8/644 - وَعَنْ نُبَيْشَةَ الهُذَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ، وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.
(وَعَنْ نُبَيْشَةَ) بِضَمِّ النُّونِ وَفَتْحِ البَاءِ المُوَحَّدَةِ وَسُكُونِ المُثَنَّاةِ التَّحْتِيَّةِ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ, يُقَالُ لَهُ: نُبَيْشَةُ الخَيْرِ بْنُ عَمْرٍو, وَقِيلَ: ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ (الهُذَلِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَّامُ التَّشْرِيقِ). وَهِيَ ثَلاثَةُ أَيَّامٍ بَعْدَ يَوْمِ النَّحْرِ, وَقِيلَ: يَوْمَانِ بَعْدَ النَّحْرِ.
(أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ. رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضاً مِنْ حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ, وَابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ, وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ بِشْرِ بْنِ سُحَيْمٍ,وَأَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ, وَالبَزَّارُمِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ: ((أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَصَلاةٍ, فَلا يَصُومُهَا أَحَدٌ)).
وَأَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَفِي قِصَّتِهِ,أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْمُرُهُمْ بِإِفْطَارِهَا وَيَنْهَاهُمْ عَنْ صِيَامِهَا,أَيْ: أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
وَأَخْرَجَ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ السَّهْمِيِّ:((أَيَّامُ التَّشْرِيقِ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ وَبِعَالٍ)).البِعَالُ مُوَاقَعَةُ النِّسَاءِ.
وَالحَدِيثُ وَمَا سُقْنَاهُ فِي مَعْنَاهُ دَالٌّ عَلَى النَّهْيِ عَنْ صَوْمِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ,وَإِنَّمَا اخْتُلِفَ هَلْ هُوَ نَهْيُ تَحْرِيمٍ أَوْ تَنْزِيهٍ؟ فَذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لِلتَّحْرِيمِ مُطْلَقاً جَمَاعَةٌ مِن السَّلَفِ وَغَيْرِهِمْ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ فِي المَشْهُورِ,وَهَؤُلاءِ قَالُوا: لا يَصُومُهَا المُتَمَتِّعُ وَلا غَيْرُهُ. وَجَعَلُوهُ مُخَصِّصاً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ}؛ لأَنَّ الآيَةَ عَامَّةٌ فِيمَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَمَا بَعْدَهُ.
وَالحَدِيثُ خَاصٌّ بِأَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَإِنْ كَانَ فِيهِ عُمُومٌ بِالنَّظَرِ إلَى الحَاجِّ وَغَيْرِهِ؛ فَيُرَجَّحُ خُصُوصُهَا لِكَوْنِهِ مَقْصُوداً بِالدَّلالَةِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مَحَلاًّ لِلصَّوْمِ وَأَنَّ ذَاتَهَا بِاعْتِبَارِ مَا هِيَ مُؤَهَّلَةٌ لَهُ كَأَنَّهَا مُنَافِيَةٌ لِلصَّوْمِ، وَذَهَبَت الهَادَوِيَّةُ إلَى أَنَّهُ يَصُومُهَا المُتَمَتِّعُ الفَاقِدُ لِلْهَدْيِ؛لِمَا يُفِيدُهُ سِيَاقُ الآيَةِ ولِرِوَايَةِ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ.
قَالُوا: وَلا يَصُومُهَا القَارِنُ وَالمُحْصَرُ إذَا فَقَدَ الهَدْيَ.
وَذَهَبَ آخَرُونَ إلَى أَنَّهُ يَصُومُهَا المُتَمَتِّعُ وَمَنْ تَعَذَّرَ عَلَيْهِ الهَدْيُ وَهُوَ المُحْصَرُ وَالقَارِنُ؛ لِعُمُومِ الآيَةِ وَلِمَا أَفَادَهُ:
9/645 - وَعَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قَالاَ: لَمْ يُرَخَّصْ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلاَّ لِمَنْ لَمْ يَجِدِالهَدْيَ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ.
(وَعَنْ عَائِشَةَ وَابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالا: لَمْ يُرَخَّصْ) بِصِيغَةِ المَجْهُولِ (فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَنْ يُصَمْنَ إلاَّ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ. رَوَاهُ البُخَارِيُّ). فَإِنَّهُ أَفَادَ أَنَّ صَوْمَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ جَائِزٌ رُخْصَةً لِمَنْ لَمْ يَجِد الهَدْيَ سَواءٌ كَانَ مُتَمَتِّعاً أَوْ قَارِناً أَوْ مُحْصَراً؛لِإِطْلاقِ الحَدِيثِ, بِنَاءً عَلَى أَنَّ فَاعِلَ "يُرَخَّصْ"النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَّهُ مَرْفُوعٌ وَفِي ذَلِكَ أَقْوَالٌ ثَلاثَةٌ.
ثَالِثُها: أَنَّهُ إنْ أَضَافَ ذَلِكَ إلَى عَهْدِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ حُجَّةً وَإِلاَّ فَلا, وَقَدْ وَرَدَ التَّصْرِيحُ بِالفَاعِلِ فِي رِوَايَةٍ للدَّارَقُطْنِيِّ وَالطَّحَاوِيِّ إلاَّ أَنَّهَا بِإِسْنَادٍ ضَعِيفٍ وَلَفْظُهَا: رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِلْمُتَمَتِّعِ إذَا لَمْ يَجِدِ الهَدْيَ أَنْ يَصُومَ أَيَّامَ التَّشْرِيقِ. إلاَّ أَنَّهُ خَصَّ المُتَمَتِّعَ فَلا يَكُونُ حُجَّةً لِأَهْلِ هَذَا القَوْلِ.
وَقَدْ رَوَى البُخَارِيُّ مِنْ فِعْلِ عَائِشَةَ وَأَبِي بَكْرٍ وَفُتْيَا لِعَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلامُ وَذَهَبَ جَمَاعَةٌ إلَى أَنَّ النَّهْيَ لِلتَّنْزِيهِ وَأَنَّهُ يَجُوزُ صَوْمُهَا لِكُلِّ وَاحِدٍ, وَهُوَ قَوْلٌ لا يَنْهَضُ عَلَيْهِ دَلِيلٌ.