المَتْنُ:(وأَمَّا بالنِّسْبَةِ إِلَى إِمَامٍ فِي فُرُوعِ الدِّينِ والطوائف كالطَّوَائِفِ الأَرْبَعِ فَلَيْسَ في ()بمَذْمُومٍ).
الشَّرْحُ: انظروا إلى الانْتِسَابُ إِلَى شَخْصٍ في أُصُولِ الدِّينِ غَيْرِ الرَّسُولِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ هَذَا لا يَجُوزُ, والمُرَادُ بأُصُولِ الدِّينِ العَقِيدَةُ وهي تَوْقِيفِيَّةٌ لا مَجَالَ للاجْتِهَادِفِبيهَا, وإِنَّمَا يُتَّبَعُ بها فِيهَا الدَّلِيلُ من كتاب العقيدة العقيدة توقيفيه لا مجال للاجتهاد بها وإنما يتبع بها الدليل مِنْ كِتَابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ, لا مَجَالَ للاخْتِلافِ فِيهَا, ولِهَذَا لَمْ يَخْتَلِفْ فِيهَا السَّلَفُ الصَّالِحُ, وَلا مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ تَبِعَهُمْ, لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي العَقِيدَةِ؛ لأَنَّ العَقِيدَةَ تَوْقِيفِيَّةٌ, مَبْنَاهَا عَلَى التَّسْلِيمِ والانقياض والانْقِيادِ بما لِمَا جَاءَ فِي كِتَابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
فالأَئِمَّةُ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي العَقِيدَةِ, لا أَئِمَّةُ التَّابِعِينَ, ولا مَن جَاءَ بَعْدَهُمْ, الأَئِمَّةُ الأَرْبَعَةُ-رَحِمَهُمُ اللهُ- لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي العَقِيدَةِ, العَقِيدَةُ لَيْسَتْ مَجَالاً للاخْتِلافِ ولا للاجْتِهَادَاتِ, ومَنْ خَالَفَ فِيهَا فَهُو ضَالٌّ, إِنَّمَا الاخْتِلافُ يَقَعُ فِي مَسَائِلِ الفُرُوعِ, مَسَائِلُ الفِقْهِ العَمَلِيَّةُ؛ لأَنَّ مذارها عَلَى الاسْتِنْبَاطِ والاجْتِهَادِ.
ونَحْنُ مَأْمُورُونَ بالإجْتِهَادِ فِي مَسَائِلِ الفِقْهِ والنَّوَازِلِ الَّتِي تَنْزِلُ, والحَوَادِثِ الَّتِي تَحْدُثُ, نَحْنُ مَأْمُورُونَ بالاجْتِهَادِفِيهَا ومَعْرِفَةِ حُكْمِهَا فِي كِتَابِ اللهِ وسُنَّةِ رَسُولِهِ؛ لأَنَّهَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهَا المَنْصُوصُ عَلَيْهِ,ا هَذَا مَا فِيهِ الكَلامٌ, تَحْرِيمُ الرِّبَا, تَحْرِيمُ الزِّنَا, تَحْرِيمُ الخَمْرِ, تَحْرِيمُ المُسْكِرَاتِ, تَحْرِيمُ قَطِيعَةِ الرَّحِمِ, هَذِهِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهَا, مَا يشتبه يُحْتَاجُ إِلَى.. فيها المجال هذاهَذِهِ مَجالُهاالتَّسْلِيمُ, نَصَّ عَلَى حُكْمٍ (خلاص) مَا لَنَاه مَجَالٌ بها فِيهَا.
المُبَاحَاتُ الَّتِي نَصَّ اللهُ عَلَيْهَا: البَيْعَ مَا فِيهِ مَجَالٌ للاخْتِلافِ؛ لأَنَّ اللهَ نَصَّ على حِلَّهُ, والأَصْلُ فِي الأَشْيَاءِ الإِبَاحَةُ إِلاَّ مَا دَلَّ الدَّلِيلُ عَلَى (مَنْعِهِ, وهَذَا مَجَالُ الفُقَهاءِ ومَجَالُ المُجْتَهِدِينَ, ولذَلِكَ اخْتَلَفُوا فِي اجْتِهَادَاتِهِمْ, وتَكَوَّنَ مِنْ ذَلِكَ المَذَاهِبُ الأَرْبَعَةُ؛ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ, ومَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ, ومَذْهَبُ الإِمَامِ أَحْمَدَ، ومَذْهَبُ مَالِكٍ, بمَعْنَى: أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِن هَؤُلاءِ الأَئِمَّةِ, لَهُ طَرِيقَةٌ في الاجْتِهَادِ والاسْتِنْبَاطِ, وكُلُّهُمْ يَقْصِدُ الحَقَّ ويَقْصِدُ الدَّلِيلَ.
ولا يَجُوزُ للعَالِمِ يُقَلِّدُ بغَيْرَهُ مَادَامَ عِنْدَهُ تَمَكُّنٌ مِنْ معْرِفَةِ الدَّلِيلِ بنَفْسِهِ والبَحْثِ عَنِ الحُكْمِ؛ فَإِنَّهُ يَجْتَهِدُ حَسَبَ طَاقَتِهِ ولا يُقَلِّدُ أَحَداً, إِنَّمَا التَّقْلِيدُ للعَامِّيِّ والمُبْتَدِئِ, أَمَّا العَالِمُ المُدْرِكُ فَهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ أن يَجْتَهِدُ, وَمَا تَوَصَّلَ إِلَيْهِ اجْتِهَادُهُ يَعْمَلُ له بِهِ, فَإِنْ أَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ: أَجْرُ الإِصَابَةِ, وأَجْرُ الاجْتِهَادِ, وإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ, ويُغْفَرُ لَهُ الخَطَأُ, ولَكِنْ لا يَجُوزُ لَنَا أَنْ نَتَّبِعَهُ علَى هَذَا الخَطَأِ, هَذَا الاجْتِهَادُ مَحْمُود, والاخْتِلافُ فِيهِ لَيْسَ مَذْمُوماً؛ لأنَّهُ وجدنَتِيجَةُ اجْتِهَادٍ وطَلَبٌ للحَقِّ, لا نَتِيجَةُ هَوًى.
أَمَّا إِذَا كَانَ الاخْتِلافُ نَتِيجَةَ الهَوًى وشَهْوَةٍ فهَذَا لا يَجُوزُ, يَعْنِي: الإنْسَانُ لا يَأْخُذْ إِلاَّ مَا يُوَافِقُ هَوَاهُ هواه أَوْ رَغْبَتَهُ, مثل هَذَا مَذْمُومٌ, أَمَّا إِنْ كَانَ عِنْدَهُ أَهْلِيَّةٌ عِلْمِليَّةٌ وقُدْرَةٌ عَلَى البَحْثِ والتَّقَصِّي؛ فإِنَّه يَجِبُ عَلَيْهِ الاجْتِهَادُ, ولا يُقَلِّدُ غَيْرَهُ, ويَعْرِفُ الحُكْمَ بنَفْسِهِ, أَوْ يُقَارِبُ, قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ: ((سَدِّدُوا وقَارِبُوا)). التسديد هو الإصابة والمقاربة هِيَ مُقَارِبَةُ الأصابة الإِصَابَةِ ولَوْ لَمْ يسدد يُصِبْ, لَكِنْ حَاوَلَ بَذْلَ جُهْدٍ, وحَاوَلَ.
فَهَذَا الاجْتِهَادُ الفِقْهِيُّ الَّذِي دَافِعَهُ طَلَبُ الدَّلِيلِ،وطَلَبُ الحُكْمِ الشَّرْعِيِّ هَذَا مَمْدُوحٌ ولَيْسَ مَذْمُوماً, والانْتِسَابُ إِلَى أَحَدِ الأَئِمَّةِ؛ الحَنْبَلِيٍّ, مَالِكِيٍّ, شَافِعِيٍّ, حَنَفِيٍّ, لَيْسَ فِيهِ لَوْمٌ بشَرْطِ أَلاَّ يَتَعَصَّبَ, فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الدَّلِيلُ أَخَذَ منه بِهِ, ولَوْ لَمْ يَكُنْ مِن مَذْهَبِ إِمَامِهِ، الحَنَفِيِّ إِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الدَّلِيلُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَجِبُ أَنْ يَأْخُذَ بقَوْلِ الشَّافِعِيِّ، الحَنْبَلِيِّ إِذَا تَبَيَّنَ معه لَهُ الدَّلِيلُ مَعَ مَذْهَبِ مَالِكٍ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَأْخُذَ بقَولِ مَالِكٍ؛ والأَئِمَّةَ يُوصُونَنَا بذَلِكَ.
فيَقُولُونَ: لا تَأْخُذُوا بأَقْوَالِنَا حَتَّى تَعْرِفُوا أَدِلَّتَهَا, الشَّافِعِيُّ يقولون يَقُولُ: إِذَا خَالَفَ قَوْلِي قَوْلَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ فاضْرِبُوا بقَوْلِي عُرْضَ الحَائِطِ,وقَالَ: إِذَا صَحَّ الحَدِيثُ فَهُو مَذْهَبِي.
والإِمَامُ الشَّافِعِيُّ أَيْضاً يَقُولُ: أَجْمَعَ المُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَنِ اسْتَبَانَتْ لَهُ سُنَّةُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ لَمْ يقل يَكُنْ لَهُ أَنْ يَدَعَهَا لقَوْلِ أَحَدٍ,والإِمَامُ مَالِكٍ رَحِمَهُ اللهُ يَقُولُ: أَوَ كُلَّمَا جَاءَنَا رَجُلٌ أَجَدْلُ مِنْ رَجُلٍ-يَعْنِي: أَشَدُّ جَدَلاً- تَرَكْنَا مَا نَزَلَ بِهِ جِبْرِيلُ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَليجَدَلِ هؤلاءِ, ويَقُولُ رَحِمَهُ اللهُ: كُلُّنَا رَادٌّومَرْدُودٌ وراد عَلَيْهِ إلاَّ صَاحِبَ هَذَا القَبْرِ. يَعْنِي: رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وسَلَّمَ.
والإِمَامُ أَحْمَدُ يَقُولُ: عَجِبْتُ لقَوْمٍ عَرَفُوا الإِسْنَادَ وصِحَّتَهُ يَذْهَبُونَ إِلَى رَأْيِ سُفْيانَ, واللهُ تَعَالَى يَقُولُ: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}. أَتَدْرِي مَا الفِتْنَةُ؟ الفِتْنَةُ: الشِّرْكُ, لعَلَّهُ إِذَا رَدَّ بَعْضَ قَوْلِهِ أَنْ يَقَعَ فِي قَلْبِهِ شَيْءٌ مِنَ الزَّيْغِ فيَهْلِكَ.
هَذِهِ أَقْوالُ الأَئِمَّةِ -رَحِمَهُم اللهُ- يَقُولُونَ لَنَا: لا تَأْخُذُوا مِنْ أَقْوَالِنَا إِلاَّ مَا وَافَقَ الدَّلِيلَ, ومَا خَالَفَ الدَّلِيلَ فَاتْرُكُوهُ ولا كائناً مَنْ كَانَ, فَلَيْسَتِ المَسْأَلَةُ مَسْأَلَةَ مَذَاهِبَ, المَسْأَلَةُ مَسْأَلَةُ إتباع الدَّلِيلِ.
... الفتنة الشرك, لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيء الذين الزيغ فيهلك, هذه أقوال الأئمة -رحمهم الله- يقولون لنا: لا تأخذوا من أقوالنا إلا ما وافق الدليل, وما خالف الدليل فاتركوه, كائنا من كان, أليست فليست المسألة مٍسألة مذاهب, المسألة مسألة إتباع الدليل, لَكِنَّنَا نَسْتَفِيدُ مِن اجْتِهَادِ هؤلاءِ الأَئِمَّةِ, لأَنَّهَا ثَرْوَةٌ عِلْمِيَّةٌ ونَسْتَفِيدُ مِنْهَا, وعَلَى ضَوْئِهَا نَسْتَنْبِطُ, وعَلَى ضَوْئِهَا نَبْحَثُ, فَهِيَ ثَرْوَةٌ عِلْمِيَّةٌ, آلَةٌ قل بأَيْدِينَا فيَجِبُ عَلَيْنَا طَلَبُ الدَّلِيلِ والأَخْذُ بالدَّلِيلِ