قال أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن بطة العكبري الحنبلي (ت: 387هـ): (باب ذكر خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنهقال الشيخ: ونحن الآن ذاكرون من خلافة علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وشارحون من أحوالها، وما سبق من القول في النصوص عليها في وقتها من إجماع المسلمين على فضائله ومناقبه ومشاهير مقاماته ومآثره التي شاعت في الإسلام، وذاعت فيهم، فكثرت على الإحصاء، فعظم في الإسلام غناؤه، وحسن فيه بلاؤه، مع ما ضامّ ذلك، ولصق به من محبة الله تعالى له، ومحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم له، ومحبته لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم.
[الإبانة الكبرى: 7/203]
وكل ما نحن ذاكروه من شأنه رحمه الله فمستنبط ذلك من كتاب الله ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأوامره، وإن كانت إمامته وخلافته ومقاماته أظهر وأعلى، وأشرف وأسنى من أن تحتاج إلى استخراج واستنباط.
فأما ما نحن ذاكروه من كتاب الله تعالى فقوله: {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمنا يعبدونني لا يشركون بي شيئا}، ولا عمل هو أصلح ولا أجل ولا أعظم قدراً عند الله وعند رسوله من السبق بالإيمان فكان أبوبكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم أرفع السابقين بالإيمان درجة، وأعلاهم رتبة، وأعظمهم قدراً وأزلفهم منزلة؛ وكان علي ممن دخل في هذه الآية، وفي نظائرها وما أشبهها،
[الإبانة الكبرى: 7/204]
وكان ممن وعده الله باستخلافه في هذه الآية، والتمكين له.
ومتى صارت الخلافة إليه بالتمكين له في الأرض، أقام الصلاة، وآتى الزكاة، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، فنجز في علي وعد الله، وصارت إليه الخلافة، فقام فيها بما وصفه الله حين يقول: {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر} فكان علي عليه السلام داخلاً في جملة أهل هذه الآية في حكمها ونصوصها.
وجاءت الآثار الصحاح بالسنة عن النبي صلى الله عليه وسلم مبينة للوحي، مفسرة لما أنزل الله تعالى في علي وأصحابه المستخلفين معه رحمة الله عليهم أجمعين.
فمن ذلك ما رواه سفينة، وهو ما حدثنا به أبوالقاسم عبدالله بن محمد الوراق، قال: حدّثنا علي بن
[الإبانة الكبرى: 7/205]
الجعد، قال: حدثنا حماد بن سلمة، عن سعيد بن جهمان عن سفينة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم يكون ملكاً" قال: أمسك، خلافة أبي بكر سنتين، وعمر عشراً، وعثمان اثنتي عشرة، وعلي ستاً. اهـ.
[الإبانة الكبرى: 7/206]
قال الشيخ: فكانت هذه خلافة النبوة، وهؤلاء الخلفاء الذين نزلت فيهم الآية وعليّ آخرهم، وبه تمت خلافة النبوة على ما بين النبي صلى الله عليه وسلم.
[الإبانة الكبرى: 7/207]
35- حدثنا القافلائي قال: حدثنا محمد بن إسحاق الصاغاني قال: حدثنا الحسن بن موسى الأشيب
[الإبانة الكبرى: 7/207]
وحدثنا أبو بكر محمد بن أيوب البزاز قال: حدثنا الحارث بن محمد التميمي قال: حدثنا أبو النضر هاشم بن القاسم وحدثنا أبو بكر محمد بن بكر التمار قال: حدثنا محمد بن عطية السامي قال: حدثنا عاصم بن علي قالوا
[الإبانة الكبرى: 7/208]
حدثنا محمد بن راشد قال ابن عطية: الخزاعي, قال: حدثنا عبدالله بن محمد بن عقيل عن فضالة بن أبي فضالة الأنصاري وكان أبو فضالة من أهل
[الإبانة الكبرى: 7/209]
بدر قال خرجت مع أبي إلى ينبع عائدا لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه قال أبو النضر والأشيب في حديثهما: من مرض أصابه ثقل منه فقال له أبي ما يقيمك بمنزلك هذا لو قدمت المدينة فإن أصابك أجلك وليك أصحابك قال ابن عطية: وليك المهاجرين والأنصار خيرا من أن تموت في هذه البلدة فإن أصابك أجلك وليك أعراب جهينة فقال علي إني لست ميتا من وجعي هذا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إلي أني لا
[الإبانة الكبرى: 7/210]
أموت حتى أؤمر وتخضب هذه يعني لحيته بدم هذه يعني هامته
[الإبانة الكبرى: 7/211]
36- حدثنا أبو حفص عمر بن أحمد بن شهاب وأحمد بن جعفر القطيعي قالا حدثنا عبدالله بن أحمد بن حنبل قال: حدثني أبي قال حدثنا أسود بن عامر قال: حدثني عبد الحميد بن أبي جعفر يعني الفرا عن
[الإبانة الكبرى: 7/214]
إسرائيل عن إسحاق عن زيد بن يثيع عن علي قال قيل يا رسول الله من نؤمر بعدك قال إن تؤمروا أبا بكر تجدوه أمينا مسلما زاهدا في الدنيا راغبا في الآخرة وإن تؤمروا عمر تجدوه قويا أمينا لا يخاف في الله لومة لائم وإن تؤمروا عليا ولا أراكم فاعلين تجدوه هاديا مهديا يأخذ بكم الطريق المستقيم
[الإبانة الكبرى: 7/215]
37- حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا محمد بن عطية قال: حدثنا سريج بن يونس قال: حدثنا يحيى بن عبد الملك بن حميد بن غنية عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه عن
[الإبانة الكبرى: 7/219]
أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله فقال
[الإبانة الكبرى: 7/220]
أبو بكر أنا هو يا رسول الله قال لا قال عمر أنا هو يا رسول الله قال لا ولكن خاصف النعل قال فابتدرنا ننظر من هو فإذا هو علي يخصف نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال الشيخ: فقد علم العقلاء من المؤمنين، والعلماء من أهل التمييز، أن عليّاً رضي الله عنه قاتل في خلافته أهل التأويل الذين تأولوا في خروجهم عليه، ومن عنده أخذت الأحكام
[الإبانة الكبرى: 7/222]
في قتال المتأولين، كما علم المؤمنون قتال المرتدين، حيث قاتلهم أبوبكر على ظاهر التنزيل.
[الإبانة الكبرى: 7/224]
38- حدثنا أبو عبدالله محمد بن أحمد بن يعقوب المتوثي قال حدثنا أبو داود السجستاني قال: حدثنا محمد بن عبيد المحاربي قال: حدثنا أبو مالك يعني عمرو بن هاشم الجنبي عن إسماعيل بن أبي
[الإبانة الكبرى: 7/227]
خالد قال: أخبرني عمرو بن قيس عن المنهال بن عمرو عن زر بن حبيش أن عليا رضي الله عنه قال لولا أنا ما قوتل أهل النهروان ولولا أني أخشى أن تتركوا العمل
[الإبانة الكبرى: 7/228]
لأخبرتكم بالذي قضى الله تبارك وتعالى على لسان نبيه لمن قاتلهم مبصرا لضلالتهم عارفا بالهدى الذي نحن عليه
[الإبانة الكبرى: 7/229]
39- حدثنا المتوثي قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا نصر بن علي قال: أخبرني أبي قال حدثنا سويد بن عبيد العجلي أنه سمع أبا مؤمن
[الإبانة الكبرى: 7/231]
الوائلي قال كنت مع مولاي علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأنه يوم قاتل الحرورية فقتلهم فقال انظروا في القتلى
[الإبانة الكبرى: 7/232]
فإن فيهم رجلا إحدى يديه مثل ثدي المرأة مخدج وأن نبي الله صلى الله عليه وسلم أخبرني أني صاحبه فقلبوا القتلى فلم يجدوه فجاء فارس يركض فقال إن سبعة تحت نخل لم نقلبهم بعد قال فرأيت في رجليه حبالا يجرونه حتى ألقوه بين يدي علي فلما رآه خر ساجدا فقال أبشروا قتلاكم في الجنة وقتلاهم في النار.
قال الشيخ: هذا مشبه لقول أبي بكر في قتلى أهل الردة،
[الإبانة الكبرى: 7/233]
وكلاهما في خلافة النبوة سواء.
[الإبانة الكبرى: 7/234]
40- حدثنا أبو عبدالله بن مخلد قال: حدثنا عثمان بن هشام بن الفضل بن دلهم وأبو بكر محمد بن خلف الحدادي قالا حدثنا محمد بن كثير قال: حدثنا الحارث بن حصيرة
[الإبانة الكبرى: 7/235]
عن أبي داود السبيعي عن عمران بن حصين قال كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم وعلي إلى جنبه إذ قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الآية {أم من يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السّوء ويجعلكم خلفاء الأرض} فارتعد علي فضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم على كتفه وقال ما لك يا علي قال يا رسول الله قرأت هذه الآية فخشيت أن نبتلى بها فأصابني ما رأيت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحبك إلا مؤمن ولا يبغضك إلا منافق إلى يوم القيامة
قال ابن مخلد قال لنا محمد بن خلف الحدادي جاءني جعفر
[الإبانة الكبرى: 7/236]
الطيالسي فسألني عن هذا الحديث
[الإبانة الكبرى: 7/237]
41- حدثنا أبو جعفر محمد بن عبيدالله الكاتب قال: حدثنا أحمد بن بديل اليامي قال: حدثنا إسحاق بن سليمان قال: حدثنا موسى يعني ابن عبيدة عن
[الإبانة الكبرى: 7/238]
هود بن عطاء عن أنس قال كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل متعبد يعجبنا تعجبه واجتهاده فذكرناه لرسول الله باسمه فلم يعرفه ووصفناه بصفته فلم يعرفه فبينا نحن نذكره إذ طلع علينا فقلنا يا رسول الله هو ذا هو فقال إنكم لتحدثون عن رجل أرى على وجهه سفعة الشيطان
[الإبانة الكبرى: 7/239]
فأقبل حتى وقف علينا فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم أنشدك هل قلت حين وقفت علينا ما في المجلس أحد خير مني أو أفضل مني قال اللهم نعم فدخل المسجد يصلي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقتل الرجل فقال أبو بكر أنا فدخل فوجده يصلي فقال سبحان الله أقتل رجلا وهو يصلي وقد نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ضرب المصلين فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقتل الرجل فقال عمر أنا فدخل فوجده ساجدا فقال قد رجع من هو خير مني وأفضل أبو بكر أقتل رجلا وهو واضع جبهته لله عز وجل فخرج فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم مه قال يا رسول الله بأبي وأمي وجدته ساجدا فكرهت قتله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من يقتل الرجل فقال علي أنا فقال أنت إن أدركته قتلته فوجده قد خرج فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال له مه فقال وجدته قد خرج فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو قتل ما اختلف من أمتي اثنان لكان أولهم وآخرهم سواء
قال إسحاق بن سليمان الرازي قال موسى بن عبيدة
[الإبانة الكبرى: 7/240]
فسمعت محمد بن كعب القرطبي يقول هو الذي قتله علي ذو الثدية وكانت يده في منكبه مثل الثدي فيها شعرات فكانت تمد فتساوي الأخرى ثم ترسل فترجع إلى منكبه
قال الشيخ: فبان بهذا الحديث أيضاً نصّ خلافة علي رضي الله عنه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن وجده فاقتله"، فوجده علي يوم النهروان، فقتله.
[الإبانة الكبرى: 7/241]
42- حدثنا أبو ذر أحمد بن محمد الباغندي قال: حدثنا عمر بن شبة النميري قال: حدثنا أبو أحمد الزبيري قال: حدثنا سفيان عن
[الإبانة الكبرى: 7/246]
حبيب عن الضحاك المشرقي عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم في حديث ذكر فيه قوما يخرجون على فرقة
[الإبانة الكبرى: 7/247]
من الناس مختلفة يقتلهم أقرب الطائفتين من الحق
[الإبانة الكبرى: 7/248]
43- حدثنا محمد بن بكر قال: حدثنا محمد بن عطية قال: حدثنا علي بن الجعد قال: حدثنا الفضل الحداني عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري قال:
[الإبانة الكبرى: 7/249]
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم تمرق مارقة بين فرقتين من المسلمين فيقتلها أولى الطائفتين بالحق
قال الشيخ: فسمى النبي صلى الله عليه وسلم القوم الذين قتلهم علي: "مارقة" وسماهم: "خوارج" وقال صلى الله عليه وسلم: "يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية"... وإنما مرقوا من
[الإبانة الكبرى: 7/250]
الدين، وصاروا خوارج، وحلّت دماؤهم، وعظمت المثوبة لمن قتلهم كل ذلك لخروجهم على الإمام العادل، والخليفة الصادق، وقد أجمعت العلماء لا خلاف بينهم أنه ليس لأحد، أن يحكم في أحد بالسيف إلا الإمام العادل، وكان علي عليه السلام هو الإمام الهادي والخليفة العادل، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في الخوارج: "شر قتلى تحت أديم السماء؛ لأن
[الإبانة الكبرى: 7/251]
القاتل لهم كان خير قاتل تحت أديم السماء، ولأن سيفه كان فيهم بالحق والعدل.
[الإبانة الكبرى: 7/252]
44- حدثنا إسماعيل بن محمد بن الصفار قال: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال: حدثنا عبد الرزاق قال: أخبرنا معمر قال: أخبرني أبو إسحاق
[الإبانة الكبرى: 7/253]
الهمداني عن عمرو بن ميمون الأودي قال كنت عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه حين ولى الستة الأمر فلما ولوا من عنده أتبعهم بصره وقال لئن ولوها الأجيلح يعني عليا ليركبن بهم الطريق
[الإبانة الكبرى: 7/254]
45- حدثنا ابن مخلد قال: حدثنا محمد بن الحسين الأعرابي قال: حدثنا محمد بن الصلت الكوفي النهدي قال: حدثنا قيس بن الربيع عن أشعث عن عدي بن ثابت
[الإبانة الكبرى: 7/256]
عن أبي ظبيان عن علي رضي الله عنه قال أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إذا وليت الأمر فأخرج أهل نجران من الحجاز
[الإبانة الكبرى: 7/257]
46- حدثني أبو صالح قال: حدثنا أبو الأحوص قال: حدثنا خليفة بن خياط شباب العصفري قال: حدثنا أبو داود قال: حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح
[الإبانة الكبرى: 7/259]
بن كيسان عن الزهري عن حميد بن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الرحمن بن عبد القارئ أنه سمع عمر
[الإبانة الكبرى: 7/260]
يقول لرجل من بني حارثة ما تقولون ومن تستخلفون بعدي فعد رجالا من المهاجرين ولم يذكر عليا فقال أين أنت من ابن أبي طالب فوالله إنه لخليق إن هو ولي أن يحملكم على طريقة الحق
[الإبانة الكبرى: 7/261]
47- حدثنا جعفر القافلائي قال: حدثنا عباس الدوري قال: حدثنا محاضر عن الأعمش عن أبي صالح قال كان الحادي يحدو لعثمان
إن الأمير بعده علي... وفي الزبير خلف رضي
[الإبانة الكبرى: 7/262]
48- حدثنا أبو بكر أحمد بن عيسى الخواص والقاقلائي قالا حدثنا عبدالله بن روح المدائني قال: حدثنا شبابة بن سوار قال: حدثنا إسرائيل بن يونس عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب قال حججت
[الإبانة الكبرى: 7/264]
مع عمر بن الخطاب فسمعت الحادي يحدو: إن الأمير بعده ابن عفان
ثم حججت مع عثمان فسمعت الحادي يحدو: إن الأمير بعده علي
[الإبانة الكبرى: 7/265]
49- حدثنا الصفار قال: حدثنا الحسن بن عرفة قال: حدثنا أبو حفص الأبار قال: حدثنا الأعمش وحدثنا القاضي المحاملي قال: حدثنا يوسف القطان قال: حدثنا جرير عن الأعمش
[الإبانة الكبرى: 7/266]
وحدثنا القافلائي قال: حدثنا عباس الدوري قال: حدثنا محاضر عن الأعمش وحدثنا ابن مخلد وعبدالله بن سليمان الفامي قال: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال: حدثنا يعلى بن عبيد قال: حدثنا الأعمش عن عمرو بن مرة
[الإبانة الكبرى: 7/267]
عن أبي البختري عن علي قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت يا رسول الله إني شاب وإنك تبعثني إلى قوم ذوي أسنان والقضاء بينهم شديد فضرب صدري وقال إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك قال فما شككت في قضائين بين خصمين بعد وهذا لفظ حديث المحاملي
[الإبانة الكبرى: 7/268]
50- حدثنا النيسابوري قال: حدثنا عباس الدوري قال: حدثنا عبيدالله بن موسى قال: أخبرنا شيبان عن
[الإبانة الكبرى: 7/273]
أبي إسحاق عن عمر بن حبشي عن علي قال بعثي النبي صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت يا رسول الله إنك تبعثني إلى قوم شيوخ ذوي أسنان وأنا خائف ألا أصيب قال إن الله سيثبت لسانك ويهدي قلبك
[الإبانة الكبرى: 7/274]
51- حدثنا أبو القاسم إبراهيم بن أحمد بن محمد بن الحسين الهمداني الكوفي قال: حدثنا أبو محمد القاسم بن محمد الدلال النهمي قال: حدثنا مخول بن إبراهيم قال: أخبرنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة بن
[الإبانة الكبرى: 7/275]
مضرب عن علي قال بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى اليمن فقلت يا رسول الله تبعثني إلى قوم أسن مني لأقضي بينهم فقال اذهب فإن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك
[الإبانة الكبرى: 7/276]
52- حدثنا أبو عبدالله محمد بن مخلد العطار قال: حدثنا محمد بن الحسين قال: حدثنا عمرو بن طلحة القناد قال: حدثنا إسحاق بن إبراهيم الأزدي عن معروف بن خربوذ عن أبي
[الإبانة الكبرى: 7/277]
جعفر عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أحدثكم عمن إن استشرتموه لم تهلكوا ولم تضلوا قالوا: بلى يا رسول الله قال هو ذا هو علي قاعد, ثم قال: وازروه وناصحوه وصدقوه, ثم قال: إن جبريل أمرني بما قلت لكم
[الإبانة الكبرى: 7/278]
53- حدثنا أبو نصر ظفر بن محمد الداء قال: حدثنا الحارث بن محمد قال: حدثنا داود بن المحبر قال: حدثنا العباس بن الفضل الأنصاري عن جعفر بن الزبير عن
[الإبانة الكبرى: 7/279]
القاسم عن أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم أمتي بالسنة والقضاء يعني علي بن أبي طالب رضي الله عنه
[الإبانة الكبرى: 7/280]
54- حدثنا أبو صالح قال: حدثنا أبو الأحوص قال: حدثنا الفضل بن دكين قال: حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس
[الإبانة الكبرى: 7/285]
قال قال عمر بن الخطاب علي أقضانا وأبي أقرأنا وإنا لندع بعض ما يقول أبي
[الإبانة الكبرى: 7/286]
55- حدثنا أبو علي محمد بن أحمد بن إسحاق البزار قال: حدثنا عبدالله بن أحمد قال: حدثنا أبي قال: حدثنا محمد بن جعفر قال شعبة عن أبي إسحاق عن عبد الرحمن بن يزيد عن
[الإبانة الكبرى: 7/287]
علقمة عن عبدالله قال كنا نتحدث أن أقضى أهل المدينة علي بن أبي طالب رضي الله عنه
[الإبانة الكبرى: 7/288]
56- حدثنا ابن مخلد قال: حدثنا محمد بن الحسين الأعرابي وحدثنا أبو الحسن محمد بن جعفر بن محمد الفريابي قال: حدثنا أحمد بن منصور الرمادي قال: حدثنا عمرو بن طلحة قال: حدثنا أسباط عن
[الإبانة الكبرى: 7/290]
سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال إذا بلغنا
[الإبانة الكبرى: 7/291]
شيء تكلم به علي بن أبي طالب من فتيا أو قضاء وثبت لم نجاوزه إلى غيره
[الإبانة الكبرى: 7/292]
57- حدثنا أبو محمد عبدالله بن محمد بن سعيد الجمال قال حدثنا ابن أبي حرب الصفار قال: حدثنا يحيى بن أبي بكير قال: حدثنا شعبة عن سماك
[الإبانة الكبرى: 7/293]
عن عكرمة عن ابن عباس قال ما ثبت لنا شيء عن علي فتركناه أو فعدلنا عنه
[الإبانة الكبرى: 7/294]
58- حدثنا القاضي المحاملي قال: حدثنا أحمد بن عبد الجبار قال: حدثنا يونس بن بكير عن أبي
[الإبانة الكبرى: 7/295]
إسحاق عن أبي جعفر قال سمعته يقول ما قضى علي قضاء قط فطلبته في أصل السنة إلا وجدته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
[الإبانة الكبرى: 7/297]
59- حدثنا أبو علي إسحاق بن إبراهيم الحلواني قال: حدثنا علي بن عبدالله القراطيسي قال: حدثنا يزيد بن هارون قال: حدثنا الحسن بن عمارة عن أبي إسحاق قال: سمعت الحارث يقول ما رأيت أحدا أحسب من علي
[الإبانة الكبرى: 7/297]
بن أبي طالب أتاه آت فقال يا أمير المؤمنين رجل مات وترك ابنتيه وأبويه وامرأته فقال صار ثمنها تسعا
[الإبانة الكبرى: 7/298]
60- حدثني أبو صالح قال: حدثنا أبو الأحوص قال: سمعت أبا نعيم يقول سمعت الثوري يقول إذا جاء الشيء عن علي رضي الله عنه فثبت فخذ به
[الإبانة الكبرى: 7/300]
قال الشيخ: فقضايا علي عليه السلام وأحكامه سنة واجبة، وفروض لازمة، مشاكلة لأحكام كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنه عليه السلام عليهما ورد، وعنهما صدر، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، عضوا عليها بالنواجذ" وهو أحد الخلفاء الراشدين وسنته كسنتهم.
[الإبانة الكبرى: 7/300]
وكذلك كانت بيعته رحمه الله بيعة إجماع ورحمة
[الإبانة الكبرى: 7/301]
وسلامة، لم يدع إلى نفسه، ولم يجبرهم بسيفه، ولا غلبهم بعشيرته، ولقد شرّف الخلافة بنفسه وزانها بشرفه، وكساها سرّبال البهاء بعدله، ورفعها بعلو قدره، ولقد أباها فأجبروه وتقاعس عنها فأكرهوه.
[الإبانة الكبرى: 7/302]
61- حدثني أبو محمد عبدالله بن جعفر الكفي قال: حدثنا الحسن بن عرفة حدثنا إسحاق بن بهلول الأزرق قال: حدثنا عبد الملك عن سلمة بن كهيل
[الإبانة الكبرى: 7/303]
عن سالم بن أبي الجعد عن محمد بن الحنفية قال كنت مع علي رضي الله عنه وعثمان رضي الله عنه محصور فأتاه رجل فقال إن أمير المؤمنين مقتول الساعة قال فقام علي فأخذت سوطه تخوفا عليه فقال خل لا أم لك فأتى علي الدار وقد قتل عثمان رضي الله عنه فأتى داره فدخلها وأغلق بابه فأتاه الناس فضربوا عليه الباب فدخلوا عليه فقالوا إن عثمان قد قتل
[الإبانة الكبرى: 7/304]
ولا بد للناس من خليفة ولا نعلم أحدا أحق بها منك فقال لهم علي رضي الله عنه لا تريدوا فإني أكون لكم وزيرا خير من الأمير قالوا لا والله ما نعلم أحدا أحق بها منك قال فإن أبيتم علي فإن بيعتي لا تكون سرا ولكن أخرج إلى المسجد فمن شاء أن يبايعني بايعني فخرج إلى المسجد فبايعه الناس
* حدثنا أبو حفص عمر بن محمد بن رجاء قال: حدثنا أبو جعفر محمد بن داود البصروي قال: حدثنا الأثرم قال لي أحمد بن حنبل اكتب هذا الحديث فإنه حديث حسن في خلافة علي بن أبي طالب, ثم قال: حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق قال: حدثنا عبد الملك عن سلمة بن
[الإبانة الكبرى: 7/305]
كهيل, فذكر الحديث بطوله
[الإبانة الكبرى: 7/306]
62- حدثني أبو صالح قال: حدثنا أبو الأحوص وحدثنا ابن مخلد قال: حدثنا الصاغاني قالا حدثنا أبو النعمان عارم قال: حدثنا حماد بن زيد عن أبي التياح قال: حدثني غالب بن عبدالله عن
[الإبانة الكبرى: 7/307]
زهدم قال كنا عند ابن عباس فقال إني أحدثكم بحديث ما هو بسر ولا بعلانية وما أحب أن أقوم به قلت لعلي حين قتل عثمان اركب رواحلك والحق بمكة فوالله ليبايعنك ولا يجدون منك بداً فعصاني
[الإبانة الكبرى: 7/308]
63- حدثنا القافلائي قال: حدثنا الصاغاني قال: حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: حدثنا جرير عن مغيرة قال لما قتل عثمان جاء المغيرة بن شعبة فسار عليا فقال ادخل بيتك ولا تدعهم إلى نفسك فإنك لو كنت في جحر بمكة ما بايعوا غيرك
[الإبانة الكبرى: 7/309]
64- حدثنا أبو علي إسحاق بن إبراهيم الحلواني قال: حدثنا أبو داود السجستاني قال: حدثنا قتيبة بن سعيد عن المبارك بن سعيد الثوري عن موسى بن أبي عائشة قال:
[الإبانة الكبرى: 7/310]
حدثني أبو الجهم قال: سمعت عبدالله بن عكيم يقول لابن أبي ليلى لو كان صاحبك صبر يعني عليا بعدن
[الإبانة الكبرى: 7/311]
أبين أتاه الناس
[الإبانة الكبرى: 7/312]
65- حدثنا ابن مخلد قال: حدثنا محمد بن إسحاق قال: حدثنا عثمان بن محمد قال: حدثنا ابن نمير قال: حدثنا العلاء بن صالح عن عدي بن ثابت قال: حدثني
[الإبانة الكبرى: 7/313]
أبو راشد قال لما انتهيت إلى حذيفة ببيعة علي بايع بيمينه وشماله وقال لا أبايع بعده لأحد من قريش
[الإبانة الكبرى: 7/314]
66- حدثنا أبو محمد عبيدالله بن عبد الرحمن بن عيسى السكري قال: حدثنا أبو يعلى زكريا بن يحيى ابن خلاد الساجي قال: حدثنا عبد الملك الأصمعي قال: حدثنا سلمة بن بلال عن المجالد عن
[الإبانة الكبرى: 7/315]
الشعبي قال دخل أعرابي على علي بن أبي طالب عليه السلام حين أفضت الخلافة إليه فقال له والله يا أمير المؤمنين لقد زنت الخلافة وما زانتك ورفعتها وما رفعتك ولهي كانت إليك أحوج منك إليها
[الإبانة الكبرى: 7/316]
67- حدثنا أبو صالح قال: حدثنا أبو الأحوص قال: حدثنا أبو غسان مالك بن إسماعيل قال: سمعت الحسن بن صالح يقول ما كانت بيعة علي إلا كبيعة أبي بكر وعمر رضي الله عنهما
[الإبانة الكبرى: 7/318]
68- حدثنا أبو علي إسحاق بن إبراهيم الحلواني قال: حدثنا يعقوب بن يوسف بن دينار قال: حدثنا الهيثم ابن خارجة قال: حدثنا إسماعيل بن عياش عن يحيى
[الإبانة الكبرى: 7/319]
بن جابر الطائي عن سليمان بن عبدالله القرشي عن كعب الأحبار قال خرجت وانا أريد الإسلام فلقيني حبر من أحبار اليهود فقال أين تريد قلت أريد هذا النبي صلى الله عليه وسلم أسلم على يديه قال إنه قد قبض في هذه الليلة وقد ارتدت العرب وفارقته كئيبا حزينا فلقيني وفد قد قدموا من المدينة وأخبروني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض وقد ارتدت العرب فرجعت إلى الحبر فأخبرته وكان عالما فقال أما
[الإبانة الكبرى: 7/320]
قبض فصدقوا وأما ارتدت العرب فأمر لا يتم قلت من يلي بعده قال العدل أبو بكر قلت فمن يلي بعده قال قرن من حديد عمر بن الخطاب قلت من يلي بعده قال الحيي الستير عثمان قلت من يلي بعده قال الهادي المهتدي علي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين
قال الشيخ: فهذا مذهبنا في التفضيل والخلافة بأبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضي الله عنهم، ومذهب سلفنا وأئمتنا، وهو طريق أهل العلم، ومن سلمه الله من اتباع الهوى، ولزم المحجة الواضحة، والطريق السابلة، القاصدة، وعليه أدركنا من لقيناه من شيوخنا، وعلمائنا رحمة الله عليهم.
[الإبانة الكبرى: 7/321]
69- أخبرني أبو بكر محمد بن الحسين بمكة قال: حدثنا أبو سعيد الحسن بن علي الجصاص قال: حدثنا الربيع بن سليمان قال: سمعت الشافعي يقول في الخلافة والتفضيل بأبي بكر وعمر
[الإبانة الكبرى: 7/322]
وعثمان وعلي رحمهم الله
[الإبانة الكبرى: 7/323]
قال الشيخ: فهذه خلافة الخلفاء الأربعة الراشدين المهديين على مراتبهم ومنازلهم، حقق الله الكريم فيهم أخباره، وتم أمره، ونجز وعده، وخرجت أفعالهم وأحوالهم موافقة لوعد الله فيهم، ووصفه لهم ولأخبار رسول الله وسنته.
وقامت الحجة على الرافضة الضالة، والخوارج
[الإبانة الكبرى: 7/338]
المبتدعة، من كتاب الله، ومن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن إجماع عدول الأمة، وإجماع جميع أهل العلم في جميع البلدان والأمصار والأقطار، لا يمكن دفعه ولا ينكر صحته إلا بالكذب والبهتان، واختلاق الزور والعدوان، ولأنّا قد ذكرنا من فضل كل واحد منهم، ومما جاء فيه من الفضائل العظيمة، والأخلاق الشريفة، والمناقب الرفيعة، الدالة على موجبات خلافته وإمامته، وكل ذلك فمن كتاب الله، وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، ومن إجماع أهل القبلة في جميع أقطار الأرض وأمصارها، وفي بعض ذلك كفاية وشفاء لأهل الإيمان.
فأما من طلب الفتنة، وحشي قلبه بالغل، ورمى بالحسد والعداوة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان دينه دنياه، ومعبوده هواه، وحجته البهتان، وشهوته العدوان، وغلبت عليه حميّة الجاهلية وعصبيّة العامية، وسبقت فيه الشقاوة، فليس لمرض قلبه دواء، ولا يقدر له على عافية ولا شفاء، فإن في الناس من تغلب عليه الشقاوة، وصلابة القلب والقسوة،
[الإبانة الكبرى: 7/339]
حتى يطعن في خلافة أبي بكر وعمر، ومنهم من يطعن في خلافة عثمان وعلي، ومنهم من يطعن في خلافة علي عليه السلام، وكل ذلك فمقالات رديئة، صدر أهلها فيها عن آراء دنية، وقلوب عمية، وألباب صدية وأحلام سخيفة، وعقول خفية، اتبعوا فيها الهوى وآثروا فيها الدنيا.
[الإبانة الكبرى: 7/340]
وبالحري، أن نذكر الآن من مجمل القول ما دلّ على جهل أصحاب هذه المقالات، وقبح مذاهب أهل الجهالات، مما دلنا عليه سلفنا وأئمتنا، وعدلت في الشهادة، ووضحت به الدلالة، من الكتاب المنزل وما قاله النبي المرسل.
فنقول: إنا وجدنا الأمم السالفة، والقرون الماضية من أهل الكتب المختلفة، ومن كان بعدهم من الباقين والغابرين، مجمعين لا يختلفون، ومتفقين لا يتنازعون أنه لم يكن نبي قط في زمان من الأزمان، ولا وقت من الأوقات، قبضه الله تعالى إلا تلاه وخلفه نبي بعده، يقوم مقامه، ويحيي سنته، ويدعو إلى دينه وشريعته، فإن لم يكن نبي يتلوه فأفضل أهل زمانه، لا ينكر ذلك أحد من الأمم.
فكان إبراهيم، ثم خلفه إسحاق من بعده، ثم كان بعد إسحاق يعقوب، فكان في عقب كل نبي نبي أو رجل يتلوه أفضل أهل زمانه، ثم كان موسى فقام من بعده يوشع بن نون، ثم
[الإبانة الكبرى: 7/341]
كان داود فقام من بعده سليمان، ثم بعث الله عيسى ثم رفعه إليه، فقام من بعده حواريوه الذين دعوا إلى الله، وكان أفضل حوارييه الذين دعوا إلى الله وكان أفضل حوارييه الذين جمعوا الإنجيل وهم أربعة نفر فكانوا هم القائمين لله بدينه وبكتابه،
[الإبانة الكبرى: 7/342]
وبخلافة عيسى من بعده في أمته، وكان بقية الحواريين لهم تابعين، وبفضلهم مقرين، ولهم طائعين، فقبلوا جميع الإنجيل عنهم دون سائرهم، ولما مضت سنة الله تعالى في أنبيائه، وجرت فيهم عادته، أنه لا يقبض نبياً إلا خلفه نبي أو من اختاره الله من أفاضل أهل زمانه، من الأئمة الراشدين المهديين، بدلاً من ]الأئمة المرسلين[ وكان نبينا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين، فلا نبي بعده ولا كتاب ينزل، لم يجز إلا أن يكون بعده إمام يقوم مقامه، ويؤدي عنه، ويجمع ما شذ ويردّ من ند، ويحوط
[الإبانة الكبرى: 7/343]
الإسلام ويقوم بالأحكام، ويذبّ عن الحريم ويغزي، بالمسلمين، ويجاهد الكافرين، ويقمع الظالمين وينصر المظلومين، ويقسم الفيء بين أهله، ويقوم بما أوجب الله
[الإبانة الكبرى: 7/344]
على الإمام القيام به، من إقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإقامة مواسم الحج، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، والتسوية بين المسلمين في حقوقهم بالقسط والعدل، وتسويتهم بنفسه فيما وجب عليه من حقوقهم، وتركه الاستيثار عليهم في صغير الدنيا وكبيرها. فإنه لم يجز أن يكون القيّم بذلك المتكفل به بعقب النبوة، وتالي صاحب الشريعة، إلا من هو خير أهل زمانه، وأفضلهم، وأتقاهم، وأعلمهم بسياسة الأمة وحياطة المسلمين والرأفة بهم، والرحمة لهم، لأنه قد استيئس من رسول يبعث، أو نبي يأتي، فيقول قد أخطأتم بولايتكم فلاناً، وجهلتم حين عدلتم عن فلان، ولا كتاب ينزل كما كان في الأمم السالفة والقرون الماضية، وكانت هذه الأمة هي خير الأمم التي أخرجها الله للناس، وهي آخر الأمم، وجعل أهلها هم الشهداء على الناس، وجعل الرسول عليهم شهيداً.
[الإبانة الكبرى: 7/345]
كما قال تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله} ثم قال: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا} يعني: عدلاً {لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيدا} ثم قال: {وجئنا بك شهيدا على هؤلاء} فلم يكن الله ليمدح هذه الأمة بالخيرة، ويجعلها شاهدة على غيرها، ويصفها بالعدالة، مع ما نعتها به من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإيمان به، فلم يكن تعالى ليمدح هذه الأمة بالخير الكثير، ويفضلها
[الإبانة الكبرى: 7/346]
على جميع الأمم الماضية، ويجعل نبيها خير المرسلين وخاتم النبيين، ثم يفضل سائر الأمم عليها وجميع الأنبياء على نبيها، بأن يجعل في عقب كل نبي نبياً مثله، أو رجلاً من أمته هو خيرها وأفضلها، يخلف ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أمته، ويدعوهم إلى شريعته، يجعل خلف هذا النبي الفاضل في هذه الأمة الخيّرة شرّ أهل زمانه، وأضلّ أهل عصره كما زعمت هذه الفرقة الضالة التي طعنت في خلافة أبي بكر، وقالت: إن الخليفة
[الإبانة الكبرى: 7/347]
الذي قام بعقب نبينا ضالّ، وأن الأمة التي قال الله تعالى: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} إنها شرّ أمة أخرجت للناس؛ لأنهم ضلال كفار إذ بايعوا ضالاً، وكانت جميع الأمم قبلهم أفضل منهم، إذ قام بعقب كل نبي نبيٌ، أو أفضل أهل زمانه، وقام بعد نبينا -بزعم الرافضة- أضل أهل زمانه يتلوه ويتبعه، وتابعته الأمة كلها على ذلك منذ يوم قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى وقتنا هذا؛ لأن البيعة انعقدت بعد النبي صلى الله عليه وسلم الضال بايعه ضلال، والناس كلهم على آثارهم يهرعون،....
[الإبانة الكبرى: 7/348]
فعلى ما أصّلت الرافضة لأنفسها من دينها، وانتحلته من مذاهبها، أن هذه الأمة التي أخبر الله أنها خير أمة أخرجت للناس، هي شر أمة أخرجت للناس؟ وأن الأمة التي جعلها الله وسطاً لتكون الشاهدة على الناس هي المشهود عليها؟!، وأن النبي الذي أرسله الله رحمة للعالمين؛ لأن الذين آمنوا به في حياته وعزروه ونصروه، واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون: كفروا به بعد وفاته، وخالفوه وجحدوه، وأجمعوا كلهم على ضلالة بعده، ثم قفا الناس أثرهم، فضلوا بضلالتهم، وكفرت الأمة كلها باتباعهم، فبطل عند الرافضة أمر الله، وكذبت أخبار الله، واستحال
[الإبانة الكبرى: 7/349]
وجود صحة كتاب الله فيما أثنى عليهم فيه، حيث يقول: {محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا}.
فقالت الفرقة المفترية على الله: يبتغون ظلماً وطغياناً، وكفراً وآثاماً: تعالى عما تقوله الرافضة علواً كبيراً.
وقال تعالى: {والسابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار}.
وقال تعالى: {لكن الرسول والذين آمنوا معه جاهدوا بأموالهم وأنفسهم وأولئك لهم الخيرات وأولئك هم المفلحون* أعد الله لهم جنات}.
وقال تعالى: {لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا}.
[الإبانة الكبرى: 7/350]
فقدم الله الرضى عنهم لما علم من قلوبهم أنها خير قلوب البرية بقوله: {فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم} لما علم من صحة قلوبهم، ثم أخبر بعاقبة أمرهم، وآخر مصيرهم، وما أعده لهم، فقال: {وأعد لهم جنات تجري تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا} ثم وصف أعمالهم وأقوالهم، في حركاتهم وسكونهم وقيامهم وقعودهم، وهممهم وعزومه، وما هم لله سائلون ومنه طالبون، ثم وصف استجابته لهم، وحفظه لأعمالهم، وجميل صنيعه بهم، ذكراً يفهم، وأثابهم، ومكافأته لهم بأحسن المكافأة، وأجزل المجازاة، فقال تعالى: {الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار} ثم ما زالوا دواماً وإلحاحاً حتى استجاب لهم ربهم {أني لا أضيع عمل عامل منكم{ إلى قوله: {فالذين هاجروا وأخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار ثوابا من عند الله والله عنده حسن الثواب}.
[الإبانة الكبرى: 7/351]
فيلزم من طعن في خلافة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم، أو طعن على من بايعهم واتبعهم أن يقول: إن الله تبارك وتعالى -عما تقوله هذه الفرق الضالة- علواً كبيراً، أن يقولوا: إن الله أثنى عليهم بما جهله من أمر عاقبتهم، وذلك أنه قدّم الوعد لهم وهو لا يعلم أنهم ينكثون ويجورون، فيكفرون، وأنه رفع السكينة من قلوبهم لكفر في قلوبهم حتى قالت الخوارج الضالة في علي عليه السلام ما قالته وكفرته.
وقالت المبتدعة المتأخرة فيه رضي الله عنه ما قالته مما قد رفعه الله عنه ونطق القرآن به، وجاءت السنة بخلافه.
وقالت المبتدعة في خلافة أبي بكر ما قالته حتى كفرته،
[الإبانة الكبرى: 7/352]
وكفّرت الذين عقدوا خلافة أبي بكر وبايعوه وكفى بقائل هذه المقالة من الفريقين شناعة وبشاعة، فإنها ألزمت أنفسها -جهلاً وبغياً وعدواناً، وسلكت طريقاً موحشاً مغوراً مهلكا غير مستقيم ولا مسلوك- بأن قالوا: إن الله لم يعلم عاقبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا إلى ماذا يصيرون، ولا ما هم عاملون، حتى أثنى عليهم بما لا يستحقون، ووعدهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً.
فزعمت هذه الفرق الشاردة عن الدين، والمفارقة لجماعة
[الإبانة الكبرى: 7/353]
المسلمين، أن الصحابة غيروا وبدلوا وكفروا، فالجنان التي وعدهم الله أنهم فيها خالدون إنهم إليها لا يصلون، وفيها لا يسكنون، فنعوذ بالله من الحيرة، والعمى والضلالة بعد الهدى، وأن نقول على الله ما لم يقل، ونلزم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خلاف ما وعدهم، وأن نكذب الله فيما وصفهم به، وأن نقول بقول هذه الفرق المذمومة الذين أدخلوا في أخبار القرآن التناقض، وجهّلوا الله تعالى إذ أعدّ لمن يكفر به ويرتد عن دينه جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً.
وبعد فإنه لا يخلو ما ألزموه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من
[الإبانة الكبرى: 7/354]
السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان الذين قدم الله فيهم الوعد، وأخبرهم بما أعدّ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، فلا يخلو أن يكون فرض الرضا وإعداد الجنات وهو يعلم أنهم يكفرون، أو لا يعلم أنهم يكفرون؟.
فإن كان يعلم أنهم يكفرون ببيعتهم أبا بكر، فقد قدم الرضا عن قوم، وأعدّ لهم جنات تجري من تحتها الأنهار، وهو عالم أنهم يكفرون، أو يكون قدّم لهم هذا الوعد وهو لا يعلم بما هم عاملون.
فكفى بقائل هذه المقالة جحداً وكفراً.
وكذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يكون في أمتي قوم لهم نبز يقال لهم الرافضة، أين وجدتموهم فاقتلوهم فإنهم مشركون" قيل: يا رسول الله وما صفتهم؟ قال: "يشتمون السلف ويطعنون عليهم".
[الإبانة الكبرى: 7/355]
* حدّثنا أبو بكر محمد بن بكر قال: قال محمد بن عطية السامي: "لو كان على مذهب القياس بزعمهم -يعني الرافضة- أن الحق كان لعلي رضي الله عنه بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم يتلوه، فقعد وقام غيره به يتلو رسول الله، فقام بأمره، ووضع الحق في موضعه، قالقياس يلزم لو كان رجلاً غير أبي بكر قام مقام أبي بكر؛ لأن أمر الله تعالى، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم تقدم في أبي بكر، فقعد عن أمر الله، قتقدم رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام بهذا الأمر قيام أبي بكر حتى ينفذ أمر الله، ويعدل فيه عدل أبي بكر، ويقوم بطاعة الله إذ ضيعها أبو بكر، كان بذلك أحق في القياس منه، لقيامه بأمر الله تعالى، وشدته في طاعة الله، وكان استخلافه لذلك دون من ضيعها في المعقول والقياس، كان أكبر رأياً وأحسن توقعاً في أمر الله تبارك وتعالى".
ومعاذ الله أن يكون ابن أبي طالب لأمر الله مضيعاً، أو لحق الله تاركاً، أو عن طاعة الله عاجزاً، ولقد خطب علي
[الإبانة الكبرى: 7/359]
رضي الله عنه فتبرأ من أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره بشيء من ذلك، وقد تقدم ذكر الخطبة في هذا الجزء من هذا الكتاب.
ولقد كان علي من أقوى الناس في الله، وأعقل من أن يضيع أمر الله، أو يخالف رسول الله وهو يقرأ: {فليحذر الذين يخالفون عن أمره... الآية}، وقد تقدم الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم باستخلاف علي في وقته بالنص والدلائل
[الإبانة الكبرى: 7/360]
التي بيناها وشرحناها في ذكر خلافته في هذا الكتاب - والله أعلم.
[الإبانة الكبرى: 7/362]