دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > برنامج إعداد المفسر > خطة التأسيس في التفسير > صفحات الدراسة

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #26  
قديم 16 ربيع الثاني 1436هـ/5-02-2015م, 05:54 AM
الصورة الرمزية إسراء خليفة
إسراء خليفة إسراء خليفة غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 1,182
افتراضي

الأسئلة:
س1: بيّن أهميّة البناء العلمي في مسيرة طالب العلم ، ومثل لعناية العلماء به.
أهميّة البناء العلمي
- هي لب التحصيل العلمي بعد إتمام مهارات التأسيس العلمي.
- من خلال هذه المرحلة يكون الطالب ذا قدرة عالية على التصنيف يمر على المسألة فيصنفها سريعا، هذه مثلا علوم قرآن، وهذه تفسير، وهذه قراءات وهكذا.
- أحد أسباب سرعة التحصيل لطالب العلم، وهي كذلك تحتاجه، وأفضل أوقاتها فترة الشباب واوائل الطلب.
صور لعناية العلماء به
- كان للعلماء عناية بالغة بالبناء العلمي - وإن لم يكن يسمى بهذا الاسم.
- كانوا يجمعون مسائل العلم ويصنوفنها على حسب عنايتهم بالعلم.
- فكان أهل الحديث لهم أصول خاصة بهم:
الإمام أحمد استخرج المسند من سبعمائة ألف حديث.
الإمام مسلم صنف الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموع.
ابو داود السجستاني - صاحب السنن - كتب عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" خمسائة ألف حديث انتخب منها ما ضمنه كتاب السنن.
- بعض العلماء يظهر من كلامه وفتاويه أن له أصل علمي كبير:
الإمام الدارقطني صاحب كتاب العلل طبع في 20 مجلدا، وكان يحصر الطرق التي جاء بها الحديث،وهذا لا يمكن إلا بجمع وترتيب وتصنيف ولا يحصل هذا بقراءة متفرقة بمجرد السمع.
كان يحيى بن معين يقول: إذا كتبت فقنش وإذا حدثت ففتش، يعنى اكتب ما يقع عليه نظرك لكن عند التحديث والفتوى يجب التمييز بين الصحيح والضعيف.
-ولم تكن هذه الطريقة مقتصرة على أهل الحديث فقط، ففي التفسير:
وقف ابن تيمية على 25 تفسيرا مسندا ولخص أقوال السلف على جميع القرآن وجعلها أصلا لديه.
لازم فرحون المالكي تفسير ابن عطية حت كاد يحفظه.
- وكذلك اللغوين لهم طرقهم في البناء العلمي:
أبو العباس أحمد بن يحيى من أئمة اللغة أقبل على كتب الفراء ولم يعاصره، فقد كان الفراء من شيوخ شيوخه.
- وفي الفقه:
أقبل أبو بكر الخلال على جمع مسائل الإمام أحمد من تلاميذه ومن الصحف المتفرقةن ثم قام بترتيبها وتصنيفها فكانت كتبه من أهم مراجع الحنابلة.
وكذلك فعل الفقيه الحنبلي المفلح في مسائل الإمام أحمد، فكان له براعة حسنة في ترتيبها وتصنيفها ومعرفة حسنة بمصادرها، وكانت له ملكة حسنة فتمييز ما يُنقل عن الإمام أحمد ومعرفة خطأ ما ينسب إليه.


س2: الأصول العلمية على أنواع اذكرها ، ومثّل لكل نوع بمثال.
النوع الأول: أن يتخذ الطالب أصلا ( متنا ) في العلم الذي يدرسه ويدمن قراءته حتى يحفظه من كثرة المراجعة، ويستخرج مسائله ةيختار كتابا يمتاز بحسن التحرير وكثرة المسائل.
مثاله: مثل ما فعل الشيخ عبد الرزاق عفيفي، فعلى الرغم من صغر مكتبته إلا أنه حسن القراءة مجيدا لما يقرأ فكان نائب رئيس هيئة كبار العلماء.
النوع الثاني: أن يُنشئ الطالب لنفسه أصلا، وهذا الأصل يختاره من كتب عالم من العلماء الكبار واسع المعرفة حسن الفهم، فيقبل على كتبه ويلخص مسائله، ويعتني به عناية كبيرة، حتى يكون أصلا علميا من كتب ذلك العالم ويكون له ملكة حسنة في معرفة أقواله في المسائل وطريقة الاستدلال، ويستعين بطريقته في المسائل التي درسها ويعملها في نظائرها.
مثاله: كما فعل الشيخ محمد بن عبد الوهاب مع كتب ابن تيمية وابن القيم.
النوع الثالث: أن يقسم العلم الذي يدرسه إلى أبواب، ثم كل باب يحاول أن يجرد مسائله جردا، كل مسألة يحاول أن يلخص ما قيل فيها، وقد يمكث سنوات في ذلك ولكنه يستفيد فائدة كبيرة ويكون أصله هذا اصلا كبيرا منتفع به .
مثاله: كما فعل الإمام السبكي في كتابه جمع الجوامع جمعه من نحو ثلاثمائة كتاب في أصول الفقه.
النوع الرابع: التأليف
مثاله: ما فعله السيوطي في تصنيف لكتاب التحبير في علم التفسير.

س3: ما هي مراحل بناء الأصل العلمي؟
1- دراسة مختصر في هذا العلم
والغرض منذ لك أن يعرف كيف يدرس المسائل العلمية في هذا العلم وأن يكون على إلمام عام بمسائل هذا العلم.
2- الزيادة على هذا المختصر بأن يدرس كتابا أوسع قليلا من المختصر
و الغرض من ذلك مراجعة الأصل الذي درسه بطريقة أخرى وزيادة تفصيل عليها.
3- تكميل جوانب التأسيس - وهذا مهم جدا - فالذي لديه ضعف في باب معين من أبواب العلم فيحسن به أن يدرس مختصرا فيه وهذا لا يستغرق وقتا طويلا.
4- قراءة كتاب جامع في هذا العلم أو اتخاذ أصل علمي والزيادة عليه.
5- القراءة المبوبة وهذه تحدث قفزات لطالب العلم، فالطالب يجد أن العلم الذي يدرسه فيه أبواب، فيتخذ كتابا معينا في باب معين ويلخص مسائله، ومن ذلك الاستفادة من الدراسات الموسوعية.
6- المراجعة المستمرة والفهرسة المستمرة لهذا الأصل.

رد مع اقتباس
  #27  
قديم 25 ربيع الثاني 1436هـ/14-02-2015م, 11:35 AM
هيئة التصحيح 7 هيئة التصحيح 7 غير متواجد حالياً
هيئة التصحيح
 
تاريخ التسجيل: Aug 2014
المشاركات: 6,326
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إسراء خليفة مشاهدة المشاركة
الأسئلة:
س1: بيّن أهميّة البناء العلمي في مسيرة طالب العلم ، ومثل لعناية العلماء به.
أهميّة البناء العلمي
- هي لب التحصيل العلمي بعد إتمام مهارات التأسيس العلمي.
- من خلال هذه المرحلة يكون الطالب ذا قدرة عالية على التصنيف يمر على المسألة فيصنفها سريعا، هذه مثلا علوم قرآن، وهذه تفسير، وهذه قراءات وهكذا.
- أحد أسباب سرعة التحصيل لطالب العلم، وهي كذلك تحتاجه، وأفضل أوقاتها فترة الشباب واوائل الطلب.
صور لعناية العلماء به
- كان للعلماء عناية بالغة بالبناء العلمي - وإن لم يكن يسمى بهذا الاسم.
- كانوا يجمعون مسائل العلم ويصنوفنها على حسب عنايتهم بالعلم.
- فكان أهل الحديث لهم أصول خاصة بهم:
الإمام أحمد استخرج المسند من سبعمائة ألف حديث.
الإمام مسلم صنف الصحيح من ثلاثمائة ألف حديث مسموع.
ابو داود السجستاني - صاحب السنن - كتب عن رسول الله "صلى الله عليه وسلم" خمسائة ألف حديث انتخب منها ما ضمنه كتاب السنن.
- بعض العلماء يظهر من كلامه وفتاويه أن له أصل علمي كبير:
الإمام الدارقطني صاحب كتاب العلل طبع في 20 مجلدا، وكان يحصر الطرق التي جاء بها الحديث،وهذا لا يمكن إلا بجمع وترتيب وتصنيف ولا يحصل هذا بقراءة متفرقة بمجرد السمع.
كان يحيى بن معين يقول: إذا كتبت فقنش [فقمش] وإذا حدثت ففتش، يعنى اكتب ما يقع عليه نظرك لكن عند التحديث والفتوى يجب التمييز بين الصحيح والضعيف.
-ولم تكن هذه الطريقة مقتصرة على أهل الحديث فقط، ففي التفسير:
وقف ابن تيمية على 25 تفسيرا مسندا ولخص أقوال السلف على جميع القرآن وجعلها أصلا لديه.
لازم فرحون المالكي تفسير ابن عطية حت كاد يحفظه.
- وكذلك اللغوين لهم طرقهم في البناء العلمي:
أبو العباس أحمد بن يحيى من أئمة اللغة أقبل على كتب الفراء ولم يعاصره، فقد كان الفراء من شيوخ شيوخه.
- وفي الفقه:
أقبل أبو بكر الخلال على جمع مسائل الإمام أحمد من تلاميذه ومن الصحف المتفرقةن ثم قام بترتيبها وتصنيفها فكانت كتبه من أهم مراجع الحنابلة.
وكذلك فعل الفقيه الحنبلي المفلح في مسائل الإمام أحمد، فكان له براعة حسنة في ترتيبها وتصنيفها ومعرفة حسنة بمصادرها، وكانت له ملكة حسنة فتمييز ما يُنقل عن الإمام أحمد ومعرفة خطأ ما ينسب إليه.


س2: الأصول العلمية على أنواع اذكرها ، ومثّل لكل نوع بمثال.
النوع الأول: أن يتخذ الطالب أصلا ( متنا ) في العلم الذي يدرسه ويدمن قراءته حتى يحفظه من كثرة المراجعة، ويستخرج مسائله ةيختار كتابا يمتاز بحسن التحرير وكثرة المسائل.
مثاله: مثل ما فعل الشيخ عبد الرزاق عفيفي، فعلى الرغم من صغر مكتبته إلا أنه حسن القراءة مجيدا لما يقرأ فكان نائب رئيس هيئة كبار العلماء.
النوع الثاني: أن يُنشئ الطالب لنفسه أصلا، وهذا الأصل يختاره من كتب عالم من العلماء الكبار واسع المعرفة حسن الفهم، فيقبل على كتبه ويلخص مسائله، ويعتني به عناية كبيرة، حتى يكون أصلا علميا من كتب ذلك العالم ويكون له ملكة حسنة في معرفة أقواله في المسائل وطريقة الاستدلال، ويستعين بطريقته في المسائل التي درسها ويعملها في نظائرها.
مثاله: كما فعل الشيخ محمد بن عبد الوهاب مع كتب ابن تيمية وابن القيم.
النوع الثالث: أن يقسم العلم الذي يدرسه إلى أبواب، ثم كل باب يحاول أن يجرد مسائله جردا، كل مسألة يحاول أن يلخص ما قيل فيها، وقد يمكث سنوات في ذلك ولكنه يستفيد فائدة كبيرة ويكون أصله هذا اصلا كبيرا منتفع به .
مثاله: كما فعل الإمام السبكي في كتابه جمع الجوامع جمعه من نحو ثلاثمائة كتاب في أصول الفقه.
النوع الرابع: التأليف
مثاله: ما فعله السيوطي في تصنيف لكتاب التحبير في علم التفسير.

س3: ما هي مراحل بناء الأصل العلمي؟
1- دراسة مختصر في هذا العلم
والغرض منذ لك أن يعرف كيف يدرس المسائل العلمية في هذا العلم وأن يكون على إلمام عام بمسائل هذا العلم.
2- الزيادة على هذا المختصر بأن يدرس كتابا أوسع قليلا من المختصر
و الغرض من ذلك مراجعة الأصل الذي درسه بطريقة أخرى وزيادة تفصيل عليها.
3- تكميل جوانب التأسيس - وهذا مهم جدا - فالذي لديه ضعف في باب معين من أبواب العلم فيحسن به أن يدرس مختصرا فيه وهذا لا يستغرق وقتا طويلا.
4- قراءة كتاب جامع في هذا العلم أو اتخاذ أصل علمي والزيادة عليه.
5- القراءة المبوبة وهذه تحدث قفزات لطالب العلم، فالطالب يجد أن العلم الذي يدرسه فيه أبواب، فيتخذ كتابا معينا في باب معين ويلخص مسائله، ومن ذلك الاستفادة من الدراسات الموسوعية.
6- المراجعة المستمرة والفهرسة المستمرة لهذا الأصل.

أحسنتِ ، بارك الله فيكِ ، إجابة جيدة ، وتنسيق متميز ، أحسن الله إليكِ ، ونفع بكِ .
يرجى الاهتمام بالمراجعة بعد الفراغ من الإجابة ؛ لاستدراك الأخطاء الكتابية وتصويبها - إن وجدت - ، ولمراعاة علامات الترقيم .
وفقكِ الله ، وسدد خطاكِ ، ونفع بكِ الإسلام والمسلمين .

رد مع اقتباس
  #28  
قديم 13 جمادى الآخرة 1436هـ/2-04-2015م, 07:05 PM
الصورة الرمزية إسراء خليفة
إسراء خليفة إسراء خليفة غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 1,182
افتراضي

عناصر الدرس:
1- مقدمة.
2- المراسيل.
-
المسألة الأولى: تعريف المراسيل
-المسألة الثانية: ضوابط قبول المراسيل
-المسألة الثالثة: ثبوت تفاصيل الخبر بالمراسيل
-
المسألة الرابعة: المشتهرون بالمراسيل
-
المسألة الخامسة: أمثلة على المراسيل
3- الخلاصة


تلخيص درس المراسيل

مقدمة:
كثير من الأقوال المنقولة في التفسير ليست مرفوعة بل موقوفة أي مرسلة، وليس مجيئها على هذا النحو موجبًا لعدم تصديقها؛ ذلك لأن الصدق يتحقق بشيئين معًا:
1- ألا يكون صاحبه تعمد الكذب فيه.
2- أن يكون صاحبه لم يخطئ فيه.
لأنه إذا لم يتعمد الكذب ولم يخطئ فليس ثم إلا الثالث وهو أن يكون صادقاً فيه.

المراسيل
وفيها عدة مسائل:

المسألة الأولى: تعريف المراسيل:
هي التي رفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم من لم يسمع منه إما من تابعي وهو لم يسمع منه أو صحابي.

المسألة الثانية: ضوابط قبول المراسيل:
الأول: أن تتعدد طرقه
بمعنى أن يكون الحديث رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهتين أو عدة جهات، ولا يصح قبول مرسل أتى بطريق واحد.
مثاله:
أن يرسل سعيد بن المسيب رواية في تفسير آية، ويرسل عامر بن شراحيل الشعبي رواية أخرى لنفس الآية، ويرسل قتادة رواية ثالثة فيها.

الثاني: خلوها من المواطأة

في المثال السابق هل يُقال أنهم تواطؤوا على إخراج هذه الرواية أم لا ؟
الاحتمال الأول: إما أن يكونوا تواطؤوا عليها وهذا خطأٌ أو كذب، وهذا احتمال ضعيف جدالاسيما إذا عُلِم أن نقلته ليسو ممن يتعمدوا الكذب.
الاحتمال الثاني:
أن يقال إنهم لم يتواطؤوا عليها، وهذا هو الاحتمال الراجح؛ لأن هذا هو الظن بهم أنهم لم يتواطؤوا عليها؛ ولذلك تكون رواية الشعبي مثلاً عاضدة لرواية سعيد ابن المسيب ورواية قتادة عاضدة لرواية الشعبي ورواية سعيد.
فتكون هذه المراسيل بمجموعها نقل صحيح مصدق لسببين:
الأول:
لأنه يستحيل أن يتواطؤوا على الكذب.
الثاني:
يستحيل أيضاً أن يجتمعوا على الخطأ إلا إذا قيل إن الثلاثة أخذوا من شخص واحد فهذا يكون من الخطأ؛ لأنهم أخذوا من شخص واحد.
لكن إن كان مأخذهم متعدد مثل المثال السابق فإن سعيد بن المسيب في المدينة، وعامر بن شراحيل الشعبي في الكوفة، وقتادة في البصرة فيبعد أن يأخذ هذا عن هذا أو يأخذ الجميع عن شخص واحد، فمعنى ذلك أنه يشعر بالتعدد بأن النقل مصدق.


الثالث:
الاتفاق عن غير قصد
أن تكون الروايات متفقة في الجملة وليست متضادة.

الرابع:
أن تتلقاه الأمة بالقبول

وذلك لأن الأمة لا تجتمع على خطأ، فلو كان الحديث كذباً في نفس الأمر والأمة مصدقة له قابلة له لكانوا قد أجمعوا على تصديق ما هو في نفس الأمر كذب، وهذا إجماع على الخطأ وذلك ممتنع.
وعليه فإذا جاءت الروايات المرسلة ننظر فيها، فإذا علم أنها جاءت من جهتين أوعدة جهات، وقد علم أن المخبرين لم يتواطؤوا على اختلاقه، وعلم أن مثل ذلك لا تقع الموافقة فيه اتفاقاً بلا قصد علم أنه صحيح صدق مثل شخص يحدث عن واقعة جرت ويذكر تفاصيل ما فيها من الأقوال والأفعال، ويأتي شخص آخر قد علم أنه لم يواطئ الأول فيذكر مثل ما ذكره الأول من تفاصيل الأقوال والأفعال فيعلم قطعاً أن تلك الواقعة حق في الجملة.
وذلك لأنه لو كان كل منهما كذب بها عمداً أو خطأ لم يتفق في العادة أن يأتي كل منهما بتلك التفاصيل التي تمنع العادة اتفاق الاثنين عليها بلا مواطئة من أحدهما لصاحبه، فإن الرجل قد يتفق أن ينظم بيتاً وينظم الآخر مثله أو يكذب كذبة ويكذب الآخر مثلها، أما إذا أنشأ قصيدة طويلة لا تكونون على قافية وروي فلم تجر العادة بأن غيره ينشأ مثلها لفظاً ومعنىً مع الطول المفرط.

المسألة الثالثة: ثبوت
تفاصيل الخبر بالمراسيل:
بجمع طرق المراسيل بالضوابط السابقة يتبين صدق الواقعة في الجملة لكن قد يحدث الغلط في بعض تفاصليها.
مثاله:
حديث اشتراء النبي صلى الله عليه وسلم البعير من جابر فإن من تأمل طرقه علم قطعاً أن الحديث صحيح، وإن كانوا قد اختلفوا في مقدار الثمن،
فإذًا فأصلُ البيعِ ثابتٌ، والخلافُ في التفاصيلِ لا يَضُرُّ في صحَّةِ أصلِ القصَّةِ، وإن كان أحدُ هذه الأثمانِ المذكورةِ صحيحًا، والآخَرُ غيرَ صحيحٍ. ويُلاحَظُ أنَّ كلَّ هذه الرواياتِ اتَّفقتْ على الإشارةِ إلى كرَمِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ؛ لأنه زادَ جابِرًا على الثَّمنِ الذي اشتَرى منه الجَملَ به. وقد بين ذلك البخاري في صحيحه فإن جمهور ما في البخاري ومسلم مما يُقطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله وذلك لأن:
1- غالبه من هذا النحو.
2- قد تلقاه أهل العلم بالقبول والتصديق، والأمة لا تجتمع على خطأ
.

وعليه الجزم بصحة الأحاديث المرسلة يتعلق بما اتفقت عليه الروايات، أما التفاصيل المختلف فيها، فتحتاج لطرق أخرى للحكم على صحتها.
مثال آخر: غزوة بدر ثبتت بالتواتر أنها قبل أحد، بل يعلم قطعاً أن حمزة وعلياً وعبيدة خرجوا إلى عتبة وشيبة والوليد، وأن علياً قتل الوليد، وأن حمزة قتل قرنه، ثم يشك في قرنه هل هو عتبة أم شيبة؟

المسألة الرابعة: المشتهرون بالمراسيل:

مثل: أبو صالح السمان، والأعرج، وسليمان بن يسار ،وزيد بن أسلم.
وفوقهم أمثال:
محمد بن سيرين، وأبو قاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، وعبيدة السلماني، والأسود.

المسألة الخامسة: أمثلة على المراسيلِ في التفسير:

1- المقصود بالبيت المعمور في قولُه تعالى: {وَالْبَيتِ المَعْمُورِ}.

اقتباس:
ذَكرَ ابنُ جريرٍ الطَّبَريُّ وغيرُه عن السَّلفِ عدَّةَ أقوالٍ في معنى البيتِ المعمورِ، فقد وَردَ عن عليٍّ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنه قال: إنه بيتٌ في السماءِ بِحِذاءِ الكعبةِ تَعمُرُه الملائكةُ، يَدخُلُه سبعونَ ألفَ ملَكٍ, ثم لا يعودون إليه، ويقالُ له: الضُّراحُ.
وورَدَ عن ابنِ عباسٍ من طريقِ العوفيِّ قال: بيتٌ بحذاءِ العَرشِ. وورد عن مجاهدٍ من طريقِ ابنِ أبي نَجِيحٍ أنه بيتٌ في السماءِ يُقالُ له: الضُّراحُ.
وعن عكرمةَ قال: بيتٌ في السماءِ بحيالِ الكعبةِ.
وعن الضحَّاكِ من طريقِ عُبيدٍ، قال: يزعُمون أنه يَروحُ إليه سبعونَ ألفَ ملَكٍ من قَبيلِ إبليسَ، يقالُ لهم: الحِنُّ.
ورَوى قتادةُ وابنُ زيدٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ مُرسلًا أنه بيتٌ في السماءِ، وأنه يَدخُلُه في اليومِ سبعون ألفَ ملَكٍ لا يعودون إليه. وذَكرَ ابنُ حجَرٍ أنه وَردَ عن الحسَنِ ومحمدِ بنِ عبَّادِ بنِ جعفرٍ أنَّ البيتَ المعمورَ يُرادُ به الكعبةُ.

الأوصافُ التي ذكرَها السَّلفُ فيه:
أنه بحِذاءِ الكعبةِ؛ وهذا مرويٌّ عن عليٍّ وعكرمةَ.
وأنه بحِذاءِ العَرشِ؛ وهذا مرويٌّ عن ابنِ عبَّاسٍ.
وأنَّ اسمَهُ الضُّراحُ؛ وهو مرويٌّ عن عليٍّ ومجاهِدٍ.
وأنَّ الذين يَدخلُونه يقالُ لهم: الحِنُّ. وهم من قَبِيلِ إبليسَ، وهذا انفرد به الضحَّاكُ.
وكل ما سبق يدور على أن المراد بالبيت المعمور البيت الذي في السماء.
ولكن ورد أيضا أن المراد به الكعبة، وهو مرويٌّ عن الحسن ومحمدِ بنِ عبَّادِ بنِ جعفرٍ.
وعليه فإن أغلب هذه الرواياتُ قد اتَّفقَتْ على أنه بيتٌ في السماءِ ولكنها اختلفتْ في أوصافِه.
وعليه فهذا المثال الاختلاف فيه:
نوعه: اختلاف تنوع من قبيل المتواطئ.
سببه: مجئ
الوصفِ الذي حُذِفَ موصوفُه، فوَصْفُ (المعمورِ) صالحٌ للكعبةِ وللبيتِ الذي في السماءِ.
الراجح: أنه البيتَ الذي في السماءِ؛ لأنه قولُ الجمهورِ, وهو المشهورُ، ويدلُّ عليه حديثُ صحيح عن رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ الذي ذَكرَ فيه أنه رأى إبراهيمَ عليه السلامُ مُسنِدًا ظَهرَه إلى البيتِ المعمورِ، فذكرَ أنه بيتٌ يدخُلُه سبعونَ ألفَ ملَكٍ, ثم لا يعودون إليه.

وكونُ هذا البيتِ الذي في السماءِ بحذاءِ الكعبةِ وردَ عن اثنينِ لا يمكنُ أن يتواطآ على الكذِبِ، وهما عليٌّ وعكرمةُ، واحتمالُ أن يكونَ عكرمةُ أخَذَه من عليٍّ فيه ضعفٌ.
وكونُه اسمُه الضراحُ أيضًا مرويٌّ عن اثنينِ هما عليٌّ ومجاهِدٌ، ولم يَرِدْ أنَّ مجاهدًا رواه عن عليٍّ، فيكونُ أيضًا من بابِ تعدُّدِ الرواياتِ.
فلو قيل: إنَّ هذا البيتَ بحذاءِ الكعبةِ، وإنه يدخُلُه سبعونَ ألفَ ملَكٍ، وإنه يسمَّى الضراحَ يكونُ مقبولًا لتعدُّدِ الرواياتِ به عن الصحابةِ والتابِعينَ، وبناءً على قبولِ قولِ الصحابيِّ في الأمورِ الغيبيةِ.
ولكن كونُ الذين يدخُلُونه من قبيلِ الحِنِّ، هذا لا يُقبلُ؛ لأنه تفرَّد به الضحَّاكُ، فيُتوقَّفُ فيه.

والمقصودُ أن يُنظَرَ ما اتَّفقَتْ فيه الرواياتُ فيُقبلَ، وما الذي افترقتْ فيه فيُتوقَّفَ فيه حتى يَرِدَ دليلٌ آخـرُ.
ويلاحظ أن هذا المثال في أكثر من نوع من أنواع اختلاف التنوع :
فكون المراد بالبيت المعمور هو الراجح هذا من باب المتواطئ.
وكون أنه وُصِف بأنه
بحذاءِ الكعبةِ، وإنه يدخُلُه سبعونَ ألفَ ملَكٍ، وإنه يسمَّى الضراحَ هذا من باب التعبير عن المسمى بصفة من صفاته.
( هذه الملاحظة من فهمى لا أدرى مدى صحتها ؟ )


2- وصف الخيام في قولُه تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}.
اقتباس:
في وصفِ هذه الخيامِ أقوالٌ عن السَّلفِ:
فقال بعضُهم: دُرٌّ مجوَّفٌ، وهذا واردٌ عن عُمرَ بنِ الخطابِ وابنِ مسعودٍ, وبه قال سعيدُ بنُ جبيرٍ ومجاهدٌ وعمرُ بنُ ميمونٍ والضحَّاكُ والحسَنُ، وكذلك رواه أبو مِجلَزٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ مُرسلًا، ورواه الضحَّاكُ عن ابنِ مسعودٍ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، وفيه انقطاعٌ بينَ الضحَّاكِ وابنِ مسعودٍ.
وزاد بعضُهم: الخيمةُ في الجنَّةِ دُرَّةٌ مجوَّفةٌ, فَرْسَخٌ في فَرْسَخٍ, لها أربعةُ آلافِ مِصرَاعٍ، وهذا واردٌ عن ابنِ عباسٍ.
وكذلك ورَدَ عن أبي الأحوصِ أنه قال: الخيمةُ دُرَّةٌ مجوَّفةٌ، فَرْسَخٌ في فَرْسَخٍ، لها أربعةُ آلافِ مِصْراعٍ من ذهبٍ.
وبعضُهُم قال بأنَّها من لُؤْلؤٍ، وهذا أيضًا واردٌ عن ابنِ عباسٍ ومجاهدٍ وعنِ ابنِ زيدٍ، وكذلك عن خُلَيْدٍ العصريِّ.
ووَردَ عن محمدِ بنِ كعبٍ والرَّبيعِ بنِ أنسٍ أنها الحِجالُ، والحِجالُ جَمعُ حَجَلةٍ، وهي المكانُ المهيَّأُ والمُزَيَّنُ للعروسِ.

وعليه فهذا المثال الاختلاف فيه:
نوعه: اختلاف تنوع.
سببه:
التعبير عن المعنى بألفاظ متقاربة، وقد يكون من باب التعبير عن المسمى بصفة من صفاته.
الجمع بينها:
أنها تحتمل المعاني كلها فهذه الأقوالِ ليس بينَها تناقض فليس بين مَن فسَّرَ الخيامَ بأنها مِن الدُّرِّ أو اللُّؤلؤِ سوى اختلافِ التعبيرِ، وإن كان الدُّرُّ يختصُّ بكبارِ اللؤلؤِ، ففي هذا التفسيرِ تقريبُ عبارة.
كونُ هذه الخيامِ بمقدارِ فرسخٍ في فرسخٍ وَردَ عن ابنِ عباسٍ وعن أبي الأحوصِ.
وكون عدَدَها أربعةُ آلافٍ هذا مرويٌّ عن ابنِ عباسٍ وأبي الأحوصِ، وخالَفَهُم خليدٌ فقال: إنها سبعونَ مِصراعًا.
هنا اختلفتِ التفاصيلُ، فيُنظَرُ أيُّ الروايَتَيْنِ أكثرُ عددًا،، وإذا نَظَرتَ وجدتَ أنَّ ابنَ عباسٍ وأبا الأحوصِ اثنانِ، فيُقدَّمانِ على روايةِ خُليدٍ، فضلًا عن كونِ ابنِ عباسٍ صحابيًّا يُخبِرُ عن أمرٍ غيبِيٍّ .
والحاصل
أن يُنظَرَ ما اتَّفقَتْ فيه الرواياتُ فيُقبلَ، وما الذي افترقتْ فيه فيُتوقَّفَ فيه حتى يَرِدَ دليلٌ آخـرُ.

3-المقصود بــ {الذي بيده عقدة النكاح} في قولُه تعالى: {إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}
اقتباس:
قال ابن الجوزي في زاد المسير: في {الذي بيده عقدة النكاح} ثلاثة أقوال:
أحدها: أنه الزوج، وهو قول عليّ، وابن عباس، وجبير ابن مطعم، وابن المسيب، وابن جبير، ومجاهد، وشريح، وجابر بن زيد، والضحاك، ومحمد بن كعب القرظي، والربيع بن أنس، وابن شبرمة، والشافعي، وأحمد رضي الله عنهم في آخرين.
والثاني: أنه الولي، روي عن ابن عباس، والحسن، وعلقمة، وطاووس، والشعبي، وابراهيم في آخرين.
والثالث: أنه أبو البكر. روي عن ابن عباس، والزهري، والسدي في آخرين.

مَن قال بأنَّ المرادَ بالذي بِيَدِه عُقدةُ النِّكاحِ هو أبو البِكْرِ، فإنه يرجعُ إلى معنى الوليِّ؛ لأنَّ الوليَّ غالبًا ما يكونُ أبًا، فيكونُ عندَك في الآيةِ قولان:
أحدُهما: أنَّ الذي بيدِه عقدةُ النكاحِ هو الزوجُ.
والثاني: أنه وليُّ المرأةِ.

وهذان القولانِ يرجعانِ إلى أكثرَ مِن معنًى كما هو واضحٌ؛ لأنه إما أن يكونَ المرادُ بالذي بيَدهِ عُقدةُ النكاحِ الزوجَ، وإما أن يكونَ المرادُ وليَّ المرأةِ.
وعليه فهذا المثال الاختلاف فيه:
نوعه: اختلاف تضاد.
سببه:
لأن هذين المعنَيينِ متضادَّانِ؛ لأنه لا يمكنُ اجتماعُهما في وقتٍ واحدٍ، فإذا قلتَ: إن الذي بيَدِه عُقدةُ النكاحِ هو الزوجُ امتنعَ أن يكونَ المرادُ هو الوليَّ، وإذا قلتَ بأنه الوليُّ امتنعَ أن يكونَ المرادُ هو الزوجَ.
والراجح:
ما رجحه ابن الجوزى القول الأول؛ لأن عقدة النكاح خرجت من يد الولي، فصارت بيد الزوج، والعفو إنما يُطلق على ملك الإِنسان، وعفو الولي عفو عما لا يملك.

الخلاصة:
أن المراسيل يمكن أن تكون حجة بأربعة شروط وهي:
1-
الأول: أن تتعدد طرقه.
2-
خلوها من المواطأة.
3-
الاتفاق عن غير قصد.
4-
أن تتلقاه الأمة بالقبول.

رد مع اقتباس
  #29  
قديم 14 جمادى الآخرة 1436هـ/3-04-2015م, 08:46 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إسراء خليفة مشاهدة المشاركة
عناصر الدرس:
1- مقدمة.
2- المراسيل.
-
المسألة الأولى: تعريف المراسيل
-المسألة الثانية: ضوابط قبول المراسيل
-المسألة الثالثة: ثبوت تفاصيل الخبر بالمراسيل
-
المسألة الرابعة: المشتهرون بالمراسيل
-
المسألة الخامسة: أمثلة على المراسيل
3- الخلاصة


تلخيص درس المراسيل

مقدمة:
- كثير من الأقوال المنقولة في التفسير ليست مرفوعة بل موقوفة أي مرسلة،
- وليس مجيئها على هذا النحو موجبًا لعدم تصديقها؛
- ذلك لأن الصدق يتحقق بشيئين معًا:
1- ألا يكون صاحبه تعمد الكذب فيه.
2- أن يكون صاحبه لم يخطئ فيه.
لأنه إذا لم يتعمد الكذب ولم يخطئ فليس ثم إلا الثالث وهو أن يكون صادقاً فيه.

المراسيل
وفيها عدة مسائل:

المسألة الأولى: تعريف المراسيل:
هي التي رفعها إلى النبي صلى الله عليه وسلم من لم يسمع منه إما من تابعي وهو لم يسمع منه أو صحابي.

المسألة الثانية: ضوابط قبول المراسيل:
الأول: أن تتعدد طرقه
بمعنى أن يكون الحديث رُوِي عن النبي صلى الله عليه وسلم من جهتين أو عدة جهات، ولا يصح قبول مرسل أتى بطريق واحد.
مثاله:
أن يرسل سعيد بن المسيب رواية في تفسير آية، ويرسل عامر بن شراحيل الشعبي رواية أخرى لنفس الآية، ويرسل قتادة رواية ثالثة فيها.

الثاني: خلوها من المواطأة

في المثال السابق هل يُقال أنهم تواطؤوا على إخراج هذه الرواية أم لا ؟
الاحتمال الأول: إما أن يكونوا تواطؤوا عليها وهذا خطأٌ أو كذب، وهذا احتمال ضعيف جدالاسيما إذا عُلِم أن نقلته ليسو ممن يتعمدوا الكذب.
الاحتمال الثاني:
أن يقال إنهم لم يتواطؤوا عليها، وهذا هو الاحتمال الراجح؛ لأن هذا هو الظن بهم أنهم لم يتواطؤوا عليها؛ ولذلك تكون رواية الشعبي مثلاً عاضدة لرواية سعيد ابن المسيب ورواية قتادة عاضدة لرواية الشعبي ورواية سعيد.
فتكون هذه المراسيل بمجموعها نقل صحيح مصدق لسببين:
الأول:
لأنه يستحيل أن يتواطؤوا على الكذب.
الثاني:
يستحيل أيضاً أن يجتمعوا على الخطأ إلا إذا قيل إن الثلاثة أخذوا من شخص واحد فهذا يكون من الخطأ؛ لأنهم أخذوا من شخص واحد.
لكن إن كان مأخذهم متعدد مثل المثال السابق فإن سعيد بن المسيب في المدينة، وعامر بن شراحيل الشعبي في الكوفة، وقتادة في البصرة فيبعد أن يأخذ هذا عن هذا أو يأخذ الجميع عن شخص واحد، فمعنى ذلك أنه يشعر بالتعدد بأن النقل مصدق.


الثالث:
الاتفاق عن غير قصد
أن تكون الروايات متفقة في الجملة وليست متضادة.
الاتفاق عن غير قصد كأن يكون جمعهم مجلس واحد، ثمّ حدّث كل واحد منهم بذلك الحديث المرسل، فإنّ ذلك مظنّة أن يكون المصدر واحدا، وقد يكون هذا الواحد ضعيفا، لكن إذا تعددت الطرق وانتفت شبهة تفرّد المصدر (المواطأة) فإنّه يحكم بصحة الحديث المرسل مع ضميمة شروط أخرى.

الرابع:
أن تتلقاه الأمة بالقبول

وذلك لأن الأمة لا تجتمع على خطأ، فلو كان الحديث كذباً في نفس الأمر والأمة مصدقة له قابلة له لكانوا قد أجمعوا على تصديق ما هو في نفس الأمر كذب، وهذا إجماع على الخطأ وذلك ممتنع.
وعليه فإذا جاءت الروايات المرسلة ننظر فيها، فإذا علم أنها جاءت من جهتين أوعدة جهات، وقد علم أن المخبرين لم يتواطؤوا على اختلاقه، وعلم أن مثل ذلك لا تقع الموافقة فيه اتفاقاً بلا قصد علم أنه صحيح صدق مثل شخص يحدث عن واقعة جرت ويذكر تفاصيل ما فيها من الأقوال والأفعال، ويأتي شخص آخر قد علم أنه لم يواطئ الأول فيذكر مثل ما ذكره الأول من تفاصيل الأقوال والأفعال فيعلم قطعاً أن تلك الواقعة حق في الجملة.
وذلك لأنه لو كان كل منهما كذب بها عمداً أو خطأ لم يتفق في العادة أن يأتي كل منهما بتلك التفاصيل التي تمنع العادة اتفاق الاثنين عليها بلا مواطئة من أحدهما لصاحبه، فإن الرجل قد يتفق أن ينظم بيتاً وينظم الآخر مثله أو يكذب كذبة ويكذب الآخر مثلها، أما إذا أنشأ قصيدة طويلة لا تكونون على قافية وروي فلم تجر العادة بأن غيره ينشأ مثلها لفظاً ومعنىً مع الطول المفرط. قد كرر هذا الكلام في الفقرة رقم 2

المسألة الثالثة: ثبوت
تفاصيل الخبر بالمراسيل:
بجمع طرق المراسيل بالضوابط السابقة يتبين صدق الواقعة في الجملة لكن قد يحدث الغلط في بعض تفاصليها.
مثاله:
حديث اشتراء النبي صلى الله عليه وسلم البعير من جابر فإن من تأمل طرقه علم قطعاً أن الحديث صحيح، وإن كانوا قد اختلفوا في مقدار الثمن،
فإذًا فأصلُ البيعِ ثابتٌ، والخلافُ في التفاصيلِ لا يَضُرُّ في صحَّةِ أصلِ القصَّةِ، وإن كان أحدُ هذه الأثمانِ المذكورةِ صحيحًا، والآخَرُ غيرَ صحيحٍ. ويُلاحَظُ أنَّ كلَّ هذه الرواياتِ اتَّفقتْ على الإشارةِ إلى كرَمِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ؛ لأنه زادَ جابِرًا على الثَّمنِ الذي اشتَرى منه الجَملَ به. وقد بين ذلك البخاري في صحيحه فإن جمهور ما في البخاري ومسلم مما يُقطع بأن النبي صلى الله عليه وسلم قاله وذلك لأن:
1- غالبه من هذا النحو.
2- قد تلقاه أهل العلم بالقبول والتصديق، والأمة لا تجتمع على خطأ
.

وعليه الجزم بصحة الأحاديث المرسلة يتعلق بما اتفقت عليه الروايات، أما التفاصيل المختلف فيها، فتحتاج لطرق أخرى للحكم على صحتها.
مثال آخر: غزوة بدر ثبتت بالتواتر أنها قبل أحد، بل يعلم قطعاً أن حمزة وعلياً وعبيدة خرجوا إلى عتبة وشيبة والوليد، وأن علياً قتل الوليد، وأن حمزة قتل قرنه، ثم يشك في قرنه هل هو عتبة أم شيبة؟

المسألة الرابعة: المشتهرون بالمراسيل:

مثل: أبو صالح السمان، والأعرج، وسليمان بن يسار ،وزيد بن أسلم.
وفوقهم أمثال:
محمد بن سيرين، وأبو قاسم بن محمد، وسعيد بن المسيب، وعبيدة السلماني، والأسود.

المسألة الخامسة: أمثلة على المراسيلِ في التفسير:

1- المقصود بالبيت المعمور في قولُه تعالى: {وَالْبَيتِ المَعْمُورِ}.

الأوصافُ التي ذكرَها السَّلفُ فيه:
أنه بحِذاءِ الكعبةِ؛ وهذا مرويٌّ عن عليٍّ وعكرمةَ.
وأنه بحِذاءِ العَرشِ؛ وهذا مرويٌّ عن ابنِ عبَّاسٍ.
وأنَّ اسمَهُ الضُّراحُ؛ وهو مرويٌّ عن عليٍّ ومجاهِدٍ.
وأنَّ الذين يَدخلُونه يقالُ لهم: الحِنُّ. وهم من قَبِيلِ إبليسَ، وهذا انفرد به الضحَّاكُ.
وكل ما سبق يدور على أن المراد بالبيت المعمور البيت الذي في السماء.
ولكن ورد أيضا أن المراد به الكعبة، وهو مرويٌّ عن الحسن ومحمدِ بنِ عبَّادِ بنِ جعفرٍ.
وعليه فإن أغلب هذه الرواياتُ قد اتَّفقَتْ على أنه بيتٌ في السماءِ ولكنها اختلفتْ في أوصافِه.
وعليه فهذا المثال الاختلاف فيه:
نوعه: اختلاف تنوع من قبيل المتواطئ.
سببه: مجئ
الوصفِ الذي حُذِفَ موصوفُه، فوَصْفُ (المعمورِ) صالحٌ للكعبةِ وللبيتِ الذي في السماءِ.
الراجح: أنه البيتَ الذي في السماءِ؛ لأنه قولُ الجمهورِ, وهو المشهورُ، ويدلُّ عليه حديثُ صحيح عن رسولِ الله صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ الذي ذَكرَ فيه أنه رأى إبراهيمَ عليه السلامُ مُسنِدًا ظَهرَه إلى البيتِ المعمورِ، فذكرَ أنه بيتٌ يدخُلُه سبعونَ ألفَ ملَكٍ, ثم لا يعودون إليه.

وكونُ هذا البيتِ الذي في السماءِ بحذاءِ الكعبةِ وردَ عن اثنينِ لا يمكنُ أن يتواطآ على الكذِبِ، وهما عليٌّ وعكرمةُ، واحتمالُ أن يكونَ عكرمةُ أخَذَه من عليٍّ فيه ضعفٌ.
وكونُه اسمُه الضراحُ أيضًا مرويٌّ عن اثنينِ هما عليٌّ ومجاهِدٌ، ولم يَرِدْ أنَّ مجاهدًا رواه عن عليٍّ، فيكونُ أيضًا من بابِ تعدُّدِ الرواياتِ.
فلو قيل: إنَّ هذا البيتَ بحذاءِ الكعبةِ، وإنه يدخُلُه سبعونَ ألفَ ملَكٍ، وإنه يسمَّى الضراحَ يكونُ مقبولًا لتعدُّدِ الرواياتِ به عن الصحابةِ والتابِعينَ، وبناءً على قبولِ قولِ الصحابيِّ في الأمورِ الغيبيةِ.
ولكن كونُ الذين يدخُلُونه من قبيلِ الحِنِّ، هذا لا يُقبلُ؛ لأنه تفرَّد به الضحَّاكُ، فيُتوقَّفُ فيه.

والمقصودُ أن يُنظَرَ ما اتَّفقَتْ فيه الرواياتُ فيُقبلَ، وما الذي افترقتْ فيه فيُتوقَّفَ فيه حتى يَرِدَ دليلٌ آخـرُ.
ويلاحظ أن هذا المثال في أكثر من نوع من أنواع اختلاف التنوع :
فكون المراد بالبيت المعمور هو الراجح هذا من باب المتواطئ. ورود قولين في المراد به سببه التواطؤ، أما الترجيح فبسبب الحديث الصحيح الوارد فيه.
وكون أنه وُصِف بأنه
بحذاءِ الكعبةِ، وإنه يدخُلُه سبعونَ ألفَ ملَكٍ، وإنه يسمَّى الضراحَ هذا من باب التعبير عن المسمى بصفة من صفاته.
ليست الفكرة هنا في أنها صفة من صفاته، إنما لماذا اعتمدنا هذه الصفة أو غيرها في تفسير "البيت المعمور"، واستبعدنا غيرها كاسم القوم الذين يدخلونه أنهم الجن أو الحن؟
اعتمدنا هذه الأقوال خاصة لتعدد الروايات الواردة في هذه الأقوال عمن يستحيل تواطؤهم على الكذب، وهذه هي صلة المثال بالدرس.

( هذه الملاحظة من فهمى لا أدرى مدى صحتها ؟ )


2- وصف الخيام في قولُه تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ}.

وعليه فهذا المثال الاختلاف فيه:
نوعه: اختلاف تنوع.
سببه:
التعبير عن المعنى بألفاظ متقاربة، وقد يكون من باب التعبير عن المسمى بصفة من صفاته.
الجمع بينها:
أنها تحتمل المعاني كلها فهذه الأقوالِ ليس بينَها تناقض فليس بين مَن فسَّرَ الخيامَ بأنها مِن الدُّرِّ أو اللُّؤلؤِ سوى اختلافِ التعبيرِ، وإن كان الدُّرُّ يختصُّ بكبارِ اللؤلؤِ، ففي هذا التفسيرِ تقريبُ عبارة.
كونُ هذه الخيامِ بمقدارِ فرسخٍ في فرسخٍ وَردَ عن ابنِ عباسٍ وعن أبي الأحوصِ.
وكون عدَدَها أربعةُ آلافٍ هذا مرويٌّ عن ابنِ عباسٍ وأبي الأحوصِ، وخالَفَهُم خليدٌ فقال: إنها سبعونَ مِصراعًا.
هنا اختلفتِ التفاصيلُ، فيُنظَرُ أيُّ الروايَتَيْنِ أكثرُ عددًا،، وإذا نَظَرتَ وجدتَ أنَّ ابنَ عباسٍ وأبا الأحوصِ اثنانِ، فيُقدَّمانِ على روايةِ خُليدٍ، فضلًا عن كونِ ابنِ عباسٍ صحابيًّا يُخبِرُ عن أمرٍ غيبِيٍّ .
والحاصل
أن يُنظَرَ ما اتَّفقَتْ فيه الرواياتُ فيُقبلَ، وما الذي افترقتْ فيه فيُتوقَّفَ فيه حتى يَرِدَ دليلٌ آخـرُ.

3-المقصود بــ {الذي بيده عقدة النكاح} في قولُه تعالى: {إلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ}

مَن قال بأنَّ المرادَ بالذي بِيَدِه عُقدةُ النِّكاحِ هو أبو البِكْرِ، فإنه يرجعُ إلى معنى الوليِّ؛ لأنَّ الوليَّ غالبًا ما يكونُ أبًا، فيكونُ عندَك في الآيةِ قولان:
أحدُهما: أنَّ الذي بيدِه عقدةُ النكاحِ هو الزوجُ.
والثاني: أنه وليُّ المرأةِ.

وهذان القولانِ يرجعانِ إلى أكثرَ مِن معنًى كما هو واضحٌ؛ لأنه إما أن يكونَ المرادُ بالذي بيَدهِ عُقدةُ النكاحِ الزوجَ، وإما أن يكونَ المرادُ وليَّ المرأةِ.
وعليه فهذا المثال الاختلاف فيه:
نوعه: اختلاف تضاد.
سببه:
لأن هذين المعنَيينِ متضادَّانِ؛ لأنه لا يمكنُ اجتماعُهما في وقتٍ واحدٍ، فإذا قلتَ: إن الذي بيَدِه عُقدةُ النكاحِ هو الزوجُ امتنعَ أن يكونَ المرادُ هو الوليَّ، وإذا قلتَ بأنه الوليُّ امتنعَ أن يكونَ المرادُ هو الزوجَ.
والراجح:
ما رجحه ابن الجوزى القول الأول؛ لأن عقدة النكاح خرجت من يد الولي، فصارت بيد الزوج، والعفو إنما يُطلق على ملك الإِنسان، وعفو الولي عفو عما لا يملك.

الخلاصة:
أن المراسيل يمكن أن تكون حجة بأربعة شروط وهي:
1-
الأول: أن تتعدد طرقه.
2-
خلوها من المواطأة قصدا.
3- خلوها من
الاتفاق عن غير قصد.
4-
أن تتلقاه الأمة بالقبول.
أحسنت، بارك الله فيك ونفع بك

المراسيل في التفسير
عناصر الدرس:
موضوع الدرس
● تمهيد:
- أكثر الأخبار المنقولة في التفسير ليست مرفوعة وإنما أغلبها موقوفا.
- ما كان من هذه الأخبار مرفوعا يكون مرسلا على الغالب
- مجيء الحديث والأسانيد على هذا النحو ليس موجبا لردّه.
- التعامل مع أسانيد التفسير ليس كالتعامل مع الأسانيد في الحديث
- يُقبل النقل إذا صدق فيه صاحبه.


شروط الحكم على صدق النقل
..1- انتفاء الكذب العمد
..2- انتفاء الخطأ

أولا: التحقق من انتفاء الكذب في النقل
..1- تعدد طرقه
. .2- خلوه من المواطأة والاتفاق
- غالب من يروون أسانيد التفسير لا يتعمّدون الكذب خاصة من الصحابة والتابعين وكثير من تابعي التابعين، لكن قد يعرض لهم الخطأ والنسيان.

ثانيا: التحقق من انتفاء الخطأ في النقل
- اتفاق الروايات في أصل الخبر يجزم بصدقه
- اختلاف الروايات في التفاصيل يُحتاج فيه إلى ترجيح بطرق أخرى مستقلة.
- مثال: قصة جمل جابر رضي الله عنه

● تعريف المرسل
● ضابط الحكم على صحة المرسل.
. .1- تعدد طرقه
. .2- خلوه من المواطأة والاتفاق
3- تلقّي العلماء له بالقبول

أمثلة للتعامل مع مرويات السلف في التفسير
هذه الطريقة تطبّق على المراسيل وعلى غيرها بل يستفاد منها في التاريخ والأدب وغير ذلك.
خلاصة الدرس.
تقييم التلخيص :
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 30 / 30
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 20 / 20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) : 20 / 17
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 15 /15
خامساً: العرض
(حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 15 / 15

= 97 %
وفقك الله


رد مع اقتباس
  #30  
قديم 13 رجب 1436هـ/1-05-2015م, 12:53 PM
الصورة الرمزية إسراء خليفة
إسراء خليفة إسراء خليفة غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 1,182
افتراضي

العناصر:
· تمهيد
· الاختلاف نوعان: تنوع وتضاد
· تعريف اختلاف التنوع
· أقسام اختلاف التنوع
· النوع الأول من اختلاف التنوع: التعبير عن المسمى بأكثر من اسم
· أمثلة ( الصراط / الذكر )
· فائدة
· معرفة مقصود السائل مهمة
· النوع الثاني من اختلاف التنوع: التعبير بالمثال ( العام الذي له أفراد )
· امثلة ( حسنة – حفدة – آية أورثنا الكتاب )
· فائدة: تفسير النبي للقرآن لا يخصص العام لكن يقدم على غيره
· تعريف اختلاف التضاد
· مثال على اختلاف التضاد
· مسائل أخر: حول قولهم نزلت في كذا
· التحديد الدقيق للمصطلحات الشرعية ( مسألة استطرادية )




تلخيص درس أنواع الاختلاف


الخلاف بين السلف في التفسير قليل، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.
أنواع الاختلاف:

النوع الأول: اختلاف التنوع:

تعريفه:
هو ما يمكنُ اجتماعُه في المفسَّرِ بلا تعارُضٍ ولا تضادٍّ، إما لرجوعِ الأقوالِ على معنًى واحدٍ، وإما لتنوُّعِ الأقوالِ وتعدُّدِها من غيرِ مُعارِضٍ.
أقسامه:
القسم الأول: التعبير عن المسمى بعبارات مختلفة
وهذا القِسمٌ يعودُ إلى معنًى واحـدٍ؛ فيُعَبِّرَ كُلُّ وَاحِدٍ منْهُمْ عَنِ المُرَادِ بعبارَةٍ غَيرِ عِبَارَةِ صَاحِبِهِ، تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى في المُسَمَّى غَيرِ الْمَعنَى الآخَرِ، مَعَ اتِّحادِ المسمى. وهذا ممكن إذا كان مقصود السائل معرفة المسمى فقط.
أمثلة:
المِثَالُ الأول: تَفْسِيرُهُمْ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ
قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ القُرْآنُ؛ أَي اتِّبَاعُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الَّذِي رَوَاهُ التِّرمذِيُّ، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ منْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ: ((هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَالذِّكرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ )).
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الإسْلامُ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الَّذِي رَوَاهُ التِّرمذِيُّ، وغيرُهُ: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنَبَتَي الصِّرَاطِ سُورَانِ، وَ فِي السُّورَيْنِ أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَدَاعٍ يَدْعُو منْ فَوْقِ الصِّراطِ، ودَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ )).قَالَ: ((فَالصِّراطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الإسْلامُ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ، وَالأبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ، وَالدَّاعِي علَى رَأْسِ الصِّراطِ كِتَابُ اللَّهِ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّراطِ وَاعِظُ اللَّهِ في قَلْبِ كُلِّ مُؤْمنٍ ))
ومنهم مَن قال: هو السُّنَّةُ والجماعةُ.

ومنهم مَن قال: هو طريقُ العبوديةِ. ومنهم مَن قالَ: هي طاعةُ اللَّهِ ورسولِه.
فهذه العباراتُ إذا نظرْتَ إليها وجدْتَها مختلفةً من جهةِ الألفاظِ، لكنَّها متَّفِقةٌ من جهةِ دلالَتِها على شيءٍ واحدٍ، وبينَها تلازُمٌ؛ لأنَّ السُّنةَ والجماعةَ هي طريقُ العبوديةِ، ولا يمكنُ أن تُسلَكَ بغيرِ القرآنِ , والقرآنُ مستلزِمٌ للإسلامِ، وكذلك طاعةُ اللَّهِ ورسولِه. فهذه الأقوالُ بينَها تلازُمٌ , وهي تعودُ إلى ذاتٍ واحدةٍ .
فإذا عُبِّرَ عن الصراطِ بأنه القرآنُ أو بأنه الإسلامُ، أو بأنه اتِّباعُ طريقِ أبي بكرٍ وعمرَ مَثَلًا، فهذا كلُّه صحيحٌ؛ لأنَّه يرجِعُ إلى ذاتٍ واحدةٍ؛ وهي الصراطُ المستقيمُ.

فائدة:
الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ وإن كان لم يَذكُرْ الحديثَيْن المذكورين في القولين الأولين في مقامِ التفسيرِ إلا أنَّ بينَهما وبينَ المعنى المذكورِ في الآيةِ توافُقًا من جهةِ المعنى، ومادام الأمرُ كذلك فيُمكنُ أن يقالَ: إنَّ الصراطَ المستقيمَ الذي في الآيةِ هو الصراطُ الذي ذَكرَهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ في الحديثِ؛ لأنَّ السُّنةَ تُفسِّرُ القرآنَ، ولكنَّ الذي رَبَطَ بينَ المَعنَيَيْنِ هو المفسَّرُ.
المثال الثاني: المراد بالذكر في قوله تعالى"ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا"
قيل: القرآن؛ لأن الله وصف القرآن بأنه ذكر " قال تعالى"ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم".
قيل: الذكر العام
قيل: السنة.
فهذه الأقوال من حيث الدلالة فإنها متلازمة لأن من أعرض عن القرآن أعرض عن السنة أعرض عن الإسلام أعرض عن اتباع الرسول.ومن أعرض عن السنة أعرض عن القرآن أعرض عن الإسلام.
ولكن الصحيح أن المراد: القرآن؛ لقوله تعالى بعد ذلك "قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى"
لكن التعبير عن القرآن هنا كان من جنس التعبير عن المسمى بصفة فيه؛ فالقرآن ذكر، والقرآن هدى.
( ها هنا إشكال عندي لأن الشيخ صالح والشيخ الطيار ذكروا هذا المثال على أنه من التعبير عن المسمى بأكثر من معنى، لكن لماذا يدخل هذا المثال تحت العام الذي له أفراد فلفظ الذكر لفظ عام، والأفراد الداخلة فيه كلها تحتملها الآية )
وهذا النوع السابق كما ذكرنا إذا كان مقصود السائل معرفة المسمى فقط، أما إذا كان مقصودُ السائِلِ معرفةَ ما في الاسمِ من صفةٍ فهذا لا بدَّ من تعريفِه بالمعنى الذي تَتَضَمَّنُه هذه الصفةُ، وذلك مِثلُ " العليمُ " فهو يسألُ عن معنى العِلمِ في هذا الاسمِ، أو " الرحيمُ " يسألُ عن معنى الرحمةِ، أو " الغفورُ " فهو يسألُ عن معنى المغفرةِ في هذا الاسمِ، وليس مرادُه معرفةَ مَن هو الغفورُ؟ فيقالَ له: هو اللَّهُ.
القسم الثاني: التعبير بالمثال ( العام الذي له أفراد )
وهو أَنْ يَذْكُرَ كُلٌّ منْهُمْ مِن الاسْمِ العَامِّ بَعْضَ أَنْوَاعِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّمثيلِ، وَتَنْبِيهِ الْمُسْتَمِعِ عَلَى النَّوعِ، لاَ علَى سَبِيلِ الْحَدِّ الْمُطَابِقِ لِلْمَحْدُودِ فِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ، مِثلُ سَائلٍ أَعْجَمِيٍّ سَأَلَ عَنْ مُسَمَّى لَفْظِ " الخُبْزِ " فَأُرِيَ رَغِيفًا، وَقِيلَ: هَذَا. فَالإِشَارَةُ إِلَى نَوْعِ هَذَا، لاَ إِلَى هَذَا الرَّغيفِ وحدَهُ.
أمثلة:
المثال الأول: قولُه تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سابِقٌ بالخَيراتِ}
ذَكرَ بعضُهم أنَّ السَّابِقَ هو الذي يُصلِّي في أوَّلِ الوقتِ، والمقتصِدَ الذي يُصلِّي في أثنائِه، والظالِمَ لنَفسِه هو الذي يؤخِّرُ العصرَ إلى الاصفرارِ. فمَن فسَّرَ هذه الآيةَ بهذا التفسيرِ اقتصر على نوعٍ من أنواعِ الطاعاتِ , وهو الصلاةُ المفروضةُ , وأداؤُها في الوقتِ المحدَّدِ، ولكنَّ ذلك لا يعني أنَّ غيرَ ما ذُكِرَ لا يَدخُلُ في مفهومِ الآيةِ؛ لأنَّ هذا من بابِ التفسيرِ بالمثالِ.
ومنهم مَن قالَ: السابِقُ هو المُحسِنُ بأداءِ المستحبَّاتِ مع الواجباتِ؛ أي: أنه يؤدِّي الزكاةَ ويُنفِقُ إنفاقًا زائدًا على الزكاةِ. والظالِمُ لنَفْسِه آكِلُ الرِّبا أو مانعُ الزكاةِ , والمقتصدُ الذي يؤدِّي الزكاةَ المفروضةَ ولا يأكُلُ الرِّبا، ولا يُنفقُ أكثرَ من الزكاةِ , فهذا التفسيرُ أيضًا للآيةِ إنما هو بنوعٍ آخَرَ من أنواعِ الطَّاعاتِ , وهو الزكاةُ، ولا يعني هذا عدمَ دخولِ غيرِها من الطاعاتِ في مفهومِ الآيةِ؛ لأنَّ هذا من بابِ التفسيرِ بالمثالِ، فيمكنُ أنْ تُرتِّبَه على أيِّ نوعٍ آخَرَ من أنواعِ الطاعاتِ كَبـِرِّ الوالدَين وتلاوةِ القرآنِ وغيرِ ذلك.

المثال الثاني:قولُه تعالى: {وَلَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}
قال بعضُ السَّلفِ: النعيمُ الأكلُ والشُّربُ.
وقال بعضُهم: النعيمُ الصِّحةُ والأمنُ.
وقال بعضُهم: النعيمُ هو الماءُ الباردُ في الليلةِ الصائفةِ والماءُ الحارُّ في الليلةِ الشاتِيَةِ.
فما ذُكِرَ في هذه الأقوالِ ليس هو كلَّ النعيمِ، وإنما هو أمثلةٌ للنعيمِ، ولذلك فإنَّ عباراتِ السَّلَفِ في مِثلِ هذا تُحملُ على المثالِ , لا على التخصيصِ، فما ذُكرَ لا يَدخُلُ في النَّعيمِ ويدخلُ معه غيرُه مما لم يُذكَرْ؛ لأنَّ النعيمَ هو كلُّ ما يَتنَعَّمُ به الإنسانُ، ويدلُّ لذلك ما وَردَ في الحديثِ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ قال لأبي بكرٍ وعُمرَ لمَّا أكلوا من طعامِ الأنصارِيِّ: (({وَلَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ})).فأرادَ أن يُنبِّهَهم إلى أنَّ هذا الأكلَ من النعيمِ الذي يُسأَلون عنه.
وقد نبَّهَ المصنِّفُ هنا إلى ما ذُكِرَ سابِقًا مِن أنَّ التعريفَ بالمثالِ قد يُسهِّلُ أكثرَ من التعريفِ بالحدِّ المطابِقِ، والعقلُ السليمُ يتفطَّنُ للنوعِ كما يَتفطَّنُ إذا أُشيرَ إلى الرغيفِ , وقيل: هذا هو الخُبزُ.

المثال الثالث: قوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات} هنا الحفدة اختلف فيها المفسرون؛
فمنهم من قال: الحفدة: هم أولاد الأولاد، الحفيد يعني ابن الابن.
وقال آخرون: الحفدة: هم الأصهار يعني أزواج البنات.
وقال آخرون: الحفدة: هم العبيد والخدم.
وهذا لا يعتبر اختلافاً لأن إرجاع معنى اللفظ إلى أصله اللغوي يوضح لك أن هذه جميعاً من أفراد اللفظ وليست تخصيصاً له ذلك؛ لأن الحفد في اللغة هو المسارعة ومن أوصاف الخادم أنه يسارع في خدمة سيده وقد جاء في الحديث: ((إليك نسعى ونحفد)) يعني نسرع في طاعتك بالسعي وبما هو أسرع من السعي نحفد من جهة السرعة.
وسمي الخادم خادماً لأنه يسرع في إرضاء سيده.
كذلك ولد الولد باعتبار صغره وحداثة سنه ونحو ذلك وما لجده من الحقوق يسرع في إرضاء جده.
الأصهار أزواج البنات الأصل أنهم يرضون ويسرعون آباء أولادهم يعني من جهة البنات.
وكل هذا صحيح لأن الحفدة جمع حافد وهو اسم فاعل الحفد والحفد المسارعة في الخدمة وهذا يصدق على هؤلاء جميعاً هذا من هذا القسم وهو أن يكون اللفظ عاماً فيفسر بأحد أفراده هذا لا يعتبر اختلافاً.

فائدة: تفسير النبي للقرآن لا يخصص العام لكن يقدم على غيره
فإذا فَسَّرَ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ الآيةَ بتفسيرٍ، وكانتْ عبارةُ القرآنِ أعمَّ وأشملَ من تفسيرِه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، فإذا كانت عبارةُ القرآنِ تحتملُ غيرَ ما قالَه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ فإنه يجوزُ أن تُفسَّرَ به، ولكن لا يُرَدُّ قولُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ.
ومثالُ ذلك قولُه تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}.فَسَّرَها صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ بقولِه: ((ألا إنَّ القوَّةَ الرَّمْيُ, ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ))فقولُه تعالى: {مِنْ قُوَّةٍ} نكرةٌ دالَّةٌ على العمومِ؛ لأنَّها مؤكَّدةٌ بـ " مِن " فهي تشملُ أيَّ قوةٍ سواءٌ كانت رميًا أو غيرَه. ولكنه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ لمَّا فسَّرَها بالرميِ أرادَ أن يُمثِّلَ لأعلى قوَّةٍ تُؤثِّرُ في العدُوِّ، ومن الملاحَظِ أنَّ الحروبَ كلَّها من بدءِ الخلقِ إلى اليومِ تقومُ على الرَّمْيِ، فربما كانت السِّهامَ والمَنْجَنِيقَ واليومَ الطائراتِ والصواريخَ، وهذا التفسيرُ منه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ لا يعني أنَّ غيرَ الرميِ من أنواعِ القوَّةِ لا يدخُلُ في مفهومِ الآيةِ، ولهذا فسَّرَ السَّلفُ القوةَ بذكورِ الخيلِ، وفسَّرَها بعضُهم بالسيوفِ والرماحِ , إلى غيرِ ذلك من التفسيراتِ، لكن ينبغي أن يكونَ ذِكرُ مثلِ هذه التفسيراتِ في حدودٍ ضيقةٍ؛ لأنَّ تفسيرَه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ لا يُقارَنُ بتفسيرِ غيرِه.

النوع الثاني: اختلاف التضاد

تعريفه:
هو الذي يَلزمُ من القولِ بأحدِ القولَيْن انتفاءُ الآخَرِ.
مثاله:
قولُه تعالى: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا}فالضَّميرُ في (نَاداها) يعودُ على مَن؟ قال بعضُ المفسِّرين: ناداها عيسى. وبعضُهم قال: ناداها جبريلُ. فهذا الاختلافُ يَرجعُ إلى أكثرَ مِن معنًى؛ لأنَّ المنادِيَ واحدٌ (الضميرُ ضميرُ المُفرَدِ)،فهو إما أن يكونَ عيسى وإما أن يكونَ جبريلَ، ولا يمكنُ أن يكونَ المنادِي هو جبريلُ وعيسى معًا، فهذا يُعتبرُ اختلافَ تضادٍّ؛ لأنه لا يمكنُ أن تحتملَ الآيةُ المعنَيَيْن معًا.
________________________________ _______ _______________________________________________

مسائل أخر متعلقة بأصول التفسير:

مسألة: قولهم نزلت في كذا، هل يعني هذا أنه سبب نزولها؟

نحو هذا لا يعني أن عموم اللفظ يخص بهذا السبب بل إن العموم له أفراد ومن أفراده هذه الحادثة التي حدثت، وهذا يدل له دلالة واضحة ما جاء في الصحيح أن رجلاً قبّل امرأة في الطريق وجاء للنبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وقال: إني لقيت امرأة في الطريق أو قال في أحد البساتين أو في أحد الحوائط ولا شيء يأتيه الرجل من امرأته إلا فعلته إلا النكاح؛ يعني إلا الوطء فسكت النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم ثم أنزل الله – جل وعلا – قوله: {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} والحسنات مثل الصلاة تذهب السيئات فأخذها، فقال الرجل: يا رسول الله ألي وحدي؟ قال: ((لا، بل لأمتي جميعاً))وهذا يعني أن خصوص السبب لا يخص به عموم اللفظ.
{أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات}هل هو لخصوص هذا الرجل؟
لا، قال النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم: ((بل لأمتـي جميعاً))فاستدل العلماء بهذا الحديث الذي في الصحيح أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

_________________________________________________________________________________________


مسائل استطرادية:

المسائلة الأولى: ما هي الأسماء المتكافئة؟
الأَسْمَاءِ الْمُتَكَافِئَةِ الَّتِي بَيْنَ الْمُتَرَادِفَةِ وَالْمُتَبَايِنَةِ، كَمَا قِيلَ في اسْمِ السَّيفِ: الصَّارمُ والْمُهَنَّدُ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَسْمَاءِ اللَّهِ الحُسْنَى، وَأَسْمَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ وَأَسْمَاءِ القُرْآنِ؛ فَإنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى مُسَمًّى واحِدٍ. فَلَيْسَ دُعَاؤُهُ بِاسْمٍ منْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مُضَادًّا لِدُعائِهِ بِاسْمٍ آخَرَ، بَلْ إِنَّ الأَمْرَ كَمَا قَالَ تعالَى: {قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاءُ} [سُورَة الإِسْرَاءِ: 110]،وَكُلُّ اسْمٍ منْ أَسْمَائِهِ يَدُلُّ علَى الذَّاتِ المُسَمَّاةِ وعلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الاسْمُ؛ كَالْعَليمِ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ والعِلْمِ، وَالقَدِيرِ يَدُلُّ علَى الذَّاتِ والقُدْرَةِ، والرَّحِيمِ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ والرَّحمةِ.


المسائلة الثانية: التحديد الدقيق للمصطلحات الشرعية
التحديدَ الدقيقَ للمصطلحاتِ الشرعيةِ ليس دائمًا صحيحًا، ومِن ثَمَّ لا يُستفادُ من هذا الحدِّ المطابِقِ في العلمِ بحقيقةِ الشيءِ ومعرفَتِه.
فلو قال قائلٌ مثلًا: عرِّفِ الصلاةَ. فقلتَ له: هي أقوالٌ وأفعالٌ مخصوصةٌ مُبْتَدَأَةٌ بالتكبيرِ , ومُخْتَتَمةٌ بالتسليمِ. فمِثلُ هذا التعريفِ هل يَحتاجُ إليه المسلمُ لمعرفةِ معنى الصلاةِ؟
وكذلك تعريفاتُ العلومِ مِثلِ علمِ الفقهِ، وعلمِ الأصولِ، وعلمِ التجويدِ، وغيرِ ذلك، ولهذا إذا أردتَ مثلًا أن تُعرِّفَ عِلمَ أصولِ الفقهِ تعريفًا جامعًا مانعًا فإنَّ هذا لا يُمكنُ؛ لأنَّ طلبَ الحدِّ المطابِقِ فيه نوعٌ من التعجيزِ، ولذلك فإنه يُكتفَى في التعريفِ بالوصفِ الذي يوضِّحُ مدلولَ العِلمِ، ولا يلزمُ ذِكرُ الحدِّ المطابِقِ تمامًا؛ لأنَّ المرادَ هو إفهامُ السامعِ، وذلك يتحقَّقُ بدونِ ذكرِ التحديدِ الدقيقِ لبعضِ المصطلحاتِ العلميَّةِ أو الشرعيةِ. وهذه فائدةٌ علميةٌ نبَّه عليها شيخُ الإسلامِ في الردِّ على المنطِقِيِّين.
وبعض الذين كتَبُوا في علومِ القرآنِ أراد أن يُعرِّفَ علومَ القرآنِ، فاعترضَ على مؤلِّفٍ سابقٍ في تعريفِه لعلومِ القرآنِ بأنَّ تعريفَه غيرُ جامعٍ ولا مانِعٍ، ولمَّا ذَكرَ هو التعريفَ المختارَ عندَه لم يَستطِعْ أن يأتيَ بتعريفٍ جامعٍ مانعٍ؛ لأنه لا يمكنُ لإنسانٍ أن يأتيَ بتعريفٍ جامعٍ مانعٍ لعلومِ القرآنِ، ومِن ثَمَّ يُكتفَى بالإشارةِ إلى أمثلةٍ لهذا العِلمِ، فيقالُ: إنه العِلمُ الذي يبحثُ في مكِّيِّ السُّوَرِ ومَدَنِيِّها وناسِخِها ومنسوخِها ومُطلَقِها ومُقيَّدِها وأسبابِ نزولِها...إلخ. فهذا كافٍ في تصوُّرِ السائلِ لما يَدورُ عليه هذا العِلمُ، وإذا فَهِمَ هذا فإنه يُريحُ نفسَه كثيرًا من بعضِ التحديداتِ الدقيقةِ المتكلَّفةِ والمعقَّدةِ التي توجدُ في تعريفاتِ بعضِ العلومِ.

رد مع اقتباس
  #31  
قديم 14 رجب 1436هـ/2-05-2015م, 04:04 PM
الصورة الرمزية إسراء خليفة
إسراء خليفة إسراء خليفة غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 1,182
افتراضي عناصر موضوع معرفة أسباب النزول

نزول القرآن
· أقسام نزول القرآن
· نزول القرآن مفرقا
· بين أول نزوله وآخر نزوله

أهمية معرفة أسباب النزول
· فوائد معرفة أسباب النزول
· أمثلة على أهمية معرفة اسباب النزول

المؤلفات في أسباب النزول
· أشهرها
· قول الواحدي عن مصنفه
· أسباب كتابة الواحدي
· طريقة كتابة الواحدي لكتابه
· عيب مصنف الواحدي
· مميزات مصنف السيوطي
· أسباب كتابة السيوطي في أسباب النزول
· أسباب كتابة بن عاشور في النزول
· اهتمام الوادعي بذكر اسانيد اسباب النزول
· طريقة الوادعي في كتابه
· أسباب كتابة الوادعي في أسباب النزول
·
أنواع أسباب النزول
· النوع الأول من أسباب النزول
· النوع الثاني من أسباب النزول
· أقسام النوع الثاني من أنواع اسباب النزول
· سبب واحد في نزول آيات متفرقة
· أمثلة سبب واحد في نزول آيات متفرقة
· تعدد الأسباب والنازل واحد
· السياق الذي وردت فيه الآية هل يكون كالسبب أو لا ينتهي في القوة إلي ذلك؟ ومثال ذلك..

صيغ أسباب النزول واحتمالاتها
· صيغ اسباب النزول الصريحة
· صيغ اسباب النزول المحتملة
· أحوال الاختلاف في سبب النزول
· عند الاختلاف يقدم المعتمد الصريح على المستنبط المحتمل
· بأيهما يبدأ المفسّر ببيان معنى الآية أم ببيان سبب نزولها؟
· دليل جواز النزول قبل الحكم
قد يكون النزول سابقا على الحكم

العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
· الدليل على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
فائدة عموم اللفظ مع خصوص السبب
· أمثلة على العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
· صورة السبب قطعية الدخول في العام ومثاله
· من صور العام الذي يراد به الخصوص

طريقة معرفة اسباب النزول
· القول في أسباب النزول موقوف على السماع
· تحرز السلف عن القول في أسباب النزول
· الدليل على التحذير من القول بغير علم في أسباب النزول
أمثلة على تحرز السلف عن القول في أسباب النزول
· عدم جزم بعض السلف بأسباب النزول
· أهمية جمع الطرق وفحص المرويّات
· الصحيح معتمد بخلاف ما دونه
· أقسام ما صح من أسباب النزول
· أمثلة لبعض ما صحَّ من أسباب النزول
· أمثلة للضعيف من أسباب النزول
· التحذير من ذكر الأخبار الضعيفة والواهية في أسباب النزول
· عدم إدخال الأخبار في اسباب النزول
· اسباب النزول منها المشهور والغريب والصحيح والضعيف

قول الصحابة في أسباب النزول
· قول الصحابي نزلت في كذا هل يدخل في المسند؟
· هل يُحمل قول الصحابي في سبب النزول على الرفع؟
· تفاسير الصحابة
· شروط إدخال أقوال الصحابة في المسند
· حكم أقوال الصحابة غير المسندة منقطعة
· حكم أقوال الصحابة الصحيحة مرفوعة

قول التابعين في أسباب النزول
· شرط قبول تفسير التابعي المرسل
· حكم ما روي عن التابعين في أسباب النزول
· معنى قول السلف نزلت في كذا
· حكم دخول معنى قول السلف نزلت في كذا في المسند

رد مع اقتباس
  #32  
قديم 17 رجب 1436هـ/5-05-2015م, 06:47 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إسراء خليفة مشاهدة المشاركة
العناصر:
· تمهيد
· الاختلاف نوعان: تنوع وتضاد
· تعريف اختلاف التنوع
· أقسام اختلاف التنوع
· النوع الأول من اختلاف التنوع: التعبير عن المسمى بأكثر من اسم
· أمثلة ( الصراط / الذكر )
· فائدة
· معرفة مقصود السائل مهمة
· النوع الثاني من اختلاف التنوع: التعبير بالمثال ( العام الذي له أفراد )
· امثلة ( حسنة – حفدة – آية {ثم أورثنا الكتاب} )
· فائدة: تفسير النبي للقرآن لا يخصص العام لكن يقدم على غيره
· تعريف اختلاف التضاد
· مثال على اختلاف التضاد
· مسائل أخر: حول قولهم نزلت في كذا
· التحديد الدقيق للمصطلحات الشرعية ( مسألة استطرادية )




تلخيص درس أنواع الاختلاف


الخلاف بين السلف في التفسير قليل، وخلافهم في الأحكام أكثر من خلافهم في التفسير، وغالب ما يصح عنهم من الخلاف يرجع إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد.
أنواع الاختلاف:

النوع الأول: اختلاف التنوع:

تعريفه:
هو ما يمكنُ اجتماعُه في المفسَّرِ بلا تعارُضٍ ولا تضادٍّ، إما لرجوعِ الأقوالِ على معنًى واحدٍ، وإما لتنوُّعِ الأقوالِ وتعدُّدِها من غيرِ مُعارِضٍ.
أقسامه:
القسم الأول: التعبير عن المسمى بعبارات مختلفة
وهذا القِسمٌ يعودُ إلى معنًى واحـدٍ؛ فيُعَبِّرَ كُلُّ وَاحِدٍ منْهُمْ عَنِ المُرَادِ بعبارَةٍ غَيرِ عِبَارَةِ صَاحِبِهِ، تَدُلُّ عَلَى مَعْنًى في المُسَمَّى غَيرِ الْمَعنَى الآخَرِ، مَعَ اتِّحادِ المسمى. وهذا ممكن إذا كان مقصود السائل معرفة المسمى فقط.
هذا القسم تعود فيه الأقوال إلى أكثر من معنى لكن المسمى واحد أو نقول ذات واحدة، فالإسلام والقرآن والسنة ... معاني مختلفة لكنها تتفق في الدلالة على مسمى واحد وهو الصراط المستقيم، فاختلفت في الصفات واتفقت في الدلالة على الذات حيث هي جزء منه أو لازم من لوازمه.
أمثلة:
المِثَالُ الأول: تَفْسِيرُهُمْ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ
قَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ القُرْآنُ؛ أَي اتِّبَاعُهُ؛ لِقَوْلِ النَّبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ فِي حَدِيثِ عَلِيٍّ الَّذِي رَوَاهُ التِّرمذِيُّ، وَرَوَاهُ أَبُو نُعَيْمٍ منْ طُرُقٍ مُتَعَدِّدَةٍ: ((هُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ، وَالذِّكرُ الْحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ )).
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: هُوَ الإسْلامُ؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ - فِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ الَّذِي رَوَاهُ التِّرمذِيُّ، وغيرُهُ: ((ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا، وَعَلَى جَنَبَتَي الصِّرَاطِ سُورَانِ، وَ فِي السُّورَيْنِ أَبْوَابٌ مُفَتَّحَةٌ، وَعَلَى الأَبْوَابِ سُتُورٌ مُرْخَاةٌ، وَدَاعٍ يَدْعُو منْ فَوْقِ الصِّراطِ، ودَاعٍ يَدْعُو عَلَى رَأْسِ الصِّرَاطِ )).قَالَ: ((فَالصِّراطُ الْمُسْتَقِيمُ هُوَ الإسْلامُ، وَالسُّورَانِ حُدُودُ اللَّهِ، وَالأبْوَابُ الْمُفَتَّحَةُ مَحَارِمُ اللَّهِ، وَالدَّاعِي علَى رَأْسِ الصِّراطِ كِتَابُ اللَّهِ، وَالدَّاعِي فَوْقَ الصِّراطِ وَاعِظُ اللَّهِ في قَلْبِ كُلِّ مُؤْمنٍ ))
ومنهم مَن قال: هو السُّنَّةُ والجماعةُ.

ومنهم مَن قال: هو طريقُ العبوديةِ. ومنهم مَن قالَ: هي طاعةُ اللَّهِ ورسولِه.
فهذه العباراتُ إذا نظرْتَ إليها وجدْتَها مختلفةً من جهةِ الألفاظِ، لكنَّها متَّفِقةٌ من جهةِ دلالَتِها على شيءٍ واحدٍ، وبينَها تلازُمٌ؛ لأنَّ السُّنةَ والجماعةَ هي طريقُ العبوديةِ، ولا يمكنُ أن تُسلَكَ بغيرِ القرآنِ , والقرآنُ مستلزِمٌ للإسلامِ، وكذلك طاعةُ اللَّهِ ورسولِه. فهذه الأقوالُ بينَها تلازُمٌ , وهي تعودُ إلى ذاتٍ واحدةٍ .
فإذا عُبِّرَ عن الصراطِ بأنه القرآنُ أو بأنه الإسلامُ، أو بأنه اتِّباعُ طريقِ أبي بكرٍ وعمرَ مَثَلًا، فهذا كلُّه صحيحٌ؛ لأنَّه يرجِعُ إلى ذاتٍ واحدةٍ؛ وهي الصراطُ المستقيمُ.

فائدة:
الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ وإن كان لم يَذكُرْ الحديثَيْن المذكورين في القولين الأولين في مقامِ التفسيرِ إلا أنَّ بينَهما وبينَ المعنى المذكورِ في الآيةِ توافُقًا من جهةِ المعنى، ومادام الأمرُ كذلك فيُمكنُ أن يقالَ: إنَّ الصراطَ المستقيمَ الذي في الآيةِ هو الصراطُ الذي ذَكرَهُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ في الحديثِ؛ لأنَّ السُّنةَ تُفسِّرُ القرآنَ، ولكنَّ الذي رَبَطَ بينَ المَعنَيَيْنِ هو المفسَّرُ.
المثال الثاني: المراد بالذكر في قوله تعالى"ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا"
قيل: القرآن؛ لأن الله وصف القرآن بأنه ذكر " قال تعالى"ذلك نتلوه عليك من الآيات والذكر الحكيم".
قيل: الذكر العام
قيل: السنة.
فهذه الأقوال من حيث الدلالة فإنها متلازمة لأن من أعرض عن القرآن أعرض عن السنة أعرض عن الإسلام أعرض عن اتباع الرسول.ومن أعرض عن السنة أعرض عن القرآن أعرض عن الإسلام.
ولكن الصحيح أن المراد: القرآن؛ لقوله تعالى بعد ذلك "قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى"
لكن التعبير عن القرآن هنا كان من جنس التعبير عن المسمى بصفة فيه؛ فالقرآن ذكر، والقرآن هدى.
( ها هنا إشكال عندي لأن الشيخ صالح والشيخ الطيار ذكروا هذا المثال على أنه من التعبير عن المسمى بأكثر من معنى، لكن لماذا يدخل هذا المثال تحت العام الذي له أفراد فلفظ الذكر لفظ عام، والأفراد الداخلة فيه كلها تحتملها الآية ) سأجيبك بالتفصيل إن شاء الله نهاية التصحيح.
وهذا النوع السابق كما ذكرنا إذا كان مقصود السائل معرفة المسمى فقط، أما إذا كان مقصودُ السائِلِ معرفةَ ما في الاسمِ من صفةٍ فهذا لا بدَّ من تعريفِه بالمعنى الذي تَتَضَمَّنُه هذه الصفةُ، وذلك مِثلُ " العليمُ " فهو يسألُ عن معنى العِلمِ في هذا الاسمِ، أو " الرحيمُ " يسألُ عن معنى الرحمةِ، أو " الغفورُ " فهو يسألُ عن معنى المغفرةِ في هذا الاسمِ، وليس مرادُه معرفةَ مَن هو الغفورُ؟ فيقالَ له: هو اللَّهُ.
القسم الثاني: التعبير بالمثال ( العام الذي له أفراد )
وهو أَنْ يَذْكُرَ كُلٌّ منْهُمْ مِن الاسْمِ العَامِّ بَعْضَ أَنْوَاعِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّمثيلِ، وَتَنْبِيهِ الْمُسْتَمِعِ عَلَى النَّوعِ، لاَ علَى سَبِيلِ الْحَدِّ الْمُطَابِقِ لِلْمَحْدُودِ فِي عُمُومِهِ وَخُصُوصِهِ، مِثلُ سَائلٍ أَعْجَمِيٍّ سَأَلَ عَنْ مُسَمَّى لَفْظِ " الخُبْزِ " فَأُرِيَ رَغِيفًا، وَقِيلَ: هَذَا. فَالإِشَارَةُ إِلَى نَوْعِ هَذَا، لاَ إِلَى هَذَا الرَّغيفِ وحدَهُ.
أمثلة:
المثال الأول: قولُه تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سابِقٌ بالخَيراتِ}
ذَكرَ بعضُهم أنَّ السَّابِقَ هو الذي يُصلِّي في أوَّلِ الوقتِ، والمقتصِدَ الذي يُصلِّي في أثنائِه، والظالِمَ لنَفسِه هو الذي يؤخِّرُ العصرَ إلى الاصفرارِ. فمَن فسَّرَ هذه الآيةَ بهذا التفسيرِ اقتصر على نوعٍ من أنواعِ الطاعاتِ , وهو الصلاةُ المفروضةُ , وأداؤُها في الوقتِ المحدَّدِ، ولكنَّ ذلك لا يعني أنَّ غيرَ ما ذُكِرَ لا يَدخُلُ في مفهومِ الآيةِ؛ لأنَّ هذا من بابِ التفسيرِ بالمثالِ.
ومنهم مَن قالَ: السابِقُ هو المُحسِنُ بأداءِ المستحبَّاتِ مع الواجباتِ؛ أي: أنه يؤدِّي الزكاةَ ويُنفِقُ إنفاقًا زائدًا على الزكاةِ. والظالِمُ لنَفْسِه آكِلُ الرِّبا أو مانعُ الزكاةِ , والمقتصدُ الذي يؤدِّي الزكاةَ المفروضةَ ولا يأكُلُ الرِّبا، ولا يُنفقُ أكثرَ من الزكاةِ , فهذا التفسيرُ أيضًا للآيةِ إنما هو بنوعٍ آخَرَ من أنواعِ الطَّاعاتِ , وهو الزكاةُ، ولا يعني هذا عدمَ دخولِ غيرِها من الطاعاتِ في مفهومِ الآيةِ؛ لأنَّ هذا من بابِ التفسيرِ بالمثالِ، فيمكنُ أنْ تُرتِّبَه على أيِّ نوعٍ آخَرَ من أنواعِ الطاعاتِ كَبـِرِّ الوالدَين وتلاوةِ القرآنِ وغيرِ ذلك.

المثال الثاني:قولُه تعالى: {وَ{ ثم لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}
قال بعضُ السَّلفِ: النعيمُ الأكلُ والشُّربُ.
وقال بعضُهم: النعيمُ الصِّحةُ والأمنُ.
وقال بعضُهم: النعيمُ هو الماءُ الباردُ في الليلةِ الصائفةِ والماءُ الحارُّ في الليلةِ الشاتِيَةِ.
فما ذُكِرَ في هذه الأقوالِ ليس هو كلَّ النعيمِ، وإنما هو أمثلةٌ للنعيمِ، ولذلك فإنَّ عباراتِ السَّلَفِ في مِثلِ هذا تُحملُ على المثالِ , لا على التخصيصِ، فما ذُكرَ لا يَدخُلُ في النَّعيمِ ويدخلُ معه غيرُه مما لم يُذكَرْ؛ لأنَّ النعيمَ هو كلُّ ما يَتنَعَّمُ به الإنسانُ، ويدلُّ لذلك ما وَردَ في الحديثِ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ قال لأبي بكرٍ وعُمرَ لمَّا أكلوا من طعامِ الأنصارِيِّ: (({وَلَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ})).فأرادَ أن يُنبِّهَهم إلى أنَّ هذا الأكلَ من النعيمِ الذي يُسأَلون عنه.
وقد نبَّهَ المصنِّفُ هنا إلى ما ذُكِرَ سابِقًا مِن أنَّ التعريفَ بالمثالِ قد يُسهِّلُ أكثرَ من التعريفِ بالحدِّ المطابِقِ، والعقلُ السليمُ يتفطَّنُ للنوعِ كما يَتفطَّنُ إذا أُشيرَ إلى الرغيفِ , وقيل: هذا هو الخُبزُ.
هذه العبارة يجب إفرادها في مسألة مستقلة لأهميتها، وهي: فائدة التفسير بالمثال
المثال الثالث: قوله تعالى: {وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات} هنا الحفدة اختلف فيها المفسرون؛
فمنهم من قال: الحفدة: هم أولاد الأولاد، الحفيد يعني ابن الابن.
وقال آخرون: الحفدة: هم الأصهار يعني أزواج البنات.
وقال آخرون: الحفدة: هم العبيد والخدم.
وهذا لا يعتبر اختلافاً لأن إرجاع معنى اللفظ إلى أصله اللغوي يوضح لك أن هذه جميعاً من أفراد اللفظ وليست تخصيصاً له ذلك؛ لأن الحفد في اللغة هو المسارعة ومن أوصاف الخادم أنه يسارع في خدمة سيده وقد جاء في الحديث: ((إليك نسعى ونحفد)) يعني نسرع في طاعتك بالسعي وبما هو أسرع من السعي نحفد من جهة السرعة.
وسمي الخادم خادماً لأنه يسرع في إرضاء سيده.
كذلك ولد الولد باعتبار صغره وحداثة سنه ونحو ذلك وما لجده من الحقوق يسرع في إرضاء جده.
الأصهار أزواج البنات الأصل أنهم يرضون ويسرعون آباء أولادهم يعني من جهة البنات.
وكل هذا صحيح لأن الحفدة جمع حافد وهو اسم فاعل الحفد والحفد المسارعة في الخدمة وهذا يصدق على هؤلاء جميعاً هذا من هذا القسم وهو أن يكون اللفظ عاماً فيفسر بأحد أفراده هذا لا يعتبر اختلافاً.

فائدة: تفسير النبي للقرآن لا يخصص العام لكن يقدم على غيره
فإذا فَسَّرَ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ الآيةَ بتفسيرٍ، وكانتْ عبارةُ القرآنِ أعمَّ وأشملَ من تفسيرِه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، فإذا كانت عبارةُ القرآنِ تحتملُ غيرَ ما قالَه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ فإنه يجوزُ أن تُفسَّرَ به، ولكن لا يُرَدُّ قولُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ.
ومثالُ ذلك قولُه تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}.فَسَّرَها صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ بقولِه: ((ألا إنَّ القوَّةَ الرَّمْيُ, ألا إنَّ القوَّةَ الرَّميُ))فقولُه تعالى: {مِنْ قُوَّةٍ} نكرةٌ دالَّةٌ على العمومِ؛ لأنَّها مؤكَّدةٌ بـ " مِن " فهي تشملُ أيَّ قوةٍ سواءٌ كانت رميًا أو غيرَه. ولكنه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ لمَّا فسَّرَها بالرميِ أرادَ أن يُمثِّلَ لأعلى قوَّةٍ تُؤثِّرُ في العدُوِّ، ومن الملاحَظِ أنَّ الحروبَ كلَّها من بدءِ الخلقِ إلى اليومِ تقومُ على الرَّمْيِ، فربما كانت السِّهامَ والمَنْجَنِيقَ واليومَ الطائراتِ والصواريخَ، وهذا التفسيرُ منه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ لا يعني أنَّ غيرَ الرميِ من أنواعِ القوَّةِ لا يدخُلُ في مفهومِ الآيةِ، ولهذا فسَّرَ السَّلفُ القوةَ بذكورِ الخيلِ، وفسَّرَها بعضُهم بالسيوفِ والرماحِ , إلى غيرِ ذلك من التفسيراتِ، لكن ينبغي أن يكونَ ذِكرُ مثلِ هذه التفسيراتِ في حدودٍ ضيقةٍ؛ لأنَّ تفسيرَه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ لا يُقارَنُ بتفسيرِ غيرِه.

النوع الثاني: اختلاف التضاد

تعريفه:
هو الذي يَلزمُ من القولِ بأحدِ القولَيْن انتفاءُ الآخَرِ.
مثاله:
قولُه تعالى: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا}فالضَّميرُ في (نَاداها) يعودُ على مَن؟ قال بعضُ المفسِّرين: ناداها عيسى. وبعضُهم قال: ناداها جبريلُ. فهذا الاختلافُ يَرجعُ إلى أكثرَ مِن معنًى؛ لأنَّ المنادِيَ واحدٌ (الضميرُ ضميرُ المُفرَدِ)،فهو إما أن يكونَ عيسى وإما أن يكونَ جبريلَ، ولا يمكنُ أن يكونَ المنادِي هو جبريلُ وعيسى معًا، فهذا يُعتبرُ اختلافَ تضادٍّ؛ لأنه لا يمكنُ أن تحتملَ الآيةُ المعنَيَيْن معًا.
________________________________ _______ _______________________________________________

مسائل أخر متعلقة بأصول التفسير:

مسألة: قولهم نزلت في كذا، هل يعني هذا أنه سبب نزولها؟

نحو هذا لا يعني أن عموم اللفظ يخص بهذا السبب بل إن العموم له أفراد ومن أفراده هذه الحادثة التي حدثت، وهذا يدل له دلالة واضحة ما جاء في الصحيح أن رجلاً قبّل امرأة في الطريق وجاء للنبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وقال: إني لقيت امرأة في الطريق أو قال في أحد البساتين أو في أحد الحوائط ولا شيء يأتيه الرجل من امرأته إلا فعلته إلا النكاح؛ يعني إلا الوطء فسكت النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم ثم أنزل الله – جل وعلا – قوله: {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} والحسنات مثل الصلاة تذهب السيئات فأخذها، فقال الرجل: يا رسول الله ألي وحدي؟ قال: ((لا، بل لأمتي جميعاً))وهذا يعني أن خصوص السبب لا يخص به عموم اللفظ.
{أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات}هل هو لخصوص هذا الرجل؟
لا، قال النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم: ((بل لأمتـي جميعاً))فاستدل العلماء بهذا الحديث الذي في الصحيح أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
هذه المسألة هي متصلة اتصالا وثيقا بالنوع الثاني من اختلاف التنوع وهو التفسير بالمثال، لأن السلف لما يذكروا سبب نزول للآية وهو ليس سببها الحقيقي فمقصودهم أنه مثال لما يشمله لفظ الآية لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فأصبح لفظ الآية عام وله أفراد.
_________________________________________________________________________________________


مسائل استطرادية:

المسائلة الأولى: ما هي الأسماء المتكافئة؟
الأَسْمَاءِ الْمُتَكَافِئَةِ الَّتِي بَيْنَ الْمُتَرَادِفَةِ وَالْمُتَبَايِنَةِ، كَمَا قِيلَ في اسْمِ السَّيفِ: الصَّارمُ والْمُهَنَّدُ، وَذَلِكَ مِثْلُ أَسْمَاءِ اللَّهِ الحُسْنَى، وَأَسْمَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ وَأَسْمَاءِ القُرْآنِ؛ فَإنَّ أَسْمَاءَ اللَّهِ كُلَّهَا تَدُلُّ عَلَى مُسَمًّى واحِدٍ. فَلَيْسَ دُعَاؤُهُ بِاسْمٍ منْ أَسْمَائِهِ الْحُسْنَى مُضَادًّا لِدُعائِهِ بِاسْمٍ آخَرَ، بَلْ إِنَّ الأَمْرَ كَمَا قَالَ تعالَى: {قُلِ ادْعُواْ اللَّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاءُ} [سُورَة الإِسْرَاءِ: 110]،وَكُلُّ اسْمٍ منْ أَسْمَائِهِ يَدُلُّ علَى الذَّاتِ المُسَمَّاةِ وعلَى الصِّفَةِ الَّتِي تَضَمَّنَهَا الاسْمُ؛ كَالْعَليمِ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ والعِلْمِ، وَالقَدِيرِ يَدُلُّ علَى الذَّاتِ والقُدْرَةِ، والرَّحِيمِ يَدُلُّ عَلَى الذَّاتِ والرَّحمةِ.
هذه ليست مسألة استطرادية لأنها مهمة في فهم النوع الأول من اختلاف التنوع، فيمكننا تسميتها مثلا بمسائل تمهيدية، وذكرها مهم كمدخل لفهم الدرس.

المسائلة الثانية: التحديد الدقيق للمصطلحات الشرعية
التحديدَ الدقيقَ للمصطلحاتِ الشرعيةِ ليس دائمًا صحيحًا، ومِن ثَمَّ لا يُستفادُ من هذا الحدِّ المطابِقِ في العلمِ بحقيقةِ الشيءِ ومعرفَتِه.
فلو قال قائلٌ مثلًا: عرِّفِ الصلاةَ. فقلتَ له: هي أقوالٌ وأفعالٌ مخصوصةٌ مُبْتَدَأَةٌ بالتكبيرِ , ومُخْتَتَمةٌ بالتسليمِ. فمِثلُ هذا التعريفِ هل يَحتاجُ إليه المسلمُ لمعرفةِ معنى الصلاةِ؟ وهذه هي فائدة التعبير بالمثال دون التعبير بالحد المطابق.
وكذلك تعريفاتُ العلومِ مِثلِ علمِ الفقهِ، وعلمِ الأصولِ، وعلمِ التجويدِ، وغيرِ ذلك، ولهذا إذا أردتَ مثلًا أن تُعرِّفَ عِلمَ أصولِ الفقهِ تعريفًا جامعًا مانعًا فإنَّ هذا لا يُمكنُ؛ لأنَّ طلبَ الحدِّ المطابِقِ فيه نوعٌ من التعجيزِ، ولذلك فإنه يُكتفَى في التعريفِ بالوصفِ الذي يوضِّحُ مدلولَ العِلمِ، ولا يلزمُ ذِكرُ الحدِّ المطابِقِ تمامًا؛ لأنَّ المرادَ هو إفهامُ السامعِ، وذلك يتحقَّقُ بدونِ ذكرِ التحديدِ الدقيقِ لبعضِ المصطلحاتِ العلميَّةِ أو الشرعيةِ. وهذه فائدةٌ علميةٌ نبَّه عليها شيخُ الإسلامِ في الردِّ على المنطِقِيِّين.
وبعض الذين كتَبُوا في علومِ القرآنِ أراد أن يُعرِّفَ علومَ القرآنِ، فاعترضَ على مؤلِّفٍ سابقٍ في تعريفِه لعلومِ القرآنِ بأنَّ تعريفَه غيرُ جامعٍ ولا مانِعٍ، ولمَّا ذَكرَ هو التعريفَ المختارَ عندَه لم يَستطِعْ أن يأتيَ بتعريفٍ جامعٍ مانعٍ؛ لأنه لا يمكنُ لإنسانٍ أن يأتيَ بتعريفٍ جامعٍ مانعٍ لعلومِ القرآنِ، ومِن ثَمَّ يُكتفَى بالإشارةِ إلى أمثلةٍ لهذا العِلمِ، فيقالُ: إنه العِلمُ الذي يبحثُ في مكِّيِّ السُّوَرِ ومَدَنِيِّها وناسِخِها ومنسوخِها ومُطلَقِها ومُقيَّدِها وأسبابِ نزولِها...إلخ. فهذا كافٍ في تصوُّرِ السائلِ لما يَدورُ عليه هذا العِلمُ، وإذا فَهِمَ هذا فإنه يُريحُ نفسَه كثيرًا من بعضِ التحديداتِ الدقيقةِ المتكلَّفةِ والمعقَّدةِ التي توجدُ في تعريفاتِ بعضِ العلومِ.


بارك الله فيك ونفع بك.
قد أتيت على جميع المسائل تقريبا عذا مسائل يسيرة جدا.
وهذه مقدمة وضعناها لكل الطلاب خاصة بأول تلخيص، ربما لم تعودي بحاجة إليها لكن لا بأس من وضعها للفائدة.



سنتكلم إن شاء الله على أصول في تلخيص دروس مقدمة التفسير أرجو أن تتبع في بقية الملخصات، وستلمسين منها بإذن الله استيعابا أفضل للدروس، كما أن الجهد فيها سيكون أخف بإذن الله.
ونذكر بالخطوات الخمس للتلخيص العلمي السليم، وهي:
استخلاص المسائل، ترتيبها، التحرير العلمي، حسن الصياغة، حسن العرض.
1- فالواجب أولا قراءة الدرس قراءة سريعة واستخلاص عناصره.
ونقصد بالعناصر الأفكار الرئيسة التي تناولها الدرس، فمثلا كل نوع من أنواع الاختلاف الوارد في التفسير يعتبر فكرة رئيسة من أفكار هذا الدرس.
2- ثم بعد تحديد العناصر التي هي موضوعات الدرس الأساسية نستخلص من كل عنصر مسائله.
ونقصد بمسائل العنصر ما يندرج تحته من أفكار أدق كاشفة ومبينة لمحتواه.
فاختلاف التنوع الراجع الذي هو من قبيل التمثيل للعمومات، تحته مسائل مثل:
- سبب وجود هذا الاختلاف بين المفسرين
- مثاله الموضح له
- فائدته، أي لماذا التفسير بالمثال أفيد من التفسير بالحد المطابق؟
ولو أخذنا عنصرا آخر كتنوع الأسماء والأوصاف، تحته أيضا مسائل:
- سبب وجود هذا النوع بين المفسرين
- أمثلة موضحة له
- أثر مقصود السائل في تحديد عبارة المفسر.
وغير ذلك من مسائل ذكرها المؤلف عند شرحه لهذا العنصر، وكلها مسائل متصلة به مباشرة.
فالخطوة الأولى: استخلاص العناصر
والخطوة الثانية جمع كل ما يتعلق بالعنصر من مسائل متصلة به مباشرة.
والخطوة الثالثة وهي مهمة جدا وتتعلق بربط العناصر والمسائل بموضوع الدرس، ما صلتها بالموضوع؟
بعض الطلاب يضع المسألة وهو لا يعرف ما فائدة وجود هذه المسألة في الدرس، فتجد هناك شتاتا بين فقرات الملخص، فلابد إذن من نظر مدقق يكتشف به الطالب صلة وجود هذه المسألة في الدرس.
قد تكون هذه المسألة مسألة تمهيدية يجعلها المؤلف كمدخل للدرس، وقد تكون مسألة استطرادية لكن مؤكد لها علاقة بالدرس، فنعرف أين يكون موضع هذه المسائل في الملخص، وذلك حتى نضمن ترتيبا سليما واتصالا قويا لفقرات الملخص بعضها ببعض وبموضوع الدرس.
ومن خلال استخلاص العناصر والمسائل وترتيبها ترتيبا موضوعيا متصلا يمكننا عمل أول وأهم جزء في الملخص وهو الخريطة العلمية للدرس. وهي شبيهة بقائمة عناصر مخلصات دروس التفسير.
1- فنبدأ بذكر الموضوع الرئيس للدرس.
2- ثم إن كان هناك مسائل ذكرها المؤلف كمدخل للدرس نفصلها في عنصر مستقل تحت اسم: التمهيد، ولا نخلطها بمسائل العماد التي هي المسائل الرئيسة.
3- ثم نذكر عناصر الدرس، وتحت كل عنصر مسائله المباشرة.
4- ثم المسائل الاستطرادية إن وجدت
5- ثم العنوان الأخير وهو: خلاصة الدرس.
بعد عمل هذه القائمة والتي نسميها الخريطة العلمية للدرس، نبدأ في تلخيص كلام الشراح وهو ما نسميه بالتحرير العلمي، تماما كما كنا نلخص كلام المفسرين تحت كل مسألة.
وكل ذلك يتبين لك بمطالعة نموذج الإجابة:


أنواع اختلاف التنوع



عناصر الدرس:
● موضوع الدرس
تمهيد:
... - معنى اتّفاق السلف في التفسير
... -
بيان قلة الاختلاف الوارد عن السلف في التفسير
... - أنواع الألفاظ عند الأصوليين
أقسام الاختلاف الوارد عن السلف في التفسير
● القسم الأول: اختلاف التضاد
... - معنى اختلاف التضاد.
... - مثاله.

القسم الثاني: اختلاف التنوع
... - معنى اختلاف التنوع
... - أنواع اختلاف التنوع
... ..أ.
اختلاف التنوع الذي يعود إلى أكثر من معنى بلا تعارض.
.....ب. اختلاف التنوع الذي يعود إلى معنى واحد.

أ: اختلاف التنوع الذي يعود إلى أكثر من معنى بلا تعارض.
..تنوع الأسماء والأوصاف التي يعبر بها المفسر عن المعنى المراد.
...- سببه
..- مثاله

..الفرق بين دلالة اللفظ على الصفة ودلالته على العين في التفسير
.. أثر مقصود السائل في عبارة المفسر.

ب: اختلاف التنوع الذي يعود إلى معنى واحد.
..
التفسير بالمثال.
. - سببه
..- مثاله
..فائدة التفسير بالمثال

تنبيهات في اختلاف التنوع
- قاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

-
تعدد الأسباب الواردة في النزول

- فائدة في تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم لبعض الألفاظ.


ضابط الحكم على نوع الأقوال الواردة في التفسير
● خلاصة الدرس


تلخيص الدرس


● موضوع الدرس
موضوع الدرس هو شرح أنواع اختلاف التنوع الوارد عن السلف في التفسير.


● تمهيد
معنى اتّفاق السلف في التفسير
- اتفاق السلف في تفسير الآية أو الكلمة ليس معناه اتفاق أقوالهم في الألفاظ والحروف، بل يقصد بالاتفاق اتفاقهم في المعنى، ولا يعدّ اختلاف الألفاظ مع الاتفاق في المعنى اختلافاً في التفسير.
- لاختلاف الألفاظ مع اتفاق المعنى أسباب منها:
أ: وقوع اللفظ في جواب سؤال السائل عن شيء معيّن.
ب: مراعاة حال من أفيد بالتفسير كحاجته التي فيها إصلاحه من جهة الهداية.
ج: النظر إلى عموم اللفظ وما يشمله.

بيان قلة الاختلاف الوارد عن السلف في التفسير
- الاختلاف الوارد عن السلف في التفسير قليل.
- اختلاف السلف في الأحكام أكثر منه في التفسير.

أنواع الألفاظ عند الأصوليين.
الألفاظ عند الأصوليين خمسة:
متواطئة أو مشتركة أو مشككة أو مترادفة أو متباينة.
- الألفاظ المترادفة: هي الألفاظ التي تدل على مسمى واحد أو معنى واحد، كأسماء الأسد.
- الألفاظ المتباينة: هي الألفاظ المختلفة التي تدل على معان مختلفة، كالسيف والفرس.
- الألفاظ المتكافئة: هي الألفاظ التي تتفق في دلالتها على الذات، وتختلف في دلالتها على الصفات، كما قيل في اسم السيف المهند والبتار والصارم، ومثل أسماء القرآن كالفرقان والهدى والشفاء والبيان والكتاب، وأسماء الله الحسنى كالقدوس والسلام والسميع والعليم، وأسماء الرسول صلى الله عليه وسلم كأحمد ومحمد والماحي والحاشر والعاقب، فهذه الأسماء مختلفة في الصفات مشتركة في دلالتها على الذات.



أقسام الاختلاف الوارد عن السلف في التفسير
- ينقسم الاختلاف الوارد عن السلف في التفسير إلى قسمين: اختلاف تنوع واختلاف تضاد.

- غالب ما صح عن السلف من الاختلاف يعود إلى اختلاف التنوع لا اختلاف التضاد.

● القسم الأول: اختلاف التضاد
- معنى
اختلاف التضادِّ: هو الذي يَلزمُ من القولِ بأحدِ القولَيْن انتفاءُ الآخَرِ.
- ومثالُه: مرجع الضمير المستتر في قوله تعالى: {فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا}.
-
قال بعضُ المفسِّرين: ناداها عيسى، وبعضُهم قال:ناداها جبريل، فهذا الاختلافُ يَرجعُ إلى أكثرَ مِن معنًى؛ لأنَّ المنادِيَ واحدٌ، فهو إما أن يكونَ عيسى وإما أن يكونَ جبريلَ، ولا يمكنُ أن يكونَ المنادِي هو جبريلُ وعيسى معًا، فهذا يُعتبرُ اختلافَ تضادٍّ؛ لأنه لا يمكنُ أن تحتملَ الآيةُ المعنَيَيْن معًا
.

القسم الثاني: اختلاف التنوع
-
معنى اختلاف التنوُّعِ: هو ما يمكنُ اجتماعُه في المفسَّرِ بلا تعارُضٍ ولا تضادٍّ،
إما لرجوعِ الأقوالِ على معنًى واحدٍ، وإما لتنوُّعِ الأقوالِ وتعدُّدِها من غيرِ مُعارِضٍ فتُحملُ الآية عليها جميعا.
- أنواع اختلاف التنوع: ينقسم اختلافَ التنوُّعِ إلى قسمين:-
- قِسمٌ يعودُ إلى معنًى واحـدٍ.
- قسمٌ يعودُ إلى أكثرَ مِن معنًى، ولكن هذه المعانيَ غيرُ متناقِضةٍ ولا متضادَّةٍ، فإذا كانت غيرَ متناقِضةٍ فإنَّ الآيةَ تُحملُ على هذه الأقوالِ التي قالها السَّلفُ.


القسم الأول: ما ترجع فيه الأقوال إلى أكثر من معنى وهو على أنواع، منها:
النوع الأول: تنوع الأسماء والأوصاف التي يعبر بها المفسر عن المعنى المراد.
سببه: تعبير المفسر عن المعنى المراد بعبارة غير عبارة المفسر الآخر تدل على معنى في المسمى غير المعنى الآخر مع اتحاد المسمى، بمنزلة الأسماء المتكافئة التي بين المترادفة والمتباينة.

مثاله: معنى الذكر في قوله تعالى:
{ومَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي}
- قيل: ذكري كتابي، أو كلامي، أو هداي.
- هذه الأسماء مختلفة في المعنى لكنّها متفقة على دلالتها على شيء واحد وهو القرآن.
مثال آخر: تفسير: "الصراط المستقيم" في قوله تعالى:
{اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}.
- قال بعض السلف: هو القرآن، وقال بعضهم: هو الإسلام، ومنهم من قال: هو طريق العبودية، ومنهم من قال: طاعة الله ورسوله، ومنهم من قال: أبو بكر وعمر.
-
هذه الألفاظ إذا نظرنا إليها نجدها مختلفةً من جهةِ الألفاظِ، لكنَّها متَّفِقةٌ من جهةِ دلالَتِها على شيءٍ واحدٍ، وبينَها تلازُمٌ؛ لأنَّ السُّنةَ والجماعةَ هي طريقُ العبوديةِ، ولا يمكنُ أن تُسلَكَ بغيرِ القرآنِ , والقرآنُ مستلزِمٌ للإسلامِ، وكذلك طاعةُ اللَّهِ ورسولِه. فهذه الأقوالُ بينَها تلازُمٌ، وهي تعودُ إلى أمر واحد في الحقيقة.
- إذا عُبِّرَ عن الصراطِ بأنه القرآنُ أو بأنه الإسلامُ، أو بأنه اتِّباعُ طريقِ أبي بكرٍ وعمرَ مَثَلًا، فهذا كلُّه صحيحٌ؛ لأنَّه يرجِعُ إلى أمر واحد يعرف به الصراطُ المستقيمُ.

الفرق بين دلالة اللفظ على الصفة ودلالته على العين في التفسير
- قد يعبّر عن الشيء بما يدلّ على عينه، وقد يعبّر عنه ببيان صفة من صفاته.
مثاله:
عندَما يقال: أحمدُ هو الحاشِرُ، فليس المرادُ أنَّ معنى أحمدَ هو معنى الحاشِرِ، وإنما المرادُ أنَّ أحمدَ هو الحاشِرُ، وهو الماحِي، وهكذا في سائر صفاته.
مثال آخر: إذا قيل: إن المراد بالذكر في قوله: {ومن أعرض عن ذكري} أنه هداي أو كتابي أو كلامي، فهي صفات راجعة إلى ذات واحدة.
مثال آخر: ما قيل في معنى الصراط المستقيم.

أثر مقصود السائل في عبارة المفسر.
- قد يكون مراد السائل معرفة العين المرادة باللفظ؛ وقد يكون مراده معرفة معنى الصفة التي وصفت بها العين؛ فيفسّر له بحسب حاجته.
مثاله: تفسير الذكر في قوله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري}.
- قد يكون قصد السائل معرفة المراد بالذكر في الآية؛ فيبيّن له بما يدلّ على أنه القرآن؛ فقد يقال: هو القرآن، وقد يقال: هو كلام الله، وقد يقال: هو الكتاب، وكلها ألفاظ عائدة إلى مراد واحد.
- وقد يعرف السائل أنّ المراد هو القرآن؛ لكنه يسأل عن معنى وصف القرآن بالذكر؛ فيفسّر له اللفظ بما يدلّ على معنى الصفة.
مثال آخر: معنى القدّوس.
- إذا كان قصد السائل معرفة المراد بالقدّوس؛ فيفسّر له بما يدلّ على أنّ المراد به هو الله تعالى.
- وإذا كان يعرف أنّ المراد به هو الله؛ لكنّه يسأل عن معنى وصفه بالقدّوس؛ فيكون التفسير بعبارات تبيّن معنى هذه الصفة، وهذا قدر زائد على تعيين المسمّى.
تنبيه:
- كثيراً مما يعبّر السَّلف كثيرًا عن المسمَّى بعبارةٍ تُنَزَّلُ على عَينِه؛ فلا يعني هذا أنها مطابِقةٌ له في المعنى، لكنها تدلُّ على عَينِ المسمَّى، وقد تكون هذه العبارة علما وقد تكون صفة.


● القسم الثاني: ما ترجع فيه الأقوال إلى معنى واحد وهو على أنواع، منها:
النوع الأول: التفسير بالمثال.
سببه: تعبير المفسر عن الاسم العام ببعض أفراده على سبيل التمثيل وتنبيه المستمع على النوع، لا على سبيل الحد المطابق للمحدود في عمومه وخصوصه.
مثاله: تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا منْ عِبَادِنَا فَمنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ}
1: ذَكرَ بعضُهم أنَّ السَّابِقَ هو الذي يُصلِّي في أوَّلِ الوقتِ، والمقتصِدَ الذي يُصلِّي في أثنائِه، والظالِمَ لنَفسِه هو الذي يؤخِّرُ العصرَ إلى الاصفرارِ.
- مَن فسَّرَ هذه الآيةَ بهذا التفسيرِ اقتصر على نوعٍ من أنواعِ الطاعاتِ، وهو الصلاةُ المفروضةُ، وأداؤُها في الوقتِ المحدَّدِ، ولكنَّ ذلك لا يعني أنَّ غيرَ ما ذُكِرَ لا يَدخُلُ في مفهومِ الآيةِ؛ لأنَّ هذا من بابِ التفسيرِ بالمثالِ.

2: ومنهم مَن قالَ: السابِقُ هو المُحسِنُ بأداءِ المستحبَّاتِ مع الواجباتِ؛ [أي: أنه يؤدِّي الزكاةَ ويُنفِقُ إنفاقًا زائدًا على الزكاةِ]، والظالِمُ لنَفْسِه آكِلُ الرِّبا أو مانعُ الزكاةِ، والمقتصدُ الذي يؤدِّي الزكاةَ المفروضةَ ولا يأكُلُ الرِّبا، ولا يُنفقُ أكثرَ من الزكاةِ.
- هذا التفسيرُ أيضًا للآيةِ إنما هو بنوعٍ آخَرَ من أنواعِ الطَّاعاتِ، وهو الزكاةُ، ولا يعني هذا عدمَ دخولِ غيرِها من الطاعاتِ في مفهومِ الآيةِ؛ لأنَّ هذا من بابِ التفسيرِ بالمثالِ، فيمكنُ أنْ تُرتِّبَه على أيِّ نوعٍ آخَرَ من أنواعِ الطاعاتِ كَبـِرِّ الوالدَين وتلاوةِ القرآنِ وغيرِ ذلك.
مثال آخر: تفسير النعيم في قوله تعالى:
{ثم لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ}
- قال بعضُ السَّلفِ: النعيمُ الأكلُ والشُّربُ، وقال بعضُهم: النعيمُ الصِّحةُ والأمنُ، وقال بعضُهم: النعيمُ هو الماءُ الباردُ في الليلةِ الصائفةِ، والماءُ الحارُّ في الليلةِ الشاتِيَةِ.
- ما ذُكِرَ في هذه الأقوالِ ليس هو كلَّ النعيمِ، وإنما هو أمثلةٌ للنعيمِ؛ لأنَّ النعيمَ هو كلُّ ما يَتنَعَّمُ به الإنسانُ، ويدلُّ لذلك ما وَردَ في الحديثِ أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ قال لأبي بكرٍ وعُمرَ لمَّا أكلوا من طعامِ الأنصارِيِّ: (({ثم لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ})). فأرادَ أن يُنبِّهَهم إلى أنَّ هذا الأكلَ من النعيمِ الذي يُسأَلون عنه.
مثال آخر: معنى الحفدة في قوله تعالى:
{وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات}
- اختلف فيها المفسرون فمنهم من قال: الحفدة: هم أولاد الأولاد، الحفيد يعني ابن الابن، وقال آخرون: الحفدة: هم الأصهار يعني أزواج البنات، وقال آخرون: الحفدة: هم العبيد والخدم.
- هذا لا يعتبر اختلافاً لأن إرجاع معنى اللفظ إلى أصله اللغوي يوضح لك أن هذه جميعاً من أفراد اللفظ وليست تخصيصاً له ذلك.
- الحفد في اللغة هو المسارعة،
وقد جاء في الحديث: ((إليك نسعى ونحفد)) يعني نسرع في طاعتك بالسعي وبما هو أسرع من السعي نحفد من جهة السرعة.
-
فمن أوصاف الخادم أنه يسارع في خدمة سيده، ،
وسمي الخادم خادماً لأنه يسرع في إرضاء سيده.
- وكذلك ولد الولد باعتبار صغره وحداثة سنه ونحو ذلك وما لجده من الحقوق يسرع في إرضاء جده.
- وكذلك الأصهار أزواج البنات؛ الأصل أنهم يرضون ويسرعون في إرضاء آباء أولادهم من جهة البنات، وهكذا.

مثال آخر: معنى الحسنة في قوله تعالى: {والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبؤنهم في الدنيا حسنة } النحل.
- قال بعض المفسرين من السلف هي: المال، وقال آخرون: هي الزوجات والجواري، وقال آخرون: هي الإمارة.
- هذه تفاسير ظاهرها مختلف، لكن في الحقيقة يجمعها الحسن الذي يلائمهم، والحسنة فسرها العلماء بأنها ما يلائم الطبع ويسر النفس، وهم كانوا ظلموا من جهة أموالهم فإعادة الأموال والتوسع وتوسيع الأموال عليهم وكثرة الأرزاق عندهم هذا حسنة لا شك، والإمارة من ذلك والزوجات وكثرة الجواري لما حرموا منها في أول الإسلام من ذلك.

- إذاً فهذه التفاسير ترجع إلى شيء واحد ولا يعتبر هذا اختلافاً؛ لأن كل واحد ينظر إلى جهة.

فائدة التفسير بالمثال
- التعريف بالمثال قد يسهل أكثر من التعريف بالحد المطابق، لأن التحديد الدقيق للمصطلحات الشرعية ليس دائما صحيحا، وبالتالي لا يستفاد منه في العلم بحقيقة الشيء ومعرفته، كما أن العقل السليم يتفطن للنوع كما يتفطن إذا أشير له إلى رغيف فقيل له: هذا خبز.
- ومن فوائد التفسير بالمثال أن السلف فسروا القرآن لأجل الهداية؛ فقد يرى المفسر حاجة السائل فيفسر له الآية باعتبار حاجته أو حاجة المستمعين، فإن فسرها بذكر بعض أفرادها فإن هذا التفسير منه صحيح وليس بمخالف لتفاسير السلف


تنبيهات في اختلاف التنوع
-
قاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

- إذا جاء السبب واحداً مثل قولهم في آية الظهار نزلت في أوس بن الصامت، ونحو ذلك فهذا لا يعني أن عموم اللفظ يخص بهذا السبب بل إن العموم له أفراد ومن أفراده هذه الحادثة التي حدثت.
- ودليله ما جاء في الصحيح أن رجلاً قبّل امرأة في الطريق وجاء للنبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم وقال: إني لقيت امرأة في الطريق أو قال في أحد البساتين أو في أحد الحوائط ولا شيء يأتيه الرجل من امرأته إلا فعلته إلا النكاح؛ يعني إلا الوطء فسكت النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم ثم أنزل الله – جل وعلا – قوله: {أقم الصلاة طرفي النهار وزلفاً من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات} والحسنات مثل الصلاة تذهب السيئات فأخذها، فقال الرجل: يا رسول الله ألي وحدي؟ قال: ((لا، بل لأمتي جميعاً)) وهذا يعني أن خصوص السبب لا يخص به عموم اللفظ.

-
تعدد الأسباب الواردة في النزول عملا بقاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
.
- قد يَرِدُ عن المفسِّرِ الواحدِ من السَّلفِ أنها نـزلتْ في فلانٍ، ويَرِدُ عنه أنها نزلتْ في غيرِه؛ لأنها من بابِ التمثيلِ.

- ومثال ذلك
المرادِ بالأبتَرِ في قولِه سبحانَه وتعالى: {إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} فقد ورد فيها أقوال:
فقيل: هو العاصُ بنُ أميَّةَ، وقيلَ: الوليدُ بنُ المغيرةِ، وقيل: أبو جهلٍ، وقيل غيرُ ذلك.
وبالنظر إلى معنى الآيةِ {إنَّ شَانِئَكَ} أي: مُبْغِضَكَ {هُوَ الأَبْتَرُ} أي: الأقطعُ عن الخيرِ، يصْدُقُ على كلِّ واحدٍ منهم , فكلُّ واحدٍ منهم يُعتبرُ مثالًا لمَن أَبغضَ الرسولَ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ , وهو مقطوعٌ عن الخيرِ.
ولو قيل أيضًا: إنَّ المرادَ بها أبو لهبٍ لَصَحَّ ذلك؛ لأنه مُبغِضٌ للرسولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ , وهو مقطوعٌ عن الخيرِ، وهكذا غيرُه مِن المشركين.
فالمقصودُ إذَنْ أنَّ أسبابَ النـزولِ تُعتبرُ أمثلةً أيـًّا كانت صيغةُ هذا النـزولِ.


- فائدة في تفسير الرسول صلى الله عليه وسلم لبعض الألفاظ.

- إذا فَسَّرَ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ الآيةَ بتفسيرٍ، وكانتْ عبارةُ القرآنِ أعمَّ وأشملَ من تفسيرِه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، فإذا كانت عبارةُ القرآنِ تحتملُ غيرَ ما قالَه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ فإنه يجوزُ أن تُفسَّرَ به، ولكن لا يُرَدُّ قولُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، وينبغي أن يكونَ ذِكرُ مثلِ هذه التفسيراتِ في حدودٍ ضيقةٍ؛ لأنَّ تفسيرَه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ لا يُقارَنُ بتفسيرِ غيرِه.
- ومثالُ ذلك معنى القوة في قولُه تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ ما اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}، فقد فسرها النبي صلى الله عليه وسلم بالرمي وفسرها غيره بذكور الخيل وبعضهم فسرها بالسيوف والرماح.


ضابط الحكم على نوع الأقوال الواردة في التفسير
- يمكننا الحكم على نوع الأقوال الواردة بالنظر إلى المسمى الذي يجمعها، ثم النظر إلى المسمى من جهة صفاته ومعانيه المختلفة؛ فإذا كان ثَمَّ تلازم بينها وأن أحدهما يؤول إلى الآخر أو مرتبط بالآخر لا يقوم هذا إلا بهذا، أو أنها صفات مختلفة كل واحد ينظر إلى جهة فإن هذا لا يسمى اختلافاً لأن هذه الأقوال مؤداها واحد.

● خلاصة الدرس
- الاختلاف الوارد عن السلف في التفسير قليل وأنها من قبيل اختلاف التنوع لا التضاد.
- واختلاف التنوع هو ما يمكن اجتماعه في المفسر دون تعارض، أما اختلاف التضاد فهو ما يلزم من القول بأحد القولين انتفاء الآخر.
- ومن اختلاف التنوع ما يعود إلى معنى واحد، ومنه ما يعود إلى أكثر من معنى.
- من أنواع اختلاف التنوع الذي يعود إلى أكثر من معنى واحد: اختلاف الأسماء والأوصاف التي يعبر بها عن المعنى المراد.
- سبب هذا النوع هو اختلاف العبارات التي يذكرها المفسرون في المراد في الآية مع اتفاقها في الدلالة على المسمى، ومن أمثلتها تفسير الذكر في قوله تعالى: {ومن أعرض عن ذكري}، وتفسير الصراط المستقيم.

-
كثيراً مما يعبّر السَّلف كثيرًا عن المسمَّى بعبارةٍ تُنَزَّلُ على عَينِه؛ فلا يعني هذا أنها مطابِقةٌ له في المعنى، لكنها تدلُّ على عَينِ المسمَّى، وقد تكون هذه العبارة علما وقد تكون صفة.
- لابد من معرفة مقصود السائل لأنه محدد لعبارة المفسر.
- من اختلاف التنوع الذي يعود إلى معنى واحد هو التفسير بالمثال.
- سبب هذا النوع هو التعبير عن الاسم العام ببعض أفراده وتعريف المستمع بتناول الآية له والتنبيه على نظيره، لأن التعريف بالمثال أسهل من التعريف بالحد المطابق.
- من اختلاف التنوع تعدد أسباب النزول التي يذكرها المفسر وذلك عملا بقاعدة: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب

- إذا
فَسَّرَ الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ الآيةَ بتفسيرٍ، وكانتْ عبارةُ القرآنِ أعمَّ وأشملَ من تفسيرِه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، فإذا كانت عبارةُ القرآنِ تحتملُ غيرَ ما قالَه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ فإنه يجوزُ أن تُفسَّرَ به، ولكن لا يُرَدُّ قولُ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ.

- الحكم على نوع الأقوال الواردة في التفسير يكون بالنظر إلى المسمى الذي يجمعها ثم النظر إلى المسمى من جهة صفاته ومعانيه المختلفة.


ويطالع هذا الدرس للأهمية:
الدرس السابع: طريقة تلخيص الدروس العلمية



تقييم التلخيص :
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 30 / 28
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 20 / 18
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) : 20 / 17
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 15 / 15
خامساً: العرض
(حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 15 / 15

= 93 %
وفقك الله

رد مع اقتباس
  #33  
قديم 17 رجب 1436هـ/5-05-2015م, 09:57 PM
الصورة الرمزية إسراء خليفة
إسراء خليفة إسراء خليفة غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 1,182
افتراضي معرفة أسباب النزول

فهرسة مسائل معرفة أسباب النزول

أهمية معرفة أسباب النزول:
الأولى: الوقوف على المعني
الثانية: إزالة الإشكال
الثالثة: منها ما ينبه المفسر إلى إدراك خصوصيات بلاغية تتبع مقتضى المقامات
الرابعة: معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم
الخامسة:تخصيص الحكم به عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب
السادسة: أنه قد يكون اللفظ عاما ويقوم الدليل على التخصيص فإن محل السبب لا يجوز إخراجه بالاجتهاد والإجماع
السابعة: دفع توهم الحصر.
الثامنة: التعرف على أسرار هذا التشريع العظيم وما في أسباب النزول من العبر
التاسعة: معرفة اسم النازل فيه الآية وتعيين المبهم فيها.
العاشرة: رجاء الاستفادة من مراحل التشريع
الحادية عشر: أن في نزول القرآن عند حدوث حوادث دلالة على إعجازه من ناحية الارتجال
المصنفات في أسباب النزول:
مصنف الواحدي: (أسباب النزول)
أسباب كتابة الواحدي لكتابه:
طريقة الواحدي في كتابه:
عيب مصنف الواحدي:
مصنف السيوطي ( الإتقان في علوم القرآن ):
أسباب كتابته:
مميزات كتاب السيوطي:
كتابات ابن عاشور :
أسباب كتابة ابن عاشور في أسباب النزول:
مصنف الوادعي: ( الصحيح المسند من أسباب النزول )
أسباب كتابة الوادعي:
طريقة الوادعي في كتابه:
نزول القرآن
أقسام نزول القرآن:
حال نزول القرآن:
بين أول نزول وآخر نزوله:
أنواع أسباب النزول
أمثلة لبعض ما صحَّ من أسباب النزول:
أقسام ما صحّ من أسباب النزول
ملاحظات:
الأولى: أنه قد تنزل آيات متفرقة لسبب واحد
الثانية: وقد تتعدد الأسباب والنازل واحد
الثالثة: السياق الذي جاء فيه السبب هل يكون كالسبب أو كالعام؟
الرابعة:قد يكون النزول سابقا على الحكم
الخامسة: عدم إدخال الأخبار في أسباب النزول
صيغ أسباب النزول واحتمالاتها
صيغ اسباب النزول الصريحة

صيغ أسباب النزول المحتملة
أحوال الاختلاف في أسباب النزول
الحالة الأولى: أن يكون هناك سببين أو اكثر، ويمكن الجمع بينهما بأن ويكون نزولها عقيب السببين والأسباب المذكورة بألا تكون معلومة التباعد فيحمل على ذلك.
الحالة الثانية:ألا يمكن أن تنزل عقب السببين لتباعدهما؛ فيحمل على تعدد النزول وتكرره.
الحالة الثالثة: إذا تعارض سببان ولم يمكن الجمع بينهما وكان أحدهما أرجح راوية من الآخر
الحالة الرابعة: أن يستوي الإسنادان في الصحة، فيرجح أحدهما بكون راويه حاضر القصة أو نحو ذلك من وجوه الترجيحات.
الحالة الخامسة: إن تعارض سببان وصيغة كل منهما محتملة
الحالة السادسة: إن تعارض سببان وصيغة أحدهما صريحة والآخر محتملة
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
الأدلة على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
فائدة عموم اللفظ مع خصوص السبب
أمثلة على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
صورة السبب قطعية الدخول في العام ومثاله
من صور العام الذي يراد به الخصوص
طريقة معرفة أسباب النزول
القول في أسباب النزول موقوف على السماع

تحرز السلف عن القول في أسباب النزول
أهمية جمع الطرق وفحص المرويّات
الصحيح معتمد بخلاف ما دونه
الحذر من ذكر الأخبار الضعيفة والواهية في أسباب النزول
قول الصحابة في أسباب النزول
قول الصحابي نزلت في كذا هل يدخل في المسند؟
شرط إدخال أقوال الصحابة في المسند
مثال لقول الصحابة في أسباب النزول
قول التابعين في أسباب النزول
شروط قبول تفسير التابعي المرسل
قول السلف نزلت في كذا
معنى قول السلف نزلت في كذا

حكم دخول معنى قول السلف نزلت في كذا في المسند


تلخيص معرفة أسباب النزول


أهمية معرفة أسباب النزول:
الأولى: الوقوف على المعني؛فأسباب النزول أولى ما تصرف العناية إليها لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها. ومنها ما ليس المفسر بغنى عن علمه لأن فيها بيان مجمل أو إيضاح خفي وموجز، ومنها ما يكون وحده تفسيرا.
قال ابن دقيق العيد: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن.
قال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبَّ.
قال الشيخ أبو الفتح القشيري: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز وهو أمر تحصل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا.
وهذا حاصل ما ذكره الواحدي في أسباب النزول، والسيوطي في الإتقان، والزركشي في البرهان، ابن عاشور في التحرير والتنوير.
الثانية: إزالة الإشكال، فمنها ما يدل المفسر على طلب الأدلة التي بها تأويل الآية .
ذكره السيوطي في الإتقان ولباب النقول، ابن عاشور في التحرير والتنوير.
أمثلة:
المثال الأول:عندما أشكل على مروان بن الحكم معنى قوله تعالى: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا}الآية ، وقال: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون حتى بين له ابن عباس أن الآية نزلت في أهل الكتاب حين سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره وأروه أنهم أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه. أخرجه الشيخان.ذكره السيوطي في الإتقان.
المثال الثاني:حكي عن عثمان بن مظعون وعمرو بن معد يكرب أنهما كانا يقولان: (الخمر مباحة ويحتجان بقوله تعالى:{ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا}الآية [المائدة: 93])، ولو علما سبب نزولها لم يقولا ذلك، وهو أن ناسا قالوا: (لما حرمت الخمر كيف بمن قتلوا في سبيل الله وماتوا وكانوا يشربون الخمر وهي رجس فنزلت). أخرجه أحمد والنسائي وغيرهما. ذكره السيوطي في الإتقان.
المثال الثالث:من ذلك قوله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر}الآية [الطلاق: 4]، فقد أشكل معنى هذا الشرط على بعض الأئمة، حتى قال الظاهرية: بأن الآيسة لا عدة عليها إذا لم ترتب.
وقد بين ذلك سبب النزول، وهو أنه لما نزلت الآية التي في سورة البقرة في عدد النساء قالوا: (قد بقي عدد من عدد النساء لم يذكرن الصغار والكبار فنزلت). أخرجه الحاكم عن أبي.فعلم بذلك أن الآية خطاب لمن لم يعلم ما حكمهن في العدة وارتاب هل عليهن عدة أو لا وهل عدتهن كاللاتي في سورة البقرة أو لا فمعنى: {إن ارتبتم}إن أشكل عليكم حكمهن وجهلتم كيف يعتدون فهذا حكمهن. ذكره السيوطي في الإتقان.
المثال الرابع: من ذلك قوله تعالى: {فأينما تولوا فثم وجه الله}الآية [البقرة: 115]، فإنا لو تركنا ومدلول اللفظ لاقتضى أن المصلي لا يجب عليه استقبال القبلة سفرا ولا حضرا وهو خلاف الإجماع فلما عرف سبب نزولها علم أنها في نافلة السفر أو فيمن صلى بالاجتهاد وبان له الخطأ على اختلاف الروايات في ذلك. ذكره السيوطي في الإتقان.
المثال الخامس: ما روي في الموطأ عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه أنه قال:قلت لعائشة أم المؤمنين وأنا يومئذ حديث السن: أرأيت قول الله تعالى:{إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما}فما على الرجل شيء ألا يطوف بهما، قالت عائشة: كلا، لو كان كما تقول لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، إنما نزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله عن ذلك فأنزل الله تعالى{إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما}. ذكره ابن عاشور في التحرير والتنوير، والسيوطي في الإتقان.
المثال السادس:أشكلت بعض الآيات على بعض الصحابة فمن بعدهم حتى عرفوا سبب نزولها فمما أشكل عليهم {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}حتى أخبرهم أبو أيوب
الأنصاري رضي الله عنه بسبب نزولها فظهر لهم معناها. ومما أشكل عليهم قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
الثالثة: منها ما ينبه المفسر إلى إدراك خصوصيات بلاغية تتبع مقتضى المقامات؛ فإن من أسباب النزول ما يعين على تصوير مقام الكلام، ذكره ابن عاشور في التحرير والتنوير. الرابعة: معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم،ذكره الزركشي في البرهان.
الخامسة:تخصيص الحكم به عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب، ذكره الزركشي في البرهان.
السادسة: أنه قد يكون اللفظ عاما ويقوم الدليل على التخصيص فإن محل السبب لا يجوز إخراجه بالاجتهاد والإجماع، كما حكاه القاضي أبو بكر في "مختصر التقريب"؛ لأن دخول السبب قطعي، ونقل بعضهم الاتفاق على أن لتقدم السبب على ورود العموم أثرا.ولا التفات إلى ما نقل عن بعضهم من تجويز إخراج محل السبب بالتخصيص لأمرين:
أحدهما:أنه يلزم منه تأخير البيان عن وقت الحاجة ولا يجوز.
والثاني:أن فيه عدولا عن محل السؤال، وذلك لا يجوز في حق الشارع لئلا يلتبس على السائل.
واتفقوا على أنه تعتبر النصوصية في السبب من جهة استحالة تأخير البيان عن وقت الحاجة وتؤثر أيضا فيما وراء محل السبب وهو إبطال الدلالة على قول والضعف على قول. ذكره الزركشي في البرهان.
السابعة: دفع توهم الحصر.
مثاله: ما قاله الشافعي في معنى قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً}الآية حيث قال ما معناه: إن الكفار لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة والمحادة جاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه نازلا منزلة من يقول: لا تأكل اليوم حلاوة، فتقول: لا آكل اليوم إلا الحلاوة، والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة، فكأنه قال: لا حرام إلا ما حللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ولم يقصد حل ما وراءه إذا القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل. ذكره الزركشي في البرهان.
الثامنة: التعرف على أسرار هذا التشريع العظيم وما في أسباب النزول من العبر وحل المشاكل التي قد ضاق بها أصحابها ذرعا فيأتي الفرج الإلهي.
مثال ذلك:قصة الثلاثة الذين خُلِّفُوا، وكقصة الإفك وما حصل لنبي الهدى من الأذى بسببه وكذا لأم المؤمنين إذ بكت حتى ظن أبواها أن البكاء فالق كبدها. فيأتي الفرج بعد الشدة. وكقصة هلال بن أمية إذ رمى زوجته بالزنى فقال له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((البينة أو حد في ظهرك))فقال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فأراد الرسول أن يأمر بضربه فأنزل الله آية اللعان وأبر قسمه وأتى بالعلاج بعد تفاقم الداء فخاب وخسر من ظن أنه يستطيع أن يستغني عن هذا التشريع الحكيم. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
التاسعة: معرفة اسم النازل فيه الآية وتعيين المبهم فيها.
مثاله:عندما قال مروان في عبد الرحمن بن أبي بكر: (إنه الذي أنزل فيه {والذي قال لوالديه أف لكما}الآية [الأحقاف: 17])، حتى ردت عليه عائشة وبينت له سبب نزولها.
ذكره السيوطي في الإتقان.
العاشرة: رجاء الاستفادة من مراحل التشريع فإننا في أمس الحاجة إلى أن نعتبر أنفسنا مجددين وأن نبدأ الدعوة من جديد وفي أسباب النزول الكثير الطيب من بيان مراحل الدعوة والتوجيهات الإلهية كآية القتال فإنها لم تنزل إلا بعد أن علم الله أن لهم اقتدارا على القتال إلى غير ذلك من الفرق بين المكي والمدني كما هو معروف. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
الحادية عشر: أن في نزول القرآن عند حدوث حوادث دلالة على إعجازه من ناحية الارتجال، وهي إحدى طريقتين لبلغاء العرب في أقوالهم، فنزوله على حوادث يقطع دعوى من ادعوا أنه أساطير الأولين، ذكره ابن عاشور في التحرير والتنوير.
المصنفات في أسباب النزول:
أفرده بالتصنيف جماعة أقدمهم علي بن المديني شيخ البخاري، ومن أحسنها وأشهرها كتاب الواحدي، ثم شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل بن حجر. وكثير من أسباب النزول روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبي العالية والسدي ومقاتل وغيرهم. وهذا حاصل ما ذكره البلقيني في مواقع العلوم، والسيوطي في الإتقان والتحبير.
مصنف الواحدي: (أسباب النزول)
أسباب كتابة الواحدي لكتابه:
قال الواحدي عن ذلك في أسباب النزول: "أما اليوم فكل أحد يخترع شيئًا ويختلق إفكًا وكذبًا ملقيًا زمامه إلى الجهالة غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب نزول الآية وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب لينتهي إليه طالبو هذا الشأن والمتكلمون في نزول هذا القرآن فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب ويجدوا في تحفظه بعد السماع والطلب".
طريقة الواحدي في كتابه:
قال عن ذلك في أسباب النزول:" لا بد من القول أولاً في مبادئ الوحي وكيفية نزول القرآن ابتداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعهد جبريل إياه بالتنزيل والكشف عن تلك الأحوال، والقول فيها على طريق الإجمال، ثم نفرغ للقول مفصلاً في سبب نزول كل آية روي لها سببٌ مَقُول مروي منقول".
عيب مصنف الواحدي:
فتارة يورد الحديث بإسناده وفيه مع التطويل عدم العلم بمخرج الحديث؛ فلا شك أن عزوه إلى أحد الكتب المذكورة أولى من عزوه إلى تخريج الواحدي لشهرتها واعتمادها وركون الأنفس إليها.وتارة يورده مقطوعا فلا يدرى هل له إسناد أو لا؟. ذكره السيوطي في الإتقان.
مصنف السيوطي ( الإتقان في علوم القرآن ):
أسباب كتابته:
ما دفعه إلى ذلك أنه قد ألف في التفسير خلائق فاختصروا الأسانيد ونقلوا الأقوال تترى فدخل من هنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل ثم صار كل من يسنح له قول يورده ومن يخطر بباله شيء يعتمده ثم ينقل ذلك عنه من يجيء بعده ظانا أن له أصلا غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح ومن يرجع إليهم في التفسير حتى رأيت من حكى في تفسير قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}نحو عشرة أقوال،وتفسيرها باليهود والنصارى هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجميع التابعين وأتباعهم حتى قال ابن أبي حاتم لا أعلم في ذلك اختلافا بين المفسرين.ذكرها الوادعي في الصحيح المسند نقلا عن السيوطي في الإتقان.
مميزات كتاب السيوطي:
أحدها:الاختصار.
ثانيها:الجمع الكثير فقد حوى زيادات كثيرة على ما ذكر الواحدي وقد ميزتها بصورة (ك) رمزا عليها.
ثالثها: عزوه كل حديث إلى من خرجه من أصحاب الكتب المعتبرة؛ كالكتب الستة، والمستدرك، وصحيح ابن حبان، وسنن البيهقي، والدارقطني، ومسانيد أحمد والبزار وأبي يعلي، ومعاجم الطبراني، وتفاسير ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي الشيخ وابن حبان والفريابي وعبد الرزاق وابن المنذر وغيرهم.
رابعها:تمييز الصحيح من غيره والمقبول من المردود.
خامسها: الجمع بين الروايات المتعددة.
سادسها: تنحية ما ليس من أسباب النزول.
ذكرها السيوطي في لباب النقول.
كتابات ابن عاشور :
لم يفرد ابن عاشور مصنفا في أسباب النزول لكنه تحدث عنها في مقدمة التفسير في كتابه التحرير والتنوير. ( حسب ما فهمت )
أسباب كتابة ابن عاشور في أسباب النزول:
ذكر ابن عاشور أن من دوافع كتابته في ذلك الموضوع: أنه قد أُولِعَ كثير من المفسرين بتطلّب أسباب نزول آي القرآن، وهي حوادث يروى أن آيات من القرآن نزلت لأجلها لبيان حكمها أو لحكايتها أو إنكارها أو نحو ذلك، وأغربوا في ذلك وأكثروا حتى كاد بعضهم أن يوهم الناس أن كل آية من القرآن نزلت على سبب، وحتى رفعوا الثقة بما ذكروا.
بيد أنا نجد في بعض آي القرآن إشارة إلى الأسباب التي دعت إلى نزولها، ونجد لبعض الآي أسبابا ثبتت بالنقل دون احتمال أن يكون ذلك رأي الناقل، فكان أمر أسباب نزول القرآن دائرا بين القصد والإسراف، وكان في غض النظر عنه وإرسال حبله على غاربه خطر عظيم في فهم القرآن. ذكره ابن عاشور في التحرير والتنوير.
مصنف الوادعي: ( الصحيح المسند من أسباب النزول )
أسباب كتابة الوادعي:
منها:الرغبة في التعرف على أسرار هذا التشريع العظيم وما في أسباب النزول من العبر وحل المشاكل التي قد ضاق بها أصحابها ذرعا فيأتي الفرج الإلهي، وذلك كقصة الثلاثة الذين خُلِّفُوا، وكقصة الإفك وما حصل لنبي الهدى من الأذى بسببه وكذا لأم المؤمنين إذ بكت حتى ظن أبواها أن البكاء فالق كبدها. فيأتي الفرج بعد الشدة. وكقصة هلال بن أمية إذ رمى زوجته بالزنى فقال له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((البينة أو حد في ظهرك))فقال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فأراد الرسول أن يأمر بضربه فأنزل الله آية اللعان وأبر قسمه وأتى بالعلاج بعد تفاقم الداء فخاب وخسر من ظن أنه يستطيع أن يستغني عن هذا التشريع الحكيم. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
ومنها: رجاء الاستفادة من مراحل التشريع فإننا في أمس الحاجة إلى أن نعتبر أنفسنا مجددين وأن نبدأ الدعوة من جديد وفي أسباب النزول الكثير الطيب من بيان مراحل الدعوة والتوجيهات الإلهية كآية القتال فإنها لم تنزل إلا بعد أن علم الله أن لهم اقتدارا على القتال إلى غير ذلك من الفرق بين المكي والمدني كما هو معروف. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
طريقة الوادعي في كتابه:
كان لديه اهتمام شديد بذكر أسانيد روايات أسباب النزول، وبيان الصحيح منها والضعيف. وقال عن نفسه في ذلك:" لم آل جهدا في الحرص على العزو إلى أئمة الحديث وكتبهم وقد يضيق علي الوقت فأكتفي بالعزو إلى بعضهم وربما اكتفيت بعزو بعض المؤلفين إليهم وهذا قليل وربما صعب علي الوقوف على سند الحديث إذا كان في الكتب المفقودة أو العزيزة الوجود فإن صححه إمام تطمئن النفس إلى تصحيحه كتبته بدون سند وإلا توقفت فيه حتى يسهل الله بالعثور على سنده".
مثال ذلك: قصة ثعلبة بن حاطب التي فيها "قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه" وهذه القصة يذكرها المفسرون عنه تفسير قول الله سبحانه وتعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ.}
ذكر الوادعي أنه يكاد لا يوجد تفسير إلا وهذه القصة مذكورة فيه وقلَّ من نبه على عدم صحتها.
ثم أورد الوادعي أقوال جهابذة علماء الحديث فقال:
- قال الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله بعد ذكره لها من طريق مسكين بن بكير نا معان بن رفاعة السلمي عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة قال: جاء ثعلبة بن حاطب بصدقته إلى عمر فلم يقبلها وقال: لم يقبلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أبو بكر ولا أقبلها.
قال أبو محمد: وهذا باطل بلا شك لأن الله تعالى أمر بقبض زكاة أموال المسلمين وأمر عليه السلام عند موته ألا يبقى في جزيرة العرب دينان؛ فلا يخلو ثعلبة من أن يكون مسلما ففرض على أبي بكر وعمر قبض زكاته ولا بد، ولا فسحة في ذلك، وإن كان كافرا ففرض ألا يقرّ في جزيرة العرب؛ فسقط هذا الأثر بلا شك، وفي رواته معان بن رفاعة والقاسم بن عبد الرحمن وعلي بن يزيد وهو أبو عبد الملك الألهاني وكلهم ضعفاء ومسكين بن بكير ليس بالقوي ا.هـ. [ج11من المحلى ص 208]
- وقال السيوطي في لباب النقول إن سندها ضعيف.
- وقال الحافظ في تخريج الكشاف إن في سندها علي بن يزيد الألهاني وهو واهٍ، وقال في [الفتح: 3/8 ]بعد ذكر بعض القصة لكنه حديث ضعيف لا يحتج به ا.هـ.
- وقال الهيثمي في [مجمع الزوائد:7/32] رواه الطبراني وفيه علي بن يزيد الألهاني وهو متروك.
- وقال فيه الذهبي في تجريد أسماء الصحابة إنه حديث منكر بمرَّة.
- وقال المناوي في [فيض القدير :4/527]: (قال البيهقي: "في إسناد هذا الحديث نظر وهو مشهور بين أهل التفسير" ، وأشار في الإصابة إلى عدم صحة هذا الحديث فإنه ساق هذا الحديث في ترجمة ثعلبة هذا ثم قال: "وفي كونه صاحب هذه القصة إن صح الخبر –ولا أظنه يصح- هو البدري نظر" ).ا.هـ كلام المناوي.
- وقال الحافظ العراقي في [تخريج الإحياء: 3/338]: سندها ضعيف.
وإنما مثلت بهذه القصة لشهرتها في كتب التفاسير ولأن كثيرا من إخواننا المشتغلين بالوعظ والإرشاد وفقني الله وإياهم يستحسنونها ويلقونها على العامة غير منتبهين مع عدم صحتها سندا فهي لا تصح معنى إذ فيها مخالفة لأصل من أصول الشريعة وهو أن التائب لو بلغت ذنوبه عنان السماء ثم تاب، تاب الله عليه.
ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
مثال آخر: ما روي عن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت: لما جاء أهل مكة في فداء أساراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فداء أبي العاص وبعثت فيه بقلادة كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رقَّ لها رِقَّة شديدة وقال: ((إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا))
قالوا: نعم يا رسول الله، وردّوا عليها الذي لها.
قال: وقال العباس: يا رسول الله إني كنت مسلما؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((الله أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول؛ فالله يجزيك فافدِ نفسَك وبني أخويك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بني الحارث بن فهر)).
فقال: ما ذاك عندي يا رسول الله.
قال: (( فأين المال الذي دفنت أنت وأم الفضل فقلتَ لها إن أصبتُ فهذا المال لبني الفضل وعبد الله وقثم )).
فقال: والله يا رسول الله إني أشهد أنك رسول الله إن هذا الشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أفعل)).
ففدى العباس نفسه وبني أخويه وحليفه وأنزل الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}فأعطاني مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل).
قال الوادعي بعدما ذكر هذا الحديث أن ما يلي:
أن هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عليه الذهبي ا.هـ.
وقال الهيثمي في [مجمع الزوائد: 7 /28]: (رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الأوسط رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع)ا.هـ.
ثم بعد الاطلاع على [سنن البيهقي: 6/322]ظهر أن قصة العباس مدرجة على هذا السند.
قال البيهقي رحمه الله: كذا فيما حدثنا به شيخنا أبو عبد الله في كتاب المستدرك، ثم ذكره الحافظ البيهقي على الصواب مبينا أن قصة العباس لها سند آخر، وأنها مرسلة.
وقال الحافظ في[الفتح :9/382]بعد ذكره هذه القصة: (وفي طريق عطاء محمد بن إسحاق، وليست هذه القصة عنده مسندة بل معضلة وصنيع إسحاق يعني ابن راهوية وتبعه الطبراني وابن مردويه يقتضي أنها موصولة والعلم عند الله)ا.هـ.
وقال في [المطالب العالية:3/337]: (وأظن ذلك مدرجا في الخبر من كلام ابن إسحاق وحديث عباس على هذا معضل وأما على ظاهر السياق أولا فهو مسند وعلى ذلك عمل إسحاق)ا.هـ.ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
نزول القرآن
أقسام نزول القرآن:
القسم الأول: قسم نزل ابتداء بعقائد الإيمان وواجبات الإسلام وغير ذلك.
القسم الثاني:قسم نزل عقب واقعة أو سؤال.
ذكره السيوطي في الإتقان والوادعي في الصحيح المسند
حال نزول القرآن:
أنزله الله مفرقًا، قال تعالى {وَقُرآَنًا فَرَقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلى الناسِ عَلى مُكثٍ وَنَزَّلناهُ تَنزيلاً}، ذكره الواحدي في أسباب النزول.
بين أول نزول وآخر نزوله:
ذكر أنه كان بين أوله وآخره ثماني عشرة سنة أنزل عليه بمكة ثماني سنين قبل أن يهاجر وبالمدينة عشر سنين، ذكره الواحدي في أسباب النزول.
أنواع أسباب النزول
النوع الأول:أن تحدث حادثة فينزل القرآن الكريم بشأنها كما في سبب نزول {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}، ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
النوع الثاني: أن يُسْأل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن شيء فينزل القرآن ببيان الحكم فيه كما في سبب نزول آية اللعان. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
وهذه الأنواع على قسمين:
القسم الأول:المشهور، ومنه صحيح كقصة الإفك وآية السعي والتيمم والعرنيين وموافقات عمر. ومنه ضعيف كآية: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}الآية [النساء: 58].وقد اشتهر أنها نزلت في شأن مفتاح الكعبة، وأسانيد ذلك بعضها ضعيف، وبعضها منقطع. ذكره السيوطي في التحبير.
القسم الثاني:الغريب، وهو أيضاً منه صحيح ومنه ضعيف. ذكره السيوطي في التحبير.
أمثلة لبعض ما صحَّ من أسباب النزول:
منها في سورة البقرة فيها ما رواه البخاري في "الصحيح" في باب:
{واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}الآية [البقرة: 125]، قال: حدثنا مسدد، عن يحيى بن سعيد، عن حميد، عن أنس قال: (قال عمر رضي الله عنه: (وافقت الله في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث؛ قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت:{واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}الآية [البقرة: 125]، وقلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فنزلت آية الحجاب.
وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض أزواجه، فدخلت عليهن فقلت: إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله صلى الله عليه وسلم خيرا منكن؟ فأنزل الله:
{عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن}الآية [التحريم: 5])).
ومنها ما رواه البخاري في الصحيح في قوله – تعالى-:
{إن الصفا والمروة من شعائر الله}الآية [البقرة: 158]، عن عائشة رضي الله عنها: (أنها إنما نزلت في الأنصار كانوا يهلون لمناة، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا. بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله– تعالى -:{إن الصفا والمروة من شعائر الله}الآية [البقرة: 158]).
وعضده ما رواه البخاري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أنه سئل عن الصفا والمروة، فقال: كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل الله – تعالى -:{إن الصفا والمروة من شعائر الله}الآية [البقرة: 158]).
ومنها ما رواه البخاري، في "الصحيح" من طريق البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله – سبحانه-:
{علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم}الآية [البقرة: 187]).
ومنها ما رواه البخاري في "الصحيح" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت:
{ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم}الآية [198]، في مواسم الحج).
ولنقتصر على هذه الأمثلة ففيها مقنع.
ومن ذلك الوقائع المشهورة مثل قصة الإفك، وقصة التيمم، وقصة المتخلفين عن غزوة تبوك ونحو ذلك.
ذكره البلقيني في مواقع العلوم.
أقسام ما صحّ من أسباب النزول
على خمسة أقسام:
الأول:هو المقصود من الآية يتوقف فهم المراد منها على علمه فلابد من البحث عنه للمفسر، وهذا منه تفسير مبهمات القرآن مثل قوله تعالى {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها}ونحو {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا}ومثل بعض الآيات التي فيها {ومن الناس}.
والثاني:هو حوادث تسببت عليها تشريعات أحكام وصور تلك الحوادث لا تبين مجملا ولا تخالف مدلول الآية بوجه تخصيص أو تعميم أو تقييد، ولكنها إذا ذكرت أمثالها وجدت مساوية لمدلولات الآيات النازلة عند حدوثها، مثل حديث عويمر العجلاني الذي نزلت عنه آية اللعان، ومثل حديث كعب بن عجرة الذي نزلت عنه آية {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام}الآية فقد قال كعب بن عجرة: هي لي خاصة ولكم عامة، ومثل قول أم سلمة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: يغزو الرجال ولا نغزو، فنزل قوله تعالى{ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}الآية. وهذا القسم لا يفيد البحث فيه إلا زيادة تفهم في معنى الآية وتمثيلا لحكمها، ولا يخشى توهم تخصيص الحكم بتلك الحادثة، إذ قد اتفق العلماء أو كادوا على أن سبب النزول في مثل هذا لا يخصص، واتفقوا على أن أصل التشريع أن لا يكون خاصا.
والثالث:هو حوادث تكثر أمثالها تختص بشخص واحد فنزلت الآية لإعلانها وبيان أحكامها وزجر من يرتكبها، فكثيرا ما تجد المفسرين وغيرهم يقولون نزلت في كذا وكذا، وهم يريدون أن من الأحوال التي تشير إليها تلك الآية تلك الحالة الخاصة فكأنهم يريدون التمثيل. ففي كتاب الأيمان من صحيح البخاري في باب قول الله تعالى {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} أن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله: ((من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان))فأنزل الله تصديق ذلك{إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا}الآية فدخل الأشعث بن قيس فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن? فقالوا كذا وكذا، قال في أنزلت، لي بئر في أرض ابن عم لي الخ، فابن مسعود جعل الآية عامة لأنه جعلها تصديقا لحديث عام? والأشعث بن قيس ظنها خاصة به إذ قال: في أنزلت بصيغة الحصر.
ومثل الآيات النازلة في المنافقين في سورة براءة المفتتحة بقوله تعالى: {ومنهم- ومنهم}ولذلك قال ابن عباس: كنا نسمي سورة التوبة سورة الفاضحة. ومثل قوله تعالى: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم}فلا حاجة لبيان أنها نزلت لما أظهر بعض اليهود مودة المؤمنين. وهذا القسم قد أكثر من ذكره أهل القصص وبعض المفسرين ولا فائدة في ذكره، على أن ذكره قد يوهم القاصرين قصر الآية على تلك الحادثة لعدم ظهور العموم من ألفاظ تلك الآيات.
والرابع:هو حوادث حدثت وفي القرآن آيات تناسب معانيها سابقة أو لاحقة فيقع في عبارات بعض السلف ما يوهم أن تلك الحوادث هي المقصود من تلك الآيات، مع أن المراد أنها مما يدخل في معنى الآية ويدل لهذا النوع وجود اختلاف كثير بين الصحابة في كثير من أسباب النزول كما هو مبسوط في المسألة الخامسة من بحث أسباب النزول من الإتقان فارجعوا إليه ففيه أمثلة كثيرة.
وفي "صحيح البخاري" في سورة النساء أن ابن عباس قرأ قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا}بألف بعد لام السلام وقال: كان رجل في غنيمة له تصغير غنم فلحقه المسلمون فقال: السلام عليكم فقتلوه أي ظنوه مشركا يريد أن يتقي منهم بالسلام وأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذلك {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام}الآية. فالقصة لا بد أن تكون قد وقعت لأن ابن عباس رواها لكن الآية ليست نازلة فيها بخصوصها ولكن نزلت في أحكام الجهاد بدليل ما قبلها وما بعدها فإن قبلها: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا}وبعدها{فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل}.
وفي تفسير تلك السورة من صحيح البخاري بعد أن ذكر نزاع الزبير والأنصاري في ماء شراج الحرة قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}الآية قال السيوطي في "الإتقان" عن الزركشي قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال نزلت هذه الآية في كذا، فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها. وفيه عن ابن تيمية قد تنازع العلماء في قول الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا، هل يجري مجرى المسند أو يجري مجرى التفسير? فالبخاري يدخله في المسند، وأكثر أهل المسانيد لا يدخلونه فيه، بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه فإنهم كلهم يدخلونه في المسند.
والخامس:قسم يبين مجملات، ويدفع متشابهات مثل قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}فإذا ظن أحد أن من للشرط أشكل عليه كيف يكون الجور في الحكم كفرا، ثم إذا علم أن سبب النزول هم النصارى علم أن من موصولة وعلم أن الذين تركوا الحكم بالإنجيل لا يتعجب منهم أن يكفروا بمحمد. وكذلك حديث عبد الله بن مسعود قال لما نزل قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم}شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا أينا لم يلبس إيمانه بظلم ظنوا أن الظلم هو المعصية. فقال رسول الله: ((إنه ليس بذلك? ألا تسمع لقول لقمان لابنه {إن الشرك لظلم عظيم})).ومن هذا القسم ما لا يبين مجملا ولا يؤول متشابها ولكنه يبين وجه تناسب الآي بعضها مع بعض كما في قوله تعالى، في سورة النساء: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء}الآية، فقد تخفى الملازمة بين الشرط وجزائه فيبينها ما في الصحيح، عن عائشة أن عروة بن الزبير سألها عنها فقالت: هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.
- هذا وإن القرآن كتاب جاء لهدي أمة والتشريع لها، وهذا الهدي قد يكون واردا قبل الحاجة، وقد يكون مخاطبا به قوم على وجه الزجر أو الثناء أو غيرهما، وقد يكون مخاطبا به جميع من يصلح لخطابه، وهو في جميع ذلك قد جاء بكليات تشريعية وتهذيبية، والحكمة في ذلك أن يكون وعي الأمة لدينها سهلا عليها، وليمكن تواتر الدين، وليكون لعلماء الأمة مزية الاستنباط، وإلا فإن الله قادر أن يجعل القرآن أضعاف هذا المنزل وأن يطيل عمر النبي صلى الله عليه وسلم للتشريع أكثر مما أطال عمر إبراهيم وموسى، ولذلك قال تعالى: {وأتممت عليكم نعمتي}، فكما لا يجوز حمل كلماته على خصوصيات جزئية لأن ذلك يبطل مراد الله، كذلك لا يجوز تعميم ما قصد منه الخصوص ولا إطلاق ما قصد منه التقييد؛ لأن ذلك قد يفضي إلى التخليط في المراد أو إلى إبطاله من أصله، وقد اغتر بعض الفرق بذلك. قال ابن سيرين في الخوارج: إنهم عمدوا إلى آيات الوعيد النازلة في المشركين فوضعوها على المسلمين فجاءوا ببدعة القول بالتكفير بالذنب، وقد قال الحرورية لعلي رضي الله عنه يوم التحكيم: {إن الحكم إلا لله}فقال علي كلمة حق أريد بها باطل وفسرها في خطبة له في "نهج البلاغة".
- وثمة فائدة أخرى عظيمة لأسباب النزول وهي أن في نزول القرآن عند حدوث حوادث دلالة على إعجازه من ناحية الارتجال، وهي إحدى طريقتين لبلغاء العرب في أقوالهم، فنزوله على حوادث يقطع دعوى من ادعوا أنه أساطير الأولين.
ذكرها ابن عاشور في التحرير والتنوير.
ملاحظات:
الأولى: أنه قد تنزل آيات متفرقة لسبب واحد، ولا إشكال في ذلك فقد ينزل في الواقعة الواحدة آيات عديدة في سور شتى.
مثاله:ما أخرجه الترمذي والحاكم عن أم سلمة أنها قالت: (يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء، فأنزل الله:{فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع}إلى آخر الآية [آل عمران: 195]).
وأخرج الحاكم عنها أيضا، قالت: (قلت يا رسول الله تذكر الرجال ولا تذكر النساء، فأنزلت:{إن المسلمين والمسلمات}والآية [الأحزاب: 35]، أنزلت:{أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى} الآية [آل عمران: 195]).
وأخرج أيضا عنها، أنها قالت: (يغزو الرجال ولا تغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث فأنزل الله:{ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}الآية [النساء: 32]، وأنزل:{إن المسلمين والمسلمات}الآية [الأحزاب: 35]).
ومن أمثلته أيضا: ما أخرجه البخاري من حديث زيد بن ثابت: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين . . . والمجاهدون في سبيل الله فجاء ابن أم مكتوم، وقال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى، فأنزل الله:{غير أولي الضرر}الآية [النساء: 95]).
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت أيضا، قال: (كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لواضع القلم على أذني إذ أمر بالقتال فجعل رسول الله ينظر ما ينزل عليه إذ جاء أعمى، فقال: كيف لي يا رسول الله وأنا أعمى، فنزلت:{ليس على الضعفاء}الآية [التوبة: 91]).
ومن أمثلته ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل حجرة، فقال:((إنه سيأتيكم إنسان ينظر بعيني شيطان))فطلع رجل أزرق فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((علام تشتمني أنت وأصحابك؟))فانطلق الرجل فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما قالوا: حتى تجاوز عنهم فأنزل الله:{يحلفون بالله ما قالوا}الآية [التوبة: 74]).
وأخرجه الحاكم وأحمد بهذا اللفظ وآخره: (فأنزل الله:{يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم}الآية. ذكره السيوطي في الإتقان.
مثال آخر: في حديث المسيب رضي الله عنه في شأن وفاة أبي طالب وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لأستغفرن لك ما لم أنه عنه))فأنزل الله {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.ونزل في أبي طالب {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
الثانية: وقد تتعدد الأسباب والنازل واحد، كما في آية اللعان وغيرها. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
الثالثة: تنزل الآيات على الأسباب خاصة وتوضع كل واحدة منها مع ما يناسبها من الآي رعاية لنظم القرآن وحسن السياق، فذلك الذي وضعت معه الآية نازلة على سبب خاص للمناسبة إذ كان مسوقا لما نزل في معنى يدخل تحت ذلك اللفظ العام أو كان من جملة الأفراد الداخلة وضعا تحت اللفظ العام فدلالة اللفظ عليه هل هي كالسبب فلا يخرج ويكون مرادا من الآيات قطعا؟ أو لا ينتهي في القوة إلى ذلك؟ لأنه قد يراد غيره وتكون المناسبة مشبهة به؟ فيه احتمال.
واختار بعضهم أنه رتبة متوسطة دون السبب وفوق العموم المجرد ومثاله قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}الآية [النساء: 58]فإن مناسبتها للآية التي قبلها وهى قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً}الآية [النساء: 51]، أن ذلك إشارة إلى كعب بن الأشرف كان قدم إلى مكة وشاهد قتلى بدر وحرض الكفار على الأخذ بثأرهم وغزو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألوه: من أهدى سبيلا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو هم؟ فقال: أنتم -كذبا منه وضلالة- لعنه الله، فتلك الآية في حقه وحق من شاركه في تلك المقالة، وهم أهل كتاب يجدون عندهم في كتابهم بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفته، وقد أخذت عليهم المواثيق ألا يكتموا ذلك وأن ينصروه، وكان ذلك أمانة لازمة لهم، فلم يؤدوها ، وخانوا فيها، وذلك مناسب لقوله:
{إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}الآية [النساء: 58]، قال ابن العربي: في تفسيره وجه النظم أنه أخبر عن كتمان أهل الكتاب صفة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقولهم: إن المشركين أهدى سبيلا، فكان ذلك خيانة منهم، فانجر الكلام إلى ذكر جميع الأمانات. انتهى.
ولا يرد على هذا أن قصة كعب بن الأشرف كانت عقب بدر، ونزول {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ}الآية [النساء: 58]في الفتح أو قريبا منها وبينهما ست سنين؛ لأن الزمان إنما يشترط في سبب النزول ولا يشترط في المناسبة؛ لأن المقصود منها: وضع آية في موضع يناسبها، والآيات كانت تنزل على أسبابها ويأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوضعها في المواضع التي علم من الله تعالى أنها مواضعها. ذكره الزركشي في البرهان.
الرابعة:قد يكون النزول سابقا على الحكم
مثاله:قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}[الأعلى: 14]فإنه يستدل بها على زكاة الفطر.
روى البيهقي بسنده إلى ابن عمر: (أنها نزلت في زكاة رمضان)ثم أسند مرفوعا نحوه.
وقال بعضهم: لا أدري ما وجه هذا التأويل؛ لأن هذه السورة مكية ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة. وأجاب البغوي في تفسيره: أنه يجوز أن يكون النزول سابقا على الحكم كما قال: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ}الآية [البلد: 1-2]فالسورة مكية، وظهور أثر الحل يوم فتح مكة حتى: قال عليه السلام: ((أحلت لي ساعة من نهار)).
وكذلك نزل بمكة {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}الآية [القمر: 45]، قال عمر بن الخطاب: (كنت لا أدري: أي الجمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:(({سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}
ذكره الزركشي في البرهان.
الخامسة: عدم إدخال الأخبار في أسباب النزول
الذي يتحرر في سبب النزول أنه ما نزلت الآية أيام وقوعه ليخرج ما ذكره الواحدي في سورة الفيل من أن سببها قصة قدوم الحبشة فإن ذلك ليس من أسباب النزول في شيء بل هو من باب الإخبار عن الوقائع الماضية كذكر قصة قوم نوح وعاد وثمود وبناء البيت ونحو ذلك.
وكذلك ذكره في قوله: {واتخذ الله إبراهيم خليلا}سبب اتخاذه خليلا فليس ذلك من أسباب نزول القرآن كما لا يخفى. ذكره السيوطي في لباب النقول.
صيغ أسباب النزول واحتمالاتها
صيغ اسباب النزول الصريحة
الأولى:إذا قال الراوي سبب نزول هذه الآية كذا.
الثانية:إذا أتى بفاء تعقيبية داخلة على مادة النزول بعد ذكر الحادثة أو السؤال كما إذا قال حدث كذا أو سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن كذا فنزلت الآية.
ذكرهما الوادعي في الصحيح المسند.
صيغ أسباب النزول المحتملة
الأولى: إذا قال الراوي نزلت هذه الآية في كذا فذلك يراد به تارة أنه سبب النزول وتارة أنه داخل في معنى الآية.
الثانية:إذا قال أحسب هذه الآية نزلت في كذا أو ما أحسب هذه الآية إلا نزلت في كذا فإن الراوي بهذه الصيغة لا يقطع بالسبب فهاتان صيغتان تحتملان السببية.
ذكرهما الوادعي في الصحيح المسند.
أحوال الاختلاف في أسباب النزول
الحالة الأولى: أن يكون هناك سببين أو اكثر، ويمكن الجمع بينهما بأن ويكون نزولها عقيب السببين والأسباب المذكورة بألا تكون معلومة التباعد فيحمل على ذلك.
ومثاله:ما أخرجه البخاري من طريق عكرمة عن ابن عباس: (أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((البينة أو حد في ظهرك))، فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا مع امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فأنزل عليه:{والذين يرمون أزواجهم}حتى بلغ:{إن كان من الصادقين}الآية[النور: 6-9]).
وأخرج الشيخان عن سهل بن سعد قال: (جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال: اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم كيف يصنع فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاب المسائل فأخبر عاصم عويمرا فقال: والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه فأتاه فقال:((إنه قد أنزل فيك وفي صاحبتك قرآنا . . .)) الحديث.
جمع بينهما بأن أول ما وقع له ذلك هلال، وصادف مجيء عويمر أيضا فنزلت في شأنهما معا، وإلى هذا جنح النووي وسبقه الخطيب فقال: لعلهما اتفق لهما ذلك في وقت واحد.
وأخرج البزار عن حذيفة قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر:((لو رأيت مع أم رومان رجلا ما كنت فاعلا به؟))قال: شرا، قال:((فأنت يا عمر؟))قال:((كنت أقول لعن الله الأعجز وإنه لخبيث))فنزلت).
قال ابن حجر: لا مانع من تعدد الأسباب.
وهذا حاصل ما ذكره السيوطي في الإتقان والتحبير، والبلقيني في مواقع العلوم.
الحالة الثانية:ألا يمكن أن تنزل عقب السببين لتباعدهما؛ فيحمل على تعدد النزول وتكرره.
مثاله:ما أخرجه الشيخان عن المسيب قال: (لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال: ((أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله))فقال أبو جهل: وعبد الله يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال هو على ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لأستغفرن لك ما لم أنه عنك))، فنزلت: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}الآية [التوبة: 113]).
وأخرج الترمذي وحسنه عن علي قال: (سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت: تستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت).
وأخرج الحاكم وغيره عن ابن مسعود قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقابر فجلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى فقال: ((إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي فأنزل علي:{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}الآية [التوبة: 113]))).
فنجمع بين هذه الأحاديث بتعدد النزول.
ومن أمثلته أيضا ما أخرجه البيهقي والبزار عن أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد وقد مثل به فقال: ((لأمثلن بسبعين منهم مكانك))، فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم سورة النحل:{وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به}إلى آخر السورة [النحل: 126-128]).
وأخرج الترمذي والحاكم عن أبي بن كعب قال: (لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون، ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثلوا بهم، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله:{وإن عاقبتم}الآية [النحل: 126]).
فظاهره تأخير نزولها إلى الفتح وفي الحديث الذي قبله نزولها بأحد.
قال ابن الحصار: ويجمع بأنها نزلت أولا بمكة قبل الهجرة مع السورة؛ لأنها مكية، ثم ثانيا بأحد، ثم ثالثا يوم الفتح تذكيرا من الله لعباده، وجعل ابن كثير من هذا القسم آية الروح.
ذكره السيوطي في الإتقان.
الحالة الثالثة: إذا تعارض سببان ولم يمكن الجمع بينهما وكان أحدهما أرجح راوية من الآخر
إن لم يمكن الجمع قدم ما كان سنده صحيحاً أو له مرجح ككون راويه صاحب الواقعة التي نزلت فيها الآية ونحو ذلك. ذكره السيوطي في التحبير والإتقان.
ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن جندب: (اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين فأتته امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فأنزل الله: {والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى}[الضحى: 1-3]).
وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة عن حفص بن ميسرة عن أمه عن أمها وكانت خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن جروا دخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخل تحت السرير فمات فمكث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي، فقال:((يا خولة ما حدث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل لا يأتيني؟))فقلت: في نفسي لو هيأت البيت، وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فأخرجت الجرو، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ترعد لحيته وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة فأنزل الله:{والضحى}إلى قوله:{فترضى}[الضحى: 1-3]).
وقال ابن حجر في "شرح البخاري": قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة، لكن كونها سبب نزول الآية غريب، وفي إسناده من لا يعرف، فالمعتمد ما في الصحيح.
ومن أمثلته أيضا: ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبله بضعة عشر شهرا وكان يحب قبلة إبراهيم فكان يدعو الله وينظر إلى السماء فأنزل الله:{فولوا وجوهكم شطره}الآية [البقرة: 144]فارتاب من ذلك اليهود وقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله:{قل لله المشرق والمغرب}الآية [البقرة: 142]وقال:{فأينما تولوا فثم وجه الله}الآية [البقرة: 115]).
وأخرج الحاكم وغيره، عن ابن عمر، قال: (نزلت:{فأينما تولوا فثم وجه الله}الآية [البقرة: 115]أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك في التطوع).
وأخرج الترمذي وضعفه من حديث عامر بن ربيعة، قال: (كنا في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل منا على حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت).
وأخرج الدارقطني نحوه من حديث جابر بسند ضعيف أيضا.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد، قال لما نزلت: {ادعوني أستجب لكم}الآية [غافر: 60]، قالوا: (إلى أين فنزلت) مرسل.
وأخرج عن قتادة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أخا لكم قد مات فصلوا عليه))فقالوا: إنه كان لا يصلي إلى القبلة فنزلت). معضل غريب جدا.
فهذه خمسة أسباب مختلفة، وأضعفها الأخير؛ لإعضاله ثم ما قبله؛ لإرساله ثم ما قبله؛ لضعف رواته، والثاني صحيح، لكنه قال: قد أنزلت في كذا ولم يصرح بالسبب، والأول صحيح الإسناد/ وصرح فيه بذكر السبب فهو المعتمد.
ذكره السيوطي في الإتقان.
الحالة الرابعة: أن يستوي الإسنادان في الصحة، فيرجح أحدهما بكون راويه حاضر القصة أو نحو ذلك من وجوه الترجيحات.
مثاله: ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود: (قال كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم: لو سألتموه فقالوا: حدثنا عن الروح فقام ساعة ورفع رأسه فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الوحي ثم قال:(({قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}الآية [الإسراء: 85]))).
وأخرج الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: (قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل فقالوا: سألوه عن الروح قال: فسألوه، فأنزل الله:{ويسألونك عن الروح}الآية [الإسراء: 85])، فهذا يقتضي أنها نزلت بمكة والأول خلافه، وقد رجح بأن ما رواه البخاري أصح من غيره، وبأن ابن مسعود كان حاضر القصة.
ذكره السيوطي في الإتقان
الحالة الخامسة: إن تعارض سببان وصيغة كل منهما محتملة
إن عبر أحد المفسرين بقوله: (نزلت في كذا)، والآخر: (نزلت في كذا) وذكر أمرا آخر، فهذا يراد به التفسير لا ذكر سبب النزول، فلا منافاة بين قولهما إذا كان اللفظ يتناولهما. ذكره السيوطي في الإتقان.
الحالة السادسة: إن تعارض سببان وصيغة أحدهما صريحة والآخر محتملة
إن عبر أحد المفسرين بقوله: (نزلت في كذا)، وصرح الآخر بذكر سبب خلافه فهو المعتمد، وذاك استنباط.
مثاله: ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال: (أنزلت {نساؤكم حرث لكم..}الآية في إتيان النساء في أدبارهن).
وجابر جاء عنه التصريح بذكر سبب خلافه، فالمعتمد حديث جابر؛ لأنه نقل، وقول ابن عمر استنباط منه وقد وهمه فيه ابن عباس، وذكر مثل حديث جابر، كما أخرجه أبو داود والحاكم. ذكره السيوطي في الإتقان.
تنبيه
قد يكون في إحدى القصتين ( فتلا ) فيهم الراوي فيقول فنزل.
مثاله:ما أخرجه الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: (مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السموات على ذه والأرضين على ذه والماء على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه فأنزل الله:{وما قدروا الله حق قدره}الآية [الأنعام: 91])، والحديث في الصحيح بلفظ: (فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصواب فإن الآية مكية).
ومن أمثلته:أيضا ما أخرجه البخاري عن أنس قال: (سمع عبد الله بن سلام مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال:((أخبرني بهن جبريل آنفا)) قال: جبريل؟ قال:((نعم))قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة فقرأ هذه الآية{من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك}الآية [البقرة: 97]).
قال ابن حجر في "شرح البخاري": ظاهر السياق أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الآية ردا على قول اليهود، ولا يستلزم ذلك نزولها حينئذ، قال: وهذا هو المعتمد فقد صح في سبب نزول الآية قصة غير قصة ابن سلام.
ذكره السيوطي في الإتقان.
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
اختلف أهلُ الأصول: هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟
والصحيح الأول
الأدلة على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
الأول:أن الأنصاري الذي قبل الأجنبية ونزلت فيه {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}الآية، قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ألِيَ هذا وحدي يا رسول الله؟
ومعنى هذا هل حكم هذه الآية يختص بي لأني سبب نزولها؟
فأفتاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن العبرة بعموم اللفظ فقال: ((بل لأمتي كلهم)).
ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
الثاني:اعتبار عموم اللفظ احتجاج الصحابة وغيرهم في وقائع بعموم آيات نزلت على أسباب خاصة شائعا ذائعا بينهم.
قال ابن جرير: حدثني محمد بن أبي معشر أخبرنا أبي أبو معشر نجيح سمعت سعيد المقبري يذاكر محمد بن كعب القرظي، فقال سعيد: إن في بعض كتب الله إن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر لبسوا لباس مسوك الضأن من اللين يجترون الدنيا بالدين، فقال محمد بن كعب هذا في كتاب الله:
{ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا}الآية [البقرة: 204]، فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد.
فإن قلت: فهذا ابن عباس لم يعتبر عموم {لا تحسبن الذين يفرحون}الآية [آل عمران: 188]، بل قصرها على ما أنزلت فيه من قصة أهل الكتاب.
وأجاب السيوطي عن ذلك في الإتقان: أجيب عن ذلك بأنه لا يخفى عليه أن اللفظ أعم من السبب لكنه بين أن المراد باللفظ خاص.
ونظيره تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الظلم في قوله تعالى: {ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: 82] بالشرك، من قوله: {إن الشرك لظلم عظيم}الآية [لقمان: 13]، مع فهم الصحابة العموم في كل ظلم.
وقد ورد عن ابن عباس ما يدل على اعتبار العموم، فإنه قال به في آية السرقة مع أنها نزلت في امرأة سرقت، قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن أبي حماد حدثنا أبو تميلة بن عبد المؤمن عن نجدة الحنفي قال: سألت ابن عباس عن قوله: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}الآية [المائدة: 38]، أخاص أم عام؟ قال: (بل عام).
ذكره السيوطي في الإتقان.
الثالث:قال ابن تيمية: قد يجيء كثيرا من هذا الباب قولهم هذه الآية: نزلت في كذا، لاسيما إن كان المذكور شخصا كقولهم إن آية الظهار نزلت في امرأة ثابت بن قيس، وإن آية الكلالة نزلت في جابر بن عبد الله وإن قوله: {وأن احكم بينهم} الآية [المائدة: 49]نزلت في بني قريظة والنضير، ونظائر ذلك مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين بمكة أو في قوم من اليهود والنصارى أو في قوم من المؤمنين فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية يختص بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق، والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه؟ فلم يقل أحد: إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين، وإنما غاية ما يقال: إنها تختص بنوع ذلك الشخص فتعم ما يشبهه ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ والآية التي لها سبب معين: إن كانت أمرا ونهيا فهي متناولة لذلك الشخص ولمن كان بمنزلته". ذكرها السيوطي في الإتقان
فائدة عموم اللفظ مع خصوص السبب
-التنبيه على أن العبرة بعموم اللفظ، ذكره الزركشي البرهان ثم نقل قول الزمخشري في تفسير سورة الهمزة حيث قال ويجوز أن يكون السبب خاصا والوعيد عاما ليتناول كل من باشر ذلك القبيح، وليكون جاريا مجرى التعريض بالوارد فيه، فإن ذلك أزجر له وأنكى فيه.
أمثلة على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
مثاله: قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت}الآية [النساء: 51]إلى آخره، فإنها إشارة إلى كعب بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود، لما قدموا مكة وشاهدوا قتلى بدر حرضوا المشركين على الأخذ بثأرهم ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم فسألوهم: من أهدى سبيلا محمد وأصحابه أم نحن؟ فقالوا: أنتم، مع علمهم بما في كتابهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم المنطبق عليه وأخذ المواثيق عليهم ألا يكتموه فكان ذلك أمانة لازمة لهم ولم يؤدوها حيث قالوا للكفار: أنتم أهدى سبيلا حسدا للنبي صلى الله عليه وسلم.
فقد تضمنت هذه الآية مع هذا القول التوعد عليه المفيد للأمر بمقابله المشتمل على أداء الأمانة التي هي بيان صفة النبي صلى الله عليه وسلم بإفادة أنه الموصوف في كتابهم، وذلك مناسب لقوله: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}الآية [النساء: 58].
فهذا عام في كل أمانة، وذلك خاص بأمانة، هي صفة النبي صلى الله عليه وسلم بالطريق، السابق والعام تال للخاص في الرسم، متراخ عنه في النزول، والمناسبة تقتضي دخول ما دل عليه الخاص في العام، ولذا قال ابن العربي في تفسيره: وجه النظم أنه أخبر عن كتمان أهل الكتاب صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وقولهم: إن المشركين أهدى سبيلا فكان ذلك خيانة منهم فانجر الكلام إلى ذكر جميع الأمانات. انتهى.
قال بعضهم: ولا يرد تأخر نزول آية الأمانات عن التي قبلها بنحو ست سنين؛ لأن الزمان إنما يشترط في سبب النزول لا في المناسبة؛ لأن المقصود منها وضع آية في موضع يناسبها والآيات كانت تنزل على أسبابها، ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضعها في المواضع التي علم من الله أنها مواضعها.
ذكره السيوطي في الإتقان.
صورة السبب قطعية الدخول في العام ومثاله
صورة السبب فجمهور أهل الأصول أنها قطعية الدخول في العام فلا يجوز إخراجها منه بمخصص وهو التحقيق وروي عن مالك أنها ظنية الدخول كغيرها من أفراد العام.
ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
من صور العام الذي يراد به الخصوص
بعض ألفاظ الآيات له عموم لكنها نزلت في معين ولا عموم للفظها وهي تقصر عليه فقط، كقوله تعالى: {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى}[الليل: 17]فإنها نزلت في أبي بكر الصديق بالإجماع.
وقد استدل بها الإمام فخر الدين الرازي مع قوله: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}الآية [الحجرات: 13]، على أنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووهم من ظن أن الآية عامة في كل من عمل عمله، إجراء له على القاعدة، وهذا غلط فإن هذه الآية ليس فيها صيغة عموم إذ الألف واللام إنما تفيد العموم إذا كانت موصولة أو معرفة في جمع زاد قوم: أو مفرد بشرط ألا يكون هناك عهد.
واللام في {الأتقى}الآية [الليل: 17]، ليست موصولة؛ لأنها لا توصل بأفعل التفضيل إجماعا، و{الأتقى}الآية [الليل: 17]، ليس جمعا بل هو مفرد، والعهد موجود، خصوصا مع ما يفيده صيغة أفعل من التمييز وقطع المشاركة، فبطل القول بالعموم وتعين القطع بالخصوص والقصر على من نزلت فيه رضي الله عنه. ذكره السيوطي في الإتقان.طريقة معرفة أسباب النزول
القول في أسباب النزول موقوف على السماع
لا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها.ذكره الواحدي في أسباب النزول.
وقال غيره: معرفة سبب النزول أمر يحصل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا، وربما لم يجزم بعضهم فقال: (أحسب هذه الآية نزلت في كذا)، كما أخرج الأئمة الستة عن عبد الله بن الزبير قال: (خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شراج الحرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك))فقال الأنصاري: يا رسول الله أن كان ابن عمتك فتلون وجهه . . ) الحديث).
قال الزبير: (فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم..} الآية. ذكره السيوطي في الإتقان ولباب النقول نقلا عن الواحدي.
الدليل: ما رواه سعدي بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فإنه من كذب علي متعمدًا فيتبوأ مقعده من النار ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار)).
ذكره الواحدي في أسباب النزول
تحرز السلف عن القول في أسباب النزول
السلف الماضون رحمهم الله كانوا من أبعد الغاية احترازًا عن القول في نزول الآية.
ومثال ذلك ما رواه محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: اتق الله وقل سدادًا ذهب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن. ذكره الواحدي في أسباب النزول
أهمية جمع الطرق وفحص المرويّات
جمع طرق الحديث فيه فوائد كمعرفة وصل الحديث وإرساله وصحته وإعلاله فرب حديث ظاهر سنده الصحة في كتاب ويكون في كتاب آخر معلولا وقد قال ابن الصلاح في [علوم الحديث :82]: وروى عن علي بن المديني قال: (الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه)ا.هـ. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
وذكر الوادعيمثال ذلك:
قال [الحاكم رحمه الله:3/324]حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق ثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت: لما جاء أهل مكة في فداء أساراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فداء أبي العاص وبعثت فيه بقلادة كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رقَّ لها رِقَّة شديدة وقال: ((إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا))
قالوا: نعم يا رسول الله، وردّوا عليها الذي لها.
قال: وقال العباس: يا رسول الله إني كنت مسلما؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((الله أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول؛ فالله يجزيك فافدِ نفسَك وبني أخويك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بني الحارث بن فهر)).
فقال: ما ذاك عندي يا رسول الله.
قال: (( فأين المال الذي دفنت أنت وأم الفضل فقلتَ لها إن أصبتُ فهذا المال لبني الفضل وعبد الله وقثم )).
فقال: والله يا رسول الله إني أشهد أنك رسول الله إن هذا الشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أفعل)).
ففدى العباس نفسه وبني أخويه وحليفه وأنزل الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}فأعطاني مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل). هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عليه الذهبي ا.هـ.
وقال الهيثمي في [مجمع الزوائد: 7 /28]: (رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الأوسط رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع)ا.هـ.
ثم بعد الاطلاع على [سنن البيهقي: 6/322]ظهر أن قصة العباس مدرجة على هذا السند.
قال البيهقي رحمه الله: كذا فيما حدثنا به شيخنا أبو عبد الله في كتاب المستدرك، ثم ذكره الحافظ البيهقي على الصواب مبينا أن قصة العباس لها سند آخر، وأنها مرسلة.
وقال الحافظ في[الفتح :9/382]بعد ذكره هذه القصة: (وفي طريق عطاء محمد بن إسحاق، وليست هذه القصة عنده مسندة بل معضلة وصنيع إسحاق يعني ابن راهوية وتبعه الطبراني وابن مردويه يقتضي أنها موصولة والعلم عند الله)ا.هـ.
وقال في [المطالب العالية:3/337]: (وأظن ذلك مدرجا في الخبر من كلام ابن إسحاق وحديث عباس على هذا معضل وأما على ظاهر السياق أولا فهو مسند وعلى ذلك عمل إسحاق)ا.هـ.
ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
الصحيح معتمد بخلاف ما دونه
الحذر من ذكر الأخبار الضعيفة والواهية في أسباب النزول
فقد وقع التساهل في نقل ما لم يثبت في كتب التفسير
ومثال ذلك: قصة ثعلبة بن حاطب التي فيها "قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه" وهذه القصة يذكرها المفسرون عنه تفسير قول الله سبحانه وتعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ}ويمكن أنه لا يوجد تفسير إلا وهي مذكورة فيه وقلَّ من نبه على عدم صحتها.
أما جهابذة علماء الحديث ونقاده فإليك ما قالوه فيها:
- قال الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله بعد ذكره لها من طريق مسكين بن بكير نا معان بن رفاعة السلمي عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة قال: جاء ثعلبة بن حاطب بصدقته إلى عمر فلم يقبلها وقال: لم يقبلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أبو بكر ولا أقبلها.
قال أبو محمد: وهذا باطل بلا شك لأن الله تعالى أمر بقبض زكاة أموال المسلمين وأمر عليه السلام عند موته ألا يبقى في جزيرة العرب دينان؛ فلا يخلو ثعلبة من أن يكون مسلما ففرض على أبي بكر وعمر قبض زكاته ولا بد، ولا فسحة في ذلك، وإن كان كافرا ففرض ألا يقرّ في جزيرة العرب؛ فسقط هذا الأثر بلا شك، وفي رواته معان بن رفاعة والقاسم بن عبد الرحمن وعلي بن يزيد وهو أبو عبد الملك الألهاني وكلهم ضعفاء ومسكين بن بكير ليس بالقوي ا.هـ. [ج11من المحلى ص 208]
- وقال السيوطي في لباب النقول إن سندها ضعيف.
- وقال الحافظ في تخريج الكشاف إن في سندها علي بن يزيد الألهاني وهو واهٍ، وقال في [الفتح: 3/8 ]بعد ذكر بعض القصة لكنه حديث ضعيف لا يحتج به ا.هـ.
- وقال الهيثمي في [مجمع الزوائد:7/32] رواه الطبراني وفيه علي بن يزيد الألهاني وهو متروك.
- وقال فيه الذهبي في تجريد أسماء الصحابة إنه حديث منكر بمرَّة.
- وقال المناوي في [فيض القدير :4/527]: (قال البيهقي: "في إسناد هذا الحديث نظر وهو مشهور بين أهل التفسير" ، وأشار في الإصابة إلى عدم صحة هذا الحديث فإنه ساق هذا الحديث في ترجمة ثعلبة هذا ثم قال: "وفي كونه صاحب هذه القصة إن صح الخبر –ولا أظنه يصح- هو البدري نظر" ).ا.هـ كلام المناوي.
- وقال الحافظ العراقي في [تخريج الإحياء: 3/338]: سندها ضعيف.
وإنما مثلت بهذه القصة لشهرتها في كتب التفاسير ولأن كثيرا من إخواننا المشتغلين بالوعظ والإرشاد وفقني الله وإياهم يستحسنونها ويلقونها على العامة غير منتبهين مع عدم صحتها سندا فهي لا تصح معنى إذ فيها مخالفة لأصل من أصول الشريعة وهو أن التائب لو بلغت ذنوبه عنان السماء ثم تاب، تاب الله عليه.ذكره الوادعي في الصحيح المسند
قول الصحابة في أسباب النزول
قول الصحابي نزلت في كذا هل يدخل في المسند؟
ما كان عن صحابي: فهو مسند مرفوع، إذ قول الصحابي فيما لا مدخل فيه للاجتهاد مرفوع. أما سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمعدود في الموقوفات.
شرط إدخال أقوال الصحابة في المسند
أن يصح اتصال سنده للصحابي
مثال لقول الصحابة في أسباب النزول
قول جابر رضي الله عنه: كانت اليهود تقول من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية

قول التابعين في أسباب النزول
شروط قبول تفسير التابعي المرسل
1-أن يكون سند متصل إلي التابعي
2-أن يكون راويه معروفا أنه لا يروي إلا عن صحابي
3- أن تعدد طرقه فيكون له شاهد من حديث آخر متصل ( ولو ضعيفا ) أو مرسل.
وهذا حاصل قول السيوطي والبلقيني والوادعي
قول السلف نزلت في كذا
معنى قول السلف نزلت في كذا
يعني أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها. ذكره الزركشي البرهان.
حكم دخول معنى قول السلف نزلت في كذا في المسند
وجماعة من المحدثين يجعلون هذا من المرفوع المسند كما في قول ابن عمر في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}الآية [البقرة: 223].
وأما الإمام أحمد فلم يدخله في المسند وكذلك مسلم وغيره وجعلوا هذا مما يقال بالاستدلال وبالتأويل فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية لا من جنس النقل لما وقع. ذكره الزركشي البرهان.

رد مع اقتباس
  #34  
قديم 17 رجب 1436هـ/5-05-2015م, 10:00 PM
الصورة الرمزية إسراء خليفة
إسراء خليفة إسراء خليفة غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 1,182
افتراضي معرفة أسباب النزول

فهرسة مسائل معرفة أسباب النزول

أهمية معرفة أسباب النزول:
الأولى: الوقوف على المعني
الثانية: إزالة الإشكال
الثالثة: منها ما ينبه المفسر إلى إدراك خصوصيات بلاغية تتبع مقتضى المقامات
الرابعة: معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم
الخامسة:تخصيص الحكم به عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب
السادسة: أنه قد يكون اللفظ عاما ويقوم الدليل على التخصيص فإن محل السبب لا يجوز إخراجه بالاجتهاد والإجماع
السابعة: دفع توهم الحصر.
الثامنة: التعرف على أسرار هذا التشريع العظيم وما في أسباب النزول من العبر
التاسعة: معرفة اسم النازل فيه الآية وتعيين المبهم فيها.
العاشرة: رجاء الاستفادة من مراحل التشريع
الحادية عشر: أن في نزول القرآن عند حدوث حوادث دلالة على إعجازه من ناحية الارتجال
المصنفات في أسباب النزول:
مصنف الواحدي: (أسباب النزول)
أسباب كتابة الواحدي لكتابه:
طريقة الواحدي في كتابه:
عيب مصنف الواحدي:
مصنف السيوطي ( الإتقان في علوم القرآن ):
أسباب كتابته:
مميزات كتاب السيوطي:
كتابات ابن عاشور :
أسباب كتابة ابن عاشور في أسباب النزول:
مصنف الوادعي: ( الصحيح المسند من أسباب النزول )
أسباب كتابة الوادعي:
طريقة الوادعي في كتابه:
نزول القرآن
أقسام نزول القرآن:
حال نزول القرآن:
بين أول نزول وآخر نزوله:
أنواع أسباب النزول
أمثلة لبعض ما صحَّ من أسباب النزول:
أقسام ما صحّ من أسباب النزول
ملاحظات:
الأولى: أنه قد تنزل آيات متفرقة لسبب واحد
الثانية: وقد تتعدد الأسباب والنازل واحد
الثالثة: السياق الذي جاء فيه السبب هل يكون كالسبب أو كالعام؟
الرابعة:قد يكون النزول سابقا على الحكم
الخامسة: عدم إدخال الأخبار في أسباب النزول
صيغ أسباب النزول واحتمالاتها
صيغ اسباب النزول الصريحة

صيغ أسباب النزول المحتملة
أحوال الاختلاف في أسباب النزول
الحالة الأولى: أن يكون هناك سببين أو اكثر، ويمكن الجمع بينهما بأن ويكون نزولها عقيب السببين والأسباب المذكورة بألا تكون معلومة التباعد فيحمل على ذلك.
الحالة الثانية:ألا يمكن أن تنزل عقب السببين لتباعدهما؛ فيحمل على تعدد النزول وتكرره.
الحالة الثالثة: إذا تعارض سببان ولم يمكن الجمع بينهما وكان أحدهما أرجح راوية من الآخر
الحالة الرابعة: أن يستوي الإسنادان في الصحة، فيرجح أحدهما بكون راويه حاضر القصة أو نحو ذلك من وجوه الترجيحات.
الحالة الخامسة: إن تعارض سببان وصيغة كل منهما محتملة
الحالة السادسة: إن تعارض سببان وصيغة أحدهما صريحة والآخر محتملة
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
الأدلة على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
فائدة عموم اللفظ مع خصوص السبب
أمثلة على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
صورة السبب قطعية الدخول في العام ومثاله
من صور العام الذي يراد به الخصوص
طريقة معرفة أسباب النزول
القول في أسباب النزول موقوف على السماع

تحرز السلف عن القول في أسباب النزول
أهمية جمع الطرق وفحص المرويّات
الصحيح معتمد بخلاف ما دونه
الحذر من ذكر الأخبار الضعيفة والواهية في أسباب النزول
قول الصحابة في أسباب النزول
قول الصحابي نزلت في كذا هل يدخل في المسند؟
شرط إدخال أقوال الصحابة في المسند
مثال لقول الصحابة في أسباب النزول
قول التابعين في أسباب النزول
شروط قبول تفسير التابعي المرسل
قول السلف نزلت في كذا
معنى قول السلف نزلت في كذا

حكم دخول معنى قول السلف نزلت في كذا في المسند


تلخيص معرفة أسباب النزول


أهمية معرفة أسباب النزول:
الأولى: الوقوف على المعني؛فأسباب النزول أولى ما تصرف العناية إليها لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها. ومنها ما ليس المفسر بغنى عن علمه لأن فيها بيان مجمل أو إيضاح خفي وموجز، ومنها ما يكون وحده تفسيرا.
قال ابن دقيق العيد: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن.
قال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبَّ.
قال الشيخ أبو الفتح القشيري: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز وهو أمر تحصل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا.
وهذا حاصل ما ذكره الواحدي في أسباب النزول، والسيوطي في الإتقان، والزركشي في البرهان، ابن عاشور في التحرير والتنوير.
الثانية: إزالة الإشكال، فمنها ما يدل المفسر على طلب الأدلة التي بها تأويل الآية .
ذكره السيوطي في الإتقان ولباب النقول، ابن عاشور في التحرير والتنوير.
أمثلة:
المثال الأول:عندما أشكل على مروان بن الحكم معنى قوله تعالى: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا}الآية ، وقال: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون حتى بين له ابن عباس أن الآية نزلت في أهل الكتاب حين سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره وأروه أنهم أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه. أخرجه الشيخان.ذكره السيوطي في الإتقان.
المثال الثاني:حكي عن عثمان بن مظعون وعمرو بن معد يكرب أنهما كانا يقولان: (الخمر مباحة ويحتجان بقوله تعالى:{ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا}الآية [المائدة: 93])، ولو علما سبب نزولها لم يقولا ذلك، وهو أن ناسا قالوا: (لما حرمت الخمر كيف بمن قتلوا في سبيل الله وماتوا وكانوا يشربون الخمر وهي رجس فنزلت). أخرجه أحمد والنسائي وغيرهما. ذكره السيوطي في الإتقان.
المثال الثالث:من ذلك قوله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر}الآية [الطلاق: 4]، فقد أشكل معنى هذا الشرط على بعض الأئمة، حتى قال الظاهرية: بأن الآيسة لا عدة عليها إذا لم ترتب.
وقد بين ذلك سبب النزول، وهو أنه لما نزلت الآية التي في سورة البقرة في عدد النساء قالوا: (قد بقي عدد من عدد النساء لم يذكرن الصغار والكبار فنزلت). أخرجه الحاكم عن أبي.فعلم بذلك أن الآية خطاب لمن لم يعلم ما حكمهن في العدة وارتاب هل عليهن عدة أو لا وهل عدتهن كاللاتي في سورة البقرة أو لا فمعنى: {إن ارتبتم}إن أشكل عليكم حكمهن وجهلتم كيف يعتدون فهذا حكمهن. ذكره السيوطي في الإتقان.
المثال الرابع: من ذلك قوله تعالى: {فأينما تولوا فثم وجه الله}الآية [البقرة: 115]، فإنا لو تركنا ومدلول اللفظ لاقتضى أن المصلي لا يجب عليه استقبال القبلة سفرا ولا حضرا وهو خلاف الإجماع فلما عرف سبب نزولها علم أنها في نافلة السفر أو فيمن صلى بالاجتهاد وبان له الخطأ على اختلاف الروايات في ذلك. ذكره السيوطي في الإتقان.
المثال الخامس: ما روي في الموطأ عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه أنه قال:قلت لعائشة أم المؤمنين وأنا يومئذ حديث السن: أرأيت قول الله تعالى:{إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما}فما على الرجل شيء ألا يطوف بهما، قالت عائشة: كلا، لو كان كما تقول لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، إنما نزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله عن ذلك فأنزل الله تعالى{إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما}. ذكره ابن عاشور في التحرير والتنوير، والسيوطي في الإتقان.
المثال السادس:أشكلت بعض الآيات على بعض الصحابة فمن بعدهم حتى عرفوا سبب نزولها فمما أشكل عليهم {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}حتى أخبرهم أبو أيوب
الأنصاري رضي الله عنه بسبب نزولها فظهر لهم معناها. ومما أشكل عليهم قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
الثالثة: منها ما ينبه المفسر إلى إدراك خصوصيات بلاغية تتبع مقتضى المقامات؛ فإن من أسباب النزول ما يعين على تصوير مقام الكلام، ذكره ابن عاشور في التحرير والتنوير. الرابعة: معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم،ذكره الزركشي في البرهان.
الخامسة:تخصيص الحكم به عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب، ذكره الزركشي في البرهان.
السادسة: أنه قد يكون اللفظ عاما ويقوم الدليل على التخصيص فإن محل السبب لا يجوز إخراجه بالاجتهاد والإجماع، كما حكاه القاضي أبو بكر في "مختصر التقريب"؛ لأن دخول السبب قطعي، ونقل بعضهم الاتفاق على أن لتقدم السبب على ورود العموم أثرا.ولا التفات إلى ما نقل عن بعضهم من تجويز إخراج محل السبب بالتخصيص لأمرين:
أحدهما:أنه يلزم منه تأخير البيان عن وقت الحاجة ولا يجوز.
والثاني:أن فيه عدولا عن محل السؤال، وذلك لا يجوز في حق الشارع لئلا يلتبس على السائل.
واتفقوا على أنه تعتبر النصوصية في السبب من جهة استحالة تأخير البيان عن وقت الحاجة وتؤثر أيضا فيما وراء محل السبب وهو إبطال الدلالة على قول والضعف على قول. ذكره الزركشي في البرهان.
السابعة: دفع توهم الحصر.
مثاله: ما قاله الشافعي في معنى قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً}الآية حيث قال ما معناه: إن الكفار لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة والمحادة جاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه نازلا منزلة من يقول: لا تأكل اليوم حلاوة، فتقول: لا آكل اليوم إلا الحلاوة، والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة، فكأنه قال: لا حرام إلا ما حللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ولم يقصد حل ما وراءه إذا القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل. ذكره الزركشي في البرهان.
الثامنة: التعرف على أسرار هذا التشريع العظيم وما في أسباب النزول من العبر وحل المشاكل التي قد ضاق بها أصحابها ذرعا فيأتي الفرج الإلهي.
مثال ذلك:قصة الثلاثة الذين خُلِّفُوا، وكقصة الإفك وما حصل لنبي الهدى من الأذى بسببه وكذا لأم المؤمنين إذ بكت حتى ظن أبواها أن البكاء فالق كبدها. فيأتي الفرج بعد الشدة. وكقصة هلال بن أمية إذ رمى زوجته بالزنى فقال له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((البينة أو حد في ظهرك))فقال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فأراد الرسول أن يأمر بضربه فأنزل الله آية اللعان وأبر قسمه وأتى بالعلاج بعد تفاقم الداء فخاب وخسر من ظن أنه يستطيع أن يستغني عن هذا التشريع الحكيم. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
التاسعة: معرفة اسم النازل فيه الآية وتعيين المبهم فيها.
مثاله:عندما قال مروان في عبد الرحمن بن أبي بكر: (إنه الذي أنزل فيه {والذي قال لوالديه أف لكما}الآية [الأحقاف: 17])، حتى ردت عليه عائشة وبينت له سبب نزولها.
ذكره السيوطي في الإتقان.
العاشرة: رجاء الاستفادة من مراحل التشريع فإننا في أمس الحاجة إلى أن نعتبر أنفسنا مجددين وأن نبدأ الدعوة من جديد وفي أسباب النزول الكثير الطيب من بيان مراحل الدعوة والتوجيهات الإلهية كآية القتال فإنها لم تنزل إلا بعد أن علم الله أن لهم اقتدارا على القتال إلى غير ذلك من الفرق بين المكي والمدني كما هو معروف. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
الحادية عشر: أن في نزول القرآن عند حدوث حوادث دلالة على إعجازه من ناحية الارتجال، وهي إحدى طريقتين لبلغاء العرب في أقوالهم، فنزوله على حوادث يقطع دعوى من ادعوا أنه أساطير الأولين، ذكره ابن عاشور في التحرير والتنوير.

المصنفات في أسباب النزول
:

أفرده بالتصنيف جماعة أقدمهم علي بن المديني شيخ البخاري، ومن أحسنها وأشهرها كتاب الواحدي، ثم شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل بن حجر. وكثير من أسباب النزول روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبي العالية والسدي ومقاتل وغيرهم. وهذا حاصل ما ذكره البلقيني في مواقع العلوم، والسيوطي في الإتقان والتحبير.
مصنف الواحدي: (أسباب النزول)
أسباب كتابة الواحدي لكتابه:
قال الواحدي عن ذلك في أسباب النزول: "أما اليوم فكل أحد يخترع شيئًا ويختلق إفكًا وكذبًا ملقيًا زمامه إلى الجهالة غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب نزول الآية وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب لينتهي إليه طالبو هذا الشأن والمتكلمون في نزول هذا القرآن فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب ويجدوا في تحفظه بعد السماع والطلب".
طريقة الواحدي في كتابه:
قال عن ذلك في أسباب النزول:" لا بد من القول أولاً في مبادئ الوحي وكيفية نزول القرآن ابتداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعهد جبريل إياه بالتنزيل والكشف عن تلك الأحوال، والقول فيها على طريق الإجمال، ثم نفرغ للقول مفصلاً في سبب نزول كل آية روي لها سببٌ مَقُول مروي منقول".
عيب مصنف الواحدي:
فتارة يورد الحديث بإسناده وفيه مع التطويل عدم العلم بمخرج الحديث؛ فلا شك أن عزوه إلى أحد الكتب المذكورة أولى من عزوه إلى تخريج الواحدي لشهرتها واعتمادها وركون الأنفس إليها.وتارة يورده مقطوعا فلا يدرى هل له إسناد أو لا؟. ذكره السيوطي في الإتقان.
مصنف السيوطي ( الإتقان في علوم القرآن ):
أسباب كتابته:
ما دفعه إلى ذلك أنه قد ألف في التفسير خلائق فاختصروا الأسانيد ونقلوا الأقوال تترى فدخل من هنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل ثم صار كل من يسنح له قول يورده ومن يخطر بباله شيء يعتمده ثم ينقل ذلك عنه من يجيء بعده ظانا أن له أصلا غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح ومن يرجع إليهم في التفسير حتى رأيت من حكى في تفسير قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}نحو عشرة أقوال،وتفسيرها باليهود والنصارى هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجميع التابعين وأتباعهم حتى قال ابن أبي حاتم لا أعلم في ذلك اختلافا بين المفسرين.ذكرها الوادعي في الصحيح المسند نقلا عن السيوطي في الإتقان.
مميزات كتاب السيوطي:
أحدها:الاختصار.
ثانيها:الجمع الكثير فقد حوى زيادات كثيرة على ما ذكر الواحدي وقد ميزتها بصورة (ك) رمزا عليها.
ثالثها: عزوه كل حديث إلى من خرجه من أصحاب الكتب المعتبرة؛ كالكتب الستة، والمستدرك، وصحيح ابن حبان، وسنن البيهقي، والدارقطني، ومسانيد أحمد والبزار وأبي يعلي، ومعاجم الطبراني، وتفاسير ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي الشيخ وابن حبان والفريابي وعبد الرزاق وابن المنذر وغيرهم.
رابعها:تمييز الصحيح من غيره والمقبول من المردود.
خامسها: الجمع بين الروايات المتعددة.
سادسها: تنحية ما ليس من أسباب النزول.
ذكرها السيوطي في لباب النقول.
كتابات ابن عاشور :
لم يفرد ابن عاشور مصنفا في أسباب النزول لكنه تحدث عنها في مقدمة التفسير في كتابه التحرير والتنوير. ( حسب ما فهمت )
أسباب كتابة ابن عاشور في أسباب النزول:
ذكر ابن عاشور أن من دوافع كتابته في ذلك الموضوع: أنه قد أُولِعَ كثير من المفسرين بتطلّب أسباب نزول آي القرآن، وهي حوادث يروى أن آيات من القرآن نزلت لأجلها لبيان حكمها أو لحكايتها أو إنكارها أو نحو ذلك، وأغربوا في ذلك وأكثروا حتى كاد بعضهم أن يوهم الناس أن كل آية من القرآن نزلت على سبب، وحتى رفعوا الثقة بما ذكروا.
بيد أنا نجد في بعض آي القرآن إشارة إلى الأسباب التي دعت إلى نزولها، ونجد لبعض الآي أسبابا ثبتت بالنقل دون احتمال أن يكون ذلك رأي الناقل، فكان أمر أسباب نزول القرآن دائرا بين القصد والإسراف، وكان في غض النظر عنه وإرسال حبله على غاربه خطر عظيم في فهم القرآن. ذكره ابن عاشور في التحرير والتنوير.
مصنف الوادعي: ( الصحيح المسند من أسباب النزول )
أسباب كتابة الوادعي:
منها:الرغبة في التعرف على أسرار هذا التشريع العظيم وما في أسباب النزول من العبر وحل المشاكل التي قد ضاق بها أصحابها ذرعا فيأتي الفرج الإلهي، وذلك كقصة الثلاثة الذين خُلِّفُوا، وكقصة الإفك وما حصل لنبي الهدى من الأذى بسببه وكذا لأم المؤمنين إذ بكت حتى ظن أبواها أن البكاء فالق كبدها. فيأتي الفرج بعد الشدة. وكقصة هلال بن أمية إذ رمى زوجته بالزنى فقال له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((البينة أو حد في ظهرك))فقال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فأراد الرسول أن يأمر بضربه فأنزل الله آية اللعان وأبر قسمه وأتى بالعلاج بعد تفاقم الداء فخاب وخسر من ظن أنه يستطيع أن يستغني عن هذا التشريع الحكيم. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
ومنها: رجاء الاستفادة من مراحل التشريع فإننا في أمس الحاجة إلى أن نعتبر أنفسنا مجددين وأن نبدأ الدعوة من جديد وفي أسباب النزول الكثير الطيب من بيان مراحل الدعوة والتوجيهات الإلهية كآية القتال فإنها لم تنزل إلا بعد أن علم الله أن لهم اقتدارا على القتال إلى غير ذلك من الفرق بين المكي والمدني كما هو معروف. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
طريقة الوادعي في كتابه:
كان لديه اهتمام شديد بذكر أسانيد روايات أسباب النزول، وبيان الصحيح منها والضعيف. وقال عن نفسه في ذلك:" لم آل جهدا في الحرص على العزو إلى أئمة الحديث وكتبهم وقد يضيق علي الوقت فأكتفي بالعزو إلى بعضهم وربما اكتفيت بعزو بعض المؤلفين إليهم وهذا قليل وربما صعب علي الوقوف على سند الحديث إذا كان في الكتب المفقودة أو العزيزة الوجود فإن صححه إمام تطمئن النفس إلى تصحيحه كتبته بدون سند وإلا توقفت فيه حتى يسهل الله بالعثور على سنده".
مثال ذلك: قصة ثعلبة بن حاطب التي فيها "قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه" وهذه القصة يذكرها المفسرون عنه تفسير قول الله سبحانه وتعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ.}
ذكر الوادعي أنه يكاد لا يوجد تفسير إلا وهذه القصة مذكورة فيه وقلَّ من نبه على عدم صحتها.
ثم أورد الوادعي أقوال جهابذة علماء الحديث فقال:
- قال الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله بعد ذكره لها من طريق مسكين بن بكير نا معان بن رفاعة السلمي عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة قال: جاء ثعلبة بن حاطب بصدقته إلى عمر فلم يقبلها وقال: لم يقبلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أبو بكر ولا أقبلها.
قال أبو محمد: وهذا باطل بلا شك لأن الله تعالى أمر بقبض زكاة أموال المسلمين وأمر عليه السلام عند موته ألا يبقى في جزيرة العرب دينان؛ فلا يخلو ثعلبة من أن يكون مسلما ففرض على أبي بكر وعمر قبض زكاته ولا بد، ولا فسحة في ذلك، وإن كان كافرا ففرض ألا يقرّ في جزيرة العرب؛ فسقط هذا الأثر بلا شك، وفي رواته معان بن رفاعة والقاسم بن عبد الرحمن وعلي بن يزيد وهو أبو عبد الملك الألهاني وكلهم ضعفاء ومسكين بن بكير ليس بالقوي ا.هـ. [ج11من المحلى ص 208]
- وقال السيوطي في لباب النقول إن سندها ضعيف.
- وقال الحافظ في تخريج الكشاف إن في سندها علي بن يزيد الألهاني وهو واهٍ، وقال في [الفتح: 3/8 ]بعد ذكر بعض القصة لكنه حديث ضعيف لا يحتج به ا.هـ.
- وقال الهيثمي في [مجمع الزوائد:7/32] رواه الطبراني وفيه علي بن يزيد الألهاني وهو متروك.
- وقال فيه الذهبي في تجريد أسماء الصحابة إنه حديث منكر بمرَّة.
- وقال المناوي في [فيض القدير :4/527]: (قال البيهقي: "في إسناد هذا الحديث نظر وهو مشهور بين أهل التفسير" ، وأشار في الإصابة إلى عدم صحة هذا الحديث فإنه ساق هذا الحديث في ترجمة ثعلبة هذا ثم قال: "وفي كونه صاحب هذه القصة إن صح الخبر –ولا أظنه يصح- هو البدري نظر" ).ا.هـ كلام المناوي.
- وقال الحافظ العراقي في [تخريج الإحياء: 3/338]: سندها ضعيف.
وإنما مثلت بهذه القصة لشهرتها في كتب التفاسير ولأن كثيرا من إخواننا المشتغلين بالوعظ والإرشاد وفقني الله وإياهم يستحسنونها ويلقونها على العامة غير منتبهين مع عدم صحتها سندا فهي لا تصح معنى إذ فيها مخالفة لأصل من أصول الشريعة وهو أن التائب لو بلغت ذنوبه عنان السماء ثم تاب، تاب الله عليه.
ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
مثال آخر: ما روي عن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت: لما جاء أهل مكة في فداء أساراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فداء أبي العاص وبعثت فيه بقلادة كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رقَّ لها رِقَّة شديدة وقال: ((إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا))
قالوا: نعم يا رسول الله، وردّوا عليها الذي لها.
قال: وقال العباس: يا رسول الله إني كنت مسلما؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((الله أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول؛ فالله يجزيك فافدِ نفسَك وبني أخويك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بني الحارث بن فهر)).
فقال: ما ذاك عندي يا رسول الله.
قال: (( فأين المال الذي دفنت أنت وأم الفضل فقلتَ لها إن أصبتُ فهذا المال لبني الفضل وعبد الله وقثم )).
فقال: والله يا رسول الله إني أشهد أنك رسول الله إن هذا الشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أفعل)).
ففدى العباس نفسه وبني أخويه وحليفه وأنزل الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}فأعطاني مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل).
قال الوادعي بعدما ذكر هذا الحديث أن ما يلي:
أن هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عليه الذهبي ا.هـ.
وقال الهيثمي في [مجمع الزوائد: 7 /28]: (رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الأوسط رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع)ا.هـ.
ثم بعد الاطلاع على [سنن البيهقي: 6/322]ظهر أن قصة العباس مدرجة على هذا السند.
قال البيهقي رحمه الله: كذا فيما حدثنا به شيخنا أبو عبد الله في كتاب المستدرك، ثم ذكره الحافظ البيهقي على الصواب مبينا أن قصة العباس لها سند آخر، وأنها مرسلة.
وقال الحافظ في[الفتح :9/382]بعد ذكره هذه القصة: (وفي طريق عطاء محمد بن إسحاق، وليست هذه القصة عنده مسندة بل معضلة وصنيع إسحاق يعني ابن راهوية وتبعه الطبراني وابن مردويه يقتضي أنها موصولة والعلم عند الله)ا.هـ.
وقال في [المطالب العالية:3/337]: (وأظن ذلك مدرجا في الخبر من كلام ابن إسحاق وحديث عباس على هذا معضل وأما على ظاهر السياق أولا فهو مسند وعلى ذلك عمل إسحاق)ا.هـ.ذكره الوادعي في الصحيح المسند.

نزول القرآن

أقسام نزول القرآن:
القسم الأول: قسم نزل ابتداء بعقائد الإيمان وواجبات الإسلام وغير ذلك.
القسم الثاني:قسم نزل عقب واقعة أو سؤال.
ذكره السيوطي في الإتقان والوادعي في الصحيح المسند
حال نزول القرآن:
أنزله الله مفرقًا، قال تعالى {وَقُرآَنًا فَرَقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلى الناسِ عَلى مُكثٍ وَنَزَّلناهُ تَنزيلاً}، ذكره الواحدي في أسباب النزول.
بين أول نزول وآخر نزوله:
ذكر أنه كان بين أوله وآخره ثماني عشرة سنة أنزل عليه بمكة ثماني سنين قبل أن يهاجر وبالمدينة عشر سنين، ذكره الواحدي في أسباب النزول.
أنواع أسباب النزول
النوع الأول:أن تحدث حادثة فينزل القرآن الكريم بشأنها كما في سبب نزول {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}، ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
النوع الثاني: أن يُسْأل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن شيء فينزل القرآن ببيان الحكم فيه كما في سبب نزول آية اللعان. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
وهذه الأنواع على قسمين:
القسم الأول:المشهور، ومنه صحيح كقصة الإفك وآية السعي والتيمم والعرنيين وموافقات عمر. ومنه ضعيف كآية: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}الآية [النساء: 58].وقد اشتهر أنها نزلت في شأن مفتاح الكعبة، وأسانيد ذلك بعضها ضعيف، وبعضها منقطع. ذكره السيوطي في التحبير.
القسم الثاني:الغريب، وهو أيضاً منه صحيح ومنه ضعيف. ذكره السيوطي في التحبير.
أمثلة لبعض ما صحَّ من أسباب النزول:
منها في سورة البقرة فيها ما رواه البخاري في "الصحيح" في باب:
{واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}الآية [البقرة: 125]، قال: حدثنا مسدد، عن يحيى بن سعيد، عن حميد، عن أنس قال: (قال عمر رضي الله عنه: (وافقت الله في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث؛ قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت:{واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}الآية [البقرة: 125]، وقلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فنزلت آية الحجاب.
وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض أزواجه، فدخلت عليهن فقلت: إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله صلى الله عليه وسلم خيرا منكن؟ فأنزل الله:
{عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن}الآية [التحريم: 5])).
ومنها ما رواه البخاري في الصحيح في قوله – تعالى-:
{إن الصفا والمروة من شعائر الله}الآية [البقرة: 158]، عن عائشة رضي الله عنها: (أنها إنما نزلت في الأنصار كانوا يهلون لمناة، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا. بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله– تعالى -:{إن الصفا والمروة من شعائر الله}الآية [البقرة: 158]).
وعضده ما رواه البخاري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أنه سئل عن الصفا والمروة، فقال: كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل الله – تعالى -:{إن الصفا والمروة من شعائر الله}الآية [البقرة: 158]).
ومنها ما رواه البخاري، في "الصحيح" من طريق البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله – سبحانه-:
{علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم}الآية [البقرة: 187]).
ومنها ما رواه البخاري في "الصحيح" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت:
{ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم}الآية [198]، في مواسم الحج).
ولنقتصر على هذه الأمثلة ففيها مقنع.
ومن ذلك الوقائع المشهورة مثل قصة الإفك، وقصة التيمم، وقصة المتخلفين عن غزوة تبوك ونحو ذلك.
ذكره البلقيني في مواقع العلوم.
أقسام ما صحّ من أسباب النزول
على خمسة أقسام:
الأول:هو المقصود من الآية يتوقف فهم المراد منها على علمه فلابد من البحث عنه للمفسر، وهذا منه تفسير مبهمات القرآن مثل قوله تعالى {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها}ونحو {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا}ومثل بعض الآيات التي فيها {ومن الناس}.
والثاني:هو حوادث تسببت عليها تشريعات أحكام وصور تلك الحوادث لا تبين مجملا ولا تخالف مدلول الآية بوجه تخصيص أو تعميم أو تقييد، ولكنها إذا ذكرت أمثالها وجدت مساوية لمدلولات الآيات النازلة عند حدوثها، مثل حديث عويمر العجلاني الذي نزلت عنه آية اللعان، ومثل حديث كعب بن عجرة الذي نزلت عنه آية {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام}الآية فقد قال كعب بن عجرة: هي لي خاصة ولكم عامة، ومثل قول أم سلمة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: يغزو الرجال ولا نغزو، فنزل قوله تعالى{ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}الآية. وهذا القسم لا يفيد البحث فيه إلا زيادة تفهم في معنى الآية وتمثيلا لحكمها، ولا يخشى توهم تخصيص الحكم بتلك الحادثة، إذ قد اتفق العلماء أو كادوا على أن سبب النزول في مثل هذا لا يخصص، واتفقوا على أن أصل التشريع أن لا يكون خاصا.
والثالث:هو حوادث تكثر أمثالها تختص بشخص واحد فنزلت الآية لإعلانها وبيان أحكامها وزجر من يرتكبها، فكثيرا ما تجد المفسرين وغيرهم يقولون نزلت في كذا وكذا، وهم يريدون أن من الأحوال التي تشير إليها تلك الآية تلك الحالة الخاصة فكأنهم يريدون التمثيل. ففي كتاب الأيمان من صحيح البخاري في باب قول الله تعالى {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} أن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله: ((من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان))فأنزل الله تصديق ذلك{إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا}الآية فدخل الأشعث بن قيس فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن? فقالوا كذا وكذا، قال في أنزلت، لي بئر في أرض ابن عم لي الخ، فابن مسعود جعل الآية عامة لأنه جعلها تصديقا لحديث عام? والأشعث بن قيس ظنها خاصة به إذ قال: في أنزلت بصيغة الحصر.
ومثل الآيات النازلة في المنافقين في سورة براءة المفتتحة بقوله تعالى: {ومنهم- ومنهم}ولذلك قال ابن عباس: كنا نسمي سورة التوبة سورة الفاضحة. ومثل قوله تعالى: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم}فلا حاجة لبيان أنها نزلت لما أظهر بعض اليهود مودة المؤمنين. وهذا القسم قد أكثر من ذكره أهل القصص وبعض المفسرين ولا فائدة في ذكره، على أن ذكره قد يوهم القاصرين قصر الآية على تلك الحادثة لعدم ظهور العموم من ألفاظ تلك الآيات.
والرابع:هو حوادث حدثت وفي القرآن آيات تناسب معانيها سابقة أو لاحقة فيقع في عبارات بعض السلف ما يوهم أن تلك الحوادث هي المقصود من تلك الآيات، مع أن المراد أنها مما يدخل في معنى الآية ويدل لهذا النوع وجود اختلاف كثير بين الصحابة في كثير من أسباب النزول كما هو مبسوط في المسألة الخامسة من بحث أسباب النزول من الإتقان فارجعوا إليه ففيه أمثلة كثيرة.
وفي "صحيح البخاري" في سورة النساء أن ابن عباس قرأ قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا}بألف بعد لام السلام وقال: كان رجل في غنيمة له تصغير غنم فلحقه المسلمون فقال: السلام عليكم فقتلوه أي ظنوه مشركا يريد أن يتقي منهم بالسلام وأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذلك {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام}الآية. فالقصة لا بد أن تكون قد وقعت لأن ابن عباس رواها لكن الآية ليست نازلة فيها بخصوصها ولكن نزلت في أحكام الجهاد بدليل ما قبلها وما بعدها فإن قبلها: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا}وبعدها{فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل}.
وفي تفسير تلك السورة من صحيح البخاري بعد أن ذكر نزاع الزبير والأنصاري في ماء شراج الحرة قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}الآية قال السيوطي في "الإتقان" عن الزركشي قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال نزلت هذه الآية في كذا، فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها. وفيه عن ابن تيمية قد تنازع العلماء في قول الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا، هل يجري مجرى المسند أو يجري مجرى التفسير? فالبخاري يدخله في المسند، وأكثر أهل المسانيد لا يدخلونه فيه، بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه فإنهم كلهم يدخلونه في المسند.
والخامس:قسم يبين مجملات، ويدفع متشابهات مثل قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}فإذا ظن أحد أن من للشرط أشكل عليه كيف يكون الجور في الحكم كفرا، ثم إذا علم أن سبب النزول هم النصارى علم أن من موصولة وعلم أن الذين تركوا الحكم بالإنجيل لا يتعجب منهم أن يكفروا بمحمد. وكذلك حديث عبد الله بن مسعود قال لما نزل قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم}شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا أينا لم يلبس إيمانه بظلم ظنوا أن الظلم هو المعصية. فقال رسول الله: ((إنه ليس بذلك? ألا تسمع لقول لقمان لابنه {إن الشرك لظلم عظيم})).ومن هذا القسم ما لا يبين مجملا ولا يؤول متشابها ولكنه يبين وجه تناسب الآي بعضها مع بعض كما في قوله تعالى، في سورة النساء: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء}الآية، فقد تخفى الملازمة بين الشرط وجزائه فيبينها ما في الصحيح، عن عائشة أن عروة بن الزبير سألها عنها فقالت: هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.
- هذا وإن القرآن كتاب جاء لهدي أمة والتشريع لها، وهذا الهدي قد يكون واردا قبل الحاجة، وقد يكون مخاطبا به قوم على وجه الزجر أو الثناء أو غيرهما، وقد يكون مخاطبا به جميع من يصلح لخطابه، وهو في جميع ذلك قد جاء بكليات تشريعية وتهذيبية، والحكمة في ذلك أن يكون وعي الأمة لدينها سهلا عليها، وليمكن تواتر الدين، وليكون لعلماء الأمة مزية الاستنباط، وإلا فإن الله قادر أن يجعل القرآن أضعاف هذا المنزل وأن يطيل عمر النبي صلى الله عليه وسلم للتشريع أكثر مما أطال عمر إبراهيم وموسى، ولذلك قال تعالى: {وأتممت عليكم نعمتي}، فكما لا يجوز حمل كلماته على خصوصيات جزئية لأن ذلك يبطل مراد الله، كذلك لا يجوز تعميم ما قصد منه الخصوص ولا إطلاق ما قصد منه التقييد؛ لأن ذلك قد يفضي إلى التخليط في المراد أو إلى إبطاله من أصله، وقد اغتر بعض الفرق بذلك. قال ابن سيرين في الخوارج: إنهم عمدوا إلى آيات الوعيد النازلة في المشركين فوضعوها على المسلمين فجاءوا ببدعة القول بالتكفير بالذنب، وقد قال الحرورية لعلي رضي الله عنه يوم التحكيم: {إن الحكم إلا لله}فقال علي كلمة حق أريد بها باطل وفسرها في خطبة له في "نهج البلاغة".
- وثمة فائدة أخرى عظيمة لأسباب النزول وهي أن في نزول القرآن عند حدوث حوادث دلالة على إعجازه من ناحية الارتجال، وهي إحدى طريقتين لبلغاء العرب في أقوالهم، فنزوله على حوادث يقطع دعوى من ادعوا أنه أساطير الأولين.
ذكرها ابن عاشور في التحرير والتنوير.
ملاحظات:
الأولى: أنه قد تنزل آيات متفرقة لسبب واحد، ولا إشكال في ذلك فقد ينزل في الواقعة الواحدة آيات عديدة في سور شتى.
مثاله:ما أخرجه الترمذي والحاكم عن أم سلمة أنها قالت: (يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء، فأنزل الله:{فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع}إلى آخر الآية [آل عمران: 195]).
وأخرج الحاكم عنها أيضا، قالت: (قلت يا رسول الله تذكر الرجال ولا تذكر النساء، فأنزلت:{إن المسلمين والمسلمات}والآية [الأحزاب: 35]، أنزلت:{أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى} الآية [آل عمران: 195]).
وأخرج أيضا عنها، أنها قالت: (يغزو الرجال ولا تغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث فأنزل الله:{ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}الآية [النساء: 32]، وأنزل:{إن المسلمين والمسلمات}الآية [الأحزاب: 35]).
ومن أمثلته أيضا: ما أخرجه البخاري من حديث زيد بن ثابت: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين . . . والمجاهدون في سبيل الله فجاء ابن أم مكتوم، وقال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى، فأنزل الله:{غير أولي الضرر}الآية [النساء: 95]).
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت أيضا، قال: (كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لواضع القلم على أذني إذ أمر بالقتال فجعل رسول الله ينظر ما ينزل عليه إذ جاء أعمى، فقال: كيف لي يا رسول الله وأنا أعمى، فنزلت:{ليس على الضعفاء}الآية [التوبة: 91]).
ومن أمثلته ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل حجرة، فقال:((إنه سيأتيكم إنسان ينظر بعيني شيطان))فطلع رجل أزرق فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((علام تشتمني أنت وأصحابك؟))فانطلق الرجل فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما قالوا: حتى تجاوز عنهم فأنزل الله:{يحلفون بالله ما قالوا}الآية [التوبة: 74]).
وأخرجه الحاكم وأحمد بهذا اللفظ وآخره: (فأنزل الله:{يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم}الآية. ذكره السيوطي في الإتقان.
مثال آخر: في حديث المسيب رضي الله عنه في شأن وفاة أبي طالب وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لأستغفرن لك ما لم أنه عنه))فأنزل الله {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.ونزل في أبي طالب {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
الثانية: وقد تتعدد الأسباب والنازل واحد، كما في آية اللعان وغيرها. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
الثالثة: تنزل الآيات على الأسباب خاصة وتوضع كل واحدة منها مع ما يناسبها من الآي رعاية لنظم القرآن وحسن السياق، فذلك الذي وضعت معه الآية نازلة على سبب خاص للمناسبة إذ كان مسوقا لما نزل في معنى يدخل تحت ذلك اللفظ العام أو كان من جملة الأفراد الداخلة وضعا تحت اللفظ العام فدلالة اللفظ عليه هل هي كالسبب فلا يخرج ويكون مرادا من الآيات قطعا؟ أو لا ينتهي في القوة إلى ذلك؟ لأنه قد يراد غيره وتكون المناسبة مشبهة به؟ فيه احتمال.
واختار بعضهم أنه رتبة متوسطة دون السبب وفوق العموم المجرد ومثاله قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}الآية [النساء: 58]فإن مناسبتها للآية التي قبلها وهى قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً}الآية [النساء: 51]، أن ذلك إشارة إلى كعب بن الأشرف كان قدم إلى مكة وشاهد قتلى بدر وحرض الكفار على الأخذ بثأرهم وغزو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألوه: من أهدى سبيلا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو هم؟ فقال: أنتم -كذبا منه وضلالة- لعنه الله، فتلك الآية في حقه وحق من شاركه في تلك المقالة، وهم أهل كتاب يجدون عندهم في كتابهم بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفته، وقد أخذت عليهم المواثيق ألا يكتموا ذلك وأن ينصروه، وكان ذلك أمانة لازمة لهم، فلم يؤدوها ، وخانوا فيها، وذلك مناسب لقوله:
{إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}الآية [النساء: 58]، قال ابن العربي: في تفسيره وجه النظم أنه أخبر عن كتمان أهل الكتاب صفة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقولهم: إن المشركين أهدى سبيلا، فكان ذلك خيانة منهم، فانجر الكلام إلى ذكر جميع الأمانات. انتهى.
ولا يرد على هذا أن قصة كعب بن الأشرف كانت عقب بدر، ونزول {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ}الآية [النساء: 58]في الفتح أو قريبا منها وبينهما ست سنين؛ لأن الزمان إنما يشترط في سبب النزول ولا يشترط في المناسبة؛ لأن المقصود منها: وضع آية في موضع يناسبها، والآيات كانت تنزل على أسبابها ويأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوضعها في المواضع التي علم من الله تعالى أنها مواضعها. ذكره الزركشي في البرهان.
الرابعة:قد يكون النزول سابقا على الحكم
مثاله:قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}[الأعلى: 14]فإنه يستدل بها على زكاة الفطر.
روى البيهقي بسنده إلى ابن عمر: (أنها نزلت في زكاة رمضان)ثم أسند مرفوعا نحوه.
وقال بعضهم: لا أدري ما وجه هذا التأويل؛ لأن هذه السورة مكية ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة. وأجاب البغوي في تفسيره: أنه يجوز أن يكون النزول سابقا على الحكم كما قال: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ}الآية [البلد: 1-2]فالسورة مكية، وظهور أثر الحل يوم فتح مكة حتى: قال عليه السلام: ((أحلت لي ساعة من نهار)).
وكذلك نزل بمكة {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}الآية [القمر: 45]، قال عمر بن الخطاب: (كنت لا أدري: أي الجمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:(({سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}
ذكره الزركشي في البرهان.
الخامسة: عدم إدخال الأخبار في أسباب النزول
الذي يتحرر في سبب النزول أنه ما نزلت الآية أيام وقوعه ليخرج ما ذكره الواحدي في سورة الفيل من أن سببها قصة قدوم الحبشة فإن ذلك ليس من أسباب النزول في شيء بل هو من باب الإخبار عن الوقائع الماضية كذكر قصة قوم نوح وعاد وثمود وبناء البيت ونحو ذلك.
وكذلك ذكره في قوله: {واتخذ الله إبراهيم خليلا}سبب اتخاذه خليلا فليس ذلك من أسباب نزول القرآن كما لا يخفى. ذكره السيوطي في لباب النقول.

صيغ أسباب النزول واحتمالاتها

صيغ اسباب النزول الصريحة
الأولى:إذا قال الراوي سبب نزول هذه الآية كذا.
الثانية:إذا أتى بفاء تعقيبية داخلة على مادة النزول بعد ذكر الحادثة أو السؤال كما إذا قال حدث كذا أو سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن كذا فنزلت الآية.
ذكرهما الوادعي في الصحيح المسند.
صيغ أسباب النزول المحتملة
الأولى: إذا قال الراوي نزلت هذه الآية في كذا فذلك يراد به تارة أنه سبب النزول وتارة أنه داخل في معنى الآية.
الثانية:إذا قال أحسب هذه الآية نزلت في كذا أو ما أحسب هذه الآية إلا نزلت في كذا فإن الراوي بهذه الصيغة لا يقطع بالسبب فهاتان صيغتان تحتملان السببية.
ذكرهما الوادعي في الصحيح المسند.
أحوال الاختلاف في أسباب النزول
الحالة الأولى: أن يكون هناك سببين أو اكثر، ويمكن الجمع بينهما بأن ويكون نزولها عقيب السببين والأسباب المذكورة بألا تكون معلومة التباعد فيحمل على ذلك.
ومثاله:ما أخرجه البخاري من طريق عكرمة عن ابن عباس: (أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((البينة أو حد في ظهرك))، فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا مع امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فأنزل عليه:{والذين يرمون أزواجهم}حتى بلغ:{إن كان من الصادقين}الآية[النور: 6-9]).
وأخرج الشيخان عن سهل بن سعد قال: (جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال: اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم كيف يصنع فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاب المسائل فأخبر عاصم عويمرا فقال: والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه فأتاه فقال:((إنه قد أنزل فيك وفي صاحبتك قرآنا . . .)) الحديث.
جمع بينهما بأن أول ما وقع له ذلك هلال، وصادف مجيء عويمر أيضا فنزلت في شأنهما معا، وإلى هذا جنح النووي وسبقه الخطيب فقال: لعلهما اتفق لهما ذلك في وقت واحد.
وأخرج البزار عن حذيفة قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر:((لو رأيت مع أم رومان رجلا ما كنت فاعلا به؟))قال: شرا، قال:((فأنت يا عمر؟))قال:((كنت أقول لعن الله الأعجز وإنه لخبيث))فنزلت).
قال ابن حجر: لا مانع من تعدد الأسباب.
وهذا حاصل ما ذكره السيوطي في الإتقان والتحبير، والبلقيني في مواقع العلوم.
الحالة الثانية:ألا يمكن أن تنزل عقب السببين لتباعدهما؛ فيحمل على تعدد النزول وتكرره.
مثاله:ما أخرجه الشيخان عن المسيب قال: (لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال: ((أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله))فقال أبو جهل: وعبد الله يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال هو على ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لأستغفرن لك ما لم أنه عنك))، فنزلت: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}الآية [التوبة: 113]).
وأخرج الترمذي وحسنه عن علي قال: (سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت: تستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت).
وأخرج الحاكم وغيره عن ابن مسعود قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقابر فجلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى فقال: ((إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي فأنزل علي:{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}الآية [التوبة: 113]))).
فنجمع بين هذه الأحاديث بتعدد النزول.
ومن أمثلته أيضا ما أخرجه البيهقي والبزار عن أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد وقد مثل به فقال: ((لأمثلن بسبعين منهم مكانك))، فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم سورة النحل:{وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به}إلى آخر السورة [النحل: 126-128]).
وأخرج الترمذي والحاكم عن أبي بن كعب قال: (لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون، ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثلوا بهم، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله:{وإن عاقبتم}الآية [النحل: 126]).
فظاهره تأخير نزولها إلى الفتح وفي الحديث الذي قبله نزولها بأحد.
قال ابن الحصار: ويجمع بأنها نزلت أولا بمكة قبل الهجرة مع السورة؛ لأنها مكية، ثم ثانيا بأحد، ثم ثالثا يوم الفتح تذكيرا من الله لعباده، وجعل ابن كثير من هذا القسم آية الروح.
ذكره السيوطي في الإتقان.
الحالة الثالثة: إذا تعارض سببان ولم يمكن الجمع بينهما وكان أحدهما أرجح راوية من الآخر
إن لم يمكن الجمع قدم ما كان سنده صحيحاً أو له مرجح ككون راويه صاحب الواقعة التي نزلت فيها الآية ونحو ذلك. ذكره السيوطي في التحبير والإتقان.
ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن جندب: (اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين فأتته امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فأنزل الله: {والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى}[الضحى: 1-3]).
وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة عن حفص بن ميسرة عن أمه عن أمها وكانت خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن جروا دخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخل تحت السرير فمات فمكث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي، فقال:((يا خولة ما حدث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل لا يأتيني؟))فقلت: في نفسي لو هيأت البيت، وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فأخرجت الجرو، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ترعد لحيته وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة فأنزل الله:{والضحى}إلى قوله:{فترضى}[الضحى: 1-3]).
وقال ابن حجر في "شرح البخاري": قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة، لكن كونها سبب نزول الآية غريب، وفي إسناده من لا يعرف، فالمعتمد ما في الصحيح.
ومن أمثلته أيضا: ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبله بضعة عشر شهرا وكان يحب قبلة إبراهيم فكان يدعو الله وينظر إلى السماء فأنزل الله:{فولوا وجوهكم شطره}الآية [البقرة: 144]فارتاب من ذلك اليهود وقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله:{قل لله المشرق والمغرب}الآية [البقرة: 142]وقال:{فأينما تولوا فثم وجه الله}الآية [البقرة: 115]).
وأخرج الحاكم وغيره، عن ابن عمر، قال: (نزلت:{فأينما تولوا فثم وجه الله}الآية [البقرة: 115]أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك في التطوع).
وأخرج الترمذي وضعفه من حديث عامر بن ربيعة، قال: (كنا في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل منا على حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت).
وأخرج الدارقطني نحوه من حديث جابر بسند ضعيف أيضا.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد، قال لما نزلت: {ادعوني أستجب لكم}الآية [غافر: 60]، قالوا: (إلى أين فنزلت) مرسل.
وأخرج عن قتادة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أخا لكم قد مات فصلوا عليه))فقالوا: إنه كان لا يصلي إلى القبلة فنزلت). معضل غريب جدا.
فهذه خمسة أسباب مختلفة، وأضعفها الأخير؛ لإعضاله ثم ما قبله؛ لإرساله ثم ما قبله؛ لضعف رواته، والثاني صحيح، لكنه قال: قد أنزلت في كذا ولم يصرح بالسبب، والأول صحيح الإسناد/ وصرح فيه بذكر السبب فهو المعتمد.
ذكره السيوطي في الإتقان.
الحالة الرابعة: أن يستوي الإسنادان في الصحة، فيرجح أحدهما بكون راويه حاضر القصة أو نحو ذلك من وجوه الترجيحات.
مثاله: ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود: (قال كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم: لو سألتموه فقالوا: حدثنا عن الروح فقام ساعة ورفع رأسه فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الوحي ثم قال:(({قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}الآية [الإسراء: 85]))).
وأخرج الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: (قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل فقالوا: سألوه عن الروح قال: فسألوه، فأنزل الله:{ويسألونك عن الروح}الآية [الإسراء: 85])، فهذا يقتضي أنها نزلت بمكة والأول خلافه، وقد رجح بأن ما رواه البخاري أصح من غيره، وبأن ابن مسعود كان حاضر القصة.
ذكره السيوطي في الإتقان
الحالة الخامسة: إن تعارض سببان وصيغة كل منهما محتملة
إن عبر أحد المفسرين بقوله: (نزلت في كذا)، والآخر: (نزلت في كذا) وذكر أمرا آخر، فهذا يراد به التفسير لا ذكر سبب النزول، فلا منافاة بين قولهما إذا كان اللفظ يتناولهما. ذكره السيوطي في الإتقان.
الحالة السادسة: إن تعارض سببان وصيغة أحدهما صريحة والآخر محتملة
إن عبر أحد المفسرين بقوله: (نزلت في كذا)، وصرح الآخر بذكر سبب خلافه فهو المعتمد، وذاك استنباط.
مثاله: ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال: (أنزلت {نساؤكم حرث لكم..}الآية في إتيان النساء في أدبارهن).
وجابر جاء عنه التصريح بذكر سبب خلافه، فالمعتمد حديث جابر؛ لأنه نقل، وقول ابن عمر استنباط منه وقد وهمه فيه ابن عباس، وذكر مثل حديث جابر، كما أخرجه أبو داود والحاكم. ذكره السيوطي في الإتقان.
تنبيه
قد يكون في إحدى القصتين ( فتلا ) فيهم الراوي فيقول فنزل.
مثاله:ما أخرجه الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: (مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السموات على ذه والأرضين على ذه والماء على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه فأنزل الله:{وما قدروا الله حق قدره}الآية [الأنعام: 91])، والحديث في الصحيح بلفظ: (فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصواب فإن الآية مكية).
ومن أمثلته:أيضا ما أخرجه البخاري عن أنس قال: (سمع عبد الله بن سلام مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال:((أخبرني بهن جبريل آنفا)) قال: جبريل؟ قال:((نعم))قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة فقرأ هذه الآية{من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك}الآية [البقرة: 97]).
قال ابن حجر في "شرح البخاري": ظاهر السياق أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الآية ردا على قول اليهود، ولا يستلزم ذلك نزولها حينئذ، قال: وهذا هو المعتمد فقد صح في سبب نزول الآية قصة غير قصة ابن سلام.
ذكره السيوطي في الإتقان.

العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
اختلف أهلُ الأصول: هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟
والصحيح الأول
الأدلة على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
الأول:أن الأنصاري الذي قبل الأجنبية ونزلت فيه {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}الآية، قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ألِيَ هذا وحدي يا رسول الله؟
ومعنى هذا هل حكم هذه الآية يختص بي لأني سبب نزولها؟
فأفتاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن العبرة بعموم اللفظ فقال: ((بل لأمتي كلهم)).
ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
الثاني:اعتبار عموم اللفظ احتجاج الصحابة وغيرهم في وقائع بعموم آيات نزلت على أسباب خاصة شائعا ذائعا بينهم.
قال ابن جرير: حدثني محمد بن أبي معشر أخبرنا أبي أبو معشر نجيح سمعت سعيد المقبري يذاكر محمد بن كعب القرظي، فقال سعيد: إن في بعض كتب الله إن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر لبسوا لباس مسوك الضأن من اللين يجترون الدنيا بالدين، فقال محمد بن كعب هذا في كتاب الله:
{ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا}الآية [البقرة: 204]، فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد.
فإن قلت: فهذا ابن عباس لم يعتبر عموم {لا تحسبن الذين يفرحون}الآية [آل عمران: 188]، بل قصرها على ما أنزلت فيه من قصة أهل الكتاب.
وأجاب السيوطي عن ذلك في الإتقان: أجيب عن ذلك بأنه لا يخفى عليه أن اللفظ أعم من السبب لكنه بين أن المراد باللفظ خاص.
ونظيره تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الظلم في قوله تعالى: {ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: 82] بالشرك، من قوله: {إن الشرك لظلم عظيم}الآية [لقمان: 13]، مع فهم الصحابة العموم في كل ظلم.
وقد ورد عن ابن عباس ما يدل على اعتبار العموم، فإنه قال به في آية السرقة مع أنها نزلت في امرأة سرقت، قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن أبي حماد حدثنا أبو تميلة بن عبد المؤمن عن نجدة الحنفي قال: سألت ابن عباس عن قوله: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}الآية [المائدة: 38]، أخاص أم عام؟ قال: (بل عام).
ذكره السيوطي في الإتقان.
الثالث:قال ابن تيمية: قد يجيء كثيرا من هذا الباب قولهم هذه الآية: نزلت في كذا، لاسيما إن كان المذكور شخصا كقولهم إن آية الظهار نزلت في امرأة ثابت بن قيس، وإن آية الكلالة نزلت في جابر بن عبد الله وإن قوله: {وأن احكم بينهم} الآية [المائدة: 49]نزلت في بني قريظة والنضير، ونظائر ذلك مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين بمكة أو في قوم من اليهود والنصارى أو في قوم من المؤمنين فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية يختص بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق، والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه؟ فلم يقل أحد: إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين، وإنما غاية ما يقال: إنها تختص بنوع ذلك الشخص فتعم ما يشبهه ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ والآية التي لها سبب معين: إن كانت أمرا ونهيا فهي متناولة لذلك الشخص ولمن كان بمنزلته". ذكرها السيوطي في الإتقان
فائدة عموم اللفظ مع خصوص السبب
-التنبيه على أن العبرة بعموم اللفظ، ذكره الزركشي البرهان ثم نقل قول الزمخشري في تفسير سورة الهمزة حيث قال ويجوز أن يكون السبب خاصا والوعيد عاما ليتناول كل من باشر ذلك القبيح، وليكون جاريا مجرى التعريض بالوارد فيه، فإن ذلك أزجر له وأنكى فيه.
أمثلة على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
مثاله: قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت}الآية [النساء: 51]إلى آخره، فإنها إشارة إلى كعب بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود، لما قدموا مكة وشاهدوا قتلى بدر حرضوا المشركين على الأخذ بثأرهم ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم فسألوهم: من أهدى سبيلا محمد وأصحابه أم نحن؟ فقالوا: أنتم، مع علمهم بما في كتابهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم المنطبق عليه وأخذ المواثيق عليهم ألا يكتموه فكان ذلك أمانة لازمة لهم ولم يؤدوها حيث قالوا للكفار: أنتم أهدى سبيلا حسدا للنبي صلى الله عليه وسلم.
فقد تضمنت هذه الآية مع هذا القول التوعد عليه المفيد للأمر بمقابله المشتمل على أداء الأمانة التي هي بيان صفة النبي صلى الله عليه وسلم بإفادة أنه الموصوف في كتابهم، وذلك مناسب لقوله: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}الآية [النساء: 58].
فهذا عام في كل أمانة، وذلك خاص بأمانة، هي صفة النبي صلى الله عليه وسلم بالطريق، السابق والعام تال للخاص في الرسم، متراخ عنه في النزول، والمناسبة تقتضي دخول ما دل عليه الخاص في العام، ولذا قال ابن العربي في تفسيره: وجه النظم أنه أخبر عن كتمان أهل الكتاب صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وقولهم: إن المشركين أهدى سبيلا فكان ذلك خيانة منهم فانجر الكلام إلى ذكر جميع الأمانات. انتهى.
قال بعضهم: ولا يرد تأخر نزول آية الأمانات عن التي قبلها بنحو ست سنين؛ لأن الزمان إنما يشترط في سبب النزول لا في المناسبة؛ لأن المقصود منها وضع آية في موضع يناسبها والآيات كانت تنزل على أسبابها، ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضعها في المواضع التي علم من الله أنها مواضعها.
ذكره السيوطي في الإتقان.
صورة السبب قطعية الدخول في العام ومثاله
صورة السبب فجمهور أهل الأصول أنها قطعية الدخول في العام فلا يجوز إخراجها منه بمخصص وهو التحقيق وروي عن مالك أنها ظنية الدخول كغيرها من أفراد العام.
ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
من صور العام الذي يراد به الخصوص
بعض ألفاظ الآيات له عموم لكنها نزلت في معين ولا عموم للفظها وهي تقصر عليه فقط، كقوله تعالى: {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى}[الليل: 17]فإنها نزلت في أبي بكر الصديق بالإجماع.
وقد استدل بها الإمام فخر الدين الرازي مع قوله: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}الآية [الحجرات: 13]، على أنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووهم من ظن أن الآية عامة في كل من عمل عمله، إجراء له على القاعدة، وهذا غلط فإن هذه الآية ليس فيها صيغة عموم إذ الألف واللام إنما تفيد العموم إذا كانت موصولة أو معرفة في جمع زاد قوم: أو مفرد بشرط ألا يكون هناك عهد.
واللام في {الأتقى}الآية [الليل: 17]، ليست موصولة؛ لأنها لا توصل بأفعل التفضيل إجماعا، و{الأتقى}الآية [الليل: 17]، ليس جمعا بل هو مفرد، والعهد موجود، خصوصا مع ما يفيده صيغة أفعل من التمييز وقطع المشاركة، فبطل القول بالعموم وتعين القطع بالخصوص والقصر على من نزلت فيه رضي الله عنه. ذكره السيوطي في الإتقان.

طريقة معرفة أسباب النزول

القول في أسباب النزول موقوف على السماع
لا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها.ذكره الواحدي في أسباب النزول.
وقال غيره: معرفة سبب النزول أمر يحصل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا، وربما لم يجزم بعضهم فقال: (أحسب هذه الآية نزلت في كذا)، كما أخرج الأئمة الستة عن عبد الله بن الزبير قال: (خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شراج الحرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك))فقال الأنصاري: يا رسول الله أن كان ابن عمتك فتلون وجهه . . ) الحديث).
قال الزبير: (فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم..} الآية. ذكره السيوطي في الإتقان ولباب النقول نقلا عن الواحدي.
الدليل: ما رواه سعدي بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فإنه من كذب علي متعمدًا فيتبوأ مقعده من النار ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار)).
ذكره الواحدي في أسباب النزول
تحرز السلف عن القول في أسباب النزول
السلف الماضون رحمهم الله كانوا من أبعد الغاية احترازًا عن القول في نزول الآية.
ومثال ذلك ما رواه محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: اتق الله وقل سدادًا ذهب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن. ذكره الواحدي في أسباب النزول
أهمية جمع الطرق وفحص المرويّات
جمع طرق الحديث فيه فوائد كمعرفة وصل الحديث وإرساله وصحته وإعلاله فرب حديث ظاهر سنده الصحة في كتاب ويكون في كتاب آخر معلولا وقد قال ابن الصلاح في [علوم الحديث :82]: وروى عن علي بن المديني قال: (الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه)ا.هـ. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
وذكر الوادعيمثال ذلك:
قال [الحاكم رحمه الله:3/324]حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق ثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت: لما جاء أهل مكة في فداء أساراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فداء أبي العاص وبعثت فيه بقلادة كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رقَّ لها رِقَّة شديدة وقال: ((إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا))
قالوا: نعم يا رسول الله، وردّوا عليها الذي لها.
قال: وقال العباس: يا رسول الله إني كنت مسلما؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((الله أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول؛ فالله يجزيك فافدِ نفسَك وبني أخويك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بني الحارث بن فهر)).
فقال: ما ذاك عندي يا رسول الله.
قال: (( فأين المال الذي دفنت أنت وأم الفضل فقلتَ لها إن أصبتُ فهذا المال لبني الفضل وعبد الله وقثم )).
فقال: والله يا رسول الله إني أشهد أنك رسول الله إن هذا الشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أفعل)).
ففدى العباس نفسه وبني أخويه وحليفه وأنزل الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}فأعطاني مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل). هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عليه الذهبي ا.هـ.
وقال الهيثمي في [مجمع الزوائد: 7 /28]: (رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الأوسط رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع)ا.هـ.
ثم بعد الاطلاع على [سنن البيهقي: 6/322]ظهر أن قصة العباس مدرجة على هذا السند.
قال البيهقي رحمه الله: كذا فيما حدثنا به شيخنا أبو عبد الله في كتاب المستدرك، ثم ذكره الحافظ البيهقي على الصواب مبينا أن قصة العباس لها سند آخر، وأنها مرسلة.
وقال الحافظ في[الفتح :9/382]بعد ذكره هذه القصة: (وفي طريق عطاء محمد بن إسحاق، وليست هذه القصة عنده مسندة بل معضلة وصنيع إسحاق يعني ابن راهوية وتبعه الطبراني وابن مردويه يقتضي أنها موصولة والعلم عند الله)ا.هـ.
وقال في [المطالب العالية:3/337]: (وأظن ذلك مدرجا في الخبر من كلام ابن إسحاق وحديث عباس على هذا معضل وأما على ظاهر السياق أولا فهو مسند وعلى ذلك عمل إسحاق)ا.هـ.
ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
الصحيح معتمد بخلاف ما دونه
الحذر من ذكر الأخبار الضعيفة والواهية في أسباب النزول
فقد وقع التساهل في نقل ما لم يثبت في كتب التفسير
ومثال ذلك: قصة ثعلبة بن حاطب التي فيها "قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه" وهذه القصة يذكرها المفسرون عنه تفسير قول الله سبحانه وتعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ}ويمكن أنه لا يوجد تفسير إلا وهي مذكورة فيه وقلَّ من نبه على عدم صحتها.
أما جهابذة علماء الحديث ونقاده فإليك ما قالوه فيها:
- قال الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله بعد ذكره لها من طريق مسكين بن بكير نا معان بن رفاعة السلمي عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة قال: جاء ثعلبة بن حاطب بصدقته إلى عمر فلم يقبلها وقال: لم يقبلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أبو بكر ولا أقبلها.
قال أبو محمد: وهذا باطل بلا شك لأن الله تعالى أمر بقبض زكاة أموال المسلمين وأمر عليه السلام عند موته ألا يبقى في جزيرة العرب دينان؛ فلا يخلو ثعلبة من أن يكون مسلما ففرض على أبي بكر وعمر قبض زكاته ولا بد، ولا فسحة في ذلك، وإن كان كافرا ففرض ألا يقرّ في جزيرة العرب؛ فسقط هذا الأثر بلا شك، وفي رواته معان بن رفاعة والقاسم بن عبد الرحمن وعلي بن يزيد وهو أبو عبد الملك الألهاني وكلهم ضعفاء ومسكين بن بكير ليس بالقوي ا.هـ. [ج11من المحلى ص 208]
- وقال السيوطي في لباب النقول إن سندها ضعيف.
- وقال الحافظ في تخريج الكشاف إن في سندها علي بن يزيد الألهاني وهو واهٍ، وقال في [الفتح: 3/8 ]بعد ذكر بعض القصة لكنه حديث ضعيف لا يحتج به ا.هـ.
- وقال الهيثمي في [مجمع الزوائد:7/32] رواه الطبراني وفيه علي بن يزيد الألهاني وهو متروك.
- وقال فيه الذهبي في تجريد أسماء الصحابة إنه حديث منكر بمرَّة.
- وقال المناوي في [فيض القدير :4/527]: (قال البيهقي: "في إسناد هذا الحديث نظر وهو مشهور بين أهل التفسير" ، وأشار في الإصابة إلى عدم صحة هذا الحديث فإنه ساق هذا الحديث في ترجمة ثعلبة هذا ثم قال: "وفي كونه صاحب هذه القصة إن صح الخبر –ولا أظنه يصح- هو البدري نظر" ).ا.هـ كلام المناوي.
- وقال الحافظ العراقي في [تخريج الإحياء: 3/338]: سندها ضعيف.
وإنما مثلت بهذه القصة لشهرتها في كتب التفاسير ولأن كثيرا من إخواننا المشتغلين بالوعظ والإرشاد وفقني الله وإياهم يستحسنونها ويلقونها على العامة غير منتبهين مع عدم صحتها سندا فهي لا تصح معنى إذ فيها مخالفة لأصل من أصول الشريعة وهو أن التائب لو بلغت ذنوبه عنان السماء ثم تاب، تاب الله عليه.ذكره الوادعي في الصحيح المسند

قول الصحابة في أسباب النزول
قول الصحابي نزلت في كذا هل يدخل في المسند؟
ما كان عن صحابي: فهو مسند مرفوع، إذ قول الصحابي فيما لا مدخل فيه للاجتهاد مرفوع. أما سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمعدود في الموقوفات.
شرط إدخال أقوال الصحابة في المسند
أن يصح اتصال سنده للصحابي
مثال لقول الصحابة في أسباب النزول
قول جابر رضي الله عنه: كانت اليهود تقول من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية

قول التابعين في أسباب النزول
شروط قبول تفسير التابعي المرسل
1-أن يكون سند متصل إلي التابعي
2-أن يكون راويه معروفا أنه لا يروي إلا عن صحابي
3- أن تعدد طرقه فيكون له شاهد من حديث آخر متصل ( ولو ضعيفا ) أو مرسل.
وهذا حاصل قول السيوطي والبلقيني والوادعي

قول السلف نزلت في كذا

معنى قول السلف نزلت في كذا
يعني أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها. ذكره الزركشي البرهان.
حكم دخول معنى قول السلف نزلت في كذا في المسند
وجماعة من المحدثين يجعلون هذا من المرفوع المسند كما في قول ابن عمر في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}الآية [البقرة: 223].
وأما الإمام أحمد فلم يدخله في المسند وكذلك مسلم وغيره وجعلوا هذا مما يقال بالاستدلال وبالتأويل فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية لا من جنس النقل لما وقع. ذكره الزركشي البرهان.

رد مع اقتباس
  #35  
قديم 18 رجب 1436هـ/6-05-2015م, 10:43 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إسراء خليفة مشاهدة المشاركة
فهرسة مسائل معرفة أسباب النزول

أهمية معرفة أسباب النزول:
الأولى: الوقوف على المعني
الثانية: إزالة الإشكال
الثالثة: منها ما ينبه المفسر إلى إدراك خصوصيات بلاغية تتبع مقتضى المقامات
الرابعة: معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم
الخامسة:تخصيص الحكم به عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب
السادسة: أنه قد يكون اللفظ عاما ويقوم الدليل على التخصيص فإن محل السبب لا يجوز إخراجه بالاجتهاد والإجماع
السابعة: دفع توهم الحصر.
الثامنة: التعرف على أسرار هذا التشريع العظيم وما في أسباب النزول من العبر
التاسعة: معرفة اسم النازل فيه الآية وتعيين المبهم فيها.
العاشرة: رجاء الاستفادة من مراحل التشريع
الحادية عشر: أن في نزول القرآن عند حدوث حوادث دلالة على إعجازه من ناحية الارتجال
المصنفات في أسباب النزول:
مصنف الواحدي: (أسباب النزول)
أسباب كتابة الواحدي لكتابه:
طريقة الواحدي في كتابه:
عيب مصنف الواحدي:
مصنف السيوطي ( الإتقان في علوم القرآن ):
أسباب كتابته:
مميزات كتاب السيوطي:
كتابات ابن عاشور :
أسباب كتابة ابن عاشور في أسباب النزول:
مصنف الوادعي: ( الصحيح المسند من أسباب النزول )
أسباب كتابة الوادعي:
طريقة الوادعي في كتابه:
نزول القرآن
أقسام نزول القرآن:
حال نزول القرآن:
بين أول نزول وآخر نزوله:
أنواع أسباب النزول
أمثلة لبعض ما صحَّ من أسباب النزول:
أقسام ما صحّ من أسباب النزول
ملاحظات:
الأولى: أنه قد تنزل آيات متفرقة لسبب واحد
الثانية: وقد تتعدد الأسباب والنازل واحد
الثالثة: السياق الذي جاء فيه السبب هل يكون كالسبب أو كالعام؟
الرابعة:قد يكون النزول سابقا على الحكم
الخامسة: عدم إدخال الأخبار في أسباب النزول
صيغ أسباب النزول واحتمالاتها
صيغ اسباب النزول الصريحة

صيغ أسباب النزول المحتملة
أحوال الاختلاف في أسباب النزول
الحالة الأولى: أن يكون هناك سببين أو اكثر، ويمكن الجمع بينهما بأن ويكون نزولها عقيب السببين والأسباب المذكورة بألا تكون معلومة التباعد فيحمل على ذلك.
الحالة الثانية:ألا يمكن أن تنزل عقب السببين لتباعدهما؛ فيحمل على تعدد النزول وتكرره.
الحالة الثالثة: إذا تعارض سببان ولم يمكن الجمع بينهما وكان أحدهما أرجح راوية من الآخر
الحالة الرابعة: أن يستوي الإسنادان في الصحة، فيرجح أحدهما بكون راويه حاضر القصة أو نحو ذلك من وجوه الترجيحات.
الحالة الخامسة: إن تعارض سببان وصيغة كل منهما محتملة
الحالة السادسة: إن تعارض سببان وصيغة أحدهما صريحة والآخر محتملة
العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
الأدلة على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
فائدة عموم اللفظ مع خصوص السبب
أمثلة على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
صورة السبب قطعية الدخول في العام ومثاله
من صور العام الذي يراد به الخصوص
طريقة معرفة أسباب النزول
القول في أسباب النزول موقوف على السماع

تحرز السلف عن القول في أسباب النزول
أهمية جمع الطرق وفحص المرويّات
الصحيح معتمد بخلاف ما دونه
الحذر من ذكر الأخبار الضعيفة والواهية في أسباب النزول
قول الصحابة في أسباب النزول
قول الصحابي نزلت في كذا هل يدخل في المسند؟
شرط إدخال أقوال الصحابة في المسند
مثال لقول الصحابة في أسباب النزول
قول التابعين في أسباب النزول
شروط قبول تفسير التابعي المرسل
قول السلف نزلت في كذا
معنى قول السلف نزلت في كذا

حكم دخول معنى قول السلف نزلت في كذا في المسند



تلخيص معرفة أسباب النزول


أهمية معرفة أسباب النزول:
الأولى: الوقوف على المعني؛فأسباب النزول أولى ما تصرف العناية إليها لامتناع معرفة تفسير الآية وقصد سبيلها دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها. ومنها ما ليس المفسر بغنى عن علمه لأن فيها بيان مجمل أو إيضاح خفي وموجز، ومنها ما يكون وحده تفسيرا.
قال ابن دقيق العيد: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن.
قال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبَّ.
قال الشيخ أبو الفتح القشيري: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني الكتاب العزيز وهو أمر تحصل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا.
وهذا حاصل ما ذكره الواحدي في أسباب النزول، والسيوطي في الإتقان، والزركشي في البرهان، ابن عاشور في التحرير والتنوير.
الثانية: إزالة الإشكال، فمنها ما يدل المفسر على طلب الأدلة التي بها تأويل الآية .
ذكره السيوطي في الإتقان ولباب النقول، ابن عاشور في التحرير والتنوير.
أمثلة:
المثال الأول:عندما أشكل على مروان بن الحكم معنى قوله تعالى: {لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا}الآية ، وقال: لئن كان كل امرئ فرح بما أوتي وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذبا لنعذبن أجمعون حتى بين له ابن عباس أن الآية نزلت في أهل الكتاب حين سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء فكتموه إياه وأخبروه بغيره وأروه أنهم أخبروه بما سألهم عنه واستحمدوا بذلك إليه. أخرجه الشيخان.ذكره السيوطي في الإتقان.
المثال الثاني:حكي عن عثمان بن مظعون وعمرو بن معد يكرب أنهما كانا يقولان: (الخمر مباحة ويحتجان بقوله تعالى:{ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا}الآية [المائدة: 93])، ولو علما سبب نزولها لم يقولا ذلك، وهو أن ناسا قالوا: (لما حرمت الخمر كيف بمن قتلوا في سبيل الله وماتوا وكانوا يشربون الخمر وهي رجس فنزلت). أخرجه أحمد والنسائي وغيرهما. ذكره السيوطي في الإتقان.
المثال الثالث:من ذلك قوله تعالى: {واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلاثة أشهر}الآية [الطلاق: 4]، فقد أشكل معنى هذا الشرط على بعض الأئمة، حتى قال الظاهرية: بأن الآيسة لا عدة عليها إذا لم ترتب.
وقد بين ذلك سبب النزول، وهو أنه لما نزلت الآية التي في سورة البقرة في عدد النساء قالوا: (قد بقي عدد من عدد النساء لم يذكرن الصغار والكبار فنزلت). أخرجه الحاكم عن أبي.فعلم بذلك أن الآية خطاب لمن لم يعلم ما حكمهن في العدة وارتاب هل عليهن عدة أو لا وهل عدتهن كاللاتي في سورة البقرة أو لا فمعنى: {إن ارتبتم}إن أشكل عليكم حكمهن وجهلتم كيف يعتدون فهذا حكمهن. ذكره السيوطي في الإتقان.
المثال الرابع: من ذلك قوله تعالى: {فأينما تولوا فثم وجه الله}الآية [البقرة: 115]، فإنا لو تركنا ومدلول اللفظ لاقتضى أن المصلي لا يجب عليه استقبال القبلة سفرا ولا حضرا وهو خلاف الإجماع فلما عرف سبب نزولها علم أنها في نافلة السفر أو فيمن صلى بالاجتهاد وبان له الخطأ على اختلاف الروايات في ذلك. ذكره السيوطي في الإتقان.
المثال الخامس: ما روي في الموطأ عن هشام بن عروة بن الزبير عن أبيه أنه قال:قلت لعائشة أم المؤمنين وأنا يومئذ حديث السن: أرأيت قول الله تعالى:{إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما}فما على الرجل شيء ألا يطوف بهما، قالت عائشة: كلا، لو كان كما تقول لكانت فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما، إنما نزلت هذه الآية في الأنصار كانوا يهلون لمناة، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا بين الصفا والمروة فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله عن ذلك فأنزل الله تعالى{إن الصفا والمروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما}. ذكره ابن عاشور في التحرير والتنوير، والسيوطي في الإتقان.
المثال السادس:أشكلت بعض الآيات على بعض الصحابة فمن بعدهم حتى عرفوا سبب نزولها فمما أشكل عليهم {وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}حتى أخبرهم أبو أيوب
الأنصاري رضي الله عنه بسبب نزولها فظهر لهم معناها. ومما أشكل عليهم قوله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ}. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
الثالثة: منها ما ينبه المفسر إلى إدراك خصوصيات بلاغية تتبع مقتضى المقامات؛ فإن من أسباب النزول ما يعين على تصوير مقام الكلام، ذكره ابن عاشور في التحرير والتنوير.
الرابعة: معرفة وجه الحكمة الباعثة على تشريع الحكم،ذكره الزركشي في البرهان.
الخامسة:تخصيص الحكم به عند من يرى أن العبرة بخصوص السبب، ذكره الزركشي في البرهان.
السادسة: أنه قد يكون اللفظ عاما ويقوم الدليل على التخصيص فإن محل السبب لا يجوز إخراجه بالاجتهاد والإجماع، كما حكاه القاضي أبو بكر في "مختصر التقريب"؛ لأن دخول السبب قطعي، ونقل بعضهم الاتفاق على أن لتقدم السبب على ورود العموم أثرا.ولا التفات إلى ما نقل عن بعضهم من تجويز إخراج محل السبب بالتخصيص لأمرين:
أحدهما:أنه يلزم منه تأخير البيان عن وقت الحاجة ولا يجوز.
والثاني:أن فيه عدولا عن محل السؤال، وذلك لا يجوز في حق الشارع لئلا يلتبس على السائل.
واتفقوا على أنه تعتبر النصوصية في السبب من جهة استحالة تأخير البيان عن وقت الحاجة وتؤثر أيضا فيما وراء محل السبب وهو إبطال الدلالة على قول والضعف على قول. ذكره الزركشي في البرهان.
السابعة: دفع توهم الحصر.
مثاله: ما قاله الشافعي في معنى قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً}الآية حيث قال ما معناه: إن الكفار لما حرموا ما أحل الله وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة والمحادة جاءت الآية مناقضة لغرضهم، فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه ولا حرام إلا ما أحللتموه نازلا منزلة من يقول: لا تأكل اليوم حلاوة، فتقول: لا آكل اليوم إلا الحلاوة، والغرض المضادة لا النفي والإثبات على الحقيقة، فكأنه قال: لا حرام إلا ما حللتموه من الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به ولم يقصد حل ما وراءه إذا القصد إثبات التحريم لا إثبات الحل. ذكره الزركشي في البرهان.
الثامنة: التعرف على أسرار هذا التشريع العظيم وما في أسباب النزول من العبر وحل المشاكل التي قد ضاق بها أصحابها ذرعا فيأتي الفرج الإلهي.
مثال ذلك:قصة الثلاثة الذين خُلِّفُوا، وكقصة الإفك وما حصل لنبي الهدى من الأذى بسببه وكذا لأم المؤمنين إذ بكت حتى ظن أبواها أن البكاء فالق كبدها. فيأتي الفرج بعد الشدة. وكقصة هلال بن أمية إذ رمى زوجته بالزنى فقال له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((البينة أو حد في ظهرك))فقال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فأراد الرسول أن يأمر بضربه فأنزل الله آية اللعان وأبر قسمه وأتى بالعلاج بعد تفاقم الداء فخاب وخسر من ظن أنه يستطيع أن يستغني عن هذا التشريع الحكيم. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
التاسعة: معرفة اسم النازل فيه الآية وتعيين المبهم فيها.
مثاله:عندما قال مروان في عبد الرحمن بن أبي بكر: (إنه الذي أنزل فيه {والذي قال لوالديه أف لكما}الآية [الأحقاف: 17])، حتى ردت عليه عائشة وبينت له سبب نزولها.
ذكره السيوطي في الإتقان.
العاشرة: رجاء الاستفادة من مراحل التشريع فإننا في أمس الحاجة إلى أن نعتبر أنفسنا مجددين وأن نبدأ الدعوة من جديد وفي أسباب النزول الكثير الطيب من بيان مراحل الدعوة والتوجيهات الإلهية كآية القتال فإنها لم تنزل إلا بعد أن علم الله أن لهم اقتدارا على القتال إلى غير ذلك من الفرق بين المكي والمدني كما هو معروف. ذكره الوادعي في الصحيح المسند. هذه الفائدة تعتبر نفسها فائدة: معرفة وجه الحكمة الباعثة على التشريع.
الحادية عشر: أن في نزول القرآن عند حدوث حوادث دلالة على إعجازه من ناحية الارتجال، وهي إحدى طريقتين لبلغاء العرب في أقوالهم، فنزوله على حوادث يقطع دعوى من ادعوا أنه أساطير الأولين، ذكره ابن عاشور في التحرير والتنوير.

المصنفات في أسباب النزول
:
أفرده بالتصنيف جماعة أقدمهم علي بن المديني شيخ البخاري، ومن أحسنها وأشهرها كتاب الواحدي، ثم شيخ الإسلام حافظ العصر أبو الفضل بن حجر. وكثير من أسباب النزول روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبي العالية والسدي ومقاتل وغيرهم. وهذا حاصل ما ذكره البلقيني في مواقع العلوم، والسيوطي في الإتقان والتحبير.
مصنف الواحدي: (أسباب النزول)
أسباب كتابة الواحدي لكتابه:
قال الواحدي عن ذلك في أسباب النزول: "أما اليوم فكل أحد يخترع شيئًا ويختلق إفكًا وكذبًا ملقيًا زمامه إلى الجهالة غير مفكر في الوعيد للجاهل بسبب نزول الآية وذلك الذي حدا بي إلى إملاء هذا الكتاب الجامع للأسباب لينتهي إليه طالبو هذا الشأن والمتكلمون في نزول هذا القرآن فيعرفوا الصدق ويستغنوا عن التمويه والكذب ويجدوا في تحفظه بعد السماع والطلب". يفضل تلخيص كلامه في عبارة مختصرة لأن النقل بهذه الطريقة لايناسب مقام التلخيص.
طريقة الواحدي في كتابه:
قال عن ذلك في أسباب النزول:" لا بد من القول أولاً في مبادئ الوحي وكيفية نزول القرآن ابتداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعهد جبريل إياه بالتنزيل والكشف عن تلك الأحوال، والقول فيها على طريق الإجمال، ثم نفرغ للقول مفصلاً في سبب نزول كل آية روي لها سببٌ مَقُول مروي منقول".
عيب مصنف الواحدي:
ف((( تارة يورد الحديث بإسناده وفيه مع التطويل عدم العلم بمخرج الحديث؛((( فلا شك أن عزوه إلى أحد الكتب المذكورة أولى من عزوه إلى تخريج الواحدي لشهرتها واعتمادها وركون الأنفس إليها))).وتارة يورده مقطوعا فلا يدرى هل له إسناد أو لا؟. ذكره السيوطي في الإتقان.
الكلام على طريقة الواحدي وليس ما تميز كتاب السيوطي عليه فلا نداخل بين الكلام.

مصنف السيوطي ( الإتقان في علوم القرآن ):
أسباب كتابته:
ما دفعه إلى ذلك أنه قد ألف في التفسير خلائق فاختصروا الأسانيد ونقلوا الأقوال تترى فدخل من هنا الدخيل والتبس الصحيح بالعليل ثم صار كل من يسنح له قول يورده ومن يخطر بباله شيء يعتمده ثم ينقل ذلك عنه من يجيء بعده ظانا أن له أصلا غير ملتفت إلى تحرير ما ورد عن السلف الصالح ومن يرجع إليهم في التفسير حتى رأيت من حكى في تفسير قوله تعالى: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ}نحو عشرة أقوال،وتفسيرها باليهود والنصارى هو الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجميع التابعين وأتباعهم حتى قال ابن أبي حاتم لا أعلم في ذلك اختلافا بين المفسرين.ذكرها الوادعي في الصحيح المسند نقلا عن السيوطي في الإتقان.
أيضا يراعى اختصار مثل هذه النقول.

مميزات كتاب السيوطي:
أحدها:الاختصار.
ثانيها:الجمع الكثير فقد حوى زيادات كثيرة على ما ذكر الواحدي وقد ميزتها بصورة (ك) رمزا عليها.
ثالثها: عزوه كل حديث إلى من خرجه من أصحاب الكتب المعتبرة؛ كالكتب الستة، والمستدرك، وصحيح ابن حبان، وسنن البيهقي، والدارقطني، ومسانيد أحمد والبزار وأبي يعلي، ومعاجم الطبراني، وتفاسير ابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه وأبي الشيخ وابن حبان والفريابي وعبد الرزاق وابن المنذر وغيرهم.
رابعها:تمييز الصحيح من غيره والمقبول من المردود.
خامسها: الجمع بين الروايات المتعددة.
سادسها: تنحية ما ليس من أسباب النزول.
ذكرها السيوطي في لباب النقول.
كتابات ابن عاشور :
لم يفرد ابن عاشور مصنفا في أسباب النزول لكنه تحدث عنها في مقدمة التفسير في كتابه التحرير والتنوير. ( حسب ما فهمت )
أسباب كتابة ابن عاشور في أسباب النزول:
ذكر ابن عاشور أن من دوافع كتابته في ذلك الموضوع: أنه قد أُولِعَ كثير من المفسرين بتطلّب أسباب نزول آي القرآن، ((وهي حوادث يروى أن آيات من القرآن نزلت لأجلها لبيان حكمها أو لحكايتها أو إنكارها أو نحو ذلك،)) يستفاد من الكلام مسألة: المقصود بأسباب النزول.
وأغربوا في ذلك وأكثروا حتى كاد بعضهم أن يوهم الناس أن كل آية من القرآن نزلت على سبب، وحتى رفعوا الثقة بما ذكروا
.
بيد أنا نجد في بعض آي القرآن إشارة إلى الأسباب التي دعت إلى نزولها، ونجد لبعض الآي أسبابا ثبتت بالنقل دون احتمال أن يكون ذلك رأي الناقل، فكان أمر أسباب نزول القرآن دائرا بين القصد والإسراف، وكان في غض النظر عنه وإرسال حبله على غاربه خطر عظيم في فهم القرآن. ذكره ابن عاشور في التحرير والتنوير.
مصنف الوادعي: ( الصحيح المسند من أسباب النزول )
أسباب كتابة الوادعي:
منها:الرغبة في التعرف على أسرار هذا التشريع العظيم وما في أسباب النزول من العبر وحل المشاكل التي قد ضاق بها أصحابها ذرعا فيأتي الفرج الإلهي، وذلك كقصة الثلاثة الذين خُلِّفُوا، وكقصة الإفك وما حصل لنبي الهدى من الأذى بسببه وكذا لأم المؤمنين إذ بكت حتى ظن أبواها أن البكاء فالق كبدها. فيأتي الفرج بعد الشدة. وكقصة هلال بن أمية إذ رمى زوجته بالزنى فقال له الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((البينة أو حد في ظهرك))فقال: والذي بعثك بالحق إني لصادق ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد فأراد الرسول أن يأمر بضربه فأنزل الله آية اللعان وأبر قسمه وأتى بالعلاج بعد تفاقم الداء فخاب وخسر من ظن أنه يستطيع أن يستغني عن هذا التشريع الحكيم. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
ومنها: رجاء الاستفادة من مراحل التشريع فإننا في أمس الحاجة إلى أن نعتبر أنفسنا مجددين وأن نبدأ الدعوة من جديد وفي أسباب النزول الكثير الطيب من بيان مراحل الدعوة والتوجيهات الإلهية كآية القتال فإنها لم تنزل إلا بعد أن علم الله أن لهم اقتدارا على القتال إلى غير ذلك من الفرق بين المكي والمدني كما هو معروف. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
طريقة الوادعي في كتابه:
كان لديه اهتمام شديد بذكر أسانيد روايات أسباب النزول، وبيان الصحيح منها والضعيف. وقال عن نفسه في ذلك:" لم آل جهدا في الحرص على العزو إلى أئمة الحديث وكتبهم وقد يضيق علي الوقت فأكتفي بالعزو إلى بعضهم وربما اكتفيت بعزو بعض المؤلفين إليهم وهذا قليل وربما صعب علي الوقوف على سند الحديث إذا كان في الكتب المفقودة أو العزيزة الوجود فإن صححه إمام تطمئن النفس إلى تصحيحه كتبته بدون سند وإلا توقفت فيه حتى يسهل الله بالعثور على سنده".
مثال ذلك: قصة ثعلبة بن حاطب التي فيها "قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه" وهذه القصة يذكرها المفسرون عنه تفسير قول الله سبحانه وتعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ.}
ذكر الوادعي أنه يكاد لا يوجد تفسير إلا وهذه القصة مذكورة فيه وقلَّ من نبه على عدم صحتها.
ثم أورد الوادعي أقوال جهابذة علماء الحديث فقال:
- قال الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله بعد ذكره لها من طريق مسكين بن بكير نا معان بن رفاعة السلمي عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة قال: جاء ثعلبة بن حاطب بصدقته إلى عمر فلم يقبلها وقال: لم يقبلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أبو بكر ولا أقبلها.
قال أبو محمد: وهذا باطل بلا شك لأن الله تعالى أمر بقبض زكاة أموال المسلمين وأمر عليه السلام عند موته ألا يبقى في جزيرة العرب دينان؛ فلا يخلو ثعلبة من أن يكون مسلما ففرض على أبي بكر وعمر قبض زكاته ولا بد، ولا فسحة في ذلك، وإن كان كافرا ففرض ألا يقرّ في جزيرة العرب؛ فسقط هذا الأثر بلا شك، وفي رواته معان بن رفاعة والقاسم بن عبد الرحمن وعلي بن يزيد وهو أبو عبد الملك الألهاني وكلهم ضعفاء ومسكين بن بكير ليس بالقوي ا.هـ. [ج11من المحلى ص 208]
- وقال السيوطي في لباب النقول إن سندها ضعيف.
- وقال الحافظ في تخريج الكشاف إن في سندها علي بن يزيد الألهاني وهو واهٍ، وقال في [الفتح: 3/8 ]بعد ذكر بعض القصة لكنه حديث ضعيف لا يحتج به ا.هـ.
- وقال الهيثمي في [مجمع الزوائد:7/32] رواه الطبراني وفيه علي بن يزيد الألهاني وهو متروك.
- وقال فيه الذهبي في تجريد أسماء الصحابة إنه حديث منكر بمرَّة.
- وقال المناوي في [فيض القدير :4/527]: (قال البيهقي: "في إسناد هذا الحديث نظر وهو مشهور بين أهل التفسير" ، وأشار في الإصابة إلى عدم صحة هذا الحديث فإنه ساق هذا الحديث في ترجمة ثعلبة هذا ثم قال: "وفي كونه صاحب هذه القصة إن صح الخبر –ولا أظنه يصح- هو البدري نظر" ).ا.هـ كلام المناوي.
- وقال الحافظ العراقي في [تخريج الإحياء: 3/338]: سندها ضعيف.
وإنما مثلت بهذه القصة لشهرتها في كتب التفاسير ولأن كثيرا من إخواننا المشتغلين بالوعظ والإرشاد وفقني الله وإياهم يستحسنونها ويلقونها على العامة غير منتبهين مع عدم صحتها سندا فهي لا تصح معنى إذ فيها مخالفة لأصل من أصول الشريعة وهو أن التائب لو بلغت ذنوبه عنان السماء ثم تاب، تاب الله عليه.
ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
مثال آخر: ما روي عن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت: لما جاء أهل مكة في فداء أساراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فداء أبي العاص وبعثت فيه بقلادة كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رقَّ لها رِقَّة شديدة وقال: ((إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا))
قالوا: نعم يا رسول الله، وردّوا عليها الذي لها.
قال: وقال العباس: يا رسول الله إني كنت مسلما؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((الله أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول؛ فالله يجزيك فافدِ نفسَك وبني أخويك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بني الحارث بن فهر)).
فقال: ما ذاك عندي يا رسول الله.
قال: (( فأين المال الذي دفنت أنت وأم الفضل فقلتَ لها إن أصبتُ فهذا المال لبني الفضل وعبد الله وقثم )).
فقال: والله يا رسول الله إني أشهد أنك رسول الله إن هذا الشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أفعل)).
ففدى العباس نفسه وبني أخويه وحليفه وأنزل الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}فأعطاني مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل).
قال الوادعي بعدما ذكر هذا الحديث أن ما يلي:
أن هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عليه الذهبي ا.هـ.
وقال الهيثمي في [مجمع الزوائد: 7 /28]: (رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الأوسط رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع)ا.هـ.
ثم بعد الاطلاع على [سنن البيهقي: 6/322]ظهر أن قصة العباس مدرجة على هذا السند.
قال البيهقي رحمه الله: كذا فيما حدثنا به شيخنا أبو عبد الله في كتاب المستدرك، ثم ذكره الحافظ البيهقي على الصواب مبينا أن قصة العباس لها سند آخر، وأنها مرسلة.
وقال الحافظ في[الفتح :9/382]بعد ذكره هذه القصة: (وفي طريق عطاء محمد بن إسحاق، وليست هذه القصة عنده مسندة بل معضلة وصنيع إسحاق يعني ابن راهوية وتبعه الطبراني وابن مردويه يقتضي أنها موصولة والعلم عند الله)ا.هـ.
وقال في [المطالب العالية:3/337]: (وأظن ذلك مدرجا في الخبر من كلام ابن إسحاق وحديث عباس على هذا معضل وأما على ظاهر السياق أولا فهو مسند وعلى ذلك عمل إسحاق)ا.هـ.ذكره الوادعي في الصحيح المسند.

نزول القرآن

أقسام نزول القرآن:
القسم الأول: قسم نزل ابتداء بعقائد الإيمان وواجبات الإسلام وغير ذلك.
القسم الثاني:قسم نزل عقب واقعة أو سؤال.
ذكره السيوطي في الإتقان والوادعي في الصحيح المسند
حال نزول القرآن:
أنزله الله مفرقًا، قال تعالى {وَقُرآَنًا فَرَقناهُ لِتَقرَأَهُ عَلى الناسِ عَلى مُكثٍ وَنَزَّلناهُ تَنزيلاً}، ذكره الواحدي في أسباب النزول.
بين أول نزول وآخر نزوله:
ذكر أنه كان بين أوله وآخره ثماني عشرة سنة أنزل عليه بمكة ثماني سنين قبل أن يهاجر وبالمدينة عشر سنين، ذكره الواحدي في أسباب النزول.
أنواع أسباب النزول
النوع الأول:أن تحدث حادثة فينزل القرآن الكريم بشأنها كما في سبب نزول {تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ}، ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
النوع الثاني: أن يُسْأل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن شيء فينزل القرآن ببيان الحكم فيه كما في سبب نزول آية اللعان. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
وهذه الأنواع على قسمين:
القسم الأول:المشهور، ومنه صحيح كقصة الإفك وآية السعي والتيمم والعرنيين وموافقات عمر. ومنه ضعيف كآية: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}الآية [النساء: 58].وقد اشتهر أنها نزلت في شأن مفتاح الكعبة، وأسانيد ذلك بعضها ضعيف، وبعضها منقطع. ذكره السيوطي في التحبير.
القسم الثاني:الغريب، وهو أيضاً منه صحيح ومنه ضعيف. ذكره السيوطي في التحبير.
أمثلة لبعض ما صحَّ من أسباب النزول:
منها في سورة البقرة فيها ما رواه البخاري في "الصحيح" في باب:
{واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}الآية [البقرة: 125]، قال: حدثنا مسدد، عن يحيى بن سعيد، عن حميد، عن أنس قال: (قال عمر رضي الله عنه: (وافقت الله في ثلاث، أو وافقني ربي في ثلاث؛ قلت: يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى، فنزلت:{واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى}الآية [البقرة: 125]، وقلت: يا رسول الله يدخل عليك البر والفاجر فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فنزلت آية الحجاب.
وبلغني معاتبة النبي صلى الله عليه وسلم بعض أزواجه، فدخلت عليهن فقلت: إن انتهيتن أو ليبدلن الله رسوله صلى الله عليه وسلم خيرا منكن؟ فأنزل الله:
{عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن}الآية [التحريم: 5])).
ومنها ما رواه البخاري في الصحيح في قوله – تعالى-:
{إن الصفا والمروة من شعائر الله}الآية [البقرة: 158]، عن عائشة رضي الله عنها: (أنها إنما نزلت في الأنصار كانوا يهلون لمناة، وكانوا يتحرجون أن يطوفوا. بين الصفا والمروة، فلما جاء الإسلام سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فأنزل الله– تعالى -:{إن الصفا والمروة من شعائر الله}الآية [البقرة: 158]).
وعضده ما رواه البخاري، عن أنس بن مالك رضي الله عنه: (أنه سئل عن الصفا والمروة، فقال: كنا نرى أنهما من أمر الجاهلية، فلما كان الإسلام أمسكنا عنهما، فأنزل الله – تعالى -:{إن الصفا والمروة من شعائر الله}الآية [البقرة: 158]).
ومنها ما رواه البخاري، في "الصحيح" من طريق البراء بن عازب رضي الله عنه قال: (لما نزل صوم رمضان كانوا لا يقربون النساء رمضان كله، وكان رجال يخونون أنفسهم، فأنزل الله – سبحانه-:
{علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم فتاب عليكم وعفا عنكم}الآية [البقرة: 187]).
ومنها ما رواه البخاري في "الصحيح" عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (كانت عكاظ ومجنة وذو المجاز أسواقا في الجاهلية، فتأثموا أن يتجروا في المواسم فنزلت:
{ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم}الآية [198]، في مواسم الحج).
ولنقتصر على هذه الأمثلة ففيها مقنع.
ومن ذلك الوقائع المشهورة مثل قصة الإفك، وقصة التيمم، وقصة المتخلفين عن غزوة تبوك ونحو ذلك.
ذكره البلقيني في مواقع العلوم.
أقسام ما صحّ من أسباب النزول
على خمسة أقسام:
الأول:هو المقصود من الآية يتوقف فهم المراد منها على علمه فلابد من البحث عنه للمفسر، وهذا منه تفسير مبهمات القرآن مثل قوله تعالى {قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها}ونحو {يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا}ومثل بعض الآيات التي فيها {ومن الناس}.
والثاني:هو حوادث تسببت عليها تشريعات أحكام وصور تلك الحوادث لا تبين مجملا ولا تخالف مدلول الآية بوجه تخصيص أو تعميم أو تقييد، ولكنها إذا ذكرت أمثالها وجدت مساوية لمدلولات الآيات النازلة عند حدوثها، مثل حديث عويمر العجلاني الذي نزلت عنه آية اللعان، ومثل حديث كعب بن عجرة الذي نزلت عنه آية {فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام}الآية فقد قال كعب بن عجرة: هي لي خاصة ولكم عامة، ومثل قول أم سلمة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم: يغزو الرجال ولا نغزو، فنزل قوله تعالى{ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}الآية. وهذا القسم لا يفيد البحث فيه إلا زيادة تفهم في معنى الآية وتمثيلا لحكمها، ولا يخشى توهم تخصيص الحكم بتلك الحادثة، إذ قد اتفق العلماء أو كادوا على أن سبب النزول في مثل هذا لا يخصص، واتفقوا على أن أصل التشريع أن لا يكون خاصا.
والثالث:هو حوادث تكثر أمثالها تختص بشخص واحد فنزلت الآية لإعلانها وبيان أحكامها وزجر من يرتكبها، فكثيرا ما تجد المفسرين وغيرهم يقولون نزلت في كذا وكذا، وهم يريدون أن من الأحوال التي تشير إليها تلك الآية تلك الحالة الخاصة فكأنهم يريدون التمثيل. ففي كتاب الأيمان من صحيح البخاري في باب قول الله تعالى {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا} أن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله: ((من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان))فأنزل الله تصديق ذلك{إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا}الآية فدخل الأشعث بن قيس فقال: ما حدثكم أبو عبد الرحمن? فقالوا كذا وكذا، قال في أنزلت، لي بئر في أرض ابن عم لي الخ، فابن مسعود جعل الآية عامة لأنه جعلها تصديقا لحديث عام? والأشعث بن قيس ظنها خاصة به إذ قال: في أنزلت بصيغة الحصر.
ومثل الآيات النازلة في المنافقين في سورة براءة المفتتحة بقوله تعالى: {ومنهم- ومنهم}ولذلك قال ابن عباس: كنا نسمي سورة التوبة سورة الفاضحة. ومثل قوله تعالى: {ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم}فلا حاجة لبيان أنها نزلت لما أظهر بعض اليهود مودة المؤمنين. وهذا القسم قد أكثر من ذكره أهل القصص وبعض المفسرين ولا فائدة في ذكره، على أن ذكره قد يوهم القاصرين قصر الآية على تلك الحادثة لعدم ظهور العموم من ألفاظ تلك الآيات.
والرابع:هو حوادث حدثت وفي القرآن آيات تناسب معانيها سابقة أو لاحقة فيقع في عبارات بعض السلف ما يوهم أن تلك الحوادث هي المقصود من تلك الآيات، مع أن المراد أنها مما يدخل في معنى الآية ويدل لهذا النوع وجود اختلاف كثير بين الصحابة في كثير من أسباب النزول كما هو مبسوط في المسألة الخامسة من بحث أسباب النزول من الإتقان فارجعوا إليه ففيه أمثلة كثيرة.
وفي "صحيح البخاري" في سورة النساء أن ابن عباس قرأ قوله تعالى: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا}بألف بعد لام السلام وقال: كان رجل في غنيمة له تصغير غنم فلحقه المسلمون فقال: السلام عليكم فقتلوه أي ظنوه مشركا يريد أن يتقي منهم بالسلام وأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذلك {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام}الآية. فالقصة لا بد أن تكون قد وقعت لأن ابن عباس رواها لكن الآية ليست نازلة فيها بخصوصها ولكن نزلت في أحكام الجهاد بدليل ما قبلها وما بعدها فإن قبلها: {يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا}وبعدها{فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل}.
وفي تفسير تلك السورة من صحيح البخاري بعد أن ذكر نزاع الزبير والأنصاري في ماء شراج الحرة قال الزبير: فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}الآية قال السيوطي في "الإتقان" عن الزركشي قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال نزلت هذه الآية في كذا، فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها. وفيه عن ابن تيمية قد تنازع العلماء في قول الصحابي: نزلت هذه الآية في كذا، هل يجري مجرى المسند أو يجري مجرى التفسير? فالبخاري يدخله في المسند، وأكثر أهل المسانيد لا يدخلونه فيه، بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه فإنهم كلهم يدخلونه في المسند.
والخامس:قسم يبين مجملات، ويدفع متشابهات مثل قوله تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون}فإذا ظن أحد أن من للشرط أشكل عليه كيف يكون الجور في الحكم كفرا، ثم إذا علم أن سبب النزول هم النصارى علم أن من موصولة وعلم أن الذين تركوا الحكم بالإنجيل لا يتعجب منهم أن يكفروا بمحمد. وكذلك حديث عبد الله بن مسعود قال لما نزل قوله تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم}شق ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا أينا لم يلبس إيمانه بظلم ظنوا أن الظلم هو المعصية. فقال رسول الله: ((إنه ليس بذلك? ألا تسمع لقول لقمان لابنه {إن الشرك لظلم عظيم})).ومن هذا القسم ما لا يبين مجملا ولا يؤول متشابها ولكنه يبين وجه تناسب الآي بعضها مع بعض كما في قوله تعالى، في سورة النساء: {وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء}الآية، فقد تخفى الملازمة بين الشرط وجزائه فيبينها ما في الصحيح، عن عائشة أن عروة بن الزبير سألها عنها فقالت: هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله فيريد أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فنهوا أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن في الصداق، فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن.
- هذا وإن القرآن كتاب جاء لهدي أمة والتشريع لها، وهذا الهدي قد يكون واردا قبل الحاجة، وقد يكون مخاطبا به قوم على وجه الزجر أو الثناء أو غيرهما، وقد يكون مخاطبا به جميع من يصلح لخطابه، وهو في جميع ذلك قد جاء بكليات تشريعية وتهذيبية، والحكمة في ذلك أن يكون وعي الأمة لدينها سهلا عليها، وليمكن تواتر الدين، وليكون لعلماء الأمة مزية الاستنباط، وإلا فإن الله قادر أن يجعل القرآن أضعاف هذا المنزل وأن يطيل عمر النبي صلى الله عليه وسلم للتشريع أكثر مما أطال عمر إبراهيم وموسى، ولذلك قال تعالى: {وأتممت عليكم نعمتي}، فكما لا يجوز حمل كلماته على خصوصيات جزئية لأن ذلك يبطل مراد الله، كذلك لا يجوز تعميم ما قصد منه الخصوص ولا إطلاق ما قصد منه التقييد؛ لأن ذلك قد يفضي إلى التخليط في المراد أو إلى إبطاله من أصله، وقد اغتر بعض الفرق بذلك. قال ابن سيرين في الخوارج: إنهم عمدوا إلى آيات الوعيد النازلة في المشركين فوضعوها على المسلمين فجاءوا ببدعة القول بالتكفير بالذنب، وقد قال الحرورية لعلي رضي الله عنه يوم التحكيم: {إن الحكم إلا لله}فقال علي كلمة حق أريد بها باطل وفسرها في خطبة له في "نهج البلاغة".
- وثمة فائدة أخرى عظيمة لأسباب النزول وهي أن في نزول القرآن عند حدوث حوادث دلالة على إعجازه من ناحية الارتجال، وهي إحدى طريقتين لبلغاء العرب في أقوالهم، فنزوله على حوادث يقطع دعوى من ادعوا أنه أساطير الأولين. مكرر
ذكرها ابن عاشور في التحرير والتنوير.
ملاحظات:
الأولى: أنه قد تنزل آيات متفرقة لسبب واحد، ولا إشكال في ذلك فقد ينزل في الواقعة الواحدة آيات عديدة في سور شتى.
مثاله:ما أخرجه الترمذي والحاكم عن أم سلمة أنها قالت: (يا رسول الله لا أسمع الله ذكر النساء في الهجرة بشيء، فأنزل الله:{فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع}إلى آخر الآية [آل عمران: 195]).
وأخرج الحاكم عنها أيضا، قالت: (قلت يا رسول الله تذكر الرجال ولا تذكر النساء، فأنزلت:{إن المسلمين والمسلمات}والآية [الأحزاب: 35]، أنزلت:{أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى} الآية [آل عمران: 195]).
وأخرج أيضا عنها، أنها قالت: (يغزو الرجال ولا تغزو النساء وإنما لنا نصف الميراث فأنزل الله:{ولا تتمنوا ما فضل الله به بعضكم على بعض}الآية [النساء: 32]، وأنزل:{إن المسلمين والمسلمات}الآية [الأحزاب: 35]).
ومن أمثلته أيضا: ما أخرجه البخاري من حديث زيد بن ثابت: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أملى عليه لا يستوي القاعدون من المؤمنين . . . والمجاهدون في سبيل الله فجاء ابن أم مكتوم، وقال: يا رسول الله لو أستطيع الجهاد لجاهدت وكان أعمى، فأنزل الله:{غير أولي الضرر}الآية [النساء: 95]).
وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن ثابت أيضا، قال: (كنت أكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإني لواضع القلم على أذني إذ أمر بالقتال فجعل رسول الله ينظر ما ينزل عليه إذ جاء أعمى، فقال: كيف لي يا رسول الله وأنا أعمى، فنزلت:{ليس على الضعفاء}الآية [التوبة: 91]).
ومن أمثلته ما أخرجه ابن جرير عن ابن عباس قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم جالسا في ظل حجرة، فقال:((إنه سيأتيكم إنسان ينظر بعيني شيطان))فطلع رجل أزرق فدعاه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال:((علام تشتمني أنت وأصحابك؟))فانطلق الرجل فجاء بأصحابه، فحلفوا بالله ما قالوا: حتى تجاوز عنهم فأنزل الله:{يحلفون بالله ما قالوا}الآية [التوبة: 74]).
وأخرجه الحاكم وأحمد بهذا اللفظ وآخره: (فأنزل الله:{يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم}الآية. ذكره السيوطي في الإتقان.
مثال آخر: في حديث المسيب رضي الله عنه في شأن وفاة أبي طالب وقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((لأستغفرن لك ما لم أنه عنه))فأنزل الله {مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ}.ونزل في أبي طالب {إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ}. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
الثانية: وقد تتعدد الأسباب والنازل واحد، كما في آية اللعان وغيرها. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
الثالثة: تنزل الآيات على الأسباب خاصة وتوضع كل واحدة منها مع ما يناسبها من الآي رعاية لنظم القرآن وحسن السياق، فذلك الذي وضعت معه الآية نازلة على سبب خاص للمناسبة إذ كان مسوقا لما نزل في معنى يدخل تحت ذلك اللفظ العام أو كان من جملة الأفراد الداخلة وضعا تحت اللفظ العام فدلالة اللفظ عليه هل هي كالسبب فلا يخرج ويكون مرادا من الآيات قطعا؟ أو لا ينتهي في القوة إلى ذلك؟ لأنه قد يراد غيره وتكون المناسبة مشبهة به؟ فيه احتمال.
واختار بعضهم أنه رتبة متوسطة دون السبب وفوق العموم المجرد ومثاله قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}الآية [النساء: 58]فإن مناسبتها للآية التي قبلها وهى قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوتِ وَيَقُولُونَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا هَؤُلاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلاً}الآية [النساء: 51]، أن ذلك إشارة إلى كعب بن الأشرف كان قدم إلى مكة وشاهد قتلى بدر وحرض الكفار على الأخذ بثأرهم وغزو النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فسألوه: من أهدى سبيلا النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو هم؟ فقال: أنتم -كذبا منه وضلالة- لعنه الله، فتلك الآية في حقه وحق من شاركه في تلك المقالة، وهم أهل كتاب يجدون عندهم في كتابهم بعث النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وصفته، وقد أخذت عليهم المواثيق ألا يكتموا ذلك وأن ينصروه، وكان ذلك أمانة لازمة لهم، فلم يؤدوها ، وخانوا فيها، وذلك مناسب لقوله:
{إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا}الآية [النساء: 58]، قال ابن العربي: في تفسيره وجه النظم أنه أخبر عن كتمان أهل الكتاب صفة محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وقولهم: إن المشركين أهدى سبيلا، فكان ذلك خيانة منهم، فانجر الكلام إلى ذكر جميع الأمانات. انتهى.
ولا يرد على هذا أن قصة كعب بن الأشرف كانت عقب بدر، ونزول {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ}الآية [النساء: 58]في الفتح أو قريبا منها وبينهما ست سنين؛ لأن الزمان إنما يشترط في سبب النزول ولا يشترط في المناسبة؛ لأن المقصود منها: وضع آية في موضع يناسبها، والآيات كانت تنزل على أسبابها ويأمر النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بوضعها في المواضع التي علم من الله تعالى أنها مواضعها. ذكره الزركشي في البرهان.
الرابعة:قد يكون النزول سابقا على الحكم
مثاله:قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى}[الأعلى: 14]فإنه يستدل بها على زكاة الفطر.
روى البيهقي بسنده إلى ابن عمر: (أنها نزلت في زكاة رمضان)ثم أسند مرفوعا نحوه.
وقال بعضهم: لا أدري ما وجه هذا التأويل؛ لأن هذه السورة مكية ولم يكن بمكة عيد ولا زكاة. وأجاب البغوي في تفسيره: أنه يجوز أن يكون النزول سابقا على الحكم كما قال: {لا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ}الآية [البلد: 1-2]فالسورة مكية، وظهور أثر الحل يوم فتح مكة حتى: قال عليه السلام: ((أحلت لي ساعة من نهار)).
وكذلك نزل بمكة {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}الآية [القمر: 45]، قال عمر بن الخطاب: (كنت لا أدري: أي الجمع يهزم فلما كان يوم بدر رأيت رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:(({سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ}
ذكره الزركشي في البرهان.
الخامسة: عدم إدخال الأخبار الماضية في أسباب النزول
الذي يتحرر في سبب النزول أنه ما نزلت الآية أيام وقوعه ليخرج ما ذكره الواحدي في سورة الفيل من أن سببها قصة قدوم الحبشة فإن ذلك ليس من أسباب النزول في شيء بل هو من باب الإخبار عن الوقائع الماضية كذكر قصة قوم نوح وعاد وثمود وبناء البيت ونحو ذلك.
وكذلك ذكره في قوله: {واتخذ الله إبراهيم خليلا}سبب اتخاذه خليلا فليس ذلك من أسباب نزول القرآن كما لا يخفى. ذكره السيوطي في لباب النقول.

صيغ أسباب النزول واحتمالاتها

صيغ اسباب النزول الصريحة
الأولى:إذا قال الراوي سبب نزول هذه الآية كذا.
الثانية:إذا أتى بفاء تعقيبية داخلة على مادة النزول بعد ذكر الحادثة أو السؤال كما إذا قال حدث كذا أو سئل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن كذا فنزلت الآية.
ذكرهما الوادعي في الصحيح المسند.
صيغ أسباب النزول المحتملة
الأولى: إذا قال الراوي نزلت هذه الآية في كذا فذلك يراد به تارة أنه سبب النزول وتارة أنه داخل في معنى الآية.
الثانية:إذا قال أحسب هذه الآية نزلت في كذا أو ما أحسب هذه الآية إلا نزلت في كذا فإن الراوي بهذه الصيغة لا يقطع بالسبب فهاتان صيغتان تحتملان السببية.
ذكرهما الوادعي في الصحيح المسند.
أحوال الاختلاف في أسباب النزول
الحالة الأولى: أن يكون هناك سببين أو اكثر، ويمكن الجمع بينهما بأن ويكون نزولها عقيب السببين والأسباب المذكورة بألا تكون معلومة التباعد فيحمل على ذلك.
ومثاله:ما أخرجه البخاري من طريق عكرمة عن ابن عباس: (أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((البينة أو حد في ظهرك))، فقال: يا رسول الله إذا رأى أحدنا مع امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة فأنزل عليه:{والذين يرمون أزواجهم}حتى بلغ:{إن كان من الصادقين}الآية[النور: 6-9]).
وأخرج الشيخان عن سهل بن سعد قال: (جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال: اسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتله أيقتل به أم كيف يصنع فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعاب المسائل فأخبر عاصم عويمرا فقال: والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه فأتاه فقال:((إنه قد أنزل فيك وفي صاحبتك قرآنا . . .)) الحديث.
جمع بينهما بأن أول ما وقع له ذلك هلال، وصادف مجيء عويمر أيضا فنزلت في شأنهما معا، وإلى هذا جنح النووي وسبقه الخطيب فقال: لعلهما اتفق لهما ذلك في وقت واحد.
وأخرج البزار عن حذيفة قال: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر:((لو رأيت مع أم رومان رجلا ما كنت فاعلا به؟))قال: شرا، قال:((فأنت يا عمر؟))قال:((كنت أقول لعن الله الأعجز وإنه لخبيث))فنزلت).
قال ابن حجر: لا مانع من تعدد الأسباب.
وهذا حاصل ما ذكره السيوطي في الإتقان والتحبير، والبلقيني في مواقع العلوم.
الحالة الثانية:ألا يمكن أن تنزل عقب السببين لتباعدهما؛ فيحمل على تعدد النزول وتكرره.
مثاله:ما أخرجه الشيخان عن المسيب قال: (لما حضر أبا طالب الوفاة دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية، فقال: ((أي عم قل لا إله إلا الله أحاج لك بها عند الله))فقال أبو جهل: وعبد الله يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب؟ فلم يزالا يكلمانه حتى قال هو على ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لأستغفرن لك ما لم أنه عنك))، فنزلت: {ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}الآية [التوبة: 113]).
وأخرج الترمذي وحسنه عن علي قال: (سمعت رجلا يستغفر لأبويه وهما مشركان، فقلت: تستغفر لأبويك وهما مشركان؟ فقال: استغفر إبراهيم لأبيه وهو مشرك فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت).
وأخرج الحاكم وغيره عن ابن مسعود قال: (خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما إلى المقابر فجلس إلى قبر منها فناجاه طويلا ثم بكى فقال: ((إن القبر الذي جلست عنده قبر أمي وإني استأذنت ربي في الدعاء لها فلم يأذن لي فأنزل علي:{ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين}الآية [التوبة: 113]))).
فنجمع بين هذه الأحاديث بتعدد النزول.
ومن أمثلته أيضا ما أخرجه البيهقي والبزار عن أبي هريرة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم وقف على حمزة حين استشهد وقد مثل به فقال: ((لأمثلن بسبعين منهم مكانك))، فنزل جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم واقف بخواتيم سورة النحل:{وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به}إلى آخر السورة [النحل: 126-128]).
وأخرج الترمذي والحاكم عن أبي بن كعب قال: (لما كان يوم أحد أصيب من الأنصار أربعة وستون، ومن المهاجرين ستة منهم حمزة فمثلوا بهم، فقالت الأنصار: لئن أصبنا منهم يوما مثل هذا لنربين عليهم، فلما كان يوم فتح مكة أنزل الله:{وإن عاقبتم}الآية [النحل: 126]).
فظاهره تأخير نزولها إلى الفتح وفي الحديث الذي قبله نزولها بأحد.
قال ابن الحصار: ويجمع بأنها نزلت أولا بمكة قبل الهجرة مع السورة؛ لأنها مكية، ثم ثانيا بأحد، ثم ثالثا يوم الفتح تذكيرا من الله لعباده، وجعل ابن كثير من هذا القسم آية الروح.
ذكره السيوطي في الإتقان.
الحالة الثالثة: إذا تعارض سببان ولم يمكن الجمع بينهما وكان أحدهما أرجح راوية من الآخر
إن لم يمكن الجمع قدم ما كان سنده صحيحاً أو له مرجح ككون راويه صاحب الواقعة التي نزلت فيها الآية ونحو ذلك. ذكره السيوطي في التحبير والإتقان.
ما أخرجه الشيخان وغيرهما عن جندب: (اشتكى النبي صلى الله عليه وسلم فلم يقم ليلة أو ليلتين فأتته امرأة فقالت يا محمد ما أرى شيطانك إلا قد تركك فأنزل الله: {والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى}[الضحى: 1-3]).
وأخرج الطبراني وابن أبي شيبة عن حفص بن ميسرة عن أمه عن أمها وكانت خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أن جروا دخل بيت النبي صلى الله عليه وسلم فدخل تحت السرير فمات فمكث النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أيام لا ينزل عليه الوحي، فقال:((يا خولة ما حدث في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل لا يأتيني؟))فقلت: في نفسي لو هيأت البيت، وكنسته فأهويت بالمكنسة تحت السرير فأخرجت الجرو، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ترعد لحيته وكان إذا نزل عليه الوحي أخذته الرعدة فأنزل الله:{والضحى}إلى قوله:{فترضى}[الضحى: 1-3]).
وقال ابن حجر في "شرح البخاري": قصة إبطاء جبريل بسبب الجرو مشهورة، لكن كونها سبب نزول الآية غريب، وفي إسناده من لا يعرف، فالمعتمد ما في الصحيح.
ومن أمثلته أيضا: ما أخرجه ابن جرير وابن أبي حاتم من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى المدينة أمره الله أن يستقبل بيت المقدس ففرحت اليهود فاستقبله بضعة عشر شهرا وكان يحب قبلة إبراهيم فكان يدعو الله وينظر إلى السماء فأنزل الله:{فولوا وجوهكم شطره}الآية [البقرة: 144]فارتاب من ذلك اليهود وقالوا ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله:{قل لله المشرق والمغرب}الآية [البقرة: 142]وقال:{فأينما تولوا فثم وجه الله}الآية [البقرة: 115]).
وأخرج الحاكم وغيره، عن ابن عمر، قال: (نزلت:{فأينما تولوا فثم وجه الله}الآية [البقرة: 115]أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك في التطوع).
وأخرج الترمذي وضعفه من حديث عامر بن ربيعة، قال: (كنا في سفر في ليلة مظلمة فلم ندر أين القبلة فصلى كل رجل منا على حياله فلما أصبحنا ذكرنا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت).
وأخرج الدارقطني نحوه من حديث جابر بسند ضعيف أيضا.
وأخرج ابن جرير عن مجاهد، قال لما نزلت: {ادعوني أستجب لكم}الآية [غافر: 60]، قالوا: (إلى أين فنزلت) مرسل.
وأخرج عن قتادة: (أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أخا لكم قد مات فصلوا عليه))فقالوا: إنه كان لا يصلي إلى القبلة فنزلت). معضل غريب جدا.
فهذه خمسة أسباب مختلفة، وأضعفها الأخير؛ لإعضاله ثم ما قبله؛ لإرساله ثم ما قبله؛ لضعف رواته، والثاني صحيح، لكنه قال: قد أنزلت في كذا ولم يصرح بالسبب، والأول صحيح الإسناد/ وصرح فيه بذكر السبب فهو المعتمد.
ذكره السيوطي في الإتقان.
الحالة الرابعة: أن يستوي الإسنادان في الصحة، فيرجح أحدهما بكون راويه حاضر القصة أو نحو ذلك من وجوه الترجيحات.
مثاله: ما أخرجه البخاري عن ابن مسعود: (قال كنت أمشي مع النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة وهو يتوكأ على عسيب فمر بنفر من اليهود فقال بعضهم: لو سألتموه فقالوا: حدثنا عن الروح فقام ساعة ورفع رأسه فعرفت أنه يوحى إليه حتى صعد الوحي ثم قال:(({قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا}الآية [الإسراء: 85]))).
وأخرج الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: (قالت قريش لليهود: أعطونا شيئا نسأل هذا الرجل فقالوا: سألوه عن الروح قال: فسألوه، فأنزل الله:{ويسألونك عن الروح}الآية [الإسراء: 85])، فهذا يقتضي أنها نزلت بمكة والأول خلافه، وقد رجح بأن ما رواه البخاري أصح من غيره، وبأن ابن مسعود كان حاضر القصة.
ذكره السيوطي في الإتقان
الحالة الخامسة: إن تعارض سببان وصيغة كل منهما محتملة
إن عبر أحد المفسرين بقوله: (نزلت في كذا)، والآخر: (نزلت في كذا) وذكر أمرا آخر، فهذا يراد به التفسير لا ذكر سبب النزول، فلا منافاة بين قولهما إذا كان اللفظ يتناولهما. ذكره السيوطي في الإتقان.
الحالة السادسة: إن تعارض سببان وصيغة أحدهما صريحة والآخر محتملة
إن عبر أحد المفسرين بقوله: (نزلت في كذا)، وصرح الآخر بذكر سبب خلافه فهو المعتمد، وذاك استنباط.
مثاله: ما أخرجه البخاري عن ابن عمر قال: (أنزلت {نساؤكم حرث لكم..}الآية في إتيان النساء في أدبارهن).
وجابر جاء عنه التصريح بذكر سبب خلافه، فالمعتمد حديث جابر؛ لأنه نقل، وقول ابن عمر استنباط منه وقد وهمه فيه ابن عباس، وذكر مثل حديث جابر، كما أخرجه أبو داود والحاكم. ذكره السيوطي في الإتقان.
تنبيه
قد يكون في إحدى القصتين ( فتلا ) فيهم الراوي فيقول فنزل.
مثاله:ما أخرجه الترمذي وصححه عن ابن عباس قال: (مر يهودي بالنبي صلى الله عليه وسلم فقال: كيف تقول يا أبا القاسم إذا وضع الله السموات على ذه والأرضين على ذه والماء على ذه والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه فأنزل الله:{وما قدروا الله حق قدره}الآية [الأنعام: 91])، والحديث في الصحيح بلفظ: (فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصواب فإن الآية مكية).
ومن أمثلته:أيضا ما أخرجه البخاري عن أنس قال: (سمع عبد الله بن سلام مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه فقال: إني سائلك عن ثلاث لا يعلمهن إلا نبي ما أول أشراط الساعة؟ وما أول طعام أهل الجنة؟ وما ينزع الولد إلى أبيه أو إلى أمه؟ قال:((أخبرني بهن جبريل آنفا)) قال: جبريل؟ قال:((نعم))قال: ذاك عدو اليهود من الملائكة فقرأ هذه الآية{من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك}الآية [البقرة: 97]).
قال ابن حجر في "شرح البخاري": ظاهر السياق أن النبي صلى الله عليه وسلم قرأ الآية ردا على قول اليهود، ولا يستلزم ذلك نزولها حينئذ، قال: وهذا هو المعتمد فقد صح في سبب نزول الآية قصة غير قصة ابن سلام.
ذكره السيوطي في الإتقان.

العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
اختلف أهلُ الأصول: هل العبرة بعموم اللفظ أم بخصوص السبب؟
والصحيح الأول
الأدلة على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
الأول:أن الأنصاري الذي قبل الأجنبية ونزلت فيه {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}الآية، قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ألِيَ هذا وحدي يا رسول الله؟
ومعنى هذا هل حكم هذه الآية يختص بي لأني سبب نزولها؟
فأفتاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن العبرة بعموم اللفظ فقال: ((بل لأمتي كلهم)).
ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
الثاني:اعتبار عموم اللفظ احتجاج الصحابة وغيرهم في وقائع بعموم آيات نزلت على أسباب خاصة شائعا ذائعا بينهم.
قال ابن جرير: حدثني محمد بن أبي معشر أخبرنا أبي أبو معشر نجيح سمعت سعيد المقبري يذاكر محمد بن كعب القرظي، فقال سعيد: إن في بعض كتب الله إن لله عبادا ألسنتهم أحلى من العسل وقلوبهم أمر من الصبر لبسوا لباس مسوك الضأن من اللين يجترون الدنيا بالدين، فقال محمد بن كعب هذا في كتاب الله:
{ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا}الآية [البقرة: 204]، فقال سعيد: قد عرفت فيمن أنزلت فقال محمد بن كعب: إن الآية تنزل في الرجل ثم تكون عامة بعد.
فإن قلت: فهذا ابن عباس لم يعتبر عموم {لا تحسبن الذين يفرحون}الآية [آل عمران: 188]، بل قصرها على ما أنزلت فيه من قصة أهل الكتاب.
وأجاب السيوطي عن ذلك في الإتقان: أجيب عن ذلك بأنه لا يخفى عليه أن اللفظ أعم من السبب لكنه بين أن المراد باللفظ خاص.
ونظيره تفسير النبي صلى الله عليه وسلم الظلم في قوله تعالى: {ولم يلبسوا إيمانهم بظلم} [الأنعام: 82] بالشرك، من قوله: {إن الشرك لظلم عظيم}الآية [لقمان: 13]، مع فهم الصحابة العموم في كل ظلم.
وقد ورد عن ابن عباس ما يدل على اعتبار العموم، فإنه قال به في آية السرقة مع أنها نزلت في امرأة سرقت، قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين حدثنا محمد بن أبي حماد حدثنا أبو تميلة بن عبد المؤمن عن نجدة الحنفي قال: سألت ابن عباس عن قوله: {والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما}الآية [المائدة: 38]، أخاص أم عام؟ قال: (بل عام).
ذكره السيوطي في الإتقان.
الثالث:قال ابن تيمية: قد يجيء كثيرا من هذا الباب قولهم هذه الآية: نزلت في كذا، لاسيما إن كان المذكور شخصا كقولهم إن آية الظهار نزلت في امرأة ثابت بن قيس، وإن آية الكلالة نزلت في جابر بن عبد الله وإن قوله: {وأن احكم بينهم} الآية [المائدة: 49]نزلت في بني قريظة والنضير، ونظائر ذلك مما يذكرون أنه نزل في قوم من المشركين بمكة أو في قوم من اليهود والنصارى أو في قوم من المؤمنين فالذين قالوا ذلك لم يقصدوا أن حكم الآية يختص بأولئك الأعيان دون غيرهم، فإن هذا لا يقوله مسلم ولا عاقل على الإطلاق، والناس وإن تنازعوا في اللفظ العام الوارد على سبب هل يختص بسببه؟ فلم يقل أحد: إن عمومات الكتاب والسنة تختص بالشخص المعين، وإنما غاية ما يقال: إنها تختص بنوع ذلك الشخص فتعم ما يشبهه ولا يكون العموم فيها بحسب اللفظ والآية التي لها سبب معين: إن كانت أمرا ونهيا فهي متناولة لذلك الشخص ولمن كان بمنزلته". ذكرها السيوطي في الإتقان
فائدة عموم اللفظ مع خصوص السبب
-التنبيه على أن العبرة بعموم اللفظ، ذكره الزركشي البرهان ثم نقل قول الزمخشري في تفسير سورة الهمزة حيث قال ويجوز أن يكون السبب خاصا والوعيد عاما ليتناول كل من باشر ذلك القبيح، وليكون جاريا مجرى التعريض بالوارد فيه، فإن ذلك أزجر له وأنكى فيه.
أمثلة على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب
مثاله: قوله تعالى: {ألم تر إلى الذين أوتوا نصيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت}الآية [النساء: 51]إلى آخره، فإنها إشارة إلى كعب بن الأشرف ونحوه من علماء اليهود، لما قدموا مكة وشاهدوا قتلى بدر حرضوا المشركين على الأخذ بثأرهم ومحاربة النبي صلى الله عليه وسلم فسألوهم: من أهدى سبيلا محمد وأصحابه أم نحن؟ فقالوا: أنتم، مع علمهم بما في كتابهم من نعت النبي صلى الله عليه وسلم المنطبق عليه وأخذ المواثيق عليهم ألا يكتموه فكان ذلك أمانة لازمة لهم ولم يؤدوها حيث قالوا للكفار: أنتم أهدى سبيلا حسدا للنبي صلى الله عليه وسلم.
فقد تضمنت هذه الآية مع هذا القول التوعد عليه المفيد للأمر بمقابله المشتمل على أداء الأمانة التي هي بيان صفة النبي صلى الله عليه وسلم بإفادة أنه الموصوف في كتابهم، وذلك مناسب لقوله: {إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها}الآية [النساء: 58].
فهذا عام في كل أمانة، وذلك خاص بأمانة، هي صفة النبي صلى الله عليه وسلم بالطريق، السابق والعام تال للخاص في الرسم، متراخ عنه في النزول، والمناسبة تقتضي دخول ما دل عليه الخاص في العام، ولذا قال ابن العربي في تفسيره: وجه النظم أنه أخبر عن كتمان أهل الكتاب صفة محمد صلى الله عليه وسلم، وقولهم: إن المشركين أهدى سبيلا فكان ذلك خيانة منهم فانجر الكلام إلى ذكر جميع الأمانات. انتهى.
قال بعضهم: ولا يرد تأخر نزول آية الأمانات عن التي قبلها بنحو ست سنين؛ لأن الزمان إنما يشترط في سبب النزول لا في المناسبة؛ لأن المقصود منها وضع آية في موضع يناسبها والآيات كانت تنزل على أسبابها، ويأمر النبي صلى الله عليه وسلم بوضعها في المواضع التي علم من الله أنها مواضعها.
ذكره السيوطي في الإتقان.
صورة السبب قطعية الدخول في العام ومثاله
صورة السبب فجمهور أهل الأصول أنها قطعية الدخول في العام فلا يجوز إخراجها منه بمخصص وهو التحقيق وروي عن مالك أنها ظنية الدخول كغيرها من أفراد العام.
ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
من صور العام الذي يراد به الخصوص
بعض ألفاظ الآيات له عموم لكنها نزلت في معين ولا عموم للفظها وهي تقصر عليه فقط، كقوله تعالى: {وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى}[الليل: 17]فإنها نزلت في أبي بكر الصديق بالإجماع.
وقد استدل بها الإمام فخر الدين الرازي مع قوله: {إن أكرمكم عند الله أتقاكم}الآية [الحجرات: 13]، على أنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ووهم من ظن أن الآية عامة في كل من عمل عمله، إجراء له على القاعدة، وهذا غلط فإن هذه الآية ليس فيها صيغة عموم إذ الألف واللام إنما تفيد العموم إذا كانت موصولة أو معرفة في جمع زاد قوم: أو مفرد بشرط ألا يكون هناك عهد.
واللام في {الأتقى}الآية [الليل: 17]، ليست موصولة؛ لأنها لا توصل بأفعل التفضيل إجماعا، و{الأتقى}الآية [الليل: 17]، ليس جمعا بل هو مفرد، والعهد موجود، خصوصا مع ما يفيده صيغة أفعل من التمييز وقطع المشاركة، فبطل القول بالعموم وتعين القطع بالخصوص والقصر على من نزلت فيه رضي الله عنه. ذكره السيوطي في الإتقان.

طريقة معرفة أسباب النزول

القول في أسباب النزول موقوف على السماع
لا يحل القول في أسباب نزول الكتاب إلا بالرواية والسماع ممن شاهدوا التنزيل ووقفوا على الأسباب وبحثوا عن علمها.ذكره الواحدي في أسباب النزول.
وقال غيره: معرفة سبب النزول أمر يحصل للصحابة بقرائن تحتف بالقضايا، وربما لم يجزم بعضهم فقال: (أحسب هذه الآية نزلت في كذا)، كما أخرج الأئمة الستة عن عبد الله بن الزبير قال: (خاصم الزبير رجلا من الأنصار في شراج الحرة فقال النبي صلى الله عليه وسلم:((اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك))فقال الأنصاري: يا رسول الله أن كان ابن عمتك فتلون وجهه . . ) الحديث).
قال الزبير: (فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك{فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم..} الآية. ذكره السيوطي في الإتقان ولباب النقول نقلا عن الواحدي.
الدليل: ما رواه سعدي بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا الحديث عني إلا ما علمتم فإنه من كذب علي متعمدًا فيتبوأ مقعده من النار ومن كذب على القرآن من غير علم فليتبوأ مقعده من النار)).
ذكره الواحدي في أسباب النزول
تحرز السلف عن القول في أسباب النزول
السلف الماضون رحمهم الله كانوا من أبعد الغاية احترازًا عن القول في نزول الآية.
ومثال ذلك ما رواه محمد بن سيرين قال: سألت عبيدة عن آية من القرآن فقال: اتق الله وقل سدادًا ذهب الذين يعلمون فيما أنزل القرآن. ذكره الواحدي في أسباب النزول
أهمية جمع الطرق وفحص المرويّات
جمع طرق الحديث فيه فوائد كمعرفة وصل الحديث وإرساله وصحته وإعلاله فرب حديث ظاهر سنده الصحة في كتاب ويكون في كتاب آخر معلولا وقد قال ابن الصلاح في [علوم الحديث :82]: وروى عن علي بن المديني قال: (الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطؤه)ا.هـ. ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
وذكر الوادعيمثال ذلك:
قال [الحاكم رحمه الله:3/324]حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب حدثنا أحمد بن عبد الجبار ثنا يونس بن بكير عن ابن إسحاق ثنا يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير عن أبيه عن عائشة قالت: لما جاء أهل مكة في فداء أساراهم بعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فداء أبي العاص وبعثت فيه بقلادة كانت خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رقَّ لها رِقَّة شديدة وقال: ((إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا))
قالوا: نعم يا رسول الله، وردّوا عليها الذي لها.
قال: وقال العباس: يا رسول الله إني كنت مسلما؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((الله أعلم بإسلامك فإن يكن كما تقول؛ فالله يجزيك فافدِ نفسَك وبني أخويك نوفل بن الحارث بن عبد المطلب وعقيل بن أبي طالب بن عبد المطلب وحليفك عتبة بن عمرو بن جحدم أخا بني الحارث بن فهر)).
فقال: ما ذاك عندي يا رسول الله.
قال: (( فأين المال الذي دفنت أنت وأم الفضل فقلتَ لها إن أصبتُ فهذا المال لبني الفضل وعبد الله وقثم )).
فقال: والله يا رسول الله إني أشهد أنك رسول الله إن هذا الشيء ما علمه أحد غيري وغير أم الفضل فاحسب لي يا رسول الله ما أصبتم مني عشرين أوقية من مال كان معي؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ((أفعل)).
ففدى العباس نفسه وبني أخويه وحليفه وأنزل الله عز وجل:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِمَنْ فِي أَيْدِيكُمْ مِنَ الْأَسْرَى إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِمَّا أُخِذَ مِنْكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}فأعطاني مكان العشرين الأوقية في الإسلام عشرين عبدا كلهم في يده مال يضرب به مع ما أرجو من مغفرة الله عز وجل). هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه وسكت عليه الذهبي ا.هـ.
وقال الهيثمي في [مجمع الزوائد: 7 /28]: (رواه الطبراني في الكبير والأوسط ورجال الأوسط رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع)ا.هـ.
ثم بعد الاطلاع على [سنن البيهقي: 6/322]ظهر أن قصة العباس مدرجة على هذا السند.
قال البيهقي رحمه الله: كذا فيما حدثنا به شيخنا أبو عبد الله في كتاب المستدرك، ثم ذكره الحافظ البيهقي على الصواب مبينا أن قصة العباس لها سند آخر، وأنها مرسلة.
وقال الحافظ في[الفتح :9/382]بعد ذكره هذه القصة: (وفي طريق عطاء محمد بن إسحاق، وليست هذه القصة عنده مسندة بل معضلة وصنيع إسحاق يعني ابن راهوية وتبعه الطبراني وابن مردويه يقتضي أنها موصولة والعلم عند الله)ا.هـ.
وقال في [المطالب العالية:3/337]: (وأظن ذلك مدرجا في الخبر من كلام ابن إسحاق وحديث عباس على هذا معضل وأما على ظاهر السياق أولا فهو مسند وعلى ذلك عمل إسحاق)ا.هـ.
ذكره الوادعي في الصحيح المسند.
الصحيح معتمد بخلاف ما دونه
الحذر من ذكر الأخبار الضعيفة والواهية في أسباب النزول
فقد وقع التساهل في نقل ما لم يثبت في كتب التفسير
ومثال ذلك: قصة ثعلبة بن حاطب التي فيها "قليل تؤدي شكره خير من كثير لا تطيقه" وهذه القصة يذكرها المفسرون عنه تفسير قول الله سبحانه وتعالى: {وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ}ويمكن أنه لا يوجد تفسير إلا وهي مذكورة فيه وقلَّ من نبه على عدم صحتها.
أما جهابذة علماء الحديث ونقاده فإليك ما قالوه فيها:
- قال الإمام أبو محمد بن حزم رحمه الله بعد ذكره لها من طريق مسكين بن بكير نا معان بن رفاعة السلمي عن علي بن يزيد عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي أمامة قال: جاء ثعلبة بن حاطب بصدقته إلى عمر فلم يقبلها وقال: لم يقبلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أبو بكر ولا أقبلها.
قال أبو محمد: وهذا باطل بلا شك لأن الله تعالى أمر بقبض زكاة أموال المسلمين وأمر عليه السلام عند موته ألا يبقى في جزيرة العرب دينان؛ فلا يخلو ثعلبة من أن يكون مسلما ففرض على أبي بكر وعمر قبض زكاته ولا بد، ولا فسحة في ذلك، وإن كان كافرا ففرض ألا يقرّ في جزيرة العرب؛ فسقط هذا الأثر بلا شك، وفي رواته معان بن رفاعة والقاسم بن عبد الرحمن وعلي بن يزيد وهو أبو عبد الملك الألهاني وكلهم ضعفاء ومسكين بن بكير ليس بالقوي ا.هـ. [ج11من المحلى ص 208]
- وقال السيوطي في لباب النقول إن سندها ضعيف.
- وقال الحافظ في تخريج الكشاف إن في سندها علي بن يزيد الألهاني وهو واهٍ، وقال في [الفتح: 3/8 ]بعد ذكر بعض القصة لكنه حديث ضعيف لا يحتج به ا.هـ.
- وقال الهيثمي في [مجمع الزوائد:7/32] رواه الطبراني وفيه علي بن يزيد الألهاني وهو متروك.
- وقال فيه الذهبي في تجريد أسماء الصحابة إنه حديث منكر بمرَّة.
- وقال المناوي في [فيض القدير :4/527]: (قال البيهقي: "في إسناد هذا الحديث نظر وهو مشهور بين أهل التفسير" ، وأشار في الإصابة إلى عدم صحة هذا الحديث فإنه ساق هذا الحديث في ترجمة ثعلبة هذا ثم قال: "وفي كونه صاحب هذه القصة إن صح الخبر –ولا أظنه يصح- هو البدري نظر" ).ا.هـ كلام المناوي.
- وقال الحافظ العراقي في [تخريج الإحياء: 3/338]: سندها ضعيف.
وإنما مثلت بهذه القصة لشهرتها في كتب التفاسير ولأن كثيرا من إخواننا المشتغلين بالوعظ والإرشاد وفقني الله وإياهم يستحسنونها ويلقونها على العامة غير منتبهين مع عدم صحتها سندا فهي لا تصح معنى إذ فيها مخالفة لأصل من أصول الشريعة وهو أن التائب لو بلغت ذنوبه عنان السماء ثم تاب، تاب الله عليه.ذكره الوادعي في الصحيح المسند

قول الصحابة في أسباب النزول
قول الصحابي نزلت في كذا هل يدخل في المسند؟
ما كان عن صحابي: فهو مسند مرفوع، إذ قول الصحابي فيما لا مدخل فيه للاجتهاد مرفوع. أما سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فمعدود في الموقوفات.
شرط إدخال أقوال الصحابة في المسند
أن يصح اتصال سنده للصحابي
مثال لقول الصحابة في أسباب النزول
قول جابر رضي الله عنه: كانت اليهود تقول من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول فأنزل الله عز وجل: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} الآية

قول التابعين في أسباب النزول
شروط قبول تفسير التابعي المرسل
1-أن يكون سند متصل إلي التابعي
2-أن يكون راويه معروفا أنه لا يروي إلا عن صحابي
3- أن تعدد طرقه فيكون له شاهد من حديث آخر متصل ( ولو ضعيفا ) أو مرسل.
وهذا حاصل قول السيوطي والبلقيني والوادعي

قول السلف نزلت في كذا

معنى قول السلف نزلت في كذا
يعني أن هذه الآية تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها. ذكره الزركشي البرهان.
حكم دخول معنى قول السلف نزلت في كذا في المسند
وجماعة من المحدثين يجعلون هذا من المرفوع المسند كما في قول ابن عمر في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ}الآية [البقرة: 223].
وأما الإمام أحمد فلم يدخله في المسند وكذلك مسلم وغيره وجعلوا هذا مما يقال بالاستدلال وبالتأويل فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية لا من جنس النقل لما وقع. ذكره الزركشي البرهان.

أحسنت، بارك الله فيك ونفع بك
انتبهي لمسألة مراعاة مقام التلخيص والاختصار
وبالنسبة لتناول كل عنصر يفضل فصل الأفكار المتعلقة به كل فكرة في سطر فإن ذلك أدعى إلى وضوحها وبيانها ولعل ذلك يتضح لك من مطالعة نموذج الإجابة.


تقييم التلخيص :
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 30 / 30
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 20 / 20
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) : 20 / 18
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 15 / 15
خامساً: العرض
(حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 15 / 15

= 98 %
وفقك الله

رد مع اقتباس
  #36  
قديم 4 شعبان 1436هـ/22-05-2015م, 09:48 PM
الصورة الرمزية إسراء خليفة
إسراء خليفة إسراء خليفة غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 1,182
افتراضي فهرسة موضوع: فضل علم الناسخ والمنسوخ

عناصر الموضوع:
ثبوت النسخ
ما روي أنا الناسخ من آيات الأحكام
تفسير قوله تعالى"يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب"
أهمية معرفة الناسخ والمنسوخ
اهتمام السلف بالناسخ والمنسوخ

إنكار عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه على القاصّ الذي لا يعرف الناسخ والمنسوخ
ما روي عن ابن عبّاس بمثل خبر عليّ في الإنكار على من يقصّ وهو لا يعرف الناسخ والمنسوخ
حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه
أثر حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما
أثر محمد بن سيرين
بعض الكتب المصنفة فيه
-كتاب ابن سلامة

ثبوت النسخ:

النسخ ثابت بالكتاب والسنة والإجماع.
والدليل: قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا{


ما روي أنّ الناسخ من الآيات المحكمات
عن ابن عبّاسٍ في قوله عزّ وجلّ: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ} [آل عمران: 7]قال: (المحكمات: ناسخه وحلاله وحرامه وفرائضه وما يؤمن به ويعمل به، والمتشابهات: منسوخه ومقدّمه ومؤخّره، وأمثاله، وأقسامه، وما يؤمن به ولا يعمل به.


تفسير قول الله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب}
يبدّل من القرآن ما يشاء فينسخه؛ ويثبت ما يشاء فلا يبدّله) {وعنده أمّ الكتاب}[الرعد: 39]يقول: (وجملة ذلك عنده في أمّ الكتاب النّاسخ والمنسوخ.

أهمية معرفة الناسخ والمنسوخ

- هذا الفن من العلم من تتمات الاجتهاد إذ الركن الأعظم في باب الاجتهاد معرفة النقل ومن فوائد النقل معرفة الناسخ والمنسوخ.
- أول ما ينبغي لمن أراد أن يعلم شيئا من علم هذا الكتاب ألا يدأب نفسه إلّا في علم النّاسخ والمنسوخ اتباعا لما جاء عن أئمّة السّلف رضي الله عنهم لأن كل من تكلم في شيء من علم هذا الكتاب ولم يعلم النّاسخ من المنسوخ كان ناقصا.
- معرفة الناسخ والمنسوخ من الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيراً كثيراً، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما في قوله عزّ وجلّ: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا}[البقرة: 269] قال أبو عبيدٍ: " المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه، ومتشابهه ومقدّمه ومؤخّره وحلاله وحرامه وأمثاله.
قال: فأمّا قوله عزّ وجلّ: {وما يعلم تأويله إلّا اللّه}[آل عمران: 7] ، فإنّه يعني: تأويله يوم القيامة لا يعلمه إلّا اللّه.

-لا يفسر القرآن من لا يعرف الناسخ من المنسوخ
قال الأئمة: لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ.
وقد قال علي لقاص: (أتعرف الناسخ من المنسوخ؟)، قال: لا، قال: (هلكت وأهلكت"

اهتمام السلف الناسخ والمنسوخ
:



- روي عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه دخل يومًا مسجد الجامع بالكوفة فرأى فيه رجلا يعرف بعبد الرّحمن بن داب وكان صاحبا لأبي موسى الأشعريّ وقد تحلق النّاس عليه يسألونه وهو يخلط الأمر بالنّهي والإباحة بالحظر فقال له عليّ رضي الله عنه أتعرف النّاسخ من المنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت فقال أبو من أنت؟
قال: أبو يحيى.
فقال: أنت أبو اعرفوني، وأخذ بأذنه ففتلها، وقال: لا تقص في مسجدنا بعد .


ما روي عن ابن عبّاس بمثل خبر عليّ في الإنكار على من يقصّ وهو لا يعرف الناسخ والمنسوخ

- يروى في معنى هذا الحديث عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عبّاس أنّهما قالا لرجل آخر مثل قول أمير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه أو قريبا منه.
وقال حذيفة بن اليمان لا يقص على النّاس إلّا أحد ثلاثة أمير أو مأمور أو رجل يعرف النّاسخ والمنسوخ والرّابع متكلف أحمق.


حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه
عن المقداد بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه (ثلاثا) ألا يوشك رجل يجلس على أريكته - أي على سريره - يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه.

أثر حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما

قال حذيفة: " إنّما يفتي النّاس أحد ثلاثةٍ: رجلٌ يعلم منسوخ القرآن وذلك عمر، ورجلٌ قاضٍ لا يجد من القضاء بدًّا، ورجلٌ متكلّفٌ فلست بالرّجلين الماضيين وأكره أن أكون الثّالث".


أثر محمد بن سيرين
عن محمّدٍ قال: جهدت أن أعلم النّاسخ من المنسوخ فلم أعلمه.

بعض الكتب المصنفة فيه
ألف ابن سلامة فيه كتابا، وذكر في سبب تأليفه أنه لما رأىالمفسّرين قد سلكوا طريق هذا العلم ولم يأتوا منه وجه الحفظ وخلطوا بعضه ببعض أحب أن يؤلف في ذلك كتابا يقرب على من أحب تعليمه وتذكارا لمن علمه، وكان عنوان الكتاب الناسخ والمنسوخ.

رد مع اقتباس
  #37  
قديم 10 شعبان 1436هـ/28-05-2015م, 12:39 PM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إسراء خليفة مشاهدة المشاركة
عناصر الموضوع:
ثبوت النسخ
ما روي أنا الناسخ من آيات الأحكام (من الآيات المحكمات).
تفسير قوله تعالى"يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب"
أهمية معرفة الناسخ والمنسوخ
اهتمام السلف بالناسخ والمنسوخ

إنكار عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه على القاصّ الذي لا يعرف الناسخ والمنسوخ
ما روي عن ابن عبّاس بمثل خبر عليّ في الإنكار على من يقصّ وهو لا يعرف الناسخ والمنسوخ
حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه
أثر حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما
أثر محمد بن سيرين
بعض الكتب المصنفة فيه
-كتاب ابن سلامة

ثبوت النسخ:

النسخ ثابت بالكتاب والسنة والإجماع.
والدليل: قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا{


ما روي أنّ الناسخ من الآيات المحكمات
عن ابن عبّاسٍ في قوله عزّ وجلّ: {هو الّذي أنزل عليك الكتاب منه آياتٌ محكماتٌ هنّ أمّ الكتاب وأخر متشابهاتٌ} [آل عمران: 7]قال: (المحكمات: ناسخه وحلاله وحرامه وفرائضه وما يؤمن به ويعمل به، والمتشابهات: منسوخه ومقدّمه ومؤخّره، وأمثاله، وأقسامه، وما يؤمن به ولا يعمل به.


تفسير قول الله تعالى: {يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب}
يبدّل من القرآن ما يشاء فينسخه؛ ويثبت ما يشاء فلا يبدّله) {وعنده أمّ الكتاب}[الرعد: 39]يقول: (وجملة ذلك عنده في أمّ الكتاب النّاسخ والمنسوخ. هذه المسألة تضم إلى المسألة الأولى ويشملهما عنوان: ثبوت النسخ بنص القرآن.
أيضا: من ذكر هذا التفسير من السلف؟

أهمية معرفة الناسخ والمنسوخ

- هذا الفن من العلم من تتمات الاجتهاد إذ الركن الأعظم في باب الاجتهاد معرفة النقل ومن فوائد النقل معرفة الناسخ والمنسوخ.
- أول ما ينبغي لمن أراد أن يعلم شيئا من علم هذا الكتاب ألا يدأب نفسه إلّا في علم النّاسخ والمنسوخ اتباعا لما جاء عن أئمّة السّلف رضي الله عنهم لأن كل من تكلم في شيء من علم هذا الكتاب ولم يعلم النّاسخ من المنسوخ كان ناقصا.
- معرفة الناسخ والمنسوخ من الحكمة التي من أوتيها فقد أوتي خيراً كثيراً، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما في قوله عزّ وجلّ: {ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا}[البقرة: 269] قال أبو عبيدٍ: " المعرفة بالقرآن ناسخه ومنسوخه ومحكمه، ومتشابهه ومقدّمه ومؤخّره وحلاله وحرامه وأمثاله.
قال: فأمّا قوله عزّ وجلّ: {وما يعلم تأويله إلّا اللّه}[آل عمران: 7] ، فإنّه يعني: تأويله يوم القيامة لا يعلمه إلّا اللّه.

-لا يفسر القرآن من لا يعرف الناسخ من المنسوخ
قال الأئمة: لا يجوز لأحد أن يفسر كتاب الله إلا بعد أن يعرف منه الناسخ والمنسوخ.
وقد قال علي لقاص: (أتعرف الناسخ من المنسوخ؟)، قال: لا، قال: (هلكت وأهلكت"

اهتمام السلف الناسخ والمنسوخ
:



- روي عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب كرم الله وجهه أنه دخل يومًا مسجد الجامع بالكوفة فرأى فيه رجلا يعرف بعبد الرّحمن بن داب وكان صاحبا لأبي موسى الأشعريّ وقد تحلق النّاس عليه يسألونه وهو يخلط الأمر بالنّهي والإباحة بالحظر فقال له عليّ رضي الله عنه أتعرف النّاسخ من المنسوخ قال لا قال هلكت وأهلكت فقال أبو من أنت؟
قال: أبو يحيى.
فقال: أنت أبو اعرفوني، وأخذ بأذنه ففتلها، وقال: لا تقص في مسجدنا بعد .


ما روي عن ابن عبّاس بمثل خبر عليّ في الإنكار على من يقصّ وهو لا يعرف الناسخ والمنسوخ

- يروى في معنى هذا الحديث عن عبد الله بن عمر وعبد الله بن عبّاس أنّهما قالا لرجل آخر مثل قول أمير المؤمنين عليّ كرم الله وجهه أو قريبا منه.
وقال حذيفة بن اليمان لا يقص على النّاس إلّا أحد ثلاثة أمير أو مأمور أو رجل يعرف النّاسخ والمنسوخ والرّابع متكلف أحمق.


حديث المقدام بن معد يكرب رضي الله عنه
عن المقداد بن معد يكرب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه (ثلاثا) ألا يوشك رجل يجلس على أريكته - أي على سريره - يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. ما علاقة هذا الحديث بموضوع الملخص؟

أثر حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما

قال حذيفة: " إنّما يفتي النّاس أحد ثلاثةٍ: رجلٌ يعلم منسوخ القرآن وذلك عمر، ورجلٌ قاضٍ لا يجد من القضاء بدًّا، ورجلٌ متكلّفٌ فلست بالرّجلين الماضيين وأكره أن أكون الثّالث".


أثر محمد بن سيرين
عن محمّدٍ قال: جهدت أن أعلم النّاسخ من المنسوخ فلم أعلمه.

بعض الكتب المصنفة فيه
ألف ابن سلامة فيه كتابا، وذكر في سبب تأليفه أنه لما رأىالمفسّرين قد سلكوا طريق هذا العلم ولم يأتوا منه وجه الحفظ وخلطوا بعضه ببعض أحب أن يؤلف في ذلك كتابا يقرب على من أحب تعليمه وتذكارا لمن علمه، وكان عنوان الكتاب الناسخ والمنسوخ.
بارك الله فيك وأحسن إليك.
موضوع التلخيص هو: أقوال العلماء في فضل الناسخ والمنسوخ، وعليه يكون اعتبار ترتيب العناصر، فهذا هو موضوع الملخص وليس أحد عناصره فقط، وهذا ما يؤخذ على تلخيصك.
وعند ترتيب الفضائل ترتب الضائل الواردة في القرآن عن غيرها وهكذا..
كما يراعى ضم المسائل المتشابهة تحت عنصر واحد.
ويراعى أيضا قدر الإمكان تسمية الفضائل المستخلصة من هذه الآيات والأحاديث والآثار بدلا من اعتبار عنوان الحديث أو الأثر.
وينتبه دائما إلى علاقة المسألة المذكورة بموضوع الملخص مثل حديث المقداد بن معد، هل هي مما يتصل مباشرة بموضوع الملخص أم لا؟
يمكنك مطالعة نموذج الإجابة إن شاء الله هنا:
http://www.afaqattaiseer.net/vb/show...804#post200804

تقييم التلخيص :
أولاً: الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) : 30 / 30
ثانياً: الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) : 20 / 13
ثالثاً: التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) : 20 / 15
رابعاً: الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) : 15 / 12
خامساً: العرض
(حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) : 15 / 15

= 85 %
وفقك الله

رد مع اقتباس
  #38  
قديم 1 رمضان 1436هـ/17-06-2015م, 01:42 AM
الصورة الرمزية إسراء خليفة
إسراء خليفة إسراء خليفة غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 1,182
افتراضي

بلغة المفسّر من علوم الحديث

مقدمات:
الكلام على نوعين منه
الإنشاء ومنه الخبر

فالإنشاء: لا يستطيع إنسان أن ينكر على آخر ما أنشأه من كلام؛ لأنه لا يحتاج إلى مبدأ التثبت؛ فهو لا يفتقر إلى علوم الآلة التي وضعت لقبول الأخبار وردها.
والخبر: هو الذي يحتاج إلى التثبت وإلى ما يضبطه؛ لنعلم هل هو صحيح أو غير صحيح، هل هو مقبول أو مردود، هل هو صدق أو كذب؛ ولهذا نجد أن علوم الحديث حينما وضعها المحدثون وضعوها لتكون ضوابط لقبول الأخبار وردها.

الكلام الوارد في التفسير:

الكلام الوارد في التفسير على نوعين؛ إما أن يكون إنشاءً، وإما أن يكون خبرًا
إذا كان إنشاءً:
يجب النظر إلى قواعد المفسرين لقبول التفسير؛ ومنها: أن يكون موافقا للغة العرب، وإذا كان ليس هناك اعتراض عليه؛ فليس هناك حاجة للتثبت.
مثاله: قول الله جل وعلا: {رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ}
جاء عن السلف في تفسيره:
-أن الصر هنا هو البْرد
-أو البَرد
- أو أنه الصوت
- أو الحركة
- أو أنه النار؛ ريح فيها نار أو نحو ذلك.
وهذا كله من باب الإنشاء وليس من باب الخبر.

القواعد التي وضعها المفسرون لتفسير القرآن

فأولها:تفسير القرآن بالقرآن: مثلما فسر النبي صلى الله عليه وسلم الظلم بالشرك. فلمّا قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون …}الآية من سورة الأنعام؛ تعاظم الصحابة رضي الله تعالى عنهم ذلك، وقالوا: "يا رسول الله، وأينا لم يظلم نفسه؟"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه ليس الظلم الذي تعنون، أولم تسمعوا إلى ما قال العبد الصالح: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}"
وثانيها:تفسير القرآن بالسنة.
وثالثها:تفسير القرآن بأقوال الصحابة، ثم تفسير القرآن بأقوال التابعين، ثم تفسير القرآن بلغة العرب.

غالبا تفسير القرآن بالقرآن يكون في آيات محدودة؛ ولذا نحتاج إلى تفسير القرآن بالسنة.
ومن كتب التفسير المفيدة في ذلك والتي تروي بالإسناد: تفسير عبد الرزاق، أو تفسير سفيان الثوري، أو تفسير ابن جرير الطبري، أو تفسير ابن المنذر، أو تفسير سعيد بن منصور، أوتفسير ابن أبي حاتم.
وكثير من كتب الأحاديث أفردت كتابًا بأكمله للتفسير مثل صحيح البخاري ومسلم وجامع الترمذي والسنن الكبرى للنسائي.
وبعض العلماء جمع بين الحديث وبين القدرة على تفسير كتاب الله كالحافظ ابن كثير رحمه الله.

التعامل مع مرويات التفسير

-لا بد أن ننظر إلى مرويات التفسير التي وردت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وما يلتحق بها من أقوال الصحابة وأقوال التابعين للتثبت من صحته إلي قائله؛ كالتعامل مع المرويات الواردة في الفقه والحديث وغيره.
مثال في سبب نزول قوله تعالى{وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ *}
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثٍ رواه يوسف ابن موسى قال حدثنا عبيد الله ابن موسى قال حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب امرأة فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ فأذن له فانطلق في يومٍ مطير فإذا هو بامرأة يعني بتلك المرأة على غدير ماءٍ تغتسل فلما جلس منها مجلس الرجل من المرأة ذهب يحرك ذكره فإذا هو كأنه هدبة، فذكر ذلك، فقال النبي: "أربع ركعاتٍ" يعني صلي أريع ركعاتفأنزل الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ *} لما سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، قال أبوه هذا خطأ.
وللعلماء كلام في هذا الحديث يصل إلى حد التكذيب فالإمام أحمد رحمه الله كما في كتاب العلل بن عبد الله يقول: "ما أرى هذا إلا كذابًا أو كذبًا"، وأنكره جداً.

مرويات التفسير من حيث خضوعها لقواعد المحدثين:

لا يطلق القول: (بأنه لا تطبق قواعد المحدثين على مرويات التفسير)، فإن إطلاق القول هكذا جزافاً؛ غلط، بل الأصل أن تطبق قواعد المحدثين على المرويات، ولكن يمكن أن يتسامح في قبول بعض المرويات.
فمنها: ما يجب أن يخضع لقواعد المحدثين ولا ينبغي التساهل فيه كالمثال السابق ذكره، وكالروايات التي تتضمن أحكاما.
ومنها: ما يمكن التساهل فيه؛ وهو مما له وجه من جهة اللغة؛ لأن العربي يفهمها مباشرة دون الحاجة إلى ما يفسرها كقوله تعالى"بسم الله الرحمن الرحيم".
وهذا مفيد في باب التدبر ما لم يؤد محذور كالقول على الله بغير علم أو الإئتيان بقول لا أصل له.
أما إذا أدى لمحذور فهذا مردود ولا يمكن أن يقال عنه أنه تدبر، كالذي يفسر قوله تعالى"يأمركم أن تذبحوا بقرة" بأن البقرة عائشة.
مثل: تسامح المحدثين من قبول رواية (الضحاك عن ابن عباس) وهي منقطعة، بل أشد من ذلك، من قبول رواية (جويبر بن سعيد عن الضحاك)؛ سواء عن (الضحاك) من قوله، أو من رواية (الضحاك عن ابن عباس)، فإن بعض المحدثين تسمحوا في هذا بل استحسنوا هذه الرواية، وذلك إذا كانت هذه الرواية ليست متضمنة أحكاما؛ لأنه إذا كانت متضمنة أحكاما فلابد من خضوعها لقواعد المفسرين.
-وقديما كانوا يطلقون على الحديث أنه حسن وإن كان فيه ضعف يمكن أن يسامح فيه وليس المقصود بذلك أنه حسن على المعنى المعروف في مصطلحات الحديث. وممن استخدم ذلك اللفظ عبد الله بن المبارك، وكيع بن الجراح، الإمام الشافعي، والإمام أحمد، أو علي بن المَديني، أو أبي حاتم الرازي، أو البخاري، أو غيرهم، فهذا موجود في كلامهم بكثرة، ولكن الترمذي رحمه الله تعالى، مِن أكثر من أشاع ذلك وأشهره، وأكثر من ذِكْرِه.

الإسرائليات الواردة في التفسير:

بعض المرويات في كتب التفسير تروى كأنها مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو أنها من أقوال الصحابة، مثل ما نجده في تفسير قول الله جل وعلا: {ببابل هاروت وماروت}والقصة الطويلة جداً، والراجح أنها من الإسرائيليات كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير، وأنها من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما.
قبول الإسرائليات:
-منها من نقبله وهو ما يكون موافقا للشرع، ويكون هذا من الذي صح عن أهل الكتاب.
-ومنها ما يرد إذ خالف مع في شرعنا مثل قولهم أن لوطا شرب الخمر ففجر بابنتيه؛ فهذا افتراء بالقطع.
-ومنها: ما يتوقف في قبوله ورده؛ لأنه ليس هناك ما يدل على صدقها أو كذبها؛ فنطبّق معها قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم"، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج".
وهذه التي لا نعلم صدقها من كذبها يجوز لنا أن نحدّث بها، ولا حرج في ذلك، لكن ليس معنى التحديث بها التسليم بصحتها.
حينما تتشوف النفوس مثلا لعدة أصحاب الكهف، أو إلى لون كلبهم.
ملحوظة: من المفيد جمع المرويات الواردة في تفسير كتاب الله من مصنفات الأحاديث في الأبواب المختلفة وضمها إلى كتب التفاسير.

تعامل المحدثين مع الأحاديث:

-إذا كانت الأحاديث متضمنة لأحكام وليس لهذه الأحكام أحاديث أخرى تضمنتها فهنا يجب تطبيق قواعد المحدثين وعدم التساهل.
-إذا كانت الأحاديث متضمنة أحكاما وهذه الأحاديث في شيء من الضعف وكانت ثمت شواهد من أحاديث أخرى تضمنت هذه الأحكام؛ فيمكن التساهل في قبول هذه الأحاديث.
ولكن بشرط أن تكون هذه الشواهد صحيحة، وألا يكون هذا الحديث الضعيف فيه زيادة حكم شرعي، فحينئذ إذا اتفق مع الحديث الأصل في باقي اللفظ أو في باقي المعنى فإننا نأخذ ما اتفق فيه ولا نقبل هذه الزيادة.
مثل قصة ثمامة بن أثال رضي الله تعالى عنه التي بمصنف عبد الرزاق، وأصلها في صحيح البخاري؛ في مصنف عبد الرزاق تضمنت حكما من أحكام الطهارة، لا يوجد في الرواية التي توجد في صحيح البخاري، وإنما هذا الحكم موجود في مصنف عبد الرزاق وهو يتعلق –فيما أذكر- بحكم الاغتسال لمن أسلم، فهل تقبل هذه الرواية بحذافيرها –رواية عبد الرزاق- ؟
فهنا لا نقبل منها إلا ما وافق الذي في صحيح البخاري، وأما الزيادة فهذه يحكم عليها بما يناسبها، فقد تكون زيادة شاذة أو منكرة ونحو ذلك.
-أما الأحاديث الواردة في فضائل الأعمال أو الواردة في باب الترغيب والترهيب، فإن قاعدة المحدثين فيه معروفة، وعبارتهم مشتهرة؛ مثل: سفيان الثوري، عبد الله بن المبارك، والإمام أحمد وورد أيضا عن عبد الرحمن بن المهدي وغيرهم, حينما يقولون: إذا روينا في الحرام والحلال شددنا، ويَقبل الواحد منهم، وإذا روينا في الفضائل؛ تساهلنا.

تعامل المفسر مع مرويات التفسير:

أولا: لا يمكن القول بأنه لا يفسر القرآن إلاّ محدث يملك الآلة والقدرة؛ لأن هذا تجرير واسعاً.
ثانيا: أن يعمد إلى ما وجده من روايات فينظر في أحكام الأئمة عليها مادام أنه يمكن أن يكون محكوماً في هذا، ليس بشرط أن يجتهد هو في تمحيص تلك الرواية؛ وإنما قد يكونوا هناك بعض الأئمة الذين حكموا على هذه المرويات، مثل (كتاب العلل لابن أبي حاتم)، أو (كتاب العلل للترمذي) أو يأتي لـ(كتاب العلل للدارقطني) أو غير ذلك من كتب العلل_ فيجد فيها بعض المرويات التي أعلها هؤلاء الأئمة؛ فإذا وجد هذه الرواية مما أعله بعض الأئمة؛ فإنه قد خُدم وقد كُفي فيحمد الله على هذه النعمة أنه قد كُفي، ويوضح أن هذا الحديث أعله الإمام الفلاني ويتنبه لهذا ولا يستشهد به، ولا يستدل به؛ بل ينبه عليه، والعكس كذلك، لو وجد هذه الرواية من الروايات التي صححها بعض الأئمة، سواء كانت موجودة في بعض الكتب التي اشترطت الصحة مثل صحيح البخاري، أو صحيح مسلم، أو وجدناها -مثلا- في (كتاب الترمذي), وحكم عليها الترمذي بالصحة ولم يُخالف من إمام آخر.
مع الانتباه إلي أن التعامل مع مستدرك الحاكم وابن حبان ينبغي أن يكون فيه جهد أكثر بالنظر إلى الأسانيد ولا نكتفي بحكمهم. وقد تعقب الذهبي الحاكم في بعض المواضع.
فالمفسر إذا لم يكن له علم بمعرفة صحيح أسانيد التفسير، فإنه إذا نظر في حديث فوجد فيها مثلا ابن لهيعة، وعرف -مثلا- ضعف ابن لهيعة مطلقاً، أو عرفه عن طريق (تقريب التهذيب)؛ فإنه لا يستشهد بهذه الرواية في حالته العجلى. كما يمكن أن يستعين بمن يمكن أن يخدمه في هذا من طلبة العلم المعروفين بالقدرة على الحكم على الأحاديث
ثالثا: ولا بأس أن يتوقف عن قبول الرواية لوجود تلك العلة الظاهرة؛ (العلة الظاهرة): إما سقط ظاهر في الإسناد, وإما وجود راوٍ مطعون فيه؛ إما في عدالته أو ضبطه, وأما بالنسبة للعلل الخفية, أو الحكم الجازم على الرواية ضعفاً، أو تصحيحاً فإن هذا يحتاج إلى دقة.
أما إذا كان المفسر قد تزود من علم الحديث، بحيث صار يملك القدرة على الحكم على الحديث، وعنده الآلة التي تعينه فهذا خير إلى خير.
_____________________________________________

مسائل متفرقة في الأسئلة

حول الإسناد:


الرجل العدل الثقة قد يوهم والبعض يسمى هذا الوهم كذبا؛ لأنه نقلا لحديث خلاف الواقع.
فقد حكى عن يحيى بن سعيد القطان وغيره، حينما قال:"لم نرالصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث"، عجيب! يكون "صالحا"، ويكون "كاذبا في الحديث"؟، قال: "نعم، يجري الكذب على ألسنتهم ولا يتعمدونه".
وهذا لابد من نقد روايته وبيانه.
مثاله: كما فعل مسلم بن الحجاج أيضا، حينما نقل عن عبد الله بن المبارك، في قصته مع عباد بن كثير، وذهابه إلى شيخيه، الإمام مالك وسفيان الثوري -رحمة الله تعالى على الجميع- وقال: "إنّ عباد بن كثير ممن تعلمون حاله، وإذا حدّث حدّث بأمر عظيم، أفترون أن نبيّن حاله؟" قالا: "بلى، بيّن حاله."، فكان عبد الله بن المبارك، إذا ذكر عباد بن كثير في مجلس، أثنى عليه في دينه، ثمّ بيّن مكانته في الحديث -أو بيّن ما يؤخذ عليه في الحديث-، هذا ما يكون من باب الإخبار بخلاف الواقع لا عن عمد، وإنّما عن توهم، أمّا ما يكون عن عمد فإنّ هذا الأمر واضحٌ جدا، بأنه لا بد من ردّه، ولا بد من الحكم عليه.
علم العلل: علم علل الحديث مبناه على أوهام الثقات؛ لأنه علم نشأ لبيان أوهام الثقات.
الضعف في الرواية:
الضعف يختلف؛ فهو إما بسبب سقط في الإسناد، وإما بسبب طَعْن في الراوي، هذا في حقيقته، وما يكون من طعن في الراوي، فإن هذا الطعن إما أن يكون إما في عدالته، وإما في حفظه، وإما في صفة روايته، وهذا مما أرجو أن يُتنبه له؛ لأن الذي شاع أن الطعن في الراوي إما أن يكون في العدالة أو الضبط، وهذا صحيح، لكن أيضا يُمكن أن يكون الطعن في صفة روايته، وإن كان هذا سيعود إلى سبب من أسباب الضعف الأخرى كالسقط في الإسناد.


الإسناد المعنعن:
- قبوله مختلف فيه، وكان هناك من لا يقبله كشعبة بن الحجاج لكن بعد ذلك فرضت عليهم الضرورة قبول الإسناد المعنعن، و وضعوا لها شروط لكن أبرز هذه الشروط ما عُرف بأنه شرط البخاري وشرط مسلم.
- إذا جاء إسناد معنعن من طريقين وفي أحدهما زيادة على الآخر؛ فإننا نأخذ بالإسناد الزائد.
ولا يأخذون بالإسناد الناقص إلا مع توفُّر شرطين:
الشرط الأول (وهو الأهم):
أن يقع التصريح بالسماع في موضع الزيادة.
والشرط الثاني:
أن يكون من نَقَص أكثر عدداً أو أحفظ ممن زاد.
فإن توفر هذان الشرطان أخذوا بالإسناد الناقص، وإلا فالأصل الأخذ بالإسناد الزائد.


أسانيد القراءات:
-بالنسبة لجهالة بعض رجال الإسناد فهذا لا ينبغي التشدد فيه.
-بالنسبة لوجود سقط في الإسناد فهذا ينبغي التنبيه عليه ولا يصح أن يكون الإسناد فيه سقط.
- ينبغي للإنسان الذي يريد أن يعتني بإسناد ويكون إسناده إسنادًا على الأقل مقبولاً أن يتعرف على رجال الإسناد بما أمكنه، وأن يعتني بسلامة هذا الإسناد خاصة بالنظر في الكتب التي يذكر فيها هذا الإسناد؛ يعني لا يكتفي مثلا بإعطاء شيخه له هذا الإسناد فإنه قد يكون هذا الشيخ ليس من الذين يميزون هذه الأسانيد، وربما كان شيخ شيخه وهلم جرا.

المراسيل في التفسير:

منها: ما يمكن أن تتقوى وتقبل خاصة إذا كانت على طريقة الإمام الشافعي.
وهذه المراسيل التي اتفقوا على قبولها بشروط، ومنها مراسيل كبار التابعين: إما مراسيل المخضرمين من التابعين، كعبيد الله بن عدي بن الخيار وغيره، أو الكبار من التابعين وإن لم يكونوا من المخضرمين، كسعيد بن المسيب -رحمة الله تعالى عليه- ونحو هؤلاء.
الأواسط من التابعين، كالحسن البصري وابن سيرين، فيهم تفصيل، منهم من يقبل، ومنهم من يرد ومنهم من يفصل في أحوالهم.
ومنها: ما لا يمكن أن تتقوى، ولا يمكن قبولها بحال؛ لأن فيها ما يخالف الشرع كقصة الغرانيق وقصة ثعلبة. ومن المراسيل الرديئة مراسيل الزهري وقتادة ومجاهد.

الوضع في الحديث:
الوضع في الحديث إنما نشأ بعد فتنة مقتل عثمان -رضي الله تعالى عنه- كما قال ابن سيرين رحمه الله تعالى: (لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلمّا وقعت الفتنة، قالوا: سمّوا لنا رجالكم)، فينظر إلى أهل السنة فيقبل حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فيترك حديثهم.

بالنسبة لحكم الشيخ الألباني على الحديث:

إذا صحح الشيخ الألباني حديث وكان الأئمة الكبار في الحديث الذين عرفوا بأنهم من جهابذة علم العلل، ومن النقّاد مثل: الإمام أحمد وعلي بن المديني والبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والدارقطني وأمثال هؤلاء أعل الحديث فإن المعتمد قولهم.
أما إذا عارض حكم الألباني آخرون كالحاكم، وابن حبان، والنووي، وأمثال هؤلاء، ثم وجدنا أحد أئمة النقد، أو عدداً من أئمة النقد يُعِلُّون ذلك الحديث مثل من سمَّيت: كالإمام أحمد، وعلي بن المديني، والبخاري، ومسلم وأمثال هؤلاء؛ فإن العمدة على تعليله مثل ما رأيناه مثلاً من تعليل حديث الأذنان من الرأس، أو البسملة في الوضوء، ونحو ذلك.
ثم يقوي هؤلاء العلماء هذا الحديث أو يصححونه أو يُحسنونه بمجموع طُرقه؛ فإن العمدة على أحكام أولئك الأئمة الكبار.

من الكتب التي ينصح طالب علم التفسير بدراستها في مصطلح الحديث:

نخبة الفكر مع بعض شروحها هذا على الأقل.

رد مع اقتباس
  #39  
قديم 1 رمضان 1436هـ/17-06-2015م, 01:45 AM
الصورة الرمزية إسراء خليفة
إسراء خليفة إسراء خليفة غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 1,182
افتراضي

بلغة المفسّر من علوم الحديث

مقدمات:
الكلام على نوعين منه
الإنشاء ومنه الخبر

فالإنشاء: لا يستطيع إنسان أن ينكر على آخر ما أنشأه من كلام؛ لأنه لا يحتاج إلى مبدأ التثبت؛ فهو لا يفتقر إلى علوم الآلة التي وضعت لقبول الأخبار وردها.
والخبر: هو الذي يحتاج إلى التثبت وإلى ما يضبطه؛ لنعلم هل هو صحيح أو غير صحيح، هل هو مقبول أو مردود، هل هو صدق أو كذب؛ ولهذا نجد أن علوم الحديث حينما وضعها المحدثون وضعوها لتكون ضوابط لقبول الأخبار وردها.

الكلام الوارد في التفسير:

الكلام الوارد في التفسير على نوعين؛ إما أن يكون إنشاءً، وإما أن يكون خبرًا
إذا كان إنشاءً:
يجب النظر إلى قواعد المفسرين لقبول التفسير؛ ومنها: أن يكون موافقا للغة العرب، وإذا كان ليس هناك اعتراض عليه؛ فليس هناك حاجة للتثبت.
مثاله: قول الله جل وعلا: {رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ}
جاء عن السلف في تفسيره:
-أن الصر هنا هو البْرد
-أو البَرد
- أو أنه الصوت
- أو الحركة
- أو أنه النار؛ ريح فيها نار أو نحو ذلك.
وهذا كله من باب الإنشاء وليس من باب الخبر.

القواعد التي وضعها المفسرون لتفسير القرآن

فأولها:تفسير القرآن بالقرآن: مثلما فسر النبي صلى الله عليه وسلم الظلم بالشرك. فلمّا قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون …}الآية من سورة الأنعام؛ تعاظم الصحابة رضي الله تعالى عنهم ذلك، وقالوا: "يا رسول الله، وأينا لم يظلم نفسه؟"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه ليس الظلم الذي تعنون، أولم تسمعوا إلى ما قال العبد الصالح: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}"
وثانيها:تفسير القرآن بالسنة.
وثالثها:تفسير القرآن بأقوال الصحابة، ثم تفسير القرآن بأقوال التابعين، ثم تفسير القرآن بلغة العرب.

غالبا تفسير القرآن بالقرآن يكون في آيات محدودة؛ ولذا نحتاج إلى تفسير القرآن بالسنة.
ومن كتب التفسير المفيدة في ذلك والتي تروي بالإسناد: تفسير عبد الرزاق، أو تفسير سفيان الثوري، أو تفسير ابن جرير الطبري، أو تفسير ابن المنذر، أو تفسير سعيد بن منصور، أوتفسير ابن أبي حاتم.
وكثير من كتب الأحاديث أفردت كتابًا بأكمله للتفسير مثل صحيح البخاري ومسلم وجامع الترمذي والسنن الكبرى للنسائي.
وبعض العلماء جمع بين الحديث وبين القدرة على تفسير كتاب الله كالحافظ ابن كثير رحمه الله.

التعامل مع مرويات التفسير

-لا بد أن ننظر إلى مرويات التفسير التي وردت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وما يلتحق بها من أقوال الصحابة وأقوال التابعين للتثبت من صحته إلي قائله؛ كالتعامل مع المرويات الواردة في الفقه والحديث وغيره.
مثال في سبب نزول قوله تعالى{وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ *}
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثٍ رواه يوسف ابن موسى قال حدثنا عبيد الله ابن موسى قال حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب امرأة فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ فأذن له فانطلق في يومٍ مطير فإذا هو بامرأة يعني بتلك المرأة على غدير ماءٍ تغتسل فلما جلس منها مجلس الرجل من المرأة ذهب يحرك ذكره فإذا هو كأنه هدبة، فذكر ذلك، فقال النبي: "أربع ركعاتٍ" يعني صلي أريع ركعاتفأنزل الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ *} لما سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، قال أبوه هذا خطأ.
وللعلماء كلام في هذا الحديث يصل إلى حد التكذيب فالإمام أحمد رحمه الله كما في كتاب العلل بن عبد الله يقول: "ما أرى هذا إلا كذابًا أو كذبًا"، وأنكره جداً.

مرويات التفسير من حيث خضوعها لقواعد المحدثين:

لا يطلق القول: (بأنه لا تطبق قواعد المحدثين على مرويات التفسير)، فإن إطلاق القول هكذا جزافاً؛ غلط، بل الأصل أن تطبق قواعد المحدثين على المرويات، ولكن يمكن أن يتسامح في قبول بعض المرويات.
فمنها: ما يجب أن يخضع لقواعد المحدثين ولا ينبغي التساهل فيه كالمثال السابق ذكره، وكالروايات التي تتضمن أحكاما.
ومنها: ما يمكن التساهل فيه؛ وهو مما له وجه من جهة اللغة؛ لأن العربي يفهمها مباشرة دون الحاجة إلى ما يفسرها كقوله تعالى"بسم الله الرحمن الرحيم".
وهذا مفيد في باب التدبر ما لم يؤد محذور كالقول على الله بغير علم أو الإئتيان بقول لا أصل له.
أما إذا أدى لمحذور فهذا مردود ولا يمكن أن يقال عنه أنه تدبر، كالذي يفسر قوله تعالى"يأمركم أن تذبحوا بقرة" بأن البقرة عائشة.
مثل: تسامح المحدثين من قبول رواية (الضحاك عن ابن عباس) وهي منقطعة، بل أشد من ذلك، من قبول رواية (جويبر بن سعيد عن الضحاك)؛ سواء عن (الضحاك) من قوله، أو من رواية (الضحاك عن ابن عباس)، فإن بعض المحدثين تسمحوا في هذا بل استحسنوا هذه الرواية، وذلك إذا كانت هذه الرواية ليست متضمنة أحكاما؛ لأنه إذا كانت متضمنة أحكاما فلابد من خضوعها لقواعد المفسرين.
-وقديما كانوا يطلقون على الحديث أنه حسن وإن كان فيه ضعف يمكن أن يسامح فيه وليس المقصود بذلك أنه حسن على المعنى المعروف في مصطلحات الحديث. وممن استخدم ذلك اللفظ عبد الله بن المبارك، وكيع بن الجراح، الإمام الشافعي، والإمام أحمد، أو علي بن المَديني، أو أبي حاتم الرازي، أو البخاري، أو غيرهم، فهذا موجود في كلامهم بكثرة، ولكن الترمذي رحمه الله تعالى، مِن أكثر من أشاع ذلك وأشهره، وأكثر من ذِكْرِه.

الإسرائليات الواردة في التفسير:

بعض المرويات في كتب التفسير تروى كأنها مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو أنها من أقوال الصحابة، مثل ما نجده في تفسير قول الله جل وعلا: {ببابل هاروت وماروت}والقصة الطويلة جداً، والراجح أنها من الإسرائيليات كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير، وأنها من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما.
قبول الإسرائليات:
-منها من نقبله وهو ما يكون موافقا للشرع، ويكون هذا من الذي صح عن أهل الكتاب.
-ومنها ما يرد إذ خالف مع في شرعنا مثل قولهم أن لوطا شرب الخمر ففجر بابنتيه؛ فهذا افتراء بالقطع.
-ومنها: ما يتوقف في قبوله ورده؛ لأنه ليس هناك ما يدل على صدقها أو كذبها؛ فنطبّق معها قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم"، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج".
وهذه التي لا نعلم صدقها من كذبها يجوز لنا أن نحدّث بها، ولا حرج في ذلك، لكن ليس معنى التحديث بها التسليم بصحتها.
حينما تتشوف النفوس مثلا لعدة أصحاب الكهف، أو إلى لون كلبهم.
ملحوظة: من المفيد جمع المرويات الواردة في تفسير كتاب الله من مصنفات الأحاديث في الأبواب المختلفة وضمها إلى كتب التفاسير.

تعامل المحدثين مع الأحاديث:

-إذا كانت الأحاديث متضمنة لأحكام وليس لهذه الأحكام أحاديث أخرى تضمنتها فهنا يجب تطبيق قواعد المحدثين وعدم التساهل.
-إذا كانت الأحاديث متضمنة أحكاما وهذه الأحاديث في شيء من الضعف وكانت ثمت شواهد من أحاديث أخرى تضمنت هذه الأحكام؛ فيمكن التساهل في قبول هذه الأحاديث.
ولكن بشرط أن تكون هذه الشواهد صحيحة، وألا يكون هذا الحديث الضعيف فيه زيادة حكم شرعي، فحينئذ إذا اتفق مع الحديث الأصل في باقي اللفظ أو في باقي المعنى فإننا نأخذ ما اتفق فيه ولا نقبل هذه الزيادة.
مثل قصة ثمامة بن أثال رضي الله تعالى عنه التي بمصنف عبد الرزاق، وأصلها في صحيح البخاري؛ في مصنف عبد الرزاق تضمنت حكما من أحكام الطهارة، لا يوجد في الرواية التي توجد في صحيح البخاري، وإنما هذا الحكم موجود في مصنف عبد الرزاق وهو يتعلق –فيما أذكر- بحكم الاغتسال لمن أسلم، فهل تقبل هذه الرواية بحذافيرها –رواية عبد الرزاق- ؟
فهنا لا نقبل منها إلا ما وافق الذي في صحيح البخاري، وأما الزيادة فهذه يحكم عليها بما يناسبها، فقد تكون زيادة شاذة أو منكرة ونحو ذلك.
-أما الأحاديث الواردة في فضائل الأعمال أو الواردة في باب الترغيب والترهيب، فإن قاعدة المحدثين فيه معروفة، وعبارتهم مشتهرة؛ مثل: سفيان الثوري، عبد الله بن المبارك، والإمام أحمد وورد أيضا عن عبد الرحمن بن المهدي وغيرهم, حينما يقولون: إذا روينا في الحرام والحلال شددنا، ويَقبل الواحد منهم، وإذا روينا في الفضائل؛ تساهلنا.

تعامل المفسر مع مرويات التفسير:

أولا: لا يمكن القول بأنه لا يفسر القرآن إلاّ محدث يملك الآلة والقدرة؛ لأن هذا تجرير واسعاً.
ثانيا: أن يعمد إلى ما وجده من روايات فينظر في أحكام الأئمة عليها مادام أنه يمكن أن يكون محكوماً في هذا، ليس بشرط أن يجتهد هو في تمحيص تلك الرواية؛ وإنما قد يكونوا هناك بعض الأئمة الذين حكموا على هذه المرويات، مثل (كتاب العلل لابن أبي حاتم)، أو (كتاب العلل للترمذي) أو يأتي لـ(كتاب العلل للدارقطني) أو غير ذلك من كتب العلل_ فيجد فيها بعض المرويات التي أعلها هؤلاء الأئمة؛ فإذا وجد هذه الرواية مما أعله بعض الأئمة؛ فإنه قد خُدم وقد كُفي فيحمد الله على هذه النعمة أنه قد كُفي، ويوضح أن هذا الحديث أعله الإمام الفلاني ويتنبه لهذا ولا يستشهد به، ولا يستدل به؛ بل ينبه عليه، والعكس كذلك، لو وجد هذه الرواية من الروايات التي صححها بعض الأئمة، سواء كانت موجودة في بعض الكتب التي اشترطت الصحة مثل صحيح البخاري، أو صحيح مسلم، أو وجدناها -مثلا- في (كتاب الترمذي), وحكم عليها الترمذي بالصحة ولم يُخالف من إمام آخر.
مع الانتباه إلي أن التعامل مع مستدرك الحاكم وابن حبان ينبغي أن يكون فيه جهد أكثر بالنظر إلى الأسانيد ولا نكتفي بحكمهم. وقد تعقب الذهبي الحاكم في بعض المواضع.
فالمفسر إذا لم يكن له علم بمعرفة صحيح أسانيد التفسير، فإنه إذا نظر في حديث فوجد فيها مثلا ابن لهيعة، وعرف -مثلا- ضعف ابن لهيعة مطلقاً، أو عرفه عن طريق (تقريب التهذيب)؛ فإنه لا يستشهد بهذه الرواية في حالته العجلى. كما يمكن أن يستعين بمن يمكن أن يخدمه في هذا من طلبة العلم المعروفين بالقدرة على الحكم على الأحاديث
ثالثا: ولا بأس أن يتوقف عن قبول الرواية لوجود تلك العلة الظاهرة؛ (العلة الظاهرة): إما سقط ظاهر في الإسناد, وإما وجود راوٍ مطعون فيه؛ إما في عدالته أو ضبطه, وأما بالنسبة للعلل الخفية, أو الحكم الجازم على الرواية ضعفاً، أو تصحيحاً فإن هذا يحتاج إلى دقة.
أما إذا كان المفسر قد تزود من علم الحديث، بحيث صار يملك القدرة على الحكم على الحديث، وعنده الآلة التي تعينه فهذا خير إلى خير.
_____________________________________________

مسائل متفرقة في الأسئلة

حول الإسناد:


الرجل العدل الثقة قد يوهم والبعض يسمى هذا الوهم كذبا؛ لأنه نقلا لحديث خلاف الواقع.
فقد حكى عن يحيى بن سعيد القطان وغيره، حينما قال:"لم نرالصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث"، عجيب! يكون "صالحا"، ويكون "كاذبا في الحديث"؟، قال: "نعم، يجري الكذب على ألسنتهم ولا يتعمدونه".
وهذا لابد من نقد روايته وبيانه.
مثاله: كما فعل مسلم بن الحجاج أيضا، حينما نقل عن عبد الله بن المبارك، في قصته مع عباد بن كثير، وذهابه إلى شيخيه، الإمام مالك وسفيان الثوري -رحمة الله تعالى على الجميع- وقال: "إنّ عباد بن كثير ممن تعلمون حاله، وإذا حدّث حدّث بأمر عظيم، أفترون أن نبيّن حاله؟" قالا: "بلى، بيّن حاله."، فكان عبد الله بن المبارك، إذا ذكر عباد بن كثير في مجلس، أثنى عليه في دينه، ثمّ بيّن مكانته في الحديث -أو بيّن ما يؤخذ عليه في الحديث-، هذا ما يكون من باب الإخبار بخلاف الواقع لا عن عمد، وإنّما عن توهم، أمّا ما يكون عن عمد فإنّ هذا الأمر واضحٌ جدا، بأنه لا بد من ردّه، ولا بد من الحكم عليه.
علم العلل: علم علل الحديث مبناه على أوهام الثقات؛ لأنه علم نشأ لبيان أوهام الثقات.
الضعف في الرواية:
الضعف يختلف؛ فهو إما بسبب سقط في الإسناد، وإما بسبب طَعْن في الراوي، هذا في حقيقته، وما يكون من طعن في الراوي، فإن هذا الطعن إما أن يكون إما في عدالته، وإما في حفظه، وإما في صفة روايته، وهذا مما أرجو أن يُتنبه له؛ لأن الذي شاع أن الطعن في الراوي إما أن يكون في العدالة أو الضبط، وهذا صحيح، لكن أيضا يُمكن أن يكون الطعن في صفة روايته، وإن كان هذا سيعود إلى سبب من أسباب الضعف الأخرى كالسقط في الإسناد.


الإسناد المعنعن:
- قبوله مختلف فيه، وكان هناك من لا يقبله كشعبة بن الحجاج لكن بعد ذلك فرضت عليهم الضرورة قبول الإسناد المعنعن، و وضعوا لها شروط لكن أبرز هذه الشروط ما عُرف بأنه شرط البخاري وشرط مسلم.
- إذا جاء إسناد معنعن من طريقين وفي أحدهما زيادة على الآخر؛ فإننا نأخذ بالإسناد الزائد.
ولا يأخذون بالإسناد الناقص إلا مع توفُّر شرطين:
الشرط الأول (وهو الأهم):
أن يقع التصريح بالسماع في موضع الزيادة.
والشرط الثاني:
أن يكون من نَقَص أكثر عدداً أو أحفظ ممن زاد.
فإن توفر هذان الشرطان أخذوا بالإسناد الناقص، وإلا فالأصل الأخذ بالإسناد الزائد.


أسانيد القراءات:
-بالنسبة لجهالة بعض رجال الإسناد فهذا لا ينبغي التشدد فيه.
-بالنسبة لوجود سقط في الإسناد فهذا ينبغي التنبيه عليه ولا يصح أن يكون الإسناد فيه سقط.
- ينبغي للإنسان الذي يريد أن يعتني بإسناد ويكون إسناده إسنادًا على الأقل مقبولاً أن يتعرف على رجال الإسناد بما أمكنه، وأن يعتني بسلامة هذا الإسناد خاصة بالنظر في الكتب التي يذكر فيها هذا الإسناد؛ يعني لا يكتفي مثلا بإعطاء شيخه له هذا الإسناد فإنه قد يكون هذا الشيخ ليس من الذين يميزون هذه الأسانيد، وربما كان شيخ شيخه وهلم جرا.

المراسيل في التفسير:

منها: ما يمكن أن تتقوى وتقبل خاصة إذا كانت على طريقة الإمام الشافعي.
وهذه المراسيل التي اتفقوا على قبولها بشروط، ومنها مراسيل كبار التابعين: إما مراسيل المخضرمين من التابعين، كعبيد الله بن عدي بن الخيار وغيره، أو الكبار من التابعين وإن لم يكونوا من المخضرمين، كسعيد بن المسيب -رحمة الله تعالى عليه- ونحو هؤلاء.
الأواسط من التابعين، كالحسن البصري وابن سيرين، فيهم تفصيل، منهم من يقبل، ومنهم من يرد ومنهم من يفصل في أحوالهم.
ومنها: ما لا يمكن أن تتقوى، ولا يمكن قبولها بحال؛ لأن فيها ما يخالف الشرع كقصة الغرانيق وقصة ثعلبة. ومن المراسيل الرديئة مراسيل الزهري وقتادة ومجاهد.

الوضع في الحديث:
الوضع في الحديث إنما نشأ بعد فتنة مقتل عثمان -رضي الله تعالى عنه- كما قال ابن سيرين رحمه الله تعالى: (لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلمّا وقعت الفتنة، قالوا: سمّوا لنا رجالكم)، فينظر إلى أهل السنة فيقبل حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فيترك حديثهم.

بالنسبة لحكم الشيخ الألباني على الحديث:

إذا صحح الشيخ الألباني حديث وكان الأئمة الكبار في الحديث الذين عرفوا بأنهم من جهابذة علم العلل، ومن النقّاد مثل: الإمام أحمد وعلي بن المديني والبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والدارقطني وأمثال هؤلاء أعل الحديث فإن المعتمد قولهم.
أما إذا عارض حكم الألباني آخرون كالحاكم، وابن حبان، والنووي، وأمثال هؤلاء، ثم وجدنا أحد أئمة النقد، أو عدداً من أئمة النقد يُعِلُّون ذلك الحديث مثل من سمَّيت: كالإمام أحمد، وعلي بن المديني، والبخاري، ومسلم وأمثال هؤلاء؛ فإن العمدة على تعليله مثل ما رأيناه مثلاً من تعليل حديث الأذنان من الرأس، أو البسملة في الوضوء، ونحو ذلك.
ثم يقوي هؤلاء العلماء هذا الحديث أو يصححونه أو يُحسنونه بمجموع طُرقه؛ فإن العمدة على أحكام أولئك الأئمة الكبار.

من الكتب التي ينصح طالب علم التفسير بدراستها في مصطلح الحديث:

نخبة الفكر مع بعض شروحها هذا على الأقل.

رد مع اقتباس
  #40  
قديم 16 رمضان 1436هـ/2-07-2015م, 02:05 AM
أمل عبد الرحمن أمل عبد الرحمن غير متواجد حالياً
هيئة الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2009
المشاركات: 8,163
افتراضي

اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة إسراء خليفة مشاهدة المشاركة
بلغة المفسّر من علوم الحديث

مقدمات:
الكلام على نوعين منه
الإنشاء ومنه الخبر

فالإنشاء: لا يستطيع إنسان أن ينكر على آخر ما أنشأه من كلام؛ لأنه لا يحتاج إلى مبدأ التثبت؛ فهو لا يفتقر إلى علوم الآلة التي وضعت لقبول الأخبار وردها.
والخبر: هو الذي يحتاج إلى التثبت وإلى ما يضبطه؛ لنعلم هل هو صحيح أو غير صحيح، هل هو مقبول أو مردود، هل هو صدق أو كذب؛ ولهذا نجد أن علوم الحديث حينما وضعها المحدثون وضعوها لتكون ضوابط لقبول الأخبار وردها.

الكلام الوارد في التفسير:

الكلام الوارد في التفسير على نوعين؛ إما أن يكون إنشاءً، وإما أن يكون خبرًا
إذا كان إنشاءً:
يجب النظر إلى قواعد المفسرين لقبول التفسير؛ ومنها: أن يكون موافقا للغة العرب، وإذا كان ليس هناك اعتراض عليه؛ فليس هناك حاجة للتثبت.
مثاله: قول الله جل وعلا: {رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ}
جاء عن السلف في تفسيره:
-أن الصر هنا هو البْرد
-أو البَرد
- أو أنه الصوت
- أو الحركة
- أو أنه النار؛ ريح فيها نار أو نحو ذلك.
وهذا كله من باب الإنشاء وليس من باب الخبر هذا لو افترضنا أننا في مجلس الصحابي أو التابعي الذي فسر اللفظ بهذا التفسير، بخلاف لو نُقل إلينا.

القواعد التي وضعها المفسرون لتفسير القرآن

فأولها:تفسير القرآن بالقرآن: مثلما فسر النبي صلى الله عليه وسلم الظلم بالشرك. فلمّا قرأ النبي صلى الله عليه وسلم: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون …}الآية من سورة الأنعام؛ تعاظم الصحابة رضي الله تعالى عنهم ذلك، وقالوا: "يا رسول الله، وأينا لم يظلم نفسه؟"، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه ليس الظلم الذي تعنون، أولم تسمعوا إلى ما قال العبد الصالح: {يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم}"
وثانيها:تفسير القرآن بالسنة.
وثالثها:تفسير القرآن بأقوال الصحابة، ثم تفسير القرآن بأقوال التابعين، ثم تفسير القرآن بلغة العرب.

غالبا تفسير القرآن بالقرآن يكون في آيات محدودة؛ ولذا نحتاج إلى تفسير القرآن بالسنة.
ومن كتب التفسير المفيدة في ذلك والتي تروي بالإسناد: تفسير عبد الرزاق، أو تفسير سفيان الثوري، أو تفسير ابن جرير الطبري، أو تفسير ابن المنذر، أو تفسير سعيد بن منصور، أوتفسير ابن أبي حاتم.
وكثير من كتب الأحاديث أفردت كتابًا بأكمله للتفسير مثل صحيح البخاري ومسلم وجامع الترمذي والسنن الكبرى للنسائي.
وبعض العلماء جمع بين الحديث وبين القدرة على تفسير كتاب الله كالحافظ ابن كثير رحمه الله.

التعامل مع مرويات التفسير

-لا بد أن ننظر إلى مرويات التفسير التي وردت في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وما يلتحق بها من أقوال الصحابة وأقوال التابعين للتثبت من صحته إلي قائله؛ كالتعامل مع المرويات الواردة في الفقه والحديث وغيره.
مثال في سبب نزول قوله تعالى{وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ *}
قال ابن أبي حاتم: سألت أبي عن حديثٍ رواه يوسف ابن موسى قال حدثنا عبيد الله ابن موسى قال حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله بن عبد الله عن ابن عباس أن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كان يحب امرأة فاستأذن النبي صلى الله عليه وسلم في حاجةٍ فأذن له فانطلق في يومٍ مطير فإذا هو بامرأة يعني بتلك المرأة على غدير ماءٍ تغتسل فلما جلس منها مجلس الرجل من المرأة ذهب يحرك ذكره فإذا هو كأنه هدبة، فذكر ذلك، فقال النبي: "أربع ركعاتٍ" يعني صلي أريع ركعاتفأنزل الله عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاَةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ *} لما سأل ابن أبي حاتم أباه عن هذا الحديث، قال أبوه هذا خطأ.
وللعلماء كلام في هذا الحديث يصل إلى حد التكذيب فالإمام أحمد رحمه الله كما في كتاب العلل بن عبد الله يقول: "ما أرى هذا إلا كذابًا أو كذبًا"، وأنكره جداً.

مرويات التفسير من حيث خضوعها لقواعد المحدثين:

لا يطلق القول: (بأنه لا تطبق قواعد المحدثين على مرويات التفسير)، فإن إطلاق القول هكذا جزافاً؛ غلط، بل الأصل أن تطبق قواعد المحدثين على المرويات، ولكن يمكن أن يتسامح في قبول بعض المرويات.
فمنها: ما يجب أن يخضع لقواعد المحدثين ولا ينبغي التساهل فيه كالمثال السابق ذكره، وكالروايات التي تتضمن أحكاما.
ومنها: ما يمكن التساهل فيه؛ وهو مما له وجه من جهة اللغة؛ لأن العربي يفهمها مباشرة دون الحاجة إلى ما يفسرها كقوله تعالى"بسم الله الرحمن الرحيم".
وهذا مفيد في باب التدبر ما لم يؤد محذور كالقول على الله بغير علم أو الإئتيان بقول لا أصل له.
أما إذا أدى لمحذور فهذا مردود ولا يمكن أن يقال عنه أنه تدبر، كالذي يفسر قوله تعالى"يأمركم أن تذبحوا بقرة" بأن البقرة عائشة.
مثل: تسامح المحدثين من قبول رواية (الضحاك عن ابن عباس) وهي منقطعة، بل أشد من ذلك، من قبول رواية (جويبر بن سعيد عن الضحاك)؛ سواء عن (الضحاك) من قوله، أو من رواية (الضحاك عن ابن عباس)، فإن بعض المحدثين تسمحوا في هذا بل استحسنوا هذه الرواية، وذلك إذا كانت هذه الرواية ليست متضمنة أحكاما؛ لأنه إذا كانت متضمنة أحكاما فلابد من خضوعها لقواعد المفسرين.
-وقديما كانوا يطلقون على الحديث أنه حسن وإن كان فيه ضعف يمكن أن يسامح فيه وليس المقصود بذلك أنه حسن على المعنى المعروف في مصطلحات الحديث. وممن استخدم ذلك اللفظ عبد الله بن المبارك، وكيع بن الجراح، الإمام الشافعي، والإمام أحمد، أو علي بن المَديني، أو أبي حاتم الرازي، أو البخاري، أو غيرهم، فهذا موجود في كلامهم بكثرة، ولكن الترمذي رحمه الله تعالى، مِن أكثر من أشاع ذلك وأشهره، وأكثر من ذِكْرِه.

الإسرائليات الواردة في التفسير:

بعض المرويات في كتب التفسير تروى كأنها مرفوعة إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو أنها من أقوال الصحابة، مثل ما نجده في تفسير قول الله جل وعلا: {ببابل هاروت وماروت}والقصة الطويلة جداً، والراجح أنها من الإسرائيليات كما ذكر ذلك الحافظ ابن كثير، وأنها من الزاملتين اللتين أصابهما عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله تعالى عنهما.
قبول الإسرائليات:
-منها من نقبله وهو ما يكون موافقا للشرع، ويكون هذا من الذي صح عن أهل الكتاب.
-ومنها ما يرد إذ خالف مع في شرعنا مثل قولهم أن لوطا شرب الخمر ففجر بابنتيه؛ فهذا افتراء بالقطع.
-ومنها: ما يتوقف في قبوله ورده؛ لأنه ليس هناك ما يدل على صدقها أو كذبها؛ فنطبّق معها قول النبي صلى الله عليه وسلم: " لا تصدّقوا أهل الكتاب ولا تكذّبوهم، وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم"، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: "حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج".
وهذه التي لا نعلم صدقها من كذبها يجوز لنا أن نحدّث بها، ولا حرج في ذلك، لكن ليس معنى التحديث بها التسليم بصحتها.
حينما تتشوف النفوس مثلا لعدة أصحاب الكهف، أو إلى لون كلبهم.
ملحوظة: من المفيد جمع المرويات الواردة في تفسير كتاب الله من مصنفات الأحاديث في الأبواب المختلفة وضمها إلى كتب التفاسير.

تعامل المحدثين مع الأحاديث:

-إذا كانت الأحاديث متضمنة لأحكام وليس لهذه الأحكام أحاديث أخرى تضمنتها فهنا يجب تطبيق قواعد المحدثين وعدم التساهل.
-إذا كانت الأحاديث متضمنة أحكاما وهذه الأحاديث في شيء من الضعف وكانت ثمت شواهد من أحاديث أخرى تضمنت هذه الأحكام؛ فيمكن التساهل في قبول هذه الأحاديث.
ولكن بشرط أن تكون هذه الشواهد صحيحة، وألا يكون هذا الحديث الضعيف فيه زيادة حكم شرعي، فحينئذ إذا اتفق مع الحديث الأصل في باقي اللفظ أو في باقي المعنى فإننا نأخذ ما اتفق فيه ولا نقبل هذه الزيادة.
مثل قصة ثمامة بن أثال رضي الله تعالى عنه التي بمصنف عبد الرزاق، وأصلها في صحيح البخاري؛ في مصنف عبد الرزاق تضمنت حكما من أحكام الطهارة، لا يوجد في الرواية التي توجد في صحيح البخاري، وإنما هذا الحكم موجود في مصنف عبد الرزاق وهو يتعلق –فيما أذكر- بحكم الاغتسال لمن أسلم، فهل تقبل هذه الرواية بحذافيرها –رواية عبد الرزاق- ؟
فهنا لا نقبل منها إلا ما وافق الذي في صحيح البخاري، وأما الزيادة فهذه يحكم عليها بما يناسبها، فقد تكون زيادة شاذة أو منكرة ونحو ذلك.
-أما الأحاديث الواردة في فضائل الأعمال أو الواردة في باب الترغيب والترهيب، فإن قاعدة المحدثين فيه معروفة، وعبارتهم مشتهرة؛ مثل: سفيان الثوري، عبد الله بن المبارك، والإمام أحمد وورد أيضا عن عبد الرحمن بن المهدي وغيرهم, حينما يقولون: إذا روينا في الحرام والحلال شددنا، ويَقبل الواحد منهم، وإذا روينا في الفضائل؛ تساهلنا.

تعامل المفسر مع مرويات التفسير:

أولا: لا يمكن القول بأنه لا يفسر القرآن إلاّ محدث يملك الآلة والقدرة؛ لأن هذا تجرير واسعاً (تحجير واسع).
ثانيا: أن يعمد إلى ما وجده من روايات فينظر في أحكام الأئمة عليها مادام أنه يمكن أن يكون محكوماً في هذا، ليس بشرط أن يجتهد هو في تمحيص تلك الرواية؛ وإنما قد يكونوا هناك بعض الأئمة الذين حكموا على هذه المرويات، مثل (كتاب العلل لابن أبي حاتم)، أو (كتاب العلل للترمذي) أو يأتي لـ(كتاب العلل للدارقطني) أو غير ذلك من كتب العلل_ فيجد فيها بعض المرويات التي أعلها هؤلاء الأئمة؛ فإذا وجد هذه الرواية مما أعله بعض الأئمة؛ فإنه قد خُدم وقد كُفي فيحمد الله على هذه النعمة أنه قد كُفي، ويوضح أن هذا الحديث أعله الإمام الفلاني ويتنبه لهذا ولا يستشهد به، ولا يستدل به؛ بل ينبه عليه، والعكس كذلك، لو وجد هذه الرواية من الروايات التي صححها بعض الأئمة، سواء كانت موجودة في بعض الكتب التي اشترطت الصحة مثل صحيح البخاري، أو صحيح مسلم، أو وجدناها -مثلا- في (كتاب الترمذي), وحكم عليها الترمذي بالصحة ولم يُخالف من إمام آخر.
مع الانتباه إلي أن التعامل مع مستدرك الحاكم وابن حبان ينبغي أن يكون فيه جهد أكثر بالنظر إلى الأسانيد ولا نكتفي بحكمهم. وقد تعقب الذهبي الحاكم في بعض المواضع.
فالمفسر إذا لم يكن له علم بمعرفة صحيح أسانيد التفسير، فإنه إذا نظر في حديث فوجد فيها مثلا ابن لهيعة، وعرف -مثلا- ضعف ابن لهيعة مطلقاً، أو عرفه عن طريق (تقريب التهذيب)؛ فإنه لا يستشهد بهذه الرواية في حالته العجلى. كما يمكن أن يستعين بمن يمكن أن يخدمه في هذا من طلبة العلم المعروفين بالقدرة على الحكم على الأحاديث
ثالثا: ولا بأس أن يتوقف عن قبول الرواية لوجود تلك العلة الظاهرة؛ (العلة الظاهرة): إما سقط ظاهر في الإسناد, وإما وجود راوٍ مطعون فيه؛ إما في عدالته أو ضبطه, وأما بالنسبة للعلل الخفية, أو الحكم الجازم على الرواية ضعفاً، أو تصحيحاً فإن هذا يحتاج إلى دقة.
أما إذا كان المفسر قد تزود من علم الحديث، بحيث صار يملك القدرة على الحكم على الحديث، وعنده الآلة التي تعينه فهذا خير إلى خير.
_____________________________________________

مسائل متفرقة في الأسئلة

حول الإسناد:


الرجل العدل الثقة قد يوهم والبعض يسمى هذا الوهم كذبا؛ لأنه نقلا لحديث خلاف الواقع.
فقد حكى عن يحيى بن سعيد القطان وغيره، حينما قال:"لم نرالصالحين في شيء أكذب منهم في الحديث"، عجيب! يكون "صالحا"، ويكون "كاذبا في الحديث"؟، قال: "نعم، يجري الكذب على ألسنتهم ولا يتعمدونه".
وهذا لابد من نقد روايته وبيانه.
مثاله: كما فعل مسلم بن الحجاج أيضا، حينما نقل عن عبد الله بن المبارك، في قصته مع عباد بن كثير، وذهابه إلى شيخيه، الإمام مالك وسفيان الثوري -رحمة الله تعالى على الجميع- وقال: "إنّ عباد بن كثير ممن تعلمون حاله، وإذا حدّث حدّث بأمر عظيم، أفترون أن نبيّن حاله؟" قالا: "بلى، بيّن حاله."، فكان عبد الله بن المبارك، إذا ذكر عباد بن كثير في مجلس، أثنى عليه في دينه، ثمّ بيّن مكانته في الحديث -أو بيّن ما يؤخذ عليه في الحديث-، هذا ما يكون من باب الإخبار بخلاف الواقع لا عن عمد، وإنّما عن توهم، أمّا ما يكون عن عمد فإنّ هذا الأمر واضحٌ جدا، بأنه لا بد من ردّه، ولا بد من الحكم عليه.
علم العلل: علم علل الحديث مبناه على أوهام الثقات؛ لأنه علم نشأ لبيان أوهام الثقات.
الضعف في الرواية:
الضعف يختلف؛ فهو إما بسبب سقط في الإسناد، وإما بسبب طَعْن في الراوي، هذا في حقيقته، وما يكون من طعن في الراوي، فإن هذا الطعن إما أن يكون إما في عدالته، وإما في حفظه، وإما في صفة روايته، وهذا مما أرجو أن يُتنبه له؛ لأن الذي شاع أن الطعن في الراوي إما أن يكون في العدالة أو الضبط، وهذا صحيح، لكن أيضا يُمكن أن يكون الطعن في صفة روايته، وإن كان هذا سيعود إلى سبب من أسباب الضعف الأخرى كالسقط في الإسناد.


الإسناد المعنعن:
- قبوله مختلف فيه، وكان هناك من لا يقبله كشعبة بن الحجاج لكن بعد ذلك فرضت عليهم الضرورة قبول الإسناد المعنعن، و وضعوا لها شروط لكن أبرز هذه الشروط ما عُرف بأنه شرط البخاري وشرط مسلم.
- إذا جاء إسناد معنعن من طريقين وفي أحدهما زيادة على الآخر؛ فإننا نأخذ بالإسناد الزائد.
ولا يأخذون بالإسناد الناقص إلا مع توفُّر شرطين:
الشرط الأول (وهو الأهم):
أن يقع التصريح بالسماع في موضع الزيادة.
والشرط الثاني:
أن يكون من نَقَص أكثر عدداً أو أحفظ ممن زاد.
فإن توفر هذان الشرطان أخذوا بالإسناد الناقص، وإلا فالأصل الأخذ بالإسناد الزائد.


أسانيد القراءات:
-بالنسبة لجهالة بعض رجال الإسناد فهذا لا ينبغي التشدد فيه.
-بالنسبة لوجود سقط في الإسناد فهذا ينبغي التنبيه عليه ولا يصح أن يكون الإسناد فيه سقط.
- ينبغي للإنسان الذي يريد أن يعتني بإسناد ويكون إسناده إسنادًا على الأقل مقبولاً أن يتعرف على رجال الإسناد بما أمكنه، وأن يعتني بسلامة هذا الإسناد خاصة بالنظر في الكتب التي يذكر فيها هذا الإسناد؛ يعني لا يكتفي مثلا بإعطاء شيخه له هذا الإسناد فإنه قد يكون هذا الشيخ ليس من الذين يميزون هذه الأسانيد، وربما كان شيخ شيخه وهلم جرا.

المراسيل في التفسير:

منها: ما يمكن أن تتقوى وتقبل خاصة إذا كانت على طريقة الإمام الشافعي.
وهذه المراسيل التي اتفقوا على قبولها بشروط، ومنها مراسيل كبار التابعين: إما مراسيل المخضرمين من التابعين، كعبيد الله بن عدي بن الخيار وغيره، أو الكبار من التابعين وإن لم يكونوا من المخضرمين، كسعيد بن المسيب -رحمة الله تعالى عليه- ونحو هؤلاء.
الأواسط من التابعين، كالحسن البصري وابن سيرين، فيهم تفصيل، منهم من يقبل، ومنهم من يرد ومنهم من يفصل في أحوالهم.
ومنها: ما لا يمكن أن تتقوى، ولا يمكن قبولها بحال؛ لأن فيها ما يخالف الشرع كقصة الغرانيق وقصة ثعلبة. ومن المراسيل الرديئة مراسيل الزهري وقتادة ومجاهد.

الوضع في الحديث:
الوضع في الحديث إنما نشأ بعد فتنة مقتل عثمان -رضي الله تعالى عنه- كما قال ابن سيرين رحمه الله تعالى: (لم يكونوا يسألون عن الإسناد، فلمّا وقعت الفتنة، قالوا: سمّوا لنا رجالكم)، فينظر إلى أهل السنة فيقبل حديثهم، وينظر إلى أهل البدع فيترك حديثهم.

بالنسبة لحكم الشيخ الألباني على الحديث:

إذا صحح الشيخ الألباني حديث وكان الأئمة الكبار في الحديث الذين عرفوا بأنهم من جهابذة علم العلل، ومن النقّاد مثل: الإمام أحمد وعلي بن المديني والبخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والدارقطني وأمثال هؤلاء أعل الحديث فإن المعتمد قولهم.
أما إذا عارض حكم الألباني آخرون كالحاكم، وابن حبان، والنووي، وأمثال هؤلاء، ثم وجدنا أحد أئمة النقد، أو عدداً من أئمة النقد يُعِلُّون ذلك الحديث مثل من سمَّيت: كالإمام أحمد، وعلي بن المديني، والبخاري، ومسلم وأمثال هؤلاء؛ فإن العمدة على تعليله مثل ما رأيناه مثلاً من تعليل حديث الأذنان من الرأس، أو البسملة في الوضوء، ونحو ذلك.
ثم يقوي هؤلاء العلماء هذا الحديث أو يصححونه أو يُحسنونه بمجموع طُرقه؛ فإن العمدة على أحكام أولئك الأئمة الكبار.

من الكتب التي ينصح طالب علم التفسير بدراستها في مصطلح الحديث:

نخبة الفكر مع بعض شروحها هذا على الأقل.
أحسنت بارك الله فيك ونفع بك
التقييم:
- الشمول (اشتمال التلخيص على مسائل الدرس) 30/30
- الترتيب (ترتيب المسائل ترتيبًا موضوعيًا) 20/20
- التحرير العلمي (استيعاب الأقوال في المسألة وترتيبها وذكر أدلتها وعللها ومن قال بها) 19/20
- الصياغة (حسن صياغة المسائل وتجنب الأخطاء الإملائية واللغوية ومراعاة علامات الترقيم) 15/15
- العرض (حسن تنسيق التلخيص وتنظيمه وتلوينه) 15/15

النسبة: 99/100
وفقك الله

رد مع اقتباس
  #41  
قديم 11 صفر 1437هـ/23-11-2015م, 01:28 AM
الصورة الرمزية إسراء خليفة
إسراء خليفة إسراء خليفة غير متواجد حالياً
برنامج الإعداد العلمي - المستوى السادس
 
تاريخ التسجيل: Jul 2014
الدولة: مصر
المشاركات: 1,182
افتراضي مقدمة ابن كثير / واجب المجلس

أجب عما يلي:
1:
اذكر المقاصد الرئيسة التي اشتملت عليها مقدمة تفسير ابن كثير.
- بيان بعض الفوائد والقواعد في أصول التفسير.
- بيان فضل القرآن، وآداب تلاوته وأحكامه.
- بيان كيفية جمع القرآن، ومعنى نزوله على سبعة أحرف.
2:
اذكر حكم التفسير، وبيّن فضله.
- ما لا يقوم دين المسلم إلا به فتعلمه واجب على كل مسلم، وما زاد على ذلك فهو فرض كفاية.
- يجب على العلماء الكشف عن معاني كلام الله، وتفسير ذلك، وطلبه في مظانه، وتعلم ذلك وتعليمه، قال تعالى{وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليلا فبئس ما يشترون}[آل عمران: 187]، وقال تعالى: {إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم}[آل عمران: 77].، فذم الله سبحانه وتعالى أهل الكتاب لإعراضهم عن كتاب الله إليهم، وإقبالهم على الدنيا وجمعها.

3:
ما هي أحسن طرق التفسير؟ وكيف نفسّر ما لا نجده في الوحيين ولا في أقوال الصحابة؟
أحسن طرق التفسير:
- تفسير القرآن بالقرآن.
- ثم تفسيره بالسنة.
نفسره ما لا نجد تفسيره في الوحيين ولا أقوال الصحابة:
- بأقوال التابعين.
- ثم بلغة العرب.

4:
تكلّم باختصار عن فضل القرآن.
- القرآن مهيمن على ما قبله من الكتب {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه}
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما من الأنبياء نبي إلا أعطي ما مثله آمن عليه البشر، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة )).
- القرآن فيه إنذار للعالمين{تبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا}
- القرآن معجز، فلا يستطيع الثقلين أن يأتوا بمثله ولو اجتمعوا {قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا}
وتحدى الله المشركون أن يأتوا بعشر سور مثله أو بسورة واحدة{أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين}[هود: 13]
، فقال: {أم يقولون افتراه قل فأتوا بسورة مثله وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين}
5:
تكلّم باختصار عن مراحل جمع القرآن.
في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم:
-كان الصحابة يكتبون ما يسمعون من النبي في الرقاع واللخاف والعسب.
- ومن الصحابة من كان يحفظ القرآن في صدره؛ كعبد الله بن مسعود وأبي بن كعب وزيد بن ثابت.
في عهد أبي بكر:
- أشار عليه عمر بعد موقعة اليمامة بجمع القرآن لمقتل عدد كبير من حملته فتردد أبو بكر في ذلك ثم شرح الله صدره لذلك، وأرسل إلى زيد بن ثابت ليجمعه فتردد زيد في أول الأمر ثم شرح الله صدره لذلك.
- جمع أبو بكر القرآن في مصحف واحد وبقي عنده حتى وفاته، ثم عند عمر، ثم عند حفصة.
في عهد عثمان:
- لما كثرت اختلافات القراء، ذهب حذيفة بن اليمان لعثمان رضي الله عنه يُنبئه بذلك ويحثه على إدراك الناس قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى.
- قرر عثمان أن يجمع الناس على قراءة واحدة، فأرسل إلى حفصة طالبا منها المصحف الذي عندها لينسخه.
- نسخ عثمان من المصحف أربع نسخ بعث بها إلى الأمصار، وقيل سبعة نسخ.
- حرق عثمان بقية المصاحف التي تخالف المصحف الإمام، وذلك على مرأى من الصحابة ورضاهم.

6:
ما المقصود بالأحرف السبعة، وما معنى نزول القرآن على سبعة أحرف؟
( في الحقيقة لم أفهم الفرق بين شقي السؤال )
المقصود بالأحرف السبعة:
سبعة أوجه في القراءة.
معنى نزول القرآن على سبعة أحرف:
- سبعة أوجه من المعاني المتقاربة بألفاظ مختلفة.
- أن القرآن نزل على سبعة أحرف، وليس المراد أن جميعه يقرأ على سبعة أحرف، ولكن بعضه على حرف وبعضه على حرف آخر.
- أن لغات القرآن السبعة محصورة في مضر على اختلاف قبائلها.
- أن وجوه القراءات ترجع لسبعة أشياء:
منها: ما تتغير حركته ولا تتغير صورته ولا معناه مثل " يضيقُ صدري" و يضيقَ
منها: ما تتغير حركته ولا تتغير صورته ويختلف معناه مثل "باعِد بين أسفارنا " وباعَد
منها: ما يكون الاختلاف في الصورة والمعنى بالحرف مثل "ننشزها" وننشرها
منها: ما يكون الاختلاف بالكلمة مع بقاء المعنى مثل " العهن المنفوش" و" الصوف المنفوش"
7: بيّن فضل تلاوة القرآن، واذكر أهم الآداب الواجبة أثناء التلاوة.
فضله:
- عبادة لله رب العالمين، وللقارئ بكل حرف عشر حسنات.
- الذي لا شيء في جوفه من القرآن كالبيت الخرب.
- هي أول درجات تعلم القرآن، وسبيل للاهتداء به.
- شفاعة القرآن له يوم القيامة.
- رفع درجات في الآخرة.
أهم الآداب الواجبة عند تلاوة القرآن الكريم:
- الإخلاص.
- الطهارة من الحدث الأكبر والأصغر.
- استقبال القبلة.
- التسوك.
- التغني بالقرآن وترتيله.
- الوقوف عند رؤوس الآي.

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الطالبة, صفحة


الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 02:03 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir