●المقصد الرئيس للباب : الأول
بيان كيفية نزول القرآن وجمعه
●المقاصد الفرعية للباب:
أ: بيان وقت نزول القرآن وكيفية والحكمة من ذلك
ب: بيان كيفية جمع القرآن
ج:مناسبة بعض الآيات والسور
:د أنواع النسخ في القرآن
●تلخيص مقاصد الباب:
أ: بيان وقت نزول القرآن وكيفية والحكمة من ذلك
- فأما وقت نزول القرآن
قال الله تعالى{إنا أنزلناه في ليلة مباركة}وقال تعالى {إنا أنزلناه في ليلة القدر} وقال تعالى : {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}
فقيل في ذلك :
الليلة المباركة هي ليلة النصف من شعبان، وأن قوله تعالى: {أنزل فيه القرآن}معناه: أنزل في شأنه وفضل صيامه وبيان أحكامه، وأن ليلة القدر توجد في جميع السنة لا تختص بشهر رمضان، بل هي منتقلة في الشهور على ممر السنين،واتفق أن وافقت زمن إنزال القرآن ليلة النصف من شعبان
وهذا القول باطل من عدة وجوه :
1- قد وردت الأحاديث الصحيحة في بيان ليلة القدر وصفاتها وأحكامها وأنها توجد في شهر رمضان خاصة وقد أمر النبي -صلى الله عليه وسلم- بالتماسها في العشر الأخير منه وهذا ثابت بالسنة .
2- أنه لا يوجد ليلة هي أبرك من ليلة القدر التى فيها العبادة خير من ألف شهر وقد أرشد إلى ذلك قوله تعالى:{فيها يفرق كل أمر حكيم}فهو موافق لمعنى تسميتها بليلة القدر؛ لأن معناه التقدير .
3- وقد ورد الخبر عن ابن عباس -رضي الله عنهما-، وهو ابن عم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المشهود له بأنه حبر الأمة وترجمان القرآن في جوابه عن سؤال عطية بن الأسود ( إنه قد وقع في قلبيالشك في قول الله عز وجل: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}، وقوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}، وقوله سبحانه: {إنا أنزلناه في ليلة مباركة}، وقد أنزل في شوال وذي القعدة وذي الحجة... يعني وغير ذلك من الأشهر.
فقال ابن عباس رضي الله عنهما: إنه أنزل في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة )أخرجه الحافظ أبو بكر البيهقي في "كتاب الأسماء والصفات
سؤال : في أي زمان نزل جملة إلى السماء الدنيا، أبعد ظهور نبوة محمد صلى الله عليه وسلم أم قبلها؟
الظاهر أنه قبلها، وكلاهما محتمل،فإن كان بعدها، فالأمر على ما ذكرناه من التفخيم له ولمن أنزل عليه، وإنكان قبلها، ففائدته أظهر وأكثر؛ لأن فيه إعلام الملائكة بقرب ظهور أمة أحمدالمرحومة الموصوفة في الكتب السالفة، وإرسال نبيهم خاتم الأنبياء كما أعلمالله سبحانه وتعالى الملائكة قبل خلق آدم بأنه جاعل في الأرض خليفة.
- وأما في كيفية نزوله
ورد في المقصود بالإنزال الخاص المضاف إلى ليلة القدر أقوال:
أحدها:أنه ابتدئ إنزاله فيها.
وهو قول الشعبي يقصد بذلك إنزاله على النبي صلى الله عليه وسلم وهو متحنث بغار حراء في شهر رمضان
والثاني:أنه أنزل في عشرين ليلة من عشرين سنة
في "كتاب المنهاج" لأبي عبد الله الحليمي قال: كان ينزل من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا في كل ليلة، قدر ما ينزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- إلىالليلة التي تليها، فينزل جبريل عليه السلام ذلك نجوما بأمر الله تعالى فيما بين الليلتين من السنة إلى أن ينزل القرآن كله من اللوح المحفوظ في عشرين ليلة من عشرين سنة.
الثالث : أنه أنزل جملة واحدة
وقد حاول أبو الحسن الماوردي في تفسير قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} الجمع بين القولين الثاني والثالث قال: نزل القرآن في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة من عندالله تعالى من اللوح المحفوظ إلى السفرة الكرام الكاتبين في السماء الدنيا،فنجمته السفرة على جبريل عليه السلام عشرين ليلة، ونجمه جبريل على النبيصلى الله عليه وسلم عشرين سنة، فكان ينزل على مواقع النجوم أرسالا في الشهور والأيام.
الرابع : أنه نزل عرضه وإحكامه في رمضان
عن داود بن أبي هند قال: قلت للشعبي: قوله تعالى: {شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن}،أما نزل عليه القرآن في سائر السنة إلا في شهر رمضان؟ قال: بلى، ولكن جبريل كان يعارض محمدا عليهما السلام بما ينزل عليه في سائر السنة في شهر رمضان. قاله أبو عبيد
زاد الثعلبي في تفسيره: فيحكم الله ما يشاء ويثبت ما يشاء ويمحو ما يشاء وينسيه ما يشاء.
وزاد غير الثعلبي: فلما كان في العام الذي قبض فيه عرضه عرضتين، فاستقر ما نسخ منه وبدل.
والراجح : أنه أنزل جملة واحدة في ليلة واحدة من ليالي القدر ثم نزل مفرقًا بعد ذلك على الرسول صلى الله عليه وسلم ودل على ذلك :
- جواب ابن عباس عن سؤال عطية ابن الأسود (إنه أنزل في رمضان وفي ليلة القدر وفي ليلة مباركة جملة واحدة ثم أنزل بعد ذلك على مواقع النجوم رسلاً في الشهور والأيام) وقوله على مواقع النجوم، أي على مثل مواقع النجوم، ومواقعها مساقطها، يريد أنزل مفرقا يتلو بعضه بعضا على تؤدة ورفق . ذكره البيهقي في كتاب الأسماء والصفات
- حديث يزيد عن ابن عباس رضي الله عنهماقال: أنزل القرآن جملة واحدة إلى سماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل بعدذلك في عشرين سنة ،وقرأ: {وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا}. أخرجه الحاكم أبو عبد الله في "كتاب المستدرك على الصحيحين"
وقيل: فرقناه أي جعلناه آية آية وسورة سورة، وقيل: فصلناه أحكاما وقيل: "فرقناه" بالتشديد أي أنزلناه مفرقا .
- عن سعيد بن جبير عن ابن عباس -رضي الله عنهما- في قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}،قال: أنزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر إلى سماء الدنيا وكان بمواقعالنجوم، وكان الله عز وجل ينزل على رسوله صلى الله عليه وسلم بعضه في إثربعض، قال الله تعالى: {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا { أسند الحاكم أبو عبد الله في كتابه "المستدرك
- وفيالكتاب "المستدرك" أيضا عن الأعمش عن سعيد بن جبير، عنابن عباس قال: فصل القرآن من الذكر فوضع في بيت العزة في السماء الدنيافجعل جبريل عليه السلام ينزله على النبي -صلى الله عليه وسلم- ويرتله ترتيلا
ويجوز أن يكون قوله: {أنزل فيه القرآن}إشارة إلى كل ما سبق من الأقوال ذلك أنه أنزل جملة إلى السماء الدنيا ثم كان أول نزوله إلى الأرض في ليلة القدر بشهر رمضان ثم عرضه وإحكامه في شهر رمضان في كل عام على مدار دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم ، فقويت ملابسة شهر رمضان للقرآن، إنزالاجملة وتفصيلا وعرضا وإحكاما، فلم يكن شيء من الأزمان تحقق له من الظرفيةللقرآن ما تحقق لشهر رمضان، فلمجموع هذه المعاني قيل: {أنزل فيه القرآن}.
إشكال وجوابه :
قوله تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر}من جملة القرآن الذي نزل جملة، أم لا؟ فإن لم يكن منه فما نزل جملة، وإن كان منه فما وجه صحة هذه العبارة؟
قي ذلك وجهان:
أحدهماأن يكون معنى الكلام: إنا حكمنا بإنزاله في ليلة القدر، وقضينا به، وقدرناه في الأزل، وأردناه، وشئناه، وما أشبه ذلك.
والثانيأن لفظه لفظ الماضي، ومعناه الاستقبال، وله نظائر في القرآن وغيره، أي ننزله جملة في ليلة مباركة، هي ليلة القدر،
واختير لفظ الماضي لأمرين:
أحدهماتحققه وكونه أمرا لا بد منه.
والثانيأنه حال اتصاله بالمنزل عليه، يكون الماضي في معناه محققا؛ لأن نزوله منجما كان بعد نزوله جملة واحدة، وكل ذلك حسن واضح .
بيان الحكمة من نزول القرآن بتلك الكيفية
- الحكمة من إنزاله جملة إلى السماء الدنيا
تفخيملأمره وأمر من أنزل عليه، وذلك بإعلام سكان السماوات السبع أن هذا آخرالكتب، المنزل على خاتم الرسل لأشرف الأمم، قد قربناه إليهم لننزله عليهم .
تكريمبني آدم، وتعظيم شأنهم عند الملائكة، وتعريفهم عناية الله عز وجل بهمورحمته لهم، ولهذا المعنى أمر سبعين ألفا من الملائكة لما أنزل سورةالأنعام أن تزفها، وزاد سبحانه في هذا المعنى بأن أمر جبريل عليه السلامبإملائه على السفرة الكرام البررة عليهم السلام وإنساخهم إياه وتلاوتهم له . ذكره أبو الحسن في جمال القراء
الحكمة من نزوله مفرقًا على الرسول صلى الله عليه وسلم
قال الله تعالى {وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة * كذلك لنثبت به فؤادك}أي لنقوي به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلبوأشد عناية بالمرسل إليه
- أن كثرة نزول الملك على الرسول صلى الله عليه وسلم وتجديد العهدبه وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز يحدث له من السرورما تقصر عنه العبارة، ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان لكثرة نزول جبريل عليه السلام عليه.
وقيل: معنى{لنثبت به فؤادك}،أي لتحفظه فيكون فؤادك ثابتا به غير مضطرب، وكان النبي -صلى الله عليهوسلم- أميا لا يكتب ولا يقرأ، ففرق عليه القرآن ليتيسر عليه حفظه، ولو نزلجملة لتعذر عليه حفظه في وقت واحد على ما أجرى الله تعالى به عوائد خلقه،والتوراة نزلت على موسى عليه السلام مكتوبة وكان كاتبا قارئا، وكذا كانغيره، والله أعلم.
فإن قيل: كان في القدرة إذا أنزله جملة أن يسهل عليه حفظه دفعة واحدة.
فيكون الجواب أن ما كل ممكن في القدرة بلازم وقوعه،فقد كان في قدرته تعالى أن يعلمه الكتابة والقراءة في لحظة واحدة، وأنيلهمهم الإيمان به، ولكنه لم يفعل، ولا معترض عليه في حكم. {ولو شاء الله لجمعهم على الهدى}، {ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد}.
- أن في القرآن ما هو جواب عن أمور سؤل الرسول صلى الله عليه وسلمعنها، فهو سبب من أسباب تفريق النزول.
- أن بعضه منسوخ وبعضه ناسخ وذلك لحكم عظيمة ولايتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقا.
ب- بيان كيفية جمع القرآن الكريم
أولًا : جمعه في صدر النبي صلى الله عليه وسلم
- كان النبي صلى الله عليه وسلم أمي لا يعرف القراءة والكتابة فلما كان جبريل ينزل عليه بالوحي كان يحرك لسانه ويتعجل بتلاوته خشية نسيانه فوعد الله تعالى نبيه بحفظ القرآن في صدره أنزل الله عز وجل: {لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه *فإذا قرأناه فاتبع قرآنه}أي: فاستمع وأنصت، ثم إن علينا أن تقرأه، فكان رسول الله صلى اللهعليه وسلم إذا أتاه جبريل عليه السلام استمع، فإذا انطلق جبريل قرأه النبي -صلى الله عليه وسلم- كما أقرأه.
- ثم كانجبريل يعرض القرآن على النبي -صلى الله عليه وسلم- كل عام مرة في شهر رمضان، فلما كانالعام الذي توفي فيه عرض عليه القرآن مرتين عن عائشة -رضي الله عنها-، عن فاطمة -رضي الله عنها-: أسر إلى النبي صلى الله عليه وسلم: (أن جبريل كان يعارضني بالقرآن في كل سنة، وأنه عارضني العام مرتين، ولا أراه إلا حضر أجلي).
وفيه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كان يعرض على النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن كل عام مرة، فعرض عليه مرتين في العام الذي قبض فيه، وكان يعتكف كل عام عشرا، فاعتكف عشرين في العام الذي قبض)).
ثانيًا : حملة القرآن من الصحابة
تعددت الروايات عمن جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة فقيل
عن مسروق قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((خذوا القرآن من أربعة؛ من عبد الله بن مسعود، وسالم، ومعاذ بن جبل، وأبي بن كعب)).
وعن قتادة قال: (سألت أنس بن مالك: من جمع القرآن على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ قال: أربعة، كلهم من الأنصار: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد.
وفي رواية: مات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يجمع القرآن غير أربعة: أبو الدرداء ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد، قال: ونحن ورثناه)، وفي رواية: أحد عمومتي.
- قال الحافظ البيهقي في "كتاب المدخل": الرواية الأولى أصح، ثم أسند عن ابن سيرين قال: جمع القرآن على عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أربعة، لا يختلف فيهم: معاذ بن جبل وأبي بن كعبوزيد وأبو زيد، واختلفوا في رجلين من ثلاثة، قالوا: عثمان وأبو الدرداء،وقالوا: عثمان وتميم الداري، رضي الله عنهم.
والصحيح في ذلك :
ما ذكره القاضي أبو بكر محمد بن الطيب رحمه الله في "كتاب الانتصار" عن حملة القرآن في حياة رسولالله -صلى الله عليه وسلم-،
أنهم كانوا أضعاف هذهالعدة المذكورة وقد ذكر الأدلة على ذلك ومنها :
- كثرة القراءالمقتولين يوم مسيلمة باليمامة وذلك في أول خلافة أبيبكر رضي الله عنه
- ما في الصحيح من قتل سبعين من الأنصار يوم بئر معونةكانوا يسمون القراء.
- حديث عبد الله بن عمرو بن العاص: قال جمعت القرآنفقرأته كله في ليلة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اقرأه في شهر))، الحديث.
وعبد الله بن عمرو غير مذكور في هذهالآثار المتقدمة فيمن جمع القرآن، فدل على أنها ليست للحصر، وما كان منألفاظها للحصر فله تأويل، وليس محمولا على ظاهره.
وقد ذكر القاضي وغيره له عدة تأويلات :
منها أنه لم يجمعه على جميع الوجوه والأحرف والقراءات التي نزل بها، وأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنها كلها شاف كاف، إلا أولئك النفر فقط.
ومنها أنه لم يجمع ما نسخ منه وأزيل رسمه بعد تلاوته مع ما ثبت رسمه وبقي فرض حفظه وتلاوته، إلا تلك الجماعة.
ومنها أنه لم يجمع جميع القرآن عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ويأخذه من فيه تلقيا،غير تلك الجماعة، فإن أكثرهم أخذوا بعضه عنه، وبعضه عن غيره.
ومنها أنه لم يجمعه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ممن ظهر به وأبدى ذلك من أمرهوانتصب لتلقينه، غير تلك الجماعة مع جواز أن يكون فيهم حفاظ لا يعرفهمالراوي إذا لم يظهر ذلك منهم.
ومنها أنه لم يجمعه عنده شيئا بعد شيء كلما نزل حتى تكامل نزوله، إلا هؤلاء، أي أنهم كتبوه وغيرهم حفظه وما كتبه، أو كتب بعضا.
ومنها أنه لميذكر أحد عن نفسه أنه أكمله في حياة النبي -صلى الله عليه وسلم-، سوى هؤلاءالأربعة؛ لأن من أكمله سواهم كان يتوقع نزول القرآن ما دام النبي -صلىالله عليه وسلم- حيا، فقد لا يستجيز النطق بأنه أكمله، واستجازه هؤلاء،ومرادهم أنهم أكملوا الحاصل منه.
وقد سمى الإمام أبو عبيد أهل القرآن من الصحابة في أول "كتاب القراءات" فذكر من المهاجرينأبا بكر وعمر وعثمان وعليا وطلحة وسعدا وابن مسعود وسالما مولى أبي حذيفةوحذيفة بن اليمان وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعبد الله بن عمرووعمرو بن العاص وأبا هريرة ومعاوية بن أبي سفيان وعبد الله بن الزبير وعبدالله بن السائب، قارئ مكة.
ومن الأنصار أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وأبا الدرداء وزيد بن ثابت ومجمع بن جارية وأنس بن مالك.
ومن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وحفصة وأم سلمة.
قال: وبعض ما ذكرنا أكثر في القراءة وأعلى من بعض، وإنما خصصنا بالتسمية كل من وصف بالقراءة، وحكي عنه منها شيء.
ثالثًا: مراحل جمع القرآن
كان النبي -صلى الله عليه وسلم- كلما نزل من القرآن شيء أمر بكتابته فكتب في الرقاع واللخاف والعسب
فيجامع الترمذي وغيره، عن ابن عباس، عن عثمان -رضي الله عنهم- قال: كان رسولالله -صلى الله عليه وسلم- مما يأتي عليه الزمان وهو تنزل عليه السور ذواتالعدد، فكان إذا نزل عليه الشيء منه دعا بعض من كان يكتب فيقول: ((ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا))، وإذا نزلت عليه الآية يقول: ((ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا .
وفي سنن أبي داود عن ابن عباس رضي اللهعنهما قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- لا يعرف فصل السورة حتى تنزلعليه "بسم الله الرحمن الرحيم".
وفي البخاري عن البراء بن عازب قال: لما نزلت{لا يستوي القاعدون من المؤمنين ... والمجاهدون في سبيل الله}،قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((ادع لي زيدا، وليجئ باللوح والدواة والكتف)) -أو الكتف والدواة- ثم قال: ((اكتب: {لا يستوي القاعدون ...} )).
وخلف ظهر النبي -صلى الله عليه وسلم- عمرو بن أم مكتوم الأعمى فقال: يا رسول الله فما تأمرني، فإني رجل ضرير البصر؟ فنزلت مكانها{غير أولي الضرر}.
فكان القرآن مدون بعضه في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وبعضه في صدور الصحابة رضوان الله عليهم
- ثم جمع كله في عهد أبو بكر الصديق رضى الله عنه بإشارة من عمر بن الخطاب فدون كله في صحف.
- ثم جمعت هذه الصحف في عهد عثمان بن عفان بترتيب للسور على رسم النبي صلى الله عليه وسلم وتلاوته في العرضة الأخيرة
قال ابن أبي شيبة: عن ابن سيرين، عن عبيدة السلماني: القراءة التيعرضت على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في العام الذي قبض فيه هيالقراءة التي يقرأها الناس اليوم.
ج : مناسبة بعض الآيات والسور
- أول ما نزل من القرآن
سورة: {اقرأ باسم ربك الذي خلق}، نزل ذلك عليه بحراء عند ابتداء نبوته ثم نزل{يا أيها المدثر}ثم صار ينزل منه شيء فشيء بحسب الوقائع والنوازل مكيا، ومدنيا حضرا وسفرا.
- آخر ما نزل من القرآن
آيات: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}الآية،
وقيل: {يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة}إلى آخرها
وقيل: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم}إلى آخر الآيتين
وقيل آيات الربا عن ابن شهاب قال: آخر القرآن عهدا بالعرش آية الربا وآية الدين ، يعنى من آيات الأحكام ، وهو الموافق للقول الأول؛ لأن{واتقوا يوما}هي آخرهن لحديث أبو عبيد عن ابن عباس: آخر آية أنزلت من القرآن: {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله}، قال: زعموا أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مكث بعدها تسع ليال، وبدئ به يوم السبت ومات يوم الاثنين.
- نزل يوم عرفة
نزل يوم عرفة في حجة الوداع: {اليوم أكملت لكم دينكم} الآية.
د: أنواع النسخ في القرآن
الأول :ما نسخت تلاوته وبقي حكمه
الثاني : ما نسخت تلاوته وحكمه، وذلك كآيتي الرجم والرضاع.
ففي صحيح البخاري عن عمر رضي الله عنه قال: ((إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل عليه آية الرجم فقرأتها وعقلتها ووعيتها)).
وفي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها: ((كان مما أنزل من القرآن: عشر رضعات معلومات يحرمن)). ثم نسخن بـ"خمس معلومات يحرمن"، فتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهن مما يقرأ من القرآن.
قال الحافظ البيهقي: فالعشر مما نسخ رسمهوحكمه، والخمس مما نسخ رسمه بدليل أن الصحابة حين جمعوا القرآن لم يثبتوهارسما، وحكمها باق عندنا.
قال: وقولها "... وهن مما يقرأ من القرآن"، يعني عند من لم يبلغه نسخ تلاوته قرآنا.
الثالث : ما نسخ حكمه وبقيت تلاوته كآية عدة الوفاة حولا نسخت بالآية التي قبلها التي ذكر فيها: {أربعة أشهر وعشرا}. في صحيح البخاري عن عبد الله بن الزبير قال: قلت لعثمان بن عفان رضي الله عنه الآية التي في البقرة: {والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا وصية لأزواجهم متاعا إلى الحول غير إخراج}، لم تكتبها وقد نسختها الآية الأخرى؟ قال: يا ابن أخي، لا أغير شيئا عن مكانه.