دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > متون التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير وأصوله > تفسير جزء تبارك

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 02:20 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي سورة الجن (الآيات: 18-24)

وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا (18) وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا (19) قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا (20) قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (21) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (22) إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (23) حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا وَأَقَلُّ عَدَدًا (24)


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 06:56 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تيسير الكريم الرحمن للشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي

{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً}؛ أي: لا دُعاءَ عِبادةٍ ولا دُعاءَ مَسألةٍ؛ فإِنَّ المساجِدَ التي هي أعْظَمُ مَحالَّ للعِبادةِ مَبْنِيَّةٌ على الإخلاصِ للهِ والخضوعِ لعَظَمَتِه، والاستكانةِ لعِزَّتِه.
{وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ}؛ أي: يَسْأَلُه ويَتَعَبَّدُ له ويَقْرَأُ القرآنَ، كادَ الجِنُّ مِن تَكاثُرِهم عليه أنْ يَكونوا عليه لِبَداً؛ أي: مُتَلَبِّدِينَ مُترَاكِمِينَ حِرْصاً على سَماعِ ما جاءَ به مِن الْهُدَى.
{قُلْ} لهم يا أيُّها الرسولُ، مُبَيِّناً حَقيقةَ ما تَدعو إليه: {إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً}؛ أي: أُوَحِّدُه وَحدَه لا شَريكَ له، وأَخْلَعُ ما دُونَه مِن الأندادِ والأوثانِ، وكلِّ ما يَتَّخِذُه المشْرِكونَ مِن دُونِه.
{قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ رَشَداً}؛ فإنِّي عبدٌ ليسَ لي مِن الأمْرِ ولا مِن التصَرُّفِ شيءٌ.
{قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ}؛ أي: لا أحَدَ أَستجيرُ به يُنْقِذُنِي مِن عذابِ اللَّهِ، وإذا كانَ الرسولُ الذي هو أَكمَلُ الخَلْقِ لا يَمْلِكُ ضَرًّا ولا رَشَداً، ولا يَمْنَعُ نَفْسَه مِن اللَّهِ شيئاً إنْ أَرَادَه بسُوءٍ فَغَيْرُه مِن الخَلْقِ مِن بابِ أَوْلَى وأَحْرَى.
{وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً}؛ أي: مَلْجَأً ومُنْتَصَراً.
{إِلاَّ بَلاَغاً مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاَتِهِ}؛ أي: ليسَ لي مَزِيَّةٌ على الناسِ إلاَّ أنَّ اللَّهَ خَصَّنِي بإبلاغِ رِسالاتِه ودَعوةِ الخلْقِ إلى اللَّهِ، وبهذا تَقُومُ الْحُجَّةُ على الناسِ.
{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً}، وهذا المرادُ به المعصيةُ الكُفْرِيَّةُ، كما قَيَّدَتْهَا النصوصُ الأُخَرُ المُحْكَمَةُ.
وأمَّا مُجَرَّدُ المعصيةِ؛ فإِنَّه لا يُوجِبُ الخُلُودَ في النارِ، كما دَلَّتْ على ذلكَ آياتُ القرآنِ والأحاديثُ عن النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسَلَّمَ، وأَجْمَعَ عليه سلَفُ الأُمَّةِ وأَئِمَّةُ هذه الأُمَّةِ.
{حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ}؛ أي: شاهَدُوهُ عِيَاناً وجَزَمُوا أنَّه واقعٌ بهم.
{فَسَيَعْلَمُونَ} في ذلكَ الوقتِ حقيقةَ المعرِفَةِ.
{مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً} حينَ لا يَنْصُرُهم غيرُهم ولا أَنْفُسُهم يَنْتَصِرُونَ، وإذ يُحشَرونَ فُرَادَى كما خُلِقُوا أوَّلَ مَرَّةٍ.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 02:36 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي زبدة التفسير للدكتور: محمد بن سليمان الأشقر

18-{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ} أيْ: وأُوحِيَ إليَّ أنَّ المساجِدَ مُخْتَصَّةٌ باللهِ. قالَ سعيدٌ: قالتِ الْجِنُّ: كيف لنا أنْ نَأتيَ المساجِدَ ونَشهدَ معك الصلاةَ ونحن نَاؤُونَ عنك؟ فنَزلتْ. وقيلَ: المساجدُ كلُّ البِقاعِ؛ لأن الأرضَ كلَّها مَسْجِدٌ.
{فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً} أيْ: لا تَطْلُبوا العونَ فيما لا يَقْدِرُ عليه إلا اللهُ، مِن أحَدٍ مِن خَلْقِه, كائناً ما كان، فإنَّ الدعاءَ عِبادةٌ.
19- {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ} وهو النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ, {يَدْعُوهُ} أيْ: يَدْعُو اللهَ ويَعْبُدُه، وذلك ببَطْنِ نَخلةَ كما تَقَدَّمَ.
{كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} أيْ: كادَ الجنُّ يَكونونَ على رسولِ اللهِ لِبَداً متراكمينَ، مِن ازدحامِهم عليه لسماعِ القرآنِ منه. وقيلَ: المرادُ: تَلَبَّدَتِ الإنسُ والجنُّ، على هذا الأمْرِ ليُطْفِئُوهُ, فأَبَى اللهُ إلا أنْ يَنْصُرَه ويُتِمَّ نُورَه.
20-{قُلْ إِنَّمَا أَدْعُوا رَبِّي} وأَعْبُدُه، {وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا} مِن خَلْقِه. سببُ نزولِها أنَّ كُفَّارَ قُريشٍ قالوا للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ: إنك جِئتَ بأمْرٍ عظيمٍ، وقد عادَيْتَ الناسَ كلَّهم، فارجِعْ عن هذا فنحن نُجِيرُكَ.
21-{قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا} أيْ: لا أَقْدِرُ أنْ أَدْفَعَ عنكم ضَرًّا ولا أَسُوقَ إليكم خَيْراً في الدنيا أو الدِّينِ.
22-{قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ} أيْ: لا يَدفَعُ عَنِّي أحَدٌ عذابَه إنْ أَنْزَلَه بي.
{وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا} أيْ: مَلجأً ومَعْدِلا ًوحِرْزاً.
23-{إِلَّا بَلَاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ} أيْ: إلاَّ أنْ أُبَلِّغَ عن اللهِ وأعمَلَ برِسالاتِه، فآخُذَ نفْسِي بما آمُرُ به غَيْرِي، فإنْ فَعلتُ ذلك نَجوتُ، وإلا هَلَكْتُ.
24-{فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِرًا} جُنداً يَنْتَصِرُ به، {وَأَقَلُّ عَدَداً} أَهُمْ أَمِ المؤمنونَ.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 02:37 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تفسير القرآن للإمام أبي المظفر السمعاني

قولُه تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَداً} اتَّفَقَ القُرَّاءُ على فتْحِ الألِفِ في هذه الآيةِ؛ وعِلَّةُ النصْبِ أنَّ معناه: ولأنَّ المساجِدَ للهِ، ثم حُذِفَتِ اللامُ فانتصَبَ الألِفُ، وقيلَ: انتصَبَتْ لأنَّ معناه: أُوحِيَ إِلَيَّ أنَّ المساجِدَ للهِ، وسببُ نُزولِ هذه الآيةِ أنَّ الجنَّ قالوا للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: نحن نَوَدُّ أنْ نُصَلِّيَ معك، فكيف نَفعلُ ونحن ناؤُونَ عنك؟ فأنزَلَ اللهُ تعالى قولَه: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ}. ومعناه: أنَّكُم أين صَلَّيْتُمْ فمَقصودُكم حاصِلٌ مِن عِبادةِ اللهِ تعالى، فلا تُشْرِكوا به أحَداً.
وهو معنى قولِه: {فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً} ويُقالُ: هو ابتداءُ كلامٍ. والمعنى: أنَّ اليهودَ والنَّصَارَى يُشْرِكونَ في الْبِيَعِ والصوامِعِ، وكذلك المشرِكونَ في عِبادةِ الأصنامِ، فأنتم أيُّها المؤمنونَ اعْلَموا أنَّ الصلواتِ والسجودَ والمساجدَ كلَّها للهِ، فلا تُشْرِكوا معه أحَداً. وفي المساجِدِ أقوالٌ:
أحَدُها: أنها بمعنى السجودِ، وهي جَمْعُ مَسجِدٍ، يُقالُ: سَجدتُ سُجوداً ومَسْجِداً، والمعني: أنَّ السجودَ للهِ، يَعنِي: هو المستَحِقُّ للسجودِ.
والقولُ الثاني: أنَّ المساجِدَ هي المواضِعُ الْمَبْنِيَّةُ للصلاةِ الْمُهَيَّأَةُ لها، وهي جَمْعُ مَسْجِدٍ، ومعنى قولِه: {لِلَّهِ} نَفْيُ الْمِلْكِ عنها، أو معناه: الأمْرُ بإخلاصِ العِبادةِ فيها للهِ.
والقولُ الثالثُ: أنَّ المساجِدَ هي الأعضاءُ التي يَسجُدُ عليها الإنسانُ؛ مِن جَبهتِه ويَدَيْهِ ورُكبَتَيْهِ وقَدَمَيْهِ، والمعنى: أنه لا يَنبغِي أنْ يُسجَدَ على هذه الأعضاءِ إلا للهِ.
وقد رَوَى ابنُ عَبَّاسٍ عن النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أنه قالَ: ((أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمٍ، وَأَلاَّ أَكُفَّ ثَوْباً وَلاَ شَعَراً)).
قولُه تعالى: {وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللهِ} فمَن قَرأَ بالكسرِ يَنصرِفُ إلى قولِ الْجِنِّ، ومعناه: قالَ الجِنُّ (وَإِنَّهُ) وقيلَ: يَنصرِفُ إلى قولِ اللهِ، أيْ: قالَ اللهُ تعالى: (وَإِنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ اللَّهِ).
ومَن قَرأَ بالفتْحِ معناه: أُوحِيَ إلَيَّ أنه لَمَّا قامَ عبدُ اللهِ. فعَلَى القولِ الأوَّلِ قولُه: {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} يَنصرِفُ إلى أصحابِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعبدُ اللهِ هو الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والمعنى: أنَّ الْجِنَّ لَمَّا رَأَوا النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وأصحابُه خَلْفَه وشَاهَدُوا طَواعِيَتَهم له قالوا: كادُوا يَكونونَ عليه لِبَداً أيْ: يَرْكَبُ بعضُهم بعضاً مِن الطواعيةِ.
وعلى القولِ الثاني المعنى: هو أنَّ اللهَ تعالى حَكَى عن الْجِنِّ أنَّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَمَّا قَرَأَ القرآنَ عليهم ـ يَعنِي: على الْجِنِّ ـ كادُوا يَكونونَ عليه لِبَداً أيْ: على الرسولِ عليه الصلاةُ والسلامُ ، أيْ: يَركَبُ بعضُهم بعضاً لِحُبِّ الإصغاءِ إلى قِراءتِه والاستماعِ إليها.
ويُقالُ: إنَّ الرسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كان صَلَّى بهم وازْدَحَمُوا عليه، وكادَ يَركبُ بعضُهم بعضاً. وفي بعضِ التفاسيرِ: كادوا يَسْقُطُونَ عليه، وأمَّا على قِراءةِ الفتْحِ، قولُه: {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} يَنصرِفُ إلى الْجِنِّ أيضاً، و(هو) ([1]) أظهَرُ القَولينِ أنَّ الانصرافَ إلى الجنِّ. ومِن اللِّبَدِ قالوا: تَلَبَّدَ القوْمُ، إذا اجْتَمَعُوا، ومنه اللِّبْدُ؛ لأنَّ بعضَه على بعْضٍ.
وقيلَ: {كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً} أيْ: تَلَبَّدَتِ الْجِنُّ والإنْسُ، واجْتَمَعُوا على أنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللهِ لَمَّا قامَ الرسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ {يَدْعُوهُ} أيْ: يَدْعُو اللهَ، وقُرِئَ: (لُبَداً) أيْ: كثيراً، واللُّبَدُ أيضاً اسمُ آخِرِ نَسرٍ مِن نُسورِ نُعمانَ([2]) بنِ عادٍ، وكان عاشَ سبعَمائةِ سنةٍ، وقيلَ في الْمَثَلِ: طالَ لُبَدٌ على أمَدٍ.
قولُه تعالى: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي}، وقُرئَ: (قالَ إنما أَدْعُو رَبِّي)، في التفسيرِ: أنَّ النضْرَ بنَ الحارِثِ قالَ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنك جئْتَ بأمْرٍ عَظيمٍ وخالَفْتَ دِينَ آبائِكَ، وإنَّ العرَبَ لا يُوَافِقُونَكَ على هذا، فارْجِعْ إلى دِينِ آبائِكَ. فأَنْزَلَ اللهُ تعالى قولَه: {قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي}، أيْ: أُوَحِّدُ رَبِّي، {وَلاَ أُشْرِكُ بِهِ أَحَداً} أيْ: معه أَحَداً. ويُقالُ: إنَّ هذا قالَه مع الْجِنِّ، وهو نَسَقٌ على ما تَقَدَّمَ.
قولُه تعالى: {قُلْ إِنِّي لاَ أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ رَشَداً} يَعني: لا أَمْلِكُ ذلك بنَفْسِي، وإنما هو مِن اللهِ تعالى وبِعَوْنِه وتَوفيقِه.
قولُه تعالى: {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ} رُوِيَ أنَّ النضْرَ بنَ الحارثِ قالَ له: ارجِعْ إلى دِينِ آبائِكَ ولا تَخَفْ مِن أحَدٍ، فإنَّا نُجِيرُكَ ونَمنعُكَ. فأَنْزَلَ اللَّهُ تعالى: {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ} أيْ: لنْ يَنْصُرَنِي ويَمْنَعَنِي مِن عذابِ اللهِ أَحَدٌ.
ويُقالُ: إنه خِطابُ الجِنِّ نَسَقاً على ما تَقَدَّمَ، ورَوَى أبو الْجَوزاءِ عن ابنِ عبَّاسٍ: أنَّ ابنَ مَسعودٍ خَرجَ مع النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ليلةَ الْجِنِّ فازدَحَمَ الْجِنُّ على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وتَعَاوَوْا عليه، فقالَ واحدٌ منهم يُقالُ له: وَردانُ: يا محمَّدُ، لا تَخَفْ فأنا أُجِيرُك منهم. فأَنْزَلَ اللهُ تعالى: {قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ}.
وقولُه: {وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً} أيْ: مَلجأً، وقيلَ: مَهْرَباً، ويُقالُ: مُتَعَرَّجاً.
وقولُه: {إِلاَّ بَلاَغاً مِنَ اللهِ} أيْ: لا أَمْلِكُ شَيئاً مِن الضَّرِّ والرشَدِ إلاَّ أنْ أُبَلِّغَ رِسالةَ رَبِّي، أيْ: ليس بِيَدِي إلا هذا، وهذا([3]) التبليغُ، وقد قيلَ: ضَرًّا ولا رَشَداً أيْ: لا أَدفعُ عنكم ضَرًّا، ولا أَسوقُ إليكم خَيْراً، وليس بِيَدِي إلا أنْ أُبَلِّغَ رسالةَ رَبِّي.
وقولُه: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً} أيْ: دائماً.
قولُه تعالى: {حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ} أي: القِيامةَ. قاله سعيدُ بنُ جُبيرٍ وغيرُه، وقيلَ: العذابَ في الدنيا. قالَه قَتادةُ وغيرُه.
وقولُه: {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً} أيْ: وأَقَلُّ جُنْداً وأَعواناً، ويُقالُ: معنى قولِه: {وَأَقَلُّ عَدَداً} أيْ: في القِيامةِ، وفي التفسيرِ أنَّ اللهَ تعالى يُعطِي المؤمنينَ مِن الأزواجِ والوِلدانِ والْحُورِ والقَهَارِمَةِ و([4])ما يَكْثُرُ عددُهم ويَزيدوا على أهلِ بَلدةٍ كثيرةٍ مِن بلادِ الدنيا، فهو معنى قولِه: {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً} فإنَّ الْمُشْرِكينَ كانوا يُعَيِّرُونَ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ والمؤمنينَ بقِلَّةِ الناصِرِ وقِلَّةِ العددِ، فقالَ: {فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً} أيْ: في القِيامةِ، وإذا وصَلَ كلُّ أحَدٍ إلى مُستَقَرِّه.

([1] ) كذا بالأصل، والأولى حذفها .

([2] ) كذا بالأصل، ولعله: " لقمانَ " .

([3] ) كذا بالأصل .

([4] ) كذا بالأصل، والأَولَى حذفها .


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 12:00 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (يقول تعالى آمرًا عباده أن يوحّدوه في مجال عبادته، ولا يدعى معه أحدٌ ولا يشرك به كما قال قتادة في قوله: {وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدًا} قال: كانت اليهود والنّصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم، أشركوا باللّه، فأمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن يوحّدوه وحده.
وقال ابن أبي حاتمٍ: ذكر عليّ بن الحسين: حدثنا إسماعيل بن بنت السّدّيّ، أخبرنا رجلٌ سمّاه، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ -أو أبي صالحٍ-عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدًا} قال: لم يكن يوم نزلت هذه الآية في الأرض مسجدٌ إلّا المسجد الحرام، ومسجد إيليّا: بيت المقدس.
وقال الأعمش: قالت الجنّ: يا رسول اللّه، ائذن لنا نشهد معك الصّلوات في مسجدك. فأنزل اللّه: {وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدًا} يقول: صلّوا، لا تخالطوا النّاس.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن حميدٍ، حدّثنا مهران، حدّثنا سفيان، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن محمودٍ عن سعيد بن جبيرٍ،: {وأنّ المساجد للّه} قال: قالت الجنّ لنبيّ اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: كيف لنا أن نأتي المسجد ونحن ناءون [عنك] ؟، وكيف نشهد الصّلاة ونحن ناءون عنك؟ فنزلت: {وأنّ المساجد للّه فلا تدعوا مع اللّه أحدًا}
وقال سفيان، عن خصيف، عن عكرمة: نزلت في المساجد كلّها.
وقال سعيد بن جبيرٍ. نزلت في أعضاء السّجود، أي: هي للّه فلا تسجدوا بها لغيره. وذكروا عند هذا القول الحديث الصّحيح، من رواية عبد اللّه بن طاوسٍ، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: " أمرت أن أسجد على سبعة أعظمٍ: على الجبهة -أشار بيديه إلى أنفه-واليدين والرّكبتين وأطراف القدمين"
وقوله: {وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا} قال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ يقول: لمّا سمعوا النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يتلو القرآن كادوا يركبونه؛ من الحرص، لمّا سمعوه يتلو القرآن، ودنوا منه فلم يعلم بهم حتّى أتاه الرّسول فجعل يقرئه: {قل أوحي إليّ أنّه استمع نفرٌ من الجنّ} يستمعون القرآن.
هذا قولٌ، وهو مرويٌّ عن الزّبير بن العوّام، رضي اللّه عنه.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني محمّد بن معمرٍ، حدّثنا أبو مسلمٍ، عن أبي عوانة، عن أبي بشر، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال الجنّ لقومهم: {وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا} قال: لمّا رأوه يصلّي وأصحابه، يركعون بركوعه ويسجدون بسجوده، قالوا: عجبوا من طواعية أصحابه له، قال: فقالوا لقومهم: {لمّا قام عبد اللّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا}
وهذا قولٌ ثانٍ، وهو مرويٌّ عن سعيد بن جبيرٍ أيضًا.
وقال الحسن: لمّا قام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: "لا إله إلّا اللّه" ويدعو النّاس إلى ربّهم، كادت العرب تلبد عليه جميعًا.
وقال قتادة في قوله: {وأنّه لمّا قام عبد اللّه يدعوه كادوا يكونون عليه لبدًا} قال: تلبّدت الإنس والجنّ على هذا الأمر ليطفئوه، فأبى اللّه إلّا أن ينصره ويمضيه ويظهره على من ناوأه.
هذا قولٌ ثالثٌ، وهو مرويٌّ عن ابن عبّاسٍ، ومجاهدٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وقول ابن زيدٍ، واختيار ابن جريرٍ، وهو الأظهر لقوله بعده: {قل إنّما أدعو ربّي ولا أشرك به أحدًا} أي: قال لهم الرّسول-لمّا آذوه وخالفوه وكذّبوه وتظاهروا عليه، ليبطلوا ما جاء به من الحقّ واجتمعوا على عداوته: {إنّما أدعو ربّي} أي: إنّما أعبد ربّي وحده لا شريك له، وأستجير به وأتوكّل عليه، {ولا أشرك به أحدًا}
وقوله: {قل إنّي لا أملك لكم ضرًّا ولا رشدًا} أي: إنّما أنا بشرٌ مثلكم يوحى إليّ، وعبدٌ من عباد اللّه ليس إليّ من الأمر شيءٌ في هدايتكم ولا غوايتكم، بل المرجع في ذلك كلّه إلى اللّه عزّ وجلّ.
ثمّ أخبر عن نفسه أيضًا أنّه لا يجيره من اللّه أحدٌ، أي: لو عصيته فإنّه لا يقدر أحدٌ على إنقاذي من عذابه، {ولن أجد من دونه ملتحدًا} قال مجاهدٌ، وقتادة، والسّدّيّ: لا ملجأ. وقال قتادة أيضًا: {قل إنّي لن يجيرني من اللّه أحدٌ ولن أجد من دونه ملتحدًا} أي: لا نصير ولا ملجأ. وفي روايةٍ: لا وليّ ولا موئل.
وقوله تعالى: {إلا بلاغًا من اللّه ورسالاته} قال بعضهم: هو مستثنى من قوله: {لا أملك لكم ضرًّا ولا رشدًا} {إلا بلاغًا} ويحتمل أن يكون استثناءً من قوله: {لن يجيرني من اللّه أحدٌ} أي: لا يجيرني منه ويخلّصني إلّا إبلاغي الرّسالة الّتي أوجب أداءها عليّ، كما قال تعالى: {يا أيّها الرّسول بلّغ ما أنزل إليك من ربّك وإن لم تفعل فما بلّغت رسالته واللّه يعصمك من النّاس} [المائدة: 67]
وقوله: {ومن يعص اللّه ورسوله فإنّ له نار جهنّم خالدين فيها أبدًا} أي: أنما أبلّغكم رسالة اللّه، فمن يعص بعد ذلك فله جزاءٌ على ذلك نار جهنّم خالدين فيها أبدًا، أي لا محيد لهم عنها، ولا خروج لهم منها.
وقوله: {حتّى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرًا وأقلّ عددًا} أي: حتّى إذا رأى هؤلاء المشركون من الجنّ والإنس ما يوعدون يوم القيامة فسيعلمون يومئذٍ من أضعف ناصرًا وأقلّ عددًا، هم أم المؤمنون الموحّدون للّه عزّ وجلّ، أي: بل المشركين لا ناصر لهم بالكلّيّة، وهم أقلّ عددًا من جنود اللّه عزّ وجلّ). [تفسير القرآن العظيم: 8/244-246]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الجن, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 05:00 AM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir