المتن:
(فصل)
والإيمان قول باللسان وبالأركان , وعقد بالجنان , يزيد بالطاعة , وينقص بالعصيان.
الشرح:
انتهى من مباحث القضاء والقدر , انتقل إلى تعريف الإيمان .
الإيمان في اللغة: التصديق على أمر غائب مخبر عنه، سمي التصديق بذلك إيمانا؛ لأنه ائتمان للمخبر؛ لأنه يخبر عن شيء لا نراه , أو شيء غائب لا نراه , فنحن نصدقه , ونؤمن به , يعني: نأمنه على هذا الخبر، إذا توفرت فيه الثقة , هذا في اللغة , الإيمان هو التصديق الذي معه ائتمان على أمر غائب لا نراه , كأن يخبرك أن في البلد الفلاني كذا وكذا، أنت ما ذهبت إليه ولا رأيته , لكن تصدق هذا المخبر وتأتمنه على هذا الخبر، هذا يسمى إيمان في اللغة.
أما الإيمان في الشرع فهو أكثر من ذلك , هو حقيقة شرعية؛
لأن الحقائق عند الأصوليين ثلاث:
- حقيقة شرعية.
- وحقيقة عرفية .
- وحقيقة لغوية .
هذه الحقائق عند الأصوليين , فتعريف الإيمان هنا هو من الحقيقة الشرعية لا الحقيقة اللغوية , ولا العرفية , إنما هو حقيقة شرعية مثل الصلاة، الصلاة حقيقة شرعية , ليست حقيقة لغوية؛ لأن الصلاة في اللغة: الدعاء , مجرد الدعاء صلاة في اللغة ,لكن في الشرع هي أكثر من ذلك ,هي الصلاة المعروفة , وهي أقوال وأفعال مفتتحة بالتكبير , مختتمة بالتسليم هذه هي الصلاة في الشرع.
وكذلك الصيام، كذلك الزكاة , كذلك الحج , كلها حقائق شرعية , فالإيمان حقيقة شرعية:
قول باللسان: وهو النطق بالشهادتين , والذكر , والتسبيح والتهليل، هذا إيمان.
واعتقاد بالقلب: بأن تؤمن وأن يصدق قلبك ما ينطق به لسانك , يصدق قلبك ويوقن بما ينطق به لسانك.
وعمل بالجوارح يعني: بالأعضاء , بأن تتحرك الأعضاء في العبادة والطاعة وترك المعصية والانكفاف عن المعاصي , فليس الإيمان مجرد قول باللسان , وليس هو مجرد عقيدة بالقلب فقط , وليس هو مجرد عمل بدون عقيدة وبدون قول , بل لابد من الأمور الثلاثة مرتبط بعضها ببعض .
والإيمان يزيد بالطاعات: كلما فعل الإنسان طاعة زاد إيمانه .
وينقص بالمعصية: كلما حصل من الإنسان معصية نقص إيمانه، والدليل على الزيادة والنقصان من القرآن... الأدلة كثيرة: { إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربهم يتوكلون }. فدلت الآية على أن الإيمان يزيد , إذا سمع الإنسان القرآن زاد إيمانه , وإذا أبعد عن القرآن نقص إيمانه: { ويزيد الله الذين اهتدوا هدى } ,{ وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيماناً فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً وهم يستبشرون }. كلما نزلت سورة من القرآن زاد إيمانهم: { وأما الذين في قلوبهم مرض } يعني: نفاق وشك , { فزادتهم رجساً إلى رجسهم }؛ لأنهم لا يؤمنون بالقرآن ,وكلما زاد القرآن زاد الشك في قلوبهم، { زادتهم رجساً إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون } , كلما زاد القرآن زاد الشك والريب في قلوبهم والعياذ بالله , فدل على أن الإيمان يزيد: { ويزداد الذين آمنوا إيماناً ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون }. لما أخبر الله عن خزنة جهنم , وأن عليها تسعة عشر , ووافق هذا ما في الكتب السابقة أن خزنة النار تسعة عشر من الملائكة , زاد إيمانهم بذلك , وأهل الكتاب أيضاً صار عندهم ثقة بكتابهم: { ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا }.
لماذا على النار تسعة عشر فقط؟ التسعة عشر كل البشر وكل العالم ما يستطيعون بالرفع أن يتغلبوا عليهم؟ يقولون: كذب على الله تعالى: { وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة } تسعة عشر , لكنهم ملائكة , والملك الواحد يستطيع أن يقهر جميع البشر من أولهم إلى آخرهم بقدرة الله - سبحانه وتعالى – في خلقتهم وقوتهم , فليسوا مثل البشر، الشاهد من الآية { ويزداد الذين آمنوا إيمانا } فدل على أن الإيمان يزيد.
وأما نقصان الإيمان فمن المعلوم أن كل شيء يقبل الزيادة فإنه يقبل النقصان , وأيضاً في الأدلة ما يدل على ذلك , مثل حديث: (الإيمان بضع وسبعون شعبة، فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان). فدل على أن الإيمان يزيد وينقص , وأنه شعب تبلغ بضع وسبعين , أو بضع وستين شعبة، إذا تكاملت هذه الشعب تكامل الإيمان، إذا نقص منها شيء نقص الإيمان , ولهذا قال: (أدناها). (أدناها إماطة الأذى عن الطريق) , أدنى الشعب إماطة الأذى عن الطريق، دل على أن الإيمان فيه أعلى وفيه أدنى، وكذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (من رأى منكم منكراً فليغيره بيده , فإن لم يستطع فبلسانه ,فإن لم يستطيع فبقلبه , وذلك أضعف الإيمان). فدل على أن الإيمان يضعف , وأن هناك إيماناً كاملاً وإيماناً ناقصاً وضعيفاً.
فإنكار المنكر بالقلب هذا أضعف الإيمان , وليس وراءه إيمان، فالذي لا ينكر المنكر بقلبه ليس بمؤمن , لم يبق في قلبه إيمان , فدل على أن الإيمان يقوى ويضعف ويزول بالكلية ,وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل , فهذا دليل على أن الإيمان ينقص ويصير إلى أضعف شيء , ومنه قوله تعالى: { هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان }. جماعة من المنافقين ضعف الإيمان في قلوبهم , ليسوا منافقين النفاق الأكبر , لكنهم منافقون النفاق الأصغر , لكن عظم ذلك في قلوبهم حتى صاروا أقرب إلى الكفر: { هم للكفر يومئذ أقرب منهم للإيمان }.
لم يبق إلا شيء يسير لم يظهر لي المقصود! ويخرجون للكفر , دل على أن الإيمان يضعف؛ حتى يصير قريباً من الكفر، وكذلك في حديث الشفاعة أن الله - جل وعلا – يوم القيامة يقول: (أخرجوا من النار من كان في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان). فدل على أن الإيمان يضعف حتى يكون بمثقال حبة الخردل , وهي أصغر شيء، حبة خردل من إيمان تخرجه من النار يوم القيامة , ودل على فضل الإيمان، وأنه وإن ضعف جدا؛ فإن صاحبه، لا يخلد في النار , فدل على أن الإيمان يضعف إلى هذا الحد.
ولا شك أن إيمان الناس ليس على حد سواء، فإيمان أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - يعدل إيمان الأمة كلها , فلا يستوي إيمان أبي بكر وإيمان الفاسق من المسلمين , لا يستوي أبدا، يتفاوت الإيمان في قلوب الناس , والذي يقول: الإيمان هو التصديق وهو في القلب , وهو لا يتفاوت , هذا قول المرجئة، وعندهم أن إيمان أبي بكر وإيمان أفسق الناس سواء، وهذا غلط كبير , الإيمان في القلوب ليس على حد سواء , يزيد وينقص , ويضعف ويقوى , ويكمل وينقص , ليس على حد سواء , هذا مذهب أهل السنة والجماعة خلافاً للمرجئة، والمرجئة سموا بالمرجئة؛ لأنهم أخروا من الإرجاء وهو التأخير، أخروا الأعمال عن مسمى الإيمان، فقالوا: الإيمان هو مجرد التصديق بالقلب فقط , وأهله في أصله سواء عندهم , لا يتفاضلون , وهم فرق , أخبث المرجئة الذين يقولون: إن الإيمان مجرد المعرفة في القلب , وهذا قول الجهمية , مجرد المعرفة في القلب , فإذا عرف الإنسان ربه يكون مؤمناً: وعلى هذا يكون إبليس مؤمناً؛ لأنه يعرف ربه { قال رب بما أغويتني }.
وفرعون مؤمن وسائر الكفرة يكونون مؤمنين عند هؤلاء؛ لأنهم يعرفون ربهم بقلوبهم , لكنهم أنكروه في ظواهرهم؛ تكبراً وعناداً , فما هناك من أحد لا يعرف ربه أبداً وإنما يجحده وينكره من باب الاستكبار والعناد، هذا قول المرجئة وهو أخبث الأقوال , أنه مجرد المعرفة بالقلب ,وعلى هذا لا يكون على وجه الأرض كافر عندهم،
القول الثاني: قول الأشاعرة:
أن الإيمان هو التصديق بالقلب , ولا تكفي المعرفة , بل لابد من التصديق بالقلب , وهذا قول باطل؛ لأن الكفار يصدقون بقلوبهم , كما قال الله - جل وعلا – { فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون } وقال - جل وعلا –: { وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فانظر كيف كان عاقبة المفسدين }.
فالكفار يصدقون بالرسول صلى الله عليه وسلم بقلوبهم , ويعرفون أنه رسول الله , ولكنهم أبوا الاعتراف برسالته؛ تكبراً وعناداً وحفاظاً على شرفهم بزعمهم ومكانتهم بين الناس , هذا هو الذي حملهم , أو الحمية لأديانهم الباطلة كما قال أبو طالب عند وفاته هو على ملة عبد المطلب , لما قيل له: أترغب عن ملة عبد المطلب؟ عرض عليه النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: لا إله إلا الله فقال له نفر من الكفار كانوا حاضرين عنده وهو في السياق قالوا: أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فأخذته الحمية والعياذ بالله , فقال: هو على ملة عبد المطلب , ومات على ذلك وهو يعرف أن محمداً رسول الله، ولهذا يقول في شعره:
ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينـا
لولا الملامة أو حذار مسبة لوجدتني سمحاً بذاك مبينا
ما منعه إلا خوف الملامة والمسبة من الناس، حملته الحمية الجاهلية على البقاء على الكفر، مع أنه يعرف أنه رسول الله ومات كافراً والعياذ بالله , ولما هم النبي صلى الله عليه وسلم أن يستغفر له قال الله تعالى: { ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم }.
فليس الإيمان مجرد التصديق بالقلب؛ لأن كثيراً من الكفار يصدقون بقلوبهم , ولكنهم أنكروا من باب الجحود والعناد والاستكبار.
وفالفرقة الثالثة الذين يقولون: إن الإيمان تصديق بالقلب ونطق باللسان , وهؤلاء مرجئة الفقهاء , من فقهاء الكوفة , ومنهم الحنفية.
يقولون: الإيمان نطق باللسان واعتقاد بالقلب , ولا يجعلون الأعمال من الإيمان، هؤلاء هم مرجئة الفقهاء،
والفرقة الرابعة من يقول: الإيمان مجرد النطق باللسان فقط، وهذا قول الكرامية , وعندهم أن المنافقين مؤمنون؛ لأنهم يشهدون ألا إله إلا الله أو أن محمداً رسول الله , فهم مؤمنون عند الكرامية؛ لأن الإيمان عندهم مجرد النطق باللسان , وإن لم يعتقد بقلبه هذه فرق المرجئة , وكلها خطأ وضلال , والحق ما ذهب إليه أهل السنة أن الإيمان قول باللسان , واعتقاد بالقلب , وعمل بالجوارح , يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الدرس الثامن
فصل
الإيمان: قول باللسان,وعمل بالأركان,وعقد بالجنان,يزيد بالطاعة,وينقص بالعصيان,قال الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء}.
الشرح:
ما ذكره المؤلف رحمه الله,من تعريف الإيمان,فهذا سبق الكلام عليه في آخر الدرس الماضي,ثم ذكر بعض الأدلة على أن الإيمان قول واعتقاد وعمل,وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية,من ذلك قوله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}.
دلت هذه الآية على أن الإيمان قول وعمل واعتقاد؛ لأن الله سمى هذه الأشياء دين القيمة,والدين والإيمان بمعنى واحد,ودين القيمة يعني: الملة, دين الملة القيمة: المستقيمة,فجعل عبادة الله والإخلاص له,وإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة؛جعل هذه الأمور العظيمة هي دين القيمة,فدل على أن الإيمان يشمل كل هذه الأمور؛ منها ما هو اعتقاد، ومنها ما هو نطق,ومنها ما هو عمل.
المتن:
قال الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة}.فجعل عبادة الله تعالى، وإخلاص القلب، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة؛ كله من الدين.
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة,أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله,وأدناها إماطة الأذى عن الطريق)).
الشرح:
وكذلك هذا الحديث: ((الإيمان بضع وسبعون شعبة)). أي: خصلة. ((أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق,والحياء شعبة من الإيمان)) فجعل هذه الأمور من شعب الإيمان,وهي: قول شهادة أن لا إله إلا الله، فهذا قول,وإماطة الأذى عن الطريق، وهذا عمل,والحياء شعبة من الإيمان، وهذا اعتقاد؛لأن الإيمان من أعمال القلوب,فجعل الإيمان هو الأقوال,وأعمال القلوب، وأعمال الجوارح,فدل على ما قاله أهل السنة والجماعة: أن الإيمان قول وعمل واعتقاد.
المتن:
فجعل القول والعمل من الإيمان.
الشرح:
ودل الحديث على أن للإيمان أعلى وأدنى ,فدل على أنه يزيد وينقص.
المتن:
وقال الله تعالى: {فزادتهم إيماناً}.
الشرح:
{فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناً}.هذه الآية دليل على أن الإيمان يزيد,وأنه ليس شيئاً واحداً؛ كما يقوله المرجئة,وإنما هو شيءٌ يتفاوت، ويزيد وينقص: {زادتهم إيمانا}. هذا صريح في أن الإيمان يزيد؛ بسبب نزول القرآن وسماعه والعمل به.
المتن:
وقال الله تعالى: {ليزدادوا إيماناً}
الشرح:
{هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم}،وذلك في قصة الحديبية,وما جرى فيها من الامتحان للمؤمنين,وأن الكفار منعوهم من أداء العمرة ودخول مكة,وهذا امتحان للمؤمنين,ولكن الله جل وعلا أنزل السكينة في قلوبهم,واستسلموا لأمر الله ورسوله,وخضعوا للصلح مع الكفار,مع أنهم لا يريدونه,ولكن خضعوا له؛طاعة لله,وطاعة لرسوله صلى الله عليه وسلم,وهم يكرهون الصلح , ويريدون دخول مكة.
وقد جعل الله في هذا الصلح خيراً للمسلمين,وذلة على الكافرين, فجعل عاقبته خيراً.
ومن أعظم ما أنتج: أن الحرب وضعت أوزارها بين المسلمين والكفار؛فحصل للمسلمين تنفس,وهاجر من هاجر إلى المدينة بدون أذى,ودخل في الإسلام من يريد الدخول فيه,ولم يلق من يصده؛ بسبب هذا الصلح.وفي النهاية حصل الفتح المبين؛ فتح مكة المشرفة,وهو دخولها في ولاية المسلمين,ونزع أيدي الكفار عنها,كل هذا من ثمرات هذا الصلح العظيم الذي كرهه المسلمون,ولكن الله جعل عاقبته خيراً لهم.والمسلمون انقادوا لحكم الله ورسوله,وأنزل الله السكينة في قلوبهم,فلم يحصل منهم مخالفات أو تصرفات بسبب حماسهم. الله جل وعلا أنزل في قلوبهم السكينة , فهدؤوا وسكنوا,وانقادوا.
وإن كان كثير منهم لا يرضون بهذا الصلح؛لأنهم يعتبرونه وضيعة على المسلمين,ولا يعلمون أن الله جعله عزاً للمسلمين,وأن عاقبته كانت خيرا للمسلمين: {هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم} فدل على أن الذي يستسلم لحكم الله ورسوله,وينقاد له,أن إيمانه يزيد بذلك.
المتن:
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يخرج من النار من قال: لا إله إلا الله,وفي قلبه مثقال برة، أو خردلة، أو ذرة من الإيمان)). فجعله متفاضلا.
الشرح:
النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أنه يخرج من النار يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله - مع إيمان قلبه بمعناها,وتيقنه لمدلولها - وإن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان,وهو متيقن لمعنى هذه الكلمة ، بخلاف الذي يقولها بلسانه وهو لا يعتقد معناها،كالمنافقين ؛ فإنها لا تنفعه.
وفي هذا رد على من يقول: إن الإيمان هو قول باللسان.
وفيه رد على من يرى : أن الإيمان هو التصديق فقط,وأنه شيء واحد, لا يزيد ولا ينقص؛لأن الرسول صلى الله عليه وسلم أخبر أن من كان في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان , وهذا دليل على أن هذا إيمان ضعيف,ولكن لما اجتمع مع قول لا إله إلا الله، واعتقاد معناها؛ نفع ذلك صاحبه,وأخرجه من النار بعد دخولها؛لأنه لا يخلد في النار إلا أهل الشرك والكفر بالله عز وجل.
وأما أهل الإيمان _وإن كان إيمانهم ضعيفاً جداً فهم وإن دخلوا النار بذنوبهم _ فإنهم لا يخلدون فيها,بل يخرجون منها بإيمانهم.
والشاهد من الحديث كما ذكر المصنف -:أن الإيمان يضعف؛ حتى يكون بمقدار حبة خردل؛ رداً على الذين يقولون: إن الإيمان شيء واحد,لا يتفاوت,وهو عمل قلبي فقط.