دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > الأطعمة والأشربة واللباس

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 08:02 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي كتاب الأطعمة

كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ
عن النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ يقولُ: (( وَأَهْوَى النُّعْمانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلى أُذُنَيْهِ -((إِنَّ الْحَلاَلَ بَيِّنٌ، وِإِنَّ الحرامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مَشْتَبِهَاتٌ، لاَ يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِن النَّاسِ، فَمَن اتَّقى الشُّبُهَاتِ؛ اسْتَبْرَأَ لِدينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَن وَقَعَ في الشُّبُهَاتٍ؛ وَقَعَ في الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فيهِ، أَلاَ وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلاَ وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلاَ وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلاَ وَهِيَ الْقَلْبُ)) .

  #2  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 01:30 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

قولُه : ((يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ)) .
هو بكسْرِ الشينِ بمعنى يَقْرُبُ والعامَّةُ تَفتحُها وخَطَّئُوهَا .
قالَ ابنُ الخبَّازِ النَّحْويُّ : وأَرَى له وجهًا وهو أن تُجْعَلَ الهمزةُ في أَوْشَكَ المتعديَّةَ ويُبْنَى الفعْلُ للمفعولِ بمعنى مُقَرَّبٌ وفي روايةِ يجشر بالجيمِ والشينِ المعجَمةِ ذكرَها صاحبُ ( الفِرْدَوْسِ ) .
و((الْحِمَى)).
الْمَحْمِيُّ أُطلِقَ الْمَصدرُ على اسمِ المفعولِ .
صلَحَ الشيءُ بفتْحِ اللامِ وضمِّها وفسَدَ بفتْحِ السينِ وضمِّها والفتْحُ أفْصَحُ .

  #3  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 01:31 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

كتابُ الأطعمةِ

الْحَدِيثُ الواحدُ والسَّبْعُونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عن النُّعْمَانِ بنِ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهُ قالَ: سمعتُ رسولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ: ((وَأَهْوَى النُّعْمانُ بِإِصْبَعَيْهِ إِلى أُذُنَيْهِ- ((إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وِإِنَّ الحرامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ، لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِن النَّاسِ، فَمَن اتَّقى الشُّبُهَاتِ؛ اسْتَبْرَأَ لِدينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهَاتٍ؛ وَقَعَ في الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)).

المُفْرَدَاتُ:
قَوْلُهُ: (اسْتَبْرَأَ). من البَرَاءَةِ، أيْ: حَصَلَ لهُ البراءةُ من الذمِّ الشرعيِّ.
قَوْلُهُ: (الحِمَى). بِكَسْرِ الحاءِ والقَصْرِ.
قَوْلُهُ: (يُوشِكُ). يَشْرَعُ ويَقْرَبُ.
قَوْلُهُ: (يَرْتَعَ). يَأْكُلَ ويَشْرَبَ ما شاءَ في خِصْبٍ وسَعَةٍ.
قَوْلُهُ: (مُضْغَةً). لَحْمَةً بقدرِ ما تَمْضُغُ الأسنانُ.

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: أنَّ المُبَاحَاتِ ظاهرةٌ واضحةٌ من المآكلِ والمَشَارِبِ والملابسِ والمَنَاكِحِ وأنواعِ التَّصَرُّفَاتِ، فهذهِ جائزةٌ؛ لأنَّها منْ نِعَمِ اللَّهِ على عبادِهِ.
الثَّانِيَةُ: أنَّ المُحَرَّمَاتِ ظاهرةٌ غيرُ خَفِيَّةٍ من المطعوماتِ المُحَرَّمَةِ كالمَيْتَةِ والخنزيرِ، والمشروباتِ كالخمرِ بأنواعِهِ، والملابسِ كالحريرِ والذهبِ على الذكورِ، والمَنَاكِحِ من الزِّنَا واللِّوَاطِ، وأنواعِ التَّصَرُّفَاتِ من الرِّبَا والمَيْسِرِ، كلُّ هذا بَيِّنٌ واضحٌ.
الثَّالِثَةُ: هُنَاكَ أَشْيَاءُ مُشْبِهَةٌ، إمَّا لِتَعَارُضِ أَدِلَّتِهَا، وإمَّا لِمَجِيءِ النَّهْيِ بدليلٍ ضعيفٍ ونحوِ ذلكَ فالوَرَعُ اجْتِنَابُ مثلِ هذا؛ الحديثِ: ((دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ)).
الرَّابِعَةُ: أنَّ مَدَارَ صلاحِ الأعمالِ على صلاحِ القلبِ، وَفَسَادِهَا على فسادِهِ، فهوَ سُلْطَانُهَا المُدَبِّرُ.
الْخَامِسَةُ: حُسْنُ تعليمِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَضَرْبُه الأمثالَ المُقَرِّبَةَ لِبَعِيدِ العلمِ، (والمواضحةَ) لِغَامِضِهِ، وحسنُ تَقْسِيمِهِ في أَوْجَزِ لفظٍ وأبلغِهِ، فصلواتُ اللَّهِ وسلامُهُ عَلَيْهِ.

  #4  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 01:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

كِتَابُ الْأَطْعِمَةِ(201)
الحديثُ الثالثُ والسبعونَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
373- عَن النُّعْمَانِ بْنِ بَشيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ - وَأَشَارَ (وَفِي رِوَايَةٍ وَأَهْوَى) النُّعْمانُ بِإِصْبَعَيْهُ إِلى أُذُنَيْهِ - ((إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وِإِنَّ الْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مَشْتَبِهَاتٌ، لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ، فَمَنِ اتَّقى الشُّبُهَاتِ؛ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ في الشُّبُهَاتِ؛ وَقَعَ في الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللَّهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً، إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)) .(202)
_______________________
(201) الأصلُ فِي الطعامِ وَالشرابِ واللِّباسِ الحِلُّ .
فلا يحرمُ منها إلَّا ما حرَّمَهُ اللهُ ورسولُهُ؛ لأَنَّهَا داخلةٌ فِي عمومِ العاداتِ المبنيَّةِ عَلَى الحلِّ، وَالمُحَرَّمُ منها معدودٌ مما يدلُّ عَلَى بقاءِ المتروكِ عَلَى أصلِهِ وَهُوَ العفوُ .
(202) الغريبُ :
مُشْتَبِهَاتٌ : بضمِّ الميمِ وسكونِ الشينِ .
استبرأَ : بكسرِ الهمزةِ من البراءةِ، أيْ حَصَلَ لهُ البراءةُ من الذمِّ الشرعيِّ، وصانَ عرضَه عن ذمِّ الناسِ .
الحِمَى : بكسرِ الحاءِ وفتحِ الميمِ المخفَّفةِ مقصورٌ، أُطْلِقَ المصدرُ عَلَى اسمِ المفعولِ .
يُوشِكُ : بضمِّ الياءِ وكسرِ الشينِ، بمعنى : يُسرعُ ويقربُ .
يرتعُ : رتعت الماشيةُ، أكلَتْ وشربَتْ ما شاءتْ فِي خصبٍ وسعةٍ . تُوُسِّعَ بهِ، فأُطلقَ عَلَى المتدرَّجِ من المشتَبَهِ إِلَى المحرَّمِ.
مُضْغَةٌ : بضمِّ الميمِ وسكونِ الضادِ المعجمةِ، بعدها غينٌ معجمةٌ، بعدها تاءٌ، القطعةُ من اللحمِ بقدرِ ما يمضغُ الماضغُ، وَالمضغُ : العلكُ .
المعنى الإجماليُّ :
سمعَ النعمانُ بنُ بشيرٍ رضيَ اللهُ عنهما النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقولُ وأَكَّدَ سماعَهُ منهُ بإشارَتِهِ إِلَى أُذُنَيْهِ : إنَّ الحَلالَ بَيِّنٌ حُكْمُهُ، وَاضحٌ أَمْرُهُ لا يَخْفَى حِلُّه، وذلك كالخبزِ، وَالفواكهِ، وَالعسلِ، وَاللبنِ، وغيرِ ذلكَ من المأكولاتِ، وَالمشروباتِ، وَالملابسِ، وغيرِ ذلكَ من الكلامِ، وَالمعاملاتِ، وَالتصرُّفاتِ .
وإِنَّ الحرامَ بَيِّنٌ حكمُهُ، وَاضحٌ تحريمُهُ، من أكلِ الخنزيرِ، وشربِ الخمرِ، ولبسِ الحريرِ وَالذهبِ للرجلِ، وَالزِّنَا، وَالغِيبةِ، وَالنميمةِ، وَالحقدِ، وَالحسدِ وغيرِ ذلكَ .
فهَذَانِ القسمانِ بَيِّنَا الحكمِ لما وردَ فيهما من النصوصِ الواضحةِ القاطعةِ، وإنَّ هناكَ قسمًا ثالثًا مُشَتَبَهَ الحُكْمِ، غيرَ وَاضحِ الحلِّ أَو الحرمةِ، وهَذَا الاشتباهُ راجعٌ إِلَى أمورٍ .
منها : تعارضُ الأَدِلَّةِ، بحيثُ لا يظهرُ الجمعُ ولا الترجيحُ بينها، فهَذَا مُشْتَبَهٌ فِي حقِّ المجتهدِ الذي يطلبُ الأحكامَ من أَدِّلَّتِهَا .
فمَن انْبَهَمَ عليهِ الحكمُ الراجحُ، فهو فِي حقِّهِ مشتَبَهٌ، فالورعُ اتقاءُ الشبهةِ ومنها تعارضُ أقوالِ العلماءِ وتضاربُها، وهَذَا فِي حقِّ المقلِّدِ الذي لا ينظرُ فِي الأَدِلَّةِ .
فالورعُ فِي حقِّ هَذَا اتِّقَاءُ المشتَبَهِ .
ومنها : ما جاءَ فِي النهيِ عنها حديثٌ ضعيفٌ، يُوقِعُ الشكَّ فِي مدلولِهِ .
ومنها : المكروهاتُ جميعُها، فهي رُقْيَةٌ (أي : سُلَّمٌ يُوَصِّلُ ) إِلَى فعلِ المُحَرَّماتِ وَالإقدامِ عليها .
فإنَّ النفسَ إذا عُصِمَتْ عن المكروهِ، هَابَت الإقدامَ عليهِ ورأتْهُ مَعْصِيَةً فيكونُ حاجزًا منيعًا عن المُحَرَّماتِ .
ومنها : المباحُ الذي يُخْشَى أنْ يكونَ ذريعةً إِلَى المحرَّمِ، أَوْ يجُرَّ - فِي بعضِ الأحوالِ - إِلَى المُحَرَّمِ، ومثلُهُ الإفراطُ فِي المباحاتِ فتسبِّبُ مجاوزُتُهَ إِلَى الحرامِ، إما عِنْدَ فقدِهِ، أَوْ للإفراطِ فيما هوَ فيهِ .
وقد كَانَ السلفُ رضيَ اللهُ عنهم، يتركونَ المباحاتِ اليسيرةَ، خوفًا من المكروهِ وَالحرامِ .
ثم ضربَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مثلًا للمُحَرَّماتِ، بالحِمَى الذي يَتَّخِذُهُ الخلفاءُ وَالملوكُ مرعًى لِدَوَابِّهم .
و مَثَلُ الْمُلِمِّ بالمُشْتَبِهَاتِ، بالراعي الذي يسيمُ ماشيتَهُ حولَ الحِمَى، فيوشكُ ويقربُ أن ترعى ماشيتُهُ فيه؛ لِقُرْبِهِ مِنْهُ، كذلكَ الملمُّ فِي المُشْتَبِهَاتِ، يُوشكُ أن يقعَ فِي المُحَرَّماتِ، وَهُوَ تصويرٌ بديعٌ، ومثالٌ قريبٌ .
ثُمَّ ذكرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنَّ فِي الجسدِ لحمةٌ صغيرةٌ لطيفةٌ بِقَدْرِ ما يُمْضَغُ وأنَّ هذهِ القطعةَ من اللحمِ هي القلبُ وأنَّ هَذَا القلبَ، هُوَ السلطانُ المدبِّرُ لمملكةِ الأعضاءِ وما تأتي من أعمالٍ، كما أنَّ عليهِ مدارَ فسادِها وما تَجُرُّهُ من شَرٍّ .
فإنْ صَلَحَ هَذَا القلبُ، فإنَّهُ لَنْ يأمرَ إلَّا بما فيهِ الخيرُ وسَيَصْلُحُ الجسدُ كلُّهُ .
وإن فَسَدَ، فسيأمرُ بالفسادِ وَالشرِّ، وتكونُ الأعمالُ معكوسةً منكوسةً . وَاللهُ وليُّ التوفيقِ .
وبالجملةِ، فهَذَا حديثٌ عظيمٌ جليلٌ، وقاعدةٌ من قواعدِ الإسلامِ، وأصلٌ من أصولِ الشريعةِ، عليه لوائحُ أنوارِ النُّبُوَّةِ ساطعةً، ومشكاةُ الرسالةِ مضيئةً، فهو من جوامعِ كَلِمِ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
ويحتاجُ استيفاءُ الكلامِ عليهِ إِلَى مصنَّفٍ مستقِلٍّ طويلٍ .
وهَذِه نُبْذَةٌ تفتحُ البابَ أمامَ طالبِ العلمِ؛ ليراجعَ ويتدبَّرَ، ويفكِّرَ، وسيجدُ فيه من كنوزِ المعرفةِ الخيرَ الوفيرَ .
واللهُ وليُّ التوفيقِ، وَصَلَّى اللهُ وسلمَ عَلَى نبيِّنا محمدٍ وآلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ .
فوائدُ :
قال الخَطَّابِيُّ : كلُّ ما شككتَ فيه فالورعُ اجتنابُهُ، وَالذي شككتَ فيه هُوَ محلُّ الريبةِ، فإنَّ الريبةَ الشكُّ وَالتردُّدُ، وحديثُ ((دعْ ما يَريبُكَ )) أفادَ أَنَّكَ إذا شككتَ فِي شيءٍ فدعْهُ، وَاتركْ ما تشكُّ فيهِ .
قال الغزاليُّ : الورعُ أقسامٌ : ورعُ الصِّدِّيقِينَ : وَهُوَ تركُ ما يُتَنَاوَلُ لغيرِ نيَّةِ القوَّةِ عَلَى العِبادةِ . وورعُ المتقينَ : وَهُوَ تركُ ما لا شُبْهَةَ فيهِ، ولكن يُخْشَى أن يَجُرَّ إِلَى الحرامِ . وورعُ الصالحينَ : وَهُوَ تركُ ما يتطرَّقُ إليه احتمالُ التحريمِ بشرطِ أنْ يكونَ لذلك الاحتمالِ موقعٌ فإنْ لم يكنْ لهُ موقعٌ فهو ورعُ المُوَسْوِسِينَ .
وقال شيخُ الإسلامِ ابنُ تيميةَ : الفرقُ بين الزهدِ وَالورعِ أنَّ الزهدَ تركُ ما لا ينفعُ فِي الآخرةِ، وَالورعَ تركُ ما يُخافُ ضررُهُ فِي الآخرةِ . قَالَ ابنُ القَيِّمِ : إنَّ هَذِه العبارةَ من أحسنِ ما قيلَ فِي الزهدِ وَالورعِ وأجمعِهما . وقال أيضًا : التحقيقُ أَنَّهَا (أيْ: النِّعَمُ) و إنْ شغلتْهُ عن اللهِ تعالى فالزهدُ فيها أفضلُ، وإن لم تشغلْهُ عن اللهِ بل كَانَ شاكرًا فيها فحالُهُ أفضلُ، وَالزهدُ فيها تجريدُ القلبِ عن التعلُّقِ بها وَالطمأنينةِ إليها .
قال الصنعانيُّ : وَاعلمْ أنَّهُ يجمعُ الورعَ كلَّهُ قولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ((مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تركُهُ ما لا يَعْنِيهِ )) وَالحديثُ يَعُمُّ التَّرْكَ لِمَا لا يَعْنِي من الكلامِ وَالنظرِ وَالاستماعِ وَالبطشِ وَالمشيِ وسائرِ الحركاتِ الباطنةِ وَالظاهرةِ فهَذِه الحكمةُ النبويَّةُ شافيةٌ، فِي الورعِ كافيةٌ .

  #5  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 01:43 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

كتابُ الأطعمةِ
379 - الحديثُ الأوَّلُ: عن النُّعْمانِ بنِ بشيرٍ رَضِيَ اللهُ عنهُ قالَ: سمعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ يقولُ -وَأَهْوَى النُّعْمَانُ بإصبعَيْهِ إلى أُذُنَيْهِ-: ((إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ، وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ، وَبَيْنَهُمَا مُشْتَبِهَاتٌ، لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِن النَّاسِ، فَمَن اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ، وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِى الْحَرَامِ، كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَرْتَعَ فِيهِ، أَلَا وَإِنَّ لِكُلِّ مَلِكٍ حِمًى، أَلَا وَإِنَّ حِمَى اللهِ مَحَارِمُهُ، أَلَا وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْعَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ. وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ)).
هذَا أحدُ الأحاديثِ الْعِظَامِ الَّتي عُدَّتْ من أصولِ الدِّينِ، فَأُدْخِلَتْ في الأربعةِ الأحاديثِ الَّتي جُعِلَتْ أصلًا في هذا البابِ. وهوَ أصلٌ كبيرٌ في الْوَرَعِ، وَتَرْكِ الْمُتَشَابِهَاتِ في الدِّينِ.
وَالشُّبُهَاتُ لها مُثَاراتٌ، منهَا: الاشْتِبَاهُ في الدَّليلِ الدَّالِّ على التَّحريمِ أو التَّحليلِ، أو تَعَارُضُ الْأَمَارَاتِ وَالْحُجَجِ. ولعلَّ قولَـهُ عليهِ السَّلامُ: ((لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ الناَّسِ)) إشارةٌ إلى هذا الْمُثَارِ، معَ أنَّه يُحَمْلُ أنْ يُرَادَ: لا يَعْلَمُ عَيْنَها وإنْ عَلِمَ حُكْمَ أصْلِهَا في التَّحليلِ والتَّحريمِ. وهذا أيضًا من مُثَارِ الشُّبُهَاتِ.
وقولُـهُ عليهِ السَّلامُ: ((مَن اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ)) أصلٌ في الْوَرَعِ. وقد كانَ في عصرِ شيوخِ شيوخِنَا بينهُم اختلافٌ في هذهِ المسألةِ، وَصَنَّفُوا فيهَا تصانيفَ، وكانَ بعضُهُمْ سلكَ طريقاً في الْوَرَعِ. فخالَفَهُ بعضُ أهلِ عصرِهِ. وقالَ: إنْ كانَ هذا الشَّيءُ مباحًا -والمباحُ مَا استوَى طرفَاهُ- فلا وَرَعَ فيهِ؛ لأنَّ الْوَرَعَ ترجيحٌ لجانبِ التَّرْكِ. والتَّرجيحُ لأحدِ الجانِبَيْنِ معَ التَّساوِي مُحَالٌ، وَجَمَعَ بَيْنَ الْمُتَنَاقِضَيْنِ، وبَنَى على ذلكَ تصنيفًا.
والجوابُ عن هذا عندِي من وجهيْنِ:
أحدُهُمَا: أنَّ المباحَ قد يُطْلَقُ على مَا لا حَرَجَ في فِعْلِهِ، وإنْ لم يَتَسَاوَ طرفَاهُ. وهذَا أعمُّ من الْمُنَاخِ المتساوِي الطَّرفَيْنِ. فهذا الَّذي رَدَّدَ فيهِ القولَ. وقالَ: إمَّا أنْ يكونَ مباحًا أو لا. فإنْ كانَ مباحًا فهوَ مستوِي الطَّرفيْنِ يمنعُهُ إذَا حَمَلْنَا المباحَ على هذا المعنَى. فإنَّ المباحَ قد صارَ مُنْطَلِقًا على مَا هوَ أعمُّ من المتساوِي الطرفيْنِ، فلا يَدُلُّ اللَّفظُ على التَّساوِي، إذ الدَّالُّ على العامِّ لا يَدُلُّ على الخاصِّ بعينِهِ.
الثَّانِي: أنَّه قد يكونُ متساوِيَ الطَّرفيْنِ باعتبارِ ذاتِهِ، راجحًا باعتبارِ أمرٍ خارجٍ. ولا يَتَنَاقَضُ حِينَئِذٍ الْحُكْمَانِ.
وعلى الجملةِ: فلا يخلُو هذا الموضوعُ من نَظَرٍ، فإنَّهُ إنْ لم يكنْ فِعْلُ هذا الْمُشْتَبَهِ مُوجِبًا لضررٍ مَا في الآخرَةِ، وإلَّا فَيَعْسُرُ ترجيحُ تَرْكِهِ، إلَّا أنْ يُقَالَ: إنَّ تَرْكَهُ مُحَصِّلٌ لثوابٍ أو زيادةِ درجاتٍ. وهوَ على خلافِ مَا يُفْهَمُ من أفعالِ الْوَرِعِينَ. فإنَّهُمْ يتركُونَ ذلكَ تَحَرُّجًا وَتَخَوُّفًا. وبهِ يُشْعِرُ لفظُ الحديثِ.
وقولُـهُ عليْهِ السَّلامُ: ((وَمَنْ وَقَعَ فِى الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِى الْحَرَامِ)) يَحْتَمِلُ وجهيْنِ:
أحدُهُمَا: أنَّه إذَا عَوَّدَ نفسَهُ عدمَ التَّحَرُّزِ ممَّا يُشْتَبَهُ: أثرُ ذلكَ استهانةٌ في نفسِهِ، تَوَقُّعُهُ في الحرامِ معَ العلمِ بهِ. والثَّانِي: أنَّه إذا تَعَاطَى الشُّبُهَاتِ: وقعَ في الحرامِ في نفسِ الأمرِ، فَمُنِعَ من تعاطِي الشُّبُهَاتِ لذلكَ.
وقولـُهُ عليهِ السَّلامُ: ((كَالرَّاعِي يَرْعَى حَوْلَ الْحِمَى يُوشِكُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ)) من بابِ التَّمثيلِ والتَّشبيهِ. و"يُوشِكُ" بكسرِ الشِّينِ بمعنَى: يقرُبُ. و"الْحِمَى" الْمَحْمِيُّ، أَطْلَقَ المصدرَ على اسمِ المفعولِ. وتنطلقُ الْمَحَارِمُ على الْمَنْهِيَّاتِ قَصْدًا، وعلى تَرْكِ المأموراتِ التزامًا، وإطلاقُهَا على الأوَّلِ أشهرُ.
وقد عَظَّمَ الشَّارعُ أمرَ القلبِ لصدورِ الأفعالِ الاختياريَّةِ عنهُ، وعمَّا يقومُ بهِ من الاعتقاداتِ والعلومِ. وَرَتَّبَ الأمرَ فيهِ على الْمُضْغَةِ، والمرادُ الْمُتَعَلَّقُ بهَا. ولا شكَّ أنَّ صلاحَ جميعِ الأعمالِ باعتبارِ الْعِلْمِ أو الاعتقادِ بِالْمَفَاسِدِ والمصالحِ.

  #6  
قديم 19 ذو القعدة 1429هـ/17-11-2008م, 01:44 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

............................

  #7  
قديم 17 محرم 1430هـ/13-01-2009م, 02:18 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

كتاب الأطعمة

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول , وأهوى النعمان بأصبعيه إلى أذنيه: ((إن الحلال بين , والحرام بين , وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس , فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام , كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه , ألا وإن لكل ملك حمى ، ألا وإن حمى الله محارمه , ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله , وإذا فسدت فسد الجسد كله , ألا وهي القلب))
الشيخ: بسم الله , والحمد لله , والصلاة والسلام على محمد .
الأطعمة هي ما يحل أكله , سواء من اللحوم ، أو من النباتات ، أو من المبايعات والمعاملات , وقد تقدم حكم المعاملات: البيع والشراء والتجارة ، وتنمية الأموال ، وبعض المكاسب والإيجارات وما أشبهها , كيف تكون حلالا , ومتى يكون فيها غش يحرم أو ربا ، أو غرر أو خداع ، أو نحو ذلك .
وأما هنا فأرادوا بذلك بيان الأطعمة التي أحلها الله ، والتي حرمها , فيذكرون في هذا الكتاب ما يباح من المأكولات ومن الأشربة وما أشبهها ، وغالبا أن الله تعالى أحل الأطعمة التي لا ضرر فيها ، وحرم ما فيه ضرر ؛ لأن الله خلق هذه الأرض ، وخلق ما فيها للإنسان, خلق ما فيها مسخرا لمنفعة البشر في قوله تعالى: {هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا} , {لكم} أي: مسخرا لكم ، لكن إذا كان فيه ضرر فإنه ينتفع به في غير الأكل ، أو غير ذلك ، فجميع ما على وجه الأرض كله خُلِقَ لأجل الإنسان ، أو خلق لأجل الاعتبار , إلا أن كثيرا من هذه المخلوقات خلَقَهُ الله تعالى لكونه..أو لكون خلقه آية ودلالة وعبرة على قدرة الخالق تعالى , يعتبر بها العقل , يعتبر بها الإنسان . ولا نتوسع في هذا ؛ لكون الباب طويلا.

ولكن نعود فنقول: المأكولات التي أحلها الله تعالى هي الطيبات , قال تعالى: {كلوا مما في الأرض حلالا طيبا} , وقال: {كلوا من طيبات ما رزقناكم} , وقال تعالى: {ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث} , هذا النبات الذي ينبت في الأرض منه ما هو غذاء للإنسان كالحبوب والثمار التي لا ضرر فيها ، ومنها ما هو غذاء للدواب , يقول تعالى: {كلوا وارعوا أنعامكم} , ويقول تعالى: {ومنه شجر فيه تسيمون} , أي: ترعون دوابكم السائمة التي هي راعية بأفواهها , تسيمونها: أي ترعونها .
كذلك لا شك أن الطيبات معلومة بالطبع , بفكر الإنسان وبعقله , فيرجع فيها إلى أهل الخبرة وأهل المعرفة , معلوم أن أكل السموم والأشياء الضارة محرم ؛ لكونه ليس طيبا , ولكنه ضار وخبيث ، ومعلوم أن أكل السباع وأكل الحشرات: الدواب الصغيرة كبعوض ويعني الحشرات الصغيرة , أنها أيضا من المستخبثات , فلا تدخل في الطيبات , فإذن يبقى ما هو من الطيبات , ويكون باقيا على أصله .
... وهذا ما قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: ((الحلال بين , والحرام بين)) . فإن الطيبات بينة واضحة ، والخبائث بينة واضحة ، فالنفس تسخبث الجيف ، وتستخبث النجاسات والقاذورات , وتنفر منها ، ولو لم تكن عندها معرفة بتفاصيل الشريعة ، وكذلك تستخبث الحشرات, يستقبح أن الإنسان يأكل الذباب ، أو يأكل الذر , أو يأكل النمل ، أو يأكل السوس ,الدود ، أو يأكل الحشرات الأخرى كالبعوض ، كالنحل ، كالزنابير ، وكذلك العضايا ، وسام أبرص ، والوزغ , والسحلبة , وما أشبهها . لا شك أن نفسه تتقذذ أن يأكل مثل هذه الأشياء , فعرف بذلك أنها خبيثة ، فهي من الحرام البين , ((الحرام بين)).
وكذلك يعرف أن الخبوز وما يصنع من البر ، أو من الأرز ونحوه أنه من الطيبات , أنه طعام طيب ، وكذلك اللحوم الطيبة , كالمزكاة , يعرف أنها طيبة , وكذلك الصيد الذي يقتنص ويصاد من الظباء وما أشبهها يعرف أنه من الطيبات ، فلذلك قال: ((الحلال بين)) . وهو هذه الطيبات التي أحلها الله , ((والحرام بين)) .
الحرام الذي هو الخبائث , الخبائث: هي كل شيء ضار بالبدن ، أو ضار بالعقل ، فالضار بالبدن أكل الجيف ، وأكل لحم الخنزير ؛ لأنه يتغذى بالنجاسات ، وأكل النجاسات والأقذار ونحوها . هذه لا شك أنها ضارة بالبدن , تسبب ضررا في الغذاء , في تغذية البدن ونحوه ، لا تأكل إلا عند الضرورة وخوف الموت , أباحها الله بقوله: {فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فلا إثم عليه فإن الله غفور رحيم} .
وأما الطيبات فإنه يعرفها بفكره ، ويعرفها بعقله ، ويميز بين ما هو ضار وما هو نافع ، وكذلك أيضا يعرف من الطيبات الأشربة , الأشربة المباحة: الألبان والمياه وما حلي بعسل أو نحوه , يعرف أنها من الأشربة الطيبة , وإذا كانت تضر بالعقل كالخمور ونحوها فإنها من الخبائث ؛ لأنها ضارة بالعقلِ ، ولأجل ذلك تسمى الخمر أم الخبائثِ. ومثلها ماهو ضار بالبدن كهذا الدخان الذي هو التمباك , لا شك أنه من الخبائث ؛ لأنه لا يسمن ولا يغني من جوع ، ولأنه يضر بالبدن , يعرف ذلك الذين حللوه فهو من الحرام البين , ((الحرام بين)) .
وهكذا كل المباحات بينة لمن وفقه الله ورزقه معرفة وعقلا ، أما من .. أما الذين زين لهم الشيطان في الحرام فاستحسنوا القبيح ، واستقبحوا الحسن , فهؤلاء ليسوا عبرة , فالذين يستحسنون أكل لحم الخنازير , ويقولون: إنها دواب من جملة الدواب التي على الأرض , فهي داخلة في قوله:{لكم}. فالجواب: أنها لما كانت خبيثة , تتغذى بالنجاسات ونحوها , دخلت في الخبائث . والذين يستحسنون شرب الخمور ، ويسمونها أشربة روحية , نسوا أنها تزيل العقول ، وأنها تلحق أهلها بالمجانين ، لا شك أنها محرمة لأجل هذه العلة . والذين يستحسنون شرب الدخان ويقولون: لا ضرر فيه , نسوا أنه لا نفع فيه , لا نفع فيه ألبتة , وفيه ضرر , أضرار كثيرة يعرفها من قرأ في تحاليله , وإذا كان فيه ضرر وليس فيه نفع فإن مضرته أنه خسران مبين , خسارة لنوع أو بعض من المال , إحراق له في غير منفعة ، بل في مضرة .
إذن يعرف بذلك أن هناك من تنعكس فطرته ، وتنقلب معرفته , فيرى الحلال حراما ، ويرى الحرام حلالا , ويخيل إليه ما هو قبيح حسنا , فمثل هذا ليس ذا عبرة , بل العبرة بأهل العقول الذكية، ثم يرجع في ذلك إلى شرع الله تعالى , إلى ما شرعه الله ، وإلى ما وضحه , فيقال: إن الله تعالى قد بين ماهو حلال ، وماهو حرام ، بيانا واضحا , بيانا كافيا , فيرجع إلى بيانه , فحرم الخمر ، وحرم كل ماهو ضار , ضار بالبدن ، وحرم الخبائث بقوله:{ويحرم عليكم الخبائث} ، وحرم الأضرار التي تضر بالدين أو تقدح فيه , الأشياء التي تضره ، حرم المعاملات التي فيها ضرر كالمعاملات الربوية , المعاملات الربوية والغش في المعاملات ، والغصب والسرقة ، وأخذ المال بغير حق ، والنهب ، والظلم وما أشبه ذلك ؛ لأن في ذلك أخذ لما لا يستحقه المسلم , فدل ذلك كله على أن الحلال بين وأن الحرام بين ببيان الله تعالى ، وببيان رسله عليهم الصلاة والسلام .
وأما المشتبهات في قوله: ((وبينهما أمور مشتبهات لا يلعمهن كثير من الناس)) . وفي رواية: ((وبينهما مشبهات)). فهذه المشبهات قد تشتبه على بعض الناس , إما في وجه الكسب ، وإما في وجه المدخل ، وإما من حيثُ الأصل , تشتبه على الناس فيتورع ، أو تتعارض فيها الأدلة ، أو الأقيسة ، أو لا يوجد فيها دليل ، ولها شبه بهذا ، و لها شبه بهذا , فتلحق بما هو أقرب لها , فمن الدواب ما اختلف في حله ، وفي حرمته ، فاختلفوا في حل الخيل هل هي حلال أو حرام ، ذهب الحنفية إلى أنها حرام ، وألحقوها بالحمر ، وذهب الجمهور إلى أنها حلال , واستدلوا بما ورد فيها من الأحاديث أنه عليه السلام حرم لحوم الحمر الأهلية ، وأذن في لحوم الخيل .
اختلفوا في أكل الفيل هل هو من الدواب المباحة أم لا , والجمهور على أنه حرام ؛ لأنه ذو ناب . اختلفوا في أكل الزرافة وأكثرهم على أنها حلال ؛ لأنها أشبه ببهيمة الأنعام .
اختلفوا في أكل الضب , والجمهور على أنه حلال ، وإن ورد فيه بعض الأدلة التي تؤدي إلى كراهته . اختلفوا في أكل الجراد ،و الجمهور على أنه حلال ؛ لأن العرب تستطيبه , ولما ورد فيه من الأحاديث التي في أكله .
اختلفوا في أكل الدلدل ، ويسمى النيص , وأكثرهم على أنه ملحق بما تستخبثه العرب ، ولكن إذا غلب على الظن أن هذا الشيء مختلف فيه ، وأن النفس تميل إلى النفرة منه , فإن الإنسان يترك الشيء المشتبه .
أما مثلا الضبع فهي محلقة بما يأكل الجيف , ولها ناب وتفترس , فلأجل ذلك قال الجمهور بأنها حرام ، واستثناها بعضهم وجعلها من المستثنى ، وأنها مباحة لأجل ما ورد فيها من الأحاديث ، ولكن الورع ترك المشتبهات

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الأطعمة, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:15 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir