دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > العقيدة > متون العقيدة > لمعة الاعتقاد

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 2 ذو القعدة 1429هـ/31-10-2008م, 11:59 PM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي قصة الآذَرْمي مع ابن أبي دؤاد في مجلس الخليفة الواثق بالله

وَقَالَ مُحمَّدُ بنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الأَذْرَمِيُّ لرَجُلٍ تَكَلَّمَ بِبِدْعَةٍ وَدَعَا النَّاسَ إِلَيْهَا: هَلْ عَلِمَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، رضي الله عنهم أَوْ لَمْ يَعْلَمُوهَا ؟
قَالَ : لَمْ يَعْلَمُوهَا.
قَالَ : فَشَيْءٌ لَمْ يَعْلَمْهُ هَؤُلاَءِ أَعَلِمْتَهُ أَنْتَ ؟!!
قَالَ الرَّجُلُ : إِنِّي أَقُولُ : قَدْ عَلِمُوه .
قَالَ : أَفوَسِعَهُمْ أَنْ لاَ يَتَكَلَّمُوا بِهِ ، وَلاَ يَدْعُوا النَّاسَ إِليهِ أَو لَمْ يَسَعْهُمْ ؟
قَالَ : بَل وَسِعَهُم .
قَالَ : فَشَيْءٌ وَسِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَخُلَفَاءَهُ ، لاَ يَسَعُكَ أَنْتَ ؟!! فَانْقَطَعَ الرَّجُلُ .
فَقَالَ الخَلِيفَةُ - وَكَانَ حَاضِرًا -: ( لاَ وَسَّعَ اللهُ عَلَى مَنْ لَمْ يَسعْهُ مَا وَسِعَهُمْ ) .
وَهَكَذَا مَنْ لَمْ يَسَعْهُ مَا وَسِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ وَالتَّابِعينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَالأَئِمَّةَ مِنْ بَعْدِهِمْ والرَّاسِخِينَ في العِلْمِ مِنْ تِلاَوَةِ آياتِ الصِّفَاتِ وَقِراءَةِ أَخْبَارِهَا وَإِمْرَارِهَا كَمَا جَاءَتْ فَلاَ وَسَّعَ اللهُ عَلَيْهِ.


  #2  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 04:43 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ ابن عثيمين رحمه الله

(2) مُنَاظَرَةٌ جَرَت عندَ خَلِيفَةٍ بينَ الأَدْرَمِيِّ وصاحِبِ بدعَةٍ :
لم أَطَّلِعْ على تَرْجَمَةٍ للأَدْرَمِيِّ ومَنْ مَعَهُ ، ولا أعْلَمُ نوْعَ البدعةِ المذكورةِ (4) ، والمهِمُّ أن نَعْرِفَ مَراحِلَ هذه المناظَرَةِ ؛ لنَكْتَسِبَ منها طريقًا لكيفيَّةِ المناظَرَةِ بينَ الخصومِ ، وقدْ بَنَى الأَدْرَمِيُّ - رحِمَهُ اللهُ - مناظَرَتَهُ هذه على مراحِلَ ؛ ليَعْبُرَ مِنْ كلِّ مرْحَلَةٍ إلى التي تليها حتَّى يُفْحِمَ خَصْمَهُ.
المرحلةُ الأولَى:
العِلْمُ ، فقدْ سأَلَهُ الأَدْرَمِيُّ : هلْ عَلِمَ هذه البدعةَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وخلفاؤُهُ ؟ قالَ البِدْعِيُّ : لم يعلمُوها .
وهذا النَّفْيُ يَتَضَمَّنُ انْتِقَاصَ النبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وخلفائِهِ ؛ حيثُ كانوا جاهلينَ بما هوَ مِنْ أهمِّ أمورِ الدِّينِ ، ومعَ ذلكَ فهوَ حُجَّةٌ على البِدْعِيِّ إذا كانوا لا يَعْلَمُونَهُ ، ولذلكَ انْتَقَلَ بِهِ الأَدْرَمِيُّ إلى:
المرحلةِ الثانيَةِ:
إذا كانُوا لا يَعْلَمُونَها ، فكيفَ تَعْلَمُها أنْتَ ؟ هلْ يُمْكِنُ أنْ يَحْجُبَ اللهُ عنْ رسولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وخلفائِهِ الراشدينَ عِلْمَ شيءٍ من الشريعةِ ويَفْتَحَهُ لكَ ؟ فتراجَعَ البِدْعِيُّ وقالَ : أقولُ : قدْ عَلِمُوها ، فانْتَقَلَ بِهِ إلى :
المرحلةِ الثالثةِ:
إذا كانوا قدْ عَلِمُوها، فهلْ وَسِعَهم - أيْ: أمْكَنَهم - أنْ لا يَتَكَلَّمُوا بذلكَ ولا يَدْعُوا الناسَ إليهِ أمْ لم يَسَعْهم ؟
فأجابَ البِدْعِيُّ بأنَّهُم وَسِعَهم السكوتُ وعدمُ الكلامِ ، فقال لهُ الأَدْرَمِيُّ : فشيءٌ وَسِعَ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وخلفاءَهُ لا يَسَعُكَ أنتَ ؟! فانْقَطَعَ الرجلُ وامْتَنَعَ عن الجوابِ ؛ لأنَّ البابَ انْسَدَّ أمامَهُ .
فصوَّبَ الخليفةُ رأيَ الأَدْرَمِيِّ وَدَعا بالضيقِ على منْ لم يَسَعْهُ مَا وَسِعَ النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ وخُلَفَاءَهُ .
وهكذا كلُّ صاحِبِ باطِلٍ مِنْ بدعَةٍ أوْ غيرِها ، فلا بدَّ أنْ يكونَ مآلُهُ الانقطاعَ عن الجوابِ .

حاشية الشيخ صالح العصيمي حفظه الله :
(4) أما الأدرمي فالصواب أنه : الآذرمي ـ بالمد والذال المعجمة ـ وهو أبو عبد الرحمن عبد الله بن محمد الآذرمي ، وهو صاحب القصة كما تراه في ( تاريخ بغداد ) للخطيب (10/77 ـ 78) و(مناقب أحمد)لابن الجوزي (ص 436) و (تهذيب التهذيب) (6/5) .
وأما مناظره فهو : أحمد بن أبي دؤاد الداعية إلى خلق القرآن كما في (تاريخ الخطيب) (10/75).
وأما الخليفة الذي حضر المناظرة فهو : الواثق بالله هارون بن المعتصم بالله محمد بن هارون الرشيد من خلفاء بني العباس ، وكأنها كانت سبب توبته من هذه المقالة كما يعلم من (كتاب التوابين)لابن قدامة ـ صاحب (اللمعة) ـ (ص194).
وأما البدعة التي جرت المناظرة بسببها فهي : بدعة القول بخلق القرآن.


  #3  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 04:44 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ ابن جبرين

(4) هذهِ القصَّةُ مَشْهُورَةٌ في كُتُبِ السُّنَّةِ : تُوجَدُ فيها بِطُرُقٍ كثيرةٍ وبألفاظٍ كثيرةٍ، كما في كتابِ (الشَّريعةِ) لِلآجُرِّيِّ ، وغيرِهِ ، وفي (ترجمةِ الإمامِ أحمدَ) لابنِ الجَوْزِيِّ ، وفي غيرِهِ منْ كُتُبِ أهلِ السُّنَّةِ .
هذا الإمامُ سَمَّاهُ بَعْضُهُم مُحَمَّدَ بنَ عبدِ الرَّحمنِ ، وبعضُهُم سَمَّاهُ عبدَ اللهِ بنَ محمَّدٍ ، عالمٌ مِنْ عُلَمَاءِ الأمَّةِ .

ذَكَرُوا أنَّهُ لَمَّا أُحْضِرَ إلى الخليفةِ - والخليفةُ في زمنِهِ هوَ الواثقُ - قالَ لهُ : نَاظِرْ أبا عَبْدِ اللهِ ، يُرِيدُ المُبْتَدِعَ الخبيثَ الَّذي يُقَالُ لهُ : أحمدُ بنُ أبي دُؤَادٍ ؛ وكانَ هوَ الَّذي زَيَّنَ للخلفاءِ أنْ يَفْتِنُوا العلماءَ وأنْ يُلْزِمُوهُم بهذهِ البِدْعَةِ ؛ الَّتي هيَ القولُ بِخَلْقِ القرآنِ .

فقالَ هذا العالِمُ رَحِمَهُ اللهُ : إنَّهُ ليسَ أَهْلاً أنْ يُنَاظِرَنِي ، ولا أنْ أُنَاظِرَهُ .

فَغَضِبَ الخليفةُ وقالَ : أبو عَبْدِ اللهِ لَيْسَ كُفْؤًا وليسَ أَهْلاً ؟! فَطَمْأَنَهُ وقالَ : مَهْلاً ؛ سَوْفَ يَظْهَرُ الحَقُّ وَيَتَبَيَّنُ عِنْدَ المُنَاظَرَةِ ، أُنَاظِرُهُ تَمَشِّيًا على رَغْبَتِكَ .
وقدْ رُوِيَت القصَّةُ بألفاظٍ مُطَوَّلَةٍ كما في كتابِ (الشَّريعةِ) .
وَذَكَرُوا أنَّهُ جِيءَ بهِ مُوثَقًا ، إلاَّ أنَّهُ أَصَرَّ أنْ يُعْلِنَ أنَّ القرآنَ كَلاَمُ اللهِ غيرُ مَخْلُوقٍ .
فلمَّا أُحْضِرَ عندَ الخليفةِ وَبَدَأَ في المناظرةِ أَتَى بما مُلَخَّصُهُ أنْ قَالَ لهُ : هذهِ البِدْعَةُ ، أوْ هذهِ المَقَالَةُ الَّتي تَقُولُ بها أَنْتَ ، هَلْ عَلِمَهَا رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وأبو بَكْرٍ ، وَعُمَرُ ، وَعُثْمَانُ ، وَعَلِيٌّ - خلفاءُ الأمَّةِ الخلفاءُ الرَّاشدونَ ، خلفاءُ النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذينَ زَكَّاهُم وَشَهِدَ لهم بالهدايَةِ - هلْ عَلِمُوهَا أوْ لمْ يَعْلَمُوهَا ؟
فقالَ أَوَّلاً: ما عَلِمُوهَا .

فَتَعَجَّبَ وقالَ : كَيْفَ تَعْلَمُهَا أنتَ ، ولمْ يَعْلَمْهَا الصَّحابةُ والخلفاءُ الرَّاشدونَ ؟ ولم يَعْلَمْهَا الرَّسولُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلِمْتَهَا أنتَ ؟ هلْ نَزَلَ عليكَ وَحْيٌ ؟ هلْ أنتَ رَسُولٌ من اللهِ تَعَالَى ؟ ما الدَّليلُ على رِسَالَتِكَ ؟ ما هوَ الوحيُ الَّذي نَزَلَ عليكَ حتَّى تَكُونَ أنتَ أَعْلَمَ من الرَّسولِ وَأَعْلَمَ من الخلفاءِ ؟
فَتَحَيَّرَ ابنُ أَبِي دُؤَادٍ ، ولم يَجِدْ بُدًّا منْ أنْ يَقُولَ : بلْ عَلِمُوهَا.
فانْتَقَلَ محمَّدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ رَحِمَهُ اللهُ إلى أنْ يَقُولَ لهُ : ما دَامَ أنَّهم عَلِمُوهَا ، فَهَلْ دَعَوْا إليها ، وَفَتَنُوا النَّاسَ وَأَلْزَمُوهُم بما أَلْزَمْتَهُم بهِ ، وَعَذَّبُوا مَنْ أَنْكَرَهَا وَحَبَسُوهُم ، وَأَنْكَرُوا على مَنْ خَالَفَهُم ، أوْ لمْ يَدْعُوا إِلَيْهَا ؟
مِن المعلومِ أنَّهم ما دَعَوْا إليها ، بلْ ولمْ يُشْتَهَرْ أنَّهم قالوا : إنَّ القرآنَ مَخْلُوقٌ ، ولم يَقُلْ ذلكَ أحدٌ من الأمَّةِ .

فقالَ : لمْ يَدْعُوا إليها ، لا بُدَّ أنْ يَعْتَرِفَ ؛ لأنَّ التواريخَ في القِصَصِ المشهورةِ أنَّهم ما دَعَوْا إليها ، ولا فَتَنُوا أَحَدًا ، ولا أَلْزَمُوهُ أنْ يَقُولَ هذهِ المقالةَ الشَّنِيعَةَ ؛ الَّتي هيَ الإلزامُ بأنَّ القرآنَ مَخْلُوقٌ . فلمَّا لم يَجِدْ بُدًّا الْتَزَمَ وَاعْتَرَفَ بأنَّهُم ما دَعَوْا إليها .


فعِنْدَ ذلكَ قالَ لهُ : فَهَلاَّ وَسِعَكَ ما وَسِعَهُم ؛ ما دَامَ أنَّهم عَلِمُوهَا وَسَكَتُوا وَتَرَكُوا النَّاسَ على مُعْتَقَدَاتِهِم ولم يَفْتِنُوا أَحَدًا ، ولمْ يُلْزِمُوا أَحَدًا ، ولم يُعَذِّبُوا أَحَدًا ، ولم يَقُولُوا لهم : هذهِ المقالةُ باطلةٌ ، أوْ: هذهِ المقالةُ حَقٌّ ، أوْ نحوَ ذلكَ !! فَاسْكُتْ كَمَا سَكَتُوا ، وَيَسَعُكَ ما وَسِعَهُمْ ، فإنْ كُنْتَ عَلَى صوابٍ فَصَوَابُكَ لِنَفْسِكَ ، ولا تُغَيِّرْ عَقَائِدَ غَيْرِكَ ، وإنْ كُنْتَ على خَطَأٍ فَخَطَؤُكَ على نَفْسِكَ ، أمَّا غَيْرُكَ فلا تُغَيِّرْ عليهم ما دَامَ الرَّسولُ وَصَحَابَتُهُ لم يُغَيِّرُوا عليهم ، ولم يَفْتِنُوهُم ، فَانْقَطَعَتْ حُجَّتُهُ عندَ ذلكَ.
والخليفةُ الَّذي كانَ قدْ سَبَّبَ الفتنةَ - والَّذي كانَ أوَّلَ مَن اتَّصَلَ بهِ ابنُ أبي دُؤَادٍ وَبِشْرٌ الْمَرِيسِيُّ مِن الخُلَفَاءِ - هوَ الخليفةُ المأمونُ ، وهُوَ ابنُ هَارُونَ الرَّشيدِ .
هذا الخليفةُ هوَ الَّذي أَظْهَرَ قولَهُ بِخَلْقِ القرآنِ وَدَعَا إليهِ ، وَفَتَنَ كَثِيرًا من الأُمَّةِ ومِن الأَئِمَّةِ ، وَجِيءَ بالإمامِ أَحْمَدَ إليهِ ، فَدَعَا اللهَ أنْ لا يُرِيَهُ وَجْهَهُ ، فاستجابَ اللهُ دَعْوَتَهُ ، فَمَاتَ المأمونُ قَبْلَ أنْ يَصِلَ إليهِ الإمامُ أحمدُ .

ولكنْ تَوَلَّى الخلافةَ بعدَ المأمونِ أَخُوهُ المُعْتَصِمُ ، وكلاهُمَا منْ أولادِ الرَّشيدِ رَحِمَهُ اللهُ ، وهوَ رشيدٌ كاسْمِهِ ، كانَ يَغْزُو سَنَةً وَيَحُجُّ سَنَةً ، وكانَ يَنْصُرُ السُّنَّةَ كأبيهِ وَجَدِّهِ ، ولكنْ وَلَدَاهُ المأمونُ والمُعْتَصِمُ اتَّصَلَ بهمَا هؤلاءِ المُبْتَدِعَةُ ، وَزَيَّنُوا لَهُمَا البدعةَ الَّتي هيَ إنكارُ الصِّفاتِ ، وإنكارُ كلامِ اللهِ تَعَالَى ، وإنكارُ أنْ يَكُونَ القرآنُ كلامَهُ ، والقولُ بأنَّهُ مَخْلُوقٌ ، حتَّى جِيءَ بالإمامِ أحمدَ وَبَقِيَ سَجِينًا عندَ المُعْتَصِمِ ، وَجُلِدَ في زَمَنِهِ عِدَّةَ مرَّاتٍ ، وَأُطِيلَ تَعْذِيبُهُ ، وَعُذِّبَ عَذَابًا شَدِيدًا ، وَلَكِنَّهُ تَحَمَّلَ ذلكَ وَصَبَرَ .

ثمَّ بَعْدَ ثَمَانِي سِنِينَ مَاتَ المُعْتَصِمُ ، وَتَوَلَّى بعدَهُ وَلَدُهُ الواثقُ الَّذي جَرَتْ عِنْدَهُ قِصَّةُ الأَذْرَمِيِّ .
الواثقُ وَلَدُ المعتصمِ ، والصَّحيحُ أنَّهُ رَجَعَ عنْ هذهِ المقالةِ بسببِ هذهِ الحُجَّةِ الَّتي احْتَجَّ بها الأَذْرَمِيُّ رَحِمَهُ اللهُ.
وتولَّى بَعْدَهُ وَلَدُهُ المُتَوَكِّلُ بنُ الواثقِ ، وهوَ الَّذي نَصَرَ السُّنَّةَ ، وأَكْرَمَ الإمامَ أحمدَ ، وَأَعَزَّهُ وَمَكَّنَهُ منْ أنْ يُظْهِرَ السُّنَّةَ ، واسْتَدَلَّ على أنَّ أَبَاهُ الواثقَ قدْ رَجَعَ عنْ هذهِ المقالةِ بقصَّةِ الأَذْرَمِيِّ معهُ ؛ حيثُ إنَّهُ قالَ : لا وَسَّعَ اللهُ على مَنْ لمْ يَسَعْهُ ما وَسِعَ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيًّا ، ما دامَ أنَّهُ وَسِعَهُم السُّكوتُ ، فكيفَ لا يَسَعُنَا ؟! الأَوْلَى بِنَا أنْ نَسْكُتَ كَمَا سَكَتُوا ، وأنْ نَكِلَ النَّاسَ إلى ما يَعْتَقِدُونَهُ من الأدلَّةِ.
ومعَ أنَّ الإمامَ أحمدَ رَحِمَهُ اللهُ قدْ بَالَغَ في ذِكْرِ الأدلَّةِ الَّتي اسْتَدَلَّ بها عِنْدَهُم ، وَذَكَرَ لهم أحاديثَ وآياتٍ ، إلاَّ أنَّهم لمْ يَقْتَنِعُوا وَاسْتَمَرُّوا على مَقَالَتِهِم الباطلةِ إلى أنْ ظَهَرَ الحقُّ وَأَعَزَّ اللهُ أهلَهُ ، والحمدُ للهِ .


  #4  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 04:45 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح الشيخ صالح آل الشيخ

لا يوجد شرح للشيخ على هذا الموضوع


  #5  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 04:46 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post تيسير لمعة الاعتقاد للشيخ: عبد الرحمن بن صالح المحمود .حفظه الله (مفرغ)

ثم قال رحمه الله تعالى : (( وقال محمد بن عبد الرحمن الأذرميُّ لرجل
تكلّم ببدعةٍ ودعا الناس : هل علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي أو لم يعلموها ؟ قال : لم يعلموها . قال فشيءٌ لم يعلَمْه هؤلاء علمته أنت ؟ فقال الرجل فإِني أقول : قد علموها .
قال : أفوسِعَهم ألا يتكلموا به ، ولا يدعوا الناس إليه أم لم يسعهم ؟ قال : بلى وسعهم . قال : فشيءٌ وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءَه لا يسعك أنت !! فانقطع الرجل ، فقال الخليفة : _ وكان حاضراً _ لا وسَّع الله على من لم يَسَعْهُ ما وسعهم )) .

هذا الأذرمي _ بالذال _ إمام مشهور اسمه عبد الله بن محمد بن إسحاق الجزري أبو عبد الرحمن الأذرمي ، تتلمذ على وكيع بن الجراح ، وسفيان بن عيينة وغيرهم ، روى عنه أبو داود ، والنسائي ، وعبد الله بن الإمام أحمد ، وأبو يعلى الموصلي وغيرهم .
وهذا العالم الفاضل له ترجمة في (( تهذيب التهذيب )) للحافظ ابن حجر .
فيمن اسمه عبد الله . وقد أشار ابن حجر في تهذيب التهذيب إلى هذه القصة التي معنا . كما أن ياقوتاً الحموي في (( معجم البلدان )) لما تكلم عن مدينة أذرمة ترجم لهذا العالم وأشار إلى هذه القصة .
وقول ابن قدامة : (( لرجل تكلم ببدعة )) هذا الرجل هو شيخ المعتزلة في وقته أحمد بن أبي دؤاد . والبدعة التي جرى حولها النقاش هي بدعة القول بخلق القرآن. ومنهج هذا الإمام في مناقشة أحمد بن أبي دؤاد منهج قوي جداً ، ولقد وُفق في أسلوب العرض والمحاجّة أيَّما توفيق .
وأحب أن أقف وقفة قصيرة هنا عند قضية القول بخلق القرآن فأقول : إن القول بخلق القرآن ، هي القضية التي جعلها المعتزلة عنواناً لبدعتهم ، فإن المعتزلة ينفون عن الله الصفات كلها ، ومما نفوه عنه صفة الكلام ، فلما كان مستقراُ في نفوس المسلمين أن هذا القرآن الذي معنا هو كلام الله قالوا : هذا القرآن مخلوق من المخلوقات المنفصلة عن الله سبحانه وتعالى ، فهو كما خلق السموات والأرض وبني آدم ، خلق هذا القرآن ، فلم تقم بالله سبحانه وتعالى صفة تليق بجلاله وعظمته هي صفة الكلام .
وهذه القضية نذكرها هنا ، لأنني سمعت في أكثر من مناسبة أن هذه القضية قضية جزئية ، ما كانت تستحق ذلك الاهتمام الذي حظيت به في تاريخ الأمة ، حتى إن البعض قال : إن هذه القضية ما كانت لتستحق أن تكون سبباً لتلك الفتنة الكبرى التي امتحن فيها المؤمنون امتحاناً شديداً ، وثبت الله إمام أهل السنة أحمد بن حنبل وبعض العلماء رحمهم الله تعالى .
فأقول : إن هذه القضية قضية مرتبطة بمنهج المعتزلة العقلاني ، فالمعتزلة
قدموا عقولهم في هذا الباب , ودخلوا من مدخل سَّموْه هم توحيداً , وذلك من خلال قضايا متعددة أبرزها قضيتان :
الأولى : أنهم قالوا : إن إثبات الصفات لله يلزم منه التجسيم . فقالوا : إن إخلاص التوحيد لا يكون إلا بنفي الصفات عن الله حتى لا نشبه الله بخلقه .
الثانية: إن المعتزلة ناقشوا النصارى في شركهم وقولهم بأن هناك ثلاثة آلهة . فقالوا للنصارى : أنتم مشركون , تقولون : الأب والابن وروح القدس , وهذا شرك بالله , والله واحد لاشريك لـه .
فقالت النصارى : نحن غير مشركين , نحن نقول هذه أقانيم لإله واحد ؛ الأب , الابن , روح القدس . ثلاثة تساوي إلهاً واحداً , نظرية رياضية لا يصدق بها حتى الأطفال , وقال هؤلاء النصارى للمسلمين : إذا كنتم تتهموننا بأننا نقول بثلاثة آلهة , فأنتم تقولون بسبعة أو بعشرة أو بأكثر . كيف ذلك ؟
قالوا : أنتم تقولون : الله , السميع , البصير , له الكلام , الإرادة , القدرة , وتقولون : هذه صفات لإله واحد وهذا شرك أكبر من شركنا ؛ لأنكم إذا قلتم: إن صفات الله أزلية مع الله إذا جعلتم مع الله غيره , فجعلتم مع الله أكـثر من إله (1) .
فبسبب هذا النقاش قالت المعتزلة : إن إخلاص التوحيد لا يتحقق إلا بأن ننفي عن الله جميع الصفات , لأننا لو أثبتنا لله أي صفة , وقلنا : إنها أزلية , أثبتنا مع الله إلهاً آخر وقلنا بتعدد القدماء .
فأدى بهم هذا إلى نفي جميع الصفات عن الله سبحانه وتعالى من خلال منهج عقلي باطل , وضربوا بالكتاب والسنة والنصوص عرض الحائط , وأعملوا فيها تأويلاً وتحريفاً وتعطيلاً , فلما وصلوا في الدولة العباسية , إلى مناصب كبرى ومنها وصول أحمد بن أبي دؤاد إمام المعتزلة وشيخهم وكبيرهم إلى أن يكون قاضي القضاة والمقرب من الخليفة . أثر هذا القاضي المعتزلي على الخليفة حتى أقنعه بهذه البدعة بل وأقنعه بأنها هي الحق الذي لا حق غيره وأنه ينبغي أن يلزم الناس بها .
وبالفعل تبنت الدولة آراء المعتزلة وتولت قضية الاعتزال من خلافٍ بين أهل السنة وبعض المخالفين , إلى أن تعلن الدولة قراراً حاسماً بأن هذه البدعة هي الحق , بل ويجب على كل إنسان أن يقول الرأي الموافق للمعتزلة فنشأت فكرة القول بخلق القرآن . إذن هي ليست جزئية وإنما هي مسألة جُعلت عنوانًأ لقضية أكبر ؛ في باب الاعتقاد وفي باب المنهج ولهذا امتحنت الدولة ومن خلفها أئمة الاعتزال المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها ممن كانوا تحت سلطان المسلمين وكانت الدنيا كلها تقريباُ تحت سلطان المسلمين في ذلك الوقت , حيث اتسعت الفتوحات وبلغت حداً كبيراً في نهاية القرن الثاني . واستمر على هذا النهج مجموعة من الخلفاء ؛ المأمون , والمعتصم ,والواثق , يوصي بعضهم بعضاً , ويمتحنون الناس على القول بخلق القرآن , وأصدروا قرارات لإلزام الناس بذلك , مثل أن من لم يقل بخلق القرآن إذا كان قاضياً في بلده , أو كان فقيهاً , أو كان إماماً فإنه يعزل , وحاربوا الناس في أرزاقهم , وهذا شيء مؤسف جداً , أن يتجه الأقوى إلى حرب الناس في أرزاقهم . والله هو الرزاق ذو القوة المتين .
وفي خضم هذه الفتنة قالوا : من لم يقل بهذه المقالة فيجب أن يعزل وقد اضطر بعض العلماء إلى التورية , فإذا سئل ما تقول في القرآن ؟ ورَّى في الإجابة حتى إن أحدهم سئل : ما تقول في القرآن ؟ فقال وهو يعدد بأصابعه : القرآن والتوراة والإنجيل والزبور ثم أشار بيده قائلاً : هذه مخلوقة يقصد يده .
أما الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله فقد كانت الأنظار متجهة إليه في ذلك الوقت , لأن صمود هذا الإمام صار فيصلاً بين فضيتين كبريين . ومن هنا ثبت الله الإمام أحمد بن حنبل فصار الاسم والشهرة لـه , وإلا فهناك غيره من العلماء من وقف موقفه رحمه الله تعالى .
وقد امتحن الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في هذه العهود ؛ فسجن , وعذّب , وضرب , ثم طلب منه الإقامة الجبرية , ثم امتحن بالرخاء في عهد المتوكل . فالإمام أحمد بن حنبل الزاهد مر بشتى أنواع الابتلاء التي يمكن أن يمر بها مؤمن صادق وداعية صادق , ومع ذلك فهو رحمه الله تعالى لما سجن وضرب طلب منه بعض محبيه أن يوري حتى ينجو بنفسه وينفع الأمة بعلمه وحديثه , وكان ممن يعرفون فضل الإمام أحمد وعلمه وزهده وقدره , فهو الذي يحفظ مئات الألوف من الأحاديث النبوية ويحدث بها , فالناس أحوج ما يكونون إلى علمه فكيف يترك ليسجن ويضرب ويموت تحت التعذيب؟, فجاءه بعض الناصحين لـه وقالوا لـه : يإمام إن الناس يرون فيك فضلاً وعلماً , فأبقٍ على نفسك لا لنفسك وإنما للناس , فلو أنك ورَّيت كما ورَّى غيرك (2) لأنتهت المشكلة , لكن الإمام أحمد وقد تحدد الأمر بالنسبة لـه , وعرف القضية بجميع أطرافها , فقد كان رحمه الله يفقه القضية بعمق , وكان يعلم أن الناس ينتظرون مقالة الإمام احمد , وانه لو قال بخلق القرآن ولو كان مورياً فلربما عذر نفسه أو عذره اثنان لكن الملايين من خلفه سيأخذون رأيه على ظاهره , ولهذا وهذه من الأشياء العجيبة في قصة الإمام أحمد بن حنبل كانوا إذا أرادوا أن يحاكموه بعد التعذيب لينطق بما يريدونه يجمعون الناس ومعهم الألام حتى يسمعوا مباشرة لأنه لو نقل للناس عن دار الخلافة في ذلك الوقت أن الإمام أحمد أجاب ما صدق أحد فكانوا يجمعون الناس من باب التوثيق ويدخلونهم قصر الإمارة ومعهم الأقلام ليسمعوا ماذا يقول الإمام أحمد ؟
وبعد كل مرحلة من مراحل التعذيب يسألونه أمام الجماهير : ماذا تقول في القرآن ؟, ولما جاء أحدهم إلى الإمام أحمد وهو في السجن وقبل لحظات من المحاكمة التي تتكرر من وقت لآخر, قال له : يا إمام, لو أنك ورَّيت فأبقيت على نفسك , قال لهذا الرجل : انظر من خلفك . فنظر من خلفه فإذا ألوف قد جلسوا ينتظرون ماذا يقول الإمام أحمد . قال لـه الإمام أحمد : ياهذا , لوأن أحمد بن حنبل ورى ما يدري هؤلاء أن أحمد بن حنبل يقول بالتورية, ومن يتحمل إثم إضلال هؤلاء وظنهم أن الإمام أحمد قال بخلق القرآن .
فثَّبته الله سبحانه وتعالى حيث كان يقول لهم : القرآن كلام الله منزل غير مخلوق, ائتوني بكتاب الله وبسنة رسوله , ائتوني بدليل, ولو أردنا أن نستطرد ما جرى في تلك القصة لطال المقام؛ فإن فيها عبراً كثيرة, فإنهم حاولوا معه محاولات كثيرة , شملت المناقشات العلمية , فبحثوا عن الحجج والدلائل ليأتوا بها , وليقولوا للإمام أحمد يلزمك أن تقول بخلق القرآن , ولكنه رحمه الله أجابهم عن ذلك , ونقض كل الشبهات التي أتوا بها .
بل إنه رحمه الله تعالى قد ثبته الله سبحانه وتعالى حتى بنصائح من داخل السجن, وقد كان مسجوناً مع اللصوص وغيرهم . حتى إنه بعد الإفراج عنه كان يترحم على أحد السجناء اللصوص, فقال لـه أحد أبناءه : يا أبت إنك كثيراً ما تترحم على هذا . فقال له : هذا أحد اللصوص الذين التقيت بهم, كنت جالساً في السجن فأتاني أحد أصحابي يثبتني ويقول لي : يا إمام اثبت, فقلت لـه : إنني أخاف ألا أقوى على الضرب . فهو يخاف رحمه الله أن يلجئوه بالضرب إلى أن يقول غير الحق, فكان بجانبه أحد اللصوص يسمع الحوار , فقال لـه : يا إمام, أثبت على الضرب , فوالله إنني لأثبت على الضرب وأنا على باطل أفلا تثبت على الضرب وأنت على الحق؟ فكان الإمام أحمد بن حنبل يدعو لهذا الرجل كلما ذكره؛ لأنه أعطاه درساً كبيراً , فإذا كان هذا يثبت على الضرب وهو على باطل, أفلا يثبت الإنسان على الضرب وهو على حق ؟.
والمهم :أن فتنة القول بخلق القرآن هي البدعة التي جعلها المعتزلة عنواناً لمنهج فكري عقدي في الأمة الإسلامية من أقصاها إلى أقصاها, فليست قضية هينة, كما يتساءل البعض : لماذا كبرت هذه المشكلة ؟ ولماذا ضخمت ؟ ونحن نقول : والله لو لم يكن فيها إلا نفي صفة الكلام لله , والتي ابتدعها هؤلاء , لكانت جديرة بأن يتحمل الإنسان في سبيل إثبات منهج أهل السنة والجماعة فيها ما تحمل الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى .
وبعد هذه المقدمة نأتي إلى قصة الشيخ الأذرمي التي أشار إليها المؤلف , وقصته هذه حكاها ابن الجوزي في ترجمة الإمام أحمد , وحكاها أيضاً الذهبي في سير أعلام النبلاء في ترجمة الإمام أحمد (3), ورواها قبلهما الخطيب في تاريخ بغداد في ترجمته للأذرمي نفسه (4) .
روى الخطيب البغدادي عن الخليفة المهتدي بالله أنه قال : ما زلت أقول إن القرآن مخلوق صدراً من أيام الواثق , حتى أقدم أحمد بن أبي دؤاد علينا شيخاً من أهل الشام من أهل أذنة , فأدخل الشيخ على الواثق مقيداً وهو جميل الوجه , تام القامة , حسن الشيبة, فرأيت الواثق قد استحيا منه ورق لـه, فما زال يدنيه ويقربه حتى قرب منه , فسلم الشيخ فأحسن, ودعا فبلغ وأوجز, فقال له الواثق : اجلس . فجلس, وقال له ياشيخ ناظر ابن أبي دؤاد على ما يناظرك عليه, فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين ابن ابي دؤاد يصبو ويضعف عن المناظرة, فغضب الواثق وعاد مكان الرقة له غضباً عليه وقال : أبو عبدالله بن أبي دؤاد يصبو ويضعف عن مناظرتك أنت ؟ فقال الشيخ : هون عليك يا أمير المؤمنين ما بك, وائذن في مناظرته , فقال الواثق : ما دعوتك إلا للمناظرة . فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين إن رأيت أن تحفظ علي وعليه ما نقول (5) , قال : أفعل , فقال الشيخ : يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه , هي مقالة واجبة داخلة في عقد الدين فلا يكون الدين كاملاً حتى يقال فيه بما قلت ؟ قال: نعم . قال الشيخ : يا أحمد أخبرني عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين بعثه الله إلى عباده هل ستر رسول الله شيئاً مما أمره الله به في أمر دينهم؟ فقال : لا , فقال الشيخ : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الأمة إلى مقالتك هذه ؟ فسكت ابن أبي دؤاد, فقال الشيخ : تكلم فسكت, فالتفت الشيخ إلى الواثق فقال : يا أمير المؤمنين واحدة , فقال الواثق : واحدة , فقال الشيخ : يا أحمد أخبرني عن الله عزوجل حين أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم : فقال :((الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِينـاً ))كان الله تعالى الصادق في إكماله دينه , أو أنت الصادق في نقصانه حتى يقال فيه بمقالتك هذه . فسكت ابن أبي دؤاد , فقال الشيخ : أجب يا أحمد , فلم يجب , فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين اثنتان فقال الواثق : نعم اثنتان , قال الشيخ : يا أحمد أخبرني عن مقالتك هذه علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم أم جهلها؟ قال ابن أبي دؤاد : علمها, قال : فدعا الناس إليها ؟ فسكت , قال الشيخ يا أمير المؤمنين ثلاث , فقال الواثق : ثلاث . فقال الشيخ :يا أحمد فاتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن علمها وأمسك عنها كما زعمت, ولم يطالب أمته بها؟ قال نعم . قال الشيخ: واتسع لأبي بكر الصديق, وعمر بن الخطاب , وعثمان , وعلي رضي الله عنهم؟ قال ابن أبي دؤاد : نعم ! فأعرض الشيخ عنه وأقبل على الواثق فقال : يا أمير المؤمنين قد قدمت القول أن أحمد يصبو ويضعف عن المناظرة , يا أمر المؤمينين إن لم يتسع لك من الإمساك عن هذه المقالة ما زعم هذا أنه اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم, ولأبي بكر , وعمر, وعثمان, وعلي, فلا وسع الله على من لم يتسع له ما اتسع لهم- أوقال فلا وسع الله عليك- , فقال الواثق : نعم إن لم يتسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة ما اتسع لرسول الله صلى الله عليه وسلم وابي بكر وعمر وعثمان وعلي, فلا وسع الله علينا , اقطعوا قيد الشيخ, فلما قطع القيد ضرب الشيخ بيده إلى القيد حتى يأخذه , فجاذبه الحداد عليه, فقال الواثق : دع الشيخ يأخذه, فأخذه فوضعه في كمه, فقال له الواثق: ياشيخ لم جاذبت الحداد عليه؟ قال : لأني نويت أن أتقدم إلى من أوصي إليه إذا أنا مت أن يجعله بيني وبين كفني , حتى أخاصم به هذا الظالم عندالله يوم القيامة, وأقول يارب سل عبدك هذا لم قيدني وروع أهلي وولدي وإخواني بلا حق أوجب ذلك عليّ , وبكى الشيخ فبكى الواثق , وبكينا, ثم سأله الواثق أن يجعله في حل وسعة مما ناله , فقال له الشيخ : والله يأمير المؤمنين لقد جعلتك في حل وسعة منأول يوم إكراماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذ كنت رجلاً من أهله , فقال الواثق : لي إليك حاجة, فقال الشيخ : إن كانت ممكنة فعلت. فقال له الواثق تقيم قبلنا فننتفع بك وينتفع بك فتياننا, فقال الشيخ : يا أمير المؤمنين إن ردك إياي إلى الموضع الذي أخرجني عنه هذا الظالم أنفع لك من مقامي عليك , وأخبرك بما في ذلك أصير إلى أهلي وولدي فأكف دعاءهم عليك, فقد خلفتهم على ذلك . فقال لـه الواثق : فتقبل منا صلة تستعين بها على دهرك؟ قال :يا أمير مالمؤمنين لايحل لي أنا عنها غني, وذو مرة سوي, فقال سل حاجة , قال أتقضيها يا أمير المؤمنين؟ قال : نعم قال : تأذن أن يخلى لي السبيل الساعة إلى الثغر, قال : قد أذنت لك , فسلم عليه وخرج . قال صالح بن علي قال المهتدي بالله: فرجعت عن هذه المقالة, وأظن أن الواثق قد كان رجع عنها منذ ذلك الوقت (6) .
وهكذا من لم يَسَعْه ما وسِعَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابَه والتابعين لهم بإحسانٍ , والأئمة من بعدهم , والراسخين في العلمِ , من تلاوةِ آياتِ الصفاتِ وقراءةِ أخبارِها , وإمرارِها كما جاءت , فلا وسَّع اللهُ عليه .
والناظر في منهج هذا الإمام في المناظرة, يجده قد أتى بحجج قوية وإن كانت سهلة واضحة في الوقت نفسه , فإن أي إنسان يبتدع بدعة جديدة , يُسأل : أعلم هؤلاء الأخيار هذا القول أم لا ؟ فإذا كانوا لم يعلموه , فكيف تصبح أنت أيها المتأخرأعلم من أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم , بل أعلم من الرسول عليه والصلاة والسلام ؟ ثم بعد ذلك لما زعم أنهم علموها . قال : هل دعوا الناس إليها ؟ وقد عُلم أنهم ما دعوا الناس إلى القول بخلق القرآن .
فلما تبين أنهم لم يدعوا إليها . قال له : ألا يسعنا ما وسع هؤلاء من السكوت, فانقطع الرجل , وأخرس المبتدع , وهذا من توفيق الله سبحانه وتعالى لهذا الإمام التقي الصالح - رحمه الله تعالى - .
والعبرة من هذه القصة في منهجية هذا الإمام وكيف أنه استطاع إسكات خصمه لا بحجج عقلانية, وإنما بالحجة القوية والواضحة في عرضها, وباعتماده على المنهج الصحيح في الاستدلال وهو الرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح وخير القرون علماً وعملاً وتطبيقا, ً فاتسمت حججه بالمنهجية فكانت قوية ومؤثرة في ردّ هذه البدعة وافحام القائلين بها .
قال الخليفة - وكان حاضراً - : لا وسع الله على من لم سعه ما وسعهم .
قال ابن قدامة بعد ذلك : (( وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم
وأصحابه والتابعين لهم بإحسان , والأئمة من بعدهم, والراسخين في العلم , من تلاوة آيات الصفات, وقراءة أخبارها, وإمرارها كما جاءت, فلا وسع الله عليـه )) وهذا من كلام ابن قدامة رحمه الله تعالى تعليقاً على هذه الحادثة وتعميماً لمضمونها .
فما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعون لهم بإحسان يجب السير عليه, وقوله (( بإحسان )) هذا قيد ؛ لأنه قد يوجد في عهد التابعين من كان منحرفا, ًفهو وإن كان ممن يعيش في عصر التابعين, إلا أنه إذا لم يتبع الصحابة رضي الله عنهم بإحسان, وإنما غير وبدل , فهذا لا يتبع ولا يقتى به .
ثم قال : (( والأئمة من بعدهم والراسخين في العلم )).
ولا شك أن من أعظم علامات الرسوخ في العلم أن يرجع الإنسان فيما لم يعلم إلى من يعلم , وكل من كان رسوخه في العلم أكبر فإنه يقول عن الشيء الذي لا يعلمه : لاأدري .
هذا الإمام مالك وهو الإمام المشهور , سئل عن أربعين مسألة, فأجاب عن أربع , وقال عن ست وثلاثين منها : لا أعلم . فالراسخ في العلم هو الذي يقف عند الخبر الصادق , والأدلة الصحيحة ويكل علم الغيب إلى عالمه, ولا يدخل عقل فيما لا يستطيع إدراكه , وهذا لا شك من أعظم الرسوخ في العلم .
ثم قال: ((من تلاوة آيات الصفات )) يعني الواردة في القرآن العظيم ((وقراءة أخبارها )) أي أخبار الصفات الواردة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم , وهكذا كان الأئمة, كانوا يتلون القرآن ويعلمونه الناس, وإذا مروا على آية من آيات
الصفات لا يعطلونها ولا شيبهونها, وإنما يثبتونها كما جاءت على ما يليق بجلال الله وعظمته .
لكن جاء من بعدهم من وقف عند مثل قوله تعالى : (( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ))
(الرحمن: من الآية27) وقوله : ((الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)) (طـه:5) .
وقال : هذه الآية لو أثبتنا ظهاهرها لوقعنا في التشبيه ثم أعمل عقله فقال : استوى بمعنى استولى, ووجهه بمعنى ذاته, وهكذا يعمل في آيات القرآن التأويل والتعطيل, والأئمة من قبله كانوا يقرؤونها ويتلونا ويفسرونها ويثبتون معانيها اللائقة بالله بلا تأويل, وكذلك أخبار الصفات, كان الأئمة يحدثون بالأحاديث ولا يفرقون بين أحاديث الأحكام وأحاديث الصفات وإنما يحدثون بها جميعاً .
وكانت مناهج الأئمة في تصنيف الحديث على أقسام : منهم من صنف الحديث على الأبواب مثل ما فعل البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه , وغيرهم, فهؤلاء بوَّبوا للصلاة, والزكاة, والإيمان , والقدر, إلى آخره . ومنهم من ذكر الأحاديث حسب الأسانيد؛ إما حسب أسانيد الصحابة ,مثل مسند الإمام أحمد وغيره من المسانيد, أو حسب معجم شيوخه, مثل معجم الطبراني الصغير, المهم أنه إذا ذكرت اسانيد الصحابة كالإمام أحمد بن حنبل مثلاً, فإنه يذكر كل مرويات هذا الصحابي , لا يفرق بين العقيدة ولا بين غيرها , فيقرؤونها ويروونها في كتبهم, ويحدثون بها لا يفرقون بين الأحاديث الواردة في العقبيدة أو ألأحكام او القصص أو غيرها .
ثم قال:(( وإمرارها كما جاءت )) ثم دعى عليه في الأخير فقال :(( فلا وسع
الله عليه)). إمرارها كما جاءت سبق أن شر حناها, أي أنهم يمرونها كما جاءت بالإثبات, يثبتونها, ويثبتون ما دلت عليه من معنى , لكن كيفية هذه الصفة يفوضونه, ويفوضون علمها إلى الله سبحانه وتعالى .
وكما قلنا سابقاً , فإن عبارة أمروها كما جاءت, أو تمر كما جاءت ليست حجة لأهل التقويض لأن الأئمة ذكروها حتى في غير الصفات, وقد سبق شرح ذلك .


_________________

(1) وهذه حجة باطلة لأن النصارى قالوا بثلاثة آلهة كل واحد منهم قائم بنفسه فالله الرب قائم بنفسه والابن عيسى ابن مريم قائم بنفسه وروح القد س جبريل قائم بنفسه وكل منهم عندهم إله فكيف يقال هذه الثلاثة إله واحد ؟ وتسميتهم لها بالأقانيم لا يغير من الأمر شيئاً أما الصفات التيتثبت لله تعالى فهي صفات لإله واحد لاشريك له فتعددها يدل على عظمة الموصوف لا على تعدد الآلهة وكيف ينطلي هذا على من يزعمون أنهم أهل العقول من أهل الاعتزال ؟
(2) أي استخدمت التورية كما ذكر عن البعض أنه قال وهو يعدد بأصابعه القرآن والنوراة ولإنجيل ولازبور هذه ويشير إلى يده وأصابعه مخلوقة .
(3) سير أعلام النبلاء (11/312-316)
(4) تاريخ بغداد 10/74-79
(5) كذا في طبعة بشار عواد لتاريخ بغداد , وهو الصواب وفي الطبعة الأولى :يقول
(6) تاريخ بغداد 10/076-78 الطبعة الأولى القاهرة وفي طبعة دار الغرب الإسلامي بتحقيق بشار عواد معروف 11/273-276 – ط عام 1422ه.


  #6  
قديم 29 ذو القعدة 1429هـ/27-11-2008م, 04:47 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post شرح فضيلة الشيخ: يوسف بن محمد الغفيص +( شرح صوتي)






مناظرة السلف لأهل البدع
قال الموفق رحمه الله: (وقال محمد بن عبد الرحمن الأدرمي لرجل تكلم ببدعة ودعا الناس إليها: هل علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر و عمر و عثمان و علي أو لم يعلموها؟ قال: لم يعلموها. قال: فشيء لم يعلمها هؤلاء أعلمته أنت؟ قال الرجل: فإني أقول: قد علموها. قال: أفوسعهم أن لا يتكلموا به ولا يدعوا الناس إليه، أم لم يسعهم؟ قال: بلى وسعهم. قال: فشيء وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفاءه، لا يسعك أنت؟ فانقطع الرجل. فقال الخليفة -وكان حاضراً-: لا وسع الله على من لم يسعه ما وسعهم) .

هذه مناظرة فاضلة، تندرج تحت قاعدة عامة، ذكرها مالك وغيره من السلف وهي: (أن كل صاحب بدعة فإنه مخصوم بالإجماع)؛ لأن البدعة: هي المخالفة لمذهب السلف، ومذهب السلف هو القول المجمع عليه. إذاً: يقال لكل صاحب بدعة إن بدعتك هذه مخالفة لإجماع السلف، واتباع السلف واجب؛ لقول الله تعالى: ((وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ))[التوبة:100]إلى آخر الآية. أما هذه المناظرة فقد رويت عن الدارمي ، ورويت عن الإمام أحمد وغيره، ووجه روايتها عن الإمام أحمد ، أنه حين ناظر المعتزلة في مسألة خلق القرآن، قال الإمام أحمد لابن أبي دؤاد : "يا ابن أبي دؤاد ! القرآن مخلوق -أي: قولكم معشر المعتزلة: القرآن مخلوق- أهذا من الدين أم ليس من الدين؟" لابد أن ابن أبي دؤاد سوف يقول: من الدين؛ لأنه لو قال: ليس من الدين أسقط قوله. قال: "من الدين. قال أحمد : هذا الدين علمه الرسول وأبو بكر و عمر وعثمان و علي أو لم يعلموه؟ قال: علموه. قال الإمام أحمد : أين هو في كلامهم؟". وهكذا يقال لكل صاحب بدعة، فانقطع ابن أبي دؤاد ، وقال: "أقلني يا أبا عبد الله " -هكذا تقول الرواية، وهي إخبارية في الجملة- قال الإمام أحمد : "أقلتك. فقال ابن أبي دؤاد : لا، ما علموه، فقال الإمام أحمد : دين لم يعلمه النبي والخلفاء جئت لتعلمه أنت؟!" فكان انقطاع
ابن أبي دؤاد في الثانية أشد. ولما كان المجلس الثاني، قال ابن أبي دؤاد للإمام أحمد : "يا أحمد ! القرآن ليس مخلوقاً -يعني أهل السنة يقولون: القرآن ليس مخلوقاً- أهذا من الدين؟ قال الإمام أحمد : من الدين. قال: عرفه النبي والخلفاء أو لم يعرفوه؟ قال الإمام أحمد : عرفوه. قال: أين هو في كلامهم؟" أي: هات من السنة النبوية أو من كلام أبي بكر أو عثمان أو علي أو عمر ، أنهم قالوا: القرآن ليس مخلوقاً، ليس هناك تصريح عن الرسول بهذه الكلمة: القرآن ليس مخلوقاً؟ ولا يعلم صحابي قالها، لكن هل انقطع الإمام أحمد ؟ لا. ومن هنا تعلم قوة حجة علماء السنة؛ لأنهم على الحق، أما علماء العقل، فقد شُنع عليهم تشنيعات كثيرة، والله يقول في كتابه: ((وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ)) [الملك:10]فالعقل نعمة خلقها الله ليعرف بها الحق لا ليكفر بها الناس، ولهذا قال الكفار عند مآلهم: ((لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ)) [الملك:10]والله يقول: ((وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا)) [الأعراف:179].. إلخ. والإمام أحمد لما أورد عليه ابن أبي دؤاد هذا الإيراد، أجاب مباشرةً بجواب عقلي مقنع، قال: "اسكتوا نسكت" ومعنى هذا الكلام: أن النبي صلى الله عليه وسلم يخبر أن هذا كلام الله، حيث يقول: (أعوذ بكلمات الله)والله يقول في القرآن: ((وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ)) [التوبة:6]ويقول الله في القرآن كثيراً: (أنزله) ((إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ)) [القدر:1]... ((تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ)) [الفرقان:1].. إلخ. فقال الإمام أحمد : اسكتوا نسكت. أي: أن جملة المعتزلة، هي إثبات النفي: القرآن مخلوق، وجملة السلف:القرآن ليس مخلوق، جملة نفي. والإمام أحمد يقول: إنكم قلتم جملة إثبات ليس لها أصل في القرآن، فإذا كان ليس لها أصل في القرآن جئنا نحن لننفيها، والرسول ما نفاها؛ لأنه لم يتكلم بها أحد في زمانه، فلما جاء قوم وقالوا: بدعة. لزم صاحب السنة والحق أن ينفي، ولهذا قال: "اسكتوا نسكت" أي: إن لم تقولوا: القرآن مخلوق. لا نحتاج أن نقول: ليس مخلوقاً، كما أن الصحابة لم يحتاجوا ذلك. فهذا من فقه الأئمة في مناظراتهم، الذي يجب أن يستفيده طالب العلم؛ لبيان الحق، ودحض شبه أهل البدع. قال الموفق رحمه الله: [وهكذا من لم يسعه ما وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، والأئمة من بعدهم، والراسخين في العلم، من تلاوة آيات الصفات، وقراءة أخبارها، وإمرارها كما جاءت، فلا وسع الله عليه] . هذا التعليق من المصنف هو تبع لما سبق ذكره في كلامه، وما نقله عن الشافعي و الأوزاعي والإمام أحمد في تقرير طريقة السلف، وأنهم يقفون على قدر ما ورد به الخبر في كلام الله أو كلام نبيه صلى الله عليه وسلم ، وهذا إشارة من وجه آخر إلى الرد على أهل التأويل من المتكلمين، الذين تأولوا آيات الصفات على غير ظاهرها، وعلى غير معناها المعروف من كلام الصحابة والأئمة، فاستحقوا أن يُدعى عليهم بالضيق؛ لأنه لم يسعهم طريق السلف الصالح. ......


  #7  
قديم 10 محرم 1430هـ/6-01-2009م, 09:13 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Post العناصر

العناصر
- شرح المناظرة التي جرت بين الأذرمي وصاحب البدعة بحضرة الخليفة .
- ما يسببه اتصال أهل البدع بولاة الأمر من الفتن والشرور .


  #8  
قديم 20 محرم 1430هـ/16-01-2009م, 11:31 PM
طيبة طيبة غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
المشاركات: 1,286
Question الأسئلة

الأسئلة
س1: اذكر الفوائد التي تضمنتها المناظرة التي جرت بين الإمام محمد الأذرمي وصاحب البدعة .
س2: تحدث بإيجاز عن خطر اتصال أهل البدع بولاة الأمر .
س3: من أول من دعا إلى القول بخلق القرآن من الخلفاء ، ومن الخليفة الذي نصر السنة وانتهت على يديه تلك المحنة ؟

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الآذَرْمي, قصة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 07:47 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir