908- وعن صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ رَضِيَ اللهُ عنهَا قَالَتْ: أَوْلَمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عَلَى بَعْضِ نِسَائِهِ بِمُدَّيْنِ مِنْ شَعِيرٍ. أَخْرَجَهُ البُخارِيُّ.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
* مُفْرداتُ الحديثِ:
- مُدَّيْنِ: تَثْنِيَةُ مُدٍّ، والمُدُّ رُبُعُ الصَّاعِ، فالمُدَّانِ نِصْفُ الصاعِ النبويِّ، وقَدْرُ المُدَّيْنِ بالمِكْيالِ المُعاصِرِ بعدَ أَنْ حُوِّلَ إلى الوَزْنِ: (1500) غراماً تقريباً.
- شَعِيرٍ: هو الحَبُّ المعروفُ، وهو نَباتٌ عُشْبِيٌّ حَبِّيٌّ، من الفصيلةِ الجِيلِيَّةِ.
909- وعن أَنَسٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: أقامَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بينَ خَيْبَرَ والمَدِينَةِ ثَلاثَ لَيَالٍ، يُبْنَى عَلَيْهِ بِصَفِيَّةَ، فَدَعَوْتُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى وَلِيمَتِهِ، فَمَا كَانَ فِيهَا مِنْ خُبْزٍ وَلاَ لَحْمٍ، وَمَا كَانَ فِيهَا إِلاَّ أَنْ أَمَرَ بِالأَنْطَاعِ، فَبُسِطَتْ، فَأُلْقِيَ عَلَيْهَا التَّمْرُ، وَالأَقِطُ، وَالسَّمْنُ. مُتَّفَقٌ عليهِ، واللفظُ للبخاريِّ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* مُفْرداتُ الحديثِ:
- يُبْنَى عليهِ: البِنَاءُ هو الزِّفافُ، قالَ ابْنُ الأَثِيرِ: البِنَاءُ والاستبناءُ: الدخولُ بالزوجةِ، والأصْلُ فيه: أنَّ الرجُلَ كانَ إذا تَزَوَّجَ بامرأةٍ، بَنَى عليها قُبَّةً؛ ليَدْخُلَ بها فيها، فيُقالُ: بَنَى الرجُلُ بأهْلِه، وقد بُنِيَ للنبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عندَ دُخولِه بصَفِيَّةَ.
- الأنْطَاعُ: واحِدُها نَطْعٌ، بفتحِ النونِ وكَسْرِها، ومعَ كلِّ واحدٍ: فتحُ الطاءِ وسُكونُها، كما في المِصْباحِ، وهو النَساطُ من الجُلودِ المَدْبُوغَةِ، يُجْمَعُ بعضُها إلى بعضٍ.
- الأَقِطُ: بفتحِ الهمزةِ: اللَّبَنُ المَطْبوخُ حتى يَتَبَخَّرَ مَاؤُه، ويَغْلُظَ، ثم يُعْمَلُ منه أَقْرَاصٌ صَغِيرَةٌ، فتُؤْكَلُ لَيِّنَةً ومُتحَجِّرَةً.
- حَيْساً بفتحِ الحاءِ، وسكونِ الياءِ، آخِرَه سينٌ مهملةٌ، وهو: ما جَمَعَ هذه الأخلاطَ، من التَّمْرِ والأَقِطِ والسَّمْنِ، وقدْ جَاءَ"حَيْساً" في بعضِ الرواياتِ.
وقالَ ابْنُ سِيدَهْ: الحَيْسُ: هو الأَقِطُ يُخْلَطُ بالسَّمْنِ والتَّمْرِ، حَاسَهُ حَيْساً، وحَيَّسَهُ: خَلَطَهُ.
* مَا يُؤْخَذُ من الحَدِيثَيْنِ:
1- في الحَدِيثيْنِ مَشْرُوعِيَّةُ الوليمةِ في الزواجِ؛ لأنَّ ذلك من إظهارِ السرورِ والفرحِ؛ ولأنَّ الوليمةَ هي سَبَبُ الاجتماعِ والسؤالِ عن مناسبتِها الداعيَ إليها، وكلُّ هذا مِن إعلانِ النكاحِ وإشهارِه.
2- أنَّ الوليمةَ تَكُونُ على الزوجِ دونَ الزوجةِ وأوليائِها؛ لأنَّ الزوجيْنِ هما صَاحِبَا العُرْسِ، والزوجُ هو المُنْفِقُ، فتَكُونُ عليه.
والنبيُّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قالَ للزَّوْجِ: ((أَوْلِمْ وَلَوْ بِشَاةٍ)). فهو المُخاطَبُ بذلك.
3- أنَّ وَقْتَ الوليمةِ هو عندَ البناءِ بالزوجةِ، والدخولِ عليها؛ لأنَّ هذه الفَتْرَةَ هي المَقصودةُ من النكاحِ، وما قَبْلَها تَمْهِيدٌ لها، وتَقَدَّمَ كلامُ صَاحِبِ (الإنصافِ) مِن أَنَّ وَقْتَها مُوسَّعٌ مِن حينِ العَقْدِ إلى انتهاءِ أيامِ العُرْسِ.
4- أنَّ المشروعَ هو تَخْفيفُ الوليمةِ، والدعوةُ إليها، والاستعدادُ لها, فإنْ كَانَ الإنسانُ مُوسِراً فتَكُونُ بالشاتَيْنِ والثلاثِ فأكْثَرَ قليلاً، حَسَبَ حَالِ الزوجِ، وقَدْرِ المَدْعُوِّينَ، وإنْ كَانَ في حَالَةِ سَفَرٍ، أو حالةِ عُسْرَةٍ، فيَكْفِي ما تَيَسَّرَ من الطَّعَامِ والشَّرَابِ.
5- أنَّ صُنْعَ الوليمةِ للزَّواجِ مُتَأَكِّدٌ جِدًّا فالسَّفَرُ والتَّخَفُّفُ من الزادِ فيه لَمْ يَمْنَعْ من إعدادِها، والاجتماعِ لها.
6- وفيهِ جَوازُ المُناهَدَةِ، قالَ الشيخُ تَقِيُّ الدينِ: المُناهَدَةُ هي: أَنْ يُخْرِجَ كُلُّ واحِدٍ مِن الرُّفْقَةِ شَيْئاً من النَّفَقَةِ، ويَدْفَعُونَ إلى مَن يُنْفِقُ عليهم منه، ويَأْكُلُونَ جميعاً، فلو أكَلَ بعضُهم أكْثَرَ أو تَصَدَّقَ، جازَ، ولَمْ يَزَلِ الناسُ يَفْعَلُونَه.
7- قُلْتُ: ومَا فَعَلَه أصحابُ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِن إلقاءِ ما مَعَهم من التَّمْرِ والأَقِطِ والسَّمْنِ، فإنَّه يُشْبِهُ ما يُعْمَلُ في بعضِ المناطِقِ من تَقديمِ إعاناتٍ على إقامةِ وليمةِ العُرْسِ، ويُسَمَّى عندَهم الرفدَ.