فصلٌ
والنِّيَّةُ شـَرْطٌ لِسَائِرِ العَمَلْ بِهَا =الصَّلاَحُ والفَسَادُ لِلْعَمَلْ
وهذِهِ القاعدةُ أَنفعُ القواعدِ وأَجلُّهَا، وتدخلُ في جميعِ أَبوابِ العِلْمِ، فَصَلاَحُ الأَعمالِ البدنيَّةِ والمَالِيَّةِ: أعمالِ القلوبِ، وأَعمالِ الجوارحِ، إنَّمَا هوَ بالنِّيَّةِ، وفسادُ هذهِ الأعمالِ بفسادِ النِّيَّةِ.
فإذَا صَلُحَتِ النِّيَّةُ صَلُحَتِ الأَقْوالُ والأَعمالُ، وإذَا فَسَدَتِ النِّيَّةُ فَسَدَتِ الأقوالُ والأَعمالُ، كمَا قالَ صَلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ ((إنَّمَا الأَعْمَالُ بالنِّيَّاتِ، وإنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى)).
النِّيَّةُ لَهَا مَرْتَبَتَانِ:
إِحْدَاهُمَا: تَمْييزُ العادةِ عنِ العبادةِ، وذلكَ أَنَّ الصَّوْمَ مَثَلاً هوَ تركُ الطَّعامِ والشَّرابِ ونحوِهِمَا، ولكنْ تارةً يتركُهُ الإنسانُ عادةً منْ غيْرِ نيَّةِ التَّقرُّبِ إلى اللهِ في هذَا التَّرْكِ، وتارةً يكونُ عبادةً، فلا بُدَّ مِنَ التَّمْييزِ بينَهُمَا.
الثَّاني: تمييزُ العباداتِ بعضُهَا منْ بعْضٍ، فبعضُهَا فرضُ عيْنٍ، وبعضُهَا فرضُ كِفايةٍ، وبعضُها راتبةٌ أَوْ وترٌ، وبعضُهَا سننٌ مطلقةٌ، فلا بُدَّ مِنَ التَّمْييزِ.
وَمِنْ مراتِبِ النِّيَّةِ:
الإِخلاصُ: وهوَ قدْرٌ زائدٌ على مجرَّدِ نيَّةِ العملِ، فلا بُدَّ منْ نيَّةِ نَفْسِ العملِ والمَعْمُولِ لهُ، وهذَا هوَ الإخلاصُ، وهوَ: أَنْ يَقْصِدَ العَبْدُ بعملِهِ وَجْهَ اللهِ، لاَ يُرِيدُ غيرَهُ.
فمِنْ أمثلةِ هذِهِ القاعدةِ: العباداتُ كلُّهَا، كالصَّلاةِ فرضِهَا ونفلِهَا، والزَّكاةِ، والصَّوْمِ والاعتكافِ، والحجِّ، والعمرةِ، فرضِ الكُلِّ ونَفْلِهِ، والأَضاحي والهَدْيِ، والنُّذورِ والكفَّاراتِ، والجهادِ، والعتقِ، والتَّدبيرِ.
ويُقَالُ: بلْ يسْري هذَا إلى سائِرِ المُباحاتِ: إذَا نوى بهَا التَّقَوِّيَ على طاعةِ اللهِ، أَوِ التَّوَصُّلَ إليْهَا كالأَكْلِ والشُّرْبِ، والنَّوْمِ، واكتسابِ المالِ، والنِّكاحِ، والوطءِ فيهِ وفي الأَمَةِ، إذَا قُصِدَ بهِ الإعفافُ، أَوْ تحصيلُ الولدِ الصَّالحِ، أوْ تكثيرُ الأُمَّةِ.
وَها هُنَا معنىً ينبغي التنبُّهُ لهُ، وذلكَ أنَّ الَّذي يُخَاطَبُ بِهِ العبْدُ نوعانِ:
- أمرٌ مقصودٌ فعلُهُ.
- وأمرٌ مقصودٌ تركُهُ.
- فأَمَّا: المأْمورُ بهِ: فلا بُدَّ فيهِ مِنَ النِّيَّةِ، فهيَ شَرْطٌ في صِحَّتِهِ، وحصولِ الثَّوابِ بهِ، كالصَّلاةِ ونحوِهَا.
- وأمَّا: مَا يُقْصَدُ تَرْكُهُ: كإزالةِ النَّجَاسَةِ في الثَّوْبِ، والبَدَنِ، والبُقْعَةِ، وكأَداءِ الدُّيُونِ الواجبةِ.
- فأمَّا: براءَةُ الذِّمَّةِ منَ النَّجاسةِ إذا أزالها والدُّيونِ إذا قضاها، فلاَ يُشْتَرَطُ لهَا نيَّةُ إبراءِ الذِّمَّةِ، وَلَوْ لمْ يَنْوِ.
- وَأَمَّا: حُصولُ الثَّوابِ عَليْهَا فلاَ بُدَّ فيهِ منْ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ إلى اللهِ في هذَا، واللهُ أعلمُ.