التطبيقات
التطبيق الأول:
حرِّر الخلاف في مسألة " اعتبار آية تحويل القبلة مما نزل ليلا ؟ " :
من درس " الليلي والنهاري من منظومة الزمزمي ":
قال الزمزمي - رحمه الله - :
اقتباس:
وَسُورَةُ الْفَتْحِ أَتَتْ فِي اللَّيْلِ = وَآيَةُ الْقِبْلَةِ أَيْ فَوَلَِّ
|
قال السيوطي في إتمام الدراية :
اقتباس:
آية القبلة ففي الصحيحين
بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن وقد أمر أن يتقبل القبلة
|
قال الشيخ عبد الكريم الخضير :
اقتباس:
في الليل
وآيةُ القِبْلَةِ أَيْ { فول }
على الخلاف بين العلماء تبعاً لما جاء في الأحاديث في أول صلاة صلاها النبي-صلى الله عليه وسلم-إلى مكة، إلى القبلة. آية القبلة: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ } [3] حولت القبلة.
وكان النبي-عليه الصلاة والسلام-يتشوف إلى هذا التحويل، فصلى بعد أن نزلت عليه هذه الآية إلى الكعبة، بدلاً من الصلاة إلى بيت المقدس. وكان النبي-عليه الصلاة والسلام-بعد هجرته يصلي إلى بيت المقدس ستة عشر أو سبعة عشر شهراً، ثم حولت القبلة إلى الكعبة.
- فمنهم من رجح: أن أوّل صلاةٍ صلاها النبي-عليه الصلاة والسلام-هي صلاة الصبح؛ وعلى هذا يكون نزول الآية: بالليل.
- ومنهم من يقول: أن أول صلاةٍ صلاها هي صلاة العصر. وأما صلاة الصبح فهي الصلاة في قباء؛ صلاة أهل قباء الذين مرّ بهم الصحابي الذي صلى مع النبي-عليه الصلاة والسلام-قبل ذلك ، وأخبرهم بأن القبلة حولت إلى الكعبة، فاستداروا كما هم. يكون بلوغهم الخبر في أثناء صلاة العصر، وإذا كان هذا بالنسبة لأهل قُباء فالنبي-عليه الصلاة والسلام-صلاها قبل ذلك؛ لأن هذا الصحابي صلاها مع النبي-عليه الصلاة والسلام-. إذا كان أهل قباء صلوها الصبح وجاءهم الجائي ممن صلى مع النبي- عليه الصلاة والسلام-وأخبرهم فيكون صلاها مع النبي-عليه الصلاة والسلام- العصر، وحينئذٍ تكون الآية نزلت ليلاً أو نهاراً؟ نهاراً لا يعقل أنها تنزل بالليل ولا يصلي النبي-عليه الصلاة والسلام-إلا صلاة العصر، لا يمكن أن يحصل هذا { فول وجهك } ثم يصلي إلى بيت المقدس.
|
قال الشيخ محسن المساوي :
اقتباس:
(وآية القبلة أي فول) وجهك شطر المسجد الحرام. كذلك نزلت في الليل، لما في الصحيحين "بينما الناس بقباء في صلاة الصبح إذ جاءهم آت فقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر أن يستقبل القبلة
|
التطبيق الثاني :
حرّر الخلاف في مسألة تخصيص الكتاب بالسنة :
من درس العام والخاص من منظومة الزمزمي :
قال الزمزمي - رحمه الله - :
اقتباس:
تَخْصِيْصُهُ بِسُنَّةٍ قَدْ وَقَعَا...... فَلَا تَمِلْ لِقَولِ مَنْ قَدْ مَنَعَا
آحَادُهَا وغَيْرُها سَوَاءُ....... فَبِالْعَرَايَا خُصَّتِ الرِّبَـاءُ
|
قال السيوطي في إتمام الدراية :
اقتباس:
الرابع ما خص من الكتاب بالسنة هو جائز خلافا لمن منعه قال تعالى وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم وواقع كثيرا وسواء متواترها وآحادها مثال ذلك تخصيص وحرم الربا بالعرايا الثابت بحديث الصحيحين حرمت عليكم الميتة والدم بحديث أحلت لنا ميتتان ودمان السمك والجراد والكبد والطحال رواه الحاكم وابن ماجة من حديث ابن عمر مرفوعا والبيهقي عنه موقوفا وقال هو في معنى المسند وإسناده صحيح وتخصيص آيات المواريث بغير القاتل والمخالف في الدين المأخوذ من الأحاديث الصحيحة
|
قال الشيخ عبد الكريم الخضير :
اقتباس:
( ما خص منه): أي من الكتاب بالسنة ،مسألة تخصيص الكتاب بالسنة، التخصيص رفع جزئي للحكم:
_ فجمهور أهل العلم يرون عدم نسخ الكتاب بالسنة لأنه رفع كلي وأما التخصيص الذي هو رفع جزئي لا يرون به بأساً، وأن السنة تخُصص الكتاب، بخلاف النسخ فالجمهور على أن السنة لا تنسخ الكتاب.
_ وإن قال بعض أهل التحقيق بجواز ذلك لأن الكل وحي،الكل وحي.
فيقول الناظم رحمه الله تعالى:
( تخصيصه) :يعني الكتاب بسنة صحيحة أو حسنة ( قد وقعا): وقعا، فالألف هذه للإطلاق، ووقوع هذا النوع كثير:
*ففي قوله _جل وعلا_: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ}[1]، "الميتة" من ألفاظ العموم لأن (أل) جنسية خُص منه بالسنة السمك والجراد ، ميتتان ودمان، السمك والجراد ميتة لكنها مخصوصة بالسنة من عموم قوله _جل وعلا_:{حرمت عليكم الميتة} فهذا مثال.
يقول:
تَخْصِيْصُهُ بِسُنَّةٍ قَدْ وَقَعَا
فلا تَمِلْ لِقَولِ مَنْ قَدْ مَنَعَا
(المنع):يُذكر عن أبي حنيفة _رحمه الله_ وأن في التخصيص وإن كان رفعاً جزئياً إلا أنه إلغاء لبعض الأفراد التي يتناولها العامة فهي مُشبهه للنصف من وجه وإن لم يكن رفع كلي إلا أنه رفع جزئي؛ فلا يكون ذلك إلا بما يقاوم المرفوع في القوة والسنة لا تقوم الكتاب في قوته، فالنسخ والتخصيص عنده هو من باب واحد.
(آحادها): يعني آحاد السنة هو ما لم يبلغ حد التواتر
(وغيرها ):أي غير الآحاد من المتواتر سواء يعني يخصص الكتاب بما ثبت في السنة سواء بلغ حد التوتر أو لم يبلغ .
(فبالعرايا): جمع عرية كعطية وضحية وعطايا وضحايا.
(خُصت الرباء):استثنية العرايا، والعرايا من المزابنة التي جاء تحريمها والمزابنة مُفظية إلى الربا؛ لأنه لا يتحقق فيها المماثلة ،بيع التمر رطباً على رؤوس النخل بتمرٍ جاف بكيله من الجاف أو بما يؤول إليه من الجاف هذه مزابنة ولعدم تحقق المماثلة أوجد الربا في هذه الصورة استثني من هذه الصورة العرايا في خمسة أوسق أو مادون خمسة أوسق ، العرايا نوع من المزابنة ينطبق عليها تعريفها إلا أنها خُصت بقوله_عليه الصلاة والسلام_ ((إلا العرايا))، والعرايا كما هو معلوم أن يحتاج إلى تمر رطب يأكله مع أولاده وأسرته مع الناس ولا يكون عنده مايشتري به إلا التمر الباقي من تمر العام الماضي الجاف، فلو باعه ما حصلت له القيمة التي يريد ويشتري بها ما يكفيه ويكفي أولاده، فيقال له: رفقاً به "لك أن تشتري به رطباَ،" وهذا مخصوص من المزابنة .
الربا ثبت تحريمه بالكتاب {وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}[2] حرم بالكتاب وبالنصوص القطعية في أكثر من آية محرمة خُص بالعرايا، وإن كان فيها ربا إلا أنها مخصصة والحاجة التي يحتاجها من يريد التمر الرطب لولا النص ما أبيح الربا القطعي لمجرد الحاجة لكن النص أجاز العرايا، ولذا لا يقال:" أن كل حاجة تبيح المحرم" وقد تكون بعض الحاجات أشد من حاجة مُريد العرية؛ لكن لا يجوز له أن يتجاوز ما حرم الله عليه إلا بنص، أو ضرورة إذا كان التحريم بنص من الكتاب ومن السنة فلا يبيحه إلا الضرورة على ما ذكرناه مراراً أما ما مُنع باعتباره فرد من أفراد قاعدة عامة مثلا ،أو قاعدة أغلبية ، أو حرم بعمومات لم يُنص عليه بذاته، فمثل هذا من أهل العلم من يرى أن الحاجة تُبيحه ، المزابنة ربا والعرايا ربا ،ربا لعدم التماثل فاستثنائها تخصيص لتحريم الربا، لا هي ربا إذا لم تتحقق المماثلة عدم العلم بالتساوي كالعلم بالتفاضل ، ولم تتحقق في المزابنة ولا في العرايا ،المزابنة باقية على النهي والعرايا مستثناة ، فهي مُخرجة من تحريم الربا.. نعم.
[1]سورة (المائدة:3)
[2]سورة (البقرة:275)
|
قال الشيخ المساوي :
اقتباس:
النوع الرابع: ما خص منه، أي من الكتاب، بالسنة
(تخصيصه) أي الكتاب (بسنة) صحيحة أو ما هو بمنزلتها (قد وقعا) بألف الإطلاق، أي وقع وقوعاً كثيراً، وذلك كتخصيص قوله تعالى: {حرمت عليكم الميتة والدم} بحديث ((أحلت لنا ميتتان ودمان: السمك والجراد، والكبد والطحال)) رواه الحاكم وابن ماجه، من حديث ابن عمر مرفوعاً، وكتخصيص آيات المواريث بغير القاتل، والمخالف في الدين، المأخوذ من الأحاديث الصحيحة، إذا عرفت ذلك (فلا تمل) بفتح التاء، وكسر الميم، من الميل (لقول من قد منعا) بألف الإطلاق، كأبي حنيفة وغيره، مستدلين بأن الكتاب قطعي، والسنة ظنية، والقطعي لا يخصص بالظني، كما أنه لا ينسخ به، إذ التخصيص نسخ الحكم عن بعض الأفراد، ويجاب بأن النسخ أشد من التخصيص، إذ هو رفع الحكم عن المحكوم به، رأساً، بخلاف التخصيص، فإنه قصر الحكم على البعض، وبأن محل التخصيص إنما هو دلالته لا متنه وثبوته، ودلالة العام على كل فرد بخصوصه ظنية، بخلاف ثبوت ذلك العام ومتنه في القرآن، فإنه قطعي، وليس الكلام فيه.
ثم قال: (آحادها) أي السنة (وغيرها) أي الآحاد (سواء) أي: مستوفى جواز تخصيص الكتاب بها؛ فإذا علمت ذلك (فبـ) حديث (العرايا)، وهو ما رواه الشيخان، أنه صلى الله عليه وسلم رخص بيع العرايا، والعرايا: هو بيع تمر برطب، فيما دون خمسة أوسق، قد (خصت الرباء) أي: آية الربا، وهي قوله تعالى: {وحرم الربا ...} الآية، فإنها شاملة للعرايا ولغيرها، فأخرج العرايا من التحريم، بالحديث المذكور، وهو آحاد. والله أعلم.
|
التطبيق الثالث :
استخرج المسائل الواردة في النقول الآتية ، مع تلخيص الأقوال تحت كل مسألة :
من درس تفسير القرآن بالسنة من مقدمة التفسير :
قال ابن تيمية - رحمه الله - :
اقتباس:
فَإِنْ أَعْيَاكَ ذَلِكَ فَعَلَيْكَ بِالسُّنَّةِ : فَإِنَّهَا شَارِحَةٌ لِلْقُرْآنِ ، وَمُوَضِّحَةٌ لَهُ ، بَلْ قَدْ قَالَ الإِمامُ أَبُوعَبْدِ اللهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ : " كُلُّ مَا حَكَمَ بِهِ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَهُوَ مِمَّا فَهِمَهُ مِن الْقُرْآنِ : قَالَ اللهُ تَعَالَى : {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا}[سُورَةُ النِّسَاءِ : 105]، وَقَالَ تَعَالَى : {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ : 44]، وَقَالَ تَعَالَى : {وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُم الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} [سُورَةُ النَّحْلِ : 64].
وَلِهَذَا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : " أَلاَ إِنِّي أُوتِيتُ الْقُرْآنَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ " يَعْنِي : السُّنَّةَ .
وَالسُّنَّةُ أَيْضًا تَنْزِلُ عَلَيْهِ بِالْوَحْيِ كَمَا يَنْزِلُ الْقُرْآنُ ، لاَ أَنَّهَا تُتْلَى كَمَا يُتْلَى . وَقَد اسْتَدَلَّ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ ، وَغَيْرُهُ مِن الأَئِمَّةِ ، عَلَى ذَلِكَ بِأَدِلَّةٍ كَثِيرَة ، لَيْسَ هَذَا مَوْضِعَ ذَلِكَ .
وَالغَرَضُ أَنَّكَ تَطْلُبُ تَفْسِيرَ القُرْآنِ مِنْهُ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدْهُ فَمِن السُّنَّةِ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمُعاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إِلَى اليَمَنِ : " بمَ تَحْكـُمُ ؟ " قَالَ : بِكِتَابِ اللهِ ، قَالَ :" فَإِنْ لَمْ تَجِدْ ؟"قَالَ : فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللهِ ، قَالَ : فَإِنْ لَمْ تجِدْ ؟ قَالَ : أجتهدُ رَأْيِي" قَالَ : فَضَرَبَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- بِصَدْرِهِ وَقَالَ : " الْحَمْدُ للهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسَولَ رَسُولِ اللهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللهِ " وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ .
|
قال الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ :
اقتباس:
. . قال شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله تعالى -: (فإن أعيا ذلك فتذهب إلى السنة؛ لأن السنة شارحة للقرآن موضحة له مبينة له) وهذا ظاهر بيّن، السنة بيان للقرآن وبيان السنة للقرآن، في طلب التفسير يكون أيضاً على أنحاء:
الأول: منها أن يكون في السنة تفسير للآية بظهور كما فسر النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم آياً كثيرة معروفة كتفسير المغضوب عليهم، وتفسير الضالين، وتفسير الخيط الأبيض، والخيط الأسود وأشباه ذلك من التفسير: {وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة} فقال: ألا إن القوة الرمي، وما شابه ذلك وهذا ظاهر بين.
النوع الثاني: من التفسير بالسنة: أن يكون هناك توضيح للمعنى المختلف فيه بالسنة مثل تفسير (القرء) في آيات الطلاق {والمطلقات يتربصن بأنفسهم ثلاثة قروء} والقرء هنا اختلف فيه هل هو الحيض أم هو الطهر؟
النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم لما ذكر ذلك قال في المرأة: ((أليست تدع الصلاة أيام أقرائها)) قالت: بلى.
فقوله: ((أليست تدع الصلاة أيام أقرائها)) دل على أن القرء هناك هو الحيض وذلك من جهتين:
الجهة الأولى: السياق أنها تدع الصلاة أيام القرء ومعناه الحائض لا تصلي فصارت القروء هنا هي الحيضات.
والجهة الثانية: وهي المختلف فيها بين أهل العلم وذكر الاختلاف ابن السيب البطل يوسي في أول كتابه المهم (الانصاف) وأطال عليها أنه هنا قال الإقراء في الآية جمع القرء بالقروء وقال أنه إذا كان المراد بالقرء هو الطهر فلا يكون جمعه (قروء) وإنما يكون الجمع أقراء الطهر وهنا دل الحديث على أن كلمة (الأقراء) تصلح للحيض كما أنها تصلح للطهر فصار هنا لفظ القرء الواحد يجمع على قروء وعلى أقراء باعتبار الحيض وهذا ظاهر من تفسير الآية بدليل من السنة ليس المقصود منه تفسير الآية ولكن هو يفسر الآية.
الثالث: أن السنة تبين المجمل تقيد المطلق تخصص العام وهو نوع من التفسير كما هو معروف.
الرابع: أن يكون السنة العملية للنبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم فيها تفسير للآية أو للآيات كقوله – جل وعلا -: {واعلموا أنما غنمتم فأن لله خمسه وللرسول} الآية، فالنبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم كيف يقسم ذلك، وهل قسمها بالتساوي أو قسمها بهذا فالسنة العملية مفسرة لهذا الأمر.
وفي قولـه: {وأتموا الحج والعمرة لله} كيف فسرها النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بسنته العملية {فإذا أفضتم من عرفات فاذكروا الله عند المشعر الحرام} كيف يكون الذكر عند المشعر الحرام فسرها النبي صَلّى اللهُ عَلَيهِ وسَلَّم بالسنة العملية. {أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل} ما معنى هذا فسرها بالسنة العملية وهذا كثير بيّن في هذا الصدد.
إذاً فحصل من هذا مما قاله شيخ الإسلام – رحمه الله تعالى – إن أعظم ما يعتنى به بالتفسير تفسير القرآن بالقرآن على أحد الأنحاء التي ذكرت، ثم إن أعيا ذلك فسرتها بالسنة بأحد الأنحاء أيضاً وقلَّ ما تحتاج إذا طبقت هذين الأصلين تحتاج إلى تفاسير الصحابة بعد ذلك، بل تجد أن تفاسير الصحابة مستقاة من أحد هذين الوجهين أو منهما معاً ولابد
|
قال الشيخ مساعد الطيار :
اقتباس:
. . . المسألةُ الثانيةُ التي ذكرها شيخُ الإسلامِ في قولِه: " فإنْ أَعْياكَ ذلك فعليكَ بالسُّنَّةِ فإنها شارحةٌ للقرآنِ موضِّحةٌ له"... إلى آخِرِ كلامِه , هي قضيةُ تفسيرِ القرآنِ بالسُّنَّةِ النَّبويةِ.
وإذا رجعتَ إلى التفسيرِ بالسُّنَّةِ فإنكَ ستجِدُ أنه على نوعين:
النوعُ الأولُ: تفسيرٌ مباشرٌ للآياتِ، وهو قليلٌ، ومِن أمثلَتِه آيةُ الظُّلمِ المذكورةُ سابقًا: {الَّذين آمَنُوا ولم يَلْبِسُوا إيمانَهم بظُلْمٍ} فسَّرَها النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ بالشِّركِ وذَكرَ الآيةَ الأخرى: {إنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظيمٌ}.
النوعُ الثاني: استفادةُ المفسِّرِ من السُّنَّةِ في تفسيرِ القرآنِ، وهو كثيرٌ، ومثالُه ما يَذكُرُه بعضُ المفسِّرين عندَ قولِه تعالى: {وجِيءَ يومَئِذٍ بِجَهَنَّمَ} من قولِه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((يُؤْتَى بجَهنَّمَ لها سبعون ألفَ زِمامٍ , لكُلِّ زمامٍ سبعون ألفَ ملَكٍ يَجُرُّونها)).
فالتطابُقُ واضحٌ بينَ معنى الآيةِ ومعنى الحديثِ؛ فلهذا تُعتبرُ تفسيرًا لها، وكذلك قولُه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((أمَّا عثمانُ فقد أتاهُ اليَقينُ من رَبِّهِ)). وذَكرَ الطبريُّ في تفسيرِ قولِه تعالى: {واعْبُدْ ربَّكَ حتى يَأتِيَكَ اليَقينُ} أن المرادَ باليقينِ الموتُ، ثم أورَدَ هذا الحديثَ.
وكذلك ما ذَكرهُ البخاريُّ رحمهُ اللَّهُ في قولِه تعالى: {وهو أَلَدُّ الخِصامِ}. حيث ذَكرَ الحديثَ الواردَ عن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها: ((أبْغَضُ الرجالِ إلى اللَّهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ)). مع أنَّ هذا ليس فيه بيانٌ لمعنى الآيةِ، وإنما ذَكرهُ البخاريُّ؛ لأن اللفظَ الذي وَردَ في الآيةِ هو نَفسُ اللفظِ الذي وَردَ في الحديثِ.
كما يَذكرُ البخاريُّ أيضًا في تفسيرِ قولِه تعالى: {وَرَفَعْنَاهُ مكانًا عَلِيًّا} قولَه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((ورأيتُ إدريسَ في السَّماءِ الرابعةِ)).
وكذلك قولُه صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ: ((كُتِبَ على ابنِ آدَمَ حظُّهُ من الزِّنا أَدْرَكَ ذلك لا محالةَ، فالعينانِ تَزْنِيان وزِناهُما النظَرُ، واليدانِ تَزْنِيانِ وزِناهُما البطْشُ)) الحديثَ , يَسْتَشْهِدُ به ابنُ عباسٍ في تفسيرِ قولِه تعالى: {إلَّا اللَّمَمَ} فيَجعلُ اللَّمَمَ هو هذه الأعمالَ التي ذَكرَها الرسولُ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ.
والأمثلةُ على هذا النوعِ كثيرةٌ جدًّا، وأحسَنُ مَن استفادَ من السُّنَّةِ في التفسيرِ هو ابنُ كثيرٍ رَحمهُ اللَّهُ، وإن كان هذا المنهجَ الذي نَهَجَهُ المحدِّثون قَبلَه في كُتبِ السُّنَّةِ كالبخاريِّ والترمذيِّ والنَّسائيِّ وسعيدِ بنِ منصورٍ والحاكمِ في المُستدرَكِ، وأعلاهم شأنًا في ذلك هو البخاريُّ رحمهُ اللَّهُ.
والمقصودُ أنَّ الاستفادةَ من السُّنَّةِ في بيانِ القرآنِ متنوِّعةٌ وكثيرةٌ، فأحيانًا قد يكونُ فيها بيانٌ للفظِ، وأحيانًا قد يكونُ مجرَّدَ بيانِ أنَّ هذا اللفظَ المذكورَ في الآيةِ وَردَ ذِكرُه في الحديثِ.
وإذا نظرتَ إلى هذا ونظرتَ أيضًا إلى أنَّ اللَّهَ سبحانه وتعالى ذَكرَ مُجمَلاتٍ في العباداتِ وغيرِها لا تَتَبَيَّنُ إلا مِن طريقِ الرسولِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، كمعرفةِ عددِ الصلواتِ المأمورِ بها في قولِه تعالى: {وَأقِيمُوا الصَّلاةَ} ونحوِ ذلك.
فإذا أَدخلْتَ مثلَ هذا التفسيرِ في التفسيرِ النبويِّ فلا شكَّ أنَّ التفسيرَ بالسُّنَّةِ سيكونُ كثيرًا، وهذا ما أراده الأئمةُ مِثلُ الشافعيِّ حينما قال: كُلُّ ما حَكمَ به الرسولُ فهو من مفاهيمِ القرآنِ.
فإذا كان ما حَكمَ به يدخُلُ في ذلك فمعنى هذا أنَّ ما أراد بيانَه يدخُلُ من بابٍ أولى.
هناك مسألةٌ متعلِّقةٌ بهذا الموضوعِ، وهي أنَّ الترتيبَ الذي ذَكرَهُ شيخُ الإسلامِ لمصادِرِ التفسيرِ حينَما قدَّمَ القرآنَ على السُّنَّةِ وقدَّمَ السُّنَّةَ على الصحابةِ وقدَّمَ أقوالَ الصحابةِ على أقوالِ التابعين، هل هذا الترتيبُ من جهةِ استعمالِ المفسِّرِ لها يُعتبرُ ترتيبًا فنيًّا أو هو ترتيبٌ عِلميٌّ؟
الواقعُ أنه ترتيبٌ فنيٌّ، قُصِدَ منه التنْبِيهُ على أنَّ التفسيرَ يُستفادُ من هذه الطرقِ الأربعِ، وليس المرادُ أنها مراحِلُ، إذا لم نَجِدْ كذا نَنزِلُ إلى كذا؛ لأنَّ مَن عَرَفَ طريقةَ التفسيرِ وَجدَ أنَّ هذه المصادِرَ الأربعةَ وغيرَها تتداخلُ، ولا يمكنُ فصلُ بعضِها عن بعضٍ، فأحيانًا تُذكرُ الآيةُ ويُذكرُ معها ما وَردَ من آياتٍ مماثلةٍ لها في المعنى، وأحيانًا تُذكرُ الآيةُ , ويقالُ: اختلفَ أهلُ التفسيرِ فيها على أقوالٍ: القولُ الأولُ كذا ويَشهدُ له حديثُ كذا، والقولُ الثاني كذا وتَشهدُ له آيةُ كذا.
إذًا هنا تداخُلٌ بينَ مصادرِ التفسيرِ حالَ إعمالِ المفسِّرِ لهذه المصادِرِ التي ذَكرَها، وليس المَقامُ هنا مَقامَ ترتيبِ مصادرِ الاستدلالِ، واللَّهُ أعلمُ، هذا الذي أراه في تقسيمِ شيخِ الإسلامِ لهذه المصادرِ، وإنما ذَكَرْتُه؛ لأنَّ بعضَ المعاصرِين فَهِمَ من كلامِ شيخِ الإسلامِ أنه أراد ترتيبًا علميًّا، فيبتدئُ الإنسانُ بالمصدرِ الأولِ ثم الثاني وهكذا. وهذا لا يلزمُ أن يكونَ في جميعِ الآياتِ، قد يَنطبقُ على تفسيرِ بعضِ الآياتِ، ولكن في جملةِ التفسيرِ لا يمكنُ أن يَنضبِطَ هذا المنهجُ، وشيخُ الإسلامِ لم يُطبِّقْ هذا المنهجَ حتى يقالَ: إنَّ هذا التقسيمَ مرادٌ به الترتيبُ عندَه، بل طريقَتُه في تفسيراتِه دَمجُ هذه الطُرقِ بعضِها ببعضٍ، ولكن الذي يَبدو أنه إنما أرادَ التَّنْبِيهَ على مُجمَلِ هذه الطُّرقِ.
|