دليل المعهد | طريقة الدراسة| التأصيل العلمي| فريق العمل

العودة   معهد آفاق التيسير للتعليم عن بعد > علوم الحديث الشريف > متون علوم الحديث الشريف > عمدة الأحكام > النكاح والطلاق والرضاع

موضوع مغلق
 
أدوات الموضوع إبحث في الموضوع انواع عرض الموضوع
  #1  
قديم 10 ذو القعدة 1429هـ/8-11-2008م, 04:28 AM
عبد العزيز الداخل عبد العزيز الداخل غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 13,453
افتراضي كتاب اللعان

كِتَـابُ اللِّعَـانِ
عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا، ((أَنَّ فُلاَنَ بنَ فُلاَنٍ، قَالَ: يا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ أنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ، فقالَ: إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَد ابْتُلِيتُ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلاَءِ الآياتِ فِي سُورَةِ النُّورِ {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ولَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} فَتَلاَهُنَّ عَلَيْهِ، وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ، أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِن عَذَابِ الآخِرَةِ، فقالَ: لاَ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا وَوَعَظَهَا، وَأَخْبَرَهَا، أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِن عَذَابِ الآخِرَةِ، فقالَتْ : لا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بالرَّجُلِ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةَ، أَنَّ لعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِن الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالمَرْأَةِ، فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ باللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ، أَنَّ غَضَبَ اللهُ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قالَ: ((اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ ؟ - ثَلاَثًَا - )) .
وفي لفظٍ : ((لاَ سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا)) فقالَ: يا رَسُولَ اللهِ، مَالِي ؟ قالَ : ((لا مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِن فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ أبْعَدُ لَكَ مِنْهَا)) .
وعنهُ رَضِيَ اللهُ عنهُمَا، (( أَنَّ رَجُلًا رَمَى امْرَأَتَهُ، وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فِي زمانِ رَسُولِ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللهِ صَلى اللهُ عليهِ وسلمَ، فَتَلاَعَنَا، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالى ثُمَّ قَضَى بِالْولَدِ لِلْمَرْأَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ المُتَلاَعِنَيْنِ )) .

  #2  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 10:41 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تصحيح العمدة للإمام بدر الدين الزركشي (النوع الثاني: التصحيح اللغوي)

- قولُه : وفرَّقَ بين المتلاعِنَيْن .
- هو بتشديدِ الراءِ المفتوحةِ لأنه يُقالُ بالتشديدِ في الأجسامِ وبالتخفيفِ في المعانى .

  #3  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 10:42 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي خلاصة الكلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

كتابُ اللِّعَانِ

الْحَدِيثُ السَّابِعَ عَشَرَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
عنْ عبدِ اللَّهِ بنِ عمرَ رَضِيَ اللَّهُ عنهُمَا، ((أَنَّ فُلَانَ بنَ فُلَانٍ، قَالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ أنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ، كَيْفَ يَصْنَعُ؟ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ. قَالَ: فَسَكَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُجِبْهُ، فَلَمَّا كانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ، فقالَ: إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَد ابْتُلِيتُ بِهِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَؤُلَاءِ الآياتِ فِي سُورَةِ النُّورِ: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ولَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ} فَتَلَاهُنَّ عَلَيْهِ، وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ، أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فقالَ: لَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا، ثُمَّ دَعَاهَا فوَعَظَهَا، وَأَخْبَرَهَا، أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، قالَتْ: لا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنَّهُ لَكَاذِبٌ، فَبَدَأَ بالرَّجُلِ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةَ، أَنَّ لعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِن الْكَاذِبِينَ، ثُمَّ ثَنَّى بِالمَرْأَةِ، فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ باللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ، أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، ثُمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا، ثُمَّ قالَ: ((اللَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ؟- ثَلَاثًا-)).
وفي لفظٍ: ((لَا سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا)) قالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، مَالِي؟ قالَ: ((لا مَالَ لَكَ، إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ بِمَا اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْهَا، فَهُوَ أبْعَدُ لَكَ مِنْهَا)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: أنَّ مَنْ قَذَفَ زَوْجَتَهُ ولم يُقِمِ البينةَ فعَلَيْهِ الحَدُّ، إلَّا أنْ يَشْهَدَ على نفسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أَنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وفي الْخَامِسَةِ أنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إنْ كانَ من الكاذِبِينَ. فإنْ نَكَلَتْ عن الشهادةِ أُقِيمَ عليها حَدُّ الزِّنَا، وإنْ شَهِدَتْ أربعَ مَرَّاتٍ إنَّهُ لَمِنَ الكَاذِبِينَ في رَمْيِهَا، وفي الْخَامِسَةِ أنَّ غَضَبَ اللَّهِ عليها إنْ كانَ من الصادِقِينَ دَرَأَت الحَدَّ عنْ نفسِهَا، حينئذٍ يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا فُرْقَةٌ مُؤَبَّدَةٌ لا تَحِلُّ لهُ أبدًا.
الثَّانِيَةُ: أنْ يُوعَظَ كلٌّ مِن المُتَلَاعِنَيْنِ عندَ إرادةِ اليمينِ، وكذا بعدَ تمامِ اللعانِ لِيَتُوبَ الكاذبُ منها فيما بَيْنَهُ وبينَ رَبِّهِ.
الثَّالِثَةُ: الإتيانُ باللِّعَانِ على الصيغةِ المذكورةِ منْ تكريرِ الأَيْمَانِ، وَيُقْرَنُ معَ اليَمِينِ الشهادةُ والدعاءُ في الْخَامِسَةِ من الزَّوْجِ باللَّعْنِ، ومن الزوجةِ بالغَضَبِ.
الرَّابِعَةُ: أنَّ الزوجَ لا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ منْ صداقِهِ بعدَ الدخولِ.

الْحَدِيثُ الثَّامِنَ عَشَرَ بَعْدَ الثَّلَاثِمِائَةٍ
وعنهُ ((أَنَّ رَجُلًا رَمَى امْرَأَتَهُ، وَانْتَفَى مِنْ وَلَدِهَا فِي زمانِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَمَرَهُمَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَلَاعَنَا، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ثُمَّ قَضَى بِالْولَدِ لِلْمَرْأَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَ المُتَلَاعِنَيْنِ)).

فِيهِ مَسَائِلُ:
الأُولَى: ثبوتُ حُكْمِ اللِّعانِ بينَ الزوجَيْنِ على ما تَقَدَّمَ.
الثَّانِيَةُ: إذا تَمَّ انْتَفَى الوَلَدُ المُلَاعَنُ عَلَيْهِ منْ أَبِيهِ، ونُسِبَ إلى أُمِّهِ فَقَطْ.
الثَّالِثَةُ: يُفَرَّقُ بَيْنَ المُتَلَاعِنَيْنِ فُرْقَةٌ مُؤَبَّدَةٌ.

  #4  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 10:47 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي تيسير العلام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن البسام

كِتَابُ اللِّعَانِ(142)
الحَديثُ التاسِعَ عَشَرَ بَعْدَ الثلَاثِمِائَةٍ
319- عن عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رضي اللهُ عنهُما، أَنَّ فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ قالَ : يا رَسُولَ اللهِ، أَرَأَيْتَ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنَا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ, كَيْفَ يَصْنَعُ ؟ إِنْ تَكَلَّمَ تَكَلَّمَ بِأَمْرٍ عظيمٍ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ.
قَالَ : فَسَكَتَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمْ يُجِبْهُ.
فَلَمَّا كانَ بَعْدَ ذَلِكَ أَتَاهُ، فَقَالَ : إِنَّ الَّذِي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَد ابْتُلِيتُ بِهِ. فَأَنْزَلَ اللهُ عَـزَّ وَجَـلَّ هَؤلاَءِ الآياتِ فِي سُورَةِ النُّورِ:
(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) فَتَلاَهُنَّ عَلَيْهِ، وَوَعَظَهُ وَذَكَّرَهُ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ، فَقَالَ: لا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ نَبِيًّا مَا كَذَبْتُ عَلَيْهَا. ثمَّ دَعَاهَا وَوَعَظَهَا، وَأَخْبَرَهَا أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ .
فقالَتْ: لا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ، إِنَّهُ لَكَاذِبٌ.
فَبَدَأَ بالرَّجُلِ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ لعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ.
ثمَّ ثَنَّى بِالمَرْأَةِ، فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ باللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ، وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ، ثمَّ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
ثم قالَ :((اللهُ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُمَا كَاذِبٌ، فَهَلْ مِنْكُمَا تَائِبٌ ؟)) ثَلاَثًا.
وفي لَفْظ ٍ:((لاَ سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا)) قالَ: يا رَسُولَ اللهِ، مالِي؟
قالَ:((لا مالَ لَكَ، إنْ كنْتَ صَدَقْتَ عليها فَهُوَ بما اسْتَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِها، وَإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ عَلَيْها، فَهُوَ أبْعَدُ لَكَ مِنْهَا)).(143)
الحَديثُ العِشْرُونَ بَعْدَ الثلَاثِمِائَةٍ
320- عن عَبْدِالله بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنْهُما، أَنَّ رَجُلًا رَمَى امْرَأَتَهُ، وَانْتَفَى مِن وَلَدِها في زَمانِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَمَرَهُما رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَتَلَاعَنَا، كَما قالَ اللهُ تعالى، ثُمَّ قَضَى بالْولَدِ لِلْمَرْأَةِ، وَفَرَّقَ بين المُتَلاَعِنَيْنِ(144).
______________________
(142) اللِّعانُ: مُشْتَقٌّ مِن اللَّعْنِ، وهُوَ الطَّرْدُ والإبْعادُ.
فَيكُونُ هذا الكِتابُ سُمِّيَ ((كِتابَ اللِّعانِ)) إمَّا مُراعاةً لِلَّفْظِ؛ لِأَنَّ الرَّجُلَ يَلْعَنُ نَفْسَهُ في الخامِسَةِ مِن الشَّهاداتِ على صِدْقِ دَعْواهُ.
واشْتُقَّ مِن دُعاءِ الرَّجُلِ بِاللَّعْنِ, لَا مِن دُعاءِ المَرْأَةِ ((بالغَضَبِ))؛ لِتَقَدُّمِ اللَّعْنِ على الغَضَبِ في الآيَاتِ.
وإمَّا مُراعَاةً لِلمَعْنَى - وهُوَ الطَّرْدُ والْإِبْعَادُ - لِأَنَّ الزَّوْجَيْنِ يَفْتَرِقانِ بَعْدَ تَمامِهِ، فُرْقَةً لَا اجْتِماعَ بَعْدَها.
وتَعْرِيفُهُ شَرْعًا: أنَّهُ شَهاداتٌ مُؤَكَّداتٌ بأيْمَانٍ مِن الزَّوجَين، مَقْرُونَةٌ بِلَعْنٍ أو غَضَبٍ، والأصْلُ فيهِ الكِتابُ، والسُّنَّةُ، والِإجْماعُ.
فأمَّا الكِتابُ فقولُهُ تعالى :(وَالذَّيِنَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ ) الآيةَ.
وأمَّا السُّنَّةُ فَمِثْلُ حَديثِ البابِ, وقَدْ أَجْمَعَ عليهِ العُلَماءُ في الجُمْلَةِ.
حِكْمَتُهُ التَّشْرِيعِيَّةُ:
الأصْلُ أنَّهُ مَن قَذَفَ مُحْصَنًا بالزِّنا صَرِيحًا فَعَلَيْهِ إقامَةُ البَيِّنَةِ، وهِيَ أَرْبَعَةُ شُهُودٍ,
وإنْ لمْ يَأْتِ بِهؤلَاءِ الشُّهُودِ، فَعلَيهِ حَدُّ القَذْفِ، ثَمانونَ جَلْدَةً، كَما قالَ تعالى :(وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً). اسْتُثْنِيَ مِن هذا العُمومِ إذا قَذَفَ الرَّجُلُ زَوْجَتَهُ بالزِّنا، فَعلَيْهِ إقامَةُ البَيِّنَةِ -أَرْبَعَةِ شُهُودٍ- على دَعْوَاهُ.
فإنْ لمْ يَكُنْ لَدَيْهِ أَرْبَعَةُ شُهودٍ، فَيَدْرَأُ عَنْهُ حدَّ القَذْفِ أنْ يَحْلِفَ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ : إنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقينَ فيمَا رَمَاها بهِ مِن الزِّنا، وفي الخامِسَةِ، يَلْعَنُ نَفْسَهُ، إنْ كانَ مِن الكاذِبِينَ.
وذلكَ أنَّ الرَّجُلَ إذا رَأَى الفَاحِشَةَ في زَوْجِهِ، فَلا يَتَمَكَّنُ مِن السُّكُوتِ، كَما لوْ رَآهُ مِن الأجْنَبِيَّةِ؛ لِأَنَّ هذا عارٌ عليه، وفَضيحَةٌ لهُ، وانْتِهاكٌ لِحُرْمَتِهِ.
ولا يُقْدِمُ على قَذْفِ زَوْجِهِ إلَّا مِن تَحَقُّقٍ؛ لِأَنَّهُ لنْ يُقْدِمَ على هذا إلَّا بِدافِعٍ مِن الغَيْرَةِ الشَّدِيدَةِ، إذْ إنَّ العارَ واقِعٌ عَليْهِما، فَيكُونُ هذا مُقَوِّيًا لِصِحَّةِ دَعْواهُ.
(143) المَعْنَى الإجْمالِيُّ:
صاحِبُ هذه القِصَّةِ كأنَّهُ أَحَسَّ مِن زَوْجِهِ رِيبَةً، وخافَ أنْ يَقَعَ مِنْها على فَاحِشَةٍ، فَحارَ في أَمْرِهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ قَذَفَها، ولَمْ يَأْتِ بِبَيِّنَةٍ فَعلَيْهِ الحَدُّ، وإنْ سَكَتَ فَهِيَ الدِّيَاثَةُ والعَارُ، وأَبْدَى هذه الخَواطِرَ للنَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فَلَمْ يُجِبْهُ كَرَاهَةً لِسُؤالٍ قَبْلَ أَوَانِهِ، ولِأَنَّهُ مِن تَعَجُّلِ الشَّرِّ والاسْتِفْتَاحِ بهِ، بالإضافَةِ إلى أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لمْ يَنْزِلْ عليهِ في ذلكِ شَيْءٌ.
بَعْدَ هذا رَأَى هذا السَّائِلُ الفَاحِشَةَ الَّتي خافَها، فَأَنْزَلَ اللهُ في حُكْمِهِ وحُكْمِ زَوْجِهِ، هذه الآياتِ مِن سُورَةِ النُّورِ: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ ) الآياتِ.
فَتَلاهُنَّ عليهِ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم, وذكَّرَهُ ووعَظَهُ بِأنَّ عَذابَ الدُّنْيا - وهُوَ حَدُّ القَذْفِ- أهْوَنُ مِن عَذابِ الآخِرَةِ,
فَأقْسَمَ أنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ بِرَمْيهِ زَوْجَهُ بالزِّنا.
ثُمَّ وعَظَ الزَّوْجَةَ كذلكَ، وأَخْبَرَها أنَّ عَذابَ الدُّنْيا - وهُوَ حَدُّ الزِّنا بالرَّجْمِ - أَهْوَنُ مِن عَذابِ الآخِرَةِ.
فَأَقْسَمَتْ أَيْضًا : إنَّهُ لَمِنَ الكاذِبينَ.
حِينَئذٍ بَدَأَ النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بِما بَدَأَ اللهُ بهِ، وهُوَ الزَّوْجُ، فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهادَاتٍ باللهِ: إنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقينَ فيمَا رَماها بِهِ، وفي الخَامِسَةِ أنَّ لَعْنَةَ اللهِ عليهِ إنْ كانَ مِن الكاذِبينَ.
ثُمَّ ثَنَّى بالمَرْأَةِ، فَشَهِدَتْ أَرْبَعَ شَهاداتٍ باللهِ، إنَّهُ لَمِنَ الكاذِبينَ، والخامِسَةَ أنَّ غَضَبَ اللهِ عَليْها إنْ كانَ مِن الصَّادِقينَ في دَعْواهُ. ثُمَّ فرَّقَ بَيْنَهُما فُرْقَةً مُؤَبَّدَةً.
بِما أنَّ أحَدَهُما كاذِبٌ، فقَدْ عَرَضَ عَلَيْهِما النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم التَّوْبَةَ,
فَطَلَبَ الزَّوْجُ صَدَاقَهُ، فقالَ : لَيْسَ لكَ صَداقٌ، فإنْ كُنْتَ صادِقًا في دَعْواكَ زِناها، فالصَّداقُ بِما اسْتَحْلَلْتَ مِن فَرْجِها، فإنَّ الوَطْءَ يُقَرِّرُ الصَّداقَ.
وإنْ كُنْتَ كاذِبًا عليها فَهُوَ أَبْعَدُ لَكَ مِنْها، إذْ رَمَيْتَها بهذا البُهْتَانِ العَظيمِ.
ما يُؤخَذُ مِن الحَديثِ:
1- بَيانُ حُكْمِ اللِّعانِ وصِفَتِهِ، وهُوَ: أنَّ مَن قَذَفَ زَوْجَهُ بالزِّنا، ولمْ يُقِمِ البَيِّنَةَ فعَلَيهِ الحَدُّ، إلَّا أنْ يَشْهَدَ على نَفْسِهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: إنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقينَ في دَعْواهُ. وفي الخامِسَةِ أنَّ لَعْنَةَ اللهِ عليهِ إنْ كانَ مِن الكاذِبينَ.
فإنْ نَكَلَت الزَّوْجَةُ أُقيمَ عليها حَدُّ الزِّنا، وإنْ شَهِدَتْ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ: إنَّهُ لَمِن الكاذِبينَ في رَمْيِها بهذه الفاحِشَةِ، وفي الخامِسَةِ أنَّ غَضَبَ اللهِ عليها إنْ كانَ مِن الصَّادِقينَ، دَرَأَتْ عَنْها حدَّ الزِّنا.
2- إذا تَمَّ اللِّعانُ بينَهُما بِشُروطِهِ فُرِّقَ بَينهُما فِراقٌ مُؤَبَّدٌ، لَا تَحِلُّ لهُ، ولو بَعْدَ أَزْواجٍ.
3- أنْ يُوعَظَ كُلٌّ مِن الزَّوجَيْنِ عِنْدَ إِرادَةِ اليَمينِ، لَعلَّهُ يَرْجِعُ إنْ كانَ كاذِبًا، وكذلكَ بَعْدَ تَمامِ اللِّعانِ، تُعْرَضُ عَلَيْهِما التَّوْبَةُ؛ لِيَتوبَ فيما بَيْنَهُ وبَيْنَ اللهِ تعالى.
4- خالَفَ هذا البابُ غَيْرَهُ مِن أبْوابِ الفِقْهِ بِمَسَائِلَ
مِنها: أنَّهُ لابُدَّ أنْ يُقْرَنَ مع اليَمينِ لَفْظُ ((الشَّهادَةِ))، وفي الخامِسَةِ الدُّعاءُ على نَفْسِهِ باللَّعْنَةِ مِن الزَّوْجِ، ومِن الزَّوْجَةِ الدُّعاءُ على نَفْسِها في الخامِسَةِ بالغَضَبِ.
ومِنها : تَكْرِيرُ الأيْمانِ.
ومِنها: أنَّ الأصْلَ أنَّ البَيِّنَةَ على المُدَّعِي، واليَمِينَ على مَن أَنْكَرَ، هُنا طُلِبَتِ الأيْمانُ مِن المُدَّعِي والمُنْكِرِ.
5- البَداءَةُ بالرَّجُلِ في التَّحليفِ، كَما هُوَ تَرْتِيبُ الآياتِ.
6- أنَّ الزَّوْجَ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِن صَداقِهِ بَعْدَ الدُّخولِ، ولو كانَتِ الفُرْقَةُ مِن لِعانٍ.
7- اللِّعانُ خَاصٌّ بَيْنَ الزَّوْجَينِ، أمَّا غَيْرُهُما فَيَجْرِي فيهِ حُكْمُ القَذْفِ المَعْرُوفُ.
8- كَراهَةُ المَسائِلِ الَّتي لمْ تَقَعْ, والبَحْثِ عَنْها، لَا سِيَّما ما فيهِ أَمارَةُ الفاحِشَةِ.
9- قالَ العُلَماءُ: واخْتُصَّت المَرْأَةُ بِلَفْظِ ((الغَضَبِ))؛ لِعِظَمِ الذَّنْبِ بالنِّسْبَةِ إلَيْها، على تَقْدِيرِ وقُوعِهِ، لِما فيهِ مِن تَلْويثِ الفِراشِ، والتَّعَرُّضِ لِإلْحاقِ مَن لَيْسَ مِن الزَّوْجِ بهِ، وذلكَ أَمْرٌ عَظيمٌ يَتَرَتَّبُ عليهِ مَفاسِدُ كَثيرَةٌ ، كانْتِشارِ المَحْرَمِيَّةِ، وثُبوتِ الوَلاَيَةِ على الإناثِ، واسْتِحقاقِ الأمْوالِ بالتَّوارُثِ، فلا جَرَمَ أنْ خُصَّتْ بِلَفْظِ الغَضَبِ الَّذي هُوَ أَشَدُّ مِن اللَّعْنَةِ.
10- قالَ ابنُ دَقيقِ العِيدِ: وفِي الحَديثِ دَليلٌ على إجْراءِ الأحْكامِ على الظَّاهِرِ.

(144) المَعْنى الإجْمالِيُّ:
في هذا الحَديثِ يَرْوِي عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ رضي اللهُ عنهما : أنَّ رَجُلًا قَذَفَ زَوْجَتَهُ بالزِّنا، وانْتَفى مِن وَلَدِها، وبَرِئَ مِنْهُ, فَكَذَّبَتْهُ في دَعْواهُ، ولم تُقِرَّ على نَفْسِها,
فَتَلَاعَنا بِأَنْ شَهِدَ الزَّوْجُ باللهِ تعالى أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أنَّهُ صادِقٌ في قَذْفِها، ولَعَنَ نَفْسَهُ في الخامِسَةِ.
ثُمَّ شَهِدَت الزَّوْجَةُ باللهِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ أنَّهُ كاذِبٌ، ودَعَتْ على نَفْسِها بالغَضَبِ في الخامِسَةِ.
فَلمَّا تَمَّ اللِّعانُ بَيْنَهُما، فَرَّقَ بَيْنَهُما النَّبِيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فُرْقَةً دائِمَةً، وجَعَلَ الوَلَدَ تابِعًا للمَرْأَةِ، مُنْتَسِبًا إليها، مُنْقَطِعًا مِن الرَّجُلِ، غَيْرَ مَنْسوبٍ إليهِ.
ما يُؤْخَذُ مِن الحَديثِ:
1- ثُبوتُ حُكْمِ اللِّعانِ حَينَما يَرْمِي الرَّجُلُ زَوْجَهُ بالزِّنا وتُكَذِّبُهُ.
2- إذا تَمَّ اللِّعانُ، انْتَفَى الوَلَدُ المُلَاعَنُ على نَفْسِهِ مِن أَبيهِ، وصَارَ مَنْسُوبًا إلى أُمِّهِ فَقَطْ.
3- الفُرْقَةُ المُؤَبَّدَةُ الدَّائِمَةُ بَيْنَ المُتَلاعِنَينِ، فلا تَحِلُّ لهُ بَعْدَ تَمامِ اللِّعانِ بِحالٍ مِن الأحْوالِ.
4- إذا تَحَقَّقَ الزَّوْجُ أنَّ الوَلَدَ مِن غَيْرِهِ، فَيَجِبُ عليه نَفْيُهُ، واللِّعانُ عَلَيْهِ، إنْ كَذَّبَتْهُ؛ لِئَلَّا يَلْحَقَهُ نَسَبُهُ، فَيُفْضِي إلى أُمُورٍ مُنْكَرَةٍ، حَيْثُ يَسْتَحِلُّ مِن الإرْثِ ولُحُوقِ النَّسَبِ، والاخْتِلاطِ بالمَحارِمِ، وغَيْرِ ذلكَ, وهُوَ أجْنَبِيٌّ عَنْهُمْ.
5- الأحْسَنُ في رِعايَةِ النِّساءَ التَّوَسُّطُ، فَلا يُكْثِرُ الرَّجُلُ مِن الوَساوِسِ الَّتي لمْ تُبْنَ على قَرائِنَ، ولَا يَحْجُبُها عمَّا هُوَ مُتَعارَفٌ ومَأْلُوفٌ بَيْنَ النَّاسِ، المُحافِظينَ ما دامَ لمْ يَرَ رِيبَةً، ولا يَتْرُكُها مُهْمَلَةً ، تَذْهَبُ حِينَ شاءَتْ، وتُكَلِّمُ مَن شاءَتْ، فهذا هُوَ التَّفْرِيطُ، ومَعَ الرِّيبَةِ دِيَاثَةٌ.

  #5  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 10:48 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي إحكام الأحكام لتقي الدين ابن دقيق العيد

كتابُ اللعانِ

324 – الحديثُ الأوَّلُ : عنْ عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهُما "أَنَّ فُلاَنَ بْنَ فُلاَنٍ قال : يا رسولَ اللهِ ، أَرَأَيْتَ أَنْ لَوْ وَجَدَ أَحَدُنا امْرَأَتَهُ عَلَى فَاحِشَةٍ ، كَيْفَ يَصْنَعُ ؟ إِنْ تَكلَّمَ تَكلَّمَ بِأَمْرٍ عَظِيمٍ ، وَإِنْ سَكَتَ سَكَتَ عَلَى مِثْلِ ذلِكَ قَالَ : فَسَكَتَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ، فَلَمْ يُجِبْهُ . فَلَمَّا كَانَ بَعْدَ ذلِكَ أَتَاَهُ . فقالَ : إِنَ الذي سَأَلْتُكَ عَنْهُ قَدِ ابْتُلِيتُ بِهِ . فأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هؤُلاَءِ الآياتِ في سورةِ النورِ: (النور : 6 – 9وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ) فَتَلاَهُنَّ عَلَيْهِ. وَوَعَظَهُ وَذكَّرَهُ . وَأَخْبَرَهُ أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهُوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ.
فقالَ : لاَ ، والَّذِي بَعَثَكَ بالْحَقِّ ، ما كَذَبْتُ عَلَيها . ثُمَّ دَعَاهَا ، فَوَعَظَهَا ، وَأَخْبَرَهَا : أَنَّ عَذَابَ الدُّنْيَا أَهْوَنُ مِنْ عَذَابِ الآخِرَةِ . فقالتْ : لاَ ، والَّذي بَعَثَكَ بالْحَقِّ ، إِنَّهُ لكاذِبٌ . فَبَدَأَ بِالرَّجُلِ . فَشَهِدَ أَرْبَعَ شَهادَاتٍ باللهِ : إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ . وَالْخَامِسَةَ : أَنَّ لَعْنَةَ اللهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ . ثُمَّ ثَنَّى بِالمرْأَةِ . فَشَهِدَتْ أَربَعَ شَهَادَاتٍ باللهِ : إنَّهُ لَمِنَ الْكاذِبِينَ ، وَالْخَامِسَةَ : أَنَّ غَضَبَ اللهِ عَلَيْهَا إِنْ كانَ مِنَ الصَّادِقِينَ . ثُمَ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا . ثم قالَ : إِنَّ اللهَ يَعْلَمُ أَنَّ أَحَدَكُما كاذِبٌ . فَهَلْ مِنْكُما تائِبٌ ؟ - ثَلاَثًا". وفي لفظٍ : "لاَ سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا . قال : يا رسولَ اللهِ ، مالِي ؟ قال : لا مالَ لَكَ . إِنْ كُنْتَ صَدَقْتَ عَلَيْها فهُو بما استَحْللْتَ مِنْ فَرْجِها وإِنْ كُنْتَ كَذَبْتَ فَهُوَ أَبْعَدُ لكَ مِنْها" "اللِّعانُ" لفظةٌ مُشْتَقَّةٌ مِنَ "اللَّعْنِ" سُمِّيَتْ بذلكَ لما في اللَّفْظِ من ذِكْرِ اللَّعنةِ ،وقولُهُ : "أَرَأيتَ لَوْ أَنَّ أَحَدَنَا" ، يَحْتَمِلُ أنْ يكونَ سُؤَالاً عن أَمٍْر لـمْ يقعْ ، فيُؤْخَذُ منه جَوَازُ مِثْلِ ذلكَ ، والاسْتِعْدَادُ للوقائعِ بِعِلْمِ أحكامِها قبلَ أنْ تَقَعَ . وعليه اسْتَمَرَّ عَمَلُ الفقهاءِ فيما فرَّعُوه ، وقرَّرُوه مِن النَّازِلةِ قبْلَ وقوعِها . وقد كانَ مِن السَّلَفِ مَن يَكْرَهُ الحديثَ في الشَّيءِ قبلَ أنْ يقَعَ ، ويَرَاهُ مِن ناحيَةِ التَّكلُّفِ.
وقولُ الرَّاوِي : "فلمَّا كانَ بعدَ ذلكَ أتاهُ ، فقالَ : إنَّ الَّذي سألتُكَ عنه قد ابْتُلِيتُ بِه" يَحْتَمِلُ وجهينِ. أحدُهما : أن يكونَ السُّؤالُ عمَّا لـمْ يقعْ ، ثمَّ وقَعَ ، والثاني : أنْ يكونَ السُّؤالُ أوَّلاً عمَّا وقعَ ، وتأخَّرَ الأمْرُ في جوابِه ، فبيَّنَ ضرورتَه إلى معرفةِ الحُكْمِ.
والحديثُ يدلُّ على أنَّ سُؤالَهُ سببُ نزولِِ الآيةِ، وتلاوةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ لها عليه لتعريفِ الحكمِِ والعملِ بـمُقْتَضاهَا . وموعظةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ قد ذَكَرَ الفقهاءُ استحْبَابَها ، عندَما تُرِيدُ المرأةُ أن تَتَلَفَّظَ بالغَضبِ .
وظاهرُ هذِه الرِّوايةِ : أنَّه لا يَخْتصُّ بالمرأةِ ؛ فإنَّه ذكَرَهُ فيهَا وفي الرَّجلِ ، فلَعَلَّ هذه موعظةٌ عامَّةٌ ،ولا شكَّ أنَّ الرَّجلَ مُتعرِّضٌ للعذابِ ، وهو حَدُّ القذْفِ ، كما أنَّ المرأةَ مُتَعَرِّضةٌ للعذابِ ، الَّذي هوَ الرَّجْمُ ، إلا أنَّ عذابَها أشدُّ.
وظاهِرُ لفظِ الحديثِِ والكتابِ العزيزِ يقتَضيِ تَعْيِينَ لفْظِ "الشَّهادةِ" وذلكَ يقتَضِي أنْ لا تُبَدَّلَ بغيرِها.
والحديثُ يقْتضِي أيضًا الْبَدَاءَةَ بالرَّجُلِ . وكذلِكَ لفْظُ الكتابِ العزيزِ ؛ لقولِهِ تعالى: (وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ) فإن "الدَّرْءَ" يَقْتَضِِي وجُوبَ سَبَبِ العذابِ عليْهَا. وذلك بلعانِ الزَّوجِ . واخْتُصَّتِ المرأةُ بلفظِ "الغَضَبِ" لِعِظَمِ الذَّنْبِّ بالنِّسبَةِ إليْهَا على تقديرِ وُقوعِه ، لِمَا فيه من تَلْويثِ الفِراشِ ، والتَّعُّرضِ لإلْحَاقِ مَن ليسَ مِن الزَّوْجِ بِهِ . وذلِكَ أَمْرٌ عظيمٌ ، يتَرتَّبُ عليْهِ مَفَاسِدُ كثيرةٌ ، كانِتشارِ الْمَحْرَمِيَّةِ ، وثُبوتِ الوِلايةِ على الإناثِ ، واستحْقاقِ الأموالِ بالتَّوارُثِ . فلا جَرَمَ أنْ خُصَّتْ بلفظةِ "الغضَبِ" الَّتي هي أشدُّ مِنَ "اللَّعْنةِ" ، ولذِلكَ قَالُوا : لو أَبْدَلَتِ المرأةُ الغضَبَ باللَّعنَةِ لـمْ يُكْتَفَ بِه ، أمَّا لو أَبْدَلَ الرَّجُلُ اللَّعنةَ بالغضَبِ فقدِ اخْتَلَفُوا فيه ، والأَوْلَى اتِّباعُ النَّصِّ.
وفي الحديثِ دَلِيلٌ على إجْراءِ الأْحكامِ على الظَّاهرِ ، وعرضِ التَّوْبةِ على المُذْنِبينَ . وقدْ يُؤْخَذُ منْهُ : أنَّ الزَّوْجَ لوْ رجعَ وأكذَبَ نفسَهُ : كان تَوْبَةً . وَيَجُوزُ أنْ يكونَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ أَرْشَدَ إلى التَّوبةِ فيما بينهُمَا وبينَ اللهِ.
وقولُـه عليه السلامُ : "لاَ سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا" يُمْكِنُ أنْ يُؤْخَذَ منْهُ : وقوعُ التَّفرِيقِ بينهُمَا باللِّعانِ ؛ لعُمومِ قوْلهِ : "لاَ سَبِيلَ لَكَ عَلَيْهَا". وَيُحْتَمَلُ أنْ يكونَ "لاَ سبيلَ لكَ عَلَيْها" راجِعًا إلى المالِ.
وقولُـه "إن كنتَ صادقًا عليْهَا فهْوَ بما اسْتحلَلْتَ مِنِ فرجِها" دليلٌ على استقرارِ الْمَهْرِ بالدُّخولِ ، وَعَلَى استقرارِ مَهْرِ الْمُلَاعَنةِ . أمَّا هَذَا فبالنَّصِّ . وأمَّا الأوَّلُ فَبِتَعْليلِهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ، وقولُهُ : "بِما استَحْلَلْتَ مِنْ فَرْجِهَا" فيهِ دليلٌ على أنَّه لا يَسْتَقِرُّ ،ولو أَكْذَبَتْ نَفْسَها ، لوُجودِ العلَّةِ المذكورَةِ . واللهُ أعلمُ .

325 – الحديثُ الثاني : عن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضيَ اللهُ عنهُمَا "أَنَّ رَجُلاً رَمَى امْرَأَتَه ، وَانْتَفى مِن ولدِها في زمنِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ ، فأَمَرَهُما رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عَليهِ وسلَّمَ فَتَلاَعَنَا ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعالىَ ، ثُمَّ قَضَى بالْوَلَدِ لِلْمَرْأَةِ ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُتَلاَعِنَيْنِ".
هذه الرِّوايةُ الثَّانيةُ فيها زيادةُ نَفْيِ الولَدِِ ، وأنَّه يَلْتحِقُ بالمرأةِ ، ويَرِثُها بإرْثِ البُنُوَّةِ منْها ، وتَثْبُتُ أحْكامُ البنوَّةِ بالنِّسبةِ إِليهَا مَفْهُومُه ، يَقْتضِي اْنقطاعَ النَّسبِ إلى الأبِ مطُلَقًا . وقدْ تَرَدَّدُوا فيما لوْ كانتْ بِنْتًا : هل يـَحِلُّ لِلْمُلاَعِنِ تزوُّجُها؟
وقولـُه "فَتَلاَعَنَا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالى" : ليسَ فيهِ ما يُشْعِرُ بذكْرِ نفْيِ الولدِ في لِعانِهِ ، إلا بطريقِ الدَّلالَةِ ؛ فإنَّ كتَابَ اللهِ يقْتَضِي : أنْ "يَشْهدَ إنه لَمِنَ الصَّادِقينَ" وذلكَ راجعٌ إلى ما ادَّعَاهُ . وَدَعْوَاهُ قد اشْتَمَلتْ على نفْيِ الولدِِ .
وقولُهُ "وفرَّقَ بينَ الـمُتَلاَعِنَيْنِ" يقتَضيِ أنَّ اللِّعَانَ مُوجِبٌ للفُرقَةِ ظاهِرًا.

  #6  
قديم 17 ذو القعدة 1429هـ/15-11-2008م, 10:52 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
مشرف
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 14,351
افتراضي شرح عمدة الأحكام لسماحة الشيخ: عبد العزيز بن عبد الله ابن باز (مفرغ)

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
قال المؤلف، رحمه الله تعالى:
باب اللعان
عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما، أن فلان بن فلان قال: (يا رسول الله أرأيت لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع إن تكلم تكلم بأمر عظيم وإن سكت سكت على مثل ذلك) قال فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجبه, فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: (إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به) فأنزل الله عز وجل هؤلاء الآيات في سورة النور { والذين يرمون أزواجهم } فتلاهن عليه ووعظه وذكره وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فقال: (لا والذي بعثك بالحق نبيا ما كذبت عليها) ثم دعاها ووعظها وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة، فقالت: (لا والذي بعثك بالحق إنه لكاذب) فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين، ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ثم فرق بينهما. ثم قال: ((الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما من تائب؟)) ثلاثا، وفي لفظ: ((لا سبيل لك عليها)) قال: (يا رسول الله مالي) قال: ((لا مال لك إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها))
عن عبد الله بن عمر، رضي الله عنهما أن رجلا رمى امرأته وانتفى من ولدها، في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا، كما قال الله تعالى، ثم قضى بالولد للمرأة، وفرق بين المتلاعنين.
وعن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: جاء رجل من بني فزارة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن امرأتي ولدت غلاما اسود، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هل لك إبل؟)) قال: (نعم)قال: ((فما ألوانها؟)) قال:(حمر) قال: ((فهل يكون فيها من أورق؟)) قال: (إن فيها لورقا)، قال: ((فأنى أتاها ذلك؟)) قال: (عسى أن يكون نزعه عرق) قال: ((وهذا عسى أن يكون نزعه عرق)).
الشرح:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد:
فهذه الأحاديث الثلاثة الثابتة عن رسول الله عليه الصلاة والسلام تتعلق باللعان، واللعان مصدر لاعن يلاعن لعانا وملاعنة، إذا لاعن زوجته بسبب تهمته إياها بالزنا، وهي أن يشهد أربع شهادات أنها زانية، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان كاذبا، ثم تشهد هي أربع شهادات بالله أنه كاذب، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان صادقا، ثم يفرق بينهما، فإذا ادعى الرجل عند الحاكم أو القاضي أنه رأى امرأته تزني، فهو بين أمرين:
1. إما أن يحضر شهودا أربعة في ذلك ويَسْلَم من حد القذف، ويَثْبُت عليها الحد، وهو الرجم، إذا كانت محصنة.
2. وإما أن تُقِرَّ هي، إذا أقرت سَلِمَ من الحد، حد القذف وصار عليها الحد بإقرارها.
وإن أنكرت ولم يكن عنده شهود فهو بين أمرين:
1. إما أن يرضى بحد القذف إذا طلبت ذلك، وهو أن يجلد ثمانين جلدة عن قذفه لها.
2. وإما أن يلاعنها، كماقال الله جل وعلا: { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين }.
هذا هو اللعان، وقد حدث لبعض الأنصار ذلك، وحضر عند النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن ذلك، فقال: (يا رسول الله: الرجل يرى مع امرأته رجلا ـ يعني يزني بها ـ فماذا يفعل؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم، وإن سكت سكت على مثل ذلك) فسكت النبي صلى الله عليه وسلم، حتى جاءه الرجل مرة أخرى، وقال: (إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به)يعني قد وقعت فيه، فأنزل الله عز وجل الآيات من سورة (النور): { والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم... } الآيات، فأحضره النبي صلى الله عليه وسلم وامرأته ووعظهما وذكرهما وأخبرهما: ((أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة)) لعلهما يرجعان، لعله يرجع عن قوله، أو هي ترجع وتقر، فصمما على قولهما، فشهد الرجل أربع شهادات بالله إنه صادق والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان كاذبا، وهي شهدت أربع شهادات بالله أنه كاذب والخامسة أن غضب الله عليها إن كان صادقا، فلما شهدا هذه الشهادات، فرق النبي بينهما، فقال: ((الله يعلم أن أحدكما كاذب، فهل منكما تائب؟)) حثهما على التوبة فقال الرجل: (يا رسول الله مالي) قال: ((لا مال لك)) يعني المهر ((إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها، وإن كنت كذبت عليها فهو أبعد لك منها)) فرَّقَ بينهما النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعطه مهرا، كالذي طلقها بعد الدخول ليس له مهر، مهرها بما استحل من فرجها، وتحرم عليه أبداً, أبد الآباد، ولا تحل له أبدا ولو بعد زوج, تحريما مؤبدا.
وهكذا حديث ابن عمر الذي لاعن امرأته وهي حامل, وانتفى من ولدها فلاعنهما النبي صلى الله عليه وسلم وفرق بينهما، ونسب الولد إلى أمه, فإذا لاعنها على أن الولد ليس منه وأنه من الزاني، ولا عنها على هذا فإن الولد ينتفي منه، ويكون الولد للأم، ينسب إليها، ويكون بريئاً منه الزوج، وتكون الفرقة بينهما فرقة مؤبدة، إذا كان بينهما ولد وهو يُصَرِّح بأنها زانية، وأن الولد ليس منه، فإذا كمل اللعان على هذا تمت الفرقة بينهما وصار الولد لها، وبريء من الولد، بسبب أنه قذفها بالزنا، ولاعنها وليس عنده بينة، ......., هذا هو اللعان.

  #7  
قديم 17 ذو الحجة 1429هـ/15-12-2008م, 04:41 AM
حفيدة بني عامر حفيدة بني عامر غير متواجد حالياً
مشرفة
 
تاريخ التسجيل: Aug 2008
الدولة: بلاد الحرمين .
المشاركات: 2,423
افتراضي شرح عمدة الأحكام للشيخ: عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين (مفرغ)

القارئ:بسم الله الرحمن الرحيم , الحمد لله رب العالمين , وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين . قال المؤلف رحمنا الله تعالى وإياه: ما جاء في اللعان من الأحكام:
باب اللعان
عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن فلان ابن فلان قال: يا رسول الله أرأيت أن لو وجد أحدنا امرأته على فاحشة كيف يصنع ؟ إن تكلم تكلم بأمر عظيم , وإن سكت سكت على مثل ذلك . قال: فسكت النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجب , فلما كان بعد ذلك أتاه فقال: إن الذي سألتك عنه قد ابتليت به . فأنزل الله تعالى هؤلاء الآيات في سورة النور: {والذين يرمون أزواجهم} فتلاهن عليه ووعظه وذكره ، وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة , فقال: لا, والذي بعثك بالحق ما كذبت عليها، ثم دعاها ووعظها وذكرها ، وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة , فقالت: لا , والذي بعثك بالحق إنه لكاذب . فبدأ بالرجل فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين , والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ثم فرق بينهما , ثم قال:((الله يعلم أن أحدَكما كاذب , فهل منكما تائب ثلاثا)). وفي لفظ:((لا سبيل لك عليها .. لا سبيل لك عليهما)) . قال: يارسول الله , مالي. قال:((لا مال لك , إن كنت صدقت عليها فهو بما استحللت من فرجها , وإن كنت كذبت فهو أبعد لك منها)) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن رجلا رمى امرأته وانتفى من ولدها في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم , فأمرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلاعنا كما قال الله تعالى ، ثم قضىبالولد للمرأة ، وفرق بين المتلاعنين .
الشيخ: هذه الأحاديث من الأحاديث التي تشرح وتبين ما ورد في كتاب الله تعالى ، ذكر العلماء أنه لما نزلت آيات القذف وحد القاذف ,وهو قول الله تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم} استثقلها بعض الصحابة ، وقالوا: إذا رأى أحدنا مع امرأته رجلا يفجر بها كيف يذهب ويأتي بأربعة شهداء , لا يأتي بأربعة شهداء حتى يقضي الفاجر حاجته ويذهب , فعند ذلك تحرجوا ووقعوا في مشكلة , فبين الله تعالى حكم ما إذا قذف الرجل امرأته في هذه الآيات .
وبقية الآيات التي فيها حد القذف خاصة بمن قذف أجنبيا أو أجنبية , خاصة بمن قذف رجلا بفعل فاحشة فلا يقبل منه إلا بأربعة شهداء , أوقذف امرأة محصنة فلا يقبل منه إلا بأربعة شهداء , قال الله تعالى: {واللاتي يأتين الفاحشة من نسائكم فاستشهدوا عليهن أربعة منكم} , وقال تعالى: {والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء} , وقال تعالى: {لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون} .
أما إذا قذف الرجل امرأته فإنه قد لا يستطيع أن يحضر أربعة شهداء ، ففي هذه الحال ماذا يفعل ؟ يقول هذا السائل عبر عنه بقوله: فلان , وقد سمي في بعض الروايات بأنه عويمر العجلاني, من بني عجلان من الأنصار ، ووقعت مثل هذه القصة لرجل آخر وهو هلال بن الربيع ، أحد الثلاثة الذين تاب الله عليهم في قوله: {وعلىالثلاثة الذين خلفوا} .
هذان الاثنان وقع أن كلا منهما قذف امرأته وتلاعن معها عندالنبيصلى الله عليه وسلم بعدما نزلت هذه الآيات , ويمكن أن القصتين وقعتا في زمن متقارب , أن قصة هلال وقصة عويمر وقعتا في وقت قريب: في شهر أو في شهرين , فأنزل الله هذه الآيات في بيان الحكم في مثل هذه القصة .
دعا النبي صلى الله عليه وسلم عويمرا فقرأ عليه هذه الآيات ، وذكره ووعظهإذا كان كاذبا أن يخافَ؛ وذلك لأنه إذا اعترف فحده ثمانون جلدة , اعترف بأنه كاذب , حده ثمانون جلدة ، وإذا أنكر وهو كاذب عليها فعقوبته في الآخرة أشد ، ولأجل ذلك قال له:((إن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا)) ، فعذاب الدنيا منقطع ، وعذاب الآخرة أشد وأبقى، ذكره ووعظه وخوفه , ولكنه أصر على أن يستمر على قذفه لها ، وأنه رآها زانية أو تزني , فعند ذلك أمره بأن يلتعن ويقول:أشهد بالله على امرأتي هذه أنها زنت ...
الوجـه الثانـي
... أشهد بالله على هذه المرأة زوجتي أنها زنت ، أشهد بالله على هذه المرأة فلانة امراتي أنها زنت أربع مرات ، ثم يقول بعد ذلك في المرة الخامسة: لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين , شهد أربع شهادات أنه صادق , فقال: لقد صدقت عليها فيما قلت ، ولعن نفسه في المرة الخامسة إن كان قد كذب عليها، ولما تم لعانه دعا المرأة واستثبتها ، ووعظها وذكرها، وأخبرها بأن عذاب الآخرة أشد من عذاب الأولى ؛ رجاء أن تعترف إن كانت قد فجرت ، ولكنها أصرت على الإنكار وتشددت وقالت: قد كذب علي, فعند ذلك استحلفها ، فشهدت أربع مرات وقالت: أشهد بالله على زوجي هذا أنه من الكاذبين فيما قذفني به , أربع مرات ، ثم قالت في الخامسة: غضب الله عليها إن كان من الصادقين .
فلما شهدت على نفسها أربع مرات والخامسة دعت على نفسها بالغضب , عند ذلك ذكرهما بالتوبة , فقال:((الله يعلم أن أحدكما كاذب فهل منكما تائب)). النبي صلى الله عليه وسلم بشر لا يعلم الغيب ولم يعين , لو كان يعلم الغيب لقال: أنت كاذبة وأنت صادق ، أو أنت صادقة وأنت كاذب , ولكن الله الذي يعلم , فلذلك قال: ((الله يعلم أن أحدكما كاذب , فهل منكما تائب)) فلما استمر كل منهما على ما يبرر موقفه ، وأنكر ما يقوله الثاني , عند ذلك فرق بينهما ، أوقع الفرقة بينهما فرقة مؤبدة .
فأخذ العلماء من ذلك أن الملاعِنة تحرم على الملاعِن ؛ عقوبة لهما , حرمة مؤبدة , حتى لو كذب نفسه بعد ذلك لم يرجع إليها ، وكذلك لو كذبت نفسها وسقط عنها الحد ، أو كانت غير محصنة وجلدت وأقيم عليها الحد , لم يتمكن من مراجعتها , لا بعقد ولا بمراجعة ولا بغير ذلك ، بل الفرقة بينهما فرقة دائمة لا رجوع إليه بعدها ، ولأجل ذلك قال:((لا سبيل لك عليها)) ، أي ليس لك سلطان ولا قدرة أن تستعيدها .
في بعض الروايات أنه طلقها وقال: كذبت عليها يا رسول اللهإن أمسكتها , أي إن كنت رضيتهافأنا كاذب عليها, فطلقها ثلاثا قبل أن يأمره النبي صلى الله عليه وسلم ,ولكن هذا الطلاق لا يحتاج إليه ؛ لأن الفرقة حصلت قبله , بمجرد تمام التلاعن حصلت الفرقة . ولما طلب ماله الذي دفعه كمهر قطع رجاءه من هذا المال وقال: ((إن كنت كاذبا عليها فهو أبعد منك , وإن كنت صادقا فهو بما استحللت من فرجها)) أي أنك قد نكحتها مدة ، فهذا المال الذي قد دفعته إليها مقابل استمتاعك بها هذه المدة .
أخذ العلماء من هذه الواقعة ومن هذه الآيات أحكاما , منها أن هذه الفاحشة لا يصبر عليها ولا يقرها في أهله إلا الديوث الذي يقر الخنافي أهله ، فهذان من الصحابة اثنان هلال وعويمر , كل منهما صبر على فراق زوجته وادعى أنها زانية، ولاعنها ، ولم يقرها أن تبقى معه وهو يعلم أنها قد فجرت ولو مرة واحدة ، وذلك دليل على حماستهم وغيرتهم على نسائهم , لا يرضى أحدهم أن يشاركه في امرأته شخص أجنبي يفسد عليه فراشه ، ويدخل عليه من الأولاد ما ليس له ، وأن امرأته تخونه فتدخل في بيته من ليس يرضاه ، وتجلس على فراشه من ليس بأهل ، وتمكن من نفسها غير زوجها ، فإن ذلك حرام , وفعله منها يعتبر خيانة لزوجها ، وإقرار الزوج على ذلك يعتبر دياثة وإقرارا للإثم والحرام ,ولم يكن الصحابة يقرون على شيء من ذلك , وهكذا أيضا كل غيور , كل من عنده حماسة وغيرة على محارمه لا يقر الخنا في أهله ، بل متى رأى من امرأته شيئا من الخيانة أدبها ولو شيئا من الإشارة أو نحوذلك , وإذا لم يستطع أن يقيمها لم يستطع إمساكها ، بل صبر على فراقها ولو كان معها أولاده , صبر على فراقها ، ولو كان قد خسر عليها خسرانا أو مالا كبيرا .
وكذلك أيضا حرص على أن يبرئ ساحته ؛ حتى لا يقال: إنه ظلمها وإنه كذب عليها , فلأجل ذلك يحضر عند القاضي , الغيور الذي يغار على محارمه, يحضر عند القاضي ، ويحضر امرأته , ويحضر معه من يشهد عليها ويعرف أنها فلانةامرأة هذا الرجل ، فعند ذلك يأمره القاضي بهذا الأمر الذي هو التلاعن .
القرائن غالبا تكون في جانب الرجل أنه أولى بأن يكون صادقا ؛ وذلك لأنه في الغالب لا يصبر على فراق امرأته ، ولا على فراق أولاده ، ولا على ذهاب ماله الذي دفعه إلا وقد رأى شيئا يسوؤه ، ورأى مالا صبر له عليه من هذه الخيانة الشنيعة البشعة ، فلا يستطيع أن يصبر , فعند ذلك يُقدم على قذفها ورميها , هذا يراه بعضهم حتى يبرأ ساحته ، وحتى يظهر عيبها وشناعتها، ويظهر خيانتها ، ويعرف الناس أنها متهمة , فلا يقبلها من هو ذو غيرة ولا ذو أنفة على نفسه , إذا افتضحت هذه المرأة بأنها قد لعنت وطلقت , وأن زوجها ليس بمتهم ، وأن التهمة أقرب إليها , كان ذلك أقرب إلى ألا تفعل شيئا يسوؤها ولا يسوء زوجها .
نقول: إذا وقع في هذه الأزمنة , كثير من الرجال يأتون إلينا ، ويشتكون ما يرونه من نسائهم ، أو ما يسمعون ، أو ما يطلعون على أسرار أو على خفايا ، أو على قرائن أو نحو ذلك ، ولعلكم قد سمعتم أكثر مما سمعنا , نشير عليه بأن يفارقها سرا , إذا تحقق أنها قد اتخذت أخدانا وأنها قد خانته في نفسها وفي فراشه , نشير عليه بأن يفارقها ، وألا يكشف سترها وسرها , ولكن يخبرها فيما بينه وبينها ؛ حتى يكون ذلك عُذرا له عندها ، فيخبرها بأنه قد اطلع على كذا وكذا .
كيف يطلع ؟ كثير من الرجال يطلعون على سماع , كثير منهم وبالأخص في الزمن الأخير بعد وجود المكالمات الهاتفية يسجل عليها مكالمات بينها وبين بعض أخدانها , ويجد أنها قد خرجت معهم أو أنها قد أدخلتهم في غيبته ، وأن هذه الأشرطة تشهد بكلامها معهم ، وبما قد يحصل من ترقيق الكلام وما أشبه ذلك , مما يدل على بشاعة ما حصل منها أو تهمتها بذلك . أو قد يجد أنها أدخلت في اليوم الفلاني شخص فيعثر عليه ، أو خرج منها من هو متهم أو نحو ذلك ، ولكن ليس عنده يقين , ما رأى بعيني رأسه فعلها للفاحشة ، ولكن رأى هذه المقدمات ولا يستطيع أن يقذفها بمجرد هذه المقدمات.
ففي هذه الحال يخبرها سرا ويفارقها ، ولا يمسكها وهي على هذه الحالة ؛ حتى يسلم على عرضه ، وحتى يسلم على شرفه وعلى نسبه , ولا يدخل في نسبه ولا في أولاده من هو ليس من أهله ، وبذلك يستر نفسه ويستر امرأته , ولا يعرض نفسه للحلف أو للعن أو للشهادات ، أو ما أشبه ذلك .
أما إذا رأى بعينه وسمع بأذنه , رأى الفاحشة التي ليس بعدها بأن وجد عليها رجلا أجنبيا , فنقول له في هذه الحال: يحقق هذا الباب الذي هو اللعان فيرميها ، ويحضر معها عند الحاكم كما فعل هذان الصحابيان هلال وعويمر , ويأمره القاضي بأن يشهد هذه الشهادات , ثم بعد ذلك يكون ذلك فضيحة لها وتشهيرا لها حتى يتوب أمثالها من النساء اللاتي فيهن ميل إلى المخادنة وخيانة لأزواجهن , ويعرفن أن هذه الفضيحة كما أتت عليها قد تأتي على إحداهن أو على جميعهن , فيقل بذلك الشر وينتشر الخير .

موضوع مغلق

مواقع النشر (المفضلة)

الكلمات الدلالية (Tags)
اللعان, كتاب

الذين يشاهدون محتوى الموضوع الآن : 1 ( الأعضاء 0 والزوار 1)
 

تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع


الساعة الآن 10:12 PM


Powered by vBulletin® Copyright ©2000 - 2024, Jelsoft Enterprises Ltd. TranZ By Almuhajir