تلخيض مسألة الاهتداء بالقرآن
بيان أن الله تعالى أنزل القرآن تبيانا لكل شيء
(حدّثنا أبو جعفرٍ محمّد بن عبيد اللّه الدّيناريّ، ومحمّد بن مجالدٍ، قالا: نا عليّ بن حربٍ، قال: نا محمّد بن فضيلٍ، عن أشعث، عن أبي صفوان، عن ابن مسعودٍ، قال: " إنّ اللّه عزّ وجلّ أنزل هذا القرآن تبيانًا لكلّ شيءٍ، ولكن علمنا يقصر عمّا بيّن لنا في القرآن، ثمّ قرأ {ونزّلنا عليك الكتاب تبيانًا لكلّ شيءٍ} [النحل: 89] " .).[الإبانة الكبرى: 6/ 148-150] (م)
قال أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن تيمية الحراني (ت:728هـ): ( وقَوْلُهُ تَعَالَى: ( إِنَّ هَذا القُرْآنَ يَقُصُّ عَلى بَني إِسْرَائيلَ أَكْثَرَ الَّذي هُمْ فيهِ مخْتَلِفونَ )، ( وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ )، ( لَوْ أَنْزَلْنَا هذا القُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ )، (وَإِذا بَدَّلْنَا آيَةً مَكانَ آيَةٍ واللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمونَ ). ( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذينَ آمَنُوا وَهُدَىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمينَ )، ( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لَسَانُ الَّذي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبينٌ).). [العقيدة الواسطية:
أنواع هدى القرآن
من الكتاب:-
وقال عزّ وجلّ {إنّ الّذين يتلون كتاب الله وأقاموا الصّلاة وأنفقوا ممّا رزقناهم سرًّا وعلانيةً يرجون تجارةً لّن تبور. ليوفّيهم أجورهم ويزيدهم مّن فضله إنّه غفورٌ شكورٌ} [فاطر: 35/30،29].
وقال عزّ وجلّ {إنّ هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الّذين يعملون الصّالحات أنّ لهم أجراً كبيراً. وإنّ الّذين لا يؤمنون بالآخرة أعتدنا لهم عذاباً أليماً} [الإسراء: 17/10،9].
وقال عزّ وجلّ {وننزّل من القرآن ما هو شفاءٌ ورحمةٌ للمؤمنين ولا يزيد الظّالمين إلا خساراً} [الإسراء: 17/82]. وقال عزّ وجلّ {يا أيّها النّاس قد جاءتكم مّوعظةٌ مّن رّبّكم وشفاءٌ لّما في الصّدور وهدًى ورحمةٌ لّلمؤمنين} [يونس: 10/57]. وقال عزّ وجلّ {يا أيّها النّاس قد جاءكم برهانٌ مّن رّبّكم وأنزلنا إليكم نوراً مّبيناً. فأمّا الّذين آمنوا بالله واعتصموا به فسيدخلهم في رحمةٍ مّنه وفضلٍ ويهديهم إليه صراطاً مّستقيماً} [النّساء: 4/175،174]. وقال عزّ وجلّ {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا} [آل عمران: 3/103] وحبل الله هو القرآن.
وقال عزّ وجلّ {الله نزّل أحسن الحديث كتاباً مّتشابهًا مّثاني تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هادٍ} [الزّمر: 39/23]. وقال عزّ وجلّ {وكذلك أنزلناه قرآناً عربيّاً وصرّفنا فيه من الوعيد لعلّهم يتّقون أو يحدث لهم ذكراً} [طه: 20/113] ). [أخلاق حملة القرآن
من السنه:-
أنّ القرآن عصمةٌ لمن اعتصم به، وحرزٌ من النّار لمن اتّبعه، ونورٌ لمن استنار به، وشفاءٌ لما في الصّدور، وهدىً ورحمةٌ للمؤمنين.
ثمّ أمر الله خلقه أن يؤمنوا به، ويعملوا بمحكمه: فيحلوا حلاله، ويحرّموا حرامه، ويؤمنوا بمتشابهه، ويعتبروا بأمثاله، ويقولوا {آمنّا به كلٌّ مّن عند ربّنا} [آل عمران: 3/7].
ثمّ وعدهم على تلاوته والعمل به: النّجاة من النّار، والدّخول إلى الجنّة.
ثمّ ندب خلقه عزّ وجلّ إذا هم تلوا كتابه أن يتدبّروه، ويتفكّروا فيه بقلوبهم، وإذا سمعوه من غيرهم: أحسنوا استماعه.
ثمّ وعدهم على ذلك الثّواب الجزيل، فله الحمد.
ثمّ أعلم خلقه: أن من تلا القرآن، وأراد به متاجرة مولاه الكريم، فأنّه يربحه الرّبح الّذي لا بعده ربحٌ، ويعرّفه بركة المتاجرة في الدّنيا والآخرة
أسباب الاهتداء بالقرآن:-
( لَوْ أَنْزَلْنَا هذا القُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ )،1- خشوع القلب
(وَهَذَا كِتَابٌ)
ش: أي القرآنُ
(مُبَارَكٌ)
ش: أي كثيرُ المنافعِ والخيرِ.
قَولُهُ: (لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا)
ش: أي مُتَذِلِّلاً.
(مُتَصَدِّعًا)
ش: أي مُتَشَقِّقًا، فإذا كان القرآنُ لو أُنْزلَ على جبلٍ لَخشع وتَصدَّعَ من خوفِ اللهِ فكيفَ يليقُ بكم أيُّها النَّاسُ أنْ لا تَلينَ قلوبُكُم وتخشعَ من خوفِ اللهِ، وقد فَهِمتم عن اللهِ أمرَه ونهيَهُ وتَدَبَّرتُم كتابَه، وفي الآيةِ دليلٌ على عَظَمةِ القرآنِ وأنَّه لو أُنزلَ على جبلٍ لخشعَ وتَصدَّعَ مِن خشيةِ اللهِ، وفيها دليلٌ على أنَّه -سُبْحَانَهُ- خلقَ في الجماداتِ إدراكًا بحيثُ تخشعُ وتُسبِّحُ، وهذا حقيقةٌ كما دلَّتْ على ذلك الأدلَّـةُ ولا يَعلمُ كيفيَّةُ ذلك إلا هوَ سُبْحَانَهُ، وفيها حَثٌّ على الخوفِ من اللهِ والخشوعِ عندَ سماعِ كلامِه، وأنَّه ينبغي أن يُقرأ بتدبُّرٍ وخشوعٍ وإقبالِ قلبٍ وأنَّه ينبغي الرِّقَّـةُ عند سماعِ كلامِ الله والبُكاءِ وتلاوتِه بحزنٍ.
2- لتثبيت المؤمنين( قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ القُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذينَ آمَنُوا وَهُدَىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمينَ )
قَولُهُ: (بِالحَقِّ)
ش: أي بالصِّدقِ والعدلِ.
(لِيُثَبَّتَ الَّذينَ آمَنُوا)
ش: أي يزيدَهم يقينًا وإيمانًا.
قَولُهُ: (وَهُدًى)
ش: أي بيانٌ ونورٌ وبصيرةٌ، ويُطلقُ الهُدى ويُرادُ به ما يَقِرُّ في القلبِ من الإيمانِ، وهذا لا يقدرُ على خَلْقِه في قلوبِ العبادِ إلا اللهُ، قال تعالى (إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ) الآيةَ، ويُطلقُ ويُرادُ به بيانُ الحقِّ وتوضيحُه والدَّلالةُ عليهِ والإرشادُ إليه قال تعالى: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ). انتهى. من ابنِ كثيرٍ، وخُصِّصتِ الهدايةُ بالمسلمين لاختصاصِهم بالنَّفعِ بالقرآنِ؛ لأنَّه هو بنفسِه هُدًى، ولكن لا ينالُه إلا الأبرارُ كما قال تعالى: (هُدًى لِلْمُتَّقِينَ).
قَولُهُ: (وبُشْرَى)
البُشرى والبِشارةُ هو أوَّلُ خَبَرٍ سَارٍّ، والبُشرى يرادُ بها أمرانِ:
أحدُهما بشارةُ المُخْبِرِ، والثَّاني سرورُ المُخْبَرِ، قال تعالى: (لَهُمُ البُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ) فُسِّرتِ البُشرى بهذا وبهذا، قِيلَ وسُمِّيتْ بُشرى؛ لأنَّها تُؤثِّرُ في بَشَرَةِ الوجهِ، ولذلك كانَتْ نوعين: بُشرى سارَّةٌ تُؤَثِّرُ فيه نضارةً وبَهجةً، وبُشرى مُحزنةٌ تُؤَثِّرُ فيه سوءًا وعُبوسا، ولكن إذا أُطلقتْ كانت للسُّرورِ، وإذا قُيِّدتْ كانت بحسبِ ما قُيِّدت به، أمَّا البَشارةُ بالفتحِ فهي نضارةُ الوجهِ وحسنُه، وأمَّا البُشارة بالضَّمِّ فهو ما يُعطاه المبشَّرُ.)