تلخيص درس حدّ علم التفسير .
قال الزمزمي في منظومته : باب حد علم التفسير
علمٌ به يُبحثُ عن أحـوال = كتاـبنـا مِنْ جِـهَــةِ الإِنْـزَالِ
ونَحْوِهِ ، بالخَمْسِ والخَمْسِينا = قَـدْ حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا
وقَدْ حَــوَتْـه سِـتَّــةٌ عُقُودُ = وبَعـدَهـا خاتِمَــــــةٌ تَعــــودُ
وقَبْلَها لا بُـدَّ مِنْ مُقَـدِّمَةْ = بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ مُعْلِمَة
المقصود بالحدّ و بيان اهتمام العلماء به :
(الحدّ): هو التعريف، وجمعُه حدود، والتعاريف يُعنى بها أهل العلم عنايةً فائقة يُحررونها، ويُجودونها، ويذكرون القيود المدخلة والمـُخرجة؛ ليكون التعريف جامعًا مانعًا، ويذكرون المـُحترزات فهم يضبطونها ويُتقنونها.
الفرق بين المتقدمين و المتأخرين في العناية بالحدود :
العنايةُ بالحدود والتعاريف وُجِدت في المـُتأخرين أكثر،لأنهم جعلوا الحدّ ركن أساس في التعليم والتعلُم والتأليف؛ فلا يتكلمون عن شيء إلا بعد تعريفه، ويقولون: إن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، والتصور لا يكون إلا بالحدّ، فعرّفوا الماء والسماء وكثير مما لا يُحتاج إلى تعريفه ،
أما سلف هذه الأمّة فلا يعرّفون إلا القليل النادر الذي تختلف حقيقته الشرعية عن حقيقته العُرفية، فيُحتاج إلى بيانه.
حدّ علم التفسير: علمٌ به يُبحث عن أحوال كتابنا من جهة الإنزالِ ونحوهِ.
شرح التعريف :
(علمٌ به يُبحث عن أحوال):المقصود بالعلم علم التفسير، وعلوم القرآن، وأصول التفسير تُطلق ويراد بها علم واحد قال الصاوي: علم بأصول يعرف بها معاني كلام الله، على حسب الطاقة البشرية؛ و التفسير مأخوذ من قولهم: فسرت الشيء: إذا بينته، وسمي العلم المذكور تفسيراً، لأنه يبين القرآن ويوضحه،(عن أحوال كتابنا)معاشر المسلمين، أي الكتاب المنزل إلى نبينا، وهو القرآن، فالإضافة للتشريف (من جهة الإنزال)أي نزوله كمكية أو مدنية أو سفرية أو نحوها، والجار والمجرور: حال .
من جهة نزوله ونحوهِ : (ونحوه)بالجر: عطفاً على الإنزال،
وهي العقود الستة :
العقد الأوّل: يقول: ما يرجع إلى النزول زمانًا ومكانًا.
وهو على أنواع :
_ مكي أو مدني.
_ سفري أو حضري.
_ صيفي أو شتائي.
_ ليلي أو نهاري.
من جهة وقت الإنزال، و مكانه ، وكيفية النزول ، وغير ذلك مما يتعلق بالقرآن من المسائل والأنواع التفصيلية .
التفسير ينقسم إلى قسمين:
_ تفسير موضوعي.
_ وتفسير تحليلي.
أو نقول:
_ تفسير إجمالي.
_ وتفسير تفصيلي.
وقوله :
............ بالخَمْسِ والخَمْسِينا = قَـدْ حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا
(بالخمس والخمسينا)متعلق بحصرت والألف للإطلاق (قد حصرت)و الحصر هنا قابل للزيادة وقد وجدت الزيادة. (حُصِرَتْ أَنواعُهُ يَقينا): أي حوت وجمعت هذه الأنواع أهم ما يحتاجه الطالب المبتدئ.
توضيح : أول من ألف في أصول التفسير :
قال السيوطي في النقاية لم أقف على تأليف فيه لأحد المتقدمين، حتى جاء شيخ الإسلام جلال الدين البلقيني
فدونه ونقحه، في كتاب سماه "مواقع العلوم من مواقع النجوم"، وقد استدركت عليه من الأنواع وتتبعت أشياء متعلقة بالأنواع التي ذكرها، مما أهمله، وأودعتها كتاباً سميته "التحبير، في علم التفسير" فكان ابتداء استنباط هذا العلم من البلقيني، وتمامه على يدي .
ثم ألف "النُقاية" للمـُبتدئين، واقتصر فيها على بعض الأنواع دون بعض. و تبعه الزمزمي فيها .
فائدة نحوية متعلقة بالبيت السابق : إذا حُذف التمييز جاز التذكير والتأنيث ، لذلك جاز له أن يقول بالخمس والخمسينا ولم يقل بالخمسة .
وقوله :
وقَدْ حَــوَتْهُ سِـتَّةٌ عُقُودُ =......................
(ستة) بالرفع على الفاعلية (عقود)بالرفع أيضاً على البدلية من ستة، والعقود: جمع عقد، وهي القلادة، شبه الناظم كل جملة من المسائل بالعقد في حسنها.
وقد نظم هذه الأنواع كلّ مجموعة منها عشرة أو تزيد أو تنقص، كلّ مجموعة منها في عقد، مجموعة مُتشابهة جعلها في عقدٍ واحد؛ فصارت العقود ستة، وهي: الأبواب التي تتفرع عنها الفصول؛ فالعقود بمثابة الأبواب، والأنواع الداخلة في هذه العقود بمثابة الفصول .
وقَدْ حَــوَتْهُ سِـتَّةٌ عُقُودُ = وبَعـدَهـا خاتِمَـةٌ تَعُودُ
(وبعدها)أي بعد هذه العقود الستة خاتمة ختم بها المنظومة (تعود)أي ترجع مقاصدها إلى تلك الأنواع .
وقَبْلَها لا بُـدَّ مِنْ مُقَـدِّمَةْ= .....................
(وقبلها) يعني :قبل العقود الستة لابد من مُقدمة، هذه خِطة المنظومة التي جرى عليها الناظم،
(من مقدمه)مبينة بعض الأحكام والمسائل التي اختص بها علم التفسير وذلك: كتعريف القرآن، والآية، والسورة، وحكم ترجمة القرآن، وحكم روايته بالمعنى، وحكم تفسيره بالرأي، وبالأثر. هذه أمور متعلقة بالقرآن ، وهي تُبحَث في هذا العلم، واشتملت عليها المقدمة .
فالمنظومة تشتمل على مقدمة، وتُقال: بكسر الدال وفتحها، مُقدِمة، مقدَمة والأصل أن تكون في صدر الكلام، إذ كيف تكون مُقدمة وهي مُتأخرة عن بعضِهِ، فقد ذكر قبلها تسعة أبيات ولكن يمكن أن يقال هنا: أنه من المتقدم حكماً .لكن إذا انحل الإشكال فيما بين أيدينا ما ينحل في سائر البحوث التي على هذه الطريقة.
......................... = بِبَعْضِ ما خُصِّصَ فيهِ مُعْلِمَةْ
(ببعض ما خصص فيه) أي في علم التفسير (معلمه): من الإعلام: أي مشعرة ومُخبرة ، وهو صفة لمقدمة،
والمعنى أنالمـُقدمة تُخبرُك، أو يُخبرُك المؤلف من خلال هذه المـُقدمة ببعض ما في علم التفسير على سبيل الإجمال
لماذا لم يجعل المؤلف المقدمة هي الباب الأول، أو العقد الأول
لأن فيها مباحث مهمة جداً ؟
أما المقدمات في الغالب فلا يُدخَلُ فيها في صلب البحث أو صلب الكتاب.؟
نقول هكذا رتب المؤلف كتابه .
فائدة نافعة للشيخ الخضير :
المقدمات ينبغي أن تشتمل على المصطلحات المستعملة في الكتاب؛ لأن كثير من المؤلفين لهم اصطلاحات في كتبهم ، لا تُفهم إلا بذكرها
مثل كتاب مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام" هذا استعمل رموز في الكتاب لا تُحل إلا من خلال الإطلاع على المقدمة
أيضا الحافظ العراقي بيّن في مقدمة الألفية اصطلاحهُ.
هذا والله تعالى أعلم .