بَابُ قِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ
أَيْ: قِسْمَةِ اللَّهِ لِلصَّدَقَاتِ بَيْنَ مَصَارِفِهَا
1/603 - عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلاَّ لِخَمْسَةٍ: لِعَامِلٍ عَلَيْهَا، أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ، أَوْ غَارِمٍ، أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَوْ مِسْكِينٍ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا، فَأَهْدَى مِنْهَا لِغَنِيٍّ)) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ، وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ، وَأُعِلَّ بِالإِرْسَالِ.
(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلاَّ لِخَمْسَةٍ: لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ رَجُلٍ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ غَارِمٍ أَوْ غَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مِسْكِينٍ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ مِنْهَا فَأَهْدَى مِنْهَا لِغَنِيٍّ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُدَ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الحَاكِمُ وَأُعِلَّ بِالإِرْسَالِ) ظَاهِرُهُ إعْلالُ مَا أَخْرَجَهُ المَذْكُورُونَ جَمِيعاً.
وَفِي الشَّرْحِ أَنَّ الَّتِي أُعِلَّتْ بِالإِرْسَالِ رِوَايَةُ الحَاكِمِ الَّتِي حَكَمَ بِصِحَّتِهَا. وَقَوْلُهُ: ((لِغَنِيٍّ)) قَدِ اخْتَلَفَتِ الأَقْوَالُ فِي حَدِّ الغِنَى الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ قَبْضُ الصَّدَقَةِ عَلَى أَقْوَالٍ وَلَيْسَ عَلَيْهَا مَا تَسْكُنُ لَهُ النَّفْسُ مِن الِاسْتِدْلالِ؛ لأَنَّ المَبْحَثَ لَيْسَ لُغَوِيًّا حَتَّى يُرْجَعَ فِيهِ إلَى تَفْسِيرِ لُغَةٍ؛وَلأَنَّهُ فِي اللُّغَةِ أَمْرٌ نِسْبِيٌّ لا يَتَعَيَّنُ فِي قَدْرٍ.
وقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ مُعَيِّنَةٌ لِقَدْرِ الغِنَى الَّذِي يَحْرُمُ بِهِ السُّؤَالُ,كَحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ:((مَنْ سَأَلَ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ فَقَدْ أَلْحَفَ)).
وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ: ((مَنْ سَأَلَ مِنْكُمْ وَلَهُ أُوقِيَّةٌ أَوْ عِدْلُهَا فَقَدْ سَأَلَ إلْحَافاً)). وَأَخْرَجَ أَيْضاً: ((مَنْ سَأَلَ وَلَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِن النَّارِ)). قَالُوا: وَمَا يُغْنِيهِ؟ قَالَ: ((قَدْرُ مَا يُعَشِّيهِ وَيُغَدِّيهِ)) صَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ.فَهَذَا قَدْرُ الغِنَى الَّذِي يَحْرُمُ مَعَهُ السُّؤَالُ.
وَأَمَّا الغِنَى الَّذِي يَحْرُمُ مَعَهُ قَبْضُ الزَّكَاةِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ وَهُوَ مَنْ يَمْلِكُ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ؛ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أُمِرْتُ أَنْ آخُذَهَا مِنْ أَغْنِيَائِكُمْ وَأَرُدَّهَا فِي فُقَرَائِكُمْ)).
فَقَابَلَ بَيْنَ الغَنِيِّ وَأَفَادَ أَنَّهُ مَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ الصَّدَقَةُ, وَبَيْنَ الفَقِيرِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَنْ تَرِدُ فِيهِ الصَّدَقَةُ, هَذَا أَقْرَبُ مَا يُقَالُ فِيهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي رِسَالَةِ جَوَابِ سُؤَالٍ.
وَأَفَادَ حَدِيثُ البَابِ حِلَّهَا لِلْعَامِلِ عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا؛ لأَنَّهُ يَأْخُذُ أَجْرَهُ عَلَى عَمَلِهِ لا لِفَقْرِهِ, وَكَذَلِكَ مَن اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ فَإِنَّهَا قَدْ وَافَقَتْ مَصْرِفَهَا وَصَارَتْ مِلْكاً لَهُ, فَإِذَا بَاعَهَا فَقَدْ بَاعَ مَا لَيْسَ بِزَكَاةٍ حِينَ البَيْعِ بَلْ مَا هُوَ مِلْكٌ لَهُ, وَكَذَلِكَ الغَارِمُ تَحِلُّ لَهُ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا, وَكَذَلِكَ الغَازِي يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَجَهَّزَ مِن الزَّكَاةِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا؛ لأَنَّهُ سَاعٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.
قَالَ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ: وَيُلْحَقُ بِهِ مَنْ كَانَ قَائِماً بِمَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ مِنْ مَصَالِحِ المُسْلِمِينَ؛كَالقَضَاءِ وَالإِفْتَاءِ وَالتَّدْرِيسِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا. وَأَدْخَلَ أَبُو عُبَيْدٍ مَنْ كَانَ فِي مَصْلَحَةٍ عَامَّةٍ فِي العَامِلِينَ، وَأَشَارَ إلَيْهِ البُخَارِيُّ حَيْثُ قَالَ: (بَابُ رِزْقِ الحَاكِمِ وَالعَامِلِينَ عَلَيْهَا).
وَأَرَادَ بِالرِّزْقِ مَا يَرْزُقُهُ الإِمَامُ مِنْ بَيْتِ المَالِ لِمَنْ يَقُومُ بِمَصَالِحِ المُسْلِمِينَ؛ كَالقَضَاءِ وَالفُتْيَا وَالتَّدْرِيسِ, فَلَهُ الأَخْذُ مِن الزَّكَاةِ فِيمَا يَقُومُ بِهِ مُدَّةَ القِيَامِ بِالمَصْلَحَةِ وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا.
قَالَ الطَّبَرِيُّ: إنَّهُ ذَهَبَ الجُمْهُورُ إلَى جَوَازِ أَخْذِ القَاضِي الأُجْرَةَ عَلَى الحُكْمِ؛ لأَنَّهُ يَشْغَلُهُ الحُكْمُ عَن القِيَامِ بِمَصَالِحِهِ, غَيْرَ أَنَّ طَائِفَةً مِن السَّلَفِ كَرِهُوا ذَلِكَ وَلَمْ يُحَرِّمُوهُ.
وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: أَخْذُ الرِّزْقِ عَلَى القَضَاءِ إنْ كَانَتْ جِهَةُ الأَخْذِ مِن الحَلالِ كَانَ جَائِزاً إجْمَاعاً,وَمَنْ تَرَكَهُ فَإِنَّمَا تَرَكَهُ تَوَرُّعاً, وَأَمَّا إذَا كَانَتْ هُنَاكَ شُبْهَةٌ فَالأَوْلَى التَّرْكُ, وَيَحْرُمُ إذَا كَانَ المَالُ يُؤْخَذُ لِبَيْتِ المَالِ مِنْ غَيْرِ وَجْهِهِ, وَاخْتُلِفَ إذَا كَانَ الغَالِبُ حَرَاماً.
وَأَمَّا الأَخْذُ مِن المُتَحَاكِمَيْنِ فَفِي جَوَازِهِ خِلافٌ, وَمَنْ جَوَّزَهُ فَقَدْ شَرَطَ لَهُ شَرَائِطَ وَيَأْتِي ذِكْرُ ذَلِكَ فِي بَابِ القَضَاءِ وَإِنَّمَا لَمَّا تَعَرَّضَ لَهُ الشَّارِحُ رَحِمَهُ اللهُ هُنَا تَعَرَّضْنَا لَهُ.