844- وعَنِ ابنِ عُمَرَ ـ رَضِيَ اللهُ عنهُما ـ قالَ: قَالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ: ((لاَ يَخْطُبْ أَحَدُكُمْ عَلَى خِطْبَةِ أَخِيهِ، حَتَّى يَتْرُكَ الخَاطِبُ قَبْلَهُ، أَوْ يَأْذَنَ لَهُ)). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، واللفظُ للبُخاريِّ.
ــــــــــــــــــــــــــــــ
* مُفْرَدَاتُ الحَدِيثِ:
- لا يَخْطُبْ: ((لا)) ناهيةٌ، والفِعْلُ بعدَها مَجزومٌ بها، وهو مِن بَابِ قَتَلَ، والخِطْبَةُ بكَسْرِ الخاءِ: طَلَبُ المرأةِ للزَّواجِ، والخَطِيبَةُ: المرأةُ المَخْطُوبَةُ.
* مَا يُؤْخَذُ مِن الحَدِيثِ:
1- النَّهْيُ عن خِطْبَةِ المَرْأَةِ على خِطْبَةِ آخَرَ تَقَدَّمَ، والنَّهْيُ أصلُه التحريمُ.
2- قالَ في (الكَشَّافِ) ما خُلاصَتُه: ولا يَحِلُّ لرجُلٍ أَنْ يَخْطُبَ امْرَأَةً عَلَى خِطْبَةِ مُسْلِمٍ إنْ عَلِمَ الخاطِبُ الثاني بخِطْبَةِ الأولِ.
فإنْ خَطَبَ على خِطْبَتِه صَحَّ العَقْدُ؛ لأنَّ التَّحْرِيمَ لَيْسَ في صُلْبِ العَقْدِ، فلَمْ يُؤَثِّرْ فيه, وفيهِ خِلافٌ سيأتي.
3- فإنْ لَمْ يَعْلَمِ الثاني جَازَ؛ لأنَّه مَعْذُورٌ، أو رُدَّتْ خِطْبَةُ الأولِ جَازَ، أو أَذِنَ الأولُ للثاني في الخِطْبَةِ جازَ؛ لأنه أَسْقَطَ حَقَّه، أو تَرَكَ الأَوَّلُ الخِطْبَةَ جَازَ للثاني أنْ يَخْطُبَ.
4- ولا يُكْرَهُ للولِيِّ ولا للمرأةِ الرجوعُ عن الإجابةِ لغَرَضٍ صَحيحٍ؛ لأنه عَقْدٌ يَدُومُ الضَّرَرُ فيه، فكانَ لها الاحتياطُ لنَفْسِها والنظَرُ في حَظِّها، أمَّا رُجوعُها بلا غَرَضٍ صَحِيحٍ فيُكْرَهُ منه ومنها؛ لِمَا فيه من إخلافِ الوَعْدِ، ولكنَّه لا يَحْرُمُ؛ لأنَّ الحَقَّ لَمْ يَلْزَمْ بَعْدُ.
5- وتَحْرِيمُ الخِطْبَةِ على الخِطْبَةِ وِقَايةٌ إسلاميةٌ كريمةٌ عن وُقوعِ العَداواتِ، والشَّحْنَاءِ بينَ المسلمين، فإنَّ الإسلامَ يَحُثُّ على الأُلْفَةِ والمَوَدَّةِ، ويُبْعِدُ كُلَّ مَا مِن شَأْنِهِ إحداثُ التباغُضِ، والتعادي بينَ المسلمين.
و: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَإِخْوَةٌ} [الحجرات: 10].
و: ((الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ)).
و: ((لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ)).
فهذهِ هي آدابُ الإسلامِ، وأهدافُه الكريمةُ، ومقاصدُه الحَسَنةُ، جَعَلَنا اللهُ تعالى مِمَّن اتَّصَفَ بهذهِ الأوصافِ الحَمِيدَةِ، آمينَ.
* خِلافُ العُلماءِ:
قالَ شيخُ الإسلامِ: اتَّفَقَ الأئِمَّةُ الأربعةُ على تَحْريمِ الخِطْبَةِ على خِطْبَةِ الرجُلِ، وتَنازَعُوا في صِحَّةِ نِكاحِ الثاني على قوليْنِ:
أحدُهما: ذَهَبَ مَالِكٌ إلى أنَّه بَاطِلٌ، وهي إحْدَى الروايتيْنِ عن أحمدَ.
الثاني: أنَّه صَحِيحٌ، وهو مَذْهَبُ الأئِمَّةِ الثلاثَةِ، معَ اتِّفَاقِهم على أنَّ فَاعِلَ ذلك عاصٍ للهِ ولرسولِه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ وتَجِبُ عُقوبَتُه.