي للعمل ،لأنّ العلم وحده لا يكفي دون عمل .{فاعلموا أنّ الله عزيو حكيم}.
- {فاعلموا} فيه من الوعيد الشديد على من زلّ بعد ما جاءته البينات .


•••••••••••••••••••••••••••••••••••
تفسير قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ وَالْمَلَائِكَةُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ (210)}
-قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ} :

المخاطب في الآية هو النبي صلى الله عليه.
و(هل )من حروف الابتداء كأما والغرض منها هو التهديد .ذكره ابن عطية وابن كثير
ومعنى (ينظرون ):ينتظرون والمراد هؤلاء الذين يزلونذكره ابن عطية

في تفسير قوله تعالى { إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ }عدة أقوال وهي:

1-قول أهل اللغة بأن الله سيأتيهم بما وعدهم من العذاب،والوعيد والحساب كما قال: {فأتاهم اللّه من حيث لم يحتسبوا} أي: آتاهم بخذلانه إياهم.
2-أن يأتيهم حكم الله وأمره ونهيه وعقابه إياهم، وأن هذا التوعد هو بما يقع في الدنيا،قاله ابن جريج وغيره
3-أن الله سيأتي يوم القيامة، لفصل القضاء بين الأوّلين والآخرين، فيجزي كلّ عاملٍ بعمله، إن خيرًا فخيرٌ، وإن شرًّا فشرٌّ، اومما يؤيد هذا القول قوله تعالى: {هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي ربّك أو يأتي بعض آيات ربّك يوم يأتي بعض آيات ربّك} الآية [الأنعام: 158].كما يؤيده حديث الإمام أبو جعفر بن جرير حديث الصّور عن أبي هريرة، عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم. : "أنّ النّاس إذا اهتمّوا لموقفهم في العرصات تشفّعوا إلى ربّهم بالأنبياء واحدًا واحدًا، من آدم فمن بعده، فكلّهم يحيد عنها حتّى ينتهوا إلى محمّدٍ، صلوات اللّه وسلامه عليه، فإذا جاؤوا إليه قال: أنا لها، أنا لها. فيذهب فيسجد للّه تحت العرش، ويشفع عند اللّه في أن يأتي لفصل القضاء بين العباد، فيشفّعه اللّه، ويأتي في ظلل من الغمام بعد ما تنشقّ السّماء الدّنيا، وينزل من فيها من الملائكة، ثمّ الثّانية، ثمّ الثّالثة إلى السّابعة، وينزل حملة العرش والكروبيّون، قال: وينزل الجبّار، عزّ وجلّ، في ظلل من الغمام والملائكة، ولهم زجل من تسبيحهم يقولون: سبحان ذي الملك والملكوت، سبحان ربّ العرش ذي الجبروت سبحان الحيّ الذي لا يموت، سبحان الذي يميت الخلائق ولا يموت، سبّوح قدّوسٌ، ربّ الملائكة والرّوح، قدّوسٌ قدّوسٌ، سبحان ربّنا الأعلى، سبحان ذي السّلطان والعظمة، سبحانه أبدًا أبدًا".
وقال أبو جعفرٍ الرّازيّ، عن أبي العالية أن الملائكة يجيئون في ظللٍ من الغمام، واللّه تعالى يجيء فيما يشاء .ذكره ابن كثير

-معنى قوله تعالى :{فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ}:
{ظلل} :جمع ظلّة. وهي ما أظل من فوق،وقال عكرمة: ظللٍ طاقات ذكره ابن عطية
وقرأ قتادة والضحاك «في ظلال»،ذكره ابن عطية
الغمام فيها أقوال متماثلة فهو أرق السحاب وأصفاه وأحسنه، وهو الذي ظلل به بنو اسرائيل ذكره ابن عطية وقال النقاش: «هو ضباب أبيض»، وفي قراءة ابن مسعود «إلا أن يأتيهم الله والملائكة في ظلل من الغمام»، وقال زهير بن محمّدٍ، : ظللٌ من الغمام، منظومٌ من الياقوت مكلّل بالجوهر والزبرجد.وقال مجاهدٍ أنه غير السّحاب، ولم يكن قطّ إلّا لبني إسرائيل في تيههم حين تاهوا.كما ذكر ابن عطية

-أما الملائكة فيها قراءتان: فمن قرأها بالضم فالمعنى ينظرون إلا أن يأتيهم اللّه والملائكة، ومن قرأها بالكسر فالمعنى هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام وظلل من الملائكة، والرفع هو المشهور المختار عند أهل اللغة في القراءة كما ذكر الزجاجوالوعيد بالملائكة هو بإتيانهم عند الموت ذكره ابن عطية

-معنى قوله تعالى : (وقضي الأمر ):
أي وقع الجزاء وعذب أهل العصيان .وفرغ لهم ما كانوا يوعدون.ابن عطية وابن كثير
وقرأمعاذ بن جبل «وقضاء الأمر»، وقرأ يحيى بن يعمر «وقضى الأمور» بالجمع، وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي «ترجع» على بناء الفعل للفاعل، وقرأ الباقون «ترجع» على بنائه للمفعول، ذكره ابن عطية.

-سبب تخصيص رجوع الأمور يوم القيامة وهي راجعة إليه تعالى قبل وبعد:

1-الإعلام في أمر الحساب والثواب والعقاب، أي إليه تصيرون فيعذب من يشاء ويرحم من يشاء.ذكره الزجاج.
2-أن الملوك تفقد ماكانت تت
متع به من بعض أمر في الدنيا فيزول في هذا اليوم ويعود الأمر كله لله .ذكره ابن عطية.

- هذا والله تعالى وأعلم -


رد مع اقتباس
  #38  
قديم 24 جمادى الآخرة 1438هـ/22-03-2017م, 06:11 PM
هبة الديب هبة الديب غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 1,274
افتراضي

🔵 من أحكام الطّلاق في سورة البقرة 🔵

إعداد مجموعة الزهراوين
(فاطمة الزهراءأحمد،ميسر ياسين، هبة الديب)



بِسْم الله الرحمن الرحيم 
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين ، القائل " خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهله " فقد كان عليه الصلاة والسلام القدوة والأسوة الحسنة في التعامل مع النساء خصوصا زوجاته أمهات المؤمنين ،فكان لهن بمثابة الأب الرحيم والأخ الشفيق والزوج الحبيب ، وذلك طاعة منه لأمر الخالق الرحيم إذ يقول :" ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة " ،وقوله : " و أخذن منكم ميثاقا غليظا"، فجعل الله عز وجل ميثاق الزواج ميثاقا غليظا ،وأمر ألا يستهان به ، وفِي بعض الأحيان تمر عاصفة على الحياة الزوجية ،ويشاء الله عز وجل أن ينفصل عراها وتنقطع أوصالها ،وفِي هذه الحال جعل لنا آدابا يجب احترامها وأحكاما يجب تطبيقها ونهانا عن تجاوزها ،وهي إما الإمساك بمعروف أو التسريح بإحسان ،حتى تبقى حياتنا قائمة على الإحسان والفضل فيما بيننا ولا يجد الشيطان سبيلا إلينا ، وسنتناول في هاتين الآيتين الكريمتين بعضا من هذه الأحكام والآداب والاخلاق الكريمة .

قَالَ تعالى : {وإذا طلّقتم النّساء فبلغن أجلهنّ فأمسكوهنّ بمعروف أو سرّحوهنّ بمعروف ولا تمسكوهنّ ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوا واذكروا نعمت اللّه عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بكلّ شيء عليم}.( البقرة 231)

مجموعة من الأحكام والوصايا في حال الطلاق الرجعي أمر الشارع الحكيم الزوج العمل بها حيث قال جلّ وعلا :{وإذا طلّقتم النّساء فبلغن أجلهنّ }في حال حصل الطلاق منك أيها الزوج،وبلغت المرأة أجلها ؛أي قاربت بلوغه وذلك بدلالة السياق على المعنى، فلو كان المعنى انقضائه فلا خيار للزوج بعد ذلك في الإمساك، وقد بيّن ذلك في موضع آخر من كتاب الله دل عليه بقوله ذلك:{وبعولتهنّ أحق بردهنّ في ذلك} البقرة /228، فذلك إشارة لزمن العدّة .
وقد وقّت الله تعالى مواقيت للنساء كل بحسب حالها:فإن كانت من أهل الأقراء فقد وقّت الله تعالى لها ثلاثة أقراء، وإن كانت من أهل الأشهر ،وقّت الله تعالى لها إنقضاء الشهور، و الأجل في كلام العرب يطلق
على المدة التي يمهل إليها الشخص في حدوث حادث معين، ومنه قوله:{ أيما الأجلين قضيت }.

فإذا
شارفت عدتها من الطلاق الرجعي على الانقضاء،ولَم يبق منها إلا قدرا يسيرا،جاء الأمر بالإحسان في اتخاذ القرار،فوُضع الزوج أمام خيارين في هذه الحالة : الخيار الأول:إما أن يعيدها إلى عصمة نكاحه بمعروف، وأراد به أن يشهد على رجعتها، وينوي عشرتها بالمعروف،وهو ما جاء في قوله تعالى :{
فأمسكوهنّ بمعروف }، فالإمساك بالشيء إبقاؤه والتعلق به، والمراد إبقائها في عصمته.
الخيار الثاني للزوج:
في قوله تعالى:{ أو سرّحوهنّ بمعروف } ،ذكر ابن أبي حاتم ماجاء عن يزيد بن أبي حبيب أنّ التسريح في كتاب الله هو الطلاق،وقوله بمعروف:أي بطاعة الله إذا اغتسلت من حيضتها الثالثة، قاله مقاتل وعلي بن الحسين وذكره ابن أبي حاتم.
فيتركها حتّى تنقضي عدتها، ثم يخرجها من منزله بالتي هي أحسن، من غير شقاق ولا مخاصمة ولا تقابح، ويوفيها تمام حقها الملزم عليه من مهر ونفقة ومتعة.

🔵 مناسبة تقيد التسريح بالمعروف في هذا الموضع:
تطرق ابن عاشور في تفسيره لهذه المسألة ، فقارن بين هذا الموضع وهو قوله تعالى :{أو سرحوهنّ بمعروف}، والموضع السابق { أو تسريح بإحسان} ،

فقيّد هذا الموضع بالمعروف، والموضع السابق قيّده بالإحسان؛مشيرا إلى احتمالين:
( الاحتمال الأول:
أن الإحسان المذكور هنالك، هو عين المعروف الذي يعرض للتسريح، فلما تقدم ذكره لم يُحتج هنا إلى الفرق بين قيده وقيد الإمساك.

الاحتمال الثاني: أن إعادة أحوال الإمساك والتسريح هنا ليبنى عليه النهي عن المضارة، والذي تخاف مضارته بمنزلة بعيدة عن أن يطلب منه الإحسان، فطلب منه الحق، وهو المعروف الذي عدم المضارة من فروعه، سواء في الإمساك أو في التسريح، ومضارة كل بما يناسبه).اهـ

🔵 التصريح بالنهي عن المضارة .
وقوله تعالى :
{ولا تمسكوهنّ ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه}كان لهذه الآية سبب نزول ذكره ابن أبي حاتم بسنده عن ابن عبّاس:كان الرجل يطلق امرأته ثم يراجعها قبل انقضاء عدتها ثم يطلقها فيفعل بها ذلك يضارها ويعضلها، فأنزل الله الآية{ولا تمسكوهنّ ضرارا لتعتدوا }البقرة/ 231، وبه قال مجاهدٌ، ومسروقٌ، والحسن، وقتادة، والضّحّاك، والرّبيع، ومقاتل بن حيّان وغير واحدٍ،وذكره ابن كثير.
وروي عن الضحاك والربيع بن أنس:(راجعها رجاء أن تختلع منه بمالها ) ذكره ابن أبي حاتم.

فعلة الخطاب هو نهي الرجل أن يطول العدة على المرأة مضارّة منه لها، بأن يرتجع قرب انقضائها ثم يطلق بعد ذلك،
فطلب منه أن يتركها حتى تنقضي عدتها وتكون أملك لنفسها حينئذ فتقرر الرجعة إليه أم لا .

🔵 الوعيد لمن خالف أمر الله تعالى .
توعّد الله تعالى من يخالف أمره بأنه سيتعرض للعذاب، {ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه}،الظلم في اللغة :وضع الشيء في غير محلّه، وظلمه لنفسه أن عرّضها للعذاب، وكذلك بظلمه لزوجته، فاختلّ بسوء فعله حال بيته وعشرته لزوجته .

🔵 في قوله تعالى: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوا }.
ذكر ابن كثير عن أبي حاتم ماجاء في هذه الآية من قول الحسن، وقتادة، وعطاءٌ الخراسانيّ، والرّبيع، ومقاتل بن حيّان: هو الرّجل يطلّق ويقول: كنت لاعبًا أو يعتق أو ينكح ويقول: كنت لاعبًا. فأنزل اللّه: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} فألزم اللّه بذلك
.
وعن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: طلّق رجلٌ امرأته وهو يلعب، لا يريد الطّلاق؛ فأنزل اللّه: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} فألزمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الطّلاق.

وعن عبادة بن الصّامت، في قول اللّه تعالى: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} قال: كان الرّجل على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول للرّجل زوّجتك ابنتي ثمّ يقول: كنت لاعبًا. ويقول: قد أعتقت، ويقول: كنت لاعبًا فأنزل اللّه: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ثلاث من قالهنّ لاعبًا أو غير لاعبٍ، فهنّ جائزات عليه: الطلاق، والعتاق، والنكاح".
آيات الله : ما في القرآن من شرائع المراجعة التي بيّن لكم من دلالاته وعلاماته في أمر الطلاق .
الهزء من هزأ أي سخر ولعب ويُراد به الاستخفاف وعدم الرعاية.

وخلاصة المراد في قوله تعالى: " ولا تتخذوا آيات الله هزوا" كما ذكره ابن أبي حاتم في تفسيره؛ قولان:

1-
هو الرّجل يطلّق ويقول: كنت لاعبًا أو يعتق أو ينكح ويقول: كنت لاعبًا. فأنزل اللّه: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} فألزم اللّه بذلك.قاله الحسن، وقتادة، وعطاءٌ الخراسانيّ، والرّبيع، ومقاتل بن حيّان كما ذكر ابن كثير عن ابن حاتم.
- وعن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: طلّق رجلٌ امرأته وهو يلعب، لا يريد الطّلاق؛ فأنزل اللّه: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} فألزمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم الطّلاق.

-
عن عبادة بن الصّامت، في قول اللّه تعالى: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} قال: كان الرّجل على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول للرّجل زوّجتك ابنتي ثمّ يقول: كنت لاعبًا. ويقول: قد أعتقت، ويقول: كنت لاعبًا فأنزل اللّه: {ولا تتّخذوا آيات اللّه هزوًا} فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ثلاث من قالهنّ لاعبًا أو غير لاعبٍ، فهنّ جائزات عليه: الطلاق، والعتاق، والنكاح".
-
عن أبي هريرة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ثلاثٌ جدّهنّ جدٌّ، وهزلهنّ جدٌّ: النّكاح، والطّلاق، والرّجعة".رواه أبي داوود والترمذي وابن ماجه. وقال التّرمذيّ: حسنٌ غريبٌ.


2- إمساك الزوجة في عدتها بقصد الإضرار.
(عن أبي الضحى، مسروق، مثله، يعني قوله: {ولا تمسكوهن ضرارا} قال: أن يطلقها حتى إذا كادت أن تنقضي عدتها راجعها ولا يريد إمساكها ويحبسها لذلك، ويريد الإضرار. فذلك الذي يضار، وذلك الذي يتخذ آيات الله هزوا) ذكره ابن أبي حاتم.

🔵 التذكير بنعمة الإسلام .
{واذكروا نعمت اللّه عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به واتّقوا اللّه واعلموا أنّ اللّه بكلّ شيء عليم}.
يذكّر الله تعالى عباده بما أنعم عليهم بعد إذ كانوا في الجاهلية بما أرسل إليهم من رسول وأنزل معه من الكتاب والحكمة؛والحمة السّنة فهي الشارحة للقرآن والمفسّرة له، (يعظكم به)
أي فيه أمره ونهيه وتوعده لمن خالف أمره، وفيه من الوعظ ما تلين به القلوب.

ثم دعى جلّ وعلا للتقوى فيما أمر ونهى؛ ونبّه على أمر عظيم بقوله :{ واعلموا أنّ الله بكل شيء عليم } عالم بكل ما تعملونه ظاهره وباطنه، فناسب ختم الآية ب
صفة العليم لأنها تقتضي العلم بما تقدم من الأفعال التي ظاهرها خلاف النية فيها، كالمحلل والمرتجع مضارة، فهو لا يخفى عليه شيءٌ من أموركم السّرّيّة والجهريّة، وسيجازيكم على ذلك كله.

*&*&*&*&*&*&*&*&*&*&*&* *&*&*&*&*&*&*&*&*&*&*&*

لم تكن عناية الله تعالى مقتصرة على ال
نهي عن الضرار في العصمة وما بعدها في العدة، بل أتبعه تعالى بالنهي عن المضارة فيما بعد الفراق وبيّن أحكامه.
قال تعالى :{وإذا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (232)}.

كان في سبب نزول هذه الآية أنّ رجلا كان له أخت قد تزوجت من ابن عم لها ثم طلقها وبعد انقضاء عدتها أراد خطبتها مرة أخرى فمنعها أخوها، فنزلت الآية، وقد اختلف في هذا الرجل على أقوال ذكرها ابن جرير.
-القول الأول: أنه معقل بن يسار:
عن الـحسن، عن معقل بن يسار، قال: كانت أخته تـحت رجل فطلقها ثم خلا عنها حتـى إذا انقضت عدتها خطبها، فحَمِيَ معقل من ذلك أَنَفـاً وقال: خلا عنها وهو يقدر علـيها فحال بـينه وبـينها. فأنزل الله تعالـى ذكره: {وَإذَا طَلّقْتُـمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فَلا تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنّ إذَا تَراضَوْا بَـيْنَهُمْ بـالـمَعْرُوفِ}. وكذلك روي عن مجاهد وقتادة وعكرمة وغيرهم كما ذكر ابن جرير بأسانيد متنوعة.

- القول الثاني: أنها نزلت في جابر بن عبدالله لأنصاري.
عن السدي:{ وَإذَا طَلّقْتُـمُ النِّساءَ فَبَلَغْنَ أجَلَهُنّ فَلا تَعْضُلُوهُنّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْواجَهُنّ إذَا تَراضَوْا بَـيْنَهُمْ بـالـمَعْرُوفِ}. قال: نزلت فـي جابر بن عبد الله الأنصاري، وكانت له ابنة عم فطلقها زوجها تطلـيقة، فـانقضت عدتها، ثم رجع يريد رجعتها، فأما جابر فقال: طلقت ابنة عمنا ثم تريد أن تنكحها الثانـية وكانت الـمرأة تريد زوجها قد راضته، فنزلت هذه الآية.


- القول الثالث:أنها نزلت دلالة علـى نهي الرجل عن مضارّة ولـيته من النساء، يعضلها عن النكاح:

عن ابن عبـاس قوله:{ فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أنْ يَنْكِحْنَ أزْوَاجَهُنَّ} فهذا فـي الرجل يطلق امرأته تطلـيقة أو تطلـيقتـين فتنقضي عدّتها، يبدو له فـي تزويجها وأن يراجعها، وتريد الـمرأة، فـيـمنعها أولـياؤها من ذلك، فنهى الله سبحانه أن يـمنعوها.
وهذا القول رجّحه ابن جرير ، وقال أنه يجوز أن تكون الآية قد نزلت في أمر معقل بن يسار وأخته أو في أمر جابر بن عبدالله وابنة عمّه لدلالة الآية على ما ذكره .
{وإذا طَلَّقْتُمُ النّساء}: مفهوم الخطاب للأزواج .

🔵المراد ببلوغ الأجل في سياق الآية .
قال تعالى: {
فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ}،يختلف المراد ببلوغ الأجل عما سبق،ففي الآية السابقة كان المراد اقتراب انتهاء العدّة،أما في هذه الآية يعني انقضائها .

وقوله تعالى:{فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ}
🔵معنى العضل لغة.
العضل من عضِل يعضَلُ، أو عضَل يعضُل على اختلاف لغتها بين أحياء العرب ؛ والعضل هو التضييق والتعسير، ومنه تقول العرب عضلت الدجاجة، فهي معضل، أي إذا احتبس بيضها ولم يخرج ، ويقال أيضاً عضلت الناقة فهي معضل إذا احتبس ما في بطنها والداء العضال العسير البرء ،وأضاف ابن جرير قول عمر رحمة الله علـيه: «وقد أعضل به أهل العراق، لا يرضون عن وال، ولا يرضى عنهم وال»، ومعناه حمله على أمر شديد لا يطيق القيام به .
ويقال: داء عُضال، وهو الداء الذي لا يطاق علاجه لضيقه عن العلاج، وتـجاوزه حدّ الأدواء التـي يكون لها علاج.
قال ذي الرمة:
ولَـمْ أقْذِفْ لـمُؤْمِنَةٍ حَصَانٍ بإذْنِ اللَّهِ مُوجِبَةً عُضَالا.
والمراد به في الآية التضييق على الزوجة في عودتها لزوجها .

اختلف في المخاطب في قوله تعالى :{فلا تعضلوهنّ} على أقوال :
1: هم الأولياء ،ذكره الطبري والزجاج وابن كثير.

وعللّ الزجاج على ذلك:(أنّ المطلّقة التي تراجع إنما هي مالكة بضعها إلا أن الولي لا بد منه)اهـ.
فالمعنى أي تمنعوهنّ وتحبسوهنّ من أن ينكحن أزواجهنّ،ذكر هذا القول الزجاج وابن كثير في تفسيرهما.
2: وقيل خطاب للمؤمنين ومنهم الأولياء والأزواج وقيل؛ الأزواج الذين كنّ في عصمتهم ،ذكر هذا القول ابن عطية .
وسبب
القول بأن الخطاب للأزواج يدخل في المراد ،هو أنهم يضاروهنّ بإرجاعهن، لمنعهن عن نكاح غيرهم.وهذا القول ذكره ابن عطية.
والقول بأنّ المخاطب الوليّ أظهر لدلالة السياق .


{ بالمعروف}أي بمهر وشهود جديدين إذا تراضوا فيما بينهما .


{ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ}
ذلك:
أي قبول الولي رد وليته إلى زوجها إذا تراضوا بينهم بالمعروف.قاله الزجاج وابن عطية وابن كثير .
وفي مرجع اسم الإشارة ذلك قولان:

١- أن الخطاب لجميع المسلمين لأن اسمي الإشارة ذلك وذلكم يستخدمان لمخاطبة الجميع، فالجميع لفظه لفظ واحد ، ذكره الزجاج .
٢-أن الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ثم رجوع إلى خطاب الجماعة في قوله :{ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ}
والوعظ:اهزاز النفس وبمثابة الوعيد لمن خالف الأمر ،فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر يأتمر ويتعظ إيمانا بشرع الله تعالى ومخافة وعيده.

{ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ }.
ذلكم:
أي ترك العضل واتّباعكم شرع اللّه في ردّ الموليات إلى أزواجهنّ،{أزكى لكم وأطهر} :أي أطيب للنفس وللقلوب وأطهر للعرض والدين ،لأنّه تعالى عِلم ما فيه الصلاح لكم في عاجلكم وآجلكم، وما في من المصالح في الأوامر والنواهي لا تدركونها ولا تعلمون الخير في أفعالكم وذلك بسبب العلاقات التي تكون بين الأزواج، وربما لم يعلمها الولي فيؤدي العضل إلى الفساد والمخالطة على ما لا ينبغي .وهو حاصل ما ذكره ابن عطية وابن كثير .

🔵 الأحكام الفقهية المستنبطة من الآية :
o يحل العقد بعد انقضاء عدة البائن بينونة كبرى .{فبلغن أجلهنّ}.
o وجود الولي شرط للنكاح مع أن المطلقة هي مالكة بضعها إلا أنه لا بد من وليها.{فلا تعضلوهنّ أن ينكحن أزواجهنّ }،وكما جاء في الحديث: لا تزوّج المرأة المرأة، ولا تزوّج المرأة نفسها، فإنّ الزّانية هي الّتي تزوّج نفسها. وفي الأثر الآخر: لا نكاح إلّا بوليٍّ مرشدٍ، وشاهدي عدلٍ أنّ المرأة لا تملك أن تزوّج نفسها، كما قاله التّرمذيّ وابن جريرٍ عند هذه الآية، خلاف قول أبي حنيفة إن الولي ليس من شروط النكاح،ذكره الزجاج وابن عطية وابن كثير،ولو أنّ المرأة تملك نفسها حينئذ لم يكن للعضل معنى .
o الرضا شرط من شروط عقد النكاح :{إذا تراضوا}.
o يُحرم على الولي منع موليته إذا رضيت بالعودة بزوجها السابق. قوله: {إذا تراضوا بينهم بالمعروف} .
o المفهوم من قوله تعالى
{إذا تراضوا بينهم بالمعروف} يحق للولي أن يمنع وليته من العودة لزوجها،إذا رأى أن المراجعة ستعود إلى دخل وفساد نصحا لها .



____________________
قائمة المصادر والمراجع:
تفسير ابن أبي حاتم.
تفسير الطبري.
تفسير الزجاج.
تفسير ابن عطية.
تفسير ابن كثير .
تفسير ابن عاشور .
نظم الدرر في تناسب الآيات والسور للبقاعي .


رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الطالبة, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:34 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir