دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > بلوغ المرام > كتاب الطلاق

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 22 محرم 1430هـ/18-01-2009م, 11:08 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي باب الإيلاء


بابُ الْإِيلَاءِ وَالظِّهَارِ وَالكَفَّارَةِ
عنْ عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قالَتْ: آلَى رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسائِهِ وحَرَّمَ، فجَعَلَ الحرامَ حَلالًا، وجَعَلَ لليمينِ كَفَّارَةً. رواهُ التِّرمذيُّ، ورواتُهُ ثِقاتٌ.
وعن ابنِ عُمرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: إذا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَقَفَ الْمُولِي حَتَّى يُطَلِّقَ، ولا يَقَعُ عليهِ الطَّلاقُ حتَّى يُطَلِّقَ. أَخْرَجَهُ البخاريُّ.

وعنْ سُليمانَ بنِ يَسَارٍ قالَ: أَدْرَكْتُ بِضعةَ عَشَرَ مِنْ أصحابِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهم يَقِفُونَ الْمُولِي. رواهُ الشافعيُّ.
وعن ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: كانَ إِيلَاءُ الْجَاهليَّةِ السَّنَةَ والسنتَيْنِ، فَوَقَّتَ اللَّهُ أربعةَ أَشْهُرٍ، فإنْ كانَ أَقَلَّ مِنْ أربعةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيلَاءٍ. أَخْرَجَهُ البيهقيُّ.

  #2  
قديم 22 محرم 1430هـ/18-01-2009م, 02:40 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي سبل السلام للشيخ: محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني


بَابُ الإِيلاءِ وَالظِّهَارِ وَالْكَفَّارَةِ
الإِيلاءُ هُوَ لُغَةً: الْحَلِفُ، وَشَرْعاً: الامْتِنَاعُ بِالْيَمِينِ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ.
وَالظِّهَارُ: بِكَسْرِ الظَّاءِ مُشْتَقٌّ مِن الظَّهْرِ؛ لِقَوْلِ الْقَائِلِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَظَهْرِ أُمِّي.
وَالْكَفَّارَةُ: وَهِيَ مِن التَّكْفِيرِ؛ التَّغْطِيَةُ.
1/1024 - عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ وَحَرَّمَ، فَجَعَلَ الْحَرَامَ حَلالاً، وَجَعَلَ لِلْيَمِينِ كَفَّارَةً.
رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرُوَاتُهُ ثِقَاتٌ.
(عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: آلَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ نِسَائِهِ وَحَرَّمَ، وَجَعَلَ الْحَرَامَ حَلالاً، وَجَعَلَ لِلْيَمِينِ كَفَّارَةً. رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ)، وَرَجَّحَ التِّرْمِذِيُّ إرْسَالَهُ عَلَى وَصْلِهِ.
الْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ حَلِفِ الرَّجُلِ مِنْ زَوْجَتِهِ، وَلَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِالإِيلاءِ الْمُصْطَلَحِ عَلَيْهِ فِي عُرْفِ الشَّرْعِ، وَهُوَ الْحَلِفُ مِنْ وَطْءِ الزَّوْجَةِ. وَاعْلَمْ أَنَّهَا اخْتَلَفَت الرِّوَايَاتُ فِي سَبَبِ إيلائِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَفِي الشَّيْءِ الَّذِي حَرَّمَهُ عَلَى رِوَايَاتٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّهُ بِسَبَبِ إفْشَاءِ حَفْصَةَ لِلْحَدِيثِ الَّذِي أَسَرَّهُ إلَيْهَا. وَاخْتُلِفَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَسَرَّهُ إلَيْهَا، أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَن ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ، وَأُجْمِلَ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ هَذِهِ، وَفَسَّرَهُ فِي رِوَايَةٍ أَخْرَجَهَا الشَّيْخَانِ، بِأَنَّهُ تَحْرِيمُهُ لِمَارِيَةَ، وَأَنَّهُ أَسَرَّهُ إلَى حَفْصَةَ، فَأَخْبَرَتْ بِهِ عَائِشَةَ، أَوْ تَحْرِيمُهُ لِلْعَسَلِ، وَقِيلَ: بَلْ أَسَرَّ إلَى حَفْصَةَ أَنَّ أَبَاهَا يَلِي أَمْرَ الأُمَّةِ بَعْدَ أَبِي بَكْرٍ، وَقَالَ: لا تُخْبِرِي عَائِشَةَ بِتَحْرِيمِي مَارِيَةَ.
وَثَانِيهَا: أنَّ السَّبَبَ فِي إيلائِهِ أَنَّهُ فَرَّقَ هَدِيَّةً جَاءَتْ لَهُ بَيْنَ نِسَائِهِ، فَلَمْ تَرْضَ زَيْنَبُ بِنْتُ جَحْشٍ بِنَصِيبِهَا، فَزَادَهَا مَرَّةً أُخْرَى، فَلَمْ تَرْضَ، فَقَالَتْ عَائِشَةُ: لَقَدْ أَقْمَتْ وَجْهَكَ تَرُدُّ عَلَيْكَ الْهَدِيَّةَ، فَقَالَ: ((لأَنْتُنَّ أَهْوَنُ عَلَى اللَّهِ مِنْ أَنْ يَغُمَّنِي، لا أَدْخُلُ عَلَيْكُنَّ شَهْراً)). أَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ. وَمِنْ طَرِيقِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوُهُ، وَقَالَ ذَبَحَ ذَبْحاً.
ثَالِثُهَا: أَنَّهُ بِسَبَبِ طَلَبِهِنَّ النَّفَقَةَ. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ.
فَهَذِهِ أَسْبَابٌ ثَلاثَةٌ؛ إمَّا لإِفْشَاءِ بَعْضِ نِسَائِهِ السِّرَّ، وَهِيَ حَفْصَةُ، وَالسِّرُّ أَحَدُ ثَلاثَةٍ؛ إمَّا تَحْرِيمُهُ مَارِيَةَ، أَو الْعَسَلَ، أوْ وَجَدَ أنَّهُ معَ مَارِيَةَ، أَوْ بِتَحْرِيجِ صَدْرِهِ مِنْ قِبَلِ مَا فَرَّقَ بَيْنَهُنَّ مِن الْهَدِيَّةِ، أَوْ تَضْيِيقِهِنَّ فِي طَلَبِ النَّفَقَةِ.
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ: الأَلْيَقُ بِمَكَارِمِ أَخْلاقِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَعَةِ صَدْرِهِ، وَكَثْرَةِ صَفْحِهِ، أَنْ يَكُونَ مَجْمُوعُ هَذِهِ الأَشْيَاءِ سَبَباً لاعْتِزَالِهِنَّ.
فَقَوْلُهَا: وَحَرَّمَ؛ أيْ: حَرَّمَ مَارِيَةَ أَو الْعَسَلَ، وَلَيْسَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّحْرِيمَ لِلْجِمَاعِ، حَتَّى يَكُونَ مِنْ بَابِ الإِيلاءِ الشَّرْعِيِّ، فَلا وَجْهَ لِجَزْمِ ابْنِ بَطَّالٍ وَغَيْرِهِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ امْتَنَعَ مِنْ جِمَاعِ نِسَائِهِ ذَلِكَ الشَّهْرَ إنْ أَخَذَهُ مِنْ هَذَا الْحَدِيثِ، وَلا مُسْتَنَدَ لَهُ غَيْرُهُ؛ فَإِنَّهُ قَالَ الْمُصَنِّفُ: لَمْ أَقِفْ عَلَى نَقْلٍ صَرِيحٍ فِي ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُ لا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ دُخُولِهِ عَلَيْهِنَّ أَنْ لا تَدْخُلَ إحْدَاهُنَّ عَلَيْهِ فِي الْمَكَانِ الَّذِي اعْتَزَلَ فِيهِ، إلاَّ إنْ كَانَ الْمَكَانُ الْمَذْكُورُ مِن الْمَسْجِدِ، فَيَتِمُّ اسْتِلْزَامُ عَدَمِ الدُّخُولِ عَلَيْهِنَّ مَعَ اسْتِمْرَارِ الإِقَامَةِ فِي الْمَسْجِدِ الْعَزْمَ عَلَى تَرْكِ الْوَطْءِ؛ لامْتِنَاعِ الْوَطْءِ فِي الْمَسْجِدِ.
2/1025 - وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَقَفَ الْمُولِي حَتَّى يُطَلِّقَ، وَلا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلاقُ حَتَّى يُطَلِّقَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ.
(وَعَن ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَقَفَ الْمُولِي حَتَّى يُطَلِّقَ، وَلا يَقَعُ عَلَيْهِ الطَّلاقُ حَتَّى يُطَلِّقَ. أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ). الْحَدِيثُ كَالتَّفْسِيرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}، وَقَد اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَسَائِلَ مِن الإِيلاءِ:
الأُولَى: فِي الْيَمِينِ؛ فَإِنَّهُم اخْتَلَفُوا فِيهَا، فَقَالَ الْجُمْهُورُ: يَنْعَقِدُ الإِيلاءُ بِكُلِّ يَمِينٍ عَلَى الامْتِنَاعِ مِن الْوَطْءِ، سَوَاءٌ حَلَفَ بِاللَّهِ أَوْ بِغَيْرِهِ. وَقَالَت الْهَادَوِيَّةُ: إنَّهُ لا يَنْعَقِدُ إلاَّ بِالْحَلِفِ بِاللَّهِ، قَالُوا: لأَنَّهُ لا يَكُونُ يَمِيناً إلاَّ مَا كَانَ بِاللَّهِ تَعَالَى، فَلا تَشْمَلُ الآيَةُ مَا كَانَ بِغَيْرِهِ.
قُلْتُ: وَهُوَ الْحَقُّ كما يَأْتِي.
الثَّانِيَةُ: فِي الأَمْرِ الَّذِي تَعَلَّقَ بِهِ الإِيلاءُ، وَهُوَ تَرْكُ الْجِمَاعِ صَرِيحاً أَوْ كِنَايَةً، أَوْ تَرْكُ الْكَلامِ عِنْدَ الْبَعْضِ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ لا بُدَّ فِيهِ مِن التَّصْرِيحِ بِالامْتِنَاعِ مِن الْوَطْءِ، لا مُجَرَّدَ الامْتِنَاعِ عَن الزَّوْجَةِ، وَلا كَلامَ أَنَّ الأَصْلَ فِي الإِيلاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} الآيَةَ، فَإِنَّهَا نَزَلَتْ لإِبْطَالِ مَا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ إطَالَةِ مُدَّةِ الإِيلاءِ؛ فَإِنَّهُ كَانَ الرَّجُلُ يُولِي مِن امْرَأَتِهِ سَنَةً وَسَنَتَيْنِ، فَأَبْطَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ، وَأَنْظَرَ الْمُولِيَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ؛ فَإِمَّا أَنْ يَفِيءَ، أَوْ يُطَلِّقَ.
الثَّالِثَةُ: اخْتَلَفُوا فِي مُدَّةِ الإِيلاءِ، فَعِنْدَ الْجُمْهُورِ وَالْحَنَفِيَّةِ لا بُدَّ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، وَقَالَ الْحَسَنُ وَآخَرُونَ: يَنْعَقِدُ بِقَلِيلِ الزَّمَانِ وَكَثِيرِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ}، وَرُدَّ بِأَنَّهُ لا دَلِيلَ فِي الآيَةِ؛ إذْ قَدْ قَدَّرَ اللَّهُ الْمُدَّةَ فِيهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ}.
فَالأَرْبَعَةُ قَدْ جَعَلَهَا اللَّهُ مُدَّةَ الإِمْهَالِ، فَهِيَ كَأَجَلِ الدَّيْنِ؛ لأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ فَاؤُوا} بِفَاءِ التَّعْقِيبِ، وَهُوَ بَعْدَ الأَرْبَعَةِ، فَلَوْ كَانَت الْمُدَّةُ أَرْبَعَةً أَوْ أَقَلَّ لَكَانَتْ قَد انْقَضَتْ، فَلا يُطَالَبُ بَعْدَهَا، وَالتَّعْقِيبُ لِلْمُدَّةِ لا لِلإِيلاءِ لِبُعْدِهِ.
وَالرَّابِعَةُ: أَنَّ مُضِيَّ الْمُدَّةِ لا يَكُونُ طَلاقاً عِنْدَ الْجُمْهُورِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: بَلْ إذَا مَضَت الأَرْبَعَةُ الأَشْهُرُ طَلُقَتِ الْمَرْأَةُ، قَالُوا: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لا يَكُونُ بِمُضِيِّهَا طَلاقاً، أَنَّهُ تَعَالَى خَيَّرَ فِي الآيَةِ بَيْنَ الْفَيْئَةِ وَالْعَزْمِ عَلَى الطَّلاقِ، فَيَكُونَانِ فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ، وَهُوَ بَعْدَ مُضِيِّ الأَرْبَعَةِ، فَلَوْ كَانَ الطَّلاقُ يَقَعُ بعدَ مُضِيِّ الأَرْبَعَةِ وَالْفَيْئَةِ بَعْدَهَا لَمْ يَكُنْ تَخْيِيراً؛ لأَنَّ حَقَّ الْمُخَيَّرِ أَنْ يَقَعَ أَحَدُهُمَا فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصِحُّ فِيهِ الآخَرُ كَالْكَفَّارَةِ، وَلأَنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ عَزْمَ الطَّلاقِ إلَى الرَّجُلِ، وَلَيْسَ مُضِيُّ الْمُدَّةِ مِنْ فِعْلِ الرَّجُلِ؛ وَلِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ هَذَا الَّذِي نَحْنُ فِي سِيَاقِهِ، وَإِنْ كَانَ مَوْقُوفاً، فَهُوَ مُقَوٍّ لِلأَدِلَّةِ.
الْخَامِسَةُ: الْفَيْئَةُ هِيَ الرُّجُوعُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا بِمَاذَا تَكُونُ، فَقِيلَ: تَكُونُ بِالْوَطْءِ عَلَى الْقَادِرِ، وَالْمَعْذُورُ يُبَيِّنُ عُذْرَهُ بِقَوْلِهِ: لَوْ قَدَرْتُ لَفِئْتُ؛ لأَنَّهُ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا}، وَقِيلَ: بِقَوْلِهِ: رَجَعْتُ عَنْ يَمِينِي.
وَهَذَا لِلْهَادَوِيَّةِ كَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ: الْمُرَادُ رُجُوعُهُ عَنْ يَمِينِهِ، لا إيقَاعُ مَا حَلَفَ عَلَيْهِ. وَقِيلَ: يَكُونُ فِي حَقِّ الْمَعْذُورِ بِالنِّيَّةِ؛ لأَنَّهَا تَوْبَةٌ يَكْفِي فِيهَا الْعَزْمُ، وَرُدَّ بِأَنَّهَا تَوْبَةٌ عَنْ حَقِّ مَخْلُوقٍ، فَلا بُدَّ مِنْ إفْهَامِهِ الرُّجُوعَ عَن الأَمْرِ الَّذِي عَزَمَ عَلَيْهِ.
السَّادِسَةُ: اخْتَلَفُوا هَلْ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَى مَنْ فَاءَ؟ فَقَالَ الْجُمْهُورُ: تَجِبُ؛ لأَنَّهَا يَمِينٌ قَدْ حَنِثَ فِيهَا، فَتَجِبُ الْكَفَّارَةُ؛ لِحَدِيثِ: ((مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، فَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ، وَلْيَأْتِ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ)).
وَقِيلَ: لا تَجِبُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ فَاؤُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْغُفْرَانَ يَخْتَصُّ بِالذَّنْبِ لا بِالْكَفَّارَةِ، وَيَدُلُّ لِلْمَسْأَلَةِ الْخَامِسَةِ قَوْلُهُ:


3/1026 - وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كُلُّهُمْ يَقِفُونَ الْمُولِيَ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ.
(وَعَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ): بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ فَسِينٍ مُهْمَلَةٍ مُخَفَّفَةٍ بَعْدَ الأَلِفِ رَاءٌ، هُوَ: أَبُو أَيُّوبَ سُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ، مَوْلَى مَيْمُونَةَ زَوْجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَهُوَ أَخُو عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، كَانَ سُلَيْمَانُ مِنْ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ، وَكِبَارِ التَّابِعِينَ، ثِقَةً فَاضِلاً وَرَعاً حُجَّةً، هُوَ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ، رَوَى عَن ابْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَأُمِّ سَلَمَةَ، مَاتَ سَنَةَ سَبْعٍ وَمِائَةٍ، وَهُوَ ابْنُ ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ سَنَةً.
(قَالَ: أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كُلُّهُمْ يَقِفُونَ الْمُولِيَ. رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ). وَفِي الإِرْشَادِ لابْنِ كَثِيرٍ أَنَّهُ قَالَ الشَّافِعِيُّ بَعْدَ رِوَايَةِ الْحَدِيثِ: وَأَقَلُّ ذَلِكَ ثَلاثَةَ عَشَرَ اهـ.
يُرِيدُ: أَقَلُّ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ لَفْظُ بِضْعَةَ عَشَرَ، وَقَوْلُهُ: يَقِفُونَ، بِمَعْنَى: يَقِفُونَهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، كَمَا أَخْرَجَهُ إسْمَاعِيلُ، هُوَ ابْنُ أَبِي إدْرِيس، عَنْ سُلَيْمَانَ أَيْضاً، أَنَّهُ قَالَ: أَدْرَكْنَا النَّاسَ يَقِفُونَ الإِيلاءَ إذَا مَضَت الأَرْبَعَةُ، فَإِطْلاقُ رِوَايَةِ الْكِتَابِ مَحْمُولَةٌ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ الْمُقَيَّدَةِ.
وَقَدْ أَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حديثِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ: سَأَلْتُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلاً مِن الصَّحَابَةِ عَن الرَّجُلِ يُولِي، فَقَالُوا: لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَيُوقَفُ، فَإِنْ فَاءَ وَإِلاَّ طَلَّقَ.
وَأَخْرَجَ إسْمَاعِيلُ الْمَذْكُورُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ: " إذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ، وَلا يَقَعُ عَلَيْهَا الطَّلاقُ حَتَّى يُطَلِّقَ ". وَأَخْرَجَ الإِسْمَاعِيلِيُّ أَثَرَ ابْنِ عُمَرَ بِلَفْظِ: أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: " أَيُّمَا رَجُلٍ آلَى مِن امْرَأَتِهِ، فَإِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، يُوقَفُ حَتَّى يُطَلِّقَ أَوْ يَفِيءَ، وَلا يَقَعُ عَلَيْهَا طَلاقٌ إذَا مَضَتْ حَتَّى يُوقَفَ ".
وَفِي الْبَابِ آثَارٌ كَثِيرَةٌ عَن السَّلَفِ، كُلُّهَا قَاضِيَةٌ بِأَنَّهُ لا بُدَّ بَعْدَ مُضِيِّ الأَرْبَعَةِ الأَشْهُرِ مِنْ إيقَافِ الْمُولِي، وَمَعْنَى إيقَافِهِ هُوَ أَنْ يُطَالَبَ إمَّا بِالْفَيْءِ أو بِالطَّلاقِ، وَلا يَقَعُ الطَّلاقُ بِمُجَرَّدِ مُضِيِّ الْمُدَّةِ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ الْجَمَاهِيرُ.
وَعَلَيْهِ دَلَّ ظَاهِرُ الآيَةِ؛ إذْ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ}، يَدُلُّ قَوْلُهُ: ( سَمِيعٌ ) عَلَى أَنَّ الطَّلاقَ يَقَعُ بِقَوْلٍ يَتَعَلَّقُ بِهِ السَّمْعُ، وَلَوْ كَانَ يَقَعُ بِمُضِيِّ الْمُدَّةِ - كما قالَهُ ابنُ المُسَيِّبِ والأَوْزَاعِيُّ ورَبِيعَةُ ومَكْحُولٌ والزُّهْرِيُّ والكُوفِيُّونَ: إنَّهُ يَقَعُ الطلاقُ بنفسِ مُضِيِّ المُدَّةِ، فقِيلَ: طَلْقَةٌ رَجْعِيَّةٌ، وقِيلَ: بائِنَةٌ، ولا عِدَّةَ عَلَيْهَا - لَكَفَى قَوْلُهُ: ( عَلِيمٌ )؛ لِمَا عُرِفَ مِنْ بَلاغَةِ الْقُرْآنِ.
وَأَنَّ فَوَاصِلَ الآيَاتِ تُشِيرُ إلَى مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ السَّابِقَةُ، فَإِذَا وَقَعَ الطَّلاقُ، فَإِنَّهُ يَكُونُ رَجْعِيًّا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ. وَلِغَيْرِهِمْ تَفَاصِيلُ لا يَقُومُ عَلَيْهَا دَلِيلٌ.
4/1027 - وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ إِيلاءُ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، فَوَقَّتَ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيلاءٍ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ.
(وَعَن ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: كَانَ إيلاءُ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، فَوَقَّتَ اللَّهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَلَيْسَ بِإِيلاءٍ. أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ)، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ أَيْضاً عَنْهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كَانَت الْعَرَبُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَحْلِفُ بِثَلاثَةِ أَشْيَاءَ.
وَفِي لَفْظٍ: " كَانُوا يُطَلِّقُونَ الطَّلاقَ وَالظِّهَارَ وَالإِيلاءَ، فَنَقَلَ تَعَالَى الإِيلاءَ وَالظِّهَارَ عَمَّا كَانَ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ إيقَاعِ الْفُرْقَةِ عَلَى الزَّوْجَةِ، إلَى مَا اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ حُكْمُهُمَا فِي الشَّرْعِ، وَبَقِيَ حُكْمُ الطَّلاقِ عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ ".
وَالْحَدِيثُ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَقَلَّ مَا يَنْعَقِدُ بِهِ الإِيلاءُ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ.


  #3  
قديم 22 محرم 1430هـ/18-01-2009م, 02:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي توضيح الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام


بَابُ الإيلاءِ
مُقَدِّمَةٌ
الإيلاءُ: بالمَدِّ مَصْدَرُ آلَى يُؤْلِي إِيلاءً، والأَلِيَّةُ وَزْنُ عَطِيَّةٍ: اليَمِينُ، وجَمْعُها أَلاَيَا، بوَزْنِ خَطَايَا.
والإيلاءُ لُغَةً: الحَلِفُ.
وشَرْعاً: حَلِفُ زَوْجٍ قَادِرٍ على الوَطْءِ باللهِ تعالى أو صِفَةٍ مِن صِفَاتِه، على تَرْكِ وَطْءِ زَوْجَتِه في قُبُلِها، مُدَّةً تَزِيدُ على أربعةِ أَشْهُرٍ.
وهو مُحَرَّمٌ؛ لأنَّه يَمِينٌ عَلَى تَرْكِ أَمْرٍ وَاجِبٍ عليهِ.
وهو ثَابِتٌ بالكتابِ والسُّنَّةِ والإجماعِ؛ أمَّا الكتابُ فقولُه تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} الآيةَ [البقرة: 226].
وأَمَّا السُّنَّةُ: فقَدْ آلَى رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِن نِسائِهِ شَهْراً، والإيلاءُ المُحَرَّمُ أَكْثَرُ مِن أربعةِ أَشْهُرٍ.
وقدْ أَجْمَعَ عليهِ العلماءُ في الجملةِ.
وللإيلاءِ أَرْبَعَةُ شُرُوطٍ:
أحَدُها: أنْ يَحْلِفَ على تَرْكِ الوَطْءِ في القُبُلِ، فإنْ تَرَكَه بلا يَمِينٍ، لَمْ يَكُنْ مُولياً.
الثاني: أنْ يَحْلِفَ باللهِ تعالى، أو بِصِفَةٍ من صِفاتِهِ، فإنْ حَلَفَ بنَذْرٍ، أو تَحْرِيمٍ، أَوْ ظِهَارٍ، ونحوِ ذلك فلَيْسَ بمُولٍ.
الثالِثُ: أنْ يَحْلِفَ على أَكْثَرَ مِن أربعةِ أَشْهُرٍ، أو يُعَلِّقَه على شَرْطٍ يَغْلِبُ علَى الظَّنِّ ألاَّ يُوجَدَ في أقَلَّ مِنْها، وإلاَّ فَلَيْسَ بمُولٍ.
الرابعُ: أنْ يَكُونَ الإيلاءُ مِن زوجٍ يُمْكِنُه الوَطْءُ، فلا يَصِحُّ من صَبِيٍّ غَيْرِ مُمَيِّزٍ، ولا مِن عَاجِزٍ عَن الوَطْءِ بنحوِ جَبٍّ.
944- عَن عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عنهَا قَالَتْ: آلَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِن نِسَائِهِ وحَرَّمَ، فَجَعَلَ الْحَلالَ حَرَاماً، وَجَعَلَ لِلْيَمِينِ كَفَّارَةً. رَواهُ التِّرْمِذِيُّ، ورُواتُه ثِقَاتٌ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* دَرجَةُ الحَديثِ:
الحديثُ: الصَّوَابُ فيهِ أنَّه مُرْسَلٌ عن الشَّعْبِيِّ عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ.
قالَ التِّرْمِذِيُّ: حديثُ مَسْلَمَةَ بنِ عَلْقَمَةَ عن دَاوُدَ، رواهُ عَلِيُّ بنُ مُسْهِرٍ وغيرُه، عن دَاوُدَ، عن الشَّعْبِيِّ، عن النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مُرْسلاً، ولَيْسَ فيه: عن مَسْرُوقٍ، عَن عَائِشَةَ، وهذا أصَحُّ من حديثِ مَسْلَمَةَ بنِ عَلْقَمَةَ.
* مُفْرداتُ الحديثِ:
- آلَى مِن نِسَائِهِ: آلَى يُؤْلِي، والأَلِيَّةُ: اليَمِينُ، والجَمْعُ أَلاَيَا، كعَطِيَّةٍ وعَطَايَا، وإنَّما عُدِّيَ بكلمةِ (مِن)، وهو لا يُعَدَّى إلاَّ بكلمةِ (عَلَى)؛ لأنَّه ضُمِّنَ فيهِ مَعْنَى البُعْدِ، ويَجوزُ أَنْ تَكُونَ (مِن) للتعليلِ.
قالَ العَيْنِيُّ: ومعنى إيلائِه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من نسائِه: أنَّه حَلَفَ ألاَّ يَدْخُلَ عَلَيْهِنَّ شَهْراً، ولَيْسَ المُرادُ مِنْهُ الإيلاءُ المُتعارَفُ بَيْنَ الفُقَهَاءِ، وهو الحَلِفُ على تَرْكِ جِماعِ امْرَأَتِهِ أربعةَ أَشْهُرٍ أو أَكْثَرَ.

945- وعَنِ ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهُما قالَ: إِذَا مَضَتْ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ، وُقِّفَ المُولِي حَتَّى يُطَلِّقَ، ولا يَقَعُ الطلاقُ حَتَّى يُطَلِّقَ. أخْرَجَهُ البخاريُّ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* مُفْرداتُ الحديثِ:
- وُقِّفَ: وَقَّفَ وأَوْقَفَ لُغتانِ، والفصيحُ: وَقَّفَ بدونِ أَلِفٍ، وللتوقيفِ مَعانٍ كثيرةٌ، والمرادُ هنا: مَنْعُ القاضِي المُولِيَ عن التَّمادِي في إيلائِه، فإمَّا أَنْ يَطَأَ، وإمَّا أَنْ يُطَلِّقَ.
* مَا يُؤْخَذُ من الحَديثَيْنِ:
1- جاءَ في الصحيحَيْنِ من حديثِ عَائِشَةَ: (أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ آلَى مِنْ نِسَائِهِ شَهْراً، فنَزَلَ لتِسْعٍ وعِشْرِينَ).
واخْتَلَفَ العلماءُ في سَبَبِ إيلائِه، والذي في صَحيحِ مُسْلِمٍ عن جَابِرٍ أنه بسَببِ طَلَبِهِنَّ منه النَّفَقَةَ.
2- والنبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ أحْلَمُ الناسِ، وأَوْسَعُهم خُلُقاً، وأحْسَنُهم عِشْرَةً لأهْلِه؛ ولذا فإِنَّه لَمْ يُؤْلِ مِنْهُنَّ إلاَّ لتَأْدِيبِهِنَّ، لِيَكُنَّ أَكْمَلَ النساءِ اسْتِقامَةً وخلقاً، فالصَّغِيرَةُ مِن الفَاضِلِ كَبِيرَةٌ.
3- إيلاءُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ من الإيلاءِ المُباحِ؛ لأنَّه لَمْ يُؤْلِ إلاَّ شَهْراً.
4- إذا آلَى الرجُلُ من زَوْجَتِه أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فعَلَيْهَا أنْ تَصْبِرَ هذه المُدَّةَ، ولَيْسَ لَهَا مُطالَبَتُه بالفَيْئَةِ.
فإذا مَضَتِ الأربعةُ الأشْهُرِ، فلَهَا عِنْدَ انقضائِها مُطالَبَتُه بالفَيْئَةِ، فإنْ فَاءَ بالوَطْءِ فذاك، وإنْ لَمْ يَفِئْ أجْبَرَه الحاكِمُ بطَلَبِ الزوجَةِ على الوَطْءِ أو الطَّلاقِ.
5- في الحديثِ جَوازُ الإيلاءِ من الزوجَتَيْنِ فأكْثَرَ بإيلاءٍ واحدٍ، فإنَّه لَمْ يَرِدْ أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ كَرَّرَهُ على نسائِه.
6- وفيهِ أَنَّ تَرْكَ جِمَاعِهِ وهَجْرَه إِيَّاهَا في المَضْجَعِ المُدَّةَ المُباحَةَ جَائِزٌ؛ لتَأْدِيبِها وزَجْرِها.
7- إذا فاءَ المُولِي قبلَ أَرْبَعَةِ أشْهُرٍ إذا حَلَفَها، فعليهِ الكَفَّارَةُ؛ عَمَلاً بحديثِ: ((مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ، فَرَأَى غَيْرَهَا خَيْراً مِنْهَا، فَلْيَأْتِ الَّتِي هِيَ خَيْرٌ، وَلْيُكَفِّرْ عَنْ يَمِينِهِ)) وأمَّا إذا لَمْ يَفِئْ إِلاَّ بَعْدَ الأربعةِ، فَلاَ كَفَّارَةَ عليهِ؛ لأنَّه لَمْ يَحْنَثْ بيَمِينِه.
8- وفي الحديثِ جَوازُ الإيلاءِ لغَرضٍ صحيحٍ؛ لأننا نَعْلَمُ يَقِيناً أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ لَمْ يُؤْلِ إلاَّ لغَرَضٍ صحيحٍ، من ذلك تَأْدِيبُ الزوجةِ وتَرْبِيَتُها، فإنَّ الإيلاءَ مِن أعْظَمِ العُقوباتِ على الزوجةِ، وكلُّ عَاصٍ يُؤَدَّبُ بما يَرْدَعُه.
9- مُدَّةُ إيلاءِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ هنا مُطْلَقَةٌ، ولكنْ بَيَّنَها الحديثُ الذي في الصحيحَيْنِ من أنَّه آلَى شَهْراً.
10- وفي جَعْلِه الحلالَ حَرَاماً ما يَعْنِي أنَّ جِماعَ الرجُلِ زَوْجَتَهُ حَلالٌ، فحَرَّمَه على نَفْسِه بيَمينِه، وهو تَحْرِيمٌ مُعْتَبَرٌ شَرْعاً؛ فقَدْ قالَ تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكَ} [التحريم: 1].
11- قولُه: (جَعَلَ لِلْيَمِينِ كَفَّارَةً) يعني أنَّ إِيلاءَهُ بتَحْرِيمِ زَوْجَتِه يَمِينٌ، ولكنَّ الكَفَّارَةَ تَجْعَلُ هذا اليَمِينَ المُحَرَّمَ حَلالاً، قالَ تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: 2].
12- الكَفَّارَةُ هِيَ تَخْيِيرُ الحَالِفِ المُكَفِّرِ بينَ إِطْعامِ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ، أو كِسْوَتِهِم، أو عِتْقِ رَقَبَةٍ، فإنْ لَمْ يَجِدْ فصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ، قالَ تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة: 89].
13- ويَدُلُّ حديثُ (945) علَى أنَّ مُدَّةَ الإيلاءِ المُباحِ هي أربعةُ أَشْهُرٍ، وأنَّ مَا زَادَ عليها، فغَيْرُ مَأْذُونٍ فيه، وإنَّما يَجِبُ على المُولِي أَنْ يَفِيءَ أوْ يُطَلِّقَ.
14- ويَدُلُّ أيضاً على أنَّ الطلاقَ أَوِ انْفِسَاخَ النِّكاحِ، لا يَكُونُ بمُجَرَّدِ مُضِيِّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ قَبْلَ الفَيْئَةِ، وإنَّما النِّكَاحُ بَاقٍ، ولا يَقَعُ الطلاقُ حَتَّى يُطَلِّقَ الزوجُ، ولو بإِجْبَارِه من الحاكِمِ؛ لأنَّ هذا إكراهٌ بحَقٍّ.
946- وعن سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: أَدْرَكْتُ بِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلاً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ، كُلُّهم يَقِفُونَ المُؤْلِيَ. رواهُ الشَّافِعِيُّ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* دَرجَةُ الحَديثِ:
الحديثُ صَحِيحٌ.
أخْرَجَهُ الشافعِيُّ فقالَ: أخْبَرَنَا سُفْيَانُ بنُ عُيَيْنَةَ، عن يَحْيَى بنِ سَعيدٍ، عن سُلَيْمَانَ بنِ يَسَارٍ... فذَكَرَهُ.
وبهذا الإسنادِ أَخْرَجَه ابنُ أبي شَيْبَةَ وأحمدُ في مَسائِلِ ابْنِه عنه، وهذا إسنادٌ صَحيحٌ على شَرْطِ الشيخَيْنِ.
* مُفْرداتُ الحديثِ:
- بضعةَ عَشَرَ: البِضْعَةُ بكَسْرِ الباءِ ما بَيْنَ الثلاثِ إلى التِّسْعِ.
- يَقِفُونَ أي: يُحَدِّدُونَ لَهُ مُدَّةَ الإيلاءِ المُباحَةَ أربعةَ أَشْهُرٍ.
948- وعَنِ ابنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُما قالَ: كَانَ إِيلاءُ الْجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ وَالسَّنَتَيْنِ، فَوَقَّتَ اللهُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَلَيْسَ بِإِيلاءٍ. أخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* دَرجَةُ الحَديثِ:
الحديثُ حَسَنٌ.
قالَ الشَّوْكَانِيُّ في تَفْسِيرِهِ: أَخْرَجَه سَعِيدُ بنُ مَنْصُورٍ، وعَبْدُ بنُ حُمَيْدٍ، والطَّبَرانِيُّ، والبَيْهَقِيُّ، عَنِ ابنِ عَبَّاسٍ، قالَ: (كانَ إيلاءُ الجَاهِلِيَّةِ السَّنَةَ والسَّنَتَيْنِ وأَكْثَرَ من ذلك، فوَقَّتَ اللهُ لَهُم أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ). قالَ الهَيْثَمِيُّ: رِجَالُه رِجالُ الصَّحِيحِ.
* مُفْرداتُ الحديثِ:
- فَوَقَّتَ اللهُ: مِن التوقيتِ، أي: حَدَّدَ اللهُ وَقْتَهُ.
* مَا يُؤْخَذُ من الأحاديثِ:
1- المُؤْلِي يُمْهَلُ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فلا تَطْلُبُه زَوْجَتُه بالفَيْئَةِ، وعندَ انقضاءِ مُدَّةِ الأربعةِ الأشْهُرِ، فلها مُطالَبَتُه بالفَيْئَةِ، فإذا طَالَبَتْهُ، أمَرَه الحاكِمُ بالوَطْءِ، فإنِ امْتَنَعَ بلا عُذْرٍ يَمْنَعُ الوَطْءَ، أجْبَرَهُ الحاكِمُ على الطلاقِ، فإنْ لَمْ يُطَلِّقْ، طَلَّقَ عليهِ الحَاكِمُ.
2- إنْ كانَ هناكَ عُذْرٌ من الوَطْءِ في الزوجِ أو الزوجةِ، أمَرَه الحاكِمُ أَنْ يَفِيءَ بلِسَانِه، بأنْ يَقُولَ: مَتَى قَدَرْتُ عَلَى الوَطْءِ وَطِئْتُ.
3- أمَّا الحَدِيثُ رَقْمُ (947) فيَدُلُّ على سَمَاحَةِ هذه الشريعةِ وعَدالتِها، وتَهْذِيبِها العاداتِ الجَاهِلِيَّةَ، إنْ كَانَتْ قَابِلَةً للتهْذِيبِ، أو إبطالِها إنْ كانَت مَفْسَدَةً مَحْضَةً.
4- الإيلاءُ فيهِ تَأْدِيبٌ للنِّساءِ العاصياتِ النَّاشِزاتِ على أزواجِهِنَّ، فأُبِيحَ منه بقَدْرِ الحاجةِ وهو أربعةُ أَشْهُرٍ، أمَّا ما زَادَ على ذلك، فإنَّه ظُلْمٌ وجَوْرٌ، ورُبَّما حَمَلَ المرأةَ على ارْتِكابِ المَعْصِيَةِ، إنْ لَمْ يَحْمِلِ الزَّوْجَيْنِ كِلَيْهما، فأَلْغَتْهُ الشريعةُ الإسلاميةُ.
5- الجاهليُّونَ فيهم قَسْوَةٌ وظُلْمٌ على الضعيفِ منهم؛ من امرأةٍ أو بِنْتٍ، فكانَ مِن قَسْوَتِهم إيلاؤُهم السَّنَةَ والسَّنَتَيْنِ، يَحْلِفُونَ أنْ لا يُجامِعُوا المرأةَ فيها، وهذا ظُلْمٌ كَبِيرٌ، وجَوْرٌ عَظِيمٌ، رُبَّما يَجُرُّ إلى المَفاسِدِ، ويَدْعُو إلى الفِراقِ والشِّقاقِ، فأَبْطَلَهُ الإسلامُ، وأَبْقَى منه مَا تَدْعُو الحاجَةُ إليه، وهو تَوْقِيتُه بأربعةِ أَشْهُرٍ، قالَ تعالى: {لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ} الآية [البقرة: 226].
6- مَعْنَى قولِه: "يَقِفُونَ المُؤْلِيَ" أي: يُحَدِّدُونَ لَهُ مُدَّةَ الإيلاءِ المُباحَةَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ، فإذا مَضَتْ أَوْقَفُوهُ عندَ هذا الحدِّ؛ إمَّا أنْ يَفِيءَ، وإمَّا أَنْ يُطَلِّقَ، ولا يُضارَّ الزَّوْجَةَ بتَرْكِ الجِمَاعِ، فمَن ضَارَّ، ضَارَّهُ اللهُ.
7- قولُه: (فَإِنْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَلَيْسَ بالإيلاءِ) معَ ما سَبَقَ عَن عَائِشَةَ, أنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ آلَى مِن نِسَائِهِ شَهْراً، فمُرادُه: لَيْسَ بإيلاءٍ مُحَرَّمٍ.
فالإيلاءُ: هو الحَلِفُ على تَرْكِ وَطْءِ الزَّوْجَةِ، فإنْ كَانَ أَقَلَّ مِن أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فهذا إيلاءٌ مُباحٌ، وليسَ بإيلاءِ الذي تَجْرِي فيهِ أَحْكَامُه: مِن المُطالَبَةِ، والتَّرافُعِ إلى الحَاكِمِ، وإجبارِ الزوجِ على الفَيْئَةِ أو الطلاقِ.

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الإيلاء, باب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 09:12 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir