دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم القرآن الكريم > متون التفسير وعلوم القرآن الكريم > التفسير وأصوله > تفسير جزء تبارك

إضافة رد
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 6 ذو القعدة 1429هـ/4-11-2008م, 02:18 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي سورة الجن (الآيات: 6-10)

وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا (6) وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا (7) وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآَنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا (9) وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا (10)


رد مع اقتباس
  #2  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 06:47 PM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تيسير الكريم الرحمن للشيخ: عبد الرحمن بن ناصر السعدي

(6) {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقاً}؛ أي: كانَ الإنسُ يَعْبُدُونَ الجِنَّ ويَسْتَعِيذونَ بهم عندَ المخاوِفِ والأفزاعِ، فزَادَ الإنْسُ الجنَّ رَهَقاً؛ أي: طُغياناً وتَكَبُّراً لَمَّا رَأَوُا الإنسَ يَعبُدُونَهم ويَستعِيذُونَ بهم.
ويَحْتَمِلُ أنَّ الضميرَ في زَادُوهُمْ يَرجِعُ إلى الجِنِّ - ضميرُ الواوِ - أي: زادَ الجنُّ الإنسَ ذُعْراً وتَخويفاً لَمَّا رَأَوْهُم يَستعيذونَ بهم ليُلْجِئُوهُم إلى الاستعاذةِ بهم، فكانَ الإِنسِيُّ إذا نَزَلَ بوادٍ مَخُوفٍ قالَ: (أَعوذُ بسَيِّدِ هذا الوادِي مِن سُفهاءِ قومِه).
{وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً}؛ أي: فلَمَّا أَنْكَرُوا البَعْثَ، أَقْدَمُوا على الشِّرْكِ والطُّغيانِ.
{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ}؛ أي: أَتَيْنَاهَا واخْتَبَرْنَاهَا، {فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً} عن الوُصولِ إلى أَرجائِها والدُّنُوِّ منها، {وَشُهُباً} يُرْمَى بها مَنِ اسْتَرَقَ السمْعَ.
وهذا بخِلافِ عادَتِنا الأُولَى؛ فإنَّا كُنَّا نتَمَكَّنُ مِن الوُصولِ إلى خبَرِ السماءِ.
{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِِ} فنَتَلَقَّفُ مِن أخبارِ السماءِ ما شاءَ اللَّهُ، {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً}؛ أي: مَرْصَداً له مُعَدًّا لإتلافِه وإحراقِه؛ أي: وهذا له شأنٌ عظيمٌ ونَبَأٌ جَسيمٌ، وجَزَمُوا أنَّ اللَّهَ تعالى أرَادَ أنْ يُحْدِثَ في الأرضِ حادِثاً كبيراً، مِن خيرٍ أو شَرٍّ؛ فلهذا قالوا: {وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً}؛ أي: لا بُدَّ مِن هذا أو هذا؛ لأنَّهم رَأَوُا الأمْرَ تَغَيَّرَ عليهم تَغَيُّراً أَنْكَرُوه، فعَرَفُوا بفِطْنَتِهم أنَّ هذا الأمْرَ يُرِيدُه اللَّهُ، ويُحْدِثُه في الأرْضِ.
وفي هذا بيانٌ لأَدَبِهم؛ إذ أَضَافُوا الخيرَ إلى اللَّهِ تعالى, والشرَّ حَذَفُوا فاعلَه؛ تَأَدُّباً معَ اللَّهِ.


رد مع اقتباس
  #3  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 02:21 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي زبدة التفسير للدكتور: محمد بن سليمان الأشقر

6-{وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِّنَ الْإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِّنَ الْجِنِّ} كان العرَبُ إذا نَزَلَ الرجُلُ بِوَادٍ قالَ: أَعوذُ بسَيِّدِ هذا الوادِي مِن شَرِّ سُفهاءِ قَوْمِه. فيَبِيتُ في جِوَارِه حتى يُصْبِحَ.
َزَادُوهُمْ رَهَقاً} أيْ: زادَ رِجالُ الجنِّ مَن تَعَوَّذَ بهم مِن رِجالِ الإنْسِ َهَقاً}، أيْ: سَفَهاً وطُغياناً، أيْ: مِن الجنِّ أنفُسِهم على الإنْسِ الْمُستجيرينَ بهم. أو زَادُوهم بَلاءً وضَعْفًا وخَوْفاً.
7-{وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنتُمْ أَن لَّن يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَدًا} المعنى: وأنَّ الإنْسَ ظَنُّوا كما ظَنَنتُمْ أيها الْجِنُّ أنه لا بَعْثَ ولا جَزاءَ.
8-{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ} أيْ: طَلَبْنا خَبَرَها كما جَرَتْ به عادَتُنا {فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا} مِن الملائكةِ يَحْرُسُونَها على استراقِ السمْعِ, َدِيداً} قَوِيًّا َشُهُباً} هي نارُ الكواكبِ، كما تَقَدَّمَ بَيانُه في تفسيرِ قولِه:{وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً لِّلشَّيَاطِينِ} مِن سُورةَِبارَكَ".
9-{وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} ليَسمعوا مِن الملائكةِ أخبارَ السماءِ, فيُلْقُونَها إلى الكَهَنَةِ، فحَرَسَها اللهُ سُبحانَه عندَ بَعْثِه رَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسَلَّمَ بالشهُبِ الْمُحْرِقَةِ.
{فَمَن يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَّصَدًا} أيْ: أُرْصِدَ له ليُرْمَى به، لِمَنْعِه مِن السماعِ.
10-{وَأَنَّا لَا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَن فِي الْأَرْضِ} بسببِ هذه الحراسةِ للسماءِ.
{أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَدًا} أيْ: خيراً. قالَ ابنُ زيدٍ: قالَ إِبليسُ: لا نَدرِي أَرادَاللهُ بهذا الْمَنْعِ أنْ يُنْزِلَ على أهلِ الأرضِ عَذاباً أو يُرْسِلَ إليهم رَسُولاً.


رد مع اقتباس
  #4  
قديم 11 ذو القعدة 1429هـ/9-11-2008م, 02:24 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي تفسير القرآن للإمام أبي المظفر السمعاني

قولُه تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنْسِ} فإنْ قالَ قائلٌ: قد قُرِئَ هذا كلُّه بالنَّصْبِ، فما وجهُ النصْبِ فيه؟ والجوابُ عنه: قد بَيَّنَّا وَجْهَ النصْبِ فيما سَبَقَ، وباقي الآياتِ نُصِبَتْ بحكْمِ الْمُجَاوَرَةِ والعطْفِ، أو بتقديرِ آمَنَّا أو ظَنَنَّا أو شَهِدْنا، والعرَبُ قد تُتْبِعُ الكلمةَ الكلمةَ في الإعرابِ بنفسِ المجاوَرَةِ والعطْفِ، مثلُ قولِهم: جُحْرُ ضَبٍّ خَرِبٍ.
وقولُه: {يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ} في التفسيرِ: أنَّ الرجُلَ كان يُسافِرُ والقومَ كانوا يُسافرونَ، فإذا بَلَغُوا مَكاناً قَفْراً مِن الْبَرِّيَّةِ وأَمْسَوْا قالوا: نَعوذُ بسَيِّدِ هذا الوادِي مِن سُفهاءِ قَومِه. وحُكِيَ عن بعضِهم ـ وهو السائبُ بنُ أبي كَرْدَمٍ ـ أنه قالَ: انطَلَقْتُ مع أبي في سَفَرٍ ومعنا قِطعةٌ مِن الغنَمِ، فنَزَلْنا وادياً. قالَ: فجاءَ ذِئبٌ وأَخَذَ حَمَلاً مِن الغنَمِ، فقامَ أبي وقالَ: يا عامرَ الوادي، نحن في جِوارِكَ. فحينَ قالَ ذلك أرْسَلَ الذئبُ الحَمَلَ، فرَجَعَ الْحَمَلُ إلى الغنَمِ فلم تُصِبْهُ كَدْمَةٌ.
فإنْ قالَ قائلٌ: كيف {بِرِجَالٍ مِنَ الْجَنِّ} والجنُّ لا يُسَمَّوْنَ رِجالاً؟! والجوابُ: قلنا: يَجوزُ على طريقِ المجازِ، وقد وَرَدَ في بعضِ أخبارِ العرَبِ في حكايةٍ أنَّ قَوْماً مِن الجنِّ قالوا: نحن أُناسٌ مِن الجنِّ. فإذا جازَ أنْ يُسَمَّوْا أُناساً جازَ أنْ يُسَمَّوْا رِجالاً.
وأمَّا قولُه: {فَزَادُوهُمْ رَهَقاً} فيه قَولانِ: أحَدُهما: إلا أنَّ الإنْسَ زَادُوا الجنَّ رَهَقاً أيْ: عَظمةً في أَنْفُسِهم، كأنَّ الإنْسَ لَمَّا استَعَاذُوا بالجنِّ ازدادوا الجنُّ في أنفُسِهم عَظمةً.
والقولُ الثاني: هو أنَّ الإنسَ ازْدَادُوا رَهَقاً بالاستعاذَةِ مِن الجنِّ. ومعناه: طُغياناً وإثماً، كأنَّ الإنسَ لَمَّا استَعَاذُوا بالجنِّ وأَمِنُوا على أنفُسِهم ازدَادُوا كُفْراً، وظَنُّوا أنَّ أمْنَهم كان مِن الجنِّ، وقيلَ: {رَهَقاً}؛ أيْ: غِشْياناً للمَحارِمِ، وقيلَ: مُفارَقَةَ اللائمِ.
قالَ الأَعْشَى:
لا شيءَ يَنفعُني مِن دُونِ رُؤيتِها هل يَشتفِي عاشقٌ ما لم يُصِبْ رَهَقَا
قولُه تعالى: {وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا كَمَا ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللَّهُ أَحَداً} في الآيةِ دليلٌ على أنه كانَ في الْجِنِّ قومٌ لا يُؤمنونَ بالبعْثِ كما في الإِنْسِ.
قولُه تعالى: {وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً} أيْ: مُلِئَتْ حَرَساً بالملائكةِ.
وقولُه: {شُهُباً} جَمْعُ شِهابٍ، وهو قِطعةٌ مِن النارِ، وقد ذَكَرْنا مِن قَبلُ صورةَ كَيفيَّةِ استراقِ الشياطينِ السمْعَ مِن السماءِ، وأنهم كانوا يَسمعونَ الكلمةَ فيَضُمُّونَ إليها عَشرةً ويُلْقُونَها إلى الكَهَنَةِ، فلَمَّا كان في زمانِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ حُرِسَتِ السماءُ، ورُمِيَ الشياطينُ بالشهُبِ، فإنْ قالَ قائلٌ: لم يَزلْ هذا الأمْرُ مَعهوداً قبلَ الرسولِ، وهو انقضاضُ الكواكبِ، وذَكَرَه شُعراءُ الجاهليَّةِ في أشعارِهم، وقالَ بعضُهم:
فانْقَضَّ كالدُّرِّيِّ يَتبَعُهُ نقْعٌ (يَثورُ) تَخالُه طُنُبَا
(قالَه لا قوه إلا وروى) وإذا كان هذا أمْراً مَعهوداً في الجاهليَّةِ فما معنى تَعليقِه بنُبُوَّةِ محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، وعندَكم أنه كانَ مُعجِزَةً له وأساساً لنُبُوَّتِه؟! والجوابُ عنه مِن وَجهينِ: أحَدُهما: أنه لم يَكنْ هذا مِن قَبلُ، وإنما حَدَثَ في زمانِ نُبُوَّةِ الرسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، والأشعارُ كلُّها مَنحولَةٌ على الجاهليَّةِ، أو قالُوهَا بعدَ مَوْلِدِه حينَ قَرُبَ مَبْعَثُه.
وَذَكَرَ السُّدِّيُّ: أنَّ أوَّلَ مَن تَنَبَّهَ للرمْيِ بالشهُبِ هو هذا الحيُّ مِن ثَقيفٍ، فخَافُوا خَوفاً شَديداً، وظَنُّوا أنَّ القِيامةَ قد قَرُبَتْ، فجَعَلُوا يُعْتِقونَ العَبيدَ ويُسَيِّبُونَ الْمَوَاشِيَ، فقالَ لهم ابنُ عبدِ يَاليلَ: لا تَعْجَلُوا، وانْظُرُوا إلى النجومِ المعروفةِ هل هي في أَماكنِها؟ فقالوا: هي في أَماكنِها. قالَ: فإنَّ هذا لأَمْرِ هذا الرجُلِ الذي خَرَجَ بِمَكَّةَ.
والجوابُ الثاني ـ وهو الأَصَحُّ ـ أنَّ الرمْيَ بالشهُبِ قد كان مِن قَبْلُ، ولكنه لَمَّا كانَ في زَمانِ الرسولِ كَثُرَ وقَوِيَ، قالَ مَعمرٌ: قلتُ للزُّهْرِيِّ: أكانَ الرميُ بالشُّهُبِ قبلَ الرسولِ في الجاهليَّةِ؟ قالَ: نعم، ولكنه لَمَّا كانَ زَمانُ الرسولِ كَثُرَ واشْتَدَّ.
قولُه تعالى: {وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ} أيْ: مَقاعِدَ للاستماعِ.
وقولُه: {فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً} أيْ: يَجِدْ شِهاباً أُرْصِدَ له وهِيءَ ليُرْمَى به.
قولُه تعالى: {وَأَنَّا لاَ نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً} أيْ: أُريدَ بهم الصلاحُ في ذلك أو الفسادُ؟ أو الخيرُ أو الشرُّ؟
([1] ) كذا بالأصل.


رد مع اقتباس
  #5  
قديم 10 جمادى الآخرة 1435هـ/10-04-2014م, 11:19 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تفسير ابن كثير

تفسير ابن كثير


قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادوهم رهقًا (6) وأنّهم ظنّوا كما ظننتم أن لن يبعث اللّه أحدًا (7) }
وقوله: {وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادوهم رهقًا} أي: كنّا نرى أنّ لنا فضلًا على الإنس؛ لأنّهم كانوا يعوذون بنا، أي: إذا نزلوا واديًا أو مكانًا موحشًا من البراري وغيرها كما كان عادة العرب في جاهليّتها. يعوذون بعظيم ذلك المكان من الجانّ، أن يصيبهم بشيءٍ يسوؤهم كما كان أحدهم يدخل بلاد أعدائه في جوار رجلٍ كبيرٍ وذمامه وخفارته، فلمّا رأت الجنّ أنّ الإنس يعوذون بهم من خوفهم منهم، {فزادوهم رهقًا} أي: خوفًا وإرهابًا وذعرًا، حتّى تبقوا أشدّ منهم مخافةً وأكثر تعوّذًا بهم، كما قال قتادة: {فزادوهم رهقًا} أي: إثمًا، وازدادت الجنّ عليهم بذلك جراءةً.
وقال الثّوريّ، عن منصورٍ عن إبراهيم: {فزادوهم رهقًا} أي: ازدادت الجنّ عليهم جرأةً.
وقال السّدّيّ: كان الرّجل يخرج بأهله فيأتي الأرض فينزلها فيقول: أعوذ بسيّد هذا الوادي من الجنّ أن أضرّ أنا فيه أو مالي أو ولدي أو ماشيتي، قال: فإذا عاذ بهم من دون اللّه، رهقتهم الجنّ الأذى عند ذلك.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيد يحيى بن سعيدٍ القطّان، حدّثنا وهب بن جريرٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا الزّبير بن الخرّيت، عن عكرمة قال: كان الجنّ يفرقون من الإنس كما يفرق الإنس منهم أو أشدّ، وكان الإنس إذا نزلوا واديًا هرب الجنّ، فيقول سيّد القوم: نعوذ بسيّد أهل هذا الوادي.
فقال الجنّ: نراهم يفرقون منّا كما نفرق منهم. فدنوا من الإنس فأصابوهم بالخبل والجنون، فذلك قول اللّه: {وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادوهم رهقًا}
وقال أبو العالية، والرّبيع، وزيد بن أسلم: {رهقًا} أي: خوفًا. وقال العوفيّ، عن ابن عبّاسٍ: {فزادوهم رهقًا} أي: إثمًا. وكذا قال قتادة. وقال مجاهد: زاد الكفار طغيانا.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا فروة بن المغراء الكنديّ، حدّثنا القاسم بن مالكٍ -يعني المزنيّ-عن عبد الرّحمن بن إسحاق، عن أبيه، عن كردم بن أبي السّائب الأنصاريّ قال: خرجت مع أبي من المدينة في حاجةٍ، وذلك أوّل ما ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمكّة، فآوانا المبيت إلى راعي غنمٍ. فلمّا انتصف اللّيل جاء ذئبٌ فأخذ حملًا من الغنم، فوثب الرّاعي فقال: يا عامر الوادي، جارك. فنادى منادٍ لا نراه، يقول: يا سرحان، أرسله. فأتى الحمل يشتدّ حتّى دخل في الغنم لم تصبه كدمةٌ. وأنزل اللّه تعالى على رسوله بمكّة {وأنّه كان رجالٌ من الإنس يعوذون برجالٍ من الجنّ فزادوهم رهقًا}
ثمّ قال: وروي عن عبيد بن عميرٍ، ومجاهدٍ، وأبي العالية، والحسن، وسعيد بن جبيرٍ، وإبراهيم النّخعي، نحوه.
وقد يكون هذا الذّئب الّذي أخذ الحمل -وهو ولد الشّاة-وكان جنّيًّا حتّى يرهب الإنسيّ ويخاف منه، ثمّ ردّه عليه لمّا استجار به، ليضلّه ويهينه، ويخرجه عن دينه، واللّه أعلم.
وقوله: {وأنّهم ظنّوا كما ظننتم أن لن يبعث اللّه أحدًا} أي: لن يبعث اللّه بعد هذه المدّة رسولًا. قاله الكلبيّ، وابن جريرٍ.

{وأنّا لمسنا السّماء فوجدناها ملئت حرسًا شديدًا وشهبًا (8) وأنّا كنّا نقعد منها مقاعد للسّمع فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا (9) وأنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشدًا (10) }
يخبر تعالى عن الجنّ حين بعث اللّه رسوله محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم وأنزل عليه القرآن، وكان من حفظه له أنّ السّماء ملئت حرسًا شديدًا، وحفظت من سائر أرجائها، وطردت الشّياطين عن مقاعدها الّتي كانت تقعد فيها قبل ذلك؛ لئلّا يسترقوا شيئًا من القرآن. فيلقوه على ألسنة الكهنة، فيلتبس الأمر ويختلط ولا يدرى من الصّادق. وهذا من لطف اللّه بخلقه ورحمته بعباده، وحفظه لكتابه العزيز، ولهذا قال الجنّ: {وأنّا لمسنا السّماء فوجدناها ملئت حرسًا شديدًا وشهبًا وأنّا كنّا نقعد منها مقاعد للسّمع فمن يستمع الآن يجد له شهابًا رصدًا} أي: من يروم أن يسترق السّمع اليوم يجد له شهابًا مرصدًا له، لا يتخطّاه ولا يتعدّاه، بل يمحقه ويهلكه، {وأنّا لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربّهم رشدًا} أي: ما ندري هذا الأمر الّذي قد حدث في السّماء، لا ندري أشرٌّ أريد بمن في الأرض، أم أراد بهم ربّهم رشدًا؟ وهذا من أدبهم في العبارة حيث أسندوا الشّرّ إلى غير فاعلٍ، والخير أضافوه إلى اللّه عزّ وجلّ. وقد ورد في الصّحيح: "والشّرّ ليس إليك". وقد كانت الكواكب يرمى بها قبل ذلك، ولكن ليس بكثيرٍ بل في الأحيان بعد الأحيان، كما في حديث ابن عبّاسٍ بينما نحن جلوسٌ مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إذا رمي بنجمٍ فاستنار، فقال: "ما كنتم تقولون في هذا؟ فقلنا: كنّا نقول: يولد عظيمٌ، يموت عظيمٌ، فقال: "ليس كذلك، ولكنّ اللّه إذا قضى الأمر في السّماء"، وذكر تمام الحديث، وقد أوردناه في سورة "سبأٍ" بتمامه وهذا هو السّبب الّذي حملهم على تطلّب السّبب في ذلك، فأخذوا يضربون مشارق الأرض ومغاربها، فوجدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ بأصحابه في الصّلاة، فعرفوا أنّ هذا هو الّذي حفظت من أجله السّماء، فآمن من آمن منهم، وتمرّد في طغيانه من بقي، كما تقدّم حديث ابن عبّاسٍ في ذلك، عند قوله في سورة "الأحقاف": {وإذ صرفنا إليك نفرًا من الجنّ يستمعون القرآن} الآية 29. ولا شكّ أنّه لمّا حدث هذا الأمر وهو كثرة الشّهب في السّماء والرّمي بها، هال ذلك الإنس والجنّ وانزعجوا له وارتاعوا لذلك، وظنّوا أنّ ذلك لخراب العالم -كما قال السّدّيّ: لم تكن السّماء تحرس إلّا أن يكون في الأرض نبيٌّ أو دينٌ للّه ظاهرٌ، فكانت الشّياطين قبل محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم قد اتّخذت المقاعد في السّماء الدّنيا، يستمعون ما يحدث في السّماء من أمرٍ. فلمّا بعث اللّه محمّدًا نبيًّا، رجموا ليلةً من اللّيالي، ففزع لذلك أهل الطّائف، فقالوا: هلك أهل السّماء، لمّا رأوا من شدّة النّار في السّماء واختلاف الشّهب. فجعلوا يعتقون أرقّاءهم ويسيّبون مواشيهم، فقال لهم عبد يا ليل بن عمرو بن عميرٍ: ويحكم يا معشر أهل الطّائف. أمسكوا عن أموالكم، وانظروا إلى معالم النّجوم فإن رأيتموها مستقرّةً في أمكنتها فلم يهلك أهل السّماء، إنّما هذا من أجل ابن أبي كبشة -يعني: محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم-وإن أنتم لم تروها فقد هلك أهل السّماء. فنظروا فرأوها، فكفّوا عن أموالهم. وفزعت الشّياطين في تلك اللّيلة، فأتوا إبليس فحدّثوه بالّذي كان من أمرهم، فقال: ائتوني من كلّ أرضٍ بقبضةٍ من ترابٍ أشمّها. فأتوه فشم فقال: صاحبكم بمكّة. فبعث سبعة نفرٍ من جنّ نصيبين، فقدموا مكّة فوجدوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قائمًا يصلّي في المسجد الحرام يقرأ القرآن، فدنوا منه حرصًا على القرآن حتّى كادت كلاكلهم تصيبه، ثمّ أسلموا. فأنزل اللّه تعالى أمرهم على نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وقد ذكرنا هذا الفصل مستقصًى في أوّل البعث من (كتاب السّيرة) المطوّل، واللّه أعلم، وللّه الحمد والمنّة). [تفسير القرآن العظيم: 8/239-241]

رد مع اقتباس
إضافة رد

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
الجن, سورة

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 06:46 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir